بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
غزة لا تشرب ماء البحر!
شبكة البصرة
جمال محمد تقي
قفلوا البحر
قفلوا المعابر
،
فتحوا المقابر
،
قفلوا السماء بالخناجر
،
قفلوا المخابز
قفلوا المشافي والمتاجر
قفلوا المدارس والمحاجر
،
قفلوا الابواب والشبابيك
ادخلوا الموت من الشرفات
اقفلوا الحدود مع سيناء
واقفلوا راجعين.
،
كربلاء تخجل من عطش غزة
وجوعها واوجاعها وموتها البطيء!
،
أي العواصم نحتكم؟
أي العواصم نشتكي؟
أي العواصم نحترم؟
أي الرؤساء يستحق ان نستغيث به ـ وا معتصماه ـ؟
اي خارطة طريق نتبع؟
خارطة ـ عباس ابن فرناس، اومحمد دحلان او بوش الصغير
او بارك او مبارك، أم ننتظر أوباما واسطوانة التغيير..؟
كل الخرائط قد خرت على نفسها!
رام الله ياعاصمة الخرائط الميتة
ارمي بنفسك في احضان القدس ولا تتهربي
واصنعي من ريحك هزة تكسر سجنك المؤبد بالمقاطعة
ومدي روحك لتلاقي ارواح المحاصرين في غزة
هزة
هزة
هزة
لخلاصكم وخلاص غزة!
ما اكبر الثورة وما اصغر الدولة، قالها درويش محذرا عرفات بعد الخروج من بيروت، انظروا الان لا دولة ولا ثورة، ما يجري على غزة هو محاولة لاخصاء من بقي من الثوار، محاولة لزرع العقم في النساء، محاولة للتخيير بين الفناء العدمي والانحناء الابدي!
غزة تستفزهم، ليس بصواريخ فتيتها التي قد لا تصل الى اهدافها، وليس باستشهادييها الذين قد لا يحققون غايتهم بانزال وجع القلب في الصهاينة الارهابيين، غزة تستفزهم لانها لا تشيخ، لانها خصبة رغم العطش، وولادة رغم الجوع، 51 % من سكانها تحت سن ال18، متوسط الانجاب في العائلة الواحدة 4 ـ 5 اطفال، البطالة الاجبارية 85 % من سكانها على حافة الفقر ويعيشون على مساعدات الانوروا، التجويع الاجباري يجعل هذا المجتمع الفتي اكثر استعدادا لتقبل فكرة المقاومة حتى من جيل النازحين والمهجرين، فيوميات غزة دروس مجانية ترضع الصغار حروف الصراع الذي لا ينقطع عن كونه صراع وجود وليس حدود!
الاقربون اولى بالمعروف، قاعدة تعاملية اسلامية، ومنطقية وعملية ايضا، وتطبيقها يعود بالخير على طرفي المعادلة الفاعل والمتلقي، غزة هي الاقرب لمصر من كل اوصال الجسد الفلسطيني المقطع وهي بالتالي المتلقي الاول للمعروف المصري او المنكر المصري، غزة بوابة مصر شرقا نحو مشارق العرب ونحومركز قضيتهم المركزية فلسطين، غزة كانت ومازالت على يقين بان ظهرها مؤمن، وبانه الجهة الوحيدة التي لا تأتيها منه الطعنات، هذا اليقين لم يأت من سراب، انه معتق بعبق التاريخ البعيد والقريب وبوشائج تداخل الادوار والاقوام فغزة متصاهرة تاريخيا مع سيناء، ولها اخوات على الساحل الشمالي منها، حتى انك لا تميز بين رفح الفلسطينية والمصرية.
مرت غزة باشكال متقلبة ومختلفة من اتصالات الجيرة منذ ان احتلتها اسرائيل في عدوان عام 1967 حيث انتزعتها كما انتزعت كل سيناء من حكم الادارة المصرية للقطاع ومارست عليها وعلى عمقها سيناء ابشع انواع التغييب والعزل حتى ان آثار هذا التأثير مازال مستمرا على الرغم من استعادة مصر لسيناءها بعد اتفاقية كامب ديفيد بسنوات، ورغم دخول منظمة التحرير الفلسطنية غزة تطبيقا لاتفاقيات اوسلو وتحديدا اتفاقية غزة اريحا اولا، حيث دخل ياسر عرفات غزة من البوابة المصرية، من رفح المصرية وبجهد وغطاء حكومي مصري واضح، بقيت غزة هي المعبر والبوابة والميناء والسماء.
لم يتغير الحال كثيرا بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، غزة عبأ فلسطيني مكثف على اسرائيل كانت ومازالت، غزة بعد حلول الادارة الجديدة لها ادارة السلطة الوطنية، كانت قد خضعت لرهان اسرائيلي امريكي عربي رسمي مبكر الا وهو كسر ارادة قوى الانتفاضة الشعبية الفلسطينية فيها وفي الضفة بعد ان عجزت اسرائيل في القضاء عليها بالاساليب القديمة، وذلك بواسطة وضع القوى الفلسطينية في زاوية تناقضاتها الداخلية، وتبريزها باستدعاء منظمة التحرير وتحديدا فتح لتستلم ادارة الاجزاء المزعجة جدا من الجسد الفلسطيني بعد تقطيعه وتحويله الى كانتونات وسجون كبيرة لايملك مفاتيحها الا اسرائيل ومر اكثر من عقد والحال هو الحال، الفارق الوحيد ان دخول منظمة التحرير وتحديدا فتح قد كرس سيطرة التيار الاسلامي على الشارع الفلسطيني حيث فشلت فتح ومن معها في كسب ثقته لا على صعيد النهج السياسي ولا على صعيد النزاهة بمختلف معانيها، وبقيت الحالة الفلسطينية تعاني من ازدواجية واحباطات متتالية كان اخرها حبس عرفات رمز النضال الفلسطيني المعترف به والمنتخب والشرعي ثم اغتياله وببرود قل نظيره، كان وقتها ظهير غزة لا يجروء على فعل شيء حتى اذا اراد، ولم يخرج الرئيس من حبسته الا بعد ان ايقنوا انه سيموت حتما ولم يخرج كعادته لديار الشقيق الاكبر بل كان الغريب اكثر استعدادا للترحيب به، ومات الرجل في باريس ليرجع جثمانا يعبر معابر رفح الى حيث مثواه الاخير في باحة محبسه التي كانوا يسمونها مقر سلطته ـ المقاطعة ـ!
وعندما حاولت القوى الاكثر شعبية في فلسطين المحتلة تجريب حظها بالادارة مركزة على معالجة فساد الادارة الاولى نسيت او تناست ان لعبة الادارة لا تعني مجرد من يفوز بالاغلبية وانما من يتفق مع اصحاب الاتفاق الاول ومن يحسم خياراته على برمجة رضى الخصم فالخصم هنا خصم وحكم!
ربما ارادت حماس سحب البساط من تحت من يخططون لسحب بساطها؟ ربما ارادت ان تزاوج بين اوراق الضغط المقاوم وبين ممارسة الادارة؟ ربما ارادت ان تعطي درسا في النزاهة؟ ربما ارادت حماس ان تكون اكثر واقعية بممارسة نوع من السلطة على حساب نوع من الرومانسية الجهادية؟
او انها اخذت بكل هذه الدوافع خاصة وانها فقدت اغلب اعضاء الصف الاول من قياديها في الداخل وان ثقلها القيادي المؤثر انحسر بالخارج وتاثيراته؟
المهم انها جربت وبدون شروط معلنة دخول الانتخابات التشريعية وفازت بها وكانت الانتخابات باعتراف الاصدقاء والاعداء نزيهة تماما، خسرت فتح ولاول مرة المركز الاول وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الان!
وهنا بدأت ضغوط الصراع الداخلي والخارجي من اجل ترويض اندفاعة حماس بل وتحويلها الى كمين يجعلها تفقد فيه رصيدها بل وجودها، فكانت كل المحاولات تجري لافشال ومحاصرة وحبس اي ترجمة حقيقية لوجود سلطة فلسطينية ومجلس تشريعي تقوده حماس، وعليه كان موقع الرئيس فقط هو الفاعل لان كل المحيطين لا يريدون حماس وعلى راس هؤلاء اسرائيل وامريكا وبعض العرب المحكومين امريكيا!
دور مصر يتعزز باعانة كل الفلسطينيين لتجاوزمحنتهم :
دعم امريكي اسرائيلي اوروبي الى عباس وما اتخذه من قرارات بحل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة سلام فياض الذي كان بمثابة مدير البنك الفلسطيني بيده كل خيوط ومواثيق وخرائط دهاليز اموال السلطة والمنح والهبات والاصول المالية الدائرة هنا وهناك وله صلات مع البنوك العدوة والصديقة، يجعل اي مراقب يعتقد ان كل هؤلاء كانوا ينتظرون الحدث او كانوا يدفعون باتجاهه!
ان عزل حماس عن السلطة وتحميلها منفردة مسؤولية المصادمات الدامية والتصفوية التي حصلت في غزة وادت الى سيطرة قوات حماس على القطاع وارتكابهم اخطاء فادحة بحق انفسهم وشعبهم، ثم ما تلاها من اعمال انتقامية في الضفة الغربية تؤكد ان الطرف الاخر الرابض بها لم يكن ملاكا ايضا!
عزل حماس هو الانقلاب بعينه، فالمجلس التشريعي معطل بقرار اسرائيلي لانها تعتقل وتعطل حركة الكثير من اعضائه، ومع رفض الرباعية بالتعامل مع اي شرعية فلسطينية فيها حماس، واصرارها على حصر التعامل او الاعتراف بشخص عباس وجهازه الامني (الامن الوقائي + حرس الرئاسة) ومنذ اكثر من سنة ونصف وهي فترة مشاركة حماس في السلطة ثم ضغط عباس وجناحه العسكري والتنظيمي غير القاعدي في فتح المتضرر من التحول الجديد (المجلس الثوري + اللجنة المركزية) على حكومة هنية لجعلها جهاز تابع للرئاسة ومحاولة احراجها واستنزافها حيث رفضت قيادة فتح حكومة الوحدة منذ البداية وراحت تراهن على عدم ترحيب الرباعية بها لاسقاطها!
وعندما لم تستسلم حماس للامر الواقع المفروض والمدبر اخذت الامور منحى التصادم الذي كان محوره هو الاجهزة الامنية واستقلاليتها عن الحكومة وارتباطها بعباس وتكتل دحلان ورشيد ابو شباك.
كان خطاب عباس التصعيدي الاخير امام المجلس المركزي لمنظمة لتحرير في رام الله يؤكد ان الجناح المتهافت في فتح وسلطتها والذي كشف عن رغبته بعودة الامور الى ماقبل الانتخابات نجح وافلح في استثمار الحالة الغزاوية لاجل الانفراد مجددا بالسلطة المرهونة بتنفيذ شروط الرباعية ومن يتحكم بها "امريكا دوليا واقليميا واسرائيل ميدانيا "!
ان تجديد الفترة الرئاسية لعباس وبدون انتخابات سيكون لها تاثير سلبي على امكانيات نجاح اي محاولة جديدة لحوار جاد، وعليه فان الاسراع بايجاد قواسم مشتركة ترسم الاجواء الصحية لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة امر لايقبل التاجيل!
ليس لاي طرف قدسية ما، او انه فوق مستوى الشبهات، فالامر اليوم يتعلق بحياة الناس ومصائرهم لذلك فان فتح وحماس مطالبة وفورا بمعالجات مسؤولة تتجاوز المصالح الحزبية لهما، وعلى هذا الطريق كل الانظار تتوجه نحو مصر وما فعلته وما يجب ان تفعله، مصر مطالبة من اجلها هي ومن اجل امنها الوطني ان تجمع شمل الفلسطينيين ثانية وعلى كلمة سواء، لا بالاسهام باحكام الحصار على غزة، فالحصار ان اطبق جناحيه من الاعداء والاقرباء من الامام ومن الخلف، سيكون مشروعا لانفجار لا يحمد عقباه!
نعم مطلوب حوار جاد ومسؤول بين الفلسطينيين انفسهم، وقبل هذا وذلك مطلوب تحرك عربي رسمي وشعبي يجعل مصر تتحلل من اي التزام يستبقي الاغلاق على معابر رفح، مطلوب الضغط على اقطاب الرباعية لرفع حصار المعابر، حصار الدواء والغذاء والكهرباء والوقود والتنقل ودون شروط!
اسرائيل والاحقاد المسبقة :
تعاقب حكام اسرائيل على البوح بما يجمل غيضهم وحقدهم على غزة، وموقع غزة وكثافة السكان في غزة وخصوصية مقاومتها في الجسد الفلسطيني الممدد على سرير المشرحة الاسرائيلية، عصب غزة يلاعب مشرط اسرائيل، عصب غزة ارهق اسرائيل، عصب غزة افقد اسرائيل اعصابها!
تمنى بعضهم ان يبتلع البحر غزة، او ان تصبح اسرائيل صبحا فلا تجدها، ان تنخسف الارض بها، ان يضربها نيزك اعمى فيحيلها الى رماد، حتى ان بعضهم قال بصوت خافت لو ترضى مصر بان ترجع ادارتها للقطاع وتصبح هي المسؤولة عنها بشروطنا لكان الحال غير الحال!
لقد تفنن جهاز الاعلام الاسرائيلي وخاصة اذاعة جيش الدفاع الاسرائيلي في انزال ابشع الاوصاف واكثرها تحريضية وكراهية بغزة واهلها ومن يقف معهم ـ معقل الارهاب، قلعة الظلاميين، تورا بورا فلسطين، الاصبع الذي يستحق القطع، أمارة السوء الظلامية، جسر الارهاب والظلام!!
هناك مفارقتان في عموم هذه الاوصاف وانعكاساتها، الاولى انها تؤكد على الظلام في غزة مع ان سياسة العزل والحصار وقطع الكهرباء والايغال في الاذلال والحجر عليها هي المسببات الرئيسية لحالة الظلام المفروض عليها،، ومع كل هذا فان اهلها استطاعوا ومنذ 1967 تلمس طريق النور فيهم وفيها انه طريق المقاومة، وهم مستمرون فيه حتى يستعيدون النور كل النور الذي تحجبه عنهم اسرائيل ومن يقف معها، فالاحتلال الاسرائيلي وحصاره وحجره هو الظلام والظلامية بعينها، اما المفارقة الثانية فهي استخدام بعض الاعلام الرسمي العربي ومنه بعض الاعلام الرسمي الفلسطيني ايضا ذات الاوصاف الاسرائيلية للنيل من مواقف الاطراف المقاومة فيها، وهو بذلك يساهم من حيث يدري او لايدري بتكريس سياسة العقوبات الجماعية على غزة وسكانها الذين يعتبرون جناح لايمكن بدونه ان يحلق الطائر الفلسطيني السائر نحو هدفه بالتحرير واقامة دولته التي يريد!
ان الحالة الشاذة التي تحاول اسرائيل فرضها على القطاع تتناغم مع سياستها التقليدية التي مازالت تتعامل بها مع الضفة الغربية حيث مواصلة بناء المستوطنات واحكام جدار الفصل الذي لا يفصل فقط المناطق الفلسطينية عن المستعمرات الاسرائيلية وحسب، وانما يقطع المناطق الفلسطينية ذاتها، ناهيك عن السياسة الحثيثة لتهويد القدس تماما، اما ملاحقة المقاومين في الضفة والدخول الى مدنها دون استأذان فحدث ولا حرج، وكل هذا يحدث والمتفاؤلون يواقحون بتفاؤلهم بل راحوا يضعون كل بيضهم بسلة لعبة السلام وحكمها غير النزيه امريكا، والحال على هذا المنوال منذ اتفاق - غزة اريحا -
حتى ظهور خارطة لطريق وتعديلاتها التي ازدادت وضوحا بزيارة بوش الاخيرة للمنطقة حيث اكد ان حدود 67 ليست مقدسة وان امن اسرائيل كدولة يهودية امر مفروغ منه، وان مشكلة السيادة على الاماكن المقدسة في القدس يمكن تسويتها، وكل هذا لا يقدم الى السلطة الا اذا حاربت "الارهاب" الفلسطيني، وكان نتائج مؤتمر انا بوليس جاءت لتفرض الرؤية الاسرائيلية الامريكية للحل النهائي المستند على الامر الواقع المفروض بالقوة، ويبدو ان اغراق غزة بالظلام الكهربائي والغذائي والدوائي اضافة الى شل حركة الايادي العاملة وتنقلها للعمل خارج القطاع مع تزايد الضربات الجوية والاجتياحات المتناوبة!
لقد كان رد فعل شعب غزة طبيعيا عندما توجه لحواجز الحدود وتجاوزها معلنا انه لن ينتظرحتى يموت رحمة المحتلين واسيادهم وانه قادر على فضح كل المتسترين على عدوان اسرائيل وحصارها واحتلالها للارض والانسان في غزة وغيرها من الارض الفلسطينية!
ماذا تتظر مصر، هل تنتظر تسلم الجندي الاسرائيلي الاسير دون ان تطلق اسرائيل اسرى فلسطينيين؟
هل تنتظر استسلام حماس للاجندة الاسرائيلية؟
ام انها ستنتظر خروج مليوني جديد يتجاوز الحدود ويكسر القيود؟
اما بعد فان الذي جرى يؤكد ضرورة تصحيح الوضع الشاذ داخل البيت الفلسطيني نفسه، يؤكد ضرورة تجاوز حالة حصار السلطة لحماس، يؤكد ضرورة اعادة صياغة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينة بحيث تشمل الجميع ببرنامج عمل يعي كل دروس المرحلة السابقة ويضع المصالح العليا فوق كل اعتبار، ان الوقوف صفا واحدا بوجه سياسة فرض الامر الواقع الاسرائيلية الامريكية هو مسؤولية السلطة وحماس وكل المخلصين من شعب فلسطين، عليه فان الفرصة سانحة لتفاهمات جديدة بين حماس وفتح وهي ستكون مسنودة بالتضامن العربي والاحساس المصري بالمسؤولية المتداخلة على طرفي الحدود، هل ستفعل السلطة وحماس ما يجب فعله ام سيتشبثان بمواقفهما السابقة بانتظار فرج قد لا يأتي، او حتى تسقط فتح وحماس من اعين الناس كل الناس!
غزة لا تشرب ماء البحر!
شبكة البصرة
جمال محمد تقي
قفلوا البحر
قفلوا المعابر
،
فتحوا المقابر
،
قفلوا السماء بالخناجر
،
قفلوا المخابز
قفلوا المشافي والمتاجر
قفلوا المدارس والمحاجر
،
قفلوا الابواب والشبابيك
ادخلوا الموت من الشرفات
اقفلوا الحدود مع سيناء
واقفلوا راجعين.
،
كربلاء تخجل من عطش غزة
وجوعها واوجاعها وموتها البطيء!
،
أي العواصم نحتكم؟
أي العواصم نشتكي؟
أي العواصم نحترم؟
أي الرؤساء يستحق ان نستغيث به ـ وا معتصماه ـ؟
اي خارطة طريق نتبع؟
خارطة ـ عباس ابن فرناس، اومحمد دحلان او بوش الصغير
او بارك او مبارك، أم ننتظر أوباما واسطوانة التغيير..؟
كل الخرائط قد خرت على نفسها!
رام الله ياعاصمة الخرائط الميتة
ارمي بنفسك في احضان القدس ولا تتهربي
واصنعي من ريحك هزة تكسر سجنك المؤبد بالمقاطعة
ومدي روحك لتلاقي ارواح المحاصرين في غزة
هزة
هزة
هزة
لخلاصكم وخلاص غزة!
ما اكبر الثورة وما اصغر الدولة، قالها درويش محذرا عرفات بعد الخروج من بيروت، انظروا الان لا دولة ولا ثورة، ما يجري على غزة هو محاولة لاخصاء من بقي من الثوار، محاولة لزرع العقم في النساء، محاولة للتخيير بين الفناء العدمي والانحناء الابدي!
غزة تستفزهم، ليس بصواريخ فتيتها التي قد لا تصل الى اهدافها، وليس باستشهادييها الذين قد لا يحققون غايتهم بانزال وجع القلب في الصهاينة الارهابيين، غزة تستفزهم لانها لا تشيخ، لانها خصبة رغم العطش، وولادة رغم الجوع، 51 % من سكانها تحت سن ال18، متوسط الانجاب في العائلة الواحدة 4 ـ 5 اطفال، البطالة الاجبارية 85 % من سكانها على حافة الفقر ويعيشون على مساعدات الانوروا، التجويع الاجباري يجعل هذا المجتمع الفتي اكثر استعدادا لتقبل فكرة المقاومة حتى من جيل النازحين والمهجرين، فيوميات غزة دروس مجانية ترضع الصغار حروف الصراع الذي لا ينقطع عن كونه صراع وجود وليس حدود!
الاقربون اولى بالمعروف، قاعدة تعاملية اسلامية، ومنطقية وعملية ايضا، وتطبيقها يعود بالخير على طرفي المعادلة الفاعل والمتلقي، غزة هي الاقرب لمصر من كل اوصال الجسد الفلسطيني المقطع وهي بالتالي المتلقي الاول للمعروف المصري او المنكر المصري، غزة بوابة مصر شرقا نحو مشارق العرب ونحومركز قضيتهم المركزية فلسطين، غزة كانت ومازالت على يقين بان ظهرها مؤمن، وبانه الجهة الوحيدة التي لا تأتيها منه الطعنات، هذا اليقين لم يأت من سراب، انه معتق بعبق التاريخ البعيد والقريب وبوشائج تداخل الادوار والاقوام فغزة متصاهرة تاريخيا مع سيناء، ولها اخوات على الساحل الشمالي منها، حتى انك لا تميز بين رفح الفلسطينية والمصرية.
مرت غزة باشكال متقلبة ومختلفة من اتصالات الجيرة منذ ان احتلتها اسرائيل في عدوان عام 1967 حيث انتزعتها كما انتزعت كل سيناء من حكم الادارة المصرية للقطاع ومارست عليها وعلى عمقها سيناء ابشع انواع التغييب والعزل حتى ان آثار هذا التأثير مازال مستمرا على الرغم من استعادة مصر لسيناءها بعد اتفاقية كامب ديفيد بسنوات، ورغم دخول منظمة التحرير الفلسطنية غزة تطبيقا لاتفاقيات اوسلو وتحديدا اتفاقية غزة اريحا اولا، حيث دخل ياسر عرفات غزة من البوابة المصرية، من رفح المصرية وبجهد وغطاء حكومي مصري واضح، بقيت غزة هي المعبر والبوابة والميناء والسماء.
لم يتغير الحال كثيرا بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، غزة عبأ فلسطيني مكثف على اسرائيل كانت ومازالت، غزة بعد حلول الادارة الجديدة لها ادارة السلطة الوطنية، كانت قد خضعت لرهان اسرائيلي امريكي عربي رسمي مبكر الا وهو كسر ارادة قوى الانتفاضة الشعبية الفلسطينية فيها وفي الضفة بعد ان عجزت اسرائيل في القضاء عليها بالاساليب القديمة، وذلك بواسطة وضع القوى الفلسطينية في زاوية تناقضاتها الداخلية، وتبريزها باستدعاء منظمة التحرير وتحديدا فتح لتستلم ادارة الاجزاء المزعجة جدا من الجسد الفلسطيني بعد تقطيعه وتحويله الى كانتونات وسجون كبيرة لايملك مفاتيحها الا اسرائيل ومر اكثر من عقد والحال هو الحال، الفارق الوحيد ان دخول منظمة التحرير وتحديدا فتح قد كرس سيطرة التيار الاسلامي على الشارع الفلسطيني حيث فشلت فتح ومن معها في كسب ثقته لا على صعيد النهج السياسي ولا على صعيد النزاهة بمختلف معانيها، وبقيت الحالة الفلسطينية تعاني من ازدواجية واحباطات متتالية كان اخرها حبس عرفات رمز النضال الفلسطيني المعترف به والمنتخب والشرعي ثم اغتياله وببرود قل نظيره، كان وقتها ظهير غزة لا يجروء على فعل شيء حتى اذا اراد، ولم يخرج الرئيس من حبسته الا بعد ان ايقنوا انه سيموت حتما ولم يخرج كعادته لديار الشقيق الاكبر بل كان الغريب اكثر استعدادا للترحيب به، ومات الرجل في باريس ليرجع جثمانا يعبر معابر رفح الى حيث مثواه الاخير في باحة محبسه التي كانوا يسمونها مقر سلطته ـ المقاطعة ـ!
وعندما حاولت القوى الاكثر شعبية في فلسطين المحتلة تجريب حظها بالادارة مركزة على معالجة فساد الادارة الاولى نسيت او تناست ان لعبة الادارة لا تعني مجرد من يفوز بالاغلبية وانما من يتفق مع اصحاب الاتفاق الاول ومن يحسم خياراته على برمجة رضى الخصم فالخصم هنا خصم وحكم!
ربما ارادت حماس سحب البساط من تحت من يخططون لسحب بساطها؟ ربما ارادت ان تزاوج بين اوراق الضغط المقاوم وبين ممارسة الادارة؟ ربما ارادت ان تعطي درسا في النزاهة؟ ربما ارادت حماس ان تكون اكثر واقعية بممارسة نوع من السلطة على حساب نوع من الرومانسية الجهادية؟
او انها اخذت بكل هذه الدوافع خاصة وانها فقدت اغلب اعضاء الصف الاول من قياديها في الداخل وان ثقلها القيادي المؤثر انحسر بالخارج وتاثيراته؟
المهم انها جربت وبدون شروط معلنة دخول الانتخابات التشريعية وفازت بها وكانت الانتخابات باعتراف الاصدقاء والاعداء نزيهة تماما، خسرت فتح ولاول مرة المركز الاول وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الان!
وهنا بدأت ضغوط الصراع الداخلي والخارجي من اجل ترويض اندفاعة حماس بل وتحويلها الى كمين يجعلها تفقد فيه رصيدها بل وجودها، فكانت كل المحاولات تجري لافشال ومحاصرة وحبس اي ترجمة حقيقية لوجود سلطة فلسطينية ومجلس تشريعي تقوده حماس، وعليه كان موقع الرئيس فقط هو الفاعل لان كل المحيطين لا يريدون حماس وعلى راس هؤلاء اسرائيل وامريكا وبعض العرب المحكومين امريكيا!
دور مصر يتعزز باعانة كل الفلسطينيين لتجاوزمحنتهم :
دعم امريكي اسرائيلي اوروبي الى عباس وما اتخذه من قرارات بحل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة سلام فياض الذي كان بمثابة مدير البنك الفلسطيني بيده كل خيوط ومواثيق وخرائط دهاليز اموال السلطة والمنح والهبات والاصول المالية الدائرة هنا وهناك وله صلات مع البنوك العدوة والصديقة، يجعل اي مراقب يعتقد ان كل هؤلاء كانوا ينتظرون الحدث او كانوا يدفعون باتجاهه!
ان عزل حماس عن السلطة وتحميلها منفردة مسؤولية المصادمات الدامية والتصفوية التي حصلت في غزة وادت الى سيطرة قوات حماس على القطاع وارتكابهم اخطاء فادحة بحق انفسهم وشعبهم، ثم ما تلاها من اعمال انتقامية في الضفة الغربية تؤكد ان الطرف الاخر الرابض بها لم يكن ملاكا ايضا!
عزل حماس هو الانقلاب بعينه، فالمجلس التشريعي معطل بقرار اسرائيلي لانها تعتقل وتعطل حركة الكثير من اعضائه، ومع رفض الرباعية بالتعامل مع اي شرعية فلسطينية فيها حماس، واصرارها على حصر التعامل او الاعتراف بشخص عباس وجهازه الامني (الامن الوقائي + حرس الرئاسة) ومنذ اكثر من سنة ونصف وهي فترة مشاركة حماس في السلطة ثم ضغط عباس وجناحه العسكري والتنظيمي غير القاعدي في فتح المتضرر من التحول الجديد (المجلس الثوري + اللجنة المركزية) على حكومة هنية لجعلها جهاز تابع للرئاسة ومحاولة احراجها واستنزافها حيث رفضت قيادة فتح حكومة الوحدة منذ البداية وراحت تراهن على عدم ترحيب الرباعية بها لاسقاطها!
وعندما لم تستسلم حماس للامر الواقع المفروض والمدبر اخذت الامور منحى التصادم الذي كان محوره هو الاجهزة الامنية واستقلاليتها عن الحكومة وارتباطها بعباس وتكتل دحلان ورشيد ابو شباك.
كان خطاب عباس التصعيدي الاخير امام المجلس المركزي لمنظمة لتحرير في رام الله يؤكد ان الجناح المتهافت في فتح وسلطتها والذي كشف عن رغبته بعودة الامور الى ماقبل الانتخابات نجح وافلح في استثمار الحالة الغزاوية لاجل الانفراد مجددا بالسلطة المرهونة بتنفيذ شروط الرباعية ومن يتحكم بها "امريكا دوليا واقليميا واسرائيل ميدانيا "!
ان تجديد الفترة الرئاسية لعباس وبدون انتخابات سيكون لها تاثير سلبي على امكانيات نجاح اي محاولة جديدة لحوار جاد، وعليه فان الاسراع بايجاد قواسم مشتركة ترسم الاجواء الصحية لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة امر لايقبل التاجيل!
ليس لاي طرف قدسية ما، او انه فوق مستوى الشبهات، فالامر اليوم يتعلق بحياة الناس ومصائرهم لذلك فان فتح وحماس مطالبة وفورا بمعالجات مسؤولة تتجاوز المصالح الحزبية لهما، وعلى هذا الطريق كل الانظار تتوجه نحو مصر وما فعلته وما يجب ان تفعله، مصر مطالبة من اجلها هي ومن اجل امنها الوطني ان تجمع شمل الفلسطينيين ثانية وعلى كلمة سواء، لا بالاسهام باحكام الحصار على غزة، فالحصار ان اطبق جناحيه من الاعداء والاقرباء من الامام ومن الخلف، سيكون مشروعا لانفجار لا يحمد عقباه!
نعم مطلوب حوار جاد ومسؤول بين الفلسطينيين انفسهم، وقبل هذا وذلك مطلوب تحرك عربي رسمي وشعبي يجعل مصر تتحلل من اي التزام يستبقي الاغلاق على معابر رفح، مطلوب الضغط على اقطاب الرباعية لرفع حصار المعابر، حصار الدواء والغذاء والكهرباء والوقود والتنقل ودون شروط!
اسرائيل والاحقاد المسبقة :
تعاقب حكام اسرائيل على البوح بما يجمل غيضهم وحقدهم على غزة، وموقع غزة وكثافة السكان في غزة وخصوصية مقاومتها في الجسد الفلسطيني الممدد على سرير المشرحة الاسرائيلية، عصب غزة يلاعب مشرط اسرائيل، عصب غزة ارهق اسرائيل، عصب غزة افقد اسرائيل اعصابها!
تمنى بعضهم ان يبتلع البحر غزة، او ان تصبح اسرائيل صبحا فلا تجدها، ان تنخسف الارض بها، ان يضربها نيزك اعمى فيحيلها الى رماد، حتى ان بعضهم قال بصوت خافت لو ترضى مصر بان ترجع ادارتها للقطاع وتصبح هي المسؤولة عنها بشروطنا لكان الحال غير الحال!
لقد تفنن جهاز الاعلام الاسرائيلي وخاصة اذاعة جيش الدفاع الاسرائيلي في انزال ابشع الاوصاف واكثرها تحريضية وكراهية بغزة واهلها ومن يقف معهم ـ معقل الارهاب، قلعة الظلاميين، تورا بورا فلسطين، الاصبع الذي يستحق القطع، أمارة السوء الظلامية، جسر الارهاب والظلام!!
هناك مفارقتان في عموم هذه الاوصاف وانعكاساتها، الاولى انها تؤكد على الظلام في غزة مع ان سياسة العزل والحصار وقطع الكهرباء والايغال في الاذلال والحجر عليها هي المسببات الرئيسية لحالة الظلام المفروض عليها،، ومع كل هذا فان اهلها استطاعوا ومنذ 1967 تلمس طريق النور فيهم وفيها انه طريق المقاومة، وهم مستمرون فيه حتى يستعيدون النور كل النور الذي تحجبه عنهم اسرائيل ومن يقف معها، فالاحتلال الاسرائيلي وحصاره وحجره هو الظلام والظلامية بعينها، اما المفارقة الثانية فهي استخدام بعض الاعلام الرسمي العربي ومنه بعض الاعلام الرسمي الفلسطيني ايضا ذات الاوصاف الاسرائيلية للنيل من مواقف الاطراف المقاومة فيها، وهو بذلك يساهم من حيث يدري او لايدري بتكريس سياسة العقوبات الجماعية على غزة وسكانها الذين يعتبرون جناح لايمكن بدونه ان يحلق الطائر الفلسطيني السائر نحو هدفه بالتحرير واقامة دولته التي يريد!
ان الحالة الشاذة التي تحاول اسرائيل فرضها على القطاع تتناغم مع سياستها التقليدية التي مازالت تتعامل بها مع الضفة الغربية حيث مواصلة بناء المستوطنات واحكام جدار الفصل الذي لا يفصل فقط المناطق الفلسطينية عن المستعمرات الاسرائيلية وحسب، وانما يقطع المناطق الفلسطينية ذاتها، ناهيك عن السياسة الحثيثة لتهويد القدس تماما، اما ملاحقة المقاومين في الضفة والدخول الى مدنها دون استأذان فحدث ولا حرج، وكل هذا يحدث والمتفاؤلون يواقحون بتفاؤلهم بل راحوا يضعون كل بيضهم بسلة لعبة السلام وحكمها غير النزيه امريكا، والحال على هذا المنوال منذ اتفاق - غزة اريحا -
حتى ظهور خارطة لطريق وتعديلاتها التي ازدادت وضوحا بزيارة بوش الاخيرة للمنطقة حيث اكد ان حدود 67 ليست مقدسة وان امن اسرائيل كدولة يهودية امر مفروغ منه، وان مشكلة السيادة على الاماكن المقدسة في القدس يمكن تسويتها، وكل هذا لا يقدم الى السلطة الا اذا حاربت "الارهاب" الفلسطيني، وكان نتائج مؤتمر انا بوليس جاءت لتفرض الرؤية الاسرائيلية الامريكية للحل النهائي المستند على الامر الواقع المفروض بالقوة، ويبدو ان اغراق غزة بالظلام الكهربائي والغذائي والدوائي اضافة الى شل حركة الايادي العاملة وتنقلها للعمل خارج القطاع مع تزايد الضربات الجوية والاجتياحات المتناوبة!
لقد كان رد فعل شعب غزة طبيعيا عندما توجه لحواجز الحدود وتجاوزها معلنا انه لن ينتظرحتى يموت رحمة المحتلين واسيادهم وانه قادر على فضح كل المتسترين على عدوان اسرائيل وحصارها واحتلالها للارض والانسان في غزة وغيرها من الارض الفلسطينية!
ماذا تتظر مصر، هل تنتظر تسلم الجندي الاسرائيلي الاسير دون ان تطلق اسرائيل اسرى فلسطينيين؟
هل تنتظر استسلام حماس للاجندة الاسرائيلية؟
ام انها ستنتظر خروج مليوني جديد يتجاوز الحدود ويكسر القيود؟
اما بعد فان الذي جرى يؤكد ضرورة تصحيح الوضع الشاذ داخل البيت الفلسطيني نفسه، يؤكد ضرورة تجاوز حالة حصار السلطة لحماس، يؤكد ضرورة اعادة صياغة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينة بحيث تشمل الجميع ببرنامج عمل يعي كل دروس المرحلة السابقة ويضع المصالح العليا فوق كل اعتبار، ان الوقوف صفا واحدا بوجه سياسة فرض الامر الواقع الاسرائيلية الامريكية هو مسؤولية السلطة وحماس وكل المخلصين من شعب فلسطين، عليه فان الفرصة سانحة لتفاهمات جديدة بين حماس وفتح وهي ستكون مسنودة بالتضامن العربي والاحساس المصري بالمسؤولية المتداخلة على طرفي الحدود، هل ستفعل السلطة وحماس ما يجب فعله ام سيتشبثان بمواقفهما السابقة بانتظار فرج قد لا يأتي، او حتى تسقط فتح وحماس من اعين الناس كل الناس!
تعليق