إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كلمات في جريمة الصبرة ( رؤية شرعية ) ... للشيخ عبد العزيز شاكر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كلمات في جريمة الصبرة ( رؤية شرعية ) ... للشيخ عبد العزيز شاكر

    كلمات في جريمة الصبرة ( رؤية شرعية ) ... للشيخ عبد العزيز شاكر

    --------------------------------------------------------------------------------

    --------



    كلمات في جريمة الصبرة ... ( رؤية شرعية )

    للشيخ عبد العزيز شاكر



    بسم الله الرحمن الرحيم


    وردتني رسائلُ عِدةٌ فيها أسئلةٌ مَدارُها على ما حصل في غزَّةَ، فقصدتُ في هذه الأسطرِ إلى ذِكرِ ما حَصَل وحكمِ الشرعِ فيه، وما في ذلك مِن العبر، وإلى كتابةِ نصيحةٍ إلى إخواني مِمَّن نقموا على حماس ما فعلتْه؛ لما في موقفِهم من التجاوزِ الذي لا يجوزُ شرعًا، وقد كتبتُ هذا براءةً إلى اللهِ مِن كلِّ فعلٍ أو قولٍ خالف الشَّرعَ في ذلك الاقتتال الذي حصل وما عقبه من تعليقاتٍ ومواقفَ، وإنني عالمٌ أنَّ كلامي سيُنكرُه كثيرٌ مِن الناسِ، وربَّما طالَ الكاتبَ تُهَمٌ، إلا أنَّ بيانِ الحقِّ، وإبراءَ الذمةِ، أحبُّ مِن رضا النَّاسِ وثنائهم.
    وقد تناولتُ المسائل بإيجازٍ يناسب المقامَ؛ فإنه مقامُ تنبيهٍ وتذكيرٍ، وليس مقامَ شرحٍ وتطويل.
    فأسأل اللهَ السَّدادَ، وأقولُ ومِن اللهِ التوفيقُ:


    المقدِّمةُ الأولى: إنَّ العدلَ والشَّرعَ يقضي بأن لا نحكمَ بشهادةِ امرئٍ على خصمِه، ولا نسمعَ مِن طرفٍ بإهمالِ قولِ الآخر ووصفِه لما حدث، إلا ما بان كذبُه، وظهرَ زيفُه مِن الدعاوى، ولهذا سأعرِضُ عَن كثيرٍ مِن الرواياتِ المكذوبةِ، أو الظنون والتخرُّصاتِ التي لا دليل عليها ظاهرٌ يُبنى عليه شيءٌ، وتطمئنُّ النفسُ إليه، وهذا الضربُ موجودٌ في رواياتِ كلا الفريقين، فمِن أنصارِ حماس مَن يزعم أن تلك الثلة المستهدفة ليست مِن جيش الإسلام، وأنَّها مِن السُّرَّاقِ وتُجَّارِ المخدِّراتِ مِن آل دغمش، وأنَّهم يتعاونون مع فتح، ومِن أنصارِ جيشِ الإسلامِ مَن يزعمُ أنَّ حماسًا قاتلتهم تنفيذًا لأوامرَ اليهودِ والمخابرات العربيةِ، وقيل نحوُ ذلك مِمَّا نجزم بأنَّ بعضَه مفترى مكذوبٌ ظهر زيفُه مِن قبل بالدلائل، وأحسنُه حالاً ما هو دعوى مجردة عن الدليل، فلا يجوز قبولها، خصوصًا ما كان تخرُّصًا مِن قائله وليس نقلاً لما رأى.


    وما حصل حادثتان:
    الأولى: أنَّ شرطيًّا قدم إلى جميل دغمش لأسرِه في مكانٍ خارجَ حيِّه –قيل في مقر عمله وقيل غير ذلك- ، فقاومَه جميل بالسلاح؛ فقتله، وأصابه شرطيًّا آخر. والرواية الأخرى لهذه الحادثة: أن مَن قتل الشرطيَّ هم حرس البلدية لما رأوا الشرطة –وكانوا بملابس مدنية- يريدون الاعتداء على جميل، لجهلهم بأن أولئك كانوا من الشرطة. وسأعتمد الرواية الأولى مع أنها رواية أنصار حماس؛ لبيان أن روايتَهم للحادثة لا يلزم منها صحة حُكمهم عليها.
    الثانية: محاصرة حماس للإخوة في حيِّ الصبرة، ورميهم بالقذائف والرصاص المكثف لساعات، وبعد قتل بعضِهم وأسرِ بعضِهم مصابين، قاموا بقتل الأسرى إعدامًا بعد التنكيل بهم بإطلاق الرصاص على مفصلي الركبتين. وقاموا بسحب جميل إلى بيت الشرطي المقتول وقتلوه هناك، ومثلوا بجسده بعد مقتله بإطلاق الرصاص المكثف عليه.


    وهذا المذكور ثابتٌ بالتسجيلات التي انتشرت، وبرواية جيش الإسلام، وبشهادة بعض الإخوة مِن أفاضل حماس، وبإقرار كثير من المنتسبين إلى حماس لهذه الأفعال وثنائهم عليها وتشفيهم في القتلى.

    وأما ما انفرد بذكره الإخوة في جيش الإسلام فقد أعرضتُ عن ذِكرِه ولو كان قد صحَّ عندي.



    المقدِّمةُ الثانية: كثيرٌ مِن أنصارِ حماسِ يعتبر قادةَ حماس ولاةَ أمرٍ شرعيين لغزةَ، يجب الدخولُ في طاعتهم، وعليه: فإنَّ لها الحقَّ في اعتقال مَن شاءت، ولا يجوزُ لأحدٍ الامتناع عن تسليمِ نفسِه لها إذا طلبتْه، ومَن امتنع عن ذلك، أو خالف أوامرهم، فإنَّه باغٍ أو خارجيٌّ كما زعم بعضُ الناس.
    ولهم في إثبات ولاية حماس طريقتان:
    الأولى: أنَّها حكومة منتخبة من الشعب الفلسطيني.
    والثانية: أنَّها قد تغلَّبت على غزة، وحكمتها بالقوة، ومعلومٌ أنَّ المسلمَ إذا تغلبَ على الحكم صار إمامًا ولو لم يبايعه الناس ابتداءً.
    وهذا التقريرُ غلطٌ لا يصحُّ شرعًا، ولا يقرُّ به إخوانُنا في جيش الإسلام. وقبل بيانِ وجه كونِه غلطًا أبيِّنُ أمرين:


    الأول: أنَّ عدمَ اعتبار لقادة حماس ولاية شرعية على غزة لا يلزم منه تكفيرهم كما زعم بعضُهم، بل يُتصوَّرُ في الحاكم أن لا تكون ولايته شرعية مع كونِه مسلمًا صحيح الإسلام، كأن يطرأ عليه عمى أو فسق عند من يشترط ضِد ذلك لاستدامةِ الإمامة.


    الثاني: أنَّ قولَنا إن حماسًا لا ولاية لها شرعية على غزة لا يلزم مِنه أننا نحرِّضُ إخواننا على معصيةِ أوامرها ومخالفة سياساتها، بل إننا نحضُّ إخواننا على طاعتها في السياسات العامَّة التي لا تخالف الشرع، كالنُّظم الإدارية، والهدنة مع العدوِّ، وتقسيم المناطق القتالية في حال عادت حماس إلى الجهاد، وليس هذا مِن باب طاعة الأمير الواجبة، وإنما هو مِن باب السياسةِ الشرعية، وجمع الكلمة، ومنع الفتن بين المسلمين، فإنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد مِن أعظم مقاصد الشريعة، والائتلاف وجمع الكلمة مما أمر به الشرع. وهذا محلُّه ما لا يخالف الشرع، وأما معصيةُ اللهِ فلا طاعة لأحدٍ فيها ولو كانت ولايتُه شرعيةً راشدةً.


    وأما زعمُهم أنَّ لحماس ولايةً شرعية بحجةِ انتخابِ الشَّعبِ لها، فهو باطلٌ؛ فإنَّ هذا ليس من الطرقِ الشرعيةِ للولايةِ اللازمِ الإقرارُ بها، بل هو مُلزمٌ قانونًا، والقوانين الوضعيةُ لا عبرةَ بها شرعًا؛ فما تُلزِم به لا يُلزِمُ به الشَّرعُ، وليس هذا الانتخابُ الديموقراطي مِن الشورى في شيء؛ فإنَّ الشورى تكون بين أهل الحلِّ والعقدِ مِن أهلِ العلمِ والمعرفةِ، ولا تكون لعامَّةِ النَّاسِ، وتكون للاختيار بين مَن تحققت فيهم شروط الإمامةِ الشرعية خاصة.


    وعلى القولِ بأنَّ الانتخابَ بصورتِه هذه جائزٌ شرعًا، فإنَّ حماسًا لم تُنتَخَب إمارةً ولم تعط الولايةَ كما هي شرعًا، بل ولايتُها التي اكتسبتها -بالقانون الوضعي- بأصواتِ الناس هي حكومةٌ مؤقَّتةٌ غير مستقلةٍ، فهي محدودةٌ مِن حيث الوقتِ بموعدِ الدورةِ الانتخابيةِ القادمةِ، وهي محدودةٌ مِن حيث السُّلطةِ بتبعيِّتها للسلطةِ الفلسطينية ورئيسِها الكافر عباس، فالنَّاسُ إنما انتخبوها بهذا الاعتبارِ لا باعتبارِها إمارةً مطلقةً. وحماسُ نفسُها ما زالت تدور في هذا الفلك وتسعى إلى الوحدةِ الوطنيةِ، وما زالت تسمي الكافر عباسًا رئيسَ فلسطين.


    وأمَّا التغلُّبُ على بلدٍ فإنَّه يوجِبُ طاعةَ المتغلِّبِ ويُكسبه الإمامةَ الشرعيةَ ولو كان ظالمًا في تغلُّبِه هذا، إلا أنَّ ذلك – عند مَن يقول به من العلماء- مقيَّدٌ بشروطٍ وليس على إطلاقِه، فإنَّ الإمارةَ لو ثبتت بإحدى الطرقِ الشرعيةِ لثبوتِ الإمارة (الاستخلاف، والشورى، والتغلب على قولٍ، والانتخاب كما زعموا) فإنَّ للإمارةِ شروطًا لا تثبتُ بدونِها ولو كانت طريقةُ التنصيبِ شرعيةً مِن حيث هي طريقةُ وصولٍ إلى الحكم.


    ومثال ذلك: لو استخلف إمام المسلمين كافرًا، أو اختاره القومُ شورى، أو تغلَّب على بلدٍ، لم تثبت له الإمامة الشرعية، ولم يجز مبايعتُه، ولم تلزم طاعتُه شرعًا، لأنَّه مفتقدٌ لشرطِ الإسلام.

  • #2
    إذا فُهِمَ هذا فقد فُهِمَ وجهُ بطلانِ ولايةِ حماسٍ شرعًا، فإنَّ مِن أعظمِ شروطِ الولايةِ الشرعية وأهمِّ مقاصدِها أن يقيمَ الإمامُ الدِّينَ ويَحكمَ بكتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه –صلى الله عليه وسلم- ، ففي صحيح البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هذا الأمرَ [أي الحُكمَ] في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبَّه اللهُ في النارِ على وجهِه، ما أقاموا الدين) مفهومُه: أنَّ الإمام الذي لا يُقيم الدِّينَ فليست إمامتُه شرعيةً؛ فليس له على الناس ولاية ولا طاعة.


    وفي صحيح مسلم عن يحيى بن حصين عن جدَّتِه أمِّ الحصين الأحمسية أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إن أُمِّرَ عليكم عبدٌ مجدع -حسبتها قالت أسود- يقودُكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا) ولفظ أحمد: (فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله) ، ففي هذين الحديثين وغيرِهما مِن أدلةِ الشَّرعِ تعليقٌ لصحةِ الإمامةِ ووجوبِ السمع والطاعةِ على إقامةِ الدين، والحكمِ بكتابِ الله تعالى، فإذا عدل الحاكمُ عن الحكم به إلى غيرِه فقد بطلت إمامتُه، وانتفى وجوبُ طاعتِه، فإنَّ طاعتَه فرعٌ عن طاعتِه للهِ، وإنَّما وجبَت لكونِه حاكمًا بشرعِ اللهِ، كما في قولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) ، فإنَّ عدم تكرارِه لفعل الأمر بالطاعةِ في أمرِه بطاعةِ وليِّ الأمرِ إشارةٌ إلى أنها متفرعةٌ عن طاعةِ الله والرسول صلى الله عليه وسلم، وأنَّها وسيلةٌ إلى طاعةِ الله ورسولِه بالحكمِ بالكتابِ والسنة وليست مقصودةً لِذاتِها، يقوي هذا قولُه في تتمة الآية: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ، وفي الآيةِ التاليةِ لها قال تعالى : (ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) ، فذكر آية التحاكم بعد آيةَ طاعةَ وليِّ الأمر.



    وأما قادةُ حماس فإنَّ حكومتَهم قائمةٌ على الدستور الوضعيِّ، وحكمها بين الناسِ في دمائهم وأعراضِهم وأموالهم وتعاملاتهم بحسب القانون الوضعيِّ، وهو طاغوتٌ نفى الله الإيمانَ عن مَن تحاكمَ إليه وحكم به، والحكمُ به مضادٌ لأمرِه تعالى بردِّ الأمرِ إلى اللهِ والرسولِ عند التنازع. وهذه الحكومةُ تجهرُ بارتباطِها بالقانونِ الوضعيِّ، وتنفي نيَّتها تحكيمَ الشريعةِ، أو تحويل غزة التي تحكمُها إلى إمارةٍ إسلاميةٍ، وقادةُ حماس يحتجُّون بالشرعية القانونية، فأين مَن هذا حالُه مِن استحقاقِه وجوبَ الطاعةِ أو صِحَّةَ الحُكمِ والإمارةِ؟ وعلى ذلك: فإننا نقولُ إن حكومةَ حماس ليس لها على الناس ولاية شرعية، فلا يجب مبايعتُها، ولا الدُّخولُ في طاعتِها، مع نفيِنا الكُفرَ عن قادتِها وأفرادِها وإثباتِنا أنَّهم على أصلِ الإسلامِ؛ لما تأوَّلوا مِن أدلةِ الشَّرعِ؛ فإنَّهم قد خرجوا عن الحكمِ بالشِّرعِ لظنَِّهم أنَّ لهم في هذا رخصةٌ مِن الشَّارع، وليس هذا محلُّ ذكرِ أدلَّتِهم وتفصيل حججهم، وإنما المقصودُ بيان عدم شرعيةِ حكومتِهم.



    المقدِّمةُ الثالثة: أنَّ أصلَ دفعِ الصَّائلِ مباحٌ إجماعًا مع وقوعِ الخِلاف في بعضِ تفصيلاتِه.


    فأمَّا الصائلُ على الدِّينِ أو النَّفسِ أو العِرضِ فلا خلافَ في أنَّه مأذون فيه، وإنَّما اختلفوا في وجوب الدفعِ عن غيرِ الدين لا إباحته. ويُدفعُ الصائلُ بأقلِّ ما يندفعُ به، فإن لم يندفع به فبالأعلى، ولو أن يقتلَه المصول عليه دفعًا لصياله، وإذا غلب على ظنِّ المصول عليه أنَّ الصائل لا يندفع بغير القتلِ جاز له قتلُه. ودليلُ إباحةِ قتلُ الصائل إن لم يندفع بغيرِ القتلِ قولُه تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) ، وقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ، وقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) ، وروى مسلمٌ عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أخذَ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتِله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: (هو في النار) ، وفي الصحيحين مِن حديث ابن عمرو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل دون ماله فهو شهيد) ، فإن صحَّ في المالِ ففي الدين والنفسِ مِن باب أولى.


    وفي السنن الأربعة مِن حديث سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد) .
    ولأنَّ النفسَ لا يُباحُ بذلُها إلا لمصلحةِ الدِّين، ولا يجوزُ تعريضُها للفتنةِ في الدِّين.

    تعليق


    • #3
      والقصةُ التي ذكرَها أنصارُ حماس وغيرُهم: أنَّ الشرطيَّ المقتول –رحمه الله- قد جاء ومعه غيرُه لاعتقالِ جميل دغمش –رحمه الله-، فقتل أحدَهما وأصاب الآخر، ثمَّ انحاز إلى منطقتِه.


      فعلى مَن زعم أنَّ جميلاً يستحقُّ القتلَ قِصاصًا بقتلِه الشرطيَّ أن يُثبتَ أنَّه قد قتله قتل عمدٍ عُدوانٍ، وإثباتُ هذا لا يكونُ بغيرِ البيِّنةِ والإحاطةِ بالواقعةِ، والقصاصُ مِن القاتلِ لا يكون إلا بعد محاكمتِه واستيفاء شروطِ إقامةِ القصاصِ.


      وظاهرُ الحالِ أنَّ جميلاً إنما قاتل صائلاً أرادَ أسرَه فقتله، ومعلومٌ ما يتعرَّضُ له الإخوةُ في سجونِ حماس مِن تعذيبٍ لا يأمَن الأسيرُ معه مِن الفتنةِ في دينِه، وإباحةِ أسرارِ إخوانِه، بل ومعلومٌ أنَّ حماسًا لا يُؤمَن مِنها على النفس وعلى ما دونَ النفس، كما حصل مرارًا مِن إعداماتٍ وإطلاق النار على مفاصل الأرجل، بل وقد حصل هذا لجميل وإخوانِه في تلك المعركةِ، فقد قُتِلَ مِنهم عددٌ (إعدامًا) بعد القِتالِ كما تبيَّن في التسجيلاتِ، وكما ذكره الإخوة في جيش الإسلام، وكما أقرَّ بوقوعه بعضُ فضلاءِ حماس، وأقرَّه مثنيًا عليه عددٌ مِن المنتسبين إلى حماس.



      فالرَّجلُ –على هذا- مصولٌ عليه، يغلبُ على ظنِّه أنَّه يُقتَلُ بلا محاكمةٍ شرعيةٍ –وقد حصل هذا بعد تمكُّنِهم منه- أو أنَّه يُعذَّبُ في سجنِه كما حصل لكثيرٍ مِن إخوانِه، فدفع عَن نفسِه القتلَ بدفعِ مَن صالَ عليه بقتلِه حال صيالِه، ويتأكَّدُ إباحة هذا على قولِنا بعدم شرعيةِ ولاية حماس.



      المقدِّمةُ الرابعةُ: أنَّ البغاةَ هم الجماعة ذات الشوكة الخارجة على الإمام بتأويل سائغ.
      وواجب الإمام تجاه البغاة أن ينظر في مطلبِهم، فإن كان حقًّا فعليه القيام به.


      فإن أبوا الرجوع شُرِع للإمامِ قتالُهم حال امتناعِهم خاصة، فإذا زال عَنهم وصف الامتناع لم يَجُز قتلُهم، فلا يجوز الإجهازُ على الجريحِ مِنهم، ولا قتلُ الأسير، لأنَّهم باقون على الإسلام، والعصمةُ باقيةٌ فيهم، وأما إباحةُ قتالهم فهي عارضةٌ مقيدةٌ بحال الامتناع لدفعِ شرِّهم وكفِّهم عَن بغيِهم، ولقولِه تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فأمر بالصلحِ، ثمَّ قتالُ الفئةِ الباغية، وما عدا ذلك مِن الأحكامِ فهو على أصلِه.


      ومِن هنا أدخلُ في الكلامِ على ما حصل في حيِّ الصبرة، فأقول:
      إنَّ ما حصل جريمةٌ مخالفةٌ لنصوصِ الشرعِ في تعظيمِ نفسِ المسلم، ولا وجهَ لها صحيحٌ، ولا مِن تأويلٍ قريبٍ، والمشاركون في تلك الجريمةِ يتحملون وزر الدماء التي أهريقت بغيرِ حقٍّ، وسواءٌ في هذا رئيس حكومةِ حماس، ووزير الداخلية، ومَن باشروا الجريمة، ومن أعانوهم، ومَن رضوا بها وأثنوا عليها مع علمهم بحقيقتِها.


      ذلك أنَّهم لو تأولوا في كونِ حكومة حماس لها ولاية شرعية على غزة، وفي كونِ جميل دغمش قد قتل قتلا عمدًا عدوانًا، لم يكن في ذلك وجهٌ لقتلِ إخوانهم المجاهدين مِن جيش الإسلام كما فعلوا.
      فغايةُ ما يقال لو صحَّت تأويلات حماس:

      إنَّ جميلاً يستحقُّ المحاكمةَ لإثباتِ القتلِ عليه والحكم بالقصاص مِنه لو استوفى الشروط، وثبت أنَّه قتلٌ عمدٌ عدوان محض، ولم يكن دفاعًا مشروعًا عن النفس.


      وغايةُ ما يقال في حقِّ إخوانِه: إنَّهم استحقُّوا القتالَ إن لم يعودوا عن منعِ وليِّ الأمرِ مِن جميل لمحاكمتِه.


      وليس هناك وجهٌ البتة لمسارعتِهم إلى قتلِ جميل بغير محاكمةٍ شرعيةٍ يثبتُ بها حقُّ وليِّ المقتولِ في القصاص، ولا لتمثيلِهم به بعد مقتله –رحمه الله- وإطلاقِهم الرصاص عليه، ولا وجهَ البتةَ لإعدامِهم للإخوةِ بعد التمكُّنِ مِنهم ومِن المطلوبِ للقصاصِ المزعوم، إذ قد انتفى وجهُ قتالِهم، ولم يجز قتلهم، ولا تركُ جريحِهم ليموتَ تشفِّيًا فيه. وهذا كلُّه ثابتٌ رأيناه في التسجيلاتِ، وشهد به الإخوةُ في جيش الإسلام وبعضُ المنتسبين إلى حماس.
      هذا بتقديرِ شرعيةِ ولايةِ حماس، وبتقديرِ قتلِ جميل دغمش للشرطيِّ قتل عمدٍ عدوان.



      وأمَّا ما أثارَه بعضُهم مِن كونِ مَن قاتلوا مع جميل دغمش يستحقون القتلَ قصاصًا؛ لأنهم قد تمالؤوا معه على قتل الشرطيِّ، فإنَّ هذا مِن الجهلِ القبيح، فإنَّ التَمالؤ المقصود إنَّما هو التواطؤ على نفسِ القتلِ الذي يستحقون به القصاص، وليس التواطؤ مع القاتل المستحق للقصاص على فعلٍ آخر متأخر عن قتله العمد العدوان، وهذا مما لا ينبغي أن يجهله أحد ولو لم يحرر المسألة، فإنه لا وجه -في العقل ولا في الشرع- لإيقاع عقابٍ القتلِ على مَن تواطأ مع القاتل على فعلٍ آخر؛ فإنَّ التمالؤ على الشيء هو التتابع عليه، والتعاون فيه، والاجتماع عليه، بل مَن حرر المسألة عرف أن الأمرَ أبعدُ مِن ذلك؛ فإن جمهور مَن قالوا بقتل المتمالئين على القتلِ اشترطوا أن يكونوا قد اشتركوا في الجَرح والضرب، وزاد بعضُهم فاشترط أن يكون فِعل كل واحدٍ مِنهم صالحٌ للقتل لو انفرد، وأن يكونوا قد اتفقوا على قتلِه بهذا الضرب، على خلافٍ في التفاصيل ليس هذا محلُّ عرضِه، وإنما المراد هنا بيانُ أنَّ التمالؤ على القتل الموجِب للقصاص بعيد جدًّا عن هذه الحادثة؛ فإنَّ الجريمة التي أوجبت القصاص على جميل دغمش –عند من يقول بذلك- هي قتلُه للشرطي قتل عمدٍ عدوان، ومَن قُتلوا بعد أسرِهم معه إنما اشتركوا معه في الامتناع عن تسليمِه لحماس، ويمتنعُ واقعًا أن يقال إنَّهم قد اتفقوا وتعاونوا على قتل الشرطيِّ تعاونًا يُقادون به جميعًا حتى على أوسع الأقوال في ذلك –وهو أنَّ مَن أعان بالرأي ونحوه يُقاد أيضًا-، فإن الأمرَ لم يكن مبيَّتًا في حسبانِ القاتل نفسه فضلا عن غيرِه، فإن الشرطيَّ هو مَن سعى إلى جميل ليأسره، فحصل ما حصل، فكيف يزعم بعضُهم أن الإخوة قد تمالؤوا عليه لقتله؟



      وأقبح من دعوى التمالؤ دعوى بعضُ مَن لا يخاف الله ولا يستحي من الناس: أنَّ قتالهم معه وامتناعَهم عن تسليمِه دليل رضاهم بما حصل، والراضي كالفاعل، فهم جميعًا يستحقون القصاص، ولستُ أعجب مِن جهل قائل هذا وسلوكِه مسلك الغلاة والخوارج في الحكم على الناس بما يظنه من لوازم أفعالهم، ولكنَّ العجب أن يقول هذا مَن هو أكثر الناس اتهامًا لأنصار المجاهدين بفشو الغلو والجهل والأحكام بالظنون الواهية فيهم، ومَن لا ينفك يدعو إلى أن يسكت أهل الحمق والجهل والغلو عن الكلام في المسائل الكبار، وما أحسن ما دعا إليه لولا أنه يخالف ذلك بعدم سكوتِه!


      وهذا القولُ ظاهر البطلان والشناعة، ولو تنبه قائله إلى حقيقتِه ولوازمِه لاستحى أن يذيعه. ويكفي لإبطال هذا أن الأحكام لا تكون باللوازم، ومَن نسب إلى امرئ لازم قوله أو فعلِه ليحكم عليه به فهو مفترٍ ظالم، ومع ذلك فإنَّ ما زعمَه لازمًا ليس بلازم، وإلا فمن رأى ما فعلت حماس عرف أنَّهم محقون في عدم تسليمِه، فإنَّه قد قُتِلَ بلا محاكمةٍ، ومُثِّلَ به، وصودرَ مالُه وسلاحُه، وفُعِل به وبأهلِه الأفاعيل.

      تعليق


      • #4
        وأمَّا زعمُهم أنَّ حماسًا ستقوم بتحقيق في الأمر فليس بشيءٍ ولو صحَّ، فما قيمةُ تحقيقٍ يقومُ به طرفٌ في القضية؟ وما جدوى قضيةٍ حالها كما قال المتنبي: فيك الخصام وأنت الخصمُ والحكم!
        ولو صدق القومُ في تحقيقِهم المزعوم لأسندوه إلى لجنةٍ شرعيةٍ مستقلةٍ لا تتبع أحد الفريقين، ولما جعلوه مختصًّا بهذه الحادثةِ التي فُضِح أمرُها، وبان إجرامُ حماس فيها، فإنَّ لهذه الحادثةِ سوابق كثيرة، والأنباءُ متواترةُ عن إجرام تنفيذية حماس، وبطشها بكافة مخالفيها، وعدم تورُّعهم عن دماء المسلمين مِن شتى التيارات، فلم يسلم مِنهم الجاميةُ، ولا الجهادية، ولا حركة الجهاد، بل قد سمعتُ –ولم يثبت عندي- أنَّ جماعة التبليغ نالها مِن أذى حماس نصيب.


        فإن كان تحقيقُهم لوجهِ اللهِ وللانتصارِ للمظلومِ وليس لامتصاصِ غضبِ الناس ولملمة ذيول الفضيحة، فأبسطُ قواعد الإنصاف والعدل أن يتحقق أمور:


        أولا: أن يقوم على التحقيق لجنة شرعية مستقلة عن حماس ولا تنتسب إليها، يشكلها علماءُ الشريعةِ الذين يرتضيهم أطراف هذه القضية.


        ثانيًا: أن تكون أحكامُ هذه اللجنة قضائية ملزمة لحماس ولجيش الإسلام وللأطراف كافة، سواءً حكمَت بدماء أو ديات أو غير ذلك من التعويضات وإرجاع الحقوق إلى أصحابِها.


        ثالثًا: أن يشمل ملفُّ التحقيقِ سائر أفعال الشرطة التنفيذية منذُ أن طُرِدَت فتح مِن غزة ولا يقتصر على هذه الحادثة.


        رابعًا: أن تُعتَمدَ هذه اللجنة الشرعية جهةً فضٍّ للنزاعات بين الجماعات، حتى تُحقَن دماءُ المسلمين ولا يتكرر مثلٌ لهذه التجاوزات لأحكام الشريعة.



        وإلا يكن هذا فلا قيمةَ للتحقيق المزعوم، حتى لو خلصت نتائجُه إلى وضعِ كبشِ فداءٍ يتحمَّلُ ما جرى لتبرأ ساحةُ حماس مِن هذه الفضيحةِ، ولا يقبلُ بنتيجتِه منصفٌ، فإنَّ الحَكَم لا يحكمُ في مسألةٍ تخصُّ قريبَه أو عدوَّه، فكيف إن كان هو طرفًا في القضية؟




        وأختم بوقفاتٍ ثلاث:





        الأولى: مع إخواننا المجاهدين في جيش الإسلام أعزَّهم الله تعالى. أسأل الله أن يتقبل قتلاكم في الشهداء، وأن يجعل دماءهم نورًا يهدي الله به من شاء مِن عبادِه، وأحسن الله عزاءنا فيهم وعزاءكم، فاصبروا واحتسبوا وأجرُكم على الله.
        قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، فلا تحسبوا ما قيل في حقِّكم مِن الإفك وجرأةَ القومِ على دمائكم شرًّا، بل هو خيرٌ لكم ولدعوتِكم، فإنَّ الابتلاءَ إعدادٌ ربَّانيٌّ للمؤمنين لتطهير قلوبهم وتنقية صفوفهم، وليعلم الله الصادق من الكاذب، كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) .
        وأبشروا إن أطعتم ربَّكم بالتمكين والاستخلاف والأمن، فقد قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) ، وما كان اللهُ مخلفَ وعدِه، ولكنَّ الوعدَ هنا قد خوطِبَ به أهل الإيمان بالله وعمل الصالحات، ويدخلُ في الإيمان وعمل الصالحات هنا -دخولاً أوليا- تحصيلُ أسبابِ التمكين، وأعظمها توحيدُ الله، والولاء الخالص لدينه وللمؤمنين، والعداء للكفر والكافرين، وإعداد العدة للجهاد والقيام به، والاستجابة لسائر أوامر الله.


        فأنصحكم أن تهتموا بالدعوة وتعليم العلم الشرعي القائم على السنة بين عوام المسلمين وبين المنتسبين إلى هذا المنهج أنفسِهم، لتعلموهم الولاء لله وحدَه، وأن الولاءَ لأهلِ الحقِّ فرعٌ عن الولاء للحقِّ، فإنَّ التحزب للأسماء داءُ وبيل يُهلك صاحبَه، ويشوبُ إخلاصَه، ويفسد عملَه، كما حصل لقومٍ ليسوا عنا ببعيد.
        واعلموا أنَّ أعظمَ وأهمَّ معركةٍ تخوضونها في هذه المرحلة هي معركةُ الإعلام الداخلي والخارجي، فأظهروا للناس أحسن ما عندكم، واتقوا مواطن الشبهات، وحدثوا الناس بما يعقلون، وتدرجوا معهم في الدعوة، وعليكم بالصبرِ على ما أصابكم والثبات على الحق.


        وكونوا على المؤمنين أذلةً يجعلكم ربُّكم على الكافرين أعزة، فإنَّ الولاء والبراء قرينان متلازمان، ما ضعف أحدهما إلا أضعف صاحبه.


        وسارعوا إلى رصِّ صفوفكم مع إخوانِكم، ووفقوا بينكم بقدر إمكانِكم، وأزيلوا العوائق التي تحول دون اجتماعكم، ولا بأس أن تنزلوا على اجتهادهم المرجوح، فإنَّ واجب الاجتماع أرجح.



        وعليكم بأهل العلم والحكمة والتجربة، فإنَّ لكم إخوانًا قد سبقوكم على هذا الدرب، فعلَّمتهم السنون، وفقَّهتهم الابتلاءات، استنصحوهم فإنَّهم هُداة أمناء، وذوو رأي حكماء، ولا تسمعوا لكل منادٍ، ولا تعملوا بكل نصيحة، وإياكم والمعجب برأيه، فإنَّ في نصائح قومٍ الرَّدى.


        وعليكم بالتأني وحسن النظر في الأمور، وإدراك مآلاتها، واختطوا لأنفسكم خطًّا لا يُخرجكم عنه غَضبة، ولا تحرفكم عنه حادثة، ولا يستدرجكم مكرُ خصومِكم إلى ما يريدون، ولا تعينوهم على أنفسكم، واصبروا فإن الله مع الصابرين، وإن الله قاضٍ أمرًا فلا تستعجلوه، وإنه لا يُفلح الظالمون.




        الوقفةُ الثانية: مع إخواننا أنصار الجهاد بارك الله فيهم.
        اعلموا وفقنا الله وإياكم أنكم واجهةُ المجاهدين، وتتمةٌ لأجهزتهم الإعلامية، فإن قلتم حُسب قولكم على المجاهدين، وإن أخطأتم أُخِذ بخطئكم المجاهدون، والمتربصون كثرٌ لا كثَّرهم الله، فالله الله في هذا الثغر، أحسنوا القيام عليه، وأخلصوا لله الرباط فيه، واضبطوا أقوالكم وأفعالكم بضوابط الشرع، وأخرجوها مِن مشكاةِ الحكمة، ولا تشط بكم سكرة الغضب عن الصواب.


        وإنَّ ما حصل في حيِّ الصبرة لعظيمٌ في الشرع، وشديد على النفوس، يكرهه ذو القلب الحي، ويمجه ذو الفطرة السليمة، وقد رأى الناس به حقائق لم يروها بأدلتها، فكان من الواجب أن نبينه للناس، لا أن نقلله في عيونهم، فإنَّ الأخطاءَ إذا تقارنت وتزاحمت في عين الناظر قلَّل بعضُها عِظم بعضٍ، واستعان الخصم بخطأ خصمه لتبرير خطئه.


        وإن ما حصل من ردود فعل تخالفُ الشَّرع من بعض الإخوة –من تكفير لحماس ودعوة لقتالها- لم يكن لائقًا بمن يريد نصرة المجاهدين وذبَّ الأذى عنهم، فإنَّ هذا مما يقلل عظم جريمة حماس في أعين الناس، ويصرف أنظار الناس عنها، ويعين الظالمَ على مداراةِ ظُلمِه، وتغطيةِ سوءتِه، وأعظم من ذلك أنَّ هذا قد يستغلُّ لمزيدٍ مِن الظلم، فأيُّ شيء أحسن لحماس -إذا أرادت مقاتلة المجاهدين في هذه الجماعات بغير نكير- من أن يُكفِّرَ قومٌ من أنصار المجاهدين قادتَها وأعضاءها، ويدعوا إلى قتالها بالمفخخات واغتيال قادتِها! فإنَّ هذا سيُنسَب عندهم إلى جيش الإسلام ومَن هم على ذات المنهج –وهم من ذلك براء- لا إلى أعضاء المنتديات، فيستغلونَه فيما يريدون، ويبررون به ظلمَهم وتجاوزاتهم، وقد كُشِفَت كذبة أنَّ إخواننا أهلُ إفسادٍ ومخدرات، فلا تظاهروهم على اتِّهامِهم بأنَّهم يريدونهم بالمفخخات!


        فالواجب على من يريد نصرة إخوانه في هذه الحادثةِ أن يعمل على نشرِ تفاصيلِها الموثقة، ويُطلِعَ الناس على ما حصل من ظلم لإخوانِه، واستهانةً بدمائهم، بدون أن يقترن ذلك بتجاوز شرعي أو خُلُقي، حتى لا تزاحم أخطاءَ حماس أخطاؤنا في نفوس الناس.
        فتذكروا في كلِّ موقفٍ أنكم واجهة المجاهدين الإعلامية، فافعلوا ما تصل به دعوتُهم كما هي إلى الناس، وما فيه نصرةُ قضاياهم.


        وأخصُّ إخواننا في إدارة المنتديات بكلمة: إن كنتم تفسحون المجال للخائضين في بعض المسائل من باب عدم التحجير على الناس في آرائهم، فإنَّ هذه الأمور يترتب عليها آثار عظيمة في الساحة، وتضرُّ حركة الجهاد أعظم الضرر، وتستغلُّ للطعن فيها وللتسلط على أبنائها، ومَن يصدرون تلك الأحكام ويَدعُون إليها ليسوا هم من يتحمل تبعتها وضررها، فهم يلقونها ولا يبالون أو يعرفون ما يترتب عليها من آثار كبار، فإنَّ منع هؤلاء من الكلام في هذه المسائل درءٌ لمفاسد عظام تضرُّ بالجهاد وأهلِه.



        الوقفةُ الثالثة: إنَّ فيما حصل لعبرة لمن يعتبر، فإنَّ حماسًا كانت مظلومةً مستضعفة، فلمَّا مكَّن الله لها تمكينًا محدودًا إذا بها تسعى إلى الظُّلم ولم تتعظ، وإنَّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، كما في الصحيحين مِن حديث أبي موسى رضي الله عنه.



        وإنَّ حماسًا قد أوغلت في موالاة الكفَّار ومداهنتهم، والثناء على طواغيتِهم، والتعزية في مجرمِيهم، وإنَّ البراءة مِن أهل الكفر لا تضعفُ في قلب امرئ مسلم إلا وضعفت ولايتُه لأهل الإيمان، فاستهانت حماس في دماء المؤمنين لتحقيقِ مصالحِ حزبِها، واجتثاثِ مخالفيها.



        وإنَّ كثيرًا من الناس كانوا يرمون المجاهدين في القاعدة بالغلوِّ والاستهانة بالدماء لسفكها دماء أهل الردة، ومقتلِ بعضِ المسلمين خطأً في بعض عملياتِها، فلمَّا أن جاءت جريمةُ حماس وهي جريمةٌ لا لبس في ذلك، تكلفوا التبريرات، وتصنَّعوا الورع عن الكلام، فويلٌ للمطففين.



        اللهمَّ اهدِ إخواننا في حماس إلى تحكيم شريعتِك، والموالاة فيك، والمعاداة فيك، وقصدِ وجهِك، وابتغاء مرضاتِك، وأبعد عنهم وعن سائر إخواننا في فلسطين الانتماءات الجاهلية، والولاءات الحزبية، وارفع غزة البلاء والفتن. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله أجمعين.

        تعليق

        يعمل...
        X