السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
ويعجبون من "حماس"!
لماذا تعجبون؟ والله؛ إني أعجب من هذا المذهول؛ مشفقاً كان أو متشفياً، محباً كان أو مبغضاً، مناصراً كان أو مخاصماً.
فيا هؤلاء كلهم: رويدكم رويدكم، وحسبكم حسبكم، تمهلوا قليلاً، ولا تذهبوا بعيداً، فإنه لما كان فرعون أوجد الله تعالى له "موسى"، ولما كان ألف ألف فرعون أوجد الله تعالى لهم كلهم "حماس"!
ماذا كان فرعون؟!
لما كان فرعون فريداً بين الطغاة: يتأله في الأرض (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)، و تحدى الله تعالى فقال: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿٣٦﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ)، وكان من فرادة ما صنع في بعض خلق الله أن: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ )، حتى أصبح (الفرعون) لقباً يطلق على كل طاغية من بعد الفرعون الأول إلى زماننا هذا! أقول: لما كان فرعون فريداً بين الطغاة جعل الله خصمه فريداً بين الثوار!
ولأن الطاغية مختلف في طغيانه، فإن إعداد الثائر "موسى" عليه السلام لن يكون إلا على عين الله تعالى، متسربلاً حبّه جل وعلا: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)، فكيف كانت محبة الله والصناعة على عينه تعالى؟!
: ولادة مسكونة بالرعب، فراق للأم، قذف في التابوت فقذف في اليم فإلقاء بالساحل، شبوب بين يدي الطاغية، خروج خائف مرتقب، جوع وفقر وحاجة، غربة وشقاء، بعد ذلك كله الذي قيل فيه أنه بلغ أربعين عاماً لم ينزل الله تعالى لنبيه ذي المهمة العسيرة جبريل أولاً، وإنما كلمه بذاته المقدسة لأن الحق لا يكون (حقاً) في معاركه الكبرى مع الباطل إلا إذا صدر عن وحي خالص، وعززّه بنبي آخر وقال لهما: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ)، ليس فحسب وإنما أيّده بحجج قاهرة وأطلعه على شيء من آياته الكبرى!
فالذين يحبهم الله، ويختارهم لمهمات تضبط المسار البشري إلى يوم القيامة، إنما يجبلهم بطينة الشقاء والتعب والوجع والألم حتى يستوي العود وينضج الفؤاد، ولذلك كان الأنبياء أشد الناس بلاء، (ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى العبد على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يدعه يمشي على الأرض ، وما عليه خطيئة)، وما كان الأمر ابتلاء لمجرد إسقاط الخطايا، إنما هذه نتيجة تكريمية من الله تعالى لعباده المختارين بعد عبورهم محطات الصناعة القاسية بنجاح وتأديتهم مهمتهم بأمانة كما أرادها ربهم، ولذلك فإنه في بعض محطات الصراع الكبرى بين الحق والباطل اختارت الجماعة المؤمنة القتل والفناء مع إمكانية الحيد عن هذا المصير ببعض التأول و "الفتاوى"، لكنهم اختاروا أن يؤدوا المهمة كما وكلوا بها، وهذا هو الانتصار الحقيقي: أن تنفذ مهمتك كما كلفت بها، ولذلك كانت الشهادة مهمة ينفذها الشهداء لآمرهم ومولاهم ليس لهم فيها إلا مجرد الاستجابة: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ)، ومن لم يستجب فقد فشل أو انهزم ولو عاش الدهر كله، ألا ترون أن أبليس منظر إلى يوم يبعثون، بينما الله تعالى قد توفى أنبياءه كلهم وهم أكرم الخلق عليه؟ فإنما هي بين أمرين: إما تأدية الواجب وإما حياة الأبالسة! فليهنأ بها الكفرة والمنافقون!
فالقضية إذن سنّة، وقدر الله بأهله، فمن شاء أن يكون من أهل الله فإنما هذا قدره لا مناص، ومن لم يشأ فليهنأ –مرة أخرى- بعيش الأبالسة واجتماع بالرجيم في أسفل دركات جهنم، فلا تمكين إلا بعد ابتلاء كما قال الشافعي –رحمه الله-، وإنما هو أصلاً قوله جل وعلا : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فكل القضية أنها شرف الانتماء إلى الله، فمن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، أي ليكون من أهل الله.
هذه قصة "موسى"، فما شأن "حماس" بذلك كله؟!
شأن "حماس" أنها لا تقاتل فرعوناً واحداً كما فعل "موسى" عليه السلام المؤيد بأخيه نبياً وبآيات ربه الكبرى وكلامه ووحيه، إنها تواجه بطش ومؤامرة: الفراعنة المحتلين، والفراعنة المنافقين من أهل فلسطين، والفراعنة الأقربين من العرب المجاورين والأبعدين، وفراعنة أمريكا وأوروبا وغيرهم من أهل الأرض.
"حماس" تفعل ذلك، ولها مهمة محددة عليها واجب تأديتها بأمانة وحَرْفية، فثمة معارك كبرى في تاريخ الجماعة المؤمنة بسط لها القرآن أو أشار إليها موجِزاً، وإن كان للبسط دلالات، فإن تخليد أي حدث بكلام الله في كتابه المحفوظ ولو بإيجاز فإنما هو ذو دلالة شديدة الاستثنائية، فبسط لقصة "موسى" لأنها تؤسس لشروط صناعة صناع التاريخ وأمناء الله على خلقه من البشر، أما أصحاب الأخدود فهم الموعظة العملية والتطبيق الفعلي للمهمة تشبهها موعظة النبي صلى الله عليه وسلم القولية لخباب: (قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، وهي موعظة لا تحتاج كثيراً من البسط القولي لعظمة ما تنطوي عليه من الاستجابة العملية، أما أصحاب بدر وأحد والخندق وحنين فهم الذين ورثوا وحي السماء وأغلق بهم بابها إلى قيام الساعة فجعلهم درساً بليغاً ينساب في آل عمران والتوبة والأحزاب إلى ضمائر أتباعهم إلى يوم القيامة.
فكل جولة من جولات الجماعة المؤمنة مع الباطل فإنما هي للتأسيس لمسار محدد في تاريخ البشر، ومهمة "حماس" متعددة الاتجاهات، فيها مهمة "موسى" عليه السلام، ومهمة أصحاب الأخدود، ومهمة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الكرام.
إنّ محمداً صلى الله عليه وسلم قد استلم مهمة قيادة البشرية رسمياً في بيت المقدس حينما أم الأنبياء على أرضها في إشارة إلى قيادة محمد صلى الله عليه وسلم فأمته من بعده للبشرية إلى قيام الساعة ووراثة وحي السماء من الأنبياء كلهم، بما في ذلك وراثة آلامهم ودمائهم وتضحياتهم ومعاركهم و (لملمتها) منهم كلهم وحصرها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم في معاركها مع أهل الكتاب إلى قيام الساعة.
"حماس" اليوم لا تريد تحرير بيت المقدس فحسب، وإنما تريد أن تعيد الأمة إلى المسار الذي افتتح في ساعة الصلاة تلك في بيت المقدس فتستلم من جديد مهمتها في قيادة البشرية ووراثة وحي الأنبياء كلهم ورسالات السماء كلها ودعوات وحركات وجهود ودماء وآلام وأوجاع كل الأنبياء وحواريهم وصحابتهم وآلهم وأتباعهم والربانيون معهم والشهداء معهم وبعدهم، وطريقة "حماس" في ذلك أن تصبر في رباطها وجهادها في بيت المقدس مفتاح وشرط الصعود الحضاري للأمة لأن ربنا قال فيها: (بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)، وليس ثمة بركة أعظم من دين الله، الذي سيسترد إشعاعه في انطلاقه إلى البشرية كلها من دماء أبناء "حماس" حتى تنهض الأمة وتدول لها الأيام حتى تنزل الخلافة بيت المقدس ويكون هذا آخر عهد للإسلام بالدنيا: (يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك)، نعم، إن "حماس" تؤسس لخروج إمام المسلمين ومن ثم نزول المسيح عليه السلام: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم)، وقبل كل ذلك تؤهل الأمة ليقودها إمامها في مهمتها ولتستقبل المسيح عليه السلام.
إنها تصنع تاريخ الإسلام من جديد، ترد الأمة إلى رشدها، ترنو إلى البشرية لإخراجها من ظلماتها، تؤسس لظهور آخر قادة المسلمين في آخر معاركهم مع الكفر بين يدي قيام الساعة، فهي تؤدي من هذه الوجهة مهمة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، ولذا يجتمع عليها فراعنة الأرض كلهم ومن مالأهم من عبّاد الفرج والدينار، فهي تؤدي مهمة "موسى" عليه السلام من هذه الوجهة، وتصبر لا تحيد رغم اجتماع كل حزب أدى البيعة لإبليس الرجيم عليها، وهي من هذه الوجهة تؤدي مهمة أصحاب الأخدود، وهي تقاتل بقليل من العدد والعتاد والزاد والمتاع وكأنها تؤدي مهمة طالوت وداود عليهما السلام، ويكأنه يجتمع في "حماس" اليوم تراث الجماعة المؤمنة كلها منذ افتتاح عهد البشرية بآدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يبدو مفهوماً إذا أدركنا مآل صبر "حماس" وتمسكها بقضية بيت المقدس من فتح جديد للأمة، لعله الفتح الذي يمضي حتى ينزل المسيح فيقتل الدجال!
إذن؟
إذن؛ الله تعالى يربي "حماس" تربية استنثائية خاصة وشاقة، ويذيقها مرارة الدرس البليغ على عتبة كل مرحلة، أو بعد كل خطأ، إنها محبة الله، والصناعة على عين الله، فكما صنع "موسى" عليه السلام بالقذف والإلقاء والخوف والترقب والجوع والفقر والعوز والحاجة والتشرد، يصنع بحماس أكثر من ذلك لأن مهمتها أكبر وأضخم وليس ثمة نبوة اليوم تعزز بها، وإنما هو وحي الله الذي لا ينقطع والذي: (هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ)، وكم من صدر في "حماس" يضمه.
فلا عجب، فإذا كان هذا صنيع الله بأنبيائه الذي (يلقي عليهم محبة منه) فهنيئاً لحماس!
وإذا كان "موسى" يظهر اليوم في "غزة" في عصر أمريكا وإسرائيل ومبارك وعباس، فإن ابن سلول دائماً في مقاطعة رام الله، قال نمر حماد: (لو لم تطلق "حماس" الصواريخ ما ماتوا وما قتلوا)، وقال الله تعالى يحكي عن ابن سلول و (مقاطعته): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
ولا يستحق المنافقون أكثر من ذلك!
.................................................. ...
مقال حمزة عمر
ويعجبون من "حماس"!
لماذا تعجبون؟ والله؛ إني أعجب من هذا المذهول؛ مشفقاً كان أو متشفياً، محباً كان أو مبغضاً، مناصراً كان أو مخاصماً.
فيا هؤلاء كلهم: رويدكم رويدكم، وحسبكم حسبكم، تمهلوا قليلاً، ولا تذهبوا بعيداً، فإنه لما كان فرعون أوجد الله تعالى له "موسى"، ولما كان ألف ألف فرعون أوجد الله تعالى لهم كلهم "حماس"!
ماذا كان فرعون؟!
لما كان فرعون فريداً بين الطغاة: يتأله في الأرض (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)، و تحدى الله تعالى فقال: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿٣٦﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ)، وكان من فرادة ما صنع في بعض خلق الله أن: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ )، حتى أصبح (الفرعون) لقباً يطلق على كل طاغية من بعد الفرعون الأول إلى زماننا هذا! أقول: لما كان فرعون فريداً بين الطغاة جعل الله خصمه فريداً بين الثوار!
ولأن الطاغية مختلف في طغيانه، فإن إعداد الثائر "موسى" عليه السلام لن يكون إلا على عين الله تعالى، متسربلاً حبّه جل وعلا: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)، فكيف كانت محبة الله والصناعة على عينه تعالى؟!
: ولادة مسكونة بالرعب، فراق للأم، قذف في التابوت فقذف في اليم فإلقاء بالساحل، شبوب بين يدي الطاغية، خروج خائف مرتقب، جوع وفقر وحاجة، غربة وشقاء، بعد ذلك كله الذي قيل فيه أنه بلغ أربعين عاماً لم ينزل الله تعالى لنبيه ذي المهمة العسيرة جبريل أولاً، وإنما كلمه بذاته المقدسة لأن الحق لا يكون (حقاً) في معاركه الكبرى مع الباطل إلا إذا صدر عن وحي خالص، وعززّه بنبي آخر وقال لهما: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ)، ليس فحسب وإنما أيّده بحجج قاهرة وأطلعه على شيء من آياته الكبرى!
فالذين يحبهم الله، ويختارهم لمهمات تضبط المسار البشري إلى يوم القيامة، إنما يجبلهم بطينة الشقاء والتعب والوجع والألم حتى يستوي العود وينضج الفؤاد، ولذلك كان الأنبياء أشد الناس بلاء، (ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى العبد على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يدعه يمشي على الأرض ، وما عليه خطيئة)، وما كان الأمر ابتلاء لمجرد إسقاط الخطايا، إنما هذه نتيجة تكريمية من الله تعالى لعباده المختارين بعد عبورهم محطات الصناعة القاسية بنجاح وتأديتهم مهمتهم بأمانة كما أرادها ربهم، ولذلك فإنه في بعض محطات الصراع الكبرى بين الحق والباطل اختارت الجماعة المؤمنة القتل والفناء مع إمكانية الحيد عن هذا المصير ببعض التأول و "الفتاوى"، لكنهم اختاروا أن يؤدوا المهمة كما وكلوا بها، وهذا هو الانتصار الحقيقي: أن تنفذ مهمتك كما كلفت بها، ولذلك كانت الشهادة مهمة ينفذها الشهداء لآمرهم ومولاهم ليس لهم فيها إلا مجرد الاستجابة: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ)، ومن لم يستجب فقد فشل أو انهزم ولو عاش الدهر كله، ألا ترون أن أبليس منظر إلى يوم يبعثون، بينما الله تعالى قد توفى أنبياءه كلهم وهم أكرم الخلق عليه؟ فإنما هي بين أمرين: إما تأدية الواجب وإما حياة الأبالسة! فليهنأ بها الكفرة والمنافقون!
فالقضية إذن سنّة، وقدر الله بأهله، فمن شاء أن يكون من أهل الله فإنما هذا قدره لا مناص، ومن لم يشأ فليهنأ –مرة أخرى- بعيش الأبالسة واجتماع بالرجيم في أسفل دركات جهنم، فلا تمكين إلا بعد ابتلاء كما قال الشافعي –رحمه الله-، وإنما هو أصلاً قوله جل وعلا : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فكل القضية أنها شرف الانتماء إلى الله، فمن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، أي ليكون من أهل الله.
هذه قصة "موسى"، فما شأن "حماس" بذلك كله؟!
شأن "حماس" أنها لا تقاتل فرعوناً واحداً كما فعل "موسى" عليه السلام المؤيد بأخيه نبياً وبآيات ربه الكبرى وكلامه ووحيه، إنها تواجه بطش ومؤامرة: الفراعنة المحتلين، والفراعنة المنافقين من أهل فلسطين، والفراعنة الأقربين من العرب المجاورين والأبعدين، وفراعنة أمريكا وأوروبا وغيرهم من أهل الأرض.
"حماس" تفعل ذلك، ولها مهمة محددة عليها واجب تأديتها بأمانة وحَرْفية، فثمة معارك كبرى في تاريخ الجماعة المؤمنة بسط لها القرآن أو أشار إليها موجِزاً، وإن كان للبسط دلالات، فإن تخليد أي حدث بكلام الله في كتابه المحفوظ ولو بإيجاز فإنما هو ذو دلالة شديدة الاستثنائية، فبسط لقصة "موسى" لأنها تؤسس لشروط صناعة صناع التاريخ وأمناء الله على خلقه من البشر، أما أصحاب الأخدود فهم الموعظة العملية والتطبيق الفعلي للمهمة تشبهها موعظة النبي صلى الله عليه وسلم القولية لخباب: (قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، وهي موعظة لا تحتاج كثيراً من البسط القولي لعظمة ما تنطوي عليه من الاستجابة العملية، أما أصحاب بدر وأحد والخندق وحنين فهم الذين ورثوا وحي السماء وأغلق بهم بابها إلى قيام الساعة فجعلهم درساً بليغاً ينساب في آل عمران والتوبة والأحزاب إلى ضمائر أتباعهم إلى يوم القيامة.
فكل جولة من جولات الجماعة المؤمنة مع الباطل فإنما هي للتأسيس لمسار محدد في تاريخ البشر، ومهمة "حماس" متعددة الاتجاهات، فيها مهمة "موسى" عليه السلام، ومهمة أصحاب الأخدود، ومهمة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الكرام.
إنّ محمداً صلى الله عليه وسلم قد استلم مهمة قيادة البشرية رسمياً في بيت المقدس حينما أم الأنبياء على أرضها في إشارة إلى قيادة محمد صلى الله عليه وسلم فأمته من بعده للبشرية إلى قيام الساعة ووراثة وحي السماء من الأنبياء كلهم، بما في ذلك وراثة آلامهم ودمائهم وتضحياتهم ومعاركهم و (لملمتها) منهم كلهم وحصرها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم في معاركها مع أهل الكتاب إلى قيام الساعة.
"حماس" اليوم لا تريد تحرير بيت المقدس فحسب، وإنما تريد أن تعيد الأمة إلى المسار الذي افتتح في ساعة الصلاة تلك في بيت المقدس فتستلم من جديد مهمتها في قيادة البشرية ووراثة وحي الأنبياء كلهم ورسالات السماء كلها ودعوات وحركات وجهود ودماء وآلام وأوجاع كل الأنبياء وحواريهم وصحابتهم وآلهم وأتباعهم والربانيون معهم والشهداء معهم وبعدهم، وطريقة "حماس" في ذلك أن تصبر في رباطها وجهادها في بيت المقدس مفتاح وشرط الصعود الحضاري للأمة لأن ربنا قال فيها: (بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)، وليس ثمة بركة أعظم من دين الله، الذي سيسترد إشعاعه في انطلاقه إلى البشرية كلها من دماء أبناء "حماس" حتى تنهض الأمة وتدول لها الأيام حتى تنزل الخلافة بيت المقدس ويكون هذا آخر عهد للإسلام بالدنيا: (يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك)، نعم، إن "حماس" تؤسس لخروج إمام المسلمين ومن ثم نزول المسيح عليه السلام: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم)، وقبل كل ذلك تؤهل الأمة ليقودها إمامها في مهمتها ولتستقبل المسيح عليه السلام.
إنها تصنع تاريخ الإسلام من جديد، ترد الأمة إلى رشدها، ترنو إلى البشرية لإخراجها من ظلماتها، تؤسس لظهور آخر قادة المسلمين في آخر معاركهم مع الكفر بين يدي قيام الساعة، فهي تؤدي من هذه الوجهة مهمة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، ولذا يجتمع عليها فراعنة الأرض كلهم ومن مالأهم من عبّاد الفرج والدينار، فهي تؤدي مهمة "موسى" عليه السلام من هذه الوجهة، وتصبر لا تحيد رغم اجتماع كل حزب أدى البيعة لإبليس الرجيم عليها، وهي من هذه الوجهة تؤدي مهمة أصحاب الأخدود، وهي تقاتل بقليل من العدد والعتاد والزاد والمتاع وكأنها تؤدي مهمة طالوت وداود عليهما السلام، ويكأنه يجتمع في "حماس" اليوم تراث الجماعة المؤمنة كلها منذ افتتاح عهد البشرية بآدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يبدو مفهوماً إذا أدركنا مآل صبر "حماس" وتمسكها بقضية بيت المقدس من فتح جديد للأمة، لعله الفتح الذي يمضي حتى ينزل المسيح فيقتل الدجال!
إذن؟
إذن؛ الله تعالى يربي "حماس" تربية استنثائية خاصة وشاقة، ويذيقها مرارة الدرس البليغ على عتبة كل مرحلة، أو بعد كل خطأ، إنها محبة الله، والصناعة على عين الله، فكما صنع "موسى" عليه السلام بالقذف والإلقاء والخوف والترقب والجوع والفقر والعوز والحاجة والتشرد، يصنع بحماس أكثر من ذلك لأن مهمتها أكبر وأضخم وليس ثمة نبوة اليوم تعزز بها، وإنما هو وحي الله الذي لا ينقطع والذي: (هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ)، وكم من صدر في "حماس" يضمه.
فلا عجب، فإذا كان هذا صنيع الله بأنبيائه الذي (يلقي عليهم محبة منه) فهنيئاً لحماس!
وإذا كان "موسى" يظهر اليوم في "غزة" في عصر أمريكا وإسرائيل ومبارك وعباس، فإن ابن سلول دائماً في مقاطعة رام الله، قال نمر حماد: (لو لم تطلق "حماس" الصواريخ ما ماتوا وما قتلوا)، وقال الله تعالى يحكي عن ابن سلول و (مقاطعته): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
ولا يستحق المنافقون أكثر من ذلك!
.................................................. ...
مقال حمزة عمر
تعليق