إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أولوية المعركة الفكرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أولوية المعركة الفكرية

    أولوية المعركة الفكرية

    المعركة الفكرية داخل الساحة الإسلامية

    ومما يجب لفت الأنظار إليه في مجال الإصلاح : تقديم كل ما يتعلق بتقويم الفكر، وتصحيح التصور، وتصويب منهج النظر والعمل . فهذا بلا ريب هو الأساس المكين لكل إصلاح يرتجى . إذ من غير المعقول أن يستقيم العمل على منهج سليم، والفكر غير مستقيم .

    كما قال الشاعر:

    متى يستقيم الظل والعود أعوج؟

    فمن ساء تصوره لأمر ما، فالمتوقع أن يسوء سلوكه في شأنه، فإن السلوك أثر للتصور، حسنا أو قبحا.

    ومن هنا كانت المعركة الفكرية التي تعنى بتصحيح الأفكار المعوجة، والمفاهيم المغلوطة لها الأولوية وحق التقديم على غيرها. وهو ضرب من "الجهاد الكبير " بالقرآن، الذي ذكرته سورة الفرقان المكية، ومن الجهاد باللسان والبيان، الذي ذكره الحديث النبوي : "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".



    وللمعركة الفكرية مجالان أساسيان:

    الأول: خارج الساحة الإسلامية، مع الملاحدة والمنصرين والمستشرقين الذين يهاجمون الإسلام: عقيدة وشريعة، وتراثا وحضارة، ويحاربون أي نهضة أو بعث على أساس الإسلام.

    والثاني: داخل الساحة الإسلامية نفسها، لتصحيح الاتجاه في فصائل العمل الإسلامي، وترشيد مسيرته، وتصويب حركته، حتى تسير في الطر يق الصحيح للهدف الصحيح . وسنقصر الحديث عليه، فإن إصلاح الداخل هو الأساس، وله الأولوية.

    فما لا شك فيه أن لدينا تيارات عدة، منها:

    التيار الخرافي

    التيار أو التوجه الخرافي، الذي يقوم على أسس أو خصائص يتفرد بها، منها:

    أ. الخرافة في الاعتقاد.

    ب. الابتداع في العبادة.

    ج. الجمود في الفكر.

    د. التقليد في الفقه.

    ه. السلبية في السلوك.

    و. المسايرة أو المداهنة في السياسة.

    التيار الحرفي

    وهناك التيار أو التوجه الحرفي، وهذا له رغم تشدده في أمر الدين ودفاعه عنه خصائص غلبت على أكثر أتباعه تميزه أيضا، منها:

    أ. الجدلية في العقيدة.

    ب. الشكلية في العبادة.

    ج. الظاهرية في الفقه.

    د. الجزئية في الاهتمام.

    ه. الجفاف في الروح.

    و. الخشونة في الدعوة.

    ز. الضيق بالخلاف.

    تيار الرفض والعنف

    وهناك التوجه الذي يقوم على رفض المجتمع كله بجميع مؤسساته، وله رغم تميز جل أفراده بالحماس والإخلاص خصائصه أيضا، منها:

    أ. الشدة والصرامة في الالتزام بالدين.

    ب. الاعتزاز بالذات اعتزازا يؤدي إلى نزعة الاستعلاء على المجتمع.

    ج. سوء الظن بالآخرين جميعا.

    د. ضيق الأفق في فهم الدين، وفهم الواقع، وفهم السنن الكونية والاجتماعية.

    ه. استعجال الأشياء قبل أوانها.

    و. المسارعة إلى التكفير بغير تحفظ.

    ز. اتخاذ القوة سبيلا إلى تحقيق الأهداف.



    التيار الوسطي

    وهناك التيار الوسطي، الذي يقوم على التوازن والوسطية في فهم الدين والحياة والعمل لتمكين الدين، وله خصائص أيضا تميزه عن سواه، منها تأكيده وتركيزه على المبادئ التالية:

    أ. فقهه للدين فقها يتميز بالشمول والاتزان والعمق.

    ب. فقهه لواقع الحياة دون تهوين ولا تهويل: واقع المسلمين، وواقع أعدائهم.

    ج. فقه سنن الله وقوانينه التي لا تتبدل، وخصوصا سنن الإجماع البشري.

    د. فقه مقاصد الشريعة وعدم الجمود على ظواهرها.

    ه. فقه الأولويات، وهو مرتبط بفقه الموازنات.

    و. فقه الاختلاف وأدبه مع الفصائل الإسلامية الأخرى (التعاون في المتفق عليه والتسامح في المختلف فيه).

    ز. الجمع بين السلفية والتجديد (أو بين الأصالة والمعاصرة).

    ح. الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.

    ط. الإيمان بأن التغيير الفكري والنفسي والخلقي أساس كل تغيير حضاري.

    ي. تقدير الإسلام مشروعا حضاريا متكاملا، لبعث الأمة، وإنقاذ البشرية من الفلسفات المادية المعاصرة.

    ك. اتخاذ منهج التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة.

    ل. إبراز القيم الاجتماعية والسياسية في الإسلام، مثل: الحرية والكرامة والشورى والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

    م. الحوار بالحسنى مع الآخر، أي مع المخالفين من غير المسلمين، أو من المسلمين المغزوين عقليا، والمهزومين روحيا.

    ن. اتخاذ الجهاد سبيلا للدفاع عن حرمات المسلمين وديار الإسلام.

    وهذا هو التيار الذي نؤمن به، وندعو إليه، ونعتبر أنه هو المعبر الحقيقي عن الإسلام، كما أنزله الله في كتابه، وكما هدى إليه رسوله في سنته وسيرته، وكما فهمه وطبقه الراشدون المهديون من أصحابه، وكما فقهه التابعون لهم بإحسان من خير قرون هذه الأمة.



    واجب تيار الوسطية

    ولا مراء في أن هذا التيار هو موطن الأمل، ومعقد الرجاء في الغد، وعليه أن يبذل جهودا مكثفة في إبراز دعوته، وتربية أنصاره، وإقناع خصومه، والحوار مع معارضيه، والاجتهاد في الإفلات من الشباك التي تنصب له لإيقاعه فيما لا يريد ولا يحب.

    ومما أصبح معلوما الآن بالشواهد الوفير ة: أن القوى العادية في الداخل والخارج تخاف هذا التيار أكثر من غيره، بل تكرهه وتكن له العداء أكثر من التيارات الأخرى.

    فقد كانوا من قبل يحذرون من تيارات التشدد والعنف . أما اليوم فقد ظهرت نغمة جديدة تقول :

    احذروا الإسلام المعتدل ! فهو أشد خطرا من غيره. إن التيارات الأخرى قصيرة العمر لن تدوم طويلا . أما هذا فهو الذي يستمر ويدوم . واعتداله في زعمهم ليس مأمونا. إنه يبدأ معتدلا ثم يتطرف، لأن التطرف كامن في الإسلام ذاته كما يقولون!

    ومن هنا بدأوا يخوفون من خطر الإسلام الزاحف، ويسمونه "الخطر الأخضر " ويجعلون منه عدوا جديدا، بدل "الخطر الأحمر " الذي زال بزوال الشيوعية من أوروبا كلها. وهو ما رد عليه المنصفون منهم مؤكدين أن الخطر الإسلامي وهم لا حقيقة.

    ولابد لتيار الوسطية أن يواجه هؤلاء ويكشف تزييفهم، ويحاور المعتدلين من قومهم.

    كما لابد له من مواجهة آخرين من فروخهم وتلاميذهم في داخل دار الإسلام نفسها، وممن يحملون أسماء المسلمين، ولكنهم يعادون بكل قوة المشروع الحضاري للإسلام، ويقفون في صف أعداء الأمة ودينها. وهم الذين وصفهم الرسول الكريم في حديث حذيفة المتفق عليه بأنهم: "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" قيل: صفهم لنا يا رسول الله، قال :هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا".

    لهذا كانت ضرورة مواجهة هؤلاء الذين يفسدون فكر الأمة، ويضللونها عن حقيقتها وعن أصالة هويتها، ويضعون لها السم الزعاف، في العسل الحلو، والدسم المشتهى، مما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، فيعمل في عقول أبناء الأمة ما تعمل الأوبئة القتالة في الأجسام.

    إن هؤلاء "المستغربين " من قومنا يحملون أفكار الاستعمار، بعد أن حمل الاستعمار عصاه ورحل عن ديارنا، والذين يتبنون أخبث مفاهيم المستشرقين والمنصرين، الذين لم يخلص أكثرهم لحضارتنا يوما، ومن أخلص منهم لم يملك أدوات الفهم الصحيح لهذه الحضارة ومصادرها وتراثها، وأهمها اللغة وتذوقها.

    إن معركتنا الحقيقية في داخل أرضنا يجب أن تكون مع هؤلا ء "الغلاة" حقا، من العلمانيين وبقايا الماركسيين، الذين لبسوا اليوم لبوس الليبرالية الغربية، والذين جندوا أقلامهم وأسلحتهم كلها لشن الحرب على صحوة الإسلام، وانبعاثه الجديد، وتشويه دعوته، والتشويش على دعاته، واختراع مصطلحات جديدة لتنفير الناس منه، مثل "الإسلام السياسي " أو "الأصولية"،

    والإيقاع بينهم وبين الأنظمة الحاكمة، لاستنزاف قوى البلاد في صراعات دامية لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد، في صورة أخرى، وباسم آخر.

    إن أي تحويل للمعركة عن هذا المسار، ومحاولة اختراع أعداء من الإسلاميين أنفسهم، ممن يخالفون بعض الناس في فروع الفقه، أو حتى في فروع العقيدة، أو في أولويات العمل، أو في المواقف من القضايا الجزئية المختلفة .. يعتبر غفلة شديدة عن حقيقة العدو الذي يتربص بالجميع الدوائر، ويريد أن يضرب بعضهم ببعض، وهو يتفرج عليهم، ثم يضربهم جميعا في النهاية الضربة القاصمة .

    فمن فعل ذلك من الدعاة إلى الإسلام عن جهل فهي مصيبة، لأن الجهل بمثل هذه القضية خطر كبير، ومن فعل ذلك عن علم وقصد فهي مصيبة أعظم،

    وخطرها أكبر، لأنها تكون بمثابة الخيانة للإسلام وأمته وصحوته . ورحم الله الشاعر الذي قال:

    إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة.. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

    وأعتقد أن على تيار الوسطية واجبا كبيرا، يجب أن يسعى إليه، ويحرص عليه، ويجاهد من أجله، وهو العمل بصدق وإخلاص لتجميع الصف الإسلامي صف العاملين للإسلام على الأصول التي لا ينبغي الخلاف عليها،

    أي على أركان العقيدة الستة : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر،

    وعلى الأركان العملية الخمسة : الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت،

    وعلى أصول فضائل وأمهات الأخلاق،

    وعلى اجتناب أصول الرذائل والمحرمات، وبخاصة الكبائر والموبقات.

    وبحسبنا اللقاء الإجمالي على هذه الكليات، ولا بأس أن نختلف في الجزئيات والتفاصيل، لا بأس أن نختلف في الفروع، ونختلف في المواقف، ونختلف في الاجتهادات، فهذا اختلاف تقتضيه طبيعة الدين، وطبيعة البشر، وطبيعة الكون والحياة، كما فصلت ذلك في كتابي

    "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم".

    وقد ذكرت في أكثر من كتاب لي : أنه لا مانع من أن تتعدد الجماعات العاملة للإسلام، مادام تعددها تنوع وتخصص، لا تعدد تضارب وتناقض، فتعدد التنوع يؤدي إلى مزيد من الإثراء والنماء، وتعدد التناقض إنما يؤدي إلى التآكل والفناء.

    لابد من جهد يبذل لتجميع العاملين لخدمة الإسلام، ونصرة دعوته، وتحكيم شريعته، وتوحيد أمته : جهد فكري، وجهد عملي، لتقريب الشقة، وزرع الثقة، وغرس روح التسامح وحسن الظن، وتنقية الأنفس من آفات العجب والغرور واتهام الآخرين واحتقارهم . "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".

    وفي رأيي أن هذا العمل من الأولويات المهمة والمقدمة في الساحة الإسلامية اليوم . وإذا لم ينتبه الإسلاميون لخطر التمزق الذي يعيشونه، فسيؤكلون جميعا، ستفترسهم المخالب والأنياب الحادة للقوى المعادية للإسلام وأمته، سيضربون تيارا بعد تيار، ومجموعة بعد مجموعة، حتى

    يقضى عليهم جميعا.

    وإذا كنا لا نملك اليوم القدرة على تجميع قوى أمتنا الكبرى من المحيط إلى المحيط، فلنجتهد على الأقل في تجميع قوى الفصائل الكبرى في الصحوة الإسلامية، القابلة للحوار والتفاهم، وذلك بإزالة النتوءات، وتقليص التطرفات، وتقريب المفاهيم، وتنسيق المواقف، والوقوف صفا واحدا في القضايا المصيرية، يتعاون الجميع في المتفق عليه، ويتسامحون في

    المختلف فيه، فهذا التفاهم والتعاون والتجمع : فريضة دينية، وضرورة حيوية، فإذا لم تجمعنا الفكرة الواحدة، فلتجمعنا المحنة المشتركة. على نحو ما قال شوقي:

    فإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا

    إن المصائب يجمعن المصابين !



    من كتاب فقه الاولويات

    د.يوسف القرضاوى





    mohamed chehata

    http://groups.yahoo.com/group/awlea2allh
يعمل...
X