بقلم: عاموس هرئيل
تجربة الماضي تستدعي قدرا من الشكوك: في معظم الحالات التي استعدت فيها اسرائيل لمواجهة عسكرية معروفة مسبقا، في تاريخ محدد، تبددت التوقعات. ياسر عرفات لم يعلن عن دولة فلسطينية مستقلة في ايار 1999؛ الانتفاضة الثانية اندلعت فقط بعد نحو سنة ونصف سنة؛ وكذا الهجوم على المفاعل النووي في سوريا في ايلول 2007 لم يجلب في اعقابه (حاليا) حربا. ولكن في الاسابيع الاخيرة يتبلور في جهاز الامن وفي القيادة السياسية التقدير بانه يوجد احتمال عال لمواجهة متجدد مع حماس في قطاع غزة في كانون الثاني 2009.
اسرائيل، حاليا، هي هذه المرة مجرد لاعب ثانوي في المواجهة الفلسطينية الداخلية، ولكنها كفيلة بان تشعر بنفسها بآثارها. 9 كانون الثاني 2009 يعد خط فصل حقيقي. الخلاف بين فتح وحماس حول مدى شرعية حكم رئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن)، من هذا التاريخ فصاعدا، من شأنه أن ينزلق الى مواجهة حقيقية.
في اسرائيل يفترضون بان تهديدات حماس في أنها لن تسلم باستمرار ولاية عباس، مصداقة. فالمنظمة الاسلامية من المتوقع أن تسعى لتقويض حكم السلطة في الضفة الغربية بوسائل مختلفة. وقد بدأت في حملة منهاجية من نزع الشرعية عن السلطة في العالم العربي. سيناريو متطرف، ولكنه محتمل بالتأكيد، يتضمن محاولات من حماس لاغتيال قادة اجهزة أمن السلطة بل وعباس نفسه.
قبل نحو شهر افاد ناحوم برنيع في "يديعوت احرونوت" عن لقاء لقادة الاجهزة مع كبار رجالات الجيش الاسرائيلي في قيادة المنطقة الوسطى، أعرب فيه المسؤولون الفلسطينيون عن التخوف على حياتهم. رئيس الاركان الفلسطيني الجنرال دياب العلي قال بعد عدة ايام من ذلك في مقابلة مع آفي يسسخروف في "هآرتس" بان على فتح أن تعد نفسها لاعادة احتلال قطاع غزة من حماس. وكان هذا، من شبه اليقين تهديدا عابثا. فلم يتبقَ للسلطة قوة عسكرية ذات مغزى في القطاع وهي تفضل التركيز على حماية مصالحها في الضفة. ومع ذلك، فان الاشارة سجلت لدى حماس: انتم ايضا لديكم ما تخسرونه.
معاذير لخرق التهدئة
ليس سرا أن اسرائيل غير معنية بالتصعيد في القطاع. وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الاركان الفريق غابي اشكنازي، قادا خطا منع حربا مع حماس في غزة في الربيع الماضي. رئيس الوزراء، ايهود اولمرت، استقام في موقفه مع موقفهما. في مقابلة الوداع له في "يديعوت" قبل اسبوعين دافع اولمرت بحماسة عن النهج الذي بموجبه ليس لاسرائيل ما تبحث عنه في نشاط عسكري في غزة.
وبالمقابل، فان التنسيق الامني المتوثق بالذات بين الجيش الاسرائيلي وأجهزة السلطة، وهو الخطوة التي لا يبذل الطرفان جهودا حقيقية لاخفائها، من شأن ان يشكل لحماس ذريعة لادخال اسرائيل ايضا في مواجهتها مع فتح. هذا ليس الاعتبار الوحيد: قيادة حماس في غزة (في هذه الحالة، الامور تقال ايضا على لسان كبار مسؤولي الذراع العسكري) وان كانت تؤيد حاليا استمرار التهدئة، ولكنها تضطر الى صد الضغوط من جانب النشطاء الميدانيين، الذين يعتبرون ان هذه السياسة استنفدت نفسها. الساحة يمكنها أن تشتعل من جديد ايضا كنتيجة لعملية "تنطلق" دون ضوء اخضر واضح من قيادة حماس – سواء من خلال هجوم على سياح اسرائيليين في سيناء (اخطار كهذا ورد في الاستخبارات الاسرائيلية قبل نحو شهرين) او باستئناف نار صواريخ القسام.
لما كانت اسرائيل اصرت على أن تستند التهدئة على تفاهمات شفوية فقط، فان الاتفاق غير المكتوب يسمح للطرفين بمجال كبير من التفسير. بين الحين والاخر تطرح حماس الحجة التي ترفضها اسرائيل وكأن التهدئة تنطبق على فترة نصف سنة فقط ستنتهي في منتصف كانون الاول، الا اذا وافقت اسرائيل على توسيعها لتشمل الضفة الغربية ايضا. هذا مطلب من المتوقع لاسرائيل أن ترفضه – ويمكنه بحد ذاته ان يشكل ذريعة لتفجير متجدد.
وفي هذه الاثناء، يرد الجيش الاسرائيلي على الهدوء بالهدوء ويعمل في حدود غزة فقط في احيان بعيدة. في نهاية ايلول اوقفت قوة من الجيش الاسرائيلي رجلين من حماس زرعا عبوات ناسفة في الجانب الفلسطيني من الجدار. المنظمة، التي كانت تعلم بان نشيطيها خرقا اتفاق التهدئة اكتفت باحتجاج قصير في وسائل الاعلام الفلسطينية وسارعت الى طمس الحدث. ولكن كقاعدة، اسرائيل ايضا تحذر من خرق الاتفاق. هيئة الاركان – فضلا عن رأي الاقلية من جانب قائد المنطقة الجنوبية، يوآف جلانت الذي يحذر في محافل مغلقة من ان اسرائيل تشتري الهدوء المؤقت بثمن مستقبلي عالٍ تسلم بشكل عام بالتهدئة. واذا كان هناك انتقاد، فهو يتعلق بعدم استعداد السياسيين للبحث في مسألة الى اين نسير بالتهدئة من هنا.
لا يأبهون بالمصريين
في الشهرين الاخيرين يعنى جهاز الامن بنشاط في الاستعداد للسيناريوهات المختلفة، قبل كانون الثاني. مصدر كبير في هيئة الاركان يشرح بانه حتى بداية العام القادم ستستكمل الاستعدادات لاحتمال مواجهة متجددة في القطاع. "في هذه اللحظة، غزة تقف في رأس جدول الاولويات. واضح لنا بان احتمال المواجهة هناك عالية. يحتمل أن يكون هذا احتمالا اعلى منه في الشمال، هناك، رغم ارادة حزب الله بالثأر من موت عماد مغنية، لا تزال توجد موانع كثيرة امام الصدام".
التخوف من الاشتعال في غزة يقبع في أساس تحذيرات كبار رجالات الجيش الاسرائيلي في أنه ينفد الوقت لتحقيق صفقة لتحرير جلعاد شليت. ومع ان الامور لا تقال علنا، الا انهم في هيئة الاركان يخشون من أن استئناف القتال ضد حماس سيقضي على احتمال تحرير الجندي المخطوف – بل وربما يدفع حماس الى محاولة تهريب شليت الى خارج نطاق القطاع.
اسرائيل لا تعلق امالا كبار على الوساطة المصرية بين حماس وفتح، والتي جرت في القاهرة الاسبوع الماضي. ليس فقط لان فرص نجاح المحادثات غير واضحة؛ بل وايضا لان المصالحة الفلسطينية الداخلية لا تتطابق والمصلحة الاسرائيلية. ومع ان اسرائيل لا تشجع السلطة بشكل فظ على مهاجمة حماس، فانهم في رام الله يفهمون كيف تبدو الامور من القدس.
هذه هي الخلفية للاستعداد الاسرائيلي لتوسيع نشر قوات الامن الفلسطينية في مدن الضفة (هذا الاسبوع اتفق على ادخال 700 شرطي من السلطة الى منطقة الخليل). رئيس الاركان اشكنازي اوضح هذا قبل نحو شهر في لقاء مع قيادات الالوية من الجيش الاسرائيلي في الضفة. حيثما تعمل السلطة، قال للقادة، نحن لسنا مطالبين بالعمل بانفسنا. وهذه اصطلاحات لم تطرح في الضفة منذ سبع سنوات على الاقل.
تردد وزير الدفاع باراك في تعيين منسق اعمال جديد في المناطق لا يعود على ما يبدو فقط الى المنافسة على المنصب بين الضابطين الكبيرين في مكتبه، رئيس قيادته العميد مايك هيرتسوغ وسكرتيره العسكري العميد ايتان دانغوت. يبدو أن باراك ليس متحمسا لاجراء تعديلات حين تكون الوظيفة مشغولة الان من قائم بالاعمال مجرب، هو رئيس القيادة السياسية في وزارته (المنسق السابق) اللواء احتياط عاموس جلعاد. وجلعاد بالذات يبدو كمن يستمتع جدا بالعودة الى المجال بل انه تحدث مؤخرا قائلا: "كما هو معروف ليس هناك شيء دائم اكثر من المؤقت". لا نزاع في ان جلعاد يسبح في هذه المادة. فهو يكثر من الزيارة للميدان – وفي جولة في معابر القطاع قبل بضعة اسابيع تدخل وقلص قائمة البضائع التي تنقل الى القطاع، بزعم ان هذا ترف. هذه حرية عمل لم يسمح بها لنفسه المنسق السابق، الدائم، اللواء يوسف مشلاف.
الازمة تقضم الميزانية
كجزء من الجهود لاستغلال فترة التهدئة في غزة تضع قيادة الجبهة الداخلية كل اسبوع في بلدات غلاف غزة عشرات "العناصر"، من مركبات التحصين – من الغرف الامنة، عبر الحواجز في الطرقات وحتى التحصين المحسن للمدارس ورياض الاطفال. ولكن اساس العمل يتركز في المساحة التي توجد حتى 4.5 كم عن الجدار، في البلدات المتعرضة ليس فقط لاصابة القسام بل وايضا لقنابل الهاون المحسنة التي حصلت عليها حماس من ايران. المشكلة، بالطبع، هي ان الاعمال تجري فقط في جزء قصير من المنطقة المهددة من القطاع.
واضح للجيش الاسرائيلي أن حماس تلقت وانتجت في الاشهرة الاخيرة الاف الصواريخ الاضافية. بعضها بمدى بعيد نسبيا. ويقول ضابط كبير "يمكن تحصين ناحل عوز، بل وحتى سديروت. ولكن ماذا عن عسقلان. وفي السياق ماذا عن اسدود وكريات جات؟ اذا كانت حماس تلقت، مثلما نشك، صواريخ لمدى يقترب من 30كم، فان هذا يعني أن هذه تقع في مدى الاصابة. ولكن اذا بدأن نحصن المباني متعددة الطوابق في عسقلان فاننا لن نخرج من هذا. من جهة اخرى، اذا لم ينتهِ تهديد الصواريخ، واضح لنا بان المواطنين سيطالبون الدولة بعمل هذا بالضبط". هذه ليست مسألة مبدئية فقط، بل هي اقتصادية ايضا. كلفة تحصين 120 الف من سكان عسقلان ستكون غير محتملة للاقتصاد.
هذا التردد، الذي لم يحسم بعد يختلط بقلق الميزانيات لدى جهاز الامن. في الجيش الاسرائيلي وفي وزارة الدفاع لم يهضموا بعد معاني الازمة الاقتصادية العالمية الجديدة. واضح ان الركود العالمي، الذي سينزلق الى اسرائيل سيؤثر اخيرا على ميزانية الدفاع ايضا. ومع ذلك، وفي ذات النفس يوجد ايضا قلق في ان تشطب هذه من جدول الاعمال. فقبل شهرين فقط اشتكوا في الجيش ولا سيما في سلاح الجو من تصاعد هائل في نفقات العيش الجاري في ضوء ارتفاع الاسعار ولا سيما في مجال الوقود. اما الان، عندما انخفض سعر برميل النفط من ذروة 130 دولار للبرميل الى درك اسفل نسبيا لاقل من 90 دولار، فيدور الحديث عن وجع رأس اقل ينبغي التصدي له.
ومن جهة اخرى، حين يلمح محافظ بنك اسرائيل ستانلي فيشر في المقابلات الصحفية بانه يتوجب اجراء تعديلات على ميزانية الدولة للعام 2009، فان جهاز الامن يدخل في حالة تأهب امتصامية. الامن هو البند الاكبر في الميزانية والتعديلات ذات الاهمية معناها اغلب الظن، التقليص في هذه الميزانية ايضا. الجولة السابقة في هذا الشأن، رغم الضجيج الاعلامي الذي اثارته وزارة المالية انتهى قبل نحو شهرين دون اضرار حقيقية لجهاز الامن. في الرواتب وفي التقاعدات لم يلمس احد. رغم أن المالية عادت لتسريب قسائم اجور الضباط للصحافة. هذه المرة، كفيلة الجداول الزمنية، الاقتصادية والامنية، بان تعود الى الصدام: بحث متجدد في الميزانية، الى جانب احتمال اشتعال عسكري. لقد بات ممكنا منذ الان التقدير بانه في مثل هذه الحالة سيتهم جهاز الامن مرة اخرى بتضخيم الخطر العسكري لغرض معارك الميزانية.
تجربة الماضي تستدعي قدرا من الشكوك: في معظم الحالات التي استعدت فيها اسرائيل لمواجهة عسكرية معروفة مسبقا، في تاريخ محدد، تبددت التوقعات. ياسر عرفات لم يعلن عن دولة فلسطينية مستقلة في ايار 1999؛ الانتفاضة الثانية اندلعت فقط بعد نحو سنة ونصف سنة؛ وكذا الهجوم على المفاعل النووي في سوريا في ايلول 2007 لم يجلب في اعقابه (حاليا) حربا. ولكن في الاسابيع الاخيرة يتبلور في جهاز الامن وفي القيادة السياسية التقدير بانه يوجد احتمال عال لمواجهة متجدد مع حماس في قطاع غزة في كانون الثاني 2009.
اسرائيل، حاليا، هي هذه المرة مجرد لاعب ثانوي في المواجهة الفلسطينية الداخلية، ولكنها كفيلة بان تشعر بنفسها بآثارها. 9 كانون الثاني 2009 يعد خط فصل حقيقي. الخلاف بين فتح وحماس حول مدى شرعية حكم رئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن)، من هذا التاريخ فصاعدا، من شأنه أن ينزلق الى مواجهة حقيقية.
في اسرائيل يفترضون بان تهديدات حماس في أنها لن تسلم باستمرار ولاية عباس، مصداقة. فالمنظمة الاسلامية من المتوقع أن تسعى لتقويض حكم السلطة في الضفة الغربية بوسائل مختلفة. وقد بدأت في حملة منهاجية من نزع الشرعية عن السلطة في العالم العربي. سيناريو متطرف، ولكنه محتمل بالتأكيد، يتضمن محاولات من حماس لاغتيال قادة اجهزة أمن السلطة بل وعباس نفسه.
قبل نحو شهر افاد ناحوم برنيع في "يديعوت احرونوت" عن لقاء لقادة الاجهزة مع كبار رجالات الجيش الاسرائيلي في قيادة المنطقة الوسطى، أعرب فيه المسؤولون الفلسطينيون عن التخوف على حياتهم. رئيس الاركان الفلسطيني الجنرال دياب العلي قال بعد عدة ايام من ذلك في مقابلة مع آفي يسسخروف في "هآرتس" بان على فتح أن تعد نفسها لاعادة احتلال قطاع غزة من حماس. وكان هذا، من شبه اليقين تهديدا عابثا. فلم يتبقَ للسلطة قوة عسكرية ذات مغزى في القطاع وهي تفضل التركيز على حماية مصالحها في الضفة. ومع ذلك، فان الاشارة سجلت لدى حماس: انتم ايضا لديكم ما تخسرونه.
معاذير لخرق التهدئة
ليس سرا أن اسرائيل غير معنية بالتصعيد في القطاع. وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الاركان الفريق غابي اشكنازي، قادا خطا منع حربا مع حماس في غزة في الربيع الماضي. رئيس الوزراء، ايهود اولمرت، استقام في موقفه مع موقفهما. في مقابلة الوداع له في "يديعوت" قبل اسبوعين دافع اولمرت بحماسة عن النهج الذي بموجبه ليس لاسرائيل ما تبحث عنه في نشاط عسكري في غزة.
وبالمقابل، فان التنسيق الامني المتوثق بالذات بين الجيش الاسرائيلي وأجهزة السلطة، وهو الخطوة التي لا يبذل الطرفان جهودا حقيقية لاخفائها، من شأن ان يشكل لحماس ذريعة لادخال اسرائيل ايضا في مواجهتها مع فتح. هذا ليس الاعتبار الوحيد: قيادة حماس في غزة (في هذه الحالة، الامور تقال ايضا على لسان كبار مسؤولي الذراع العسكري) وان كانت تؤيد حاليا استمرار التهدئة، ولكنها تضطر الى صد الضغوط من جانب النشطاء الميدانيين، الذين يعتبرون ان هذه السياسة استنفدت نفسها. الساحة يمكنها أن تشتعل من جديد ايضا كنتيجة لعملية "تنطلق" دون ضوء اخضر واضح من قيادة حماس – سواء من خلال هجوم على سياح اسرائيليين في سيناء (اخطار كهذا ورد في الاستخبارات الاسرائيلية قبل نحو شهرين) او باستئناف نار صواريخ القسام.
لما كانت اسرائيل اصرت على أن تستند التهدئة على تفاهمات شفوية فقط، فان الاتفاق غير المكتوب يسمح للطرفين بمجال كبير من التفسير. بين الحين والاخر تطرح حماس الحجة التي ترفضها اسرائيل وكأن التهدئة تنطبق على فترة نصف سنة فقط ستنتهي في منتصف كانون الاول، الا اذا وافقت اسرائيل على توسيعها لتشمل الضفة الغربية ايضا. هذا مطلب من المتوقع لاسرائيل أن ترفضه – ويمكنه بحد ذاته ان يشكل ذريعة لتفجير متجدد.
وفي هذه الاثناء، يرد الجيش الاسرائيلي على الهدوء بالهدوء ويعمل في حدود غزة فقط في احيان بعيدة. في نهاية ايلول اوقفت قوة من الجيش الاسرائيلي رجلين من حماس زرعا عبوات ناسفة في الجانب الفلسطيني من الجدار. المنظمة، التي كانت تعلم بان نشيطيها خرقا اتفاق التهدئة اكتفت باحتجاج قصير في وسائل الاعلام الفلسطينية وسارعت الى طمس الحدث. ولكن كقاعدة، اسرائيل ايضا تحذر من خرق الاتفاق. هيئة الاركان – فضلا عن رأي الاقلية من جانب قائد المنطقة الجنوبية، يوآف جلانت الذي يحذر في محافل مغلقة من ان اسرائيل تشتري الهدوء المؤقت بثمن مستقبلي عالٍ تسلم بشكل عام بالتهدئة. واذا كان هناك انتقاد، فهو يتعلق بعدم استعداد السياسيين للبحث في مسألة الى اين نسير بالتهدئة من هنا.
لا يأبهون بالمصريين
في الشهرين الاخيرين يعنى جهاز الامن بنشاط في الاستعداد للسيناريوهات المختلفة، قبل كانون الثاني. مصدر كبير في هيئة الاركان يشرح بانه حتى بداية العام القادم ستستكمل الاستعدادات لاحتمال مواجهة متجددة في القطاع. "في هذه اللحظة، غزة تقف في رأس جدول الاولويات. واضح لنا بان احتمال المواجهة هناك عالية. يحتمل أن يكون هذا احتمالا اعلى منه في الشمال، هناك، رغم ارادة حزب الله بالثأر من موت عماد مغنية، لا تزال توجد موانع كثيرة امام الصدام".
التخوف من الاشتعال في غزة يقبع في أساس تحذيرات كبار رجالات الجيش الاسرائيلي في أنه ينفد الوقت لتحقيق صفقة لتحرير جلعاد شليت. ومع ان الامور لا تقال علنا، الا انهم في هيئة الاركان يخشون من أن استئناف القتال ضد حماس سيقضي على احتمال تحرير الجندي المخطوف – بل وربما يدفع حماس الى محاولة تهريب شليت الى خارج نطاق القطاع.
اسرائيل لا تعلق امالا كبار على الوساطة المصرية بين حماس وفتح، والتي جرت في القاهرة الاسبوع الماضي. ليس فقط لان فرص نجاح المحادثات غير واضحة؛ بل وايضا لان المصالحة الفلسطينية الداخلية لا تتطابق والمصلحة الاسرائيلية. ومع ان اسرائيل لا تشجع السلطة بشكل فظ على مهاجمة حماس، فانهم في رام الله يفهمون كيف تبدو الامور من القدس.
هذه هي الخلفية للاستعداد الاسرائيلي لتوسيع نشر قوات الامن الفلسطينية في مدن الضفة (هذا الاسبوع اتفق على ادخال 700 شرطي من السلطة الى منطقة الخليل). رئيس الاركان اشكنازي اوضح هذا قبل نحو شهر في لقاء مع قيادات الالوية من الجيش الاسرائيلي في الضفة. حيثما تعمل السلطة، قال للقادة، نحن لسنا مطالبين بالعمل بانفسنا. وهذه اصطلاحات لم تطرح في الضفة منذ سبع سنوات على الاقل.
تردد وزير الدفاع باراك في تعيين منسق اعمال جديد في المناطق لا يعود على ما يبدو فقط الى المنافسة على المنصب بين الضابطين الكبيرين في مكتبه، رئيس قيادته العميد مايك هيرتسوغ وسكرتيره العسكري العميد ايتان دانغوت. يبدو أن باراك ليس متحمسا لاجراء تعديلات حين تكون الوظيفة مشغولة الان من قائم بالاعمال مجرب، هو رئيس القيادة السياسية في وزارته (المنسق السابق) اللواء احتياط عاموس جلعاد. وجلعاد بالذات يبدو كمن يستمتع جدا بالعودة الى المجال بل انه تحدث مؤخرا قائلا: "كما هو معروف ليس هناك شيء دائم اكثر من المؤقت". لا نزاع في ان جلعاد يسبح في هذه المادة. فهو يكثر من الزيارة للميدان – وفي جولة في معابر القطاع قبل بضعة اسابيع تدخل وقلص قائمة البضائع التي تنقل الى القطاع، بزعم ان هذا ترف. هذه حرية عمل لم يسمح بها لنفسه المنسق السابق، الدائم، اللواء يوسف مشلاف.
الازمة تقضم الميزانية
كجزء من الجهود لاستغلال فترة التهدئة في غزة تضع قيادة الجبهة الداخلية كل اسبوع في بلدات غلاف غزة عشرات "العناصر"، من مركبات التحصين – من الغرف الامنة، عبر الحواجز في الطرقات وحتى التحصين المحسن للمدارس ورياض الاطفال. ولكن اساس العمل يتركز في المساحة التي توجد حتى 4.5 كم عن الجدار، في البلدات المتعرضة ليس فقط لاصابة القسام بل وايضا لقنابل الهاون المحسنة التي حصلت عليها حماس من ايران. المشكلة، بالطبع، هي ان الاعمال تجري فقط في جزء قصير من المنطقة المهددة من القطاع.
واضح للجيش الاسرائيلي أن حماس تلقت وانتجت في الاشهرة الاخيرة الاف الصواريخ الاضافية. بعضها بمدى بعيد نسبيا. ويقول ضابط كبير "يمكن تحصين ناحل عوز، بل وحتى سديروت. ولكن ماذا عن عسقلان. وفي السياق ماذا عن اسدود وكريات جات؟ اذا كانت حماس تلقت، مثلما نشك، صواريخ لمدى يقترب من 30كم، فان هذا يعني أن هذه تقع في مدى الاصابة. ولكن اذا بدأن نحصن المباني متعددة الطوابق في عسقلان فاننا لن نخرج من هذا. من جهة اخرى، اذا لم ينتهِ تهديد الصواريخ، واضح لنا بان المواطنين سيطالبون الدولة بعمل هذا بالضبط". هذه ليست مسألة مبدئية فقط، بل هي اقتصادية ايضا. كلفة تحصين 120 الف من سكان عسقلان ستكون غير محتملة للاقتصاد.
هذا التردد، الذي لم يحسم بعد يختلط بقلق الميزانيات لدى جهاز الامن. في الجيش الاسرائيلي وفي وزارة الدفاع لم يهضموا بعد معاني الازمة الاقتصادية العالمية الجديدة. واضح ان الركود العالمي، الذي سينزلق الى اسرائيل سيؤثر اخيرا على ميزانية الدفاع ايضا. ومع ذلك، وفي ذات النفس يوجد ايضا قلق في ان تشطب هذه من جدول الاعمال. فقبل شهرين فقط اشتكوا في الجيش ولا سيما في سلاح الجو من تصاعد هائل في نفقات العيش الجاري في ضوء ارتفاع الاسعار ولا سيما في مجال الوقود. اما الان، عندما انخفض سعر برميل النفط من ذروة 130 دولار للبرميل الى درك اسفل نسبيا لاقل من 90 دولار، فيدور الحديث عن وجع رأس اقل ينبغي التصدي له.
ومن جهة اخرى، حين يلمح محافظ بنك اسرائيل ستانلي فيشر في المقابلات الصحفية بانه يتوجب اجراء تعديلات على ميزانية الدولة للعام 2009، فان جهاز الامن يدخل في حالة تأهب امتصامية. الامن هو البند الاكبر في الميزانية والتعديلات ذات الاهمية معناها اغلب الظن، التقليص في هذه الميزانية ايضا. الجولة السابقة في هذا الشأن، رغم الضجيج الاعلامي الذي اثارته وزارة المالية انتهى قبل نحو شهرين دون اضرار حقيقية لجهاز الامن. في الرواتب وفي التقاعدات لم يلمس احد. رغم أن المالية عادت لتسريب قسائم اجور الضباط للصحافة. هذه المرة، كفيلة الجداول الزمنية، الاقتصادية والامنية، بان تعود الى الصدام: بحث متجدد في الميزانية، الى جانب احتمال اشتعال عسكري. لقد بات ممكنا منذ الان التقدير بانه في مثل هذه الحالة سيتهم جهاز الامن مرة اخرى بتضخيم الخطر العسكري لغرض معارك الميزانية.
تعليق