كانت" قريش" تغلي وعلى رأسها "أبو سفيان "وكيف لا يفعل وقد هاجر "محمد بن عبد الله" من مكة إلى المدينة وأفلت من قبضته..
ولكن "لا ..واللات والعزى لن أدعه أبداً يغنم بما فعله بآلهتنا وآلنا وقد صبأ من أهلنا من صبأ.." هكذا حتماً قال" أبو سفيان "لنفسه وهو يضرب بيده على المنضدة الصغيرة التي تراصت فوقها أقداح الخمر.
ولكن هناك.. في المدينة المنورة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله، يحمد الله على نعمته بأن منَّ عليه بالهجرة من مكة إلى المدينة ليجد الأنصار -من نصروا دين الله ونصروا نبيه- في استقباله وطوع أمره.
ولقرابة ستة أشهر راح النبي يرتب البيت من الداخل، واستطاع أن يؤاخي بين المهاجرين والأنصار قبل أن يفكر في تحقيق الدولة الإسلامية الوليدة ضد أعدائها وعلى رأسهم قريش التي تمثل أخطرهم آنذاك.
لذا فقد بدأت المناوشات بين الفريقين بعدد من السرايا التي سبقت غزوة بدر الكبرى والتي كان العامل المؤثر بها -بعد فضل الله وتوفيقه- رجال المخابرات..
مخابرات دولة الرسول.
* * *
مشكلة الكتب التي نشرت عن الجاسوسية عدم التجديد على مستوى الموضوع، فقد انحصرت في كونها كتب تتحدث عن الجاسوسية كعلم وفن عبر التاريخ، أو كتب تتحدث عن عمليات مخابراتية تم كشف النقاب عنها..، ناهيك عن أدب الجاسوسية الذي يزخر بالعديد من القصص التي وجدت لنفسها مكاناً في عقل ووجدان القارئ العربي منذ "ماهر عبد الحميد" ومروراً بـ"صالح مرسي" وصولاً إلى د. "نبيل فاروق".
ولكن "محمد الشافعي" حاول أن يجد مجالاً جديداً على مستوى موضوعات الجاسوسية في كتابه "مخابرات دولة الرسول" الذي تعد أشهر طبعاته وأكثرها نجاحاً هي الصادرة عام 2001 عن مكتبة الأسرة..، فهو يؤكد على كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجل مخابرات فذ استناداً على "بشريته" وعبقريته البشرية والعسكرية التي جعلت "مايكل هارت" يختاره كأعظم البشر في دراسته "الخالدون مائة أعظمهم محمد".
وفي "مخابرات دولة الرسول" نجد محاولة لسرد أهم "عمليات المخابرات" بمفهومها الحديث والتي قام بها الرسول وصحابته قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة فالكاتب يعتبر أن "عملية" هجرة الرسول من مكة إلى المدينة إحدى أعظم عمليات المخابرات في العالم فإذا كان جوهر عمليات المخابرات هو السرية التامة ثم الحرص على معرفة أكبر قدر من المعلومات وخطط الخصم وأخيراً عمليات التمويه والخداع التكتيكي حتى يبني الخصم خططاً وهمية ليس لفاعليتها وجود إلا في ذهنه، فإن ذلك تقريباً ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء الأمر الإلهي بالهجرة إلى الرسول فتوجه إلى أبي بكر -رضي الله عنه- وطلب منه أن يصحبه في هجرته بعد أن أعد العدة لذلك، فقد أعد أبو بكر راحلتيه ودفعهما إلى "عبد الله بن أريقط" -أحد أمهر الأدلاء- ليرعاهما حتى تحين "لحظة الصفر"، وكان كل فرد يحفظ دوره فقط عملاً بمبدأ "المعرفة قدر الحاجة" كما نعرفه اليوم في عالم المخابرات، وفي ليلة الهجرة -وليس قبلها- أسر الرسول إلى علي بن أبي طالب أن يتسجى برده الحضرمي الأخضر "أي يدثر نفسه بغطاء النبي" وأن ينام في فراشه في عملية "تمويه" متميزة لم ينتظرها كفار قريش الذين تجمعوا حول بيت النبي يريدون قتله بضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه بين القبائل.
ورغم أننا لا يمكن أن نغفل أبداً "العامل الإلهي" في "عملية" الهجرة فإننا أيضاً يجب ألا نقلل من قيمة العامل البشري الذي استثمر "أسباب الله" أفضل استثمار فحصل على أعظم النتائج.
"عين النبي"
ويمكن اعتبار "عبد الله بن أبي بكر" رضى الله عنهما أحد أهم "عيون" النبي في تاريخ مخابرات دولة الرسول فقد كان يقضي نهاره بين قريش يستمع إلى ما يتآمر المشركون عليه ضد الرسول وأبي بكر ليذهب ليلاً إلى النبي وأبيه ويقص عليهما ما سمعه وكانت "أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين تحمل إليهما الطعام ويمحو "عامر بن فهير" مولاهم آثارها وآثار أخيها بالغنم الذي يرعاه ليكونوا بذلك أول كتيبة مخابرات في الإسلام.