من جزيرة العرب، رسالة إلى من ترك السلاح من أهل غزة،
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
مــركــز الــيــقــيــن الإعـلامـــي
من جزيرة العرب، رسالة إلى من ترك السلاح من أهل غزة،
الحمد لله ولي الصالحين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
يقول الله جل وعلا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
إلى أبناء القسام ممن سبقت لهم في الجهاد سابقة, وتغبرت أقدامهم في سبيل الله يوماً من الأيام...
إليكم يا من خضتم المعارك, ودفنتم الشهداء, ورويتم بجراحكم ودمائكم أرض العزة والإباء...
إليكم يا من أخفتم أعداء الله, وأُخِـفتم في ذات الله...
إليكم يا من عرفتم معنى العزة في حمل السلاح والإعداد, واستنشقتم عبير الجنة في أرض الجهاد...
إليكم يا من أدركتم كيف أن الدنيا حلوة خضرة, ولكنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, وما عند الله خير للأبرار...
أخصكم بحديثي هذا, وفاء بحق الأخوة التي جمعتنا على طريق العزة والمجد, وقياماً بالنصيحة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ”الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم“.
أيها القسامي .. تذكر يوم أن طرت بقلبك قبل بدنك إلى ساحة الجهاد, ما الذي كان يحركك؟ وأي شيء حينها كان يدفعك إلى فراق الأهل والأحباب؟ والبعد عن الدار والأصحاب؟ أي شيء حملك على أن تترك حياة الدعة والسكينة فهجرت الوظيفة والدراسة , وآثرت حياة المطاردة والتخفي و قد تتابعت عليها سني الخوف والجوع, ونقص الأموال والأنفس والثمرات, ماذا كنت ترجو وأنت تقدم على الموت؟ نعم.. على الموت الذي يفر منه أكثر الناس..
أحسبك ستقول: أنه الشوق إلى الله, وطلب الجنات..
أحسبك ستقول: تحملت الأذى في سبيل الله, لأنعم في الآخرة بالعيش الرغيد, والأمان الحقيقي, خرجتُ أبتغي القتل مظانة, طمعاً في ثواب الله وابتغاء مرضاته, خرجتُ إلى الجهاد لرفع راية الدين, وتحكيم شريعة رب العالمين, بعد أن حكم فينا الطاغوت, وتسلق على رقابنا بالقهر والإذلال والتبعية للكافرين, خرجتُ إلى الجهاد نصرة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان, خرجتُ إلى أرض الجهاد لأمسح دموع اليتامى, وأخفف مصاب الثكالى, ولأشارك المسلمين همومهم وأحزانهم, لم يهنأ لي عيش وأنا أرى الكفار بجبروتهم وكبريائهم يحتلون ديلر المسلمين و يذلون المستضعفين , ويتحكمون فيهم, ويلزمونهم الذلة والصغار, بعد أن كتب الله لهم العزة..
أحسبك ستقول: قرأت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فوجدت فيهما ذكر العزة والمجد والتمكين, على أنها هي صفات المؤمنين, وهي لهم وهم أهلها, ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين, وجدت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, أن المسلمين متى ما تولوا عن شرع الله والجهاد, فإن الله يلبسهم من الذلة والمهانة, والبؤس والشقاء, بقدر ما تركوا من شرعه ”إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم“ وأنهم متى ما ركنوا إلى الدنيا, وكرهوا القتال, فإنهم هم غثاء ”بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن, قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت“.
ووجدت في الكتاب والسنة, أنه متى كانت القوة والغلبة للكفار, فإنهم لا يتركون المؤمنين ودينهم, بل هم كما قال الله سبحانه: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) وأن الحل حينئذٍ هو القتال في سبيل الله (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً).
أحسبك ستقول: نفرت يوم أن سمعت أمر الله سبحانه: ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ويوم أن عرفتُ ما أعده الله للمجاهدين في سبيله من الفضل والأجر الجزيل ”لغدوة في سبيل الله أو روحة, خير من الدنيا وما فيها“ وأما فضل الشهادة فهو الذي أطار النوم من عيني, شوقاً وتطلعاً إلى هذه المنزلة العظيمة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
فيا أيها القسامي.. إني أعظك موعظة المشفق, وأذكرك تذكير المحب, عد أيها الأسد إلى عرينك, واشمخ برأسك, واسلك طريق العز الذي منحك الله إياه, واحمل سلاحك قبل أن تسلب هذه النعمة, واعلم أخي أن الله الذي امتن عليك من بين العالمين واختارك للجهاد, قادر على أن يخذلك (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) فاعلم أنك لم تكن مجاهداً إلا بتوفيق الله وتيسيره, فاشكر نعمته ليزيدك من فضله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) واحذر أن يراك الله مع القاعدين أو المثبطين أو المتنكصين , بعد أن كنت من جنده المجاهدين, وحزبه المخلصين.
أفلا تذكر أيام القتال الشديدة, التي كانت تمر عليك بأنس وطمأنينة وسكينة من عند الله (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
أفلا تذكر أيام الجهاد وما كنت تحمله يومها من هم الإسلام, وتحرير أرض الإسراء من التبعية والذلة للأعداء, أفلا تذكر أيام الرباط في الخنادق, وما كانت عليه نفسك من ثقة بموعود الله, وإعراض عن المثبطين, والساعين بكل ما أوتوا من قوة لكي يصدوك عن الجهاد, أفلا تذكر وقت الشدائد والبلاء, الذي رأيت فيه عياناً أن الله وحده هو المتصرف في الكون لا ولا أحد سواه, وأن البشر مهما أوتوا من قوة وشدة, لا يساوون عند قوة الله شيئاً, أفلا تتذكر يوم كنت تتمنى أن تظفر برؤوس اليهود وأوليائهم لقتلهم وإبادتهم لا تخاف في الله لومة لائم.
إني لأتساءل.. أين غيرتك اليوم على الدين والإسلام, وهل اقتصرت على الادعاء والكلام, أين حميتك على أخواتك المسلمات المستضعفات وقد كلمن قلوبهم وأحرقت أكبادهم وهم يرون أبنائهم يقتاون أمام أعينهم , بل ولم تسلم أخواتك المستضعفات من بطش جنود القانون الوضعي فكسورا أطرافهم , أين نخوتك وإخوانك المجاهدين الموحدين الذين كنت وإياهم تحت راية التوحيد وها أنت تراهم يقتلون ويسحلون على أيدي جنود القانون , أين عزتك وإباؤك وأنت ترى راية الكفر تعلوا وأحكام القانون الوضعي , وإخوانك المجاهدون إما قابع في السجن أو مطارد أو شهيد على أيدي هؤلاء الظلمة أتباع الدين الديمقراطي , أين أنت عن إخوان لك مجاهدين, طال عليهم الزمان وهم في سجون الظالمين دنبهم أن قالوا ربنا الله ولم يرضوا الدنية في الدين , قد أثقلتهم القيود, وطال عليهم القعود, ينتظرون غضبة مضرية من أسود الله, تفك العاني وتنقذ الأسير.
أنسيت أن الجهاد فرض عين عليك حتى تسترد الديار المحتلة, أنسيت أنه لا واجب أوجب بعد الإيمان بالله تعالى من دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا, وعلى رأسهم دولة يهود, التي تجثم اليوم على أرض فلسطين وتأسر مسرى الرسول الكريم .
يا أيها القسامي .. إن كان الذي أقعدك عن الجهاد اليوم, استبطاء النصر, وطول الطريق ووحشته, وقلة السالكين, فتذكر أن هذه سنة الله في كونه, إذ لا يهب النصر سبحانه للمتعجلين, بل يبتلي الناس بمثل هذه المعوقات ليظهر حزبه من حربه, وليُمحص المؤمنين من المنافقين, وليميز الخبيث من الطيب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)
واعلم أن الدنيا طبعت على الأكدار والمنغصات, فهب أنك ركنت إلى الدنيا, فهل ستحس بالراحة؟ وهل ستطيب لك الحياة؟ من يفضل الدنيا على الآخرة, هل كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وإن كان الذي بك هو شدة البلاء, والتعب والعناء, وتكالب الأمم علينا, فتسلى عنه بذكر أهوال يوم القيامة, وحر النار, وكربات الموقف والصراط, والقبر وفتنته وعذابه, هل بك على احتمال عذاب الله من طاقة؟ (وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أي حياة تعيشها وراية الكفر مرفوعة والحكم الوضعي سائد والمناكر منتشرة والعدول الصائل يصول ويجول بينما المجاهدون الصادقون يطاردون ويؤسرون ويقتلون .
قال ابن القيم رحمه الله: ” وأي دين وأي خير في من يرى محارم الله تـُنتهك, وحدوده تُضاع, ودينه يُترك, وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُرغّب عنها, وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطانٌ أخرس, كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق, وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم, فلا مبالاة لما جرى على الدين, وخيارهم المتحزن المتلمظ, ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله, بذل وتبذّل, وجد واجتهد, واستعمل مراتب الإنكار الثلاث, بحسب وسعه, وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله, ومقت الله لهم, قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون, وهو موت القلوب, فإن القلب كل ما كانت حياته أتم, كان غضبه لله ولرسوله أقوى, وانتصاره للدين أكمل, وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثراً, أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا, فقال يا رب: كيف وفيهم فلان العابد, قال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيّ يوماً قط, وذكر أبو عمر في كتاب التمهيد: أن الله سبحانه أوحى إلى نبي من أنبياءه قل لفلان الزاهد أمّا زهدك في الدنيا فقد تعجلت به الراحة, وأمّا انقطاعك إليّ فقد اكتسبت به العز, ولكن ماذا عملت في ما لي عليك, فقال يا رب: وأي شيء لك علي, قال: هل واليت فيّ ولياً أو عاديت فيّ عدواً“, انتهى من كلام ابن القيم رحمه الله.
و إن سولت لك نفسك , فظننت أن سابقتك في الجهاد تغني عنك, وتبرئ ذمتك, فهذه التي أعيذك بالله منها, وهي أن تكون ممتن بجهادك على ربك, وهو الذي لولاه ما اهتديت, ولا تصدقت ولا صليت, (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين)َ
لقد كان كعب بن مالك رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وشهد معه المعارك, ولما ضعفت نفسه يوم العسرة, وقعد عن الجهاد, حصل ما حصل مما لا يخفاك, حيث هجره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون, ولم يعذروه, واتهمه بعضهم بالنفاق, ولولا رحمة الله به لكان من الخاسرين, وأنزل الله فيه وفي صاحبيه آيات عظيمة, لتكون درساً لكل صادق من المجاهدين, اجتمع عليه أعداءه من شياطين الإنس والجن ونفسه الضعيفة, فزلت به القدم, وتكاسل عن الجهاد, (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ), نعم.. كونوا مع الصادقين المجاهدين, ولا تكونوا مع الكاذبين المنافقين, (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثم اعلم أخي, أنك أنت المحتاج إلى الجهاد لنفع نفسك, وتخليص رقبتك من النار, (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) ولن تنفعك سابقتك إن تخليت عن الجهاد, وسيورث الله مجد الجهاد وعزه لقوم آخرين يحبهم ويحبونه, (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), ولن يتوقف نصر الدين على جهادك, بل أمر الله ماضٍ لا راد له, وحزبه هم المنصورون, وجنده هم الغالبون, ودينه هو الظاهر ولو كره المشركون, ومع ذلك فأنت مطالب بحق الله الذي أوجبه عليك.
يا أيها القسامي.. إن كان الذي أقعدك عن الجهاد شبهات ووساوس, فاستعذ بالله منها ومن أهلها, واعلم أنك مهما عرفت الاستقامة على شرع الله, فلن يتركك شياطين الإنس والجن, بل سيبذلون جهدهم لصدك عن كل طاعة, حتى لو قدروا على إخراجك من الدين لفعلوا, قال صلى الله عليه وآله وسلم: ”إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام, فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك, فعصاه فأسلم, ثم قعد له بطريق الهجرة, فقال: تهاجر وتدع أرضك وسمائك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول, فعصاه فهاجر, ثم قعد له بطريق الجهاد, فقال: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال, فعصاه فجاهد, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة“.
أعلم أن المرجفين قد أكثروا عليك بالكلام والمصالح المتوهمة, وأطالوا عليك بالتشكيك في الجهاد ليكون الدين كله لله , وأنه لا فائدة منه, وأن ضرره أكبر من نفعه, ولا بد من التدرج بل والتعايش مع الباطل والحكم والاحتكام إليه كل ذلك تحت أوهام المصلحة , ولكني أوصيك بألا تسمع لأقوال الرجال, وأن تسمع لقول الكبير المتعال, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), دع عنك المصالح المتوهمة, فأي مصلحة نراعي بعد سب ذات الله تعالى من قبل بعض العلمانيين والزنادقة, ولا أحد ينكر أو ينتقم بل ينالون أعلى المناصب وما حال المرتد عزام الأحمد عنا ببعيد, وأي مصلحة نروم من الحكم والإحتكام للقانون الوضعي وإستبدال حاكمية الشريعة بحاكمية الأغلبية , وأي مصلحة نرجوا والمجاهدون يتخطفون من حولنا, ويعاملون معاملة المجرمين, إرضاء لأمريكا وأعوانها, وأي مصلحة نحافظ عليها والعقيدة الإسلامية تنحر كل يوم, ويمحى أثرها في مجتمعنا, فمن تمكين للعلمانيين, واستهزاء بالدين, وتقريب مع الرافضة والعلمانيين, أبعد سب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم من مصلحة, أبعد تحكيم القوانين الوضعية والحكم بغير ما أنزل الله تعالى مصلحة, أبعد طمس معالم الدين في نفوس الناس مصلحة, إنك إذا استحضرت كل هذه الأمور لن تكترث بتلبيسهم, وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من العلم والهدى والنور ما يكشف الله به وساوس إبليس وجنوده, وفيه من الوضوح لا سيما في باب التوحيد والجهاد ما رحم الله به الناس, فلم يحوجهم إلى كثير عناء لمعرفة الحق, فاقرأ كتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم, وتفقه في دينك, واهتدي بهدي العلماء الصادقين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون, وهم لا يخفون على ذي الفطر السليمة, فمن علاماتهم أنهم يتبعون القول بالعمل, فمن خالف قوله فعله كان حرياً بالخيانة أو الضلالة, أما الذين على باب السلطان يتوافدون وله يتزلفون, فهم طلاب الدنيا وأصحاب الهوى, وإن رأيت علانيتهم تخالف سرهم, فكذلك أهل المصالح الدنيوية, المتسلقون على الأحداث, الذين لا يثبتون على مبدأ, ولا يلتزمون بهداية, إلا ما تيسر أمره وسهل مركبه وانساب تياره, فإذا عاكسهم التيار رجعوا من أول الطريق, ورضوا من الغنيمة بالإياب.
أخي القسامي.. أما وقد ركون هؤلاء المتنكصين وهم ينفذون أوامر أمريكا ومن معها من الصليبيين واليهود, فلا ثم مصلحة ترجح على مصلحة إظهار التوحيد والصدع به وجهاد أعداءه, ولو أدى ذلك إلى قتل النفوس ونقص الأموال والأنفس والثمرات, فكل ذلك يهون في سبيل الله, وحتى يحكم شرع الله ويسود أمره ويكون الدين كله لله.
أيها القسامي.. إن كان الذي أقعدك اليأس والملل, فلا تستسلم له, وستجد من الشواهد الشرعية والواقعية ما يبعث في نفسك الأمل, ويجدد النشاط, فهذا ربك سبحانه وتعالى يقسم بأن النصر لنا, وأن الأرض ميراثنا, (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ), (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ)، قال ابن سعدي رحمه الله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا) التي لا مرد لها (لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة (وَإِنَّ جُندَنَا) المجاهدين في سبيلنا (لَهُم الْغَالِبُونَ) لأعدائهم في كل مقام باعتبار العاقبة والمآل, وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ”لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين“, وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ”لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله“, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ”لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل, عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الشرك“.
وأما واقع المسلمين فهو على صورتين متناقضتين تماماً, صورة سوداء قاتمة, ملؤها الشرك والكفر والنفاق والعصيان والظلم والبغي والفجور, تغطي العالم أكثره, ويعيش فيها المسلمون حياة الهامشية والذلة والتبعية, مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم“, وصورة أخرى مضيئة, تشع بالنور والإيمان والهدى والتقى والعفاف, يبرز في ذراها الشباب الموحد المجاهد, الذي لم تألف نفسه حياة الهون والذل, وهذه الصورة وإن كانت صغيرة محدودة, إلا أنها كل يوم بازدياد, تجتاح معاقل الظلام, لتشرق فيها شمس الحق والإسلام والسنة, هي صغيرة محدودة لكنها تنمو وتضطرد, ولا تنقص ولا تتراجع, حتى يقيم الله الخلافة الراشدة, التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً, كما ملئت ظلماً وجوراً, فلتكن نصب عينك هذه الصورة المضيئة, التي ما بقيت بعد إذن الله إلا بتوحيده والجهاد في سبيله, فأسهم بجهدك بتوسيع دائرتها وإبقاء جذوتها.
يا شباب القسام.. إن نفوسكم أبية, فلا ترضوا في دينكم الدنية, وإلا فأي عيش يطيب لمؤمن بالله محب لدينه, وهو يرى حال فلسطين الأسيرة, ألا نعقل أن الأعداء يكيدون لنا, ويريدون منا أن نتبع ملتهم, وأن نميل ميلاً عظيماً, وأنهم لن يرضوا عنا إلا إذا اتبعنا ملتهم وارتددنا على أدبارنا خاسرين.
يا شباب القسام.. إنها وصية مشفق وناصح, اتقوا الله في أمتكم, فهي اليوم في أمس الحاجة لكم, وإن اليوم يوم من أيام الله, فأروا الله من أنفسكم خيراً, واصدقوا الله يصدقكم, وتخلصوا من الدنيا وشهواتها, والتعلق بها وبزخرفها, فاليوم يوم النزال والقتال, وليس يوم الدعة والقيل والقال, فنصر الله لن يعطى لمن أعرض عن الجهاد, وعدوه ممسك بالزناد, وتأييد الله لن يناله من أعطى في دينه الدنية, وعدوه قد استعذب في سبيل كفره المنية, أي نصر ننتظر ونحن في الوظائف لاهون و خلف الكراسي لاهثون, وأعداؤنا للغزو مستعدون بل ومحتلون, أي فرج يأتي ونحن في طلب الدنيا والمال في سعي حثيث, وما للجهاد من وقتنا قليل ولا كثير.
يا جند القسام وشبابه.. إني أخاف عليكم يوم التناد, يوم الحشر والمعاد, يوم تسألون عن الظالمين وما فعلوا في أرض غزة وأنتم عنهم معرضون, بل وأكثركم لهم من المؤيدين , ولسفك دماء الموحدين أنتم لهم مشاركين وعن بيوت تهدمت, ومزارع أتلفت , ومحرم انتهكت, على أيدي أتباع القانون الوضعي في دياركم, وأنتم عنهم ساكتون, ماذا سنقول لربنا غداً عن دماء شباب جيش الإسلام وقد قصفت بيوتهم وأزهقت أرواح وروعت نسائهم وأطفالهم لا لشئ إلا انهم كفروا بالقانون الوضعي ولم يرضوا الدنية في الدين وسعوا لفكاك أسرى المسلمين وأعلوا راية التوحيد ليكون الدين كله لله , وماذا سنقول لربنا غداً يوم يسألنا عن سب الرافضة للصحابة في بلادنا, جهاراً نهاراً, , وكلنا على علم بذلك ودراية, ولكن لا نحرك ساكناً.
يا أبناء القسام .. إني أخاف علينا جميعاً من غِـيَـر الله, وأخشى علينا نقمته إن تركنا الجهاد, وخذلنا المسلمين في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى نصرتنا, بل أين المفر من عذاب الله إذا نزل بسبب خذلان المسلمين, وإعانة الظالمين عليهم, فإنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب, وما ربك بظلام للعبيد, جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته“, ألا تخشون أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم, فتريدوا الجهاد فلا تستطيعوه, وإني أدعوكم اليوم للجهاد في سبيل الله ليكون الدين كله لله وأن تتحرروا من ربقة التبعة للتنظيم والتبرأ من راية المنحرفين الذين بدلوا شرع الله ورضوا بحاكمية الأغلبية وحكموا وتحاكموا للقانون الوضعي , فلا عذر لكم بالبقاء تحت راية المتنكصين, وصنوا جهادكم ودمائكم على تبذل وتراق لغير هذا الدين وتحت راية غير راية الموحدين , فإني والله لكم من الناصحين, وعليكم من المشفقين, ولست بأعلمكم ولا أفضلكم, ولكن رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه, ورب مُبَلّغ أوعى من سامع، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد, اللهم هل بلغت اللهم فاشهد, اللهم هل بلغت اللهم فاشهد..
فالمعركةُ دائرةٌ اليومَ على أبوابِ المَلاَحمِ، وإنّها واللهِ الفتوحاتُ، ولنْ يعودَ التّاريخُ للوراءِ، فقدْ رحلَ عهدُ المذلّةِ والاستبدادِ، فانفضي عنكِ أمّتي الذّلّ والاستجداءَ، وانزعي عنكِ ثيابَ النّومِ والاسترخاءِ، فما العيشُ إلا عِيشةٌ كريمةٌ أو طعنةٌ نجلاء. ولا نامَتْ أعينُ الجُبناءِ.
إخوانُكُمْ في
مــركــز الــيــقــيــن الإعـلامـــي
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
مــركــز الــيــقــيــن الإعـلامـــي
من جزيرة العرب، رسالة إلى من ترك السلاح من أهل غزة،
الحمد لله ولي الصالحين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
يقول الله جل وعلا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
إلى أبناء القسام ممن سبقت لهم في الجهاد سابقة, وتغبرت أقدامهم في سبيل الله يوماً من الأيام...
إليكم يا من خضتم المعارك, ودفنتم الشهداء, ورويتم بجراحكم ودمائكم أرض العزة والإباء...
إليكم يا من أخفتم أعداء الله, وأُخِـفتم في ذات الله...
إليكم يا من عرفتم معنى العزة في حمل السلاح والإعداد, واستنشقتم عبير الجنة في أرض الجهاد...
إليكم يا من أدركتم كيف أن الدنيا حلوة خضرة, ولكنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, وما عند الله خير للأبرار...
أخصكم بحديثي هذا, وفاء بحق الأخوة التي جمعتنا على طريق العزة والمجد, وقياماً بالنصيحة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ”الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم“.
أيها القسامي .. تذكر يوم أن طرت بقلبك قبل بدنك إلى ساحة الجهاد, ما الذي كان يحركك؟ وأي شيء حينها كان يدفعك إلى فراق الأهل والأحباب؟ والبعد عن الدار والأصحاب؟ أي شيء حملك على أن تترك حياة الدعة والسكينة فهجرت الوظيفة والدراسة , وآثرت حياة المطاردة والتخفي و قد تتابعت عليها سني الخوف والجوع, ونقص الأموال والأنفس والثمرات, ماذا كنت ترجو وأنت تقدم على الموت؟ نعم.. على الموت الذي يفر منه أكثر الناس..
أحسبك ستقول: أنه الشوق إلى الله, وطلب الجنات..
أحسبك ستقول: تحملت الأذى في سبيل الله, لأنعم في الآخرة بالعيش الرغيد, والأمان الحقيقي, خرجتُ أبتغي القتل مظانة, طمعاً في ثواب الله وابتغاء مرضاته, خرجتُ إلى الجهاد لرفع راية الدين, وتحكيم شريعة رب العالمين, بعد أن حكم فينا الطاغوت, وتسلق على رقابنا بالقهر والإذلال والتبعية للكافرين, خرجتُ إلى الجهاد نصرة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان, خرجتُ إلى أرض الجهاد لأمسح دموع اليتامى, وأخفف مصاب الثكالى, ولأشارك المسلمين همومهم وأحزانهم, لم يهنأ لي عيش وأنا أرى الكفار بجبروتهم وكبريائهم يحتلون ديلر المسلمين و يذلون المستضعفين , ويتحكمون فيهم, ويلزمونهم الذلة والصغار, بعد أن كتب الله لهم العزة..
أحسبك ستقول: قرأت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فوجدت فيهما ذكر العزة والمجد والتمكين, على أنها هي صفات المؤمنين, وهي لهم وهم أهلها, ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين, وجدت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, أن المسلمين متى ما تولوا عن شرع الله والجهاد, فإن الله يلبسهم من الذلة والمهانة, والبؤس والشقاء, بقدر ما تركوا من شرعه ”إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم“ وأنهم متى ما ركنوا إلى الدنيا, وكرهوا القتال, فإنهم هم غثاء ”بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن, قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت“.
ووجدت في الكتاب والسنة, أنه متى كانت القوة والغلبة للكفار, فإنهم لا يتركون المؤمنين ودينهم, بل هم كما قال الله سبحانه: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) وأن الحل حينئذٍ هو القتال في سبيل الله (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً).
أحسبك ستقول: نفرت يوم أن سمعت أمر الله سبحانه: ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ويوم أن عرفتُ ما أعده الله للمجاهدين في سبيله من الفضل والأجر الجزيل ”لغدوة في سبيل الله أو روحة, خير من الدنيا وما فيها“ وأما فضل الشهادة فهو الذي أطار النوم من عيني, شوقاً وتطلعاً إلى هذه المنزلة العظيمة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
فيا أيها القسامي.. إني أعظك موعظة المشفق, وأذكرك تذكير المحب, عد أيها الأسد إلى عرينك, واشمخ برأسك, واسلك طريق العز الذي منحك الله إياه, واحمل سلاحك قبل أن تسلب هذه النعمة, واعلم أخي أن الله الذي امتن عليك من بين العالمين واختارك للجهاد, قادر على أن يخذلك (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) فاعلم أنك لم تكن مجاهداً إلا بتوفيق الله وتيسيره, فاشكر نعمته ليزيدك من فضله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) واحذر أن يراك الله مع القاعدين أو المثبطين أو المتنكصين , بعد أن كنت من جنده المجاهدين, وحزبه المخلصين.
أفلا تذكر أيام القتال الشديدة, التي كانت تمر عليك بأنس وطمأنينة وسكينة من عند الله (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
أفلا تذكر أيام الجهاد وما كنت تحمله يومها من هم الإسلام, وتحرير أرض الإسراء من التبعية والذلة للأعداء, أفلا تذكر أيام الرباط في الخنادق, وما كانت عليه نفسك من ثقة بموعود الله, وإعراض عن المثبطين, والساعين بكل ما أوتوا من قوة لكي يصدوك عن الجهاد, أفلا تذكر وقت الشدائد والبلاء, الذي رأيت فيه عياناً أن الله وحده هو المتصرف في الكون لا ولا أحد سواه, وأن البشر مهما أوتوا من قوة وشدة, لا يساوون عند قوة الله شيئاً, أفلا تتذكر يوم كنت تتمنى أن تظفر برؤوس اليهود وأوليائهم لقتلهم وإبادتهم لا تخاف في الله لومة لائم.
إني لأتساءل.. أين غيرتك اليوم على الدين والإسلام, وهل اقتصرت على الادعاء والكلام, أين حميتك على أخواتك المسلمات المستضعفات وقد كلمن قلوبهم وأحرقت أكبادهم وهم يرون أبنائهم يقتاون أمام أعينهم , بل ولم تسلم أخواتك المستضعفات من بطش جنود القانون الوضعي فكسورا أطرافهم , أين نخوتك وإخوانك المجاهدين الموحدين الذين كنت وإياهم تحت راية التوحيد وها أنت تراهم يقتلون ويسحلون على أيدي جنود القانون , أين عزتك وإباؤك وأنت ترى راية الكفر تعلوا وأحكام القانون الوضعي , وإخوانك المجاهدون إما قابع في السجن أو مطارد أو شهيد على أيدي هؤلاء الظلمة أتباع الدين الديمقراطي , أين أنت عن إخوان لك مجاهدين, طال عليهم الزمان وهم في سجون الظالمين دنبهم أن قالوا ربنا الله ولم يرضوا الدنية في الدين , قد أثقلتهم القيود, وطال عليهم القعود, ينتظرون غضبة مضرية من أسود الله, تفك العاني وتنقذ الأسير.
أنسيت أن الجهاد فرض عين عليك حتى تسترد الديار المحتلة, أنسيت أنه لا واجب أوجب بعد الإيمان بالله تعالى من دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا, وعلى رأسهم دولة يهود, التي تجثم اليوم على أرض فلسطين وتأسر مسرى الرسول الكريم .
يا أيها القسامي .. إن كان الذي أقعدك عن الجهاد اليوم, استبطاء النصر, وطول الطريق ووحشته, وقلة السالكين, فتذكر أن هذه سنة الله في كونه, إذ لا يهب النصر سبحانه للمتعجلين, بل يبتلي الناس بمثل هذه المعوقات ليظهر حزبه من حربه, وليُمحص المؤمنين من المنافقين, وليميز الخبيث من الطيب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)
واعلم أن الدنيا طبعت على الأكدار والمنغصات, فهب أنك ركنت إلى الدنيا, فهل ستحس بالراحة؟ وهل ستطيب لك الحياة؟ من يفضل الدنيا على الآخرة, هل كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) وإن كان الذي بك هو شدة البلاء, والتعب والعناء, وتكالب الأمم علينا, فتسلى عنه بذكر أهوال يوم القيامة, وحر النار, وكربات الموقف والصراط, والقبر وفتنته وعذابه, هل بك على احتمال عذاب الله من طاقة؟ (وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أي حياة تعيشها وراية الكفر مرفوعة والحكم الوضعي سائد والمناكر منتشرة والعدول الصائل يصول ويجول بينما المجاهدون الصادقون يطاردون ويؤسرون ويقتلون .
قال ابن القيم رحمه الله: ” وأي دين وأي خير في من يرى محارم الله تـُنتهك, وحدوده تُضاع, ودينه يُترك, وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُرغّب عنها, وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطانٌ أخرس, كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق, وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم, فلا مبالاة لما جرى على الدين, وخيارهم المتحزن المتلمظ, ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله, بذل وتبذّل, وجد واجتهد, واستعمل مراتب الإنكار الثلاث, بحسب وسعه, وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله, ومقت الله لهم, قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون, وهو موت القلوب, فإن القلب كل ما كانت حياته أتم, كان غضبه لله ولرسوله أقوى, وانتصاره للدين أكمل, وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثراً, أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا, فقال يا رب: كيف وفيهم فلان العابد, قال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيّ يوماً قط, وذكر أبو عمر في كتاب التمهيد: أن الله سبحانه أوحى إلى نبي من أنبياءه قل لفلان الزاهد أمّا زهدك في الدنيا فقد تعجلت به الراحة, وأمّا انقطاعك إليّ فقد اكتسبت به العز, ولكن ماذا عملت في ما لي عليك, فقال يا رب: وأي شيء لك علي, قال: هل واليت فيّ ولياً أو عاديت فيّ عدواً“, انتهى من كلام ابن القيم رحمه الله.
و إن سولت لك نفسك , فظننت أن سابقتك في الجهاد تغني عنك, وتبرئ ذمتك, فهذه التي أعيذك بالله منها, وهي أن تكون ممتن بجهادك على ربك, وهو الذي لولاه ما اهتديت, ولا تصدقت ولا صليت, (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين)َ
لقد كان كعب بن مالك رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وشهد معه المعارك, ولما ضعفت نفسه يوم العسرة, وقعد عن الجهاد, حصل ما حصل مما لا يخفاك, حيث هجره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون, ولم يعذروه, واتهمه بعضهم بالنفاق, ولولا رحمة الله به لكان من الخاسرين, وأنزل الله فيه وفي صاحبيه آيات عظيمة, لتكون درساً لكل صادق من المجاهدين, اجتمع عليه أعداءه من شياطين الإنس والجن ونفسه الضعيفة, فزلت به القدم, وتكاسل عن الجهاد, (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ), نعم.. كونوا مع الصادقين المجاهدين, ولا تكونوا مع الكاذبين المنافقين, (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثم اعلم أخي, أنك أنت المحتاج إلى الجهاد لنفع نفسك, وتخليص رقبتك من النار, (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) ولن تنفعك سابقتك إن تخليت عن الجهاد, وسيورث الله مجد الجهاد وعزه لقوم آخرين يحبهم ويحبونه, (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), ولن يتوقف نصر الدين على جهادك, بل أمر الله ماضٍ لا راد له, وحزبه هم المنصورون, وجنده هم الغالبون, ودينه هو الظاهر ولو كره المشركون, ومع ذلك فأنت مطالب بحق الله الذي أوجبه عليك.
يا أيها القسامي.. إن كان الذي أقعدك عن الجهاد شبهات ووساوس, فاستعذ بالله منها ومن أهلها, واعلم أنك مهما عرفت الاستقامة على شرع الله, فلن يتركك شياطين الإنس والجن, بل سيبذلون جهدهم لصدك عن كل طاعة, حتى لو قدروا على إخراجك من الدين لفعلوا, قال صلى الله عليه وآله وسلم: ”إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام, فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك, فعصاه فأسلم, ثم قعد له بطريق الهجرة, فقال: تهاجر وتدع أرضك وسمائك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول, فعصاه فهاجر, ثم قعد له بطريق الجهاد, فقال: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال, فعصاه فجاهد, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة“.
أعلم أن المرجفين قد أكثروا عليك بالكلام والمصالح المتوهمة, وأطالوا عليك بالتشكيك في الجهاد ليكون الدين كله لله , وأنه لا فائدة منه, وأن ضرره أكبر من نفعه, ولا بد من التدرج بل والتعايش مع الباطل والحكم والاحتكام إليه كل ذلك تحت أوهام المصلحة , ولكني أوصيك بألا تسمع لأقوال الرجال, وأن تسمع لقول الكبير المتعال, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), دع عنك المصالح المتوهمة, فأي مصلحة نراعي بعد سب ذات الله تعالى من قبل بعض العلمانيين والزنادقة, ولا أحد ينكر أو ينتقم بل ينالون أعلى المناصب وما حال المرتد عزام الأحمد عنا ببعيد, وأي مصلحة نروم من الحكم والإحتكام للقانون الوضعي وإستبدال حاكمية الشريعة بحاكمية الأغلبية , وأي مصلحة نرجوا والمجاهدون يتخطفون من حولنا, ويعاملون معاملة المجرمين, إرضاء لأمريكا وأعوانها, وأي مصلحة نحافظ عليها والعقيدة الإسلامية تنحر كل يوم, ويمحى أثرها في مجتمعنا, فمن تمكين للعلمانيين, واستهزاء بالدين, وتقريب مع الرافضة والعلمانيين, أبعد سب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم من مصلحة, أبعد تحكيم القوانين الوضعية والحكم بغير ما أنزل الله تعالى مصلحة, أبعد طمس معالم الدين في نفوس الناس مصلحة, إنك إذا استحضرت كل هذه الأمور لن تكترث بتلبيسهم, وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من العلم والهدى والنور ما يكشف الله به وساوس إبليس وجنوده, وفيه من الوضوح لا سيما في باب التوحيد والجهاد ما رحم الله به الناس, فلم يحوجهم إلى كثير عناء لمعرفة الحق, فاقرأ كتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم, وتفقه في دينك, واهتدي بهدي العلماء الصادقين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون, وهم لا يخفون على ذي الفطر السليمة, فمن علاماتهم أنهم يتبعون القول بالعمل, فمن خالف قوله فعله كان حرياً بالخيانة أو الضلالة, أما الذين على باب السلطان يتوافدون وله يتزلفون, فهم طلاب الدنيا وأصحاب الهوى, وإن رأيت علانيتهم تخالف سرهم, فكذلك أهل المصالح الدنيوية, المتسلقون على الأحداث, الذين لا يثبتون على مبدأ, ولا يلتزمون بهداية, إلا ما تيسر أمره وسهل مركبه وانساب تياره, فإذا عاكسهم التيار رجعوا من أول الطريق, ورضوا من الغنيمة بالإياب.
أخي القسامي.. أما وقد ركون هؤلاء المتنكصين وهم ينفذون أوامر أمريكا ومن معها من الصليبيين واليهود, فلا ثم مصلحة ترجح على مصلحة إظهار التوحيد والصدع به وجهاد أعداءه, ولو أدى ذلك إلى قتل النفوس ونقص الأموال والأنفس والثمرات, فكل ذلك يهون في سبيل الله, وحتى يحكم شرع الله ويسود أمره ويكون الدين كله لله.
أيها القسامي.. إن كان الذي أقعدك اليأس والملل, فلا تستسلم له, وستجد من الشواهد الشرعية والواقعية ما يبعث في نفسك الأمل, ويجدد النشاط, فهذا ربك سبحانه وتعالى يقسم بأن النصر لنا, وأن الأرض ميراثنا, (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ), (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ)، قال ابن سعدي رحمه الله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا) التي لا مرد لها (لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة (وَإِنَّ جُندَنَا) المجاهدين في سبيلنا (لَهُم الْغَالِبُونَ) لأعدائهم في كل مقام باعتبار العاقبة والمآل, وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ”لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين“, وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ”لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله“, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ”لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل, عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الشرك“.
وأما واقع المسلمين فهو على صورتين متناقضتين تماماً, صورة سوداء قاتمة, ملؤها الشرك والكفر والنفاق والعصيان والظلم والبغي والفجور, تغطي العالم أكثره, ويعيش فيها المسلمون حياة الهامشية والذلة والتبعية, مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم“, وصورة أخرى مضيئة, تشع بالنور والإيمان والهدى والتقى والعفاف, يبرز في ذراها الشباب الموحد المجاهد, الذي لم تألف نفسه حياة الهون والذل, وهذه الصورة وإن كانت صغيرة محدودة, إلا أنها كل يوم بازدياد, تجتاح معاقل الظلام, لتشرق فيها شمس الحق والإسلام والسنة, هي صغيرة محدودة لكنها تنمو وتضطرد, ولا تنقص ولا تتراجع, حتى يقيم الله الخلافة الراشدة, التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً, كما ملئت ظلماً وجوراً, فلتكن نصب عينك هذه الصورة المضيئة, التي ما بقيت بعد إذن الله إلا بتوحيده والجهاد في سبيله, فأسهم بجهدك بتوسيع دائرتها وإبقاء جذوتها.
يا شباب القسام.. إن نفوسكم أبية, فلا ترضوا في دينكم الدنية, وإلا فأي عيش يطيب لمؤمن بالله محب لدينه, وهو يرى حال فلسطين الأسيرة, ألا نعقل أن الأعداء يكيدون لنا, ويريدون منا أن نتبع ملتهم, وأن نميل ميلاً عظيماً, وأنهم لن يرضوا عنا إلا إذا اتبعنا ملتهم وارتددنا على أدبارنا خاسرين.
يا شباب القسام.. إنها وصية مشفق وناصح, اتقوا الله في أمتكم, فهي اليوم في أمس الحاجة لكم, وإن اليوم يوم من أيام الله, فأروا الله من أنفسكم خيراً, واصدقوا الله يصدقكم, وتخلصوا من الدنيا وشهواتها, والتعلق بها وبزخرفها, فاليوم يوم النزال والقتال, وليس يوم الدعة والقيل والقال, فنصر الله لن يعطى لمن أعرض عن الجهاد, وعدوه ممسك بالزناد, وتأييد الله لن يناله من أعطى في دينه الدنية, وعدوه قد استعذب في سبيل كفره المنية, أي نصر ننتظر ونحن في الوظائف لاهون و خلف الكراسي لاهثون, وأعداؤنا للغزو مستعدون بل ومحتلون, أي فرج يأتي ونحن في طلب الدنيا والمال في سعي حثيث, وما للجهاد من وقتنا قليل ولا كثير.
يا جند القسام وشبابه.. إني أخاف عليكم يوم التناد, يوم الحشر والمعاد, يوم تسألون عن الظالمين وما فعلوا في أرض غزة وأنتم عنهم معرضون, بل وأكثركم لهم من المؤيدين , ولسفك دماء الموحدين أنتم لهم مشاركين وعن بيوت تهدمت, ومزارع أتلفت , ومحرم انتهكت, على أيدي أتباع القانون الوضعي في دياركم, وأنتم عنهم ساكتون, ماذا سنقول لربنا غداً عن دماء شباب جيش الإسلام وقد قصفت بيوتهم وأزهقت أرواح وروعت نسائهم وأطفالهم لا لشئ إلا انهم كفروا بالقانون الوضعي ولم يرضوا الدنية في الدين وسعوا لفكاك أسرى المسلمين وأعلوا راية التوحيد ليكون الدين كله لله , وماذا سنقول لربنا غداً يوم يسألنا عن سب الرافضة للصحابة في بلادنا, جهاراً نهاراً, , وكلنا على علم بذلك ودراية, ولكن لا نحرك ساكناً.
يا أبناء القسام .. إني أخاف علينا جميعاً من غِـيَـر الله, وأخشى علينا نقمته إن تركنا الجهاد, وخذلنا المسلمين في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى نصرتنا, بل أين المفر من عذاب الله إذا نزل بسبب خذلان المسلمين, وإعانة الظالمين عليهم, فإنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب, وما ربك بظلام للعبيد, جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته“, ألا تخشون أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم, فتريدوا الجهاد فلا تستطيعوه, وإني أدعوكم اليوم للجهاد في سبيل الله ليكون الدين كله لله وأن تتحرروا من ربقة التبعة للتنظيم والتبرأ من راية المنحرفين الذين بدلوا شرع الله ورضوا بحاكمية الأغلبية وحكموا وتحاكموا للقانون الوضعي , فلا عذر لكم بالبقاء تحت راية المتنكصين, وصنوا جهادكم ودمائكم على تبذل وتراق لغير هذا الدين وتحت راية غير راية الموحدين , فإني والله لكم من الناصحين, وعليكم من المشفقين, ولست بأعلمكم ولا أفضلكم, ولكن رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه, ورب مُبَلّغ أوعى من سامع، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد, اللهم هل بلغت اللهم فاشهد, اللهم هل بلغت اللهم فاشهد..
فالمعركةُ دائرةٌ اليومَ على أبوابِ المَلاَحمِ، وإنّها واللهِ الفتوحاتُ، ولنْ يعودَ التّاريخُ للوراءِ، فقدْ رحلَ عهدُ المذلّةِ والاستبدادِ، فانفضي عنكِ أمّتي الذّلّ والاستجداءَ، وانزعي عنكِ ثيابَ النّومِ والاسترخاءِ، فما العيشُ إلا عِيشةٌ كريمةٌ أو طعنةٌ نجلاء. ولا نامَتْ أعينُ الجُبناءِ.
إخوانُكُمْ في
مــركــز الــيــقــيــن الإعـلامـــي
تعليق