بسم الله الرحمن الرحيم
"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
الحرب على غزة...الدوافع والنتائج
بقلم الأستاذ : جهاد عز الدين
لقد بدا واضحا من خلال النشاط المكثف لوزيرة الخارجية الإسرائيلية وزيارتها لبعض العواصم العربية خصوصا مصر وقطر وتهديداتها بقيام الجيش الإسرائيلي بعمليات عسكرية موسعة في قطاع غزة أن الحكومة الإسرائيلية تعدّ لعمل إجرامي كبير في قطاع غزة متذرعة بحجج مختلفة أهمها أن قطاع غزة أصبح يمتلك قوة تسليحية متطورة أهمها الصواريخ التي أصبحت تطال مدن ومستعمرات إسرائيلية مثل عسقلان واسدود وغيرهما- الأمر الذي جعل أكثر مليون إسرائيلي يعيشون تحت طائلة خطر هذه الصواريخ,لذلك حذرت الحكومة المصرية وصرحت عبر وسائل الإعلام أن الحكومة الإسرائيلية تلوح باعتداء قادم على قطاع غزة, وربما لأن التهدئة التي أبرمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمدة ستة شهور وكانت قد انتهت للتو في التاسع عشر من ديسمبر 2008 لم يكن احد يتوقع أن الحكومة الإسرائيلية ستقوم بعدوان غاشم بهذا الحجم من الحقد الأعمى الذي جعلها تشن حربا بكل الوسائل والإمكانيات العسكرية المتاحة لها عبر الجو والبحر والأرض معلنة أن هذه العملية العسكرية في قطاع غزة تتكون من ثلاثة مراحل أنهت منها المرحلة الأولى و الثانية وبدأت في الثالثة والتي كانت تعني الدخول بريا إلى عمق قطاع غزة للإمعان في القتل والتدمير,وقد واجهت في هذه المرحلة مقاومة باسلة من كل الأذرع العسكرية في قطاع غزة من كافة الفصائل والتوجهات السياسية واستبسل المجاهدون في التصدي لآلة العدوان الهمجية واستمروا في إطلاق الصواريخ التي تستطيع أن تصل لأكثر من خمسين كيلومترا رغم الأخطار التي كانت تحدق بالمجاهدين أثناء عملية التصدي وضرب الصواريخ بسبب طائرات الاستطلاع المكثفة التي كانت ترصد أي مكان تطلق منه الصواريخ وتقصفه على الفور دون مراعاة لحجم الدمار الذي يمكن أن يلحقه هذا القصف.
ومن خلال تصريحات تسيفي لفني في فرنسا فهم العالم الرسالة التي تريد أن توصلها للعديد من الأطراف وهي أن دولة إسرائيل قوية وستحافظ على قوة الردع التي ترهب بها كل من يعاديها أو يحاول المساس بها ولا ينصاع لإرادتها وشروطها. وكما هو معروف فإن تسيفي ليفني ضابط سابق في الموساد تنتمي للمدرسة الأمنية الإسرائيلية التي كان يرأسها جابوتنسكي ودان حلوتس التي تؤمن بنظرية "كيّ الوعي" وهي التي أثمرت مع معظم الأنظمة العربية الرسمية التي أصبحت لا تؤمن إلا بأسلوب المفاوضات والسلم وعدم جدوى المواجهة والحرب مع العدو, وهذا ما تريد الحكومة الإسرائيلية الآن أن تغرسه في وعي أهالي قطاع غزة في ظل وجود مقاومة أثرت فعلا عبر سنوات طويلة في هذا الكيان, وبالتالي فإن حكومة الكيان وعلى رأسها باراك وليفني واولمرت تريد أن تنال من الشعب الفلسطيني وتوجه له ضربات مؤلمة في الصميم لكي تؤثر في وعي الشعب الفلسطيني وفي وعي الأمة قاطبة على المدى القريب والبعيد وان تجسد فهما مفاده أن المقاومة واحتضانها والدفاع عنها لن يجلب إلا المجازر وقتل النساء والأطفال وتدمير البيوت والمؤسسات والمنشآت والبنى التحتية, ولكن لم تفلح هذه الممارسات الإجرامية التي ضاقت بها ذرعا كل شعوب المنطقة حتى بعض الأنظمة العربية الرسمية التي أصابها الذل والهوان بفعل الاتفاقيات السلمية المجحفة عبر عقود طويلة أصبحت تتأفف بأسلوب العربدة الإسرائيلي-(لذلك رأينا مصر ترفض إلزامها بقوات دولية على حدودها بعد زيارة ليفني لفرنسا واستعداد فرنسا للمشاركة في عملية متابعة ومراقبة عملية تهريب السلاح إلى قطاع غزة وإرسالها باخرة فرنسية على بحر المتوسط لهذا الغرض).. وبقي أهلنا في قطاع غزة صامدين رغم حجم المجازر التي لم تتورع فيها قوات العدو أن تستخدم الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية التي تذيب جسم الإنسان وتحوله إلى هيكل عظمي.. وبقي شعبنا صابرا محتسبا لاعقا جراحه ومتشبثا بوطنه وأرضه حتى ولو أدى الأمر لأن يدمر البيت فوق رؤوس أهله, وهذا ما حدث فعلا في كل الأماكن من قطاع غزة حتى يأس العدو من إمكانية الاستمرار في المرحلة الثالثة والتي كانت تعتمد على الهجوم البري واتساعه.
إن هذا الصمود لأهلنا في قطاع غزة هو الذي لفت أنظار العالم لما يجري في قطاع غزة, وأصبح الوقت واستمرار العدوان لا يصب في المصلحة الإسرائيلية خصوصا بعد الصدى الإعلامي الهائل الذي تركته هذه المجازر في نفوس كل شعوب العالم, فخرجت المظاهرات الاحتجاجية في كل مكان من العالم حتى في بلاد أوروبا وفي بريطانيا وأمريكا, فضلا عن الدول العربية, لذلك كان الاستمرار في هذه الحرب وفي هذا العدوان يدفع بدولة الكيان إلى مأزق كبير يجعل من قادة الكيان مجرمي حرب يلفظهم العالم ويطالب بمحاكمتهم -الأمر الذي جعل قادة العدو يجتمعون ليقرروا وقف إطلاق النار وليدرسوا بعد ذلك كيفية المحافظة على ضباط الجيش الإسرائيلي الذين نفذوا هذه المجازر حتى لا يتعرضوا لمضايقات أو مشاكل أو ملاحقات عبر العالم في ظل مطالبة أكثر من مئتي جمعية حقوقية في العالم بمحاكمة ومحاسبة قادة إسرائيل وكل من شارك في هذا العدوان, وبالتالي لم يعلن عن أسماء قادة جيشه المشاركين في هذا العدوان.
إن هذا العدوان رفع بلا شك من أسهم المقاومة رغم إمكانياتها المتواضعة, وأعاد إلى الأذهان الصورة الحقيقية البشعة لهذا الكيان المسخ القائم على المجازر والموت والدمار منذ عام 1948 ,فلم تتورع عصابات هذا الكيان عن مسح مدن وقرى وأحياء ومدارس بأكملها مثل دير ياسين وكفر قاسم ومدن القناة المصرية ومدرسة بحر البقر وجنوب بيروت حتى مقرات للأمم المتحدة لم تتورع عن قصفها في بيروت وغزة, بل وصل الأمر بهذه العقلية الإجرامية ان تبيح تدمير المساجد والمستشفيات ,الأمر الذي لا يمكن أن يقره أي عرف أو قانون أو ضمير في العالم.
وبعد مرور أكثر من عشرين يوم على هذا العدوان أصبح السحر ينقلب على الساحر كما يقولون رغم حجم التضحيات الجمّة من الشهداء والجرحى والمؤسسات والمنازل والمساجد المدمرة, وأصبح هناك ارتباك في تصريحات قادة الكيان, وأصبحوا يقولون أن الهدف من هذه العملية هو وقف إطلاق الصواريخ أو على الأقل الحد منها, وانه ليس الهدف هو القضاء على حكومة حماس, وإنما إضعافها, وانه ليس مهما لإسرائيل من يحكم القطاع, ولكن المهم هو المحافظة على امن إسرائيل ومنع إطلاق الصواريخ.أما فيما يتعلق بقضية الجندي المختطف جلعاد شاليط فلم تعلن حكومة الكيان أنها تريد من وراء هذا العدوان تحريره, لأنها بطبيعة الحال غير من متأكدة من إمكانية نجاح هذا الهدف وان كانت تضمره بحيث يكون من الأهداف الخفية لهذا العدوان, لأنه وحسب تقديرات خبراء الحرب يقولون بأن لأي حرب أهداف خفية وأهداف علنية, فموضوع تحرير الجندي شاليط هو من الأهداف الخفية لذلك كانوا يفتشون في المنازل بهستيريا وفي حال عدم نجاحهم في العثور عليه يدمرونها على أهلها بإجرام, وربما يضاف إلى هذه الأهداف هو إحراز تقدم في الانتخابات الصهيونية القريبة في النصف الأول من شهر شباط 2009 لهذا الثلاثي "اولمرت,ليفني وباراك" في محاولة لإقناع الناخب الإسرائيلي انه لا يصلح لقيادة إسرائيل الا من يمتلك الشخصية القوية الفتاكة بكل من يهدد أمنها ..من يمتلك أسلوب الردع الذي قامت عليه إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.
بعد توقف هذا العدوان اثر إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد"وهذا يدل على الاستكبار والعنجهية الإسرائيلية التي ترفض الإذعان لأية شروط وإنها تعتدي وتتوقف متى تريد" ثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني عظيم, وانه هو أداة الانتصار لذلك صرح الدكتور رمضان شلح حفظه الله: "نحن نملك شعبا ورصيدا إنسانيا عظيما"..كما اقر معظم القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة الكويت أن أسلوب القوة لا يمكن أن يحقق لإسرائيل ما تريد .
لقد توقف هذا العدوان ولم ينته الحصار الفارض أطنابه على قطاع غزة, وباتت عملية إعادة إعمار قطاع غزة(والتي لا يجب أن تكون موضع خلاف وتناحر داخلي جديد) تحديا جديدا يواجه أبناء قطاع غزة..توقف العدوان ولكن لا يوجد ثمة ضمانات لتجدده وحدوثه مرة أخرى.. فبقاء هذه الترسانة العسكرية الهائلة والمدمرة في المنطقة سيظل بلا شك يشكل تهديدا كبيرا ليس للشعب الفلسطيني وحده وإنما لكل الشعوب الإسلامية والعربية في المنطقة.وأمام هذه التحديات جميعا لابد من استخلاص العبر وتمتين الجبهة الداخلية والسعي لإنهاء الانقسام الداخلي والكف عن كل ما من شأنه أن يذكي نار الخلاف, وينبغي عدم التعويل على الدور العربي الرسمي الهزيل, أو على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب باراك اوباما الذي لم يصرح ولو بكلمة واحدة حول العدوان الإسرائيلي الغاشم في قطاع غزة إبان العدوان, وتباهى رئيس وزراء إسرائيل ايهود اولمرت انه كان أول رئيس وزراء في العالم يتصل به الرئيس الأمريكي باراك اوباما! -إن الموقف الأمريكي لا يمكن التعويل عليه مطلقا ونحن نرى الكونجرس الأمريكي يؤيد العدوان على غزة بأغلبية 390 صوت مقابل خمسة أصوات فقط عارضت العدوان ,بل ونرى زعيمة الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس بيلوسي تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل والتوقف عن إطلاق الصواريخ ونبذ العنف والتخلص من بنيتها التحتية الإرهابية وتضمن بيانها هذه العبارات والمعاني.
وانه لا يسعنا في حركة الجهاد الإسلامي إلا أن نحيي كل المجاهدين الذين دافعوا عن ثرى هذا الوطن العزيز وعن شرف الأمة وكرامتها وعزتها كما نبرق بالتحية لأبناء شعبنا الصابر المرابط..ونثمن دور أهلنا الذين تمترسوا بمنازلهم, ونؤكد على وقوفنا الكامل إلى جانب كل أبناء شعبنا الذين أصابهم الأذى والضيم مواسين ومؤازرين.. وندعو الله عز وجل أن يتقبل شهدائنا وتضحيات شعبنا وان يشفي جرحانا ..كما نتوجه بالتحية لمجاهدينا في سرايا القدس الأبطال الذين ابلوا بلاءا حسنا فارتقى منهم ما يقرب من أربعين شهيدا.
عاشت فلسطين حرة أبية من النهر إلى البحر
كل التحية لشبنا الصابر المرابط
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
الحرب على غزة...الدوافع والنتائج
بقلم الأستاذ : جهاد عز الدين
لقد بدا واضحا من خلال النشاط المكثف لوزيرة الخارجية الإسرائيلية وزيارتها لبعض العواصم العربية خصوصا مصر وقطر وتهديداتها بقيام الجيش الإسرائيلي بعمليات عسكرية موسعة في قطاع غزة أن الحكومة الإسرائيلية تعدّ لعمل إجرامي كبير في قطاع غزة متذرعة بحجج مختلفة أهمها أن قطاع غزة أصبح يمتلك قوة تسليحية متطورة أهمها الصواريخ التي أصبحت تطال مدن ومستعمرات إسرائيلية مثل عسقلان واسدود وغيرهما- الأمر الذي جعل أكثر مليون إسرائيلي يعيشون تحت طائلة خطر هذه الصواريخ,لذلك حذرت الحكومة المصرية وصرحت عبر وسائل الإعلام أن الحكومة الإسرائيلية تلوح باعتداء قادم على قطاع غزة, وربما لأن التهدئة التي أبرمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمدة ستة شهور وكانت قد انتهت للتو في التاسع عشر من ديسمبر 2008 لم يكن احد يتوقع أن الحكومة الإسرائيلية ستقوم بعدوان غاشم بهذا الحجم من الحقد الأعمى الذي جعلها تشن حربا بكل الوسائل والإمكانيات العسكرية المتاحة لها عبر الجو والبحر والأرض معلنة أن هذه العملية العسكرية في قطاع غزة تتكون من ثلاثة مراحل أنهت منها المرحلة الأولى و الثانية وبدأت في الثالثة والتي كانت تعني الدخول بريا إلى عمق قطاع غزة للإمعان في القتل والتدمير,وقد واجهت في هذه المرحلة مقاومة باسلة من كل الأذرع العسكرية في قطاع غزة من كافة الفصائل والتوجهات السياسية واستبسل المجاهدون في التصدي لآلة العدوان الهمجية واستمروا في إطلاق الصواريخ التي تستطيع أن تصل لأكثر من خمسين كيلومترا رغم الأخطار التي كانت تحدق بالمجاهدين أثناء عملية التصدي وضرب الصواريخ بسبب طائرات الاستطلاع المكثفة التي كانت ترصد أي مكان تطلق منه الصواريخ وتقصفه على الفور دون مراعاة لحجم الدمار الذي يمكن أن يلحقه هذا القصف.
ومن خلال تصريحات تسيفي لفني في فرنسا فهم العالم الرسالة التي تريد أن توصلها للعديد من الأطراف وهي أن دولة إسرائيل قوية وستحافظ على قوة الردع التي ترهب بها كل من يعاديها أو يحاول المساس بها ولا ينصاع لإرادتها وشروطها. وكما هو معروف فإن تسيفي ليفني ضابط سابق في الموساد تنتمي للمدرسة الأمنية الإسرائيلية التي كان يرأسها جابوتنسكي ودان حلوتس التي تؤمن بنظرية "كيّ الوعي" وهي التي أثمرت مع معظم الأنظمة العربية الرسمية التي أصبحت لا تؤمن إلا بأسلوب المفاوضات والسلم وعدم جدوى المواجهة والحرب مع العدو, وهذا ما تريد الحكومة الإسرائيلية الآن أن تغرسه في وعي أهالي قطاع غزة في ظل وجود مقاومة أثرت فعلا عبر سنوات طويلة في هذا الكيان, وبالتالي فإن حكومة الكيان وعلى رأسها باراك وليفني واولمرت تريد أن تنال من الشعب الفلسطيني وتوجه له ضربات مؤلمة في الصميم لكي تؤثر في وعي الشعب الفلسطيني وفي وعي الأمة قاطبة على المدى القريب والبعيد وان تجسد فهما مفاده أن المقاومة واحتضانها والدفاع عنها لن يجلب إلا المجازر وقتل النساء والأطفال وتدمير البيوت والمؤسسات والمنشآت والبنى التحتية, ولكن لم تفلح هذه الممارسات الإجرامية التي ضاقت بها ذرعا كل شعوب المنطقة حتى بعض الأنظمة العربية الرسمية التي أصابها الذل والهوان بفعل الاتفاقيات السلمية المجحفة عبر عقود طويلة أصبحت تتأفف بأسلوب العربدة الإسرائيلي-(لذلك رأينا مصر ترفض إلزامها بقوات دولية على حدودها بعد زيارة ليفني لفرنسا واستعداد فرنسا للمشاركة في عملية متابعة ومراقبة عملية تهريب السلاح إلى قطاع غزة وإرسالها باخرة فرنسية على بحر المتوسط لهذا الغرض).. وبقي أهلنا في قطاع غزة صامدين رغم حجم المجازر التي لم تتورع فيها قوات العدو أن تستخدم الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية التي تذيب جسم الإنسان وتحوله إلى هيكل عظمي.. وبقي شعبنا صابرا محتسبا لاعقا جراحه ومتشبثا بوطنه وأرضه حتى ولو أدى الأمر لأن يدمر البيت فوق رؤوس أهله, وهذا ما حدث فعلا في كل الأماكن من قطاع غزة حتى يأس العدو من إمكانية الاستمرار في المرحلة الثالثة والتي كانت تعتمد على الهجوم البري واتساعه.
إن هذا الصمود لأهلنا في قطاع غزة هو الذي لفت أنظار العالم لما يجري في قطاع غزة, وأصبح الوقت واستمرار العدوان لا يصب في المصلحة الإسرائيلية خصوصا بعد الصدى الإعلامي الهائل الذي تركته هذه المجازر في نفوس كل شعوب العالم, فخرجت المظاهرات الاحتجاجية في كل مكان من العالم حتى في بلاد أوروبا وفي بريطانيا وأمريكا, فضلا عن الدول العربية, لذلك كان الاستمرار في هذه الحرب وفي هذا العدوان يدفع بدولة الكيان إلى مأزق كبير يجعل من قادة الكيان مجرمي حرب يلفظهم العالم ويطالب بمحاكمتهم -الأمر الذي جعل قادة العدو يجتمعون ليقرروا وقف إطلاق النار وليدرسوا بعد ذلك كيفية المحافظة على ضباط الجيش الإسرائيلي الذين نفذوا هذه المجازر حتى لا يتعرضوا لمضايقات أو مشاكل أو ملاحقات عبر العالم في ظل مطالبة أكثر من مئتي جمعية حقوقية في العالم بمحاكمة ومحاسبة قادة إسرائيل وكل من شارك في هذا العدوان, وبالتالي لم يعلن عن أسماء قادة جيشه المشاركين في هذا العدوان.
إن هذا العدوان رفع بلا شك من أسهم المقاومة رغم إمكانياتها المتواضعة, وأعاد إلى الأذهان الصورة الحقيقية البشعة لهذا الكيان المسخ القائم على المجازر والموت والدمار منذ عام 1948 ,فلم تتورع عصابات هذا الكيان عن مسح مدن وقرى وأحياء ومدارس بأكملها مثل دير ياسين وكفر قاسم ومدن القناة المصرية ومدرسة بحر البقر وجنوب بيروت حتى مقرات للأمم المتحدة لم تتورع عن قصفها في بيروت وغزة, بل وصل الأمر بهذه العقلية الإجرامية ان تبيح تدمير المساجد والمستشفيات ,الأمر الذي لا يمكن أن يقره أي عرف أو قانون أو ضمير في العالم.
وبعد مرور أكثر من عشرين يوم على هذا العدوان أصبح السحر ينقلب على الساحر كما يقولون رغم حجم التضحيات الجمّة من الشهداء والجرحى والمؤسسات والمنازل والمساجد المدمرة, وأصبح هناك ارتباك في تصريحات قادة الكيان, وأصبحوا يقولون أن الهدف من هذه العملية هو وقف إطلاق الصواريخ أو على الأقل الحد منها, وانه ليس الهدف هو القضاء على حكومة حماس, وإنما إضعافها, وانه ليس مهما لإسرائيل من يحكم القطاع, ولكن المهم هو المحافظة على امن إسرائيل ومنع إطلاق الصواريخ.أما فيما يتعلق بقضية الجندي المختطف جلعاد شاليط فلم تعلن حكومة الكيان أنها تريد من وراء هذا العدوان تحريره, لأنها بطبيعة الحال غير من متأكدة من إمكانية نجاح هذا الهدف وان كانت تضمره بحيث يكون من الأهداف الخفية لهذا العدوان, لأنه وحسب تقديرات خبراء الحرب يقولون بأن لأي حرب أهداف خفية وأهداف علنية, فموضوع تحرير الجندي شاليط هو من الأهداف الخفية لذلك كانوا يفتشون في المنازل بهستيريا وفي حال عدم نجاحهم في العثور عليه يدمرونها على أهلها بإجرام, وربما يضاف إلى هذه الأهداف هو إحراز تقدم في الانتخابات الصهيونية القريبة في النصف الأول من شهر شباط 2009 لهذا الثلاثي "اولمرت,ليفني وباراك" في محاولة لإقناع الناخب الإسرائيلي انه لا يصلح لقيادة إسرائيل الا من يمتلك الشخصية القوية الفتاكة بكل من يهدد أمنها ..من يمتلك أسلوب الردع الذي قامت عليه إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.
بعد توقف هذا العدوان اثر إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد"وهذا يدل على الاستكبار والعنجهية الإسرائيلية التي ترفض الإذعان لأية شروط وإنها تعتدي وتتوقف متى تريد" ثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني عظيم, وانه هو أداة الانتصار لذلك صرح الدكتور رمضان شلح حفظه الله: "نحن نملك شعبا ورصيدا إنسانيا عظيما"..كما اقر معظم القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة الكويت أن أسلوب القوة لا يمكن أن يحقق لإسرائيل ما تريد .
لقد توقف هذا العدوان ولم ينته الحصار الفارض أطنابه على قطاع غزة, وباتت عملية إعادة إعمار قطاع غزة(والتي لا يجب أن تكون موضع خلاف وتناحر داخلي جديد) تحديا جديدا يواجه أبناء قطاع غزة..توقف العدوان ولكن لا يوجد ثمة ضمانات لتجدده وحدوثه مرة أخرى.. فبقاء هذه الترسانة العسكرية الهائلة والمدمرة في المنطقة سيظل بلا شك يشكل تهديدا كبيرا ليس للشعب الفلسطيني وحده وإنما لكل الشعوب الإسلامية والعربية في المنطقة.وأمام هذه التحديات جميعا لابد من استخلاص العبر وتمتين الجبهة الداخلية والسعي لإنهاء الانقسام الداخلي والكف عن كل ما من شأنه أن يذكي نار الخلاف, وينبغي عدم التعويل على الدور العربي الرسمي الهزيل, أو على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب باراك اوباما الذي لم يصرح ولو بكلمة واحدة حول العدوان الإسرائيلي الغاشم في قطاع غزة إبان العدوان, وتباهى رئيس وزراء إسرائيل ايهود اولمرت انه كان أول رئيس وزراء في العالم يتصل به الرئيس الأمريكي باراك اوباما! -إن الموقف الأمريكي لا يمكن التعويل عليه مطلقا ونحن نرى الكونجرس الأمريكي يؤيد العدوان على غزة بأغلبية 390 صوت مقابل خمسة أصوات فقط عارضت العدوان ,بل ونرى زعيمة الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس بيلوسي تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل والتوقف عن إطلاق الصواريخ ونبذ العنف والتخلص من بنيتها التحتية الإرهابية وتضمن بيانها هذه العبارات والمعاني.
وانه لا يسعنا في حركة الجهاد الإسلامي إلا أن نحيي كل المجاهدين الذين دافعوا عن ثرى هذا الوطن العزيز وعن شرف الأمة وكرامتها وعزتها كما نبرق بالتحية لأبناء شعبنا الصابر المرابط..ونثمن دور أهلنا الذين تمترسوا بمنازلهم, ونؤكد على وقوفنا الكامل إلى جانب كل أبناء شعبنا الذين أصابهم الأذى والضيم مواسين ومؤازرين.. وندعو الله عز وجل أن يتقبل شهدائنا وتضحيات شعبنا وان يشفي جرحانا ..كما نتوجه بالتحية لمجاهدينا في سرايا القدس الأبطال الذين ابلوا بلاءا حسنا فارتقى منهم ما يقرب من أربعين شهيدا.
عاشت فلسطين حرة أبية من النهر إلى البحر
كل التحية لشبنا الصابر المرابط
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تعليق