غزة- معا-
عذراً لا نعرف من أين نبدأ هذه القصة، سنسأل أميرة الطفلة كيف احتمت من القذائف وكيف احتملت صوت الدبابات حول المنزل الذي اختبأت به وحيدة باكية نازفة ليومين، سنسألها علّها تجيبنا من اين واتتها القوة والجرأة لتمكث في بيت فارغ ليومين دون غذاء أو كساء أو ضوء صغير أو من يداوي جروحها.
ربما يجب علينا سؤالها لو سمحت لنا عن جراحها التي نزفت ودمائها التي صفيت لتصل الى خمس وحدات فقط، كانت تغطي نفسها منكمشة بسرير في طابق ارضي وتسمع اصوات القتل والدمار حولها والغارات المتلاحقة وازيز الدبابات وزحفها.
فلعلّ إحدى الدبابات تلك وجهت فوهتها نحو المنزل الذي احتمت به، دعونا نسألها عمن كانت تتذكر وهل كانت على قيد الحياة وهل فاجأتها غيبوبة بعد ان "تصفت" دماؤها.
هل تذكرتْ مشاهد والدها وشقيقيها الذين استشهدوا أمام عينيها، عذراً نحن لا نستطيع ذلك فقد تلقفتها ايدي الأطباء وقلب والدتها التي لم تصدق ان احدا من عائلتها بقي على قيد الحياة.
يعلمون ما الذي يعنيه أن تصل نسبة الدم للجريح الى خمس وحدات فقط، انه يعني انها كانت بين الحياة والموت ولكن من اين واتتك هذه القوة يا أميرة، فسنواتك الخمسة عشر لا تكفي لهذه الشجاعة، لرؤية والدها وشقيقيها يبادون امام عيونها البريئة، هذه السنوات لا تكفي لجرأة تلقف قذيفة من طائرة او ربما دبابة لا تعرف هي ما الذي استهدفها حتى فرّت مصابة من الخطر الى مكان ظنت أنه آمنا.
"سامحني يا عمو دخلت لمنزلك دون اذنك" هكذا وبهذه الكلمات فاجأت الفتاة اميرة القرم 15 عاما منقذها رغم جراحها النازفة ودموعها الغزيرة، لم نعرف كيف عثرت أميرة القرم على مفردات اللغة لتجد من بينها كلمة اعتذار قالتها باكية راجية من منقذها وصاحب البيت الذي احتمت به ان يعذرها لدخولها منزله دون إذنه.
اميرة فرت من الموت الى منزل هجره اصحابه وقع في فخ الدبابات الاسرائيلية في منطقة تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، هناك بعد يومين عثر صاحب المنزل اثناء تفقده لآثار الدمار التي لحقت بالمنطقة وبمنزله على الفتاة اميرة التي فاجأته على سرير والدته بالطابق الأرضي وقد اصاب منزله اضرارا وأنقذ الله الطفلة النازفة.
الدبابات تجاوزت المكان الذي احتمت به اميرة القرم وبقيت لساعات طويلة حوله تضرب في كل الأنحاء وهناك سمعت اميرة النائمة بين الحياة والموت اصوات الاشتباكات بين المقاومين والقوات الاسرائيلية المتوغلة.
تقول لمنقذها: "لا اعرف كيف دخلت منزلك يا عمو لقد قتلوا ابي واخوتي امام عيوني واطلقوا باتجاهي قذيفة فأصبت بساقي وفررت من المكان غير انهم اطلقوا قذيفة اخرى اخطأتني ووجدت باب منزلك مشرعا فدخلت وهنا مكثت على سرير وحيدة استمع لما يجري ولا أجرؤ على الصراخ او البكاء من جراحي النازفة".
اميرة حتى ساعات امس بعد تراجع دبابات الاحتلال ظن ذووها انها استشهدت برفقة والدها فتحي داوود القرم (42 عاماً)، وشقيقيها عصمت (12 عاماً)، وعلاء (11عاماً)، الذين استشهدوا جراء سقوط قذيفة مدفعية أطلقتها قوات الاحتلال على منزلهم في حي الصبرة بغزة.
والدتها التي هرعت لمشفى الشفاء بغزة حيث نقلت طفلتها اخذت تبكي لله بحرقة ودخلت في حالة اغماء غير مصدقة ان احدا من عائلتها تبقى على قيد الحياة فيما تلقف اشقاؤها منقذ طفلتهم بالأحضان شاكرين لله معجزته، وقد كانوا بالأمس فقط دفنوا اشلاء محتملة لها مع والدها وشقيقها في قبر واحد.
المكان ليس بعيدا عن وسط مدينة غزة في منطقة تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة اقتحمت الدبابات حرمة البيوت الآمنة ولم تبق على منزل إلا وأطلقت باتجاهه حمم حقدها ومن بين تلك المنازل منزل الفتاة اميرة ففرت طلبا للحياة التي منحها الله لها، ونرجو منكم الدعاء لها بالشفاء العاجل وتقبل ذوويها وباقي الشهداء في جنات الخلد.
تعليق