تويت
الأسير المحرر القيادي في "الجهاد" ياسر صالح لـ"الاستقلال": "أوسلو" و"الانقسام" و"الحزبية" سهام أدت إلى تعميق الشرخ داخل الحركة الأسيرة
2/25/2009
الأسرى يرقبون صفقة التبادل على أحر من الجمر بعد أن خذلتهم المفاوضات العبثية
حاوره / محمد سلطانة
على أحر من الجمر، كانت الجموع الغفيرة مساء الأحد الماضي22/2/2009م، تنتظر اجتياز الأسير المحرر ياسر صالح "أبو أسامة" حاجز معبر بيت حانون الاحتلالي، في شمال قطاع غزة، عائدا من قلاع الأسر في معتقلات الاحتلال الصهيوني التي أمضى فيها خمسة عشر عاما متواصلة، بتهمة قيادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الذي كان يعرف في ذاك الحين باسم القوى /الإسلامية المجاهدة "قسم".
فما أن لاح الأسير المحرر "أبو أسامة" في الأفق حتى علت صيحات التهليل والتكبير من الآلاف الذين احتشدوا على بعد عشرات الأمتار من حاجز بيت حانون "إيرز" يتقدمهم عدد من قادة وكوادر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين من بينهم الدكتور القيادي جميل يوسف، بالإضافة إلى قيادات وطنية وإسلامية أخرى.
ويعتبر الأسير المحرر "صالح" من قادة الحركة الوطنية الأسيرة، كما يعتبر من أبرز صناع القرار على مستوى الأسرى في السجون الصهيونية، وقد أمضى زهرة شبابه متنقلا بين سجون ومعتقلات الاحتلال الصهيوني، بتهمة مقاومة الاحتلال، حيث اعتقل بتاريخ 8/2/1994م، من منزله بمخيم جباليا للاجئين شمال غزة. حيث حوّل السجن إلى قلعة للعلم والمعرفة عبر قراءته للمئات من الكتب والمؤلفات الفكرية المتعددة، حتى بات محاضرا في الندوات العامة والخاصة على مستوى السجن.
"الاستقلال" كانت في استقبال الأسير المحرر وأجرت معه الحوار التالي:
"أبو أسامة" ينعم بالحرية
*بداية ما هو شعورك وأنت بين أهلك وإخوانك بعد اعتقال دام خمسة عشر عاما؟
- قبل أن أتحدث عن شعوري، أسأل الله عز وجل كما جمعني بأحبابي وأهلي خارج المعتقل أن يجمعني بإخواني الذين تركتهم خلف أسوار السجن والمعتقل، متمنيا أن يفرج كربهم في أقرب فرصة ممكنة لينعموا بالعيش بكرامة بين أبناء شعبهم.
أما شعوري فهو بكل تأكيد شعور ممزوج بالفرح والحزن، فأنا سعيد جدا بالعودة إلى أهلي وأحبابي وإخواني، وبنفس القدر أنا حزين ومتألم لفراق أخوة لنا في الأسر، مضى على اعتقالهم عشرات السنين، لا لشيء سوى أنهم رفضوا الذل والخنوع والقبول بالمشروع الاستعماري الذي تقوده أمريكا في المنطقة عبر رأس حربتها "إسرائيل".
فكم جميل أن ينعم الإنسان بالحرية ليكون قادرا على تحقيق أهدافه وتطلعاته الكبيرة التي حلم بها طوال السنين الماضية، فالمشهد الرائع الذي رأيته من إخواني وأحبابي لحظة دخولي أراضي القطاع يشعرني بالتواضع أمام تلك الطاقة المتدفقة من بين جوانب المستقبلين، والتي تحتم علينا تقديم أقصى ما نملك من طاقات في سبيل الغاية السامية التي قاتلنا من أجلها منذ سنين، ألا وهي استعادة الأوطان وإقامة شرع الله المعطّل في الأرض.
أوضاع الأسرى
* لو تحدثنا عن أوضاع الأسرى في المعتقلات الصهيونية؟
- حقيقة الحديث في هذا السياق يطول، لكن باختصار أستطيع أن أقول أن وضع الأسرى في السجون منذ توقيع اتفاقية "أوسلو" بدأ في التدهور والتراجع، وذلك لانشغال أصحاب القرار بالوهم المسمى "عملية السلام"، وهو ما جعل البعض ينظر إلى الأسير وكأنه أنهى حياته النضالية وأن عليه من الآن وصاعدا الجلوس على الكراسي في انتظار الراتب، وهو ما جعل الكثيرين من الأسرى يتوقفون عن ممارسة الكثير من النشاطات التي كانت تعبئ القاعدة الاعتقالية سواء على المستوى الإداري أو الثقافي أو الأمني والأسوأ من ذلك ربط الأسير بالواقع الخارجي وإيهامه بان مهمته النضالية انتهت عند هذا الحد ولن يكون له أي دور عقب خروجه من السجن.
وهناك مسألة أخرى أساءت للحركة الأسيرة، وهي غياب البعد التنظيمي والإداري والثقافي وحتى الأمني، من داخل الأسر، فيما حلت ثقافة "الشللية" واتباع الأهواء والرغبات الذاتية بدلا عن ذلك. فعندما غابت تلك المفاهيم السامية انعكس ذلك على أوضاعنا داخل الأسر.
الأسرى والانقسام
* ما مدى تأثير الانقسام الفلسطيني على الحركة الأسيرة؟
- لقد كان الانعكاس والتأثير في اتجاهين، انعكاس جغرافي "الواقع" كان في السابق نعيش سوياً بجانب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وكان موجود في القسم الواحد كل الفصائل متعايشون مع بعضهم البعض، حاليا أصبح وللأسف أسرى فصائل منظمة التحرير في جانب وأسرى حركتي حماس والجهاد الإسلامي في جانب آخر، هذا كله كان نتيجة طبيعية للنزاع المأساوي والانشقاق في البيت الفلسطيني، كما كان لإدارة السجن دور كبير في تعزيز هذه الشرخ وتعميق الجرح الفلسطيني بفصل الإخوة في فصائل منظمة التحرير عن حماس والجهاد داخل المعتقل الواحد وهذا شكل ضربة قوية في بنيان وجسم الحركة الأسيرة، لتصبح ضعيفة ومفتتة في مواجهة الإدارة كما كانت في السابق في وحدتها.
لقد تغيب الهم الكبير الذي كنا نعيش له ألا وهو "فلسطين القضية والهوية والتاريخ" وأصبح هم الأسرى اليومي هو "فتح " و"حماس "، حيث بتنا نشعر أن المصالح الحزبية أصبحت سقفا أعلى من القضية الفلسطينية، وهذا شيء خطير جداً ونسأل الله أن يعافينا منه وأن تعود اللحمة ووحدة الصف إلى سابق عهدها، حين كنا نؤمن ونعمل على أن تكون فلسطين مركزية عملنا، ومصدر إلهامنا لتكثيف جهدنا لتحقيق وعد الله في الأرض.
مطالب الأسرى
ما هي مطالب الأسرى من المتحاورين في القاهرة؟
- الإنسان الواعي والذي يدرك أنه اعتقل من أجل قضية لا يمكن أن يوافق أن يبقى نزاع في صفوف الشعب الفلسطيني، بالعكس يعتبر هذا مساهمة في تغليب العدو وبالتالي كل إنسان صاحب قضية يؤمن بوحدة الصف كخطوة أساسية من الخطى نحو تحرير فلسطين، مسألة الحوار فيها سرية أكثر مما نسمع عبر الإعلام، أحيانا نسمع أشياء وينبؤك الواقع بشيء آخر قد تسمع بقرب حدوث حوار أو الوصول إلى نتائج، فعند ذلك ترى الأمور عكس ذلك وقد لا تبدأ من البداية أصلاً.
فالأسرى بكافة توجهاتهم واختلافاتهم التنظيمية يطالبون المتحاورون في القاهرة لا سيما حركتي فتح وحماس، بضرورة التكاتف من جديد وتغليب المصلحة العامة على مصالحهم الضيقة والحزبية، وأن يجعلوا من فلسطين جامعة لهم لا سببا للتشتت والتفرق والضياع.
الأسرى و"شاليط"
*كيف ينظر الأسرى إلى صفقة التبادل المرتقبة مع الجندي الصهيوني الاسير جلعاد شاليط؟
- بداية أهم مطلب للأسير هو الخروج من عتمة السجن إلى الحرية، ولكن إذا ارتبطت هذه الحرية بعامل القوة تصبح ذات معنى أسمى وأكثر رغبة في أن يكون الأسير حينما يشعر بأنه يخرج عزيزاً مكرماً نتيجة أن هناك جندي صهيوني وقع في قبضة المقاومة، وفرض على هذا العدو أن يطلق سراح هؤلاء الأبطال وينتظر هذه اللحظة التي تجعله أكثر عزةً وكرامة وهي لحظة التبادل.
فالمفاوضات العبثية التي كانت تجريها السلطة في سبيل إطلاق دفعات من الأسرى، لم تلبي الحد الأدنى من تطلعات الحركة الأسيرة، خاصة وأن من يتم إطلاق سراحه جراء تلك الصفقات غالبا من تكون مدة محكوميتهم قد شارفت على الانتهاء أو ممن اعتقلوا على خلفيات جنائية أو مخالفات لا علاقة لها بالمشروع التحرري والمقاوم، ولذلك بات الاسرى أكثر تطلعا بصفقة تلبي طموحاتهم وتعيد لهم حريتهم.
وفي الآونة الأخيرة ومنذ بداية هذا القرن وتمكن حزب الله من أسر جنود صهاينة تحديدا في عام 2000م، ومنها إلى عملية الأسر في صيف 2006م، إلي عملية الأسر في غزة في ذات العام، كل ذلك أعطى بارقة أمل جديدة بالنسبة للمعتقلين القدامى وأصحاب الأحكام العالية ممن شاركوا في عمليات أدت إلى مقتل وجرح صهاينة، بإمكانية إطلاق سراحهم في يوم من الأيام مكرمين دون أن يضطروا إلى التعهد بعدم ممارسة المقاومة ضد الاحتلال، كما كان يجري مع من يطلق سراحهم جراء عمليات التفاوض مع السلطة الفلسطينية.
تعليق