هل يصبح أوباما جورباتشوف أميركا؟
2008-11-24
أزمة اقتصادية، افلاس مالي، حروب عبثية، وتراجع فكري: الولايات المتحدة هذه الايام تشبه الاتحاد السوفييتي قبل عقدين.
دعت عددًا من الولايات الغنية في أميركا، والتي لم تتأثر بالأزمة إلى المناداة بعدم تحميلها نصيبًا من فاتورة الإصلاح الاقتصادي
بقلم: إسلام عبد التواب
ميدل ايست اونلاين
أوجه شبه متعددة تجمع بين باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة، وبين ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق غير المأسوف عليه، فكلاهما كان يرأس – أو في طريقه إلى رئاسة – دولة كبرى عبارة عن كيان ضخم يضم العديد من الدول أو الولايات المتباينة داخله، وكل دولة أو ولاية فيه تستطيع أن تعتمد على نفسها بما تملك من موارد للثروة، ويمكنها أن تنال استقلالها، وتصبح فردًا في الأسرة الدولية.
كما أنَّ كلاهما – جورباتشوف وأوباما – جاء لرئاسة بلاده في لحظة تاريخية فارقة؛ إذ جاء جورباتشوف للسلطة حاملاً على كاهله إرثًا عظيمًا من الفساد الحكومي، والاقتصاد الشمولي المنهار تمامًا، والديكتاتورية السياسية التي صاحبها رغبة شعبية عارمة في الدول الأعضاء في الاتحاد السوفيتي تطالب بالاستقلال، بالإضافة إلى ذلك جاء ليحمل تبعات فشل الغزو العسكري السوفيتي لأفغانستان، ونتائج الهزيمة السوفيتية في جبال أفغانستان على أيدي المجاهدين.
وفي المقابل جاء أوباما لتولي رئاسة أميركا بعد عقود من السيادة الأميركية على العالم، وانفرادها بالزعامة العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تلك الزعامة التي كانت بداية الطغيان الأميركي الكاسح على العالم كله، وخصوصًا الإسلامي.
جاء أوباما في لحظة فارقة يوشك الاقتصاد الأميركي فيها على الانهيار، بعد إصابته بأزمة عنيفة جرَّاء اعتماده الرأسمالية منهجًا اقتصاديًّا، والمشكلة هنا أن تلك الأزمة أصابت العديد من البلدان نتيجة ارتباطها الاقتصادي بزعيمة العالم الجديد.
جاء أوباما ليحمل أوزار السياسة الأميركية التي أرهبت العالم كله، ووضعته تحت مطرقتها بزعم محاربة الإرهاب، واجتاحت البلدان الإسلامية إما مباشرة بقواتها كما فعلت بأفغانستان والعراق، وإما بأوامرها وأعوانها كما حدث في بقية بلدان العالم الإسلامي؛ لتغيرر مناهج التعليم لتوافق الثقافة الأميركية الإباحية، وتخرِّب العقول أكثر مما هي خَرِبة بمناهج الديكتاتوريات القائمة.
كما أن هناك وجه شبه آخر بين الرجلين، وهو أن جورباتشوف شاهد بنفسه نهاية الإمبراطورية السوفيتية؛ حيث انهار الاتحاد السوفيتي في عهده، واستقلت دولُه واحدةً بعد الأخرى، وهذا ما أتوقعه لباراك أوباما أيضًا!
لقد تنوعت التوقعات المستقبلية للأزمة الاقتصادية الأميركية؛ فبينما توقع البعض تعافي الولايات المتحدة من تلك الأزمة وبقاءها على زعامة العالم، توقع فريق آخر أن تؤدي الأزمة لتقلص سلطان أميركا، وبروز قوى أخرى معها، ليسود العالمَ نظامٌ متعدد الأقطاب.
ولكني أتوقع سيناريو مختلفًا تتمزق فيه أميركا إلى دويلاتٍ متعددة بعدد ولاياتها، أو ما يقرب من ذلك؛ وذلك لأن الأزمة المالية دعت عددًا من الولايات الغنية في أميركا، والتي لم تتأثر بالأزمة إلى المناداة بعدم تحميلها نصيبًا من فاتورة الإصلاح الاقتصادي؛ حتى لا يؤثر ذلك على المستوى الاقتصادي لسكانها، وبما النظام الذي يؤمن به عامة الأميركان هو النظام الرأسمالي الذي يُعلي مصلحة الفرد مقابل مصلحة المجموع؛ يصبح من المنطقي أن تقاتل تلك الولايات من أجل الحفاظ على مستواها المادي.
وبالإضافة إلى ذلك فقد جاء انتخاب أوباما – كأول رئيس أسود أميركا – أمرًا استثنائيًّا يناقض طبيعة الفرد الأميركي التي تتميز بالعنصرية الشديدة؛ فهذا الشعب كان يمنع السود من دخول المطاعم بالإضافة للكلاب حتى الستينيات من القرن الماضي، وانتخاب أوباما لا يعني ازالة تلك الفوارق العنصرية ولا بنسبة كبيرة؛ إذ إن هناك من انتخبوه فقط للتخلص من اليمين الصهيوني الأميركي، أما الكثيرون من السكان، وخاصة في الولايات الجنوبية – التي مارست الاستعباد طويلاً – فما زالوا يرفضونه، وستثور النزعة العنصرية هناك إن عاجلاً أم آجلاً؛ لأنها جزء من تركيب شخصية الأميركي كما ذكرت.
من هنا أتوقع أن تنقسم أميركا خلال السنوات القادمة بفعل هذين العاملين: الأزمة الاقتصادية، والنزعة العنصرية، بالإضافة لما نعلمه من الطغيان الأميركي العالمي الذي يدفع الدول الأخرى إلى مواجهتها بقدر استطاعتها في شتى الميادين، ولو بشكل مستتر.
لذا اتوقع أن يصبح أوباما هو جورباتشوف الأميركي، والذي يُؤَرَّخ به، وبعده لسقوط أميركا وتمزقها إلى دول متعددة؛ جزاءً وفاقًا لما فعلته بالعالم كله، وبالمسلمين خاصة، ولِتلقى مصير كل إمبارطورية قامت على الظلم والفساد.
إسلام عبد التواب
باحث إسلامي
2008-11-24
أزمة اقتصادية، افلاس مالي، حروب عبثية، وتراجع فكري: الولايات المتحدة هذه الايام تشبه الاتحاد السوفييتي قبل عقدين.
دعت عددًا من الولايات الغنية في أميركا، والتي لم تتأثر بالأزمة إلى المناداة بعدم تحميلها نصيبًا من فاتورة الإصلاح الاقتصادي
بقلم: إسلام عبد التواب
ميدل ايست اونلاين
أوجه شبه متعددة تجمع بين باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة، وبين ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق غير المأسوف عليه، فكلاهما كان يرأس – أو في طريقه إلى رئاسة – دولة كبرى عبارة عن كيان ضخم يضم العديد من الدول أو الولايات المتباينة داخله، وكل دولة أو ولاية فيه تستطيع أن تعتمد على نفسها بما تملك من موارد للثروة، ويمكنها أن تنال استقلالها، وتصبح فردًا في الأسرة الدولية.
كما أنَّ كلاهما – جورباتشوف وأوباما – جاء لرئاسة بلاده في لحظة تاريخية فارقة؛ إذ جاء جورباتشوف للسلطة حاملاً على كاهله إرثًا عظيمًا من الفساد الحكومي، والاقتصاد الشمولي المنهار تمامًا، والديكتاتورية السياسية التي صاحبها رغبة شعبية عارمة في الدول الأعضاء في الاتحاد السوفيتي تطالب بالاستقلال، بالإضافة إلى ذلك جاء ليحمل تبعات فشل الغزو العسكري السوفيتي لأفغانستان، ونتائج الهزيمة السوفيتية في جبال أفغانستان على أيدي المجاهدين.
وفي المقابل جاء أوباما لتولي رئاسة أميركا بعد عقود من السيادة الأميركية على العالم، وانفرادها بالزعامة العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تلك الزعامة التي كانت بداية الطغيان الأميركي الكاسح على العالم كله، وخصوصًا الإسلامي.
جاء أوباما في لحظة فارقة يوشك الاقتصاد الأميركي فيها على الانهيار، بعد إصابته بأزمة عنيفة جرَّاء اعتماده الرأسمالية منهجًا اقتصاديًّا، والمشكلة هنا أن تلك الأزمة أصابت العديد من البلدان نتيجة ارتباطها الاقتصادي بزعيمة العالم الجديد.
جاء أوباما ليحمل أوزار السياسة الأميركية التي أرهبت العالم كله، ووضعته تحت مطرقتها بزعم محاربة الإرهاب، واجتاحت البلدان الإسلامية إما مباشرة بقواتها كما فعلت بأفغانستان والعراق، وإما بأوامرها وأعوانها كما حدث في بقية بلدان العالم الإسلامي؛ لتغيرر مناهج التعليم لتوافق الثقافة الأميركية الإباحية، وتخرِّب العقول أكثر مما هي خَرِبة بمناهج الديكتاتوريات القائمة.
كما أن هناك وجه شبه آخر بين الرجلين، وهو أن جورباتشوف شاهد بنفسه نهاية الإمبراطورية السوفيتية؛ حيث انهار الاتحاد السوفيتي في عهده، واستقلت دولُه واحدةً بعد الأخرى، وهذا ما أتوقعه لباراك أوباما أيضًا!
لقد تنوعت التوقعات المستقبلية للأزمة الاقتصادية الأميركية؛ فبينما توقع البعض تعافي الولايات المتحدة من تلك الأزمة وبقاءها على زعامة العالم، توقع فريق آخر أن تؤدي الأزمة لتقلص سلطان أميركا، وبروز قوى أخرى معها، ليسود العالمَ نظامٌ متعدد الأقطاب.
ولكني أتوقع سيناريو مختلفًا تتمزق فيه أميركا إلى دويلاتٍ متعددة بعدد ولاياتها، أو ما يقرب من ذلك؛ وذلك لأن الأزمة المالية دعت عددًا من الولايات الغنية في أميركا، والتي لم تتأثر بالأزمة إلى المناداة بعدم تحميلها نصيبًا من فاتورة الإصلاح الاقتصادي؛ حتى لا يؤثر ذلك على المستوى الاقتصادي لسكانها، وبما النظام الذي يؤمن به عامة الأميركان هو النظام الرأسمالي الذي يُعلي مصلحة الفرد مقابل مصلحة المجموع؛ يصبح من المنطقي أن تقاتل تلك الولايات من أجل الحفاظ على مستواها المادي.
وبالإضافة إلى ذلك فقد جاء انتخاب أوباما – كأول رئيس أسود أميركا – أمرًا استثنائيًّا يناقض طبيعة الفرد الأميركي التي تتميز بالعنصرية الشديدة؛ فهذا الشعب كان يمنع السود من دخول المطاعم بالإضافة للكلاب حتى الستينيات من القرن الماضي، وانتخاب أوباما لا يعني ازالة تلك الفوارق العنصرية ولا بنسبة كبيرة؛ إذ إن هناك من انتخبوه فقط للتخلص من اليمين الصهيوني الأميركي، أما الكثيرون من السكان، وخاصة في الولايات الجنوبية – التي مارست الاستعباد طويلاً – فما زالوا يرفضونه، وستثور النزعة العنصرية هناك إن عاجلاً أم آجلاً؛ لأنها جزء من تركيب شخصية الأميركي كما ذكرت.
من هنا أتوقع أن تنقسم أميركا خلال السنوات القادمة بفعل هذين العاملين: الأزمة الاقتصادية، والنزعة العنصرية، بالإضافة لما نعلمه من الطغيان الأميركي العالمي الذي يدفع الدول الأخرى إلى مواجهتها بقدر استطاعتها في شتى الميادين، ولو بشكل مستتر.
لذا اتوقع أن يصبح أوباما هو جورباتشوف الأميركي، والذي يُؤَرَّخ به، وبعده لسقوط أميركا وتمزقها إلى دول متعددة؛ جزاءً وفاقًا لما فعلته بالعالم كله، وبالمسلمين خاصة، ولِتلقى مصير كل إمبارطورية قامت على الظلم والفساد.
إسلام عبد التواب
باحث إسلامي
تعليق