عندما كتبت مقالاً قبل بضعة اشهر يحمل عنوان اخجل من كوني فلسطينياً في تعليقي علي الاشتباكات الدموية التي وقعت بين مسلحين من حركتي فتح و حماس ، فوجئت بان الكثيرين اساؤوا فهمي، واعتقدوا انني اتنصل من انتمائي الفلسطيني، بل ان بعض انصار حركة حماس ذهبوا الي ابعد من ذلك، وشنوا هجوماً شرساً ضدي، نشرنا بعضا منه في هذه الصحيفة، ونشر الكثير من المقالات في مواقع الحركة الرسمية، وبعضها خرج عن نطاق ادب الحوار، الذي من المفترض ان يكون من سمات المسلم واخلاقياته، وقالوا انني ساويت بين الجلاد والضحية في توجيه اللوم، الجلاد هو حركة فتح واجهزتها الامنية، والضحية حركة حماس . ومن بين هؤلاء اللائمين مسؤولون كبار في حماس لأفاجأ، وبعد ايام قليلة باتفاق صلح مكة الذي اسس لشراكة سياسية بين التنظيمين اثمرت عن حكومة وحدة وطنية وتقاسم الوزارات والمناصب، وشاهدنا الجلاد يعانق الضحية علي شاشات التلفزة، وبعض قادة حماس يتبادلون النكات مع رأس الفتنة ، وموقعي اتفاقات اوسلو.
قطاع غزة شهد في اليومين الماضيين صدامات دموية اسوأ من تلك التي سبقتها، سقط ضحيتها حتي الآن اكثر من عشرين فلسطينياً ولا يلوح في الافق اي امل بتوقف هذه الاشتباكات عما قريب، فاتفاقات وقف القتال لا تصمد الا لساعات، ان لم يكن لدقــائق معـــدودة، ولا احد يعرف، من المواطنين الابرياء الذين التزموا منازلهم خوفاً ورعباً، لماذا هذا التقاتل ولمصلحة من.
انه اقتتال مخجل بكل المقاييس، ولا يوجد له اي مبرر، ويكشف عن جهل مطلق في صفوف الجانبين المتقاتلين، وانعدام الحكمة لدي قياداتهما، وحدوث انهيار في القيم الوطنية، وغياب الرؤية المسؤولة في مثل هذا الظرف الصعب.
يتقاتلون علي سلطة وهمية، او جيفة متعفنة، وصلاحيات شكلية، فلا السلطة سلطة، ولا الوزراء وزراء، ولا السفراء سفراء. لقد كذبنا الكذبة وصدقناها، وتحولنا الي ضحايا لها.
علينا ان نعترف اننا فشلنا في التعايش ونحن ابناء الوطن الواحد، والقضية الواحدة، فشلنا في اقامة مؤسسات، وتطوير ادوات حكم، وتكريس ديمقراطية وليدة، واعتماد الحوار العقلاني البناء كأسلوب وحيد لحل الأزمات، وتجنب الصدامات.
طالبنا مرارا وتكرارا بحل السلطة، وسخرنا منها، وقلنا انها وكل ما يتفرع عنها هو نبتة خبيثة، لا تتمتع بأي شرعية، فلا سلطة تحت الاحتلال، ولا ديمقراطية في ظل حرابه، ولكن طالما ان البعض اختلف معنا والملايين من امثالنا في وجهة النظر هذه، وقرر ان يمضي قدماً في هذه الأكذوبة، فقد كان عليه ان يقدم البديل الافضل، طالما انه يتذرع بخدمة مصالح الشعب الفلسطيني ويريد تخفيف معاناته، من حيث بناء المؤسسات علي أسس علمية ومهنية صحيحة، وتحسين الاوضاع المعيشية والتأسيس لبناء دولة واسلوب حكم وفق المعايير العصرية.
الشعب الفلسطيني بات يائساً محبطاً مجوعاً، يعيش حالة من القلق علي حاضره، والرعب علي مستقبله، فقد خيبت قياداته الفلسطينية في الجانبين آماله، وجعلته يعيش ظروفاً لا تقل سوءاً عن اوضاع اشقائه في العراق، رغم ان الطائفية المذهبية ليست موجودة في اراضيه، ولكن هناك من يريد تحويل الفصائلية الي طائفية سياسية تقود الي حرب اهلية.
لا يجب ان نعلق فشلنا واقتتالنا الداخلي كله علي اسرائيل وامريكا والعرب، وان كان هـــذا الثالوث يتحمل اللــــوم جزئياً، ولكن اللوم كله يتحمله الفلسطينيون انفسهم وقياداتهم التي اوقعتهم في هذا المستنقع الدموي.
لن نساوي بين الجلاد والضحية هذه المرة، لانهم كلهم جلادون، وكلهم ضحايا في الوقت نفسه، والضحية الاكبر هو الشعب الفلسطيني الصابر المحبط الذي يقع بين فكي كماشة الاحتلال والحرب الفصائلية المجنونة التي تحصد ارواح ابنائه.
الاراضي الفلسطينية المحتلة تعيش حالة من الفوضي الدموية، هي ثمرة السياسات الارتجالية، والفلتان الامني، والانهيار الاخلاقي، وانعدام الرؤية والجدية، وغياب ابسط ابجديات الوعي السياسي المطلوب في ظل احتلال ظالم قمعي عنصري دموي.
ما يجري في الارض المحتلة حاليا هو انعكاس لاختلاط الاوراق، وانقلاب المعايير، فلم يعد المرء يفرق بين السلطة والمعارضة، المقاومة او الحكومة، من هم مع اتفاقات اوسلو او من هم ضدها، من هو مع الهدنة واستمرارها ومن هو مع خرقها، من هو الحاكم ومن هو المحكوم، من الذي سيذهب قتلاه الي الجنة ومن الذي سيذهب قتلاه الي النار.
من الواضح ان الفلتان الامني لم يعد يقتصر علي الشارع فقط، وانما يمتد حاليا الي الميليشيات المسلحة، فالقيادات السياسية لم تعد تسيطر علي مسلحيها، والاجهزة الامنية في الجانبين باتت تتصرف باستقلالية تامة عن قياداتها، وهذا ما يفسر عدم صمود اتفاقات وقف اطلاق النار.
قلناها قبل عدة اسابيع، بان اتفاق مكة لم يكن مقبولا من المتشددين في الفصيلين الموقعين عليه. فالجناح العسكري في حركة حماس كان غير راض عن استمرار الهدنة وتجميد عمليات المقاومة والاستشهادية منها علي وجه الخصوص، اما الجناح المؤيد لنهج اوسلو في السلطة، فكان يعمل علي تقويضه لانه لا يريد الشراكة السياسية، وحكومة الوحدة الوطنية، وانما المواجهات الدموية لاستئصال المقاومة وفصائلها لارضاء امريكا وبما يؤدي الي عودة حكومات الفساد، واستئناف المفاوضات واقامة دولة فلسطينية مسخ بشروط اسرائيلية.
الذين وقعوا اتفاق مكة من الجانبين في مظاهرة احتفالية تخللتها خطابات مدحية غير مسبوقة، او غير معروفة في ادبيات الثوار لم يحصلوا علي اي ضمانات صلبة بامكانية رفع الحصار المالي التجويعي عن الشعب الفلسطيني، والاعتراف الدولي، والامريكي علي وجه الخصوص، بالحكومة التي ستتمخض عنه، الامر الذي اضعف مصداقية هؤلاء في اعين ابناء جلدتهم، وأدي الي تأكيد وجهة نظر المعارضين له، وللعملية السياسية تحت الاحتلال برمتها.
نعرف من هو الخاسر الاكبر من هذه الصدامات الدموية، مثلما نعرف ايضا من هو الكاسب الاكبر. فايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل لم يعد بحاجة الي ارسال قواته لاجتياح قطاع غزة مجددا، وارتكاب مجازر جديدة ضد ابنائه الصامدين، ونسف بيوتهم فوق رؤوس ساكنيها مثلما جرت العادة في المرات السابقة، فمن المؤلم ان المتناحرين علي المناصب الوزارية، والصلاحيات الوهمية قد اعفوه من هذه المهمة، وخففوا الضغوط الداخلية علي حكومته، واخرجوه، والدولة العبرية بأسرها من ازمتها السياسية الراهنة.
فهل هناك حمقي واغبياء سياسيا ووطنيا اكثر من هؤلاء؟
قطاع غزة شهد في اليومين الماضيين صدامات دموية اسوأ من تلك التي سبقتها، سقط ضحيتها حتي الآن اكثر من عشرين فلسطينياً ولا يلوح في الافق اي امل بتوقف هذه الاشتباكات عما قريب، فاتفاقات وقف القتال لا تصمد الا لساعات، ان لم يكن لدقــائق معـــدودة، ولا احد يعرف، من المواطنين الابرياء الذين التزموا منازلهم خوفاً ورعباً، لماذا هذا التقاتل ولمصلحة من.
انه اقتتال مخجل بكل المقاييس، ولا يوجد له اي مبرر، ويكشف عن جهل مطلق في صفوف الجانبين المتقاتلين، وانعدام الحكمة لدي قياداتهما، وحدوث انهيار في القيم الوطنية، وغياب الرؤية المسؤولة في مثل هذا الظرف الصعب.
يتقاتلون علي سلطة وهمية، او جيفة متعفنة، وصلاحيات شكلية، فلا السلطة سلطة، ولا الوزراء وزراء، ولا السفراء سفراء. لقد كذبنا الكذبة وصدقناها، وتحولنا الي ضحايا لها.
علينا ان نعترف اننا فشلنا في التعايش ونحن ابناء الوطن الواحد، والقضية الواحدة، فشلنا في اقامة مؤسسات، وتطوير ادوات حكم، وتكريس ديمقراطية وليدة، واعتماد الحوار العقلاني البناء كأسلوب وحيد لحل الأزمات، وتجنب الصدامات.
طالبنا مرارا وتكرارا بحل السلطة، وسخرنا منها، وقلنا انها وكل ما يتفرع عنها هو نبتة خبيثة، لا تتمتع بأي شرعية، فلا سلطة تحت الاحتلال، ولا ديمقراطية في ظل حرابه، ولكن طالما ان البعض اختلف معنا والملايين من امثالنا في وجهة النظر هذه، وقرر ان يمضي قدماً في هذه الأكذوبة، فقد كان عليه ان يقدم البديل الافضل، طالما انه يتذرع بخدمة مصالح الشعب الفلسطيني ويريد تخفيف معاناته، من حيث بناء المؤسسات علي أسس علمية ومهنية صحيحة، وتحسين الاوضاع المعيشية والتأسيس لبناء دولة واسلوب حكم وفق المعايير العصرية.
الشعب الفلسطيني بات يائساً محبطاً مجوعاً، يعيش حالة من القلق علي حاضره، والرعب علي مستقبله، فقد خيبت قياداته الفلسطينية في الجانبين آماله، وجعلته يعيش ظروفاً لا تقل سوءاً عن اوضاع اشقائه في العراق، رغم ان الطائفية المذهبية ليست موجودة في اراضيه، ولكن هناك من يريد تحويل الفصائلية الي طائفية سياسية تقود الي حرب اهلية.
لا يجب ان نعلق فشلنا واقتتالنا الداخلي كله علي اسرائيل وامريكا والعرب، وان كان هـــذا الثالوث يتحمل اللــــوم جزئياً، ولكن اللوم كله يتحمله الفلسطينيون انفسهم وقياداتهم التي اوقعتهم في هذا المستنقع الدموي.
لن نساوي بين الجلاد والضحية هذه المرة، لانهم كلهم جلادون، وكلهم ضحايا في الوقت نفسه، والضحية الاكبر هو الشعب الفلسطيني الصابر المحبط الذي يقع بين فكي كماشة الاحتلال والحرب الفصائلية المجنونة التي تحصد ارواح ابنائه.
الاراضي الفلسطينية المحتلة تعيش حالة من الفوضي الدموية، هي ثمرة السياسات الارتجالية، والفلتان الامني، والانهيار الاخلاقي، وانعدام الرؤية والجدية، وغياب ابسط ابجديات الوعي السياسي المطلوب في ظل احتلال ظالم قمعي عنصري دموي.
ما يجري في الارض المحتلة حاليا هو انعكاس لاختلاط الاوراق، وانقلاب المعايير، فلم يعد المرء يفرق بين السلطة والمعارضة، المقاومة او الحكومة، من هم مع اتفاقات اوسلو او من هم ضدها، من هو مع الهدنة واستمرارها ومن هو مع خرقها، من هو الحاكم ومن هو المحكوم، من الذي سيذهب قتلاه الي الجنة ومن الذي سيذهب قتلاه الي النار.
من الواضح ان الفلتان الامني لم يعد يقتصر علي الشارع فقط، وانما يمتد حاليا الي الميليشيات المسلحة، فالقيادات السياسية لم تعد تسيطر علي مسلحيها، والاجهزة الامنية في الجانبين باتت تتصرف باستقلالية تامة عن قياداتها، وهذا ما يفسر عدم صمود اتفاقات وقف اطلاق النار.
قلناها قبل عدة اسابيع، بان اتفاق مكة لم يكن مقبولا من المتشددين في الفصيلين الموقعين عليه. فالجناح العسكري في حركة حماس كان غير راض عن استمرار الهدنة وتجميد عمليات المقاومة والاستشهادية منها علي وجه الخصوص، اما الجناح المؤيد لنهج اوسلو في السلطة، فكان يعمل علي تقويضه لانه لا يريد الشراكة السياسية، وحكومة الوحدة الوطنية، وانما المواجهات الدموية لاستئصال المقاومة وفصائلها لارضاء امريكا وبما يؤدي الي عودة حكومات الفساد، واستئناف المفاوضات واقامة دولة فلسطينية مسخ بشروط اسرائيلية.
الذين وقعوا اتفاق مكة من الجانبين في مظاهرة احتفالية تخللتها خطابات مدحية غير مسبوقة، او غير معروفة في ادبيات الثوار لم يحصلوا علي اي ضمانات صلبة بامكانية رفع الحصار المالي التجويعي عن الشعب الفلسطيني، والاعتراف الدولي، والامريكي علي وجه الخصوص، بالحكومة التي ستتمخض عنه، الامر الذي اضعف مصداقية هؤلاء في اعين ابناء جلدتهم، وأدي الي تأكيد وجهة نظر المعارضين له، وللعملية السياسية تحت الاحتلال برمتها.
نعرف من هو الخاسر الاكبر من هذه الصدامات الدموية، مثلما نعرف ايضا من هو الكاسب الاكبر. فايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل لم يعد بحاجة الي ارسال قواته لاجتياح قطاع غزة مجددا، وارتكاب مجازر جديدة ضد ابنائه الصامدين، ونسف بيوتهم فوق رؤوس ساكنيها مثلما جرت العادة في المرات السابقة، فمن المؤلم ان المتناحرين علي المناصب الوزارية، والصلاحيات الوهمية قد اعفوه من هذه المهمة، وخففوا الضغوط الداخلية علي حكومته، واخرجوه، والدولة العبرية بأسرها من ازمتها السياسية الراهنة.
فهل هناك حمقي واغبياء سياسيا ووطنيا اكثر من هؤلاء؟
تعليق