لماذا اخترت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؟
إعداد
أ.خالد سيف الدين
يوليو 2008م
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
أصبح من المسلم به لدى الجميع أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تحمل مشروعا فكريا ـ نهضويا ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل للأمة الإسلامية جمعاء، ففكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي فكر رسالي ـ طليعي له صفة العالمية، بحيث يمكن لأي فرد في أي مكان على وجه المعمورة يحمل الهَم الإسلامي أن يعتبر نفسه ابنا لحركة الجهاد الإسلامي. بمعنى آخر، أن فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي ليست حكرا على من يستظل بشجرة الحركة في فلسطين، بل هو فكر ومشروع للأمة الإسلامية جميعها (عربها وعجمها).
لماذا اخترت حركة الجهاد الإسلامي:
عن بقية الحركات الإسلامية المعاصرة، ولعل من أهم هذه الميزات، الآتي:
قولبت حركة الجهاد الإسلامي "القضية الفلسطينية" في قالبها الصحيح (القالب الإسلامي)، وجعلت من فلسطين "القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، مستندة في ذلك على الكتاب والسنة والتاريخ والواقع، ومن أجل أن تثبت صحة ما نادت به؛ كتبت الدراسات والأبحاث والمقالات، ودارت الحوارات الفكرية والسياسية. في وقت لم تكن فيه القضية الفلسطينية مدرجة على سلم أولويات الحركات الإسلامية والتيار الإسلامي التقليدي (الأخوان المسلمين)، الذي تعامل مع قضية فلسطين كأي قضية من قضايا الوطن الإسلامي، بل أن قضية كقضية أفغانستان ـ التي كانت خاضعة للاحتلال الروسي ـ كانت مقدمة على قضية فلسطين، بحجة تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي أولا، ومن ثَم إقامة دولة الخلافة الإسلامية هناك، ومن ثَم يزحف الجيش الإسلامي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني!!. السؤال لأصحاب هذا الرأي: من أولى بالتحرير بلاد الجوار (فلسطين)، أم البلاد التي تحتاج إلى قطع المسافات الطويلة حتى تصل إليها وتحررها (أفغانستان)؟!.
وهناك جماعات إسلامية (حزب التحرير الإسلامي)، تنادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية أولا ، ولمّا يأتي "خليفة المسلمين" ويأمر المسلمين بالجهاد، يخرجون للجهاد في فلسطين وتخليصها من المحتل الصهيوني تحت إمرة وراية وتوجيهات خليفة المسلمين!!، والسؤال لأصحاب هذا التوجه: أنتم قلتم وناديتم بهذا الكلام منذ العام (1951)* ونحن الآن في خواتيم العام (2008)، أي منذ (57) سنة ننتظر الخليفة المسلم!، أين هو هذا الخليفة الذي بشرتم به؟. إننا لم نرَ الخليفة المسلم، ولا حتى أمارات ظهور الخليفة!! فهل نبقى بعد مضي هذه السنوات من عمر القضية الفلسطينية ننتظر ظهور الخليفة المسلم ليعطينا تصريحا للخروج إلى جهاد الصهاينة؟! والعدو الصهيوني يبتلع الأراضي الزراعية الفلسطينية بالاستيطان وجدار الفصل العنصري، والقدس تتعرض للتهويد، وأساسات المسجد الأقصى تتصدع من كثرة الحفريات، وأعداد الشهداء التي ترتقي كل يوم إلى السماء في ازدياد، ناهيك عن أعداد الأسرى والجرحى والمعاقين التي تعد بالآلاف... إلخ.
تبنت حركة الجهاد الإسلامي "التيار الإسلامي الثوري"، بإحياء فريضة "الجهاد"، التي كانت مغيبة عن أفكار وممارسات الحركة الإسلامية التقليدية، والتي أجّلت وأخّرت فكرة (الجهاد) لاعتبارات خاصة بها، منها من أجلت الجهاد إلى حين ظهور الخليفة المسلم وتقاتل تحت رايته وإمرته، ومنها من أجلت الجهاد إلى حين تعد جيل التحرير بالتربية والإعداد، واكتفت بالجانب الإصلاحي والدعوي والاجتماعي والعمل الخيري، وقد ثبت لهذا "التيار الإصلاحي" فيما بعد صحة الخيار الذي انتهجته حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي جعله يتبنى الخيار الذي اختارته ورسمته حركة الجهاد وهو إحياء فريضة الجهاد، هذا من جهة، ومن جهة ثانية الذي دعا حركة الجهاد الإسلامي لتبني التيار الإسلامي الثوري هو الهوان والضعف الذي أصاب الفصائل الفلسطينية المقاتلة، والتي لجأت إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني والسير نحو عقد الاتفاقيات والهرولة نحو الصهيونية وأمريكا والغرب عموما، بدعوى تغير الموازين والقوى الدولية!!.
أولت حركة الجهاد الإسلامي عناية فائقة وأهمية كبيرة لمسألة "التاريخ"، وما توصلت حركة الجهاد الإسلامي إلى "مركزية القضية الفلسطينية" إلا بعد أن نقبت وبحثت في بطون الكتب والمجلدات وحنايا أحداث التاريخ الإسلامي عموما والتاريخ الفلسطيني خصوصا.
وفي دراسة للدكتور فتحي الشقاقي ـ رحمه الله تعالى ـ بعنوان: "التاريخ.. لماذا؟" يقول: "عندما تُستغل أمة أو جماعة فإنها تتنبه بداية إلى تاريخها، فتتقدم: تدرس وتحلل وتنتقد.. تعيد الترتيب والصياغة لتتعرف على مواقفها الحالية، ثم تنطلق إلى آفاق المستقبل، بينما في حالة العجز والضياع تنام الجماعات عن تاريخها، بل وتقف منه موقفا سلبيا ومتهما. ومن هنا ندرك نحن ـ الأبناء الحقيقيين ـ أهمية وعي التاريخ وأنه المفتاح الذي بين أيدينا كي نفهم ونعي ماضينا ونعي دروسه وتجاربه وعبره، وبالتالي نؤثر في حاضرنا ولا نكتفي بالجلوس في مقاعد المتفرجين".
حركة الجهاد الإسلامي لم تقزم وتحجّم نفسها في إطار فلسطين فحسب، بل تابعت كل مشكلات وهموم وقضايا الوطن الإسلامي، على اعتبار أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وأن الوطن الإسلامي وطن واحد، وأن هذه الدول والحدود المصطنعة هي مؤقتة لأنها من صنع ووضع الاستعمار والإمبريالية، ويجب أن تزول حتى نعيد للأمة والوطن الإسلامي وحدته ولُحمته وتماسكه بإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
تناولت حركة الجهاد الإسلامي قضايا الفكر الإسلامي المعاصر برؤية إسلامية عصرية مستنيرة، بحيث ربطت بين القرآن والسنة من جهة، والواقع من جهة أخرى، ودرست (العقيدة والسيرة والحديث والتفسير والفقه) برؤية إسلامية منهجية تجديدية غير تقليدية، فتستطيع من خلال هذه الرؤية تفسير وتحليل ودراسة مشكلات الواقع الإسلامي وتقديم الحلول الإسلامية المناسبة بعيدة عن الشعارات الزائفة والبراقة، الخطابات العنترية التي لا تقدم حلا لمشكلات الوطن الإسلامي.
بمعنى آخر، إن حركة الجهاد الإسلامي ليست حركة "نصية" تتعامل بظاهر وجمود النص القرآني والحديث النبوي الشريف، ولم تكتف بتلاوة نصوص الآيات القرآنية وقراءة أحداث السيرة النبوية كقصص أو أحداث تاريخية جامدة (حدثت وانقضت)، بل حاولت أن تربطها بالواقع وتستلهم منها العبر والعظة، وأن تفسر مشكلات الواقع من خلال النص القرآني، ولم تناصب حركة الجهاد الإسلامي العداء للعلم والاجتهاد والإبداع كما هو الحال عند البعض!.
تميزت حركة الجهاد الإسلامي بالانفتاح على جميع التيارات الفكرية (الإسلامية، الوطنية، الديموقراطية، اليسارية) العاملة في المجتمع العربي عموما، إنطلاقا من قاعدة: (يجب أن تكون فلسطين هي نقطة الالتقاء بين كافة التيارات الفكرية والأيديولوجية، وبعد تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، تبدأ مسألة التنافس بين الأفكار والأيديولوجيات). على الرغم من ثبوت فشل أغلب الأيديولوجيات الأرضية، سواء الماركسية والشيوعية، أو العروبة والقومية والأممية.
جعلت حركة الجهاد الإسلامي من فلسطين قلب المشروع الحضاري ـ النهضوي للأمة الإسلامية، في الوقت الذي جعل فيه المشروع الصهيوني ـ الغربي من فلسطين رأس الحربة لتدمير وتفتيت وحدة الأمة والوطن الإسلامي. أي أن فلسطين تعتبر نقطة الارتكاز والانطلاق نحو نهضة وتطور الأمة والوطن الإسلامي، أو تدمير وتجزئة الأمة والوطن الإسلامي، ولذلك تعتبر "فلسطين قلب العالم"، إن كانت فلسطين تنعم بالاستقرار والأمن يعيش العالم كله في استقرار وأمن، وإن كانت فلسطين تكتوي بنار الحصار والتجويع وغياب الأمن والاستقرار فإن العالم كله يحرم من نعمة الأمن والاستقرار، وهناك الكثير من الأدلة والشواهد التي تدعم هذا القول.
على صعيد العلاقة مع التنظيمات والفصائل الفلسطينية، آمنت حركة الجهاد الإسلامي بأن أي خلاف بين فصيل فلسطيني وآخر لا يحل إلا من خلال قنوات الحوار السياسي والفكري، وأن العنف ليس له إلا وجهة واحدة هي "العدو الصهيوني".
وهذا لم يكن مجرد شعار ترفعه وتتغنى به حركة الجهاد الإسلامي، أو كلمات تلوكها الألسن عبر وسائل الإعلام، أو في الخطابات والمهرجانات واللقاءات العامة، إنما هو فكر وممارسة، عقيدة تربى عليها أبناء الجهاد الإسلامي؛ ينقلها السلف إلى الخلف. وليس أدل على صحة ذلك من العودة بالذاكرة إلى الوراء حيث البدايات الأولى لظهور الحركة وما لاقاه القادة والمؤسسون الأوائل للحركة من إخوتهم في حركة "حماس" سواء في المساجد أو في الجامعات أو الأماكن العامة، حيث الضرب والقذف ونشر الإشاعات والأباطيل والأكاذيب، ولم يدعوا وسيلة للتشهير والنَيل من حركة الجهاد الإسلامي إلا واتبعوها، في محاولة لثني الحركة عن النهج الذي اختطته لنفسها والذي كشف عورات وسوءات التيار الإسلامي التقليدي.
برأيك: ماذا كانت ردة فعل أبناء حركة الجهاد الإسلامي في حينه؟
كان لسان حالهم يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". كذلك في فترة الفلتان الأمني والفوضى العارمة التي اجتاحت المجتمع "الغزي" وبعض المناوشات التي دارت بين عناصر من "سرايا القدس" من جهة "وكتائب القسام والقوة التنفيذية" التابعة لحكومة حماس من جهة ثانية سواء في مسجد الرباط في غزة أو في مدينة رفح أو في محافظة خانيونس، سرعان ما طوقت قيادة حركة الجهاد الإسلامي هذه الأحداث لئلا تشتعل نيران الفتنة ويمتد لهيبها لأكثر من بقعة.
ليس هذا التصرف من باب الجبن والخوف والضعف، إنما هو تطبيق وممارسة فعلية لما نؤمن به: أن أي خلاف بين حركة الجهاد الإسلامي وأي من الفصائل الفلسطينية لا يحل إلا بالحوار السياسي والفكري، وأن العنف لا يوجه إلا للعدو الصهيوني. وهذا بالفعل ما كان، ففي الوقت الذي كان يقتل فيه الفلسطيني أخاه الفلسطيني برصاص فلسطيني، كانت حركة الجهاد الفلسطيني تصب جام غضبها وتطلق قذائفها ورصاصاتها صوب العدو الصهيوني، وتقول للمتناحرين هذه هي الوجهة الصحيحة التي يفترض أن توجهوا إليها رصاصاتكم وقذائفكم وألغامكم، لا صدور أبناء الشعب الفلسطيني وبيوتهم ومؤسساتهم!.
حركة الجهاد الإسلامي هي أوّل من استثمرت حدث انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية (1979) ودرستها برؤية منهجية ثورية، وحاولت الاستفادة من أنموذج الثورة الجماهيرية التي أسقطت نظام "الشاه" الموالي للعدو الصهيوني ولأمريكا، وعملت على تطبيقها في فلسطين، وبالفعل كانت حركة الجهاد الإسلامي هي المفجرة الأولى لثورة المساجد (6/10/1987)*، بحيث بقيت الحركة لمدة شهرين متتالين أي منذ (6/10-8/12/1987) هي التي تحرك الجماهير سواء من خلال المساجد أو الباحات العامة، وتخرج المسيرات وتوزع المنشورات وتقود الانتفاضة لوحدها، في حين كانت بقية الفصائل الفلسطينية تنظر وتراقب الحدث عن بُعد على اعتبار أنها مجرد مناوشات ستدوم لأسبوع أو أسبوعين ثم تنتهي، إلا أن الجماهير الفلسطينية كانت متعطشة لخطاب إسلامي ثوري، بعد أن فشلت كل التيارات الوطنية واليسارية في أطروحاتها، وتوجه منظمة التحرير نحو الانهزام والتفريط
والمفاوضات مع العدو الصهيوني، وما مشاركتها في فعاليات ثورة المساجد إلا لتحقيق مكاسب خاصة بها.
يحسب الفضل لحركة الجهاد الإسلامي بأنها هي الدافع الرئيسي والأساسي في ظهور حركة "حماس"، لأنه بعد أن ثبت صحة المنهج والطريق الذي اختطته حركة الجهاد الإسلامي لنفسها (المنهج الثوري)، وأن الجماهير التفت حول الخيار الإسلامي الثوري ، رأى "المجمع الإسلامي" ـ في حينه ـ أن هذه الحركة الوليدة ستشكل خطرا عليه وستسحب البساط من تحته، لذا يجب أن يتبنى المجمع الإسلامي ما نادت به حركة الجهاد الإسلامي من إحياء فريضة الجهاد حتى يبقى محافظا على مكانته وحضوره في المجتمع الفلسطيني، وعليه ظهر ما يسمى بحركة "حماس" التي تبنت العمل الجهادي ضد العدو الصهيوني.
بمعنى آخر لولا ظهور حركة الجهاد الإسلامي لما كان هناك شيء اسمه حماس، ولبقي الاسم الدارج "المجمع الإسلامي" الذي يعتني بالعمل الدعوي والإصلاحي والاجتماعي ـ الخيري فقط.
وهذا الشيء يجب أن نصرّح به ونعلنه دون وجل أو خجل، بل نعلنه وكلنا شموخ وعز وثقة، فيجب أن يعترف لكل ذي فضل فضله.
تلكم هي الصورة المشرقة ـ المضيئة لحركة الجهاد الإسلامي، وهذه هي أهم الميزات التي تمتعت وتحلت بها الحركة منذ اللحظات الأولى على ميلادها. ــــــــــــــــ
الآن وبعد مضي ما يقارب الثلاثة عقود على عمر الحركة، أين تقف الحركة من هذه المزايا؟، هل بقيت محافظة عليها ومتمسكة بها؟، هل انحرفت عن ثوابتها وتخلت عن المنهج الذي خطته لنفسها؟، هذا ما سنعرضه في الفقرات التالية.
حركة الجهاد الإسلامي اليوم:
في الحقيقة؛ حركة الجهاد الإسلامي مثلها كَمَثَل بقية الحركات الإسلامية والحركات الاجتماعية عموما، مرت بفترات إزدهار ونمو، وفترات ضمور وانكماش، وتراجع في بعض الأحيان، ولا أقصد هنا التراجع عن الثوابت والمبادئ والأسس التي وضعتها الحركة لنفسها وآمنت بها، إنما قصدت تقصير على صعيد الامتداد الجماهيري والفعاليات والأنشطة، والعمل الإعلامي، والتواصل الاجتماعي، والدعوي. على الرغم من ذلك يمكن أن يسجل في صالح الحركة وفي صفحات من نور، ويحق لها أن تفتخر بذلك، لما فيه من تأكيد على أنها لا زالت محافظة على الخيط الدقيق الذي يفصلها ويميزها عن بقية الحركات الإسلامية الفلسطينية.
وفيما يلي يمكن أن نرصد الآتي:
1. لازالت حركة الجهاد الإسلامي متمسكة بالثوابت والمبادئ والأسس الجليلة ـ العظيمة التي انطلقت من أجلها دون تحريف أو تبديل، لاسيما مبدئي (الجهاد كوسيلة للتحرير، والمطالبة بتحرير فلسطين؛ كامل فلسطين التاريخية، والوقوف بجانب الجماهير ومناصرة قضاياهم والتعبير عن همومهم ومشكلاتهم).
2. ما دنست حركة الجهاد الإسلامي سمعتها وتاريخها الجهادي "الناصع" بالمشاركة في سلطة الحكم الذاتي "الوهم"، أو خوض الانتخابات التشريعية في دورتيه (الأولى 1996، والثانية 2006)، إيمانا منها بأن هذه الانتخابات وتلك السلطة إنما هو سقفها ويحكمها اتفاقية أوسلو، التي نرفضها جملا وتفصيلا، أو كما عبر عنها الأمين العام د. رمضان شلح، بأن اتفاقية أوسلو أشد خطرا على القضية الفلسطينية من نكبة الـ48، وهي (اتفاقية أوسلو) نكبة النكبة.
3. ما لوثت حركة الجهاد الإسلامي سلاحها المقاوم "المقدس" بالاشتراك في مظاهر الفلتان الأمني، والاقتتال الداخلي، وإراقة الدم الفلسطيني، أو الوقوف بجانب أي من طرفي النزاع المتناحرَين (فتح وحماس)، بل كانت دوما تنأى بنفسها عن الفتنة، تنادي بنَفَس الوحدة للحفاظ على سلامة وحدة وتماسك المجتمع الفلسطيني، ليكون أكثر صلابة وقوة ومتانة في مواجهة العدو الصهيوني.
4. كانت ولا تزال حركة الجهاد الإسلامي تعتبر صمام الأمان للمجتمع الفلسطيني، فهي تعمل جاهدة للحفاظ على وحدة وسلامة ولحمة الصف والمجتمع الفلسطيني، لئلا ينزلق إلى مزيد من التشظي والتمزق والانقسام، فهي لا زالت متمسكة بشعارها أن "الخلاف بين أي فصيل فلسطيني وآخر لا يحل إلا بالحوار السياسي والفكري، وأن العنف ليس له إلا وجهة واحدة هي العدو الصهيوني".
5. لازالت تتمتع حركة الجهاد الإسلامي بسعة الأفق وبعد النظر في التعامل مع القضايا الوطنية والإسلامية، وليس أدل على ذلك من الموقف الصائب الذي اتخذته فيما يتعلق بقضية الانتخابات التشريعية الثانية، وها نحن نجني ثمر مشاركة حركة حماس في تلك الانتخابات حيث (التشطير بين ضفة وغزة)، وعدم الأخذ بملاحظات وموقف الحركة من المشاركة في هذه الانتخابات التي هي صنيعة أوسلو.
إعداد
أ.خالد سيف الدين
يوليو 2008م
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
أصبح من المسلم به لدى الجميع أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تحمل مشروعا فكريا ـ نهضويا ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل للأمة الإسلامية جمعاء، ففكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي فكر رسالي ـ طليعي له صفة العالمية، بحيث يمكن لأي فرد في أي مكان على وجه المعمورة يحمل الهَم الإسلامي أن يعتبر نفسه ابنا لحركة الجهاد الإسلامي. بمعنى آخر، أن فكر وأيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي ليست حكرا على من يستظل بشجرة الحركة في فلسطين، بل هو فكر ومشروع للأمة الإسلامية جميعها (عربها وعجمها).
لماذا اخترت حركة الجهاد الإسلامي:
عن بقية الحركات الإسلامية المعاصرة، ولعل من أهم هذه الميزات، الآتي:
قولبت حركة الجهاد الإسلامي "القضية الفلسطينية" في قالبها الصحيح (القالب الإسلامي)، وجعلت من فلسطين "القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، مستندة في ذلك على الكتاب والسنة والتاريخ والواقع، ومن أجل أن تثبت صحة ما نادت به؛ كتبت الدراسات والأبحاث والمقالات، ودارت الحوارات الفكرية والسياسية. في وقت لم تكن فيه القضية الفلسطينية مدرجة على سلم أولويات الحركات الإسلامية والتيار الإسلامي التقليدي (الأخوان المسلمين)، الذي تعامل مع قضية فلسطين كأي قضية من قضايا الوطن الإسلامي، بل أن قضية كقضية أفغانستان ـ التي كانت خاضعة للاحتلال الروسي ـ كانت مقدمة على قضية فلسطين، بحجة تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي أولا، ومن ثَم إقامة دولة الخلافة الإسلامية هناك، ومن ثَم يزحف الجيش الإسلامي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني!!. السؤال لأصحاب هذا الرأي: من أولى بالتحرير بلاد الجوار (فلسطين)، أم البلاد التي تحتاج إلى قطع المسافات الطويلة حتى تصل إليها وتحررها (أفغانستان)؟!.
وهناك جماعات إسلامية (حزب التحرير الإسلامي)، تنادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية أولا ، ولمّا يأتي "خليفة المسلمين" ويأمر المسلمين بالجهاد، يخرجون للجهاد في فلسطين وتخليصها من المحتل الصهيوني تحت إمرة وراية وتوجيهات خليفة المسلمين!!، والسؤال لأصحاب هذا التوجه: أنتم قلتم وناديتم بهذا الكلام منذ العام (1951)* ونحن الآن في خواتيم العام (2008)، أي منذ (57) سنة ننتظر الخليفة المسلم!، أين هو هذا الخليفة الذي بشرتم به؟. إننا لم نرَ الخليفة المسلم، ولا حتى أمارات ظهور الخليفة!! فهل نبقى بعد مضي هذه السنوات من عمر القضية الفلسطينية ننتظر ظهور الخليفة المسلم ليعطينا تصريحا للخروج إلى جهاد الصهاينة؟! والعدو الصهيوني يبتلع الأراضي الزراعية الفلسطينية بالاستيطان وجدار الفصل العنصري، والقدس تتعرض للتهويد، وأساسات المسجد الأقصى تتصدع من كثرة الحفريات، وأعداد الشهداء التي ترتقي كل يوم إلى السماء في ازدياد، ناهيك عن أعداد الأسرى والجرحى والمعاقين التي تعد بالآلاف... إلخ.
تبنت حركة الجهاد الإسلامي "التيار الإسلامي الثوري"، بإحياء فريضة "الجهاد"، التي كانت مغيبة عن أفكار وممارسات الحركة الإسلامية التقليدية، والتي أجّلت وأخّرت فكرة (الجهاد) لاعتبارات خاصة بها، منها من أجلت الجهاد إلى حين ظهور الخليفة المسلم وتقاتل تحت رايته وإمرته، ومنها من أجلت الجهاد إلى حين تعد جيل التحرير بالتربية والإعداد، واكتفت بالجانب الإصلاحي والدعوي والاجتماعي والعمل الخيري، وقد ثبت لهذا "التيار الإصلاحي" فيما بعد صحة الخيار الذي انتهجته حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي جعله يتبنى الخيار الذي اختارته ورسمته حركة الجهاد وهو إحياء فريضة الجهاد، هذا من جهة، ومن جهة ثانية الذي دعا حركة الجهاد الإسلامي لتبني التيار الإسلامي الثوري هو الهوان والضعف الذي أصاب الفصائل الفلسطينية المقاتلة، والتي لجأت إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني والسير نحو عقد الاتفاقيات والهرولة نحو الصهيونية وأمريكا والغرب عموما، بدعوى تغير الموازين والقوى الدولية!!.
أولت حركة الجهاد الإسلامي عناية فائقة وأهمية كبيرة لمسألة "التاريخ"، وما توصلت حركة الجهاد الإسلامي إلى "مركزية القضية الفلسطينية" إلا بعد أن نقبت وبحثت في بطون الكتب والمجلدات وحنايا أحداث التاريخ الإسلامي عموما والتاريخ الفلسطيني خصوصا.
وفي دراسة للدكتور فتحي الشقاقي ـ رحمه الله تعالى ـ بعنوان: "التاريخ.. لماذا؟" يقول: "عندما تُستغل أمة أو جماعة فإنها تتنبه بداية إلى تاريخها، فتتقدم: تدرس وتحلل وتنتقد.. تعيد الترتيب والصياغة لتتعرف على مواقفها الحالية، ثم تنطلق إلى آفاق المستقبل، بينما في حالة العجز والضياع تنام الجماعات عن تاريخها، بل وتقف منه موقفا سلبيا ومتهما. ومن هنا ندرك نحن ـ الأبناء الحقيقيين ـ أهمية وعي التاريخ وأنه المفتاح الذي بين أيدينا كي نفهم ونعي ماضينا ونعي دروسه وتجاربه وعبره، وبالتالي نؤثر في حاضرنا ولا نكتفي بالجلوس في مقاعد المتفرجين".
حركة الجهاد الإسلامي لم تقزم وتحجّم نفسها في إطار فلسطين فحسب، بل تابعت كل مشكلات وهموم وقضايا الوطن الإسلامي، على اعتبار أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وأن الوطن الإسلامي وطن واحد، وأن هذه الدول والحدود المصطنعة هي مؤقتة لأنها من صنع ووضع الاستعمار والإمبريالية، ويجب أن تزول حتى نعيد للأمة والوطن الإسلامي وحدته ولُحمته وتماسكه بإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
تناولت حركة الجهاد الإسلامي قضايا الفكر الإسلامي المعاصر برؤية إسلامية عصرية مستنيرة، بحيث ربطت بين القرآن والسنة من جهة، والواقع من جهة أخرى، ودرست (العقيدة والسيرة والحديث والتفسير والفقه) برؤية إسلامية منهجية تجديدية غير تقليدية، فتستطيع من خلال هذه الرؤية تفسير وتحليل ودراسة مشكلات الواقع الإسلامي وتقديم الحلول الإسلامية المناسبة بعيدة عن الشعارات الزائفة والبراقة، الخطابات العنترية التي لا تقدم حلا لمشكلات الوطن الإسلامي.
بمعنى آخر، إن حركة الجهاد الإسلامي ليست حركة "نصية" تتعامل بظاهر وجمود النص القرآني والحديث النبوي الشريف، ولم تكتف بتلاوة نصوص الآيات القرآنية وقراءة أحداث السيرة النبوية كقصص أو أحداث تاريخية جامدة (حدثت وانقضت)، بل حاولت أن تربطها بالواقع وتستلهم منها العبر والعظة، وأن تفسر مشكلات الواقع من خلال النص القرآني، ولم تناصب حركة الجهاد الإسلامي العداء للعلم والاجتهاد والإبداع كما هو الحال عند البعض!.
تميزت حركة الجهاد الإسلامي بالانفتاح على جميع التيارات الفكرية (الإسلامية، الوطنية، الديموقراطية، اليسارية) العاملة في المجتمع العربي عموما، إنطلاقا من قاعدة: (يجب أن تكون فلسطين هي نقطة الالتقاء بين كافة التيارات الفكرية والأيديولوجية، وبعد تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، تبدأ مسألة التنافس بين الأفكار والأيديولوجيات). على الرغم من ثبوت فشل أغلب الأيديولوجيات الأرضية، سواء الماركسية والشيوعية، أو العروبة والقومية والأممية.
جعلت حركة الجهاد الإسلامي من فلسطين قلب المشروع الحضاري ـ النهضوي للأمة الإسلامية، في الوقت الذي جعل فيه المشروع الصهيوني ـ الغربي من فلسطين رأس الحربة لتدمير وتفتيت وحدة الأمة والوطن الإسلامي. أي أن فلسطين تعتبر نقطة الارتكاز والانطلاق نحو نهضة وتطور الأمة والوطن الإسلامي، أو تدمير وتجزئة الأمة والوطن الإسلامي، ولذلك تعتبر "فلسطين قلب العالم"، إن كانت فلسطين تنعم بالاستقرار والأمن يعيش العالم كله في استقرار وأمن، وإن كانت فلسطين تكتوي بنار الحصار والتجويع وغياب الأمن والاستقرار فإن العالم كله يحرم من نعمة الأمن والاستقرار، وهناك الكثير من الأدلة والشواهد التي تدعم هذا القول.
على صعيد العلاقة مع التنظيمات والفصائل الفلسطينية، آمنت حركة الجهاد الإسلامي بأن أي خلاف بين فصيل فلسطيني وآخر لا يحل إلا من خلال قنوات الحوار السياسي والفكري، وأن العنف ليس له إلا وجهة واحدة هي "العدو الصهيوني".
وهذا لم يكن مجرد شعار ترفعه وتتغنى به حركة الجهاد الإسلامي، أو كلمات تلوكها الألسن عبر وسائل الإعلام، أو في الخطابات والمهرجانات واللقاءات العامة، إنما هو فكر وممارسة، عقيدة تربى عليها أبناء الجهاد الإسلامي؛ ينقلها السلف إلى الخلف. وليس أدل على صحة ذلك من العودة بالذاكرة إلى الوراء حيث البدايات الأولى لظهور الحركة وما لاقاه القادة والمؤسسون الأوائل للحركة من إخوتهم في حركة "حماس" سواء في المساجد أو في الجامعات أو الأماكن العامة، حيث الضرب والقذف ونشر الإشاعات والأباطيل والأكاذيب، ولم يدعوا وسيلة للتشهير والنَيل من حركة الجهاد الإسلامي إلا واتبعوها، في محاولة لثني الحركة عن النهج الذي اختطته لنفسها والذي كشف عورات وسوءات التيار الإسلامي التقليدي.
برأيك: ماذا كانت ردة فعل أبناء حركة الجهاد الإسلامي في حينه؟
كان لسان حالهم يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". كذلك في فترة الفلتان الأمني والفوضى العارمة التي اجتاحت المجتمع "الغزي" وبعض المناوشات التي دارت بين عناصر من "سرايا القدس" من جهة "وكتائب القسام والقوة التنفيذية" التابعة لحكومة حماس من جهة ثانية سواء في مسجد الرباط في غزة أو في مدينة رفح أو في محافظة خانيونس، سرعان ما طوقت قيادة حركة الجهاد الإسلامي هذه الأحداث لئلا تشتعل نيران الفتنة ويمتد لهيبها لأكثر من بقعة.
ليس هذا التصرف من باب الجبن والخوف والضعف، إنما هو تطبيق وممارسة فعلية لما نؤمن به: أن أي خلاف بين حركة الجهاد الإسلامي وأي من الفصائل الفلسطينية لا يحل إلا بالحوار السياسي والفكري، وأن العنف لا يوجه إلا للعدو الصهيوني. وهذا بالفعل ما كان، ففي الوقت الذي كان يقتل فيه الفلسطيني أخاه الفلسطيني برصاص فلسطيني، كانت حركة الجهاد الفلسطيني تصب جام غضبها وتطلق قذائفها ورصاصاتها صوب العدو الصهيوني، وتقول للمتناحرين هذه هي الوجهة الصحيحة التي يفترض أن توجهوا إليها رصاصاتكم وقذائفكم وألغامكم، لا صدور أبناء الشعب الفلسطيني وبيوتهم ومؤسساتهم!.
حركة الجهاد الإسلامي هي أوّل من استثمرت حدث انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية (1979) ودرستها برؤية منهجية ثورية، وحاولت الاستفادة من أنموذج الثورة الجماهيرية التي أسقطت نظام "الشاه" الموالي للعدو الصهيوني ولأمريكا، وعملت على تطبيقها في فلسطين، وبالفعل كانت حركة الجهاد الإسلامي هي المفجرة الأولى لثورة المساجد (6/10/1987)*، بحيث بقيت الحركة لمدة شهرين متتالين أي منذ (6/10-8/12/1987) هي التي تحرك الجماهير سواء من خلال المساجد أو الباحات العامة، وتخرج المسيرات وتوزع المنشورات وتقود الانتفاضة لوحدها، في حين كانت بقية الفصائل الفلسطينية تنظر وتراقب الحدث عن بُعد على اعتبار أنها مجرد مناوشات ستدوم لأسبوع أو أسبوعين ثم تنتهي، إلا أن الجماهير الفلسطينية كانت متعطشة لخطاب إسلامي ثوري، بعد أن فشلت كل التيارات الوطنية واليسارية في أطروحاتها، وتوجه منظمة التحرير نحو الانهزام والتفريط
والمفاوضات مع العدو الصهيوني، وما مشاركتها في فعاليات ثورة المساجد إلا لتحقيق مكاسب خاصة بها.
يحسب الفضل لحركة الجهاد الإسلامي بأنها هي الدافع الرئيسي والأساسي في ظهور حركة "حماس"، لأنه بعد أن ثبت صحة المنهج والطريق الذي اختطته حركة الجهاد الإسلامي لنفسها (المنهج الثوري)، وأن الجماهير التفت حول الخيار الإسلامي الثوري ، رأى "المجمع الإسلامي" ـ في حينه ـ أن هذه الحركة الوليدة ستشكل خطرا عليه وستسحب البساط من تحته، لذا يجب أن يتبنى المجمع الإسلامي ما نادت به حركة الجهاد الإسلامي من إحياء فريضة الجهاد حتى يبقى محافظا على مكانته وحضوره في المجتمع الفلسطيني، وعليه ظهر ما يسمى بحركة "حماس" التي تبنت العمل الجهادي ضد العدو الصهيوني.
بمعنى آخر لولا ظهور حركة الجهاد الإسلامي لما كان هناك شيء اسمه حماس، ولبقي الاسم الدارج "المجمع الإسلامي" الذي يعتني بالعمل الدعوي والإصلاحي والاجتماعي ـ الخيري فقط.
وهذا الشيء يجب أن نصرّح به ونعلنه دون وجل أو خجل، بل نعلنه وكلنا شموخ وعز وثقة، فيجب أن يعترف لكل ذي فضل فضله.
تلكم هي الصورة المشرقة ـ المضيئة لحركة الجهاد الإسلامي، وهذه هي أهم الميزات التي تمتعت وتحلت بها الحركة منذ اللحظات الأولى على ميلادها. ــــــــــــــــ
الآن وبعد مضي ما يقارب الثلاثة عقود على عمر الحركة، أين تقف الحركة من هذه المزايا؟، هل بقيت محافظة عليها ومتمسكة بها؟، هل انحرفت عن ثوابتها وتخلت عن المنهج الذي خطته لنفسها؟، هذا ما سنعرضه في الفقرات التالية.
حركة الجهاد الإسلامي اليوم:
في الحقيقة؛ حركة الجهاد الإسلامي مثلها كَمَثَل بقية الحركات الإسلامية والحركات الاجتماعية عموما، مرت بفترات إزدهار ونمو، وفترات ضمور وانكماش، وتراجع في بعض الأحيان، ولا أقصد هنا التراجع عن الثوابت والمبادئ والأسس التي وضعتها الحركة لنفسها وآمنت بها، إنما قصدت تقصير على صعيد الامتداد الجماهيري والفعاليات والأنشطة، والعمل الإعلامي، والتواصل الاجتماعي، والدعوي. على الرغم من ذلك يمكن أن يسجل في صالح الحركة وفي صفحات من نور، ويحق لها أن تفتخر بذلك، لما فيه من تأكيد على أنها لا زالت محافظة على الخيط الدقيق الذي يفصلها ويميزها عن بقية الحركات الإسلامية الفلسطينية.
وفيما يلي يمكن أن نرصد الآتي:
1. لازالت حركة الجهاد الإسلامي متمسكة بالثوابت والمبادئ والأسس الجليلة ـ العظيمة التي انطلقت من أجلها دون تحريف أو تبديل، لاسيما مبدئي (الجهاد كوسيلة للتحرير، والمطالبة بتحرير فلسطين؛ كامل فلسطين التاريخية، والوقوف بجانب الجماهير ومناصرة قضاياهم والتعبير عن همومهم ومشكلاتهم).
2. ما دنست حركة الجهاد الإسلامي سمعتها وتاريخها الجهادي "الناصع" بالمشاركة في سلطة الحكم الذاتي "الوهم"، أو خوض الانتخابات التشريعية في دورتيه (الأولى 1996، والثانية 2006)، إيمانا منها بأن هذه الانتخابات وتلك السلطة إنما هو سقفها ويحكمها اتفاقية أوسلو، التي نرفضها جملا وتفصيلا، أو كما عبر عنها الأمين العام د. رمضان شلح، بأن اتفاقية أوسلو أشد خطرا على القضية الفلسطينية من نكبة الـ48، وهي (اتفاقية أوسلو) نكبة النكبة.
3. ما لوثت حركة الجهاد الإسلامي سلاحها المقاوم "المقدس" بالاشتراك في مظاهر الفلتان الأمني، والاقتتال الداخلي، وإراقة الدم الفلسطيني، أو الوقوف بجانب أي من طرفي النزاع المتناحرَين (فتح وحماس)، بل كانت دوما تنأى بنفسها عن الفتنة، تنادي بنَفَس الوحدة للحفاظ على سلامة وحدة وتماسك المجتمع الفلسطيني، ليكون أكثر صلابة وقوة ومتانة في مواجهة العدو الصهيوني.
4. كانت ولا تزال حركة الجهاد الإسلامي تعتبر صمام الأمان للمجتمع الفلسطيني، فهي تعمل جاهدة للحفاظ على وحدة وسلامة ولحمة الصف والمجتمع الفلسطيني، لئلا ينزلق إلى مزيد من التشظي والتمزق والانقسام، فهي لا زالت متمسكة بشعارها أن "الخلاف بين أي فصيل فلسطيني وآخر لا يحل إلا بالحوار السياسي والفكري، وأن العنف ليس له إلا وجهة واحدة هي العدو الصهيوني".
5. لازالت تتمتع حركة الجهاد الإسلامي بسعة الأفق وبعد النظر في التعامل مع القضايا الوطنية والإسلامية، وليس أدل على ذلك من الموقف الصائب الذي اتخذته فيما يتعلق بقضية الانتخابات التشريعية الثانية، وها نحن نجني ثمر مشاركة حركة حماس في تلك الانتخابات حيث (التشطير بين ضفة وغزة)، وعدم الأخذ بملاحظات وموقف الحركة من المشاركة في هذه الانتخابات التي هي صنيعة أوسلو.
تعليق