السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الحرب الصليبية التي تشنها أمريكا والعالم من ورائها على الإسلام والمسلمين، ليست حرباً عسكرية ميدانها أفغانستان فحسب، بل إنها حرب عقدية واقتصادية وسياسية وثقافية وأمنية، ميدانها كل بقعة من العالم، المستهدف فيها المسلم أياً كانت توجهاته وجنسيته وماهيته، فإذا لم تدركه الحرب في هذه الأيام فإنها ستدركه وتقضي عليه في أيام قادمة إذا لم يتحرك ويدخل خضم المعركة للإجهاز على عدوه قبل أن يجهز عليه.
ومن المهم للاستمرار في هذه الحرب ودفع الصائل الصليبي أن نحذر المسلمين من أمر مهم كما حذرناهم من قبل بخصوص نقل الشائعات التي تضر بنا وتوهن من الجهاد والمجاهدين، وهذا الأمر الذي يجب التحذير منه هو أمر أعظم خطورة من الشائعات وأشد ضرراً على المجاهدين من تجسس عدوهم عليهم، وهو التساهل في مجال أمن المعلومات الخاصة بالمجاهدين وتداولها في أوساط كثيرة بل وتقديمها إلى العدو على طبق من ذهب كما يقال.
وإحكام إغلاق باب تسرب المعلومات من قبل المجاهدين وأنصارهم، هو الخطوة الأولى التي يجب أن نبدأ بها في هذه الحرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي المعلومات التي نشرها يضر بالمجاهدين وكيف يتحرز المناصرون من نقلها ؟.
وإجابة هذا السؤال هو الذي ينبغي أن يكون محور هذا الموضوع، ولكن قبل البدء بالإجابة لا بد أن نؤكد على أن قادة المجاهدين في أرض المعركة هم المعنيون أولاً وأخرا عن المعلومات التي ينبغي أن تنشر والتي لا ينبغي أن تنشر مهما كان حجمها وأياً كان أثرها أو بعدها وقربها من الحدث، إذا سلمنا بهذا الأمر نستطيع بعد ذلك أن نطرح الموضوع بالطريقة التي تنفع المجاهدين ولا تضرهم.
قدمنا قبل ذلك أن الحرب حرب شاملة على جميع المجالات والأصعدة، تختلف كثيراً عن حروب المسلمين السابقة كحرب أفغانستان الأولى أو حرب البوسنة والهرسك أو حرب الشيشان الأولى والثانية أو حرب فلسطين، هذه الحرب حساسة وخطيرة على المجاهدين، وهي حرب دخلها العدو واعتبرها حرباً مصيرية بالنسبة له.
لذا ينبغي أن نتعامل مع هذه القضية تعاملاً جديداً أكثر تحرزاً وأمناً من غيرها من القضايا، ولا بد أن نفهم ما هي المعلومات التي ينبغي أن نقولها والمعلومات التي ينبغي أن نسمعها أو نبحث عنها، وما هي المعلومات التي نحرص على نشرها.
إن أمن المعلومات يعد اليوم علماً متقدماً له أصوله وأساليبه وطرقه، ولم تكن الشريعة الإسلامية لتهمل مثل هذا الأمر المهم أبداً، فقد جاءت الشريعة بنصوص تبين أهمية هذا الأمر، منها ما هو عام كقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)، ومنها ما هو خاص كقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عند مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت (ولم أسمع - أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)، وجاء في الصحيحين كذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أمن المعلومات من لدن النبي صلى الله عليه وسلم حيث روى كعب بن مالك رضي الله عنه قوله (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها) ورّى: أوهم.
وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على حفظ أسراره الخاصة، ورغم حرص الصحابة رضي الله عنهم أجمعين على نشر ما رأوه وسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغه للأمة إلا أن الحس الأمني عندهم كان مرتفعاً وكان كل واحد منهم يعرف ماذا ينشر عن النبي صلى الله عليه وسلم وماذا يكتم من غير أن يطلب منه، حتى صغارهم أدركوا مثل ذلك الأمر، وقد زخرت كتب السنة بقصص تؤكد مثل ذلك الحس منهم ومنها:
جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت (أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي، فبكيت فقال أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك).
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت ما حاجته قلت إنها سر قالت لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قال أنس والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت).
وروى الترمذي وأبو داود وأحمد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) قال أبو عيسى هذا حديث حسن وإنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب.
وروى أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه).
وروى أحمد والنسائي عن عمر رضي الله عنه قال تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس يعني ابن حذافة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فقال سأنظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيته فقال ما أريد أن أتزوج يومي هذا قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان رضي الله عنه فلبثت ليالي فخطبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ؟ قلت نعم قال فإنه لم يمنعني حين عرضت علي أن أرجع إليك شيئا إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها نكحتها).
وروى مسلم وأبو داود: عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس).
فإن كانت هذه صور لتعامل الصاحبة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وما يصدر عنه من معلومات خاصة في حال السلم، فلك أن تعرف قياساً على ذلك كيف يكون تعاملهم مع المعلومات في حال الحرب وما قصة حاطب رضي الله عنه منا ببعيد، وقد اتضح من خلال شرح العلماء لها كفر من ظاهر العدو بنقل المعلومات لهم، رغم براءة حاطب رضي الله عنه عنه من ذلك، وما هذا التغليظ في الحكم إلا لبيان خطورة التساهل في مثل ذلك الأمر.
هذه التربية النبوية الشريفة على هذا النوع من العلوم – إن صح لنا التعبير - إنما تدل على عظمة الإسلام وشموليته، فقد أغلق المنافذ التي يمكن أن يدخل العدو من خلالها للإضرار بالمسلمين على مستوى الفرد أو الجماعة لا سيما القادة منهم.
وهناك نوع من الأمن يسمى الأمن الوقائي وهو علم يجند له اليوم إمكانيات وجيوش، أحد أنواع هذا العلم يهدف إلى نشر معلومات وقائية بكميات وأساليب وطرق شتى الهدف من ورائها تضليل العدو، ليستنزف جهوده وطاقته في البحث وراء تلك المعلومات الزائفة، وقد سبق أن أشرنا إلى حديث مسلم عن أم كلثوم في ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم الكذب في الحرب من أجل أن تستخدم تلك الشائعات الكاذبة لتشتيت تركيز العدو وقدراته، وكذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك الأسلوب كما في حديث كعب عن طريق التورية ليوهم العدو بأنه يريد هدفا ليتجه إلى آخر.
وبعد ذلك العرض الموجز لمثل هذا العلم من خلال الأدلة الشرعية، بإمكاننا أن ندخل إلى مقصودنا من هذا التحذير.
إن من المعلوم لدى جميع المتابعين أن العدو الصليبي بقيادة أمريكا يبذل مجهودات ضخمة جداً لجمع المعلومات عن الجهاد والمجاهدين من كل مكان سواءً القديم منها أو الجديد، وقد خصص العدو لمثل تلك المعلومات هيئات خاصة لتحليلها والربط بينها، واستخراج الاستنتاجات المتفرقة منها، وإذا عرفنا أهمية المعلومات بالنسبة للعدو ولو كانت صغيرة يمكننا أن نعي مدى أهمية المعلومات التي نعلمها ويمكن أن نفيد العدو بنشرها ونحن لا نشعر.
ولتقريب الأمر نضرب مثالاً:
لو أن العدو التقط معلومة مجهولة بأن المجاهدين على وشك تنفيذ عملية ضخمة، ولم تشر المعلومة إلى زمان أو مكان تلك العملية ولم تشر أيضاً إلى كيفية التنفيذ وعدد المنفذين.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تشير إلى بيع أو شراء كمية من المعدات العسكرية أو الأسلحة أو الذخائر والأطعمة من مكان ما.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تشير إلى تحرك عدد من المجاهدين إلى الجبال المحيطة بمدينة من المدن.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تدعو المجاهدين إلى الهدوء أسبوعاً كاملاً.
فهذه المعلومات حينما يلتقطها العدو ويجمعها في مركز واحد ويحللها تحليلاً دقيقاً بناءً على قاعدة المعلومات المتوفرة لديه مسبقاً ثم يربط بينها بإمكانه أن يخرج بتفاصيل ما يعزم المجاهدون القيام به، فالمعلومة الأولى حددت أن هناك عملاً غير عادي سيحدث، وبناءً عليه كثف العدو من جمع المعلومات ليحدد نوع العمل ومكانه وزمانه، والمعلومة الثانية الخاصة بنوعية التسليح وكميته وكمية الأطعمة يحدد العدو من خلالها عدد الأفراد الذين سيشاركون ولو بشكل تقريبي، كما يمكن أن يحدد تكتيك العملية من خلال نوع التسليح أيضاً، والمعلومة الثالثة التي تحدد تحرك المجاهدين يمكن للعدو أن يحدد عدد المجاهدين بدقة إذا كان التحرك ظاهراً، وإن كان خفياً يمكن أن يحدد فقط نطاق العملية ومحيطها، ومن خلال المعلومة الرابعة يمكن للعدو أن يحدد زمن العملية وأنها بعد أسبوع وأن الهدوء المطلوب هو الفترة التي تسبق الإعداد الأخير للعملية كما هو متعارف عليه في هذا النوع من الحروب.
علماً أن تحليل العدو لتلك المعلومات لا يعني أنه متأكد من تحليله أو توقعاته ولكنه يتأهب احتياطاً فإن كانت توقعاته خاطئة فهو لم يخسر إلا تكاليف التأهب والاستعداد، وهذا أهون عليه من خسارة أفراده ومعداته، مع العلم بأن العدو يحلل يومياً عشرات المعلومات من هذا النوع والتي قد تقوده أحياناً إلى أمر حقيقي.
هذا مثال ضربناه لنقرب للمسلمين خطر المعلومات المتسربة من قبل المسلمين على المجاهدين ولو كانت بسيطة أو قليلة، وهناك أمثلة وشواهد حقيقية عيشناها أقرب من ذلك المثال لا داعي لعرضها لأسباب أمنية، والمهم من المثال السابق أن يفهم المقصود، فالعدو لا يتلقى المعلومات من مصدر واحد حتى يمكن أن يقول المسلم وماذا عسى هذه المعلومة أن تضر لو التقطها العدو، فمعلومة صغيرة مع معلومة صغيرة مثلها يتكون لدى العدو عدد هائل من المعلومات الصغيرة التي يمكن له أن يبني بها صرحاً يشاهد من خلاله ما يريده المجاهدون وما يعدون لعمله.
ولا نخفي حديثاً حينما نقول بأننا نعرض في كثير من الأحيان عن ذكر عمليات وقعت ضد العدو تفرح نتائجها قلوب المؤمنين إلا أننا نرجح عدم ذكرها للمصلحة بسبب أن ذكرها يؤثر على جوانب أخرى أو يكشف معلومات لا داعي لكشفها.
لذا لا بد أن يحرص كل مسلم مناصر للجهاد والمجاهدين مهما كانت منزلته، ألا يتجرأ على نقل أي معلومات عن المجاهدين قد يستفيد العدو منها، وأخطر تلك المعلومات هي التي يقع ذكر أسماء المجاهدين فيها أو زمن لعملهم أو مكان أو عدد لهم أو طريقة لتحركاتهم وتخفيهم، أو يذكر فيها نوعية لتسليحهم أو كميته، أو طرق الإمداد لهم أو نوعية وكيفية الاتصالات بينهم أو بهم، هذه المعلومات هي التي يفتح العدو أذنيه للحصول عليها سواءً من المجاهدين أنفسهم أو من مناصريهم أو من المنافقين أو من استطلاعه الميداني الخاص.
وقد ظهر من بعض المسلمين وفقهم الله ما يحز في النفوس ويؤلم القلوب حيث تسابق الكثير منهم على نشر أي معلومات تصلهم عن المجاهدين وقد تكون تلك المعلومات خطيرة تذهب أرواح بسببها أو يقع المجاهدون في الأسر منها وكان بعض ذلك مشاهداً، أو على أقل الأحوال تنبه العدو لأساليب المجاهدين ليتحرز أكثر، وقد يقول نقال الخبر أني لم أنقله إلا للثقات فقط والثقات بدورهم نقلوه إلى ثقات آخرين وهكذا سلسلة من الثقات حتى تصل إلى الثقات من العدو، ومشاهد هذا الأمر يشعر بأن كثيراً من المسلمين هداهم الله ليس همه أن ينفع المجاهدين، بل همه أن يتميز بين الناس بأنه صاحب معلومات خاصة لا يظفر بها إلا الخاصة فقط.
فلماذا يحرص بعض المسلمين على خدمة العدو من حيث لا يشعرون، فيتطوع عدد كبير منهم لنشر معلومات تكون خطيرة على المجاهدين خدمة للعدو ؟.
وقد يقول قائل ولماذا المجاهدون أنفسهم يظهرون بعض المعلومات التي تفيد العدو ؟.
إن المجاهدين هم أصحاب الشأن ولديهم علم بالمعلومات التي تكتم والمعلومات التي تنشر والمعلومات التي تفتعل لتضليل العدو أيضاً، فهم أدرى بما يريدون ويريده عدوهم كذلك، ولهم قنوات إعلامية قادرون من خلالها على نشر ما يريدون نشره، وترك هذا الشأن لهم ليديروه هو الصواب، ومنازعتهم في مثل هذا الأمر يسبب إرباكاً لهم لا داعي أن يحصل لهم من المسلمين، فهم يتوقعون الضرر من العدو لا من المسلمين، لذا لا يظن كثير من المسلمين أن نقل المعلومات عن المجاهدين هو مجرد سبق صحفي لا بد أن يسجل بأسرع وقت وبأي شكل، كلا فالحرب ليست من أجل السباق الإعلامي ولكن الحرب هي لهزيمة العدو والنيل منه، فهل يفسح بعض المسلمين المجال للمجاهدين بأن يديروا الحرب الإعلامية كما فسحوا لهم المجال بإدارة الحرب العسكرية ؟!
نسأل الله ذلك.
كتبه الشيخ العلامه الشهيد / يوسف العييري رحمه الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الحرب الصليبية التي تشنها أمريكا والعالم من ورائها على الإسلام والمسلمين، ليست حرباً عسكرية ميدانها أفغانستان فحسب، بل إنها حرب عقدية واقتصادية وسياسية وثقافية وأمنية، ميدانها كل بقعة من العالم، المستهدف فيها المسلم أياً كانت توجهاته وجنسيته وماهيته، فإذا لم تدركه الحرب في هذه الأيام فإنها ستدركه وتقضي عليه في أيام قادمة إذا لم يتحرك ويدخل خضم المعركة للإجهاز على عدوه قبل أن يجهز عليه.
ومن المهم للاستمرار في هذه الحرب ودفع الصائل الصليبي أن نحذر المسلمين من أمر مهم كما حذرناهم من قبل بخصوص نقل الشائعات التي تضر بنا وتوهن من الجهاد والمجاهدين، وهذا الأمر الذي يجب التحذير منه هو أمر أعظم خطورة من الشائعات وأشد ضرراً على المجاهدين من تجسس عدوهم عليهم، وهو التساهل في مجال أمن المعلومات الخاصة بالمجاهدين وتداولها في أوساط كثيرة بل وتقديمها إلى العدو على طبق من ذهب كما يقال.
وإحكام إغلاق باب تسرب المعلومات من قبل المجاهدين وأنصارهم، هو الخطوة الأولى التي يجب أن نبدأ بها في هذه الحرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي المعلومات التي نشرها يضر بالمجاهدين وكيف يتحرز المناصرون من نقلها ؟.
وإجابة هذا السؤال هو الذي ينبغي أن يكون محور هذا الموضوع، ولكن قبل البدء بالإجابة لا بد أن نؤكد على أن قادة المجاهدين في أرض المعركة هم المعنيون أولاً وأخرا عن المعلومات التي ينبغي أن تنشر والتي لا ينبغي أن تنشر مهما كان حجمها وأياً كان أثرها أو بعدها وقربها من الحدث، إذا سلمنا بهذا الأمر نستطيع بعد ذلك أن نطرح الموضوع بالطريقة التي تنفع المجاهدين ولا تضرهم.
قدمنا قبل ذلك أن الحرب حرب شاملة على جميع المجالات والأصعدة، تختلف كثيراً عن حروب المسلمين السابقة كحرب أفغانستان الأولى أو حرب البوسنة والهرسك أو حرب الشيشان الأولى والثانية أو حرب فلسطين، هذه الحرب حساسة وخطيرة على المجاهدين، وهي حرب دخلها العدو واعتبرها حرباً مصيرية بالنسبة له.
لذا ينبغي أن نتعامل مع هذه القضية تعاملاً جديداً أكثر تحرزاً وأمناً من غيرها من القضايا، ولا بد أن نفهم ما هي المعلومات التي ينبغي أن نقولها والمعلومات التي ينبغي أن نسمعها أو نبحث عنها، وما هي المعلومات التي نحرص على نشرها.
إن أمن المعلومات يعد اليوم علماً متقدماً له أصوله وأساليبه وطرقه، ولم تكن الشريعة الإسلامية لتهمل مثل هذا الأمر المهم أبداً، فقد جاءت الشريعة بنصوص تبين أهمية هذا الأمر، منها ما هو عام كقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)، ومنها ما هو خاص كقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عند مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت (ولم أسمع - أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)، وجاء في الصحيحين كذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أمن المعلومات من لدن النبي صلى الله عليه وسلم حيث روى كعب بن مالك رضي الله عنه قوله (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها) ورّى: أوهم.
وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على حفظ أسراره الخاصة، ورغم حرص الصحابة رضي الله عنهم أجمعين على نشر ما رأوه وسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغه للأمة إلا أن الحس الأمني عندهم كان مرتفعاً وكان كل واحد منهم يعرف ماذا ينشر عن النبي صلى الله عليه وسلم وماذا يكتم من غير أن يطلب منه، حتى صغارهم أدركوا مثل ذلك الأمر، وقد زخرت كتب السنة بقصص تؤكد مثل ذلك الحس منهم ومنها:
جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت (أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي، فبكيت فقال أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك).
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت ما حاجته قلت إنها سر قالت لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قال أنس والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت).
وروى الترمذي وأبو داود وأحمد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) قال أبو عيسى هذا حديث حسن وإنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب.
وروى أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه).
وروى أحمد والنسائي عن عمر رضي الله عنه قال تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس يعني ابن حذافة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فقال سأنظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيته فقال ما أريد أن أتزوج يومي هذا قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان رضي الله عنه فلبثت ليالي فخطبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ؟ قلت نعم قال فإنه لم يمنعني حين عرضت علي أن أرجع إليك شيئا إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها نكحتها).
وروى مسلم وأبو داود: عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس).
فإن كانت هذه صور لتعامل الصاحبة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وما يصدر عنه من معلومات خاصة في حال السلم، فلك أن تعرف قياساً على ذلك كيف يكون تعاملهم مع المعلومات في حال الحرب وما قصة حاطب رضي الله عنه منا ببعيد، وقد اتضح من خلال شرح العلماء لها كفر من ظاهر العدو بنقل المعلومات لهم، رغم براءة حاطب رضي الله عنه عنه من ذلك، وما هذا التغليظ في الحكم إلا لبيان خطورة التساهل في مثل ذلك الأمر.
هذه التربية النبوية الشريفة على هذا النوع من العلوم – إن صح لنا التعبير - إنما تدل على عظمة الإسلام وشموليته، فقد أغلق المنافذ التي يمكن أن يدخل العدو من خلالها للإضرار بالمسلمين على مستوى الفرد أو الجماعة لا سيما القادة منهم.
وهناك نوع من الأمن يسمى الأمن الوقائي وهو علم يجند له اليوم إمكانيات وجيوش، أحد أنواع هذا العلم يهدف إلى نشر معلومات وقائية بكميات وأساليب وطرق شتى الهدف من ورائها تضليل العدو، ليستنزف جهوده وطاقته في البحث وراء تلك المعلومات الزائفة، وقد سبق أن أشرنا إلى حديث مسلم عن أم كلثوم في ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم الكذب في الحرب من أجل أن تستخدم تلك الشائعات الكاذبة لتشتيت تركيز العدو وقدراته، وكذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك الأسلوب كما في حديث كعب عن طريق التورية ليوهم العدو بأنه يريد هدفا ليتجه إلى آخر.
وبعد ذلك العرض الموجز لمثل هذا العلم من خلال الأدلة الشرعية، بإمكاننا أن ندخل إلى مقصودنا من هذا التحذير.
إن من المعلوم لدى جميع المتابعين أن العدو الصليبي بقيادة أمريكا يبذل مجهودات ضخمة جداً لجمع المعلومات عن الجهاد والمجاهدين من كل مكان سواءً القديم منها أو الجديد، وقد خصص العدو لمثل تلك المعلومات هيئات خاصة لتحليلها والربط بينها، واستخراج الاستنتاجات المتفرقة منها، وإذا عرفنا أهمية المعلومات بالنسبة للعدو ولو كانت صغيرة يمكننا أن نعي مدى أهمية المعلومات التي نعلمها ويمكن أن نفيد العدو بنشرها ونحن لا نشعر.
ولتقريب الأمر نضرب مثالاً:
لو أن العدو التقط معلومة مجهولة بأن المجاهدين على وشك تنفيذ عملية ضخمة، ولم تشر المعلومة إلى زمان أو مكان تلك العملية ولم تشر أيضاً إلى كيفية التنفيذ وعدد المنفذين.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تشير إلى بيع أو شراء كمية من المعدات العسكرية أو الأسلحة أو الذخائر والأطعمة من مكان ما.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تشير إلى تحرك عدد من المجاهدين إلى الجبال المحيطة بمدينة من المدن.
ثم التقط العدو معلومة أخرى تدعو المجاهدين إلى الهدوء أسبوعاً كاملاً.
فهذه المعلومات حينما يلتقطها العدو ويجمعها في مركز واحد ويحللها تحليلاً دقيقاً بناءً على قاعدة المعلومات المتوفرة لديه مسبقاً ثم يربط بينها بإمكانه أن يخرج بتفاصيل ما يعزم المجاهدون القيام به، فالمعلومة الأولى حددت أن هناك عملاً غير عادي سيحدث، وبناءً عليه كثف العدو من جمع المعلومات ليحدد نوع العمل ومكانه وزمانه، والمعلومة الثانية الخاصة بنوعية التسليح وكميته وكمية الأطعمة يحدد العدو من خلالها عدد الأفراد الذين سيشاركون ولو بشكل تقريبي، كما يمكن أن يحدد تكتيك العملية من خلال نوع التسليح أيضاً، والمعلومة الثالثة التي تحدد تحرك المجاهدين يمكن للعدو أن يحدد عدد المجاهدين بدقة إذا كان التحرك ظاهراً، وإن كان خفياً يمكن أن يحدد فقط نطاق العملية ومحيطها، ومن خلال المعلومة الرابعة يمكن للعدو أن يحدد زمن العملية وأنها بعد أسبوع وأن الهدوء المطلوب هو الفترة التي تسبق الإعداد الأخير للعملية كما هو متعارف عليه في هذا النوع من الحروب.
علماً أن تحليل العدو لتلك المعلومات لا يعني أنه متأكد من تحليله أو توقعاته ولكنه يتأهب احتياطاً فإن كانت توقعاته خاطئة فهو لم يخسر إلا تكاليف التأهب والاستعداد، وهذا أهون عليه من خسارة أفراده ومعداته، مع العلم بأن العدو يحلل يومياً عشرات المعلومات من هذا النوع والتي قد تقوده أحياناً إلى أمر حقيقي.
هذا مثال ضربناه لنقرب للمسلمين خطر المعلومات المتسربة من قبل المسلمين على المجاهدين ولو كانت بسيطة أو قليلة، وهناك أمثلة وشواهد حقيقية عيشناها أقرب من ذلك المثال لا داعي لعرضها لأسباب أمنية، والمهم من المثال السابق أن يفهم المقصود، فالعدو لا يتلقى المعلومات من مصدر واحد حتى يمكن أن يقول المسلم وماذا عسى هذه المعلومة أن تضر لو التقطها العدو، فمعلومة صغيرة مع معلومة صغيرة مثلها يتكون لدى العدو عدد هائل من المعلومات الصغيرة التي يمكن له أن يبني بها صرحاً يشاهد من خلاله ما يريده المجاهدون وما يعدون لعمله.
ولا نخفي حديثاً حينما نقول بأننا نعرض في كثير من الأحيان عن ذكر عمليات وقعت ضد العدو تفرح نتائجها قلوب المؤمنين إلا أننا نرجح عدم ذكرها للمصلحة بسبب أن ذكرها يؤثر على جوانب أخرى أو يكشف معلومات لا داعي لكشفها.
لذا لا بد أن يحرص كل مسلم مناصر للجهاد والمجاهدين مهما كانت منزلته، ألا يتجرأ على نقل أي معلومات عن المجاهدين قد يستفيد العدو منها، وأخطر تلك المعلومات هي التي يقع ذكر أسماء المجاهدين فيها أو زمن لعملهم أو مكان أو عدد لهم أو طريقة لتحركاتهم وتخفيهم، أو يذكر فيها نوعية لتسليحهم أو كميته، أو طرق الإمداد لهم أو نوعية وكيفية الاتصالات بينهم أو بهم، هذه المعلومات هي التي يفتح العدو أذنيه للحصول عليها سواءً من المجاهدين أنفسهم أو من مناصريهم أو من المنافقين أو من استطلاعه الميداني الخاص.
وقد ظهر من بعض المسلمين وفقهم الله ما يحز في النفوس ويؤلم القلوب حيث تسابق الكثير منهم على نشر أي معلومات تصلهم عن المجاهدين وقد تكون تلك المعلومات خطيرة تذهب أرواح بسببها أو يقع المجاهدون في الأسر منها وكان بعض ذلك مشاهداً، أو على أقل الأحوال تنبه العدو لأساليب المجاهدين ليتحرز أكثر، وقد يقول نقال الخبر أني لم أنقله إلا للثقات فقط والثقات بدورهم نقلوه إلى ثقات آخرين وهكذا سلسلة من الثقات حتى تصل إلى الثقات من العدو، ومشاهد هذا الأمر يشعر بأن كثيراً من المسلمين هداهم الله ليس همه أن ينفع المجاهدين، بل همه أن يتميز بين الناس بأنه صاحب معلومات خاصة لا يظفر بها إلا الخاصة فقط.
فلماذا يحرص بعض المسلمين على خدمة العدو من حيث لا يشعرون، فيتطوع عدد كبير منهم لنشر معلومات تكون خطيرة على المجاهدين خدمة للعدو ؟.
وقد يقول قائل ولماذا المجاهدون أنفسهم يظهرون بعض المعلومات التي تفيد العدو ؟.
إن المجاهدين هم أصحاب الشأن ولديهم علم بالمعلومات التي تكتم والمعلومات التي تنشر والمعلومات التي تفتعل لتضليل العدو أيضاً، فهم أدرى بما يريدون ويريده عدوهم كذلك، ولهم قنوات إعلامية قادرون من خلالها على نشر ما يريدون نشره، وترك هذا الشأن لهم ليديروه هو الصواب، ومنازعتهم في مثل هذا الأمر يسبب إرباكاً لهم لا داعي أن يحصل لهم من المسلمين، فهم يتوقعون الضرر من العدو لا من المسلمين، لذا لا يظن كثير من المسلمين أن نقل المعلومات عن المجاهدين هو مجرد سبق صحفي لا بد أن يسجل بأسرع وقت وبأي شكل، كلا فالحرب ليست من أجل السباق الإعلامي ولكن الحرب هي لهزيمة العدو والنيل منه، فهل يفسح بعض المسلمين المجال للمجاهدين بأن يديروا الحرب الإعلامية كما فسحوا لهم المجال بإدارة الحرب العسكرية ؟!
نسأل الله ذلك.
كتبه الشيخ العلامه الشهيد / يوسف العييري رحمه الله
تعليق