السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة من ابنة الأسيرة فاطمة الزق أم محمود أوجهها إليكم والى أحرار العالم تحكي عن معاناة أمي وأخي يوسف وباقي الأسرى داخل السجن
في يوم الأحد 20 من مايو كان يوما غير تلك الأيام ..
رجعت من مدرستي فلم أجد أحدا في بيتي نظرة هنا وهناك لعلي أرى طيف أمي فلم أجده انتظرت برهة من الزمن ...ولكن دقت عقارب الساعة الثامنة مساء وأمي لم تعد إلي بيتنا
حينها شعرت بشيء غريب يهز أعماق أعماقي قلبي ... كالعادة إخوتي لم يتعودوا علي فراق أمي حتى ولو لبضع ساعات متواصلة أتوني واحدا تلو الآخر سارة أين ماما حينها راودتني في مخيلتي مشاعر غريبة فكرت ماذا سوف أقول لهؤلاء الصغار الذين لم يبلغوا شيئا من العمر ضحكت عليهم وقلت لهم بأنها ذهبت لبيت جدتي وأخذتهم لفراشهم.
وبعدها انتظرت عودة أبي أبن أمي فكانت الفاجعة الكبرى أن أمي لن تعود إلينا بعد دقائق أو ساعات أو أيام، هاهي السنين تمضي دون أن أرى طيف أمي هل هذا هو العدل في هذا الزمان أن تغيب أمي عنا وكذلك أخي الذي لم نراه لا في أحشاء أمي ولا بعد أن خرج إلى الدنيا، إلا عبر رسائل أو صور، أهذا هو عدل القرن الواحد والعشرون.
كان لاعتقال أمي التأثير الكبير في حياتي، كان الموضوع بالنسبة لي يشكل صدمة قوية علي، وجدت نفسي مسؤلة عن أسرة كاملة، أيعقل هذا طفلة لم تبلغ من العمر الخامسة عشرا، تتحمل أعباء أسرة كاملة، مكونة من أب و6 أخوة، وأنا وأخت لي متزوجة، أيعقل هذا؟؟ لا تنسوا بان هناك لي مدرسة ولمدرستي حقوق..
احلم كباقي الفتيات في تحقيق حلمي في تقدمي في دراستي ولكن وبفضل الله حققت نجاحين حافظت علي بيتنا وعلي إخوتي وتفوقت في دراستي.
ولكن ما يزيدني ألما وحسرة هو عدم رؤيتي لامي ولأخي، أو بالأحرى عدم رؤيتنا جميعا نحن أهالي الأسرى والأسيرات، لزيارتنا لرؤية أمهاتنا أبائنا أبنائنا إخوتنا في السجون.
هذا جزء بسيط من معاناتي، فضلا عن معاناة إخوتي، فضلا عن معاناة باقي أبناء الأسرى والأسيرات.
ولكن هناك المعاناة الأصعب معاناة أمي داخل الزنازين:
تقول أمي وعلى لسانها برسالة وجهتها لنا:
وضعوني في ثلاثة زنازين كلها أسوا من بعضها
أما في الزنزانة الأولى فهي كانت كقبر تحت الأرض الذي يدفنون به الأموات، لا اعرف أي شيء عن الحياة بداخله، وكانت أسوا الزنازين، وكانت مياه الصرف الصحي"المجاري" أكرمكم الله طافة على الباب، والحشرات والرائحة الكريهة، فأصابني طفح جلدي في جسمي، وبثور في راسي، وكل هذا بسبب الوضع السيئ بداخل هذه الزنزانة، ورغم هذا نقلوني إلى زنزانة رابعة أسوا من ذي قبل، وعندما نقلوني إليها قالوا لي، ستعيشين في بيت الكلب أعزكم الله، وفعلا زنزانة لا تعيش بها الحيوانات.
وكان التحقيق معي ليل نهار، ليس هناك نوم طوال فترة التحقيق، كنت اطلب منهم الملح لرفع الضغط عندي، كان دائما في غرفة التحقيق خمس محققين يسألونني، ويصرخون في وجهي، وحاولوا مرات عديدة، بإعطائي العلاج حتى يسقطوا الجنين. كانوا بين الفترة والأخرى يرسلون لي حبوب، ويقولون لي هذه مهدئات، فكنت القي بها في المجاري أعزكم الله، فكانت هذه الحبوب لإسقاط الجنين، وأيضا وأنا في الزنزانة الأولى جاؤا لي على الزنزانة قوة من الجنود والمجندات إلى جانب الطاقم الطبي، فقالوا هل تريدين تنزيل الجنين، فقمت بالصراخ في وجههم جميعهم وقلت لهم هذا حرام فانصرفوا عني خائبين..
الحديث يطول ولكني أردت أن أضعكم في جزء صغير من معاناة أمي داخل الزنازين.
أما عن معاناتها أثناء الولادة:
فما يزيدني ألماً وحسرةً هو ولادة أمي في ظروف غير طبيعية، ولادتها في السجن دون مرافقة، أو السماح ولو لفرد واحد من عائلتنا أن يقف بجانبها، حتى للمحاميات، رفضت إدارة السجن ومنعتهم من مرافقتها أثناء ولادتها، حاولت الأستاذة المحامية بثينة دقماق، والأستاذة المحامية تغريد جهشان، وقدموا بطلب التماس للمحكمة العليا، ولكن دون جدوى رفضت المحكمة قبول طلبهم.
وباسمي وباسم عائلتي الموقرة اشكرهم علي جهودهم التي بذلوها..
والجريمة الكبرى أن ولادتها كانت وهي مقيدة اليد والرجل في السرير أثناء الولادة وبعدها ما هذا الظلم؟؟ استهرب هي أم ماذا؟؟
لقد أصبح لي أخ سابع، ولكن ليس كإخوتي الباقون، تربى وعاش أيام طفولته بعيدا عنا، حرم من ابسط حقوقه، حرم من كلمة بابا، حرم من نظرتنا من ضحكتنا، وحرمنا نحن أيضا من ضحكته وضحكت أمي، ولكن هذا قضاء الله وقدره، ماذا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل،
أما عن معاناة أخي يوسف:
فكان يعاني مع صغر سنه من الإهمال الطبي والحياة الأليمة، التي يواجهها كل يوم،
تقول أمي في رسالتها والتي كتبتها وقلبها يعتصر ألماً، على فلذة كبدها يوسف: "في ليلة من الليالي ارتفعت درجة حرارة يوسف، ووصلت إلى 39، وصار يخرج من فمه رغوة بيضاء، ويحدث في فمه تشنج خفيف، وأخذت أنا ابكي وهو يصرخ، وأخذت أناجي ربي وادعوه أن يرفع عنه الألم ويرحمه، فعملت له كمادات ماء بارد، وكل فترة أقيس درجة حرارته، حتى نزلت ووصلت 37 درجة، وقتها اطمئن قلبي، ولكن الذي حرق قلبي وهو يبكي ويتألم في هذه الليلة، انه استنجد يوسف في والده الذي لم يراه إلى هذه اللحظة، ولفظ كلمة بابا علي مرتين، فأخذت ابكي بحرقة من كل قلبي... وفي الصباح قلت للأخوات اللواتي عندي في السجن، بأن الطفل تعبان كتير، وبعدين معاهم ما بدهم يجيبوله دكتور.. وبقينا على أسبوعين متتاليين، وإحنا نحكيلهم انو الولد مريض وبدو دكتور، وما في أي استجابة، وقلت لأحد الأخوات ابني تعبان كثير، قالت لي يا حبيبتي إحنا قلنالهم، بس ايش طالع بإيدينا..
وفي هذا الوقت جاء احد الممرضين، فذهبت لأتكلم معه، وقلت له لو أنت مكاني ومقفل عليك باب الزنزانة، ومعك ابنك طفل رضيع، ومريض له ما يقارب أكثر من ثلاث أسابيع، وحرارته ترتفع لدرجات عاليه من شدة مرضه، أكيد حضرتك ابتعمل المستحيل حتى تعالجه...
وتقول للممرض:
والله حرام عليكوا، طفل ما بيحكي شو فيه، بيكفي يتألم، فتأثر الممرض بحديثي لأنني كنت قلقة على صحة ابني وعيوني تذرف الدموع، فقال لي أوعدك بان انظر في الموضوع، وبعد يومين جاء دكتور يعالج يوسف، وبعد يوم أرسلوا ليَ العلاج، ولكن بقي علاج للمغص، لأنه اتضح عنده غازات في بطنه، فطلبنا منهم العلاج المناسب أكثر من مرة، والولد ما كان ينام في الليل بالمرة من شدة الوجع، ويقولوا لي ما من علاج، ولكن بفضل الله عز وجل قد تحسن يوسف يوما بعد يوم إلى أن عادت إليه صحته الطبيعية.
ولكن تبقى المعاناة في ازدياد، حيث تقول أمي عند ذهابها إلى المحكمة، برفقة أخي الطفل يوسف:
توجهت عبر البوسطة إلى محكمة بئر السبع، أنا وطفلي الرضيع يوسف، من الساعة الثامنة صباحا، حتى رجعت إلى السجن عندما خرجت من المحكمة الساعة السابعة مساءا، أي أحد عشر ساعة سفر، منها أربع ساعات ونصف وأنا داخل الزنزانة، في البوسطة، فتقول إن حجم الزنزانة لا يتجاوز المتر في متر وأن وضعها كان سيئ جدا والمعاناة التي واجهتها كانت صعبة، أو بالأحرى هي قبر متحرك.
وبعدها نقلوني إلى زنزانة التوقيف بالمحكمة، فتقول: يشهد الله العظيم، أنه لا يوجد في هذه الزنزانة طاقة تهوية، ولا مرحاض ولا ماء، وان المكان مليء بالقاذورات، إضافة لآثار مواد بناء وشيد، وقالت أن يوسف اخذ يفرك في انفه، بسبب التنفس واستنشاق مواد البناء، وقالت بأنها أخبرت السجانين أن الوضع سيء، فأخذ السجانين يسخرون منها، ولم يخرجوها من الزنزانة إلا قبل أن تغادر المحكمة بربع ساعة، وتضيف بعد مرور هذا الوقت العصيب، وانتهاء الحليب الموجود معها ليوسف، إضافة إلى أنها غيرت ملابسه ثلاث مرات، وعندما بدأ عليها وعلى يوسف الإرهاق والتعب الشديد، وبعد ذلك حضر السجانين وقالوا لها، أنها ستعود للسجن، وانه لا يوجد لها محكمة، وأن المحكمة لم تخبر إدارة السجن بورقة التأجيل..
لا اعلم ماذا أقول:
هذا جزء بسيط من معاناة أمي وأخي، هذا جزء من معاناة الأسيرات، من معاناة الأسرى الأطفال، جزء صغير من معاناة الشيوخ والشباب داخل السجون، فهناك ممارسات وإجراءات وحشية وقاسية، تتخذ كل يوم ضد الأسرى والأسيرات داخل السجون، ولا رقيب.
أدعوا الله عز وجل، بأن تعود أمي وأخي إلينا، وإلى بيتنا الدافئ في العاجل القريب وجميع الأسرى والأسيرات.
وأناشدكم، وأناشد جميع الجهات المعنية، ومنظمات حقوق الإنسان، بالعمل الجاد من أجل إطلاق سراح أمي وأخي يوسف، وجميع الأسرى، ووقف هذه الممارسات اللاإنسانية، بحق أسرانا وأسيراتنا داخل السجون الصهيونية، والتي تتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية وحقوق الإنسان.
وأناشد الرئاسة والحكومة، بأن يضعوا ملف الأسرى أول جدول أولوياتهم، وكذلك نتوجه إلى آسري الجندي شاليط، بأن يكون ملف الأسيرات والأطفال، أول أولويات الإفراج عنهم، حتى يعودوا أسرانا وأسيراتنا، وينعموا بالحرية بين أهليهم وذويهم.
وأتمنى أن تلقى رسالتي هذه آذاناً صاغية، وقلوباً رحيمةً، للعمل الجاد بأن تعود لنا أمي وأخي يوسف إلى أحضاننا.
وفي النهاية أشكر القائمين على هذا المؤتمر، وكل من ساهم في إنجاحه، وإيصال رسالتنا إلى العالم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة من ابنة الأسيرة فاطمة الزق أم محمود أوجهها إليكم والى أحرار العالم تحكي عن معاناة أمي وأخي يوسف وباقي الأسرى داخل السجن
في يوم الأحد 20 من مايو كان يوما غير تلك الأيام ..
رجعت من مدرستي فلم أجد أحدا في بيتي نظرة هنا وهناك لعلي أرى طيف أمي فلم أجده انتظرت برهة من الزمن ...ولكن دقت عقارب الساعة الثامنة مساء وأمي لم تعد إلي بيتنا
حينها شعرت بشيء غريب يهز أعماق أعماقي قلبي ... كالعادة إخوتي لم يتعودوا علي فراق أمي حتى ولو لبضع ساعات متواصلة أتوني واحدا تلو الآخر سارة أين ماما حينها راودتني في مخيلتي مشاعر غريبة فكرت ماذا سوف أقول لهؤلاء الصغار الذين لم يبلغوا شيئا من العمر ضحكت عليهم وقلت لهم بأنها ذهبت لبيت جدتي وأخذتهم لفراشهم.
وبعدها انتظرت عودة أبي أبن أمي فكانت الفاجعة الكبرى أن أمي لن تعود إلينا بعد دقائق أو ساعات أو أيام، هاهي السنين تمضي دون أن أرى طيف أمي هل هذا هو العدل في هذا الزمان أن تغيب أمي عنا وكذلك أخي الذي لم نراه لا في أحشاء أمي ولا بعد أن خرج إلى الدنيا، إلا عبر رسائل أو صور، أهذا هو عدل القرن الواحد والعشرون.
كان لاعتقال أمي التأثير الكبير في حياتي، كان الموضوع بالنسبة لي يشكل صدمة قوية علي، وجدت نفسي مسؤلة عن أسرة كاملة، أيعقل هذا طفلة لم تبلغ من العمر الخامسة عشرا، تتحمل أعباء أسرة كاملة، مكونة من أب و6 أخوة، وأنا وأخت لي متزوجة، أيعقل هذا؟؟ لا تنسوا بان هناك لي مدرسة ولمدرستي حقوق..
احلم كباقي الفتيات في تحقيق حلمي في تقدمي في دراستي ولكن وبفضل الله حققت نجاحين حافظت علي بيتنا وعلي إخوتي وتفوقت في دراستي.
ولكن ما يزيدني ألما وحسرة هو عدم رؤيتي لامي ولأخي، أو بالأحرى عدم رؤيتنا جميعا نحن أهالي الأسرى والأسيرات، لزيارتنا لرؤية أمهاتنا أبائنا أبنائنا إخوتنا في السجون.
هذا جزء بسيط من معاناتي، فضلا عن معاناة إخوتي، فضلا عن معاناة باقي أبناء الأسرى والأسيرات.
ولكن هناك المعاناة الأصعب معاناة أمي داخل الزنازين:
تقول أمي وعلى لسانها برسالة وجهتها لنا:
وضعوني في ثلاثة زنازين كلها أسوا من بعضها
أما في الزنزانة الأولى فهي كانت كقبر تحت الأرض الذي يدفنون به الأموات، لا اعرف أي شيء عن الحياة بداخله، وكانت أسوا الزنازين، وكانت مياه الصرف الصحي"المجاري" أكرمكم الله طافة على الباب، والحشرات والرائحة الكريهة، فأصابني طفح جلدي في جسمي، وبثور في راسي، وكل هذا بسبب الوضع السيئ بداخل هذه الزنزانة، ورغم هذا نقلوني إلى زنزانة رابعة أسوا من ذي قبل، وعندما نقلوني إليها قالوا لي، ستعيشين في بيت الكلب أعزكم الله، وفعلا زنزانة لا تعيش بها الحيوانات.
وكان التحقيق معي ليل نهار، ليس هناك نوم طوال فترة التحقيق، كنت اطلب منهم الملح لرفع الضغط عندي، كان دائما في غرفة التحقيق خمس محققين يسألونني، ويصرخون في وجهي، وحاولوا مرات عديدة، بإعطائي العلاج حتى يسقطوا الجنين. كانوا بين الفترة والأخرى يرسلون لي حبوب، ويقولون لي هذه مهدئات، فكنت القي بها في المجاري أعزكم الله، فكانت هذه الحبوب لإسقاط الجنين، وأيضا وأنا في الزنزانة الأولى جاؤا لي على الزنزانة قوة من الجنود والمجندات إلى جانب الطاقم الطبي، فقالوا هل تريدين تنزيل الجنين، فقمت بالصراخ في وجههم جميعهم وقلت لهم هذا حرام فانصرفوا عني خائبين..
الحديث يطول ولكني أردت أن أضعكم في جزء صغير من معاناة أمي داخل الزنازين.
أما عن معاناتها أثناء الولادة:
فما يزيدني ألماً وحسرةً هو ولادة أمي في ظروف غير طبيعية، ولادتها في السجن دون مرافقة، أو السماح ولو لفرد واحد من عائلتنا أن يقف بجانبها، حتى للمحاميات، رفضت إدارة السجن ومنعتهم من مرافقتها أثناء ولادتها، حاولت الأستاذة المحامية بثينة دقماق، والأستاذة المحامية تغريد جهشان، وقدموا بطلب التماس للمحكمة العليا، ولكن دون جدوى رفضت المحكمة قبول طلبهم.
وباسمي وباسم عائلتي الموقرة اشكرهم علي جهودهم التي بذلوها..
والجريمة الكبرى أن ولادتها كانت وهي مقيدة اليد والرجل في السرير أثناء الولادة وبعدها ما هذا الظلم؟؟ استهرب هي أم ماذا؟؟
لقد أصبح لي أخ سابع، ولكن ليس كإخوتي الباقون، تربى وعاش أيام طفولته بعيدا عنا، حرم من ابسط حقوقه، حرم من كلمة بابا، حرم من نظرتنا من ضحكتنا، وحرمنا نحن أيضا من ضحكته وضحكت أمي، ولكن هذا قضاء الله وقدره، ماذا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل،
أما عن معاناة أخي يوسف:
فكان يعاني مع صغر سنه من الإهمال الطبي والحياة الأليمة، التي يواجهها كل يوم،
تقول أمي في رسالتها والتي كتبتها وقلبها يعتصر ألماً، على فلذة كبدها يوسف: "في ليلة من الليالي ارتفعت درجة حرارة يوسف، ووصلت إلى 39، وصار يخرج من فمه رغوة بيضاء، ويحدث في فمه تشنج خفيف، وأخذت أنا ابكي وهو يصرخ، وأخذت أناجي ربي وادعوه أن يرفع عنه الألم ويرحمه، فعملت له كمادات ماء بارد، وكل فترة أقيس درجة حرارته، حتى نزلت ووصلت 37 درجة، وقتها اطمئن قلبي، ولكن الذي حرق قلبي وهو يبكي ويتألم في هذه الليلة، انه استنجد يوسف في والده الذي لم يراه إلى هذه اللحظة، ولفظ كلمة بابا علي مرتين، فأخذت ابكي بحرقة من كل قلبي... وفي الصباح قلت للأخوات اللواتي عندي في السجن، بأن الطفل تعبان كتير، وبعدين معاهم ما بدهم يجيبوله دكتور.. وبقينا على أسبوعين متتاليين، وإحنا نحكيلهم انو الولد مريض وبدو دكتور، وما في أي استجابة، وقلت لأحد الأخوات ابني تعبان كثير، قالت لي يا حبيبتي إحنا قلنالهم، بس ايش طالع بإيدينا..
وفي هذا الوقت جاء احد الممرضين، فذهبت لأتكلم معه، وقلت له لو أنت مكاني ومقفل عليك باب الزنزانة، ومعك ابنك طفل رضيع، ومريض له ما يقارب أكثر من ثلاث أسابيع، وحرارته ترتفع لدرجات عاليه من شدة مرضه، أكيد حضرتك ابتعمل المستحيل حتى تعالجه...
وتقول للممرض:
والله حرام عليكوا، طفل ما بيحكي شو فيه، بيكفي يتألم، فتأثر الممرض بحديثي لأنني كنت قلقة على صحة ابني وعيوني تذرف الدموع، فقال لي أوعدك بان انظر في الموضوع، وبعد يومين جاء دكتور يعالج يوسف، وبعد يوم أرسلوا ليَ العلاج، ولكن بقي علاج للمغص، لأنه اتضح عنده غازات في بطنه، فطلبنا منهم العلاج المناسب أكثر من مرة، والولد ما كان ينام في الليل بالمرة من شدة الوجع، ويقولوا لي ما من علاج، ولكن بفضل الله عز وجل قد تحسن يوسف يوما بعد يوم إلى أن عادت إليه صحته الطبيعية.
ولكن تبقى المعاناة في ازدياد، حيث تقول أمي عند ذهابها إلى المحكمة، برفقة أخي الطفل يوسف:
توجهت عبر البوسطة إلى محكمة بئر السبع، أنا وطفلي الرضيع يوسف، من الساعة الثامنة صباحا، حتى رجعت إلى السجن عندما خرجت من المحكمة الساعة السابعة مساءا، أي أحد عشر ساعة سفر، منها أربع ساعات ونصف وأنا داخل الزنزانة، في البوسطة، فتقول إن حجم الزنزانة لا يتجاوز المتر في متر وأن وضعها كان سيئ جدا والمعاناة التي واجهتها كانت صعبة، أو بالأحرى هي قبر متحرك.
وبعدها نقلوني إلى زنزانة التوقيف بالمحكمة، فتقول: يشهد الله العظيم، أنه لا يوجد في هذه الزنزانة طاقة تهوية، ولا مرحاض ولا ماء، وان المكان مليء بالقاذورات، إضافة لآثار مواد بناء وشيد، وقالت أن يوسف اخذ يفرك في انفه، بسبب التنفس واستنشاق مواد البناء، وقالت بأنها أخبرت السجانين أن الوضع سيء، فأخذ السجانين يسخرون منها، ولم يخرجوها من الزنزانة إلا قبل أن تغادر المحكمة بربع ساعة، وتضيف بعد مرور هذا الوقت العصيب، وانتهاء الحليب الموجود معها ليوسف، إضافة إلى أنها غيرت ملابسه ثلاث مرات، وعندما بدأ عليها وعلى يوسف الإرهاق والتعب الشديد، وبعد ذلك حضر السجانين وقالوا لها، أنها ستعود للسجن، وانه لا يوجد لها محكمة، وأن المحكمة لم تخبر إدارة السجن بورقة التأجيل..
لا اعلم ماذا أقول:
هذا جزء بسيط من معاناة أمي وأخي، هذا جزء من معاناة الأسيرات، من معاناة الأسرى الأطفال، جزء صغير من معاناة الشيوخ والشباب داخل السجون، فهناك ممارسات وإجراءات وحشية وقاسية، تتخذ كل يوم ضد الأسرى والأسيرات داخل السجون، ولا رقيب.
أدعوا الله عز وجل، بأن تعود أمي وأخي إلينا، وإلى بيتنا الدافئ في العاجل القريب وجميع الأسرى والأسيرات.
وأناشدكم، وأناشد جميع الجهات المعنية، ومنظمات حقوق الإنسان، بالعمل الجاد من أجل إطلاق سراح أمي وأخي يوسف، وجميع الأسرى، ووقف هذه الممارسات اللاإنسانية، بحق أسرانا وأسيراتنا داخل السجون الصهيونية، والتي تتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية وحقوق الإنسان.
وأناشد الرئاسة والحكومة، بأن يضعوا ملف الأسرى أول جدول أولوياتهم، وكذلك نتوجه إلى آسري الجندي شاليط، بأن يكون ملف الأسيرات والأطفال، أول أولويات الإفراج عنهم، حتى يعودوا أسرانا وأسيراتنا، وينعموا بالحرية بين أهليهم وذويهم.
وأتمنى أن تلقى رسالتي هذه آذاناً صاغية، وقلوباً رحيمةً، للعمل الجاد بأن تعود لنا أمي وأخي يوسف إلى أحضاننا.
وفي النهاية أشكر القائمين على هذا المؤتمر، وكل من ساهم في إنجاحه، وإيصال رسالتنا إلى العالم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعليق