برز دور العمليات الإستشهادية كرعد مخيف يدك حصون العدو الصهيوني في الآونة الأخيرة, فباتت كشبح رعب يظلل الأراضي المحتلة ليربك صفوف العدو الصهيونى , ولم تعد الإيجابية الكامنة في هذه العمليات تخفى على أحد، بل إن جدواها تمتد لتصب في عمق قضية المقاومة الفلسطينية، وتحرز لها مكاسب لا تبلغها أي وسيلة أخرى.
والمواجهة القائمة بين الجيش الصهيوني والمقاومة أشبه بملاكمين على الحلبة، الأول بطل من الوزن الثقيل، وخصمه صاحب وزن الريشة، الجميع يتوقع ضربة قاضية مع بداية الجولة الأولى، لكنها تنتهي بدونها، والجولة الثانية تنتهي بدونها أيضا، حتى أن الملاكم الضعيف لا يزال واقفا على قدميه في الجولة الثالثة والرابعة، فمن الواضح أنه المنتصر!
نجحت العمليات الاستشهادية في قلب شوارع الصهاينة إلى معسكر حربي كبير ومرهق، ونجحوا في المس بقسوة بالاقتصاد الصهيوني، وفي الحفاظ على اهتمام الأسرة الدولية بمشكلتهم، وبالتالي لولا العمليات الاستشهادية لكانت المعاناة والضائقة من نصيب الفلسطينيين وحدهم.
هذا السلاح الخطير يعد سلاحا فاعلا ومؤثرا في مواجهة المجازر المتلاحقة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني الذي ترك وحيدا دون نصير أو معين، وثبت بالشواهد الحية الواقعية أن أيا من الخيارات التي تنفي العمل العسكري لم يكن قادرا على الدفاع عن الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، الذي دمر وشرد وقتل وجرف وزرع الموت والخراب في الأرض والديار والمدن والقرى والمخيمات، وأن هذه العمليات هي الوسيلة الوحيدة التي أرهبت المحتل وأرغمته على إعادة حساباته في كثير من الأحيان.
وشكلت هذه العمليات نوعا من توازن الرعب والردع مع المحتل، فاستهداف المدنيين الفلسطينيين قابله استهداف الصهاينة، ولئن كان ميزان الفعل مختلا لصالح الاحتلال بحكم ترسانته وقدراته الحربية الضخمة، فإن مدى الرعب والفزع الذي ينجم عن العمليات الاستشهادية حال حدوثها، يكشف بجلاء حقيقة الردع الذي تحدثه في أوساط الصهاينة على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم، وبالتالي باتت العمليات الاستشهادية الخيار الأكثر أهمية أمام الشعب الفلسطيني في مرحلة من المراحل، لمنع الكيان الصهيوني من جني ثمار ميل ميزان القوى العسكري لصالحها، ذلك أن الصهاينة فقدوا الأمن، مقابل افتقاد الفلسطينيين للشعور نفسه.
وتتميز هذه العمليات بكونها السلاح الوحيد الذي لا تملك كل القوى المادية مواجهته والتصدي له، فالأمر لا يتعلق بتقنيات تكنولوجية يمكن مواجهتها بذات الأسلوب، بل بكتلة من الإرادة التي تريد التفجر في سبيل تحقيق هدف منشود، فقد فشلت كل المحاولات التي استهدفت تغييب هذا الأسلوب عن واقع الصراع مع المحتل.
و تشكل هذه العمليات في جانبها البشري أسلوب المقاومة الأكثر سهولة ويسرا بالمقارنة مع الأساليب الأخرى، إذ أن الأمر لا يتعدى توفير الشخص اللازم لتنفيذ العملية، وتزويده ببعض التوجيهات والإرشادات، دون أن يتطلب الأمر تدريبا حقيقيا على استخدام السلاح، أو التزود بمهارات نوعية، أو اشتراط خبرات معينة لإنجاح المهمة.
والعمليات الإستشهادية سلاح إستراتيجي، يحقق التوازن مع التفوق التقني والعسكري الصهيونى، إن الفلسطينيين قرروا استخدام هذا السلاح بطريقة منظمة، وهو يحقق لهم ما لم يحققه أي سلاح آخر، فقد منحهم القدرة على إنزال خسائر بالغة وغير مسبوقة بالكيان الصهيوني، وقرب لهم تحقيق التعادل الإستراتيجي مع جيش الاحتلال الصهيوني الذي لا يقهر حسب زعم الصهاينة .
تعليق