إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

موضوع عن الدكتور فتحي الشقاقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موضوع عن الدكتور فتحي الشقاقي

    الشقاقي.. أمّة في رجل

    أراد الشقاقي بتأسيسه لحركه الجهاد الإسلامي أن يكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني المسلح لعبد القادر الجزائري، والأفغاني، وعمر المختار، وعزّ الدِّين القسَّام الذي عشقه الشقاقي حتى اتخذ من اسم "عز الدين الفارس" اسمًا حركيًّا له حتى يكون كالقسَّام في المنهج وكالفارس للوطن، درس الشقاقي ورفاقه التاريخ جيِّدًا، وأدركوا أن الحركات الإسلامية ستسير في طريق مسدود إذا استمرت في الاهتمام ببناء التنظيم على حساب الفكرة والموقف (بمعنى أن المحافظة على التنظيم لديهم أهم من اتخاذ الموقف الصحيح)؛ ولذلك انعزلت تلك الحركات -في رأيهم- عن الجماهير ورغباتها، فقرَّر الشقاقي أن تكون حركته خميرة للنهضة وقاطرة لتغيير الأمة بمشاركة الجماهير، كذلك أدرك الشقاقي ورفاقه الأهمية الخاصة لقضية فلسطين باعتبار أنها البوابة الرئيسة للهيمنة الغربية على العالم العربي.

    يقول الدكتور "رمضان عبد الله" رفيق درب الشقاقي: "كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق، قبلة للحواريين، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا".

    كان ينادي بالتحرر من التبعية الغربية، فطالب بتلاحم الوطن العربي بكل اتجاهاته، ومقاومة المحتل الصهيوني باعتبار فلسطين مدخلا للهيمنة الغربية. أراد أن تكون حركته داخل الهم الفلسطيني وفي قلب الهم الإسلامي.. وجد الشقاقي أن الشعب الفلسطيني متعطش للكفاح بالسلاح فأخذ على عاتقه تلبية رغباته، فحمل شعار لم يألفه الشعب في حينها، وهو "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، فتحول في شهور قليلة من مجرد شعار إلى تيار جهادي متجسد في الشارع الفلسطيني، ومن هنا كانت معادلته (الإسلام – الجهاد - الجماهيرية).. يقول الشقاقي عن حركته: "إننا لا نتحرك بأي عملية انتقامية إلا على أرضنا المغصوبة، وتحت سلطان حقوقنا المسلوبة. أما سدنة الإرهاب ومحترفو الإجرام، فإنما يلاحقون الأبرياء بالذبح عبر دورهم، ويبحثون عن الشطآن الراقدة في مهد السلام ليفجرونها بجحيم ويلاتهم".

    اعتقال الشقاقي

    نظرًا لنشاط الشقاقي السياسي الإسلامي كان أهلاً للاعتقال، سواء في مصر أو في فلسطين، ففي مصر اعتقل مرتين الأولى عام 1979م؛ بسبب تأليفه كتابا عن الثورة الإسلامية بإيران وكان بعنوان "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، وفي نفس العام تم اعتقاله مرة أخرى؛ بسبب نشاطاته السياسية الإسلامية. بعد الاعتقال الأخير عاد إلى فلسطين سرًّا عام 1981م، وهناك تم اعتقاله أكثر من مرة؛ بسبب نشاطه السياسي عامي 1983/ 1986م، وحينما أدركوا أن السجن لا يحدّ من نشاط الشقاقي الذي كان يحول المعتقل في كل مرة إلى مركز سياسي يدير منه شؤون الحركة من زنزانته، قرروا طرده خارج فلسطين في عام 1988م إلى لبنان هو وبعض رفاقه، ومنها تنقل في العواصم العربية مواصلاً مسيرته الجهادية.

    أبو إبراهيم.. القائد الإنسان

    لم يكن الشقاقي مجرد قائد محنك، بل تعدى حدود القيادة ليكون أخًا وزميلاً لكل أبناء المقاومة الفلسطينية فقد عُرف عنه نزاهة النفس، وصدق القيادة.. أحب فلسطين كما لم يحبها أحد، بل ما لم يعرف عن الشقاقي أنه كان عاشقًا للأدب والفلسفة، بل نَظَمَ الشعر أيضًا، ومن قصائده قصيدة "الاستشهاد.. حكاية من باب العامود" المنشورة بالعدد الأول من مجلة المختار الإسلامي في يوليو 1979م:

    - تلفظني الفاء،

    - تلفظني اللام،

    - تلفظني السين،

    - تلفظني الطاء،

    - تلفظني الياء،

    - تلفظني النون،

    - تلفظني كل حروفك يا فلسطين،

    - تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون،

    - إن كنت غفرت،

    - أو كنت نسيت.

    أحبَّ الشقاقي أشعار محمود درويش، ونزار قباني، وكتابات صافيناز كاظم، بل وكان له ذوق خاص في الفن، فقد أُعجب بالشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، كان شاعرًا ومفكرًا وأديبًا، بل وقبل كل ذلك كان إنسانًا تجلت فيه الإنسانية حتى يُخيل للبشر أنه كالملاك.. كان رقيق القلب ذا عاطفة جيَّاشة.. حتى إنه كان ينْظِمُ الشعر لوالدته المتوفاة منذ صباه، ويهديها القصائد في كل عيد أم، ويبكيها كأنها توفيت بالأمس.

    عشق أطفاله الثلاثة: خولة، أسامة، إبراهيم حتى إنه بالرغم من انشغاله بأمته كان يخصص لهم الوقت ليلهو ويمرح معهم، تعلق كثيرًا بابنته خولة؛ لما تميزت به من ذكاء حاد؛ إذ كان يزهو بها حينما تنشد أمام أصدقائه: "إني أحب الورد، لكني أحب القمح أكثر…".

    لم يكن جبانًا قط، بل إن من شجاعته ورغبته في الشهادة رفض أن يكون له حارس خاص، وهو على دراية تامة بأنه يتصدر قائمة الاغتيالات الصهيونية، فضَّل أن يكون كالطير حرًّا طليقًا لا تقيده قيود ولا تحده حواجز.

    مالطا.. مسرح الاغتيال

    وصل الشقاقي إلى ليبيا حاملاً جواز سفر ليبيا باسم "إبراهيم الشاويش"؛ لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع الرئيس القذافي، ومن ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق (نظرًا للحصار الجوي المفروض على ليبيا)، وفي مدينة "سليما" بمالطا وفي يوم الخميس 26-10-1995م اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق عليه أحد عناصر الموساد طلقتين في رأسه من جهة اليمين؛ لتخترقا الجانب الأيسر منه، بل وتابع القاتل إطلاق ثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليخرَّ "أبو إبراهيم" ساجدًا شهيدًا مضرجًا بدمائه.

    فرَّ القاتل على دراجة نارية كانت تنتظره مع عنصر آخر للموساد، ثم تركا الدراجة بعد 10 دقائق قرب مرفأ للقوارب، حيث كان في انتظارهما قارب مُعدّ للهروب.

    رحل الشقاقي إلى رفيقه الأعلى، وهو في الثالثة والأربعين من عمره مخلفًا وراءه ثمرة زواج دام خمسة عشر عامًا، وهم ثلاثة أطفال وزوجته السيدة "فتحية الشقاقي" وجنينها.

    رفضت السلطات المالطية السماح بنقل جثة الشهيد، بل ورفضت العواصم العربية استقباله أيضًا، وبعد اتصالات مضنية وصلت جثة الشقاقي إلى ليبيا "طرابلس"؛ لتعبر الحدود العربية؛ لتستقر في "دمشق" بعد أن وافقت الحكومات العربية بعد اتصالات صعبة على أن تمر جثة الشهيد بأراضيها ليتم دفنها هناك.

    الجثة في الأرض.. والروح في السماء

    في فجر 31-10-1995 استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بكل فصائلها واتجاهاتها في كل الوطن العربي جثة الشهيد التي وصلت أخيرًا على متن طائرة انطلقت من مطار "جربا" في تونس، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995، وبالفعل تم دفن الجثة في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.

    توعدت حركة الجهاد الإسلامي بالانتقام للأب الروحي "فتحي الشقاقي"، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين قام بهما تلاميذ الشقاقي لا تقل خسائر إحداها عن 150 يهوديًّا ما بين قتيل ومصاب.

    في نفس الوقت أعلن "إسحاق رابين" سعادته باغتيال الشقاقي بقوله: "إن القتلة قد نقصوا واحدا"، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح كثيرًا، فبعد عشرة أيام تقريبًا من اغتيال الشقاقي أُطلقت النار على رابين بيد يهودي من بني جلدته هو "إيجال عمير"، وكأن الأرض لم تطق فراق الشقاقي عنها بالرغم من ضمها له، فانتقمت له السماء بمقتل قاتله.

    وأخيرًا -وليس آخرًا- وكما كتب "فهمي هويدي" عن الشقاقي: "سيظل يحسب للشقاقي ورفاقه أنهم أعادوا للجهاد اعتباره في فلسطين. فقد تملكوا تلك البصيرة التي هدتهم إلى أن مسرح النضال الحقيقي للتحرير هو أرض فلسطين، وتملكوا الشجاعة التي مكَّنتهم من تمزيق الهالة التي أحاط بها العدو جيشه ورجاله وقدراته التي "لا تقهر"، حتى أصبح الجميع يتندرون بقصف الجنود الإسرائيليين الذين دبَّ فيهم الرعب، وأصبحوا يفرون في مواجهة المجاهدين الفلسطينيين".

    وأَضيف: سيظل يُحسب أيضًا للشقاقي توريثه الأرض لتلاميذ لا يعرفون طعمًا للهزيمة، وأنّى لهم بالهزيمة وقد تتلمذوا على يد الشقاقي والمهندس "يحيى عيَّاش"!.

    الشقاقي.. في عيون من عرفوه

    - يقول عنه د. رمضان عبد الله بعد اغتياله : كان أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف، وأرقّ من النسمة. كان بسيطًا إلى حد الذهول، مركبًا إلى حد المعجزة! كان ممتلئًا إيمانًا، ووعيًا، وعشقًا، وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عاش بيننا لكنه لم يكن لنا، لم نلتقط السر المنسكب إليه من النبع الصافي "وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي"، "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ‌لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي"، لكن روحه المشتعلة التقطت الإشارة فغادرنا مسرعًا ملبيًا "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى".

    - الشيخ راشد الغنوشي من تونس يقول عن الشقاقي: "عرفته صُلبًا، عنيدًا، متواضعًا، مثقفًا، متعمقًا في الأدب والفلسفة، أشدّ ما أعجبني فيه هذا المزيج من التكوين الذي جمع إلى شخصه المجاهد الذي يقضُّ مضاجع جنرالات الجيش الذي لا يُقهر، وشخصية المخطط الرصين الذي يغوص كما يؤكد عارفوه في كل جزئيات عمله بحثًا وتمحيصًا يتحمل مسؤولية كاملة.. جمع إلى ذلك شخصية المثقف الإسلامي المعاصر الواقعي المعتدل.. وهو مزيج نادر بين النماذج الجهادية التي حملت راية الجهاد في عصرنا؛ إذ حملته على خلفية ثقافية بدوية تتجافى وكل ما في العصر من منتج حضاري كالقبول بالاختلاف، والتعددية، والحوار مع الآخر، بدل تكفيره واعتزاله".

    - أما الكاتبة والمفكرة "صافيناز كاظم" فقالت عنه: "لم يكن له صوت صاخب ولا جمل رنانة، وكان هادئا في الحديث، وتميز بالمرح الجيَّاش الذي يولِّد طاقة الاستمرار حتى لا تكل النفس، أعجبته كلمة علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- عندما نصحوه باتخاذ احتياطات ضد المتربصين به، فتحرر منذ البداية من كل خوف؛ ليتحرك خفيفًا طائرًا بجناحين: الشعر والأمل في الشهادة".

    - أما "فضل سرور" الصحفي فيقول : "فدائي ومجاهد من نوع متميز فدائي داخل الانتماء الذي طاله، وفدائي في النمط الذي انتهجه. في الأولى استطاع بعد أن كان درعًا لتلقي السهام أن يحول السهام؛ لترمى حيث يجب أن ترمى، وفي الثانية استطاع أن يؤسس لما بعد الفرد".

    - رثاه محمد صيام أحد قادة حماس قائلاً:

    قالوا: القضيّةُ فاندفعتَ تجودُ بالدَّمِ للقضية

    لا تَرْهَبُ الأعداءَ في الهيجا، ولا تخشى المنيّةْ

    يا منْ إذا ذُكِر الوفاءُ أْو المروءَةُ والحميَّةْ

    كنتَ الأثيرَ بهنَّ ليس سواكَ فردٌ في البريّةْ

    أما فلسطينُ الحبيبةُ، والرّوابي السندسيَّةْ

    والمسجد الأقصى المبارك والديارُ المقدسيّة

    فلها الدماءُ الغالياتُ هديَّةُ أزكى هديَّةْ

    أما التفاوُضُ فهو ذُلٌّ، وهوَ محوٌ للهويّةْ

    ولذا فلا حَلٌ هناكَ بغيرِ حلّ البندقيَّةْ

    اقرأ أيضًا:

    اغتيال السياسيين الفلسطينيين.. سياسة جديدة تفتح أبواب جهنم

    موقع الجهاد الإسلامي

  • #2

    تعليق


    • #3
      رحمك الله يا مطلق الشرارة الإسلامية الأولى

      يا صاحب الفكر الجهادي الأصيل

      سيبقى فكرك حي في قلوبنا والدافع الأساسي لجهادنا

      بوركت اخي السهم الأسود على هذا الجهد

      تعليق


      • #4
        رحمك الله يا مطلق الشرارة الإسلامية الأولى

        يا صاحب الفكر الجهادي الأصيل

        سيبقى فكرك حي في قلوبنا والدافع الأساسي لجهادنا

        بوركت اخي السهم الأسود على هذا الجهد

        ان ينصركم الله فلا غالب لكم

        تعليق


        • #5
          رحمة الله عليه واسكنه الفردوس الاعلى

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك أخي شبل السرايا وكما يقولون لا شكر على واجب وهناك أيضا معلومات اضافية وهي:
            من بين تلك العائلات كانت عائلة إبراهيم الشقاقي، الابن الوحيد لإمام مسجد زرنوقة.. ستتوقف العائلة في رفح..وفي المخيم، وبعد ثلاث سنوات على النكبة سيولد أكبر أبنائها فتحي إبراهيم الشقاقي.



            أكبر من النكبة بثلاثة أعوام، لكنها تترك في ذاكرة الفتى أوتاد خيامها وبردها الصحراوي وآلام وجوه المهاجرين ونظراتهم المتعلقة بالأسيجة البعيدة الفاصلة وبالفناء البحري حيث صيادو بحر غزة بلا أشرعة للفرح ولا أغنيات إلا للريح الذاهبة نحو دماء لا تجف على امتداد الساحل المحتل عام 1948..



            وفي ليلة مبكرة من العمر، قبل أن ينمو البصر والذاكرة والبصيرة إلى الأبعد، سكبت أحد عشر كوكباً في روحه ماء الوضوء، فيما كان والده الكهل يسكب فيها اسم فلسطين وشكل القرية المسلوبة ودروبها وينابيعها وأشجارها وأطيارها كل صباح ومساء...



            ـ متى سنعود يا أبي؟

            يقول الشهيد الشقاقي: "لم أكن أعلم مدى قسوة هذا السؤال على الكبار...وفي خاطري كان هناك إحساس لم يفارقني بعد أن كبرت، بأن العودة قريبة.. يكفي أن نجتاز المسافة الضبابية الفاصلة كي نكون هناك...".



            وقد تكون المسافة اتسعت أبعد مما تصور الطفل، لكنها تبددت أكثر مما تصور المحتل في مخيلة أبي إبراهيم ورؤياه وسيرته.. ففي المخيم الصغير مخيم رفح المحاط بالجنود والزوابع ومعالم الهجرة، راح فتحي الشقاقي يحث العمر على إدراك عاجل للأشياء.. فكانت الفكرة هاجسه، وبجانب تعلقه بالصلاة والقرآن والسيرة، كان مأخوذاً بالقراءة، فوقوعه على كتاب جديد أو جريدة أو قصاصة هنا وهناك كان سبباً في غبطة كبيرة، فضلاً عن أن يكون في الكتاب أو الجريدة ما يمت إلى الإسلام وفلسطين. ويذكر أخوه الأصغر تلك الرحلات المفاجئة التي كان يرسله فتحي بها كي يعود له بصحيفة أو كتاب وصل عبر الحدود من مصر.



            اللحظة الفارقة في عمر فتحي الشقاقي، كما كان يؤكد بنفسه، هي زيارته وصلاته في المسجد الأقصى لأول مرة.. ولعل المفارقة أنه، مثل كثير من الفلسطينين، لم يستطع الوصول إلى الأقصى إلا بعد العام 1967. وسنسمعه يقول بعد سنوات إن احتلال الضفة والقطاع، وإن بدا نصراً للكيان الصهيوني، إلا أنه أسقط الكثير من المفاهيم ومهد الطريق أمام ظهور وعي أصيل لأبعاد قضية فلسطين وموقعها في وجود الأمة ورسالتها.



            في تلك اللحظة وربما قبلها بقليل ، بدأت أولى خيوط العلاقة بين فلسطين والمشروع الإسلامي تتكون في عقل الشاب فتحي الشقاقي.. كان آنذاك قد تسجل حديثاً كطالب في جامعة بير زيت حيث درس العلوم والرياضيات لأربعة أعوام وانتقل ليمارس مهنة التدريس في القدس، ثم ليحصل مجدداً على الشهادة الثانوية ويسافر إلى مصر لدراسة الطب في جامعة الزقازيق.



            وهنا كانت اللحظة الفارقة الأخرى والأهم في حياة الشقاقي، حيث التقى عشرات من الطلبة الفلسطينيين وخاضوا معاً حواراً فكرياً امتد لسنوات في سبيل التأسيس لبواكير رؤيا إسلامية مجاهدة بدت آنذاك خارج سرب الطروحات الأخرى.



            كانوا يلتقون في غرفة فتحي الشقاقي التي يصفها الدكتور رمضان عبدالله شلح، أقرب رفاق درب الشقاقي إليه متذكراً "كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق، قبلة للحواريين، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا".



            تلك الكلمات جاءت شديدة الدقة في توصيف ما كان يفعله أولئك الشبان إلى جانب الشقاقي والذين راحوا يكتبون أفكارهم في جريدة أصدروها بعنوان "المختار الإسلامي" كتب فيها الشقاقي باسم عز الدين الفارس. ولعلهم بتواضع المؤمنين لم يدركوا تماماً أنهم كانوا يعبرون نقطة تاريخية في المفاهيم.. نقطة وتحولاً يضعان فلسطين وقضيتها كأولوية في قلب مشروع الأمة الإسلامي.



            وسط عالم متلاطم من التيارات السياسية والأفكار الملقاة هنا وهناك في القاهرة وكفلسطيني لا تغادره فلسطين إن ابتعد بل تكبر في روحه وتمد جذورها في الخاطرة والفكرة والرؤيا، بحث الشقاقي وإخوانه عن موقع فلسطين في المشروع الإسلامي ومفاهيمه السياسية المطروحة. ووضعوا علامة تساؤل كبيرة أمام غيابها عن الصدارة. بيد أنهم لم يقدموا هذه الرؤيا في حدود الطرح السياسي وحسب، فالجوهري أن الشقاقي وإخوانه بينوا أن المشروع الإسلامي وفلسطين هما كل متكامل لا ينفصلان.. ففلسطين هي آية في الكتاب، بما هي وما كانت عليه في اختيارها الإلهي أرضاً للإسراء والمعراج لتكون نقطة تحول في الدعوة الإسلامية وما لذلك من دلالة، وهي الوعد الإلهي في كلماته ومركز الصراع وفرقانه بين الحق والباطل كخاتمة تنهمر فيها كلمات الكتاب.

            حقق الشقاقي وإخوانه عبر هذا الفكر تحولات هامة على الساحة العربية والفلسطينية، فهم قدموا للحركة الإسلامية بوجه عام الحلقة المفقودة في صياغاتها المفهومية والسياسية، وقدموا لمسيرة المقاومة الفلسطينية الروح والعقيدة التي تحتاجها لتصويب المفاهيم عن حقيقة وأبعاد استهداف الغرب الاستعماري لفلسطين وطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني.. فالصراع ليس سياسياً وعسكرياً وحسب، وليس صراعاً طبقياً كما حلا للبعض أن يصوره وليس مجرد تناقض مع الصهيونية، وهو إلى ذلك ليس صراعاً في حدود المنطقة وعلى الحدود والأرض وما إلى ذلك، ولكن فلسطين مركز استقطاب لصراع كوني على وجه العالم ووجهته، ووعد انتصار المؤمنين في هذا الصراع أمر يجلوه الخطاب القرآني.



            يقول المفكر الإسلامي فهمي هويدي: "سيظل يحسب للشقاقي ورفاقه أنهم أعادوا للجهاد اعتباره في فلسطين. فقد تملكوا تلك البصيرة التي هدتهم إلى أن مسرح النضال الحقيقي للتحرير هو أرض فلسطين، وتملكوا الشجاعة التي مكَّنتهم من تمزيق الهالة التي أحاط بها العدو جيشه ورجاله وقدراته التي "لا تقهر"، حتى أصبح الجميع يتندرون بقصف الجنود الإسرائيليين الذين دبَّ فيهم الرعب، وأصبحوا يفرون في مواجهة المجاهدين الفلسطينيين".



            والاختصار المفيد لكل ما سبق هو أن أبا إبراهيم مع إخوانه، كان أول من يضع منهجاً ويقدم بياناً فكرياً إسلامياً ينادي بالجهاد المسلح لتحرير فلسطين في استكمال أشمل لمحاولات الشيخ القسام وعبد القادر الحسيني قبيل النكبة. فتلك الأحداث والمفاهيم وأولئك الطلبة كانوا نواة حركة ستقض مضاجع الكيان الصهيوني بعد مرور وقت قليل على إعلان تأسيسها في نهاية السبعينات، وهي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين..

            .........

            وتمضي التجربة إلى مرحلة أخرى أشد وعورةً.. في عام 1981، يعود الشقاقي إلى فلسطين متسللاً..

            إلى مهوى روحه ، إلى القدس توجه فتحي الشقاقي إثر ذلك ليعمل طبياً في مستشفى فيكتوريا في القدس لمدة عامين، سجن بعدها أحد عشر شهراً في 1983 وأربع سنوات في عام 1986م مع خمس سنوات أخرى بتهم متعددة منها التحريض على الاحتلال ونقل أسلحة للقطاع والانتماء إلى الجهاد الإسلامي.



            لم يكن يبدو أي طيف للألم على وجه فتحي الشقاقي حين كان يتحدث عن سنوات السجن.. قال مرة: "كنت في السجن أتحدى المحتل بالقراءة والجهد.. في السجن يريد المحتل أن يكسر عزيمتك ويعيدك إلى الوراء. وأنا كنت أقول لنفسي لا بد من أن أهزم ذلك الهدف.. كان حارس السجن يراني كل ليلة أجلس إلى طاولة صغيرة صنعتها بنفسي منكباً على كتاب.. ورغم أنه عدو فقد كنت ألمح نظرات الإعجاب في عينيه".



            ولم يحتمل العدو بقاء فتحي الشقاقي حتى وهو داخل السجن، فقامت سلطات الاحتلال بإبعاده إلى لبنان قبل انقضاء فترة الحكم"... جاؤوا ليلاً، وعصبوا عيون عدد من السجناء كان أبو إبراهيم بينهم ووضعوهم في شاحنات مقيدي الأيدي والأرجل وألقوا بهم على الحدود."



            ومن لبنان إلى دمشق، حمل فتحي الشقاقي الوطن والمشروع الجهادي في الوجدان والعمل والقلب وتبينه في وجوه إخوانه المجاهدين المبعدين من حوله.. ولعل الصهاينة بعد ذلك ندموا أنهم لم يتخلصوا من رجل أينما ذهب كان قادراً على تجاوز المنفى وتوطيد قوة الحركة في الداخل والخارج وإيلام العدو بضربات أشد وأقسى بلغت أوجها في ضربات الاستشهاديين.



            ليسوا بالقلة الذين يعرفون اليوم أن الشهيد فتحي الشقاقي كان من أوائل من دعوا إلى القيام بالعمليات الاستشهادية.. في العام 1988 قال الشقاقي إن علينا اتباع أسلوب التفجير في عمق تواجد العدو في عمليات لن يمكنه ردعها ومن شأنها أن توقع أكبر الخسائر وتشل روحه المعنوية.

            وجاء المثال في عملية بيت ليد الاستشهادية المزدوجة التي قام بها استشهاديان من الجهاد الإسلامي في يناير 1995 وقضت على أكثر من عشرين جندياً صهيونياً فضلا عن عشرات الجرحى الآخرين ثم تتابعت السلسلة، ويومها أعلن رابين تهديدات صريحة تتوعد بقائمة اغتيالات على رأسها مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي: فتحي الشقاقي.



            لكن حارس العمر الأجل، كما كان فتحي الشقاقي يقول لكل من يطلبون منه أن يحتاط ولو قليلاً.. كان يقول عشت أكثر مما تصورت، وإذا استشهدت ففي الأمة مجاهدون سيكملون الطريق...

            وفي السادس والعشرين من أكتوبر في شهر خريفي كهذه الأيام، كان الدكتور فتحي الشقاقي عائداً من ليبيا وحده حيث حاول أن يثني القيادة الليبية عن عزمها إبعاد اللاجئين الفلسطينيين إلى المجهول..وكان عليه أن يتوقف في مالطا قبل أن يكمل الرحلة إلى دمشق، فغدرت به يد الموساد الصهيوني فيما كان يشتري ألعاباً لخولة وأسامة وإبراهيم..



            ثلاثة عشر عاماً مرت على استشهاد فتحي الشقاقي، ومن المؤكد أنه سيبقى حاضراً كما عرفه شعبه حارساً لذاكرة العودة الفلسطينية صاعداً وسط الحراب في إبداع المقولة وإرادة الجبال "أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف، وأرقّ من النسمة. بسيطًا إلى حد الذهول، مركبًا إلى حد المعجزة! ممتلئًا إيمانًا، ووعيًا، وعشقًا، وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه".. وتلك كلمات وصفه بها عقب استشهاده رفيق دربه الدكتور رمضان عبدالله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.



            المكان: تلال وهضاب فلسطينية تترنح هابطة من قرية زرنوقة القريبة من الرملة، وعلى الامتداد مئات العائلات الفلسطينية من نساء وشيوخ وأطفال تسير بأحمالها نحو غزة مثخنة بجراح النكبة...

            تعليق


            • #7
              [img]C:\************************s and Settings\خلقت للعداب\سطح المكتب\رهف سعودي[/img]

              تعليق


              • #8
                رحم الله روحك وفكرك الذي بدأ وكأنة غريبا فأنت من علمتنا اللا لكل مايشين فلسطين ونعم لكل ما يعزز المقاومة . لم تحسب علي محور ولم تلقن اي تصريح فمند ايام بدأت ابكيك لانني شعرت اننا بدأنا نبيع فكرك واسمك بأبخس الاثمان فسلام لروحك وخطك
                (الشعوب اداة التغيير)
                د.فتحي الشقاقي

                تعليق


                • #9
                  رحمك الله يا دكتور فتحي الشقاقي


                  كنت معلما للأجيال كنت شهيدا في سبيل الله كنت دكتورا لعلاج المرضى
                  يعجز لساني عن وصفك لك الجنان باذن الله ونحن على دربك باقون

                  فليشهد الله على كلامي نحن وراؤك بالمال والبنون والأنفس وفي سبيل الله نمضي

                  تعليق


                  • #10
                    رحم الله المعلم الشهيد القائد فتحي الشقاقي أبو ابراهيم

                    تعليق


                    • #11
                      السلام عليكم


                      رحمك الله يا دكتور فتحي الشقاقي


                      كنت معلما للأجيال كنت شهيدا في سبيل الله كنت دكتورا لعلاج المرضى
                      يعجز لساني عن وصفك لك الجنان باذن الله ونحن على دربك باقون

                      تعليق

                      يعمل...
                      X