كلمات في جريمة الصبرة ( رؤية شرعية ) ... للشيخ عبد العزيز شاكر
--------------------------------------------------------------------------------
--------
كلمات في جريمة الصبرة ... ( رؤية شرعية )
للشيخ عبد العزيز شاكر
بسم الله الرحمن الرحيم
وردتني رسائلُ عِدةٌ فيها أسئلةٌ مَدارُها على ما حصل في غزَّةَ، فقصدتُ في هذه الأسطرِ إلى ذِكرِ ما حَصَل وحكمِ الشرعِ فيه، وما في ذلك مِن العبر، وإلى كتابةِ نصيحةٍ إلى إخواني مِمَّن نقموا على حماس ما فعلتْه؛ لما في موقفِهم من التجاوزِ الذي لا يجوزُ شرعًا، وقد كتبتُ هذا براءةً إلى اللهِ مِن كلِّ فعلٍ أو قولٍ خالف الشَّرعَ في ذلك الاقتتال الذي حصل وما عقبه من تعليقاتٍ ومواقفَ، وإنني عالمٌ أنَّ كلامي سيُنكرُه كثيرٌ مِن الناسِ، وربَّما طالَ الكاتبَ تُهَمٌ، إلا أنَّ بيانِ الحقِّ، وإبراءَ الذمةِ، أحبُّ مِن رضا النَّاسِ وثنائهم.
وقد تناولتُ المسائل بإيجازٍ يناسب المقامَ؛ فإنه مقامُ تنبيهٍ وتذكيرٍ، وليس مقامَ شرحٍ وتطويل.
فأسأل اللهَ السَّدادَ، وأقولُ ومِن اللهِ التوفيقُ:
المقدِّمةُ الأولى: إنَّ العدلَ والشَّرعَ يقضي بأن لا نحكمَ بشهادةِ امرئٍ على خصمِه، ولا نسمعَ مِن طرفٍ بإهمالِ قولِ الآخر ووصفِه لما حدث، إلا ما بان كذبُه، وظهرَ زيفُه مِن الدعاوى، ولهذا سأعرِضُ عَن كثيرٍ مِن الرواياتِ المكذوبةِ، أو الظنون والتخرُّصاتِ التي لا دليل عليها ظاهرٌ يُبنى عليه شيءٌ، وتطمئنُّ النفسُ إليه، وهذا الضربُ موجودٌ في رواياتِ كلا الفريقين، فمِن أنصارِ حماس مَن يزعم أن تلك الثلة المستهدفة ليست مِن جيش الإسلام، وأنَّها مِن السُّرَّاقِ وتُجَّارِ المخدِّراتِ مِن آل دغمش، وأنَّهم يتعاونون مع فتح، ومِن أنصارِ جيشِ الإسلامِ مَن يزعمُ أنَّ حماسًا قاتلتهم تنفيذًا لأوامرَ اليهودِ والمخابرات العربيةِ، وقيل نحوُ ذلك مِمَّا نجزم بأنَّ بعضَه مفترى مكذوبٌ ظهر زيفُه مِن قبل بالدلائل، وأحسنُه حالاً ما هو دعوى مجردة عن الدليل، فلا يجوز قبولها، خصوصًا ما كان تخرُّصًا مِن قائله وليس نقلاً لما رأى.
وما حصل حادثتان:
الأولى: أنَّ شرطيًّا قدم إلى جميل دغمش لأسرِه في مكانٍ خارجَ حيِّه –قيل في مقر عمله وقيل غير ذلك- ، فقاومَه جميل بالسلاح؛ فقتله، وأصابه شرطيًّا آخر. والرواية الأخرى لهذه الحادثة: أن مَن قتل الشرطيَّ هم حرس البلدية لما رأوا الشرطة –وكانوا بملابس مدنية- يريدون الاعتداء على جميل، لجهلهم بأن أولئك كانوا من الشرطة. وسأعتمد الرواية الأولى مع أنها رواية أنصار حماس؛ لبيان أن روايتَهم للحادثة لا يلزم منها صحة حُكمهم عليها.
الثانية: محاصرة حماس للإخوة في حيِّ الصبرة، ورميهم بالقذائف والرصاص المكثف لساعات، وبعد قتل بعضِهم وأسرِ بعضِهم مصابين، قاموا بقتل الأسرى إعدامًا بعد التنكيل بهم بإطلاق الرصاص على مفصلي الركبتين. وقاموا بسحب جميل إلى بيت الشرطي المقتول وقتلوه هناك، ومثلوا بجسده بعد مقتله بإطلاق الرصاص المكثف عليه.
وهذا المذكور ثابتٌ بالتسجيلات التي انتشرت، وبرواية جيش الإسلام، وبشهادة بعض الإخوة مِن أفاضل حماس، وبإقرار كثير من المنتسبين إلى حماس لهذه الأفعال وثنائهم عليها وتشفيهم في القتلى.
وأما ما انفرد بذكره الإخوة في جيش الإسلام فقد أعرضتُ عن ذِكرِه ولو كان قد صحَّ عندي.
المقدِّمةُ الثانية: كثيرٌ مِن أنصارِ حماسِ يعتبر قادةَ حماس ولاةَ أمرٍ شرعيين لغزةَ، يجب الدخولُ في طاعتهم، وعليه: فإنَّ لها الحقَّ في اعتقال مَن شاءت، ولا يجوزُ لأحدٍ الامتناع عن تسليمِ نفسِه لها إذا طلبتْه، ومَن امتنع عن ذلك، أو خالف أوامرهم، فإنَّه باغٍ أو خارجيٌّ كما زعم بعضُ الناس.
ولهم في إثبات ولاية حماس طريقتان:
الأولى: أنَّها حكومة منتخبة من الشعب الفلسطيني.
والثانية: أنَّها قد تغلَّبت على غزة، وحكمتها بالقوة، ومعلومٌ أنَّ المسلمَ إذا تغلبَ على الحكم صار إمامًا ولو لم يبايعه الناس ابتداءً.
وهذا التقريرُ غلطٌ لا يصحُّ شرعًا، ولا يقرُّ به إخوانُنا في جيش الإسلام. وقبل بيانِ وجه كونِه غلطًا أبيِّنُ أمرين:
الأول: أنَّ عدمَ اعتبار لقادة حماس ولاية شرعية على غزة لا يلزم منه تكفيرهم كما زعم بعضُهم، بل يُتصوَّرُ في الحاكم أن لا تكون ولايته شرعية مع كونِه مسلمًا صحيح الإسلام، كأن يطرأ عليه عمى أو فسق عند من يشترط ضِد ذلك لاستدامةِ الإمامة.
الثاني: أنَّ قولَنا إن حماسًا لا ولاية لها شرعية على غزة لا يلزم مِنه أننا نحرِّضُ إخواننا على معصيةِ أوامرها ومخالفة سياساتها، بل إننا نحضُّ إخواننا على طاعتها في السياسات العامَّة التي لا تخالف الشرع، كالنُّظم الإدارية، والهدنة مع العدوِّ، وتقسيم المناطق القتالية في حال عادت حماس إلى الجهاد، وليس هذا مِن باب طاعة الأمير الواجبة، وإنما هو مِن باب السياسةِ الشرعية، وجمع الكلمة، ومنع الفتن بين المسلمين، فإنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد مِن أعظم مقاصد الشريعة، والائتلاف وجمع الكلمة مما أمر به الشرع. وهذا محلُّه ما لا يخالف الشرع، وأما معصيةُ اللهِ فلا طاعة لأحدٍ فيها ولو كانت ولايتُه شرعيةً راشدةً.
وأما زعمُهم أنَّ لحماس ولايةً شرعية بحجةِ انتخابِ الشَّعبِ لها، فهو باطلٌ؛ فإنَّ هذا ليس من الطرقِ الشرعيةِ للولايةِ اللازمِ الإقرارُ بها، بل هو مُلزمٌ قانونًا، والقوانين الوضعيةُ لا عبرةَ بها شرعًا؛ فما تُلزِم به لا يُلزِمُ به الشَّرعُ، وليس هذا الانتخابُ الديموقراطي مِن الشورى في شيء؛ فإنَّ الشورى تكون بين أهل الحلِّ والعقدِ مِن أهلِ العلمِ والمعرفةِ، ولا تكون لعامَّةِ النَّاسِ، وتكون للاختيار بين مَن تحققت فيهم شروط الإمامةِ الشرعية خاصة.
وعلى القولِ بأنَّ الانتخابَ بصورتِه هذه جائزٌ شرعًا، فإنَّ حماسًا لم تُنتَخَب إمارةً ولم تعط الولايةَ كما هي شرعًا، بل ولايتُها التي اكتسبتها -بالقانون الوضعي- بأصواتِ الناس هي حكومةٌ مؤقَّتةٌ غير مستقلةٍ، فهي محدودةٌ مِن حيث الوقتِ بموعدِ الدورةِ الانتخابيةِ القادمةِ، وهي محدودةٌ مِن حيث السُّلطةِ بتبعيِّتها للسلطةِ الفلسطينية ورئيسِها الكافر عباس، فالنَّاسُ إنما انتخبوها بهذا الاعتبارِ لا باعتبارِها إمارةً مطلقةً. وحماسُ نفسُها ما زالت تدور في هذا الفلك وتسعى إلى الوحدةِ الوطنيةِ، وما زالت تسمي الكافر عباسًا رئيسَ فلسطين.
وأمَّا التغلُّبُ على بلدٍ فإنَّه يوجِبُ طاعةَ المتغلِّبِ ويُكسبه الإمامةَ الشرعيةَ ولو كان ظالمًا في تغلُّبِه هذا، إلا أنَّ ذلك – عند مَن يقول به من العلماء- مقيَّدٌ بشروطٍ وليس على إطلاقِه، فإنَّ الإمارةَ لو ثبتت بإحدى الطرقِ الشرعيةِ لثبوتِ الإمارة (الاستخلاف، والشورى، والتغلب على قولٍ، والانتخاب كما زعموا) فإنَّ للإمارةِ شروطًا لا تثبتُ بدونِها ولو كانت طريقةُ التنصيبِ شرعيةً مِن حيث هي طريقةُ وصولٍ إلى الحكم.
ومثال ذلك: لو استخلف إمام المسلمين كافرًا، أو اختاره القومُ شورى، أو تغلَّب على بلدٍ، لم تثبت له الإمامة الشرعية، ولم يجز مبايعتُه، ولم تلزم طاعتُه شرعًا، لأنَّه مفتقدٌ لشرطِ الإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
--------
كلمات في جريمة الصبرة ... ( رؤية شرعية )
للشيخ عبد العزيز شاكر
بسم الله الرحمن الرحيم
وردتني رسائلُ عِدةٌ فيها أسئلةٌ مَدارُها على ما حصل في غزَّةَ، فقصدتُ في هذه الأسطرِ إلى ذِكرِ ما حَصَل وحكمِ الشرعِ فيه، وما في ذلك مِن العبر، وإلى كتابةِ نصيحةٍ إلى إخواني مِمَّن نقموا على حماس ما فعلتْه؛ لما في موقفِهم من التجاوزِ الذي لا يجوزُ شرعًا، وقد كتبتُ هذا براءةً إلى اللهِ مِن كلِّ فعلٍ أو قولٍ خالف الشَّرعَ في ذلك الاقتتال الذي حصل وما عقبه من تعليقاتٍ ومواقفَ، وإنني عالمٌ أنَّ كلامي سيُنكرُه كثيرٌ مِن الناسِ، وربَّما طالَ الكاتبَ تُهَمٌ، إلا أنَّ بيانِ الحقِّ، وإبراءَ الذمةِ، أحبُّ مِن رضا النَّاسِ وثنائهم.
وقد تناولتُ المسائل بإيجازٍ يناسب المقامَ؛ فإنه مقامُ تنبيهٍ وتذكيرٍ، وليس مقامَ شرحٍ وتطويل.
فأسأل اللهَ السَّدادَ، وأقولُ ومِن اللهِ التوفيقُ:
المقدِّمةُ الأولى: إنَّ العدلَ والشَّرعَ يقضي بأن لا نحكمَ بشهادةِ امرئٍ على خصمِه، ولا نسمعَ مِن طرفٍ بإهمالِ قولِ الآخر ووصفِه لما حدث، إلا ما بان كذبُه، وظهرَ زيفُه مِن الدعاوى، ولهذا سأعرِضُ عَن كثيرٍ مِن الرواياتِ المكذوبةِ، أو الظنون والتخرُّصاتِ التي لا دليل عليها ظاهرٌ يُبنى عليه شيءٌ، وتطمئنُّ النفسُ إليه، وهذا الضربُ موجودٌ في رواياتِ كلا الفريقين، فمِن أنصارِ حماس مَن يزعم أن تلك الثلة المستهدفة ليست مِن جيش الإسلام، وأنَّها مِن السُّرَّاقِ وتُجَّارِ المخدِّراتِ مِن آل دغمش، وأنَّهم يتعاونون مع فتح، ومِن أنصارِ جيشِ الإسلامِ مَن يزعمُ أنَّ حماسًا قاتلتهم تنفيذًا لأوامرَ اليهودِ والمخابرات العربيةِ، وقيل نحوُ ذلك مِمَّا نجزم بأنَّ بعضَه مفترى مكذوبٌ ظهر زيفُه مِن قبل بالدلائل، وأحسنُه حالاً ما هو دعوى مجردة عن الدليل، فلا يجوز قبولها، خصوصًا ما كان تخرُّصًا مِن قائله وليس نقلاً لما رأى.
وما حصل حادثتان:
الأولى: أنَّ شرطيًّا قدم إلى جميل دغمش لأسرِه في مكانٍ خارجَ حيِّه –قيل في مقر عمله وقيل غير ذلك- ، فقاومَه جميل بالسلاح؛ فقتله، وأصابه شرطيًّا آخر. والرواية الأخرى لهذه الحادثة: أن مَن قتل الشرطيَّ هم حرس البلدية لما رأوا الشرطة –وكانوا بملابس مدنية- يريدون الاعتداء على جميل، لجهلهم بأن أولئك كانوا من الشرطة. وسأعتمد الرواية الأولى مع أنها رواية أنصار حماس؛ لبيان أن روايتَهم للحادثة لا يلزم منها صحة حُكمهم عليها.
الثانية: محاصرة حماس للإخوة في حيِّ الصبرة، ورميهم بالقذائف والرصاص المكثف لساعات، وبعد قتل بعضِهم وأسرِ بعضِهم مصابين، قاموا بقتل الأسرى إعدامًا بعد التنكيل بهم بإطلاق الرصاص على مفصلي الركبتين. وقاموا بسحب جميل إلى بيت الشرطي المقتول وقتلوه هناك، ومثلوا بجسده بعد مقتله بإطلاق الرصاص المكثف عليه.
وهذا المذكور ثابتٌ بالتسجيلات التي انتشرت، وبرواية جيش الإسلام، وبشهادة بعض الإخوة مِن أفاضل حماس، وبإقرار كثير من المنتسبين إلى حماس لهذه الأفعال وثنائهم عليها وتشفيهم في القتلى.
وأما ما انفرد بذكره الإخوة في جيش الإسلام فقد أعرضتُ عن ذِكرِه ولو كان قد صحَّ عندي.
المقدِّمةُ الثانية: كثيرٌ مِن أنصارِ حماسِ يعتبر قادةَ حماس ولاةَ أمرٍ شرعيين لغزةَ، يجب الدخولُ في طاعتهم، وعليه: فإنَّ لها الحقَّ في اعتقال مَن شاءت، ولا يجوزُ لأحدٍ الامتناع عن تسليمِ نفسِه لها إذا طلبتْه، ومَن امتنع عن ذلك، أو خالف أوامرهم، فإنَّه باغٍ أو خارجيٌّ كما زعم بعضُ الناس.
ولهم في إثبات ولاية حماس طريقتان:
الأولى: أنَّها حكومة منتخبة من الشعب الفلسطيني.
والثانية: أنَّها قد تغلَّبت على غزة، وحكمتها بالقوة، ومعلومٌ أنَّ المسلمَ إذا تغلبَ على الحكم صار إمامًا ولو لم يبايعه الناس ابتداءً.
وهذا التقريرُ غلطٌ لا يصحُّ شرعًا، ولا يقرُّ به إخوانُنا في جيش الإسلام. وقبل بيانِ وجه كونِه غلطًا أبيِّنُ أمرين:
الأول: أنَّ عدمَ اعتبار لقادة حماس ولاية شرعية على غزة لا يلزم منه تكفيرهم كما زعم بعضُهم، بل يُتصوَّرُ في الحاكم أن لا تكون ولايته شرعية مع كونِه مسلمًا صحيح الإسلام، كأن يطرأ عليه عمى أو فسق عند من يشترط ضِد ذلك لاستدامةِ الإمامة.
الثاني: أنَّ قولَنا إن حماسًا لا ولاية لها شرعية على غزة لا يلزم مِنه أننا نحرِّضُ إخواننا على معصيةِ أوامرها ومخالفة سياساتها، بل إننا نحضُّ إخواننا على طاعتها في السياسات العامَّة التي لا تخالف الشرع، كالنُّظم الإدارية، والهدنة مع العدوِّ، وتقسيم المناطق القتالية في حال عادت حماس إلى الجهاد، وليس هذا مِن باب طاعة الأمير الواجبة، وإنما هو مِن باب السياسةِ الشرعية، وجمع الكلمة، ومنع الفتن بين المسلمين، فإنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد مِن أعظم مقاصد الشريعة، والائتلاف وجمع الكلمة مما أمر به الشرع. وهذا محلُّه ما لا يخالف الشرع، وأما معصيةُ اللهِ فلا طاعة لأحدٍ فيها ولو كانت ولايتُه شرعيةً راشدةً.
وأما زعمُهم أنَّ لحماس ولايةً شرعية بحجةِ انتخابِ الشَّعبِ لها، فهو باطلٌ؛ فإنَّ هذا ليس من الطرقِ الشرعيةِ للولايةِ اللازمِ الإقرارُ بها، بل هو مُلزمٌ قانونًا، والقوانين الوضعيةُ لا عبرةَ بها شرعًا؛ فما تُلزِم به لا يُلزِمُ به الشَّرعُ، وليس هذا الانتخابُ الديموقراطي مِن الشورى في شيء؛ فإنَّ الشورى تكون بين أهل الحلِّ والعقدِ مِن أهلِ العلمِ والمعرفةِ، ولا تكون لعامَّةِ النَّاسِ، وتكون للاختيار بين مَن تحققت فيهم شروط الإمامةِ الشرعية خاصة.
وعلى القولِ بأنَّ الانتخابَ بصورتِه هذه جائزٌ شرعًا، فإنَّ حماسًا لم تُنتَخَب إمارةً ولم تعط الولايةَ كما هي شرعًا، بل ولايتُها التي اكتسبتها -بالقانون الوضعي- بأصواتِ الناس هي حكومةٌ مؤقَّتةٌ غير مستقلةٍ، فهي محدودةٌ مِن حيث الوقتِ بموعدِ الدورةِ الانتخابيةِ القادمةِ، وهي محدودةٌ مِن حيث السُّلطةِ بتبعيِّتها للسلطةِ الفلسطينية ورئيسِها الكافر عباس، فالنَّاسُ إنما انتخبوها بهذا الاعتبارِ لا باعتبارِها إمارةً مطلقةً. وحماسُ نفسُها ما زالت تدور في هذا الفلك وتسعى إلى الوحدةِ الوطنيةِ، وما زالت تسمي الكافر عباسًا رئيسَ فلسطين.
وأمَّا التغلُّبُ على بلدٍ فإنَّه يوجِبُ طاعةَ المتغلِّبِ ويُكسبه الإمامةَ الشرعيةَ ولو كان ظالمًا في تغلُّبِه هذا، إلا أنَّ ذلك – عند مَن يقول به من العلماء- مقيَّدٌ بشروطٍ وليس على إطلاقِه، فإنَّ الإمارةَ لو ثبتت بإحدى الطرقِ الشرعيةِ لثبوتِ الإمارة (الاستخلاف، والشورى، والتغلب على قولٍ، والانتخاب كما زعموا) فإنَّ للإمارةِ شروطًا لا تثبتُ بدونِها ولو كانت طريقةُ التنصيبِ شرعيةً مِن حيث هي طريقةُ وصولٍ إلى الحكم.
ومثال ذلك: لو استخلف إمام المسلمين كافرًا، أو اختاره القومُ شورى، أو تغلَّب على بلدٍ، لم تثبت له الإمامة الشرعية، ولم يجز مبايعتُه، ولم تلزم طاعتُه شرعًا، لأنَّه مفتقدٌ لشرطِ الإسلام.
تعليق