طنطاوي لا يعرف... عباس يعرف
فهمت جيداً، أن الشيخ طنطاوي لم يسمع بحصار غزة، ولا يعرف أين تقع غزة هذه. لكن لا يعني أنني فهمت هذه الفضيحة أنني لم أصدم بها.
وكيف لا أصدم بشيخ يمثل أكبر مؤسسة إسلامية في العالم، هذه المؤسسة التي اشتهرت بالنضال الدءوب على مر تاريخها للدفاع عن الدين والعروبة والإسلام. وبفضل هذه المؤسسة كانت مصر يوماً قبلة لطلاب العلم يتوافدون إليها من كل حدب وصوب.
كيف لا نصدم برجل يقول أنه لا يعرف أن غزة محاصرة، فماذا يعرف إذاً؟. مع أنني أصدقه بأنه لا يعرف، فقد سألته محطة الجزيرة ذات يوم، عن محاولات الصهاينة تدمير المسجد الأقصى بالجرافات، فرد وعلى الفور من الذي يريد أن يدمر، وهل هذا يقع اليوم. فالشيخ المطالب بالتيقظ والدفاع عن كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها لم يكن يعلم أن الجرافات الصهيونية حاولت تدمير المسجد الأقصى، وهو لا يعلم اليوم، أن غزة محاصرة وأن أطفالها يتضورون جوعاً، لدرجة أن الرضع في غزة يشربون الماء الآسن بدل الحليب.
لم يكتف شيخ الأزهر، باعترافه أنه رجل غافل، لا يعلم بحصار غزة، بل تطاول على كل المسلمين في العالم عندما قال" هي محاصرة، وأنا مالي، إيه الأرف ده". فهو لا يريد أن يهتم بمسلمي غزة أحفاد الإمام الشافعي، كما لم يهتم بأمر المسلمين يوماً متناسياً حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إذ قال" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
وفي تبريره المخجل لمأساة مصافحته للإرهابي بيريز، قال" الإمام الأكبر" أنه لا يعرف بيريز!. فالشيخ الذي يمثل المسلمين، لا يعرف قاتل أطفال المسلمين ومشرد نسائهم، لم يسمع أبداً بمذبحة قانا، ولم يسمع بالإرهابي الذي يأتي مصر وغيرها من الدول العربية معربداً، وتنشر صوره في الفضائية المصرية أكثر من صورة طنطاوي نفسه.ولقد أخذت العزة بالإثم شيخ الأزهر، فقال راداً على منتقديه أنهم مجانين لا يعقلون، بل هو مستعد لدعوة بيريز لزيارة الأزهر نفسه.
فكيف يقبل علماء الأزهر الشريف بعد كل هذا أن يبقى الرجل على رأس هذه المؤسسة العريقة!.
كنا نشك، وأصبحنا اليوم نعلم، أن سيد طنطاوي ما هو إلا موظف لدى الحكومة المصرية، يرى بعينيها لا بعينيه، فيحرم ما تحرم ويحل ما تحل، غير آبه بغير ذلك ولو كانت أحاديث صحيحة أو آيات قرآنية. وهو بذلك لا يخالف سادته أعضاء الحكومة المصرية، فقد اشتهرت تلك الحكومة بوزير خارجية لا يكف عن القول:" أنا لا أعلم" في كل مؤتمر صحفي، حتى ذلك الذي تحدث فيه عن الاحتلال البربري الأمريكي للعراق. واشتهرت بوزير آخر، طلب الانتظار حتى يفرغ من مشاهدة الفيلم، ليثبت أن الأسرى الذين قتلوا فيه كانوا من فلسطين وليسوا من مصر. أما مدير المخابرات في مصر العروبة، فهو حبيب الصهاينة، لا يذهب إليهم إلا ويدعى إلى أفخر الموائد، في الوقت الذي يموت فيه أهل غزة جوعاً. وعلى رأس أولئك الذيل لا يعلمون نجد السيد الرئيس حسني مبارك، الذي قال بالحرف " أنتم اليهود معروفون بالوفاء بالعهد". والذي رفض ولا يزال أي تقارب عربي – عربي، في الوقت الذي يحلف فيه الأيمان الغلاظ، بأنه صادق في السلام والتقارب مع العدو الصهيوني. وبالتالي فإن سيد طنطاوي لن يكون مختلفاً عن هؤلاء بشيء فهو واحد من المطبلين الذين حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت مسمى علماء السوء.
وإذا فهمنا أن شيخ الأزهر لا يعرف أن غزة محاصرة، ولم ير صورة بيريز ولم يسمع باسمه، فهل نستطيع أن نفهم كيف صرح محمود عباس بأن محاولة السفن العربية والغربية التي تحاول كسر الحصار عن غزة، هي "مهزلة ولعبة سخيفة". هل يعني هذا، أن محمود عباس، يفرح إذا مات الناس في غزة جوعاً، أو ليست غزة أرض فلسطينية، أم أن الرجل غرق في متاهات العداوات الشخصية، والرغبة في إثبات محبته للكيان الصهيوني.
نحن هنا لا ندافع عن حماس ولا نقف ضدها، نحن نقول كيف قبلت نفس محمود عباس أن يسيء إلى الذين جاؤوا من أصقاع الأرض للدفاع عن أهل فلسطين فيرى أنّ تصرفهم سخيف وتافه. فبدل أن يستقبل هؤلاء الرجال ويشرح لهم ما تعانيه غزة من ظلام وظلم وجوع، انقض عليهم وحقّر جهدهم في كسر الحصار عن جزء من أبناء فلسطين.
يبدو لي أن اغتيال عرفات لم يكن مدبراً ، لتمييع القضية الفلسطينية فقط والحصول على تنازلات من خلَفه، بل إن أحد أسباب قتله هو أن يؤتى بهذا الرجل رئيساً للسلطة الفلسطينية حتى يخدم الكيان الصهيوني أكثر من قادة الكيان أنفسهم، وإلا فما تفسير سعيه أن تبقى غزة تحت الحصار، دون ماء ولا دواء.
كان العربي، يا عباس، يضغط على صاحبه أو على شيخ قبيلته بأن يجوع دابته، فيقوم الآخر بالتصالح معه وإرضائه خوفاً على الدابة أن تجوع أو تعطش، فماذا تفعل اليوم أنت وحلف الاعتدال العربي، الذي اعتدل في شجاعته ورجولته وكرامته وأصبح فارساً هماماً على الرضع واليتامى والنساء في غزة.
لم تضِع فلسطين، يا عباس، لأن الصهاينة أكثر عدداً أو عدة، أو سلاحاً فتاكاً، بل ضاعت لأن بعضنا يقتل بعضاً ولأن بعضنا يخون بعضاً، ولأن هدايا حلف الاعتدال العربي إلى حكام الصهاينة، تكفي لإطعام سكان غزة شهوراً وأعواماً.
إن كان بعض زعمائنا أهدى للعدو ساعات فاخرة وأقلام مذهّبة، وبعض الزمرد والياقوت، فماذا بقي أمامك يا عباس هدية لعدوك، هل تفكر فعلاً بإهداء دم فلسطين وأرض فلسطين!
تعليق