إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتور/ أيوب عثمان: فتحي الشقاقي: فكر لن ينحسر، وزعامة لم تنكسر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتور/ أيوب عثمان: فتحي الشقاقي: فكر لن ينحسر، وزعامة لم تنكسر

    الدكتور/ أيوب عثمان: فتحي الشقاقي: فكر لن ينحسر، وزعامة لم تنكسر

    كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة

    العام الرابع عشر يكون يوم الأحد القادم، 26/10/2008، قد بدأ بعد استشهاد القائد الثائر المعلم عز الدين الفارس، كما كان يحلو له تسمية نفسه، وفاءً وانتماءً وعشقاً. إنه الدكتور فتحي الشقاقي، المجاهد والزعيم والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

    في هذه الأيام، تعصف بنا ذكراه ونحن نعاني أوضاعاً تؤكد على حاجتنا إلى وجوده أو استحضار نهجه وفكره، فنحن لسنا الآن منقسمين وحسب، بل متلاعنون ومتشائمون ومتقاذفون ومتكاذبون ومتخاونون. أما هو – رحمه الله – فقد كان موحداً وجامعاً ومؤلفاً.

    ثلاثة عشر عاماً انقضت على استشهاده، فيما انقضت تسعة عشر عاماً على إصدار حكمه الذي قضى بأن ما أسماه "مهرجان التسوية" قد وصل إلى طريق مسدود، مؤكداً في اللحظة ذاتها أن "المعركة الآن (1989) هي إما نحن وإما هم على هذه الأرض المباركة".

    استشهد الزعيم القائد المفكر في العام 1995، وكان قبل استشهاده بست سنوات قد أصدر حكمه – كما نرى – على "التسوية" التي وصفها بـ "مهرجان"، دونما حاجة منه إلى معايشة ما جرى بعد استشهاده من لقاءات أسبوعية وشهرية ونصف شهرية ومن مفاوضات وصلت بمفاوضات غيرها لم تنتج جميعها فشلاً وحسب، بل أنتجت تراجعاً كبيراً على المستوى السياسي وعلى المستوى الديمغرافي، حيث التهم غول الاستيطان اليهودي – محتمياً بالنهج التسووي التفاوضي – مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية، لاسيما في مدينة القدس التي وصفها شهيدنا بأنها "كاشفة العورات". ويكفي أن نشير هنا إلى أن الاستيطان الصهيوني قد ازداد توحشه 12 مرة في غضون ستة أشهر، بعد مؤتمر أنابوليس، وذلك طبقاً لتقارير جامعة الدول العربية.

    لقد قرأ الشقاقي المشهد التسووي الذي أجاد في وصفه بأنه "مهرجان التسوية" قبل اكتماله العملي والميداني، ثم كان أكثر إجادة حين خلص في العام 1989 إلى النتيجة التي لا محيص عن الاستجابة إليها بمواجهتها، والتي مفادها كما عبر عنها بقوله: "إن المعركة الآن (1989) هي إما نحن وإما هم على هذه الأرض المباركة".

    ما كان الشقاقي – الطبيب المفكر والثائر القائد المعلم والزعيم المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي – في قراءته للنتيجة، قبل ظهورها العملي، عبثياً أو جزافياً أو عشوائياً، بل كان مُجيداً، فقرأ المشهد قراءة حصيفة وثاقبة من كل زواياها وجوانبها وأبعادها. لقد حذر الشهيد القائد من استدراج الولايات المتحدة الأمريكية لمنظمة االتحرير الفلسطينية إلى مستنقع التنازلات التي تكون بدايتها هامشية صغيرة ثم تندفع بالتدريج نحو السقوط في المنزلقات الخطيرة والمستنقعات العميقة والمتاهات الوعرة الكبيرة. لقد وقف ضد ذلك الاستدراج الأمريكي، بدءاً من الاعتراف الصريح بدولة الاحتلال الإسرائيلي، مقابل مجرد فتح باب الحوار – ولو موارباً – بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية عير سفيرها، روبرت بلليترو، في الجمهورية التونسية. وقد أثبتت الوقائع الميدانية على الأرض أن الحوار الذي استدرجنا إليه لم يكن إلا بوابة ذل وهوان أريد لشعبنا أن يدخل فيه عبر ممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، بغية تدمير حركته الوطنية.

    لقد رأى الشهيد القائد – بإيمانه ووطنيته وفكره وثاقب نظرته – أن الخطة الصهيوأمريكية عبر إسحق شامير وجيمس بيكر، قد كان من أهم أهدافها قتل الحقيقة التي تقول إن فلسطين – بالرغم من الاحتلال الجاثم فوق صدرها وقدسها وأقصاها – ما تزال عربية الوجه والمنطلق إسلامية العمق والامتداد. لقد رأى أن كل ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تخططان له يهدف في النهاية إلى الحصول على تنازل مجاني عن تلك الحقيقة الضاربة عميقاً في أرض الحقيقة الفلسطينية، الأمر الذي دفعه إلى أن يصرخ عالياً ليقول: "إن من لا يستطيع تحقيق النصر، عليه ألا يستعجل الهزيمة".

    لقد وقف عز الدين الفارس (فتحي الشقاقي) الذي سمى نفسه كذلك، تيمناً بالزعيم السوري المسلم القائد الخالد الشيخ عز الدين القسام، وانتماءً لفكره وإصراراً على السير في دربه. لقد وقف ضد النهج الازدواجي بين الخط الجماهيري المتدفق الذي آمن أصحابه بالموت شهادةً في سبيل تحرير الوطن، وبين الخط القيادي الرسمي الذي سمح لأنفاسه بأن تنقطع في سبيل مجرد الجلوس مع المحتل حتى بعد أن تجاوز ذلك المحتل فتجرأ على شطب معظم المواضيع التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أعدت نفسها للتفاوض معه عليها. فبدلاً من التأكيد على استمرار المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كما كان يُطرح دائماً ويُقال، فقد أصبحت العقدة أو الورطة أو الأزمة التي أجهد جيمس بيكر نفسه من أجل تفكيكها ليست إلا إشكاليات صغيرة تتصل بالفذلكات الإجرائية التي هي من قبيل الإجابة على أسئلة مفادها ، مثالاً لا حصراً: من سيحدد أسماء الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات؟ وهل سيكون في القدس الشرقية مراكز انتخابية؟ وهل سيكون للجيش الإسرائيلي تواجد في تلك المراكز وقت الانتخابات؟... إلخ

    لقد ساء الشقاقي – بصفته صاحب فكر ومنهج جهاديين وزعيماً مؤسساً لحركة إسلامية طليعية تزاوج بين الدين والوطنية – أن يرى مهزلة سياسية عملت على تحويل أطول انتفاضة في التاريخ البشري وأعظم إنجاز حققه الشعب الفلسطيني في العصر الحديث إلى ذلك الدرك المهين من التسوية والمساومة وهو يركض – لاهثاً تعباً يائساً – وراء سراب وصفوه ظلماً وكذباً بأنه سلام!

    لم يتوقف الشهيد القائد لحظة عن التفكير والتساؤل، فتركز فكره وانصبت تساؤلاته على الإسلام كخيار لمواجهة العدو الصهيوني. كان السؤال الكبير الذي ظل مسكوناً به، يلازمه ويلح عليه: "أين نحن كحركة جهادية إسلامية من الصراع مع العدو الصهيوني الغاصب لأرضنا والمدنس لمقدساتنا؟ وما هو موقف الحركات الإسلامية من قضيتنا ومن احتلال العدو لأرضنا؟ وما هو دور الشباب الطليعي المسلم أينما كانوا تجاه فلسطين وقدسها وأقصاها؟ وما هو المنهج الذي ينبغي للحركة الإسلامية على نحو عام ولحركة الجهاد الإسلامي على نحو خاص أن تقدمه سواء في سياق العمل على تحرير فلسطين، أو في سياق مواجهة التحديات التي تواجه الأمة على نحو عام؟ لقد أجاب الشهيد عن كل تلك التسؤلات المقلقة والمحيرة حين استقر على الرأي الذي ذهب إلى أنه: "كان هناك إسلاميون بلا فلسطين، كما كان هناك وطنيون بلا إسلام"، الأمر الذي حفزه على العمل من أجل تحقيق المزاوجة بين الوطنية والدين لبلوغ الهدف في تحرير فلسطين. لقد وجد شهيدنا ضالته حينما ملك القناعة بأن مختلف الاتجاهات الكفاحية الوطنية لم تكن تعتمد الإسلام كمنهج وبرنامج عمل لمقارعة إسرائيل ومواجهتها لتحرير فلسطين، وهو ما دفعه إلى أن يطرح بقوة شعاره المتجدد خلوداً وثباتاً: "فلسطين قضية مركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، مسترشداً بقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".

    لابد من التسليم، إذن، بأن هذا الشهيد القائد المقدام قد تحقق له من وضوح الرؤية ما مكنه من أن يجيد قراءة المستقبل على نحو يملي علينا اليوم أن نشعر بأن ما كان قد صدر عنه منذ سنين طويلة وكأنه يصدر عنه هذه اللحظة. لنتذكر الآن قوله: "إذا اردنا أن نواجه المشروع الاستعماري علينا أن نبدأ من هنا... من فلسطينن، فهي مقتل المشروع الاستعماري لأن إسرائيل هي في قلب هذا المشروع، وفي حالة استمرار وجودها لن يتحقق استقلال أو استقرار حقيقي أو حرية أو نهضة، وستبقى هذه الأهداف شعارات خالية من أي مضمون... وأن كل الأطروحات التي تفهم هذا الصراع بعيداً عن آفاقه الإسلامية من جهة وابعاده الاستعمارية من حهة أخرى لن تكون قادرة على الاستمرار في هذا الصراع حتى النهاية، لأنه سوف تتساقط على الطريق، للعجز في رؤاها ومدركاتها الحقيقية في الصراع". كان الشقاقي أول من أدرك أن مشروع "إسرائيل الكبرى" ليس إلا مشروعاً أمريكياً طالما أن الدعم الأمريكي متواصل دوماً، ومن الإبرة حتى الصاروخ، وعلى نحو كلي وشمولي مكن الاحتلال الإسرائيلي – وما يزال يمكنه – من مواصلة احتلاله وعدوانه وتغوله وتوسعه. لقد أدرك الشقاقي، أيضاً، أن صراعنا مع الكيان الصهيوني الغاصب ليس إلا صراعاً متصلاً على مستوى الوجود والمصير، لاسيما وإن القناعة ازدادت لديه رسوخاً بأن المشروعين الإسلامي والصهيوني هما في الأصل مشروعان متناقضان ومتناحران، وليس لأحدهما – إن اراد البقاء – إلا أن ينفي الآخر ويقهره وينهي وجوده، وذلك انطلاقاً من إيمانه اليقيني بأن المشروع الإسلامي قائم على العدالة والتسامح والتوحيد، فيما المشروع الصهيوني قائم على الظلم والتمييز والتفتيت والتجزئة. لذلك كله، فقد قال الشقاقي ما آمنا به ففهمناه وحفظناه: "سيبقى هذا السلام هشاً ومريضاً ومزعزعاً لا يملك أي مبرر للاستمرار". لقد درس الشقاقي الحركات الإسلامية دراسة جادة وجديدة ليصوغ منها منهاجاً جديداً يعتمد على التفاف الجماهير والاندماج معها والانصهار فيها والانخراط الواعي مع تطلعاتها، بغية تحقيق المزاوجة الفعالة بين أفعالها الوطنية الكفاحية ومنطلقاتها الدينية وذخائرها الإسلامية. لقد عمل جاداً، ونادى على الدوام، من أجل الانعتاق من ذل التبعية الغربية والتحرر من السيطرة الأمريكية، داعياً الجماهير العربية والإسلامية، في جميع أماكن تواجدها، إلى مقارعة الاحتلال الصهيوني ومقاومته على أرض فلسطين المباركة لبلوغ الانتصار عليه وهزيمته فوق هذه الأرض التي كانت – من خلال الاحتلال الصهيوني لها – منطلقاً للهيمنة الغربية وللسطوة الأمريكية.

    وبعد، فإن عز الدين الفارس (فتحي الشقاقي) الذي ناجى الشهيد السوري المسلم الشيخ عز الدين القسام، أثناء مروره بقرية (يعبد) التي استشهد فيها، قائلاً: "يا مولانا الشيخ... في زمن الردة... نناديك باسمك فانهض وامسح على قلب الأمة درن الأيام المتسخة" هو ذاته الذي قال: "إن سلاحنا سيبقى مشرعاً... لن نلقي السلاح ولو بقينا فرداً واحداً... وليس من ا لجهاد الإسلامي من يساوم على سلاحه أو يساوم على خط الجهاد واستمراره... نرفع قبضتنا في وجه العدو وكلنا أمل وثقة أن علوهم إلى اندحار وغزوهم إلى زوال".



    أما آخر الكلام، فلن ينسى المجاهدون الصابرون في فلسطين وفي سائر بلاد العرب والمسلمين الزعيم الجهادي البطل، الشهيد فتحي الشقاقي، الذي ما يزال، حتى اللحظة، يقول فينا:



    والسكين في قاع القلب يغور
    يا جرح تفتح يا جرح
    يا جرح تفتح يا جرح
    يا أهلي هاتوا الملح
    حتى يبقي حيا هذا الجرح
    حتى يبزغ من ظلم الليل الصبح ..
    لن اغفر لك
    لن اغفر لك
    تلعننى أمي ان كنت غفرت
    تلفظي القدس ان كنت نسيت
    تلفظني الفاء
    تلفظني الام
    تلفظني السين
    تلفظني الطاء
    تلفظني الياء
    تلفظني النون
    تلفظني كل حروفك يا فلسطين
    تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون
    ان كنت غفرت
    أوكنت نسيت

    (فتحي...)

  • #2
    والله موضوع ممتاز بارك الله في الكاتب الاصيل //الدكتور/ أيوب عثمان

    والله انه يصفه بالضبط

    حقيقة بارك الله فيك وجزاك عنا كل الخير

    وجعل الله علمك في نفع الاسلام والمسلمين

    تعليق

    يعمل...
    X