الحركات الإسلامية لا تعترف بأخطائها ولا تسعى إلى الانطلاق إلى مرحلة جديدة
الهياكل ليست مقدسة، وهي وسائل، وهذا ما أؤيد به النفيسي، وليس حل التنظيم. لكن أقول: على قيادة الإخوان في الأردن وخارجه أن تكون صريحة مع نفسها، فما يصلح من أدوات سابقة تبقي عليه وما لا يصلح تتخلى عنه. فالجيوش تتطور والإدارات تتطور، القوانين تتطوّر، فهل يعقل أن أقف عند حدود ما قاله حسن البنا قبل عقود طويلة، دون قراءة جديدة، ولا محاولات للتجديد.
يرى د. بسام العموش، أحد أبرز القياديين السابقين في جماعة الإخوان المسلمين، والذي تبوأ مناصب رسمية متعددة، أنّ العمل الإسلامي يعاني من أزمة تنبع من داخله، ومشكلته الرئيسة أنه يتحدث دوما عن المؤامرة الخارجية ليغطي على عيوبه الداخلية.
ويقول العموش: إنّ الحركة الإسلامية لم تقف محطة مراجعة حقيقية لتعيد النظر في أدائها وخطابها، بل على النقيض من ذلك، تريد الحركة من العالم أن يتغير ولا تريد أن تتغير، ملمِّحاً إلى وجود أزمة في رؤيتها السياسية في إدراك طبيعة العلاقات الدولية.
وفي مقابل تقدم التجارب الإسلامية التركية والمغربية والماليزية، فإنّ الحركات الإسلامية في المشرق ما تزال ترفض الاعتراف بأخطائها، وقد قلبت أوليتها من مشروع اشتباك حضاري مع العالم إلى صراع مع النظم الحاكمة العربية!
ويحيل العموش سر قوة الإسلاميين وشعبيتهم إلى غياب البدائل السياسية الأخرى المقنعة للجمهور وإلى ملل الناس من الراهن السياسي، في الوقت الذي استطاع فيه الإسلاميون رفع شعار مقدس "الإسلام هو الحل"، خلق لدى الناس شعوراً أنّ عدم مصادمة قناعاتهم الدينية يقتضي اختيار "المرشح الإسلامي"، دون التأكد من أهلية وقدرة هذا المرشح على أداء المهمة التي اختير لها.
ويرفض العموش، الذي يعد كتاباً يرصد التجربة الإخوانية في الأردن، أن يكون قد استقال من الجماعة، ويؤكد أنه فصل لمقال كتبه في إحدى الصحف، بعنوان "لماذا قاطعوا؟" ناقداً فيه بيان قيادة الإخوان الذي صدّروه تفسيراً لمقاطعتهم الانتخابات النيابية عام 97م.
والعموش، الذي عاش في التجربة الإخوانية ثلاثين عاماً قضى مرحلة منها في القيادة، ومثّل الإخوان في برلمان عام 93م، يرى من موقعه وخبرته الطويلة معهم، أن الجماعة بحاجة إلى إعادة بناء أو ما يسميه "بروسترويكا إخوانية" تقوم على إعادة تعريف منهج الجماعة ومواقفها الفكرية والسياسية والتخلي عن سياسة التجميع التي تجعل من الجماعة خليطاً من الأفكار والرؤى المتضاربة في كثير من الأوقات تجاه قضايا رئيسة من الدولة والمجتمع.
فلا بد أن توضع أدبيات توضح موقف الجماعة من الديمقراطية وحقوق المرأة وشرعية الحكومة والولاء للوطن..الخ. وعلى من يرفض هذه الأفكار ترك الجماعة والبحث عن بديل آخر يتوافق مع رؤيته.
في هذا السياق يدعو العموش الإخوان إلى التخلي عن مبدأ "سرية التنظيم"، ويطالبهم بالانفتاح والشفافية والعلنية، إذ يعتبر أن هذه القيم هي الضمانة الرئيسة لحماية الحركة الإسلامية وصونها، كما أنها تتلاءم وتتوافق مع متغيرات العالم وتطوراته، في المقابل فإن التجارب السرية والمسلحة قد جرّت على العمل الإسلامي الكوارث.
ويوضح العموش أنّ هنالك مبالغة في دور وطبيعة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقد كان عضواً فيه، إذ إنه لا يزيد على كونه هيئة تنسيق وحوار بين أفراد من جماعات الإخوان، ولا يملك صفة إلزامية على الدول المختلفة، ويعاني من سيطرة الإخوان المصريين عليه.
وعلى صعيد الأحداث في غزة ونتائج ما قامت به حماس على باقي الحركات الإسلامية، يرى العموش أنّ حماس أوقعت نفسها في حفرة كبيرة، وأنه لا بديل أمامها إلا العودة للحوار وتقديم تنازلات.
في المقابل، ينتقد موقف الإخوان الأردنيين من أحداث غزة ويرى أنهم تعاملوا عاطفياً وربطوا أنفسهم بحماس، ولا ينكر العموش أن حماس خسرت الصورة الإعلامية في الأيام الأولى من عملية غزة.
تبدو أهمية الرؤية النقدية للعموش، أنه أحد القيادات البارزة السابقة في جماعة الإخوان في الأردن، وكان عضواً في التنظيم العالمي، قبل أن يفصل من الجماعة عام 97م، بعد انتقاده لقرار مقاطعة الانتخابات النيابية، وقد مثّل العموش الإخوان في برلمان عام 93م، عن محافظة الزرقاء، ويؤكد بعض الإخوان المطلعين أن العموش كان يعد عقلاً مفكراً متقدماً في الجماعة، وأنه كان يحظى بشعبية واسعة في الداخل.
العموش حاصل على درجة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، درس في المغرب وأكمل دراساته العليا في الرياض، وقد عين وزيراً للتنمية الإدارية بعد خروجه من الجماعة بأشهر، ثم مديراً لديوان الخدمة المدنية، وسفيراً في إيران، ثم أشرف على الهيئة الإدارية المؤقتة لإدارة جمعية المركز الإسلامي التابعة للإخوان، قبل أن تتم إقالته لأسباب يربطها العموش بالخلاف بينه وبين الحكومة على سياسة إدارة الجمعية وتحديد مستقبلها.
*الحركات الإسلامية ومأزق الصعود!
* في المرحلة الأخيرة، برزت الحركات الإسلامية كلاعب رئيس في الملعب السياسي العربي؛ محللون وخبراء يرون أنها في صعود، وآخرون يرون أنها في مأزق وأنها تسقط في الاختبارات السياسية التي تمر بها في العالم العربي تحديداً؟
العموش: لا نستطيع إلا الاعتراف أن الحركات الإسلامية لها وجود وتأييد شعبي، لكنها حركات وليست حركة واحدة، وكذلك هي مناهج وليست منهجاً واحداً، حتى في الجانب السياسي، فلا بد إذن، تحديد من هي الحركات التي نتحدث عنها هنا.
الصحوة الإسلامية تمثل قاعدة للجميع، لكن من حيث الأداء والمنطق والعلمية؛ فإن العمل الإسلامي يعيش أزمة تنبع من داخله، قبل أن تكون من خارجه، أما الحديث الدائم عن المؤامرة الخارجية، فهو حديث مكرر ومفهوم، فليس من المتوقع من خصمك أو عدوك أن يرفق بك! لكن الانشغال بالحديث عن العدو الخارجي يأتي لتغطية العيوب الداخلية، وهذا هو العيب الأبرز في العمل الإسلامي اليوم.
إلى الآن لم تقف الحركة الإسلامية محطة تقييم حقيقية لتعيد النظر في أدائها وخطابها. فالحركات الإسلامية تعتقد أن العالم يجب أن يتغير، لكنها ليست مطالبة بفهم العالم ومتغيراته وحقائقه؛ فلو أخذنا النموذج العراقي، على سبيل المثال: أميركا قررت أن تغزو العراق، ودعمتها بريطانيا، لأسباب متعددة داخلياً وخارجياً، ولم يصدر قرار مباشر واضح من مجلس الأمن، ومع ذلك دخلوا إلى العراق، والسؤال: لماذا لم تقف الدول الكبرى الأخرى في مواجهة الولايات المتحدة، على الرغم أنها لا تنقصها القوة؟ والجواب أن هذه الدول تعرف أن قوتها لا تماثل قوة الولايات المتحدة، ففهمت المعادلة، ولم تتورط، في المقابل بعض فصائل العمل الإسلامي تتكون من مائتي شخص ترى نفسها أكبر وأقوى من أميركا وأوروبا!
الأزمة القائمة في العمل الإسلامي، تتجلى في اختلاف مناهجه وعدم فهم الواقع العالمي، بعض هذه الفصائل دخلت في صراعات داخلية مع الأنظمة الحاكمة، وبعضها دخلت في شد حبل، كما هو الحال في الأردن؛ فالإسلاميون لا يأخذون ما يريدون، لكن الدولة لا تستخدم القوة العسكرية معهم، فهنالك حالة تعايش تاريخية، يمكن أن تكون هذه الصورة أفضل من صور أخرى للحركات الإسلامية كما حدث في سورية والعراق، وكما هو الحال في مصر.
ما حدث أن الحركات الإسلامية قلبت برامجها، فبدلاً من أن تكون في اشتباك حضاري في إدراك أسس التفاعل مع العالم، أصبحت منخرطة في أزمة مع النظم الحاكمة، والتي بلا شك ستعمد إلى مواجهة هذه الحركات، وهي حالة طبيعية في الخبرة التاريخية الإسلامية منذ الفتنة الكبرى، فإذا كان الصحابة قد تقاتلوا على السلطة، فماذا نتوقع من الراهن السياسي العربي!
أعتقد أن الحركات الإسلامية لا تعترف بأخطائها ولا تسعى إلى الانطلاق إلى مرحلة جديدة..
* ثمة مفارقة ملحوظة: ففي الوقت الذي تتمتع فيه الحركات الإسلامية بشعبية وجماهيرية كبيرة، فإنها لا تمتلك برنامجاً سياسياً واقعياً في كثير من الدول العربية، ما تفسير ذلك؟
العموش: هنالك فرق بين التجربة الإخوانية والتجارب الإسلامية الأخرى، ففي تركيا ليسوا إخواناً ولا في المغرب ولا ماليزيا، وهذه تجارب متقدمة على نظيرتها في العالم العربي، حتى داخل الجسم العربي، هنالك حركات تصعد وليست إخوانية، فالسلفية الجهادية لها سوق اليوم أكثر من الإخوان.
على كل حال، هذا لا ينفي الفجوة الواضحة بين شعبية الحركات الإسلامية وبين برنامجها؛ أما لماذا يؤيدهم الناس؟ فهنالك أسباب عديدة، أحد الأسباب الرئيسة هو انعدام البدائل الأخرى، فعلى الرغم أنني مع التعددية، لكن عندما يذهب الناس إلى الاقتراع يشعرون أن المشروع الإسلامي والأشخاص المتدينين أقرب إليهم من المشروع الشيوعي أو المشاريع الأخرى على سبيل المثال. فلم يرتق الوعي لدى الناس لتقرير أسس الاختيار؛ فلا يكفي أن يرفع شخص أو تنظيم شعاراً إسلامياً، بل لا بد أن تكون هنالك شروط متحققة كالوعي وإدراك طبيعة المهمة المترشح لها، القدرة الإدارية والمهارات الفردية.
وهنالك أيضاً مسألة "التعاطف مع الضحية"؛ فالإسلاميون في كثير من الأقطار هم ضحايا، والناس تتعاطف معهم. ونضيف إلى ذلك الموقف الإسلامي المعروف من القضية الفلسطينية، وهي مسألة لا تتعلق بالفلسطينيين وحدهم، فحتى الماليزي عندما يسمع عن جرائم الصهاينة يبحث عمن يقف ضدهم، ويالتالي يتعاطف مع الإسلاميين.
وقد ملت الناس الخيارات الأخرى التي أمسكت بالسلطة، ووجدت أن الفساد السلطوي أصبح عبئاً كبيراً، فالجميع يبحث عن حل؛ وقد نجحت الحركات الإسلامية التي ترفع شعارا مقدسا كـ"الإسلام هو الحال" أن تخلق لدى الناس انطباعاً أنّ تأييدها هو وقوف مع الإسلام والعكس صحيح، والجماهير لا تريد الوقوف ضد معتقداتها الدينية!
*التجربة الإخوانية والمراجعة المفقودة:
* إذا عدنا إلى التجربة الإخوانية، ولنبدأ بخبرتك الشخصية، فقد كنت أحد أبرز القياديين في جماعة الإخوان، لماذا تركت الجماعة؟ هل أصبح الإصلاح مستحيلاً من الداخل؟..
العموش: هنالك عدم دقة إعلامية في التعامل مع القضايا التي تخص العمل الإسلامي. فعندما أعود إلى المرحلة التي تركتُ بها الجماعة عام 97، أجد أنّ الإعلام يتحدث عن استقالتي، وهذا غير صحيح، أنا لم أترك الإخوان، فقد فصلت من الجماعة.
على مدار ثلاثين سنة، كنت أعمل في الجماعة، وفي فترات كبيرة كنت مسؤولاً أحاول الإصلاح قدر المستطاع، لكنني في النهاية فصلت على مقال كتبته في صحيفة الرأي الأردنية، بعنوان "لماذا قاطعوا"؛ عندما قرر الإخوان في عام 97م مقاطعة الانتخابات، وكان هنالك مشاورات داخلية واستطلاع آراء حول المقاطعة والمشاركة، وكان المزاج العام يميل إلى المشاركة، لكن تدخلت القيادة آنذاك مستثمرة بعض الأدوات الإعلامية المرتبطة بها وعبر التحشيد الداخلي وقلبت النتيجة، بدعوى عدم جدوى المشاركة وتدهور الحالة الديمقراطية، وأصدرت بياناً حول المقاطعة، وأنا كتبت مقالاً ناقشت فيه البيان، فسئلت: لماذا لم أناقشه داخليا؟ فقلت: أنا ناقشته داخلياً، لكن لم يتح لي الوقت الكافي، وعندما تحدث بعض قادة الجماعة في الصحافة تحدثت أنا بوجهة نظر مختلفة.
كانت النتيجة أن عقدت لي محكمة داخلية، وعندما عرفت بتشكيلة المحكمة، أدركت أن الحكم معروف سلفاً، فلم أحضر، وصدر القرار بفصلي من الجماعة!
كان هدفي ألا يضع الإخوان أنفسهم في حالة "الشعور بالضحية"، فتتوتر علاقتهم بالدولة، وينجرون إلى تجارب إخوانية أخرى مريرة، وكنت حريصاً على بقاء واستمرار الإخوان كحركة علنية في الأردن، ممكن أن يختلفوا مع الحكومة، لكن لا يصطدمون معها، وهذا موقف استراتيجي في تقديري، وكنت أخشى أن المقاطعة تقود الإخوان إلى مسار مختلف، والحمد لله أن هذا لم يحدث، لكن في المقابل تبين أن تجربة المقاطعة كانت خاطئة، لهذا فإن القراءة القادمة (بنسبة 9%) هي مشاركة الإخوان في الانتخابات.
عندما فصلت، أصبحت فرداً ولست عضواً في تنظيم، أعود في مواقفي وخياراتي إلى قيادته، بعد ذلك بعدة أشهر عينت وزيراً. فهنالك مغالطة يقع فيها الإعلام فحواها أنني خرجت من الجماعة بسبب الوزارة وهذا غير صحيح أبداً.
* ما مدى تقبل الإخوان للتعددية الداخلية وقدرة الفرد على المعارضة، واستيعاب الطاقات الفكرية، هل أصبحت الجماعة ممراً للعقول المفكرة وليست مستقراً له؟
العموش: دعني أقول: الإخوان لديهم نقاشات داخلية وتعقد مؤتمرات، وفي الجلسات الخاصة لك أن تقول ما تريد، لكن في النهاية عليك الالتزام، لكن مشكلتنا المجتمعية والثقافية العامة أن مساحة الحوار ليست كافية، بدءاً من الأسرة والمدرسة ثم الجامعة.
هنالك حوارات ووجهات نظر متعددة داخل الجماعة، فالإخوان في الأصل "مدرسة تجميعية"، فيها الصوفي والسلفي وأصحاب الآراء المتباينة.
لكن هنالك تحكم من بعض المجموعات الداخلية في مؤسسات إخوانية. فأنا، على سبيل المثال، كنت أكتب في صحيفة السبيل الأسبوعية، وقيل لي لا تكتب في موضوع معين، فتركت الكتابة في الصحيفة.
* لكن هل تعتقد أن الجماعة تستوعب النقد الداخلي الذاتي؟
العموش: نتحدث هنا عن قصة الشفافية؛ فقد كتبت في إحدى المرات مقالاً بعنوان "سقوط السرية" فغضب بعض قادة الجماعة؛ فالإخوان يعتقدون أن العالم لا يعرف ما يحدث في الأروقة الإخوانية، وقد ثبت عكس ذلك تماماً أن كل شيء معروف وموثق، لذلك لا بد من حسم هذه القضية بصورة صارمة: بأن يتحدث الإخوان مع الداخل كما يتحدثون مع الخارج، باعتماد خطاب واحد، وهذا مريح للإخوان فهو يخرجهم من دائرة السرية وآفاتها المرتبطة بالتخوين والتشكيك.
أذكر أن أول مجلس شورى كنت فيه نشرت أسماء أعضائه كاملة في إحدى الصحف، ما أثار الشكوك والريبة داخل المجلس، فالأسماء كلها كانت صحيحة، وبالتأكيد أن أحد الأعضاء هو من سرّب الأسماء. فلماذا يعيش الإخوان في هذه الحالة! لماذا لا تكون الأمور معلنة وواضحة على الملأ، لم يعد هنالك مجال للسرية في عالم اليوم. ومن ثم الجماعة ليست انقلابية بل هي حركة إصلاحية علنية، وجزء من المشكلات التي تحدث بين الدولة والإخوان اتهام الدولة لهم أن لديهم خطابين.
* ما السبب في بقاء سرية التنظيم؟
العموش: موروث قديم، فهنالك ارتباط بين الإخوان والتجربة المصرية التي شهدت صراعاً حادا مع الدولة، دفع إلى الإصرار على السرية.
ويوظف البعض نصوصاً كالحديث النبوي "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، لتبرير السرية التنظيمية، وهذا لا ينطبق على الحياة السياسية، لا بد أن تكون الأمور واضحة، فالحرية والانفتاح والشفافية قيم ضرورية في الحياة السياسية.
وبالعودة إلى تجارب العمل السري، كما حدث في التجربة الإخوانية (النظام الخاص)، فقد أدت إلى كوارث، أما الحديث أن التجربة الإسلامية كانت في العهد المكي سرية، فقد كانوا يتعاملون مع أناس يعبدون الحجارة والواقع اليوم مختلف، في الدول الحالية هنالك نصوص دستورية تؤكد أن الإسلام دين الدولة، والقياس على الحالة المكية لا يصح وفقاً للقاعدة المعروفة "لا قياس مع الفارق"، فأدعو الإخوان إلى الغاء مبدأ السرية والتخلي عنه في أدبياتهم. فالسرية الشخصية هي حق للفرد، لكن علنية العمل العام تشكل حماية له.
* هل ترى أن جماعة الإخوان انحرفت عن أهدافها الأصلية وعن مسارها، وهل انحرفت فئات إخوانية نحو خطاب التكفير والصراع مع الدول؟
العموش: هنالك تحولات كبيرة في مسارات العمل الإسلامي بصورة عامة، فأسامة بن لادن، على سبيل المثال، رجل مسلم متدين، كان يعتقد أن خادم الحرمين الشريفين ولي أمره ولا يجوز له السفر دون استئذانه، يقفز فجأة إلى اعتبار أنّ ما حدث في تفجير الخبر والمحيا جهادا شرعيا! فهذا دليل واضح على فقدان البوصلة.
في المقابل، تربى أفراد الإخوان على أنّ أحد قيادات الإخوان، بوسف طلعت، علق على المشنقة وهو يقول: "اللهم سامحني وسامح من ظلمني"، هذه القناعة بدأت بالتغير، أيضاً، فالقصة الأخيرة المرتبطة بأحداث غزة، مؤشر على ذلك، كم كانت تقول حماس إن الصراع الداخلي خط أحمر، ثم وجدت من الذرائع والدعاوى ضد فتح لتبرير ما قامت به، في حين أنّ هنالك حكمة مأثورة من القيم الإسلامية فحواها: "كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبدالله الظالم".
نتيجة غياب البوصلة والقراءة الإستراتيجية، تحصل هنالك اجتهادات، فبعض الإخوان تعود جذورهم إلى حزب التحرير المحظور، فيرفضون الاعتراف بالدولة والدستور، ويجدون لهم زبائن ومستمعين. وهكذا يمكن أن يأتي بعض الإخوان فيقررون عمل مجموعة صغيرة تقوم بأعمال مسلحة ضد مصالح وأهداف معينة.
هذه مظاهر للمرض. أمّا المرض الحقيقي فيتمثل بعدم وجود منهج يضبط الجميع. نعم، التنظيم ما يزال يمسك الأكثرية ويحول دون وقوعها في الخطأ، لكن من الخطورة السماح لشخص صاحب فكر متشدد أن يتولي القيادة والمسؤولية في الجماعة.
في المقابل، هنالك اتجاه إصلاحي داخل الإخوان هو الذي استطاع أن يأخذ قراراً من التنظيم الدولي بالقبول والإقرار بالتعددية وبالآخر، وبمشاركة المرأة في الحياة السياسية.
لكن المفارقة؛ إذا كنت تسمح لـ"الأخت المسلمة" بالترشح للبرلمان والمشاركة في مناقشاته وفي الحياة العامة، فلماذا تمنعها من مجلس شورى الجماعة! فالأخت المسلمة لا ترشح نفسها ولا تشارك في اختيار القيادة الإخوانية، أليست هذه ازدواجية!
الفكر الإخواني ليس فكراً تكفيرياً، فحسن البنا – مؤسس الجماعة- أكد أن الجماعة لا تكفر الناس، لكن هنالك من الإخوان من ينحى منحى التكفير، ولولا أنه يوجد فراغ واضح، لما وُجد التكفيريون في الجماعة.
البعض يقول: إن سيد قطب كان يكفر المجتمع المسلم، لكن من خلال قراءتي لكتابه "معالم في الطريق"، فإن سيد قطب لم يكن يكفر، هو تحدث عن الجاهلية، وهي لا تعني بالضرورة الكفر، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي ذر الغفاري: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية"، فلم يكفره. فكلام سيد قطب عن مجتمع جاهلي هو عن مجتمع ليس كما يريده الإسلام بالكلية، فالإسلام والكفر درجات..
* إصلاح الوضع داخل الحركات الإسلامية، بالتحديد جماعة الإخوان، هل هو ممكن؟
العموش: بلا شك الإخوان بحاجة إلى إعادة بناء إلى "بروسترويكا". عليهم إعادة قراءة رسائل الإمام حسن البنا، ليس تقديساً للبنا، لكن لما له من فضل في تأسيس الجماعة ووضع منهجها، وقد تكون هنالك أخطاء، ولا بد من إعادة النظر في كتب سيد قطب ما نقبل منها وما نرفض، في أحيان نقول أن هذا هو منهج الجماعة وأخرى نقول أنه رأي شخصي، فلا بد من تحديد منهج الإخوان في أدبيات تتبناها الجماعة، عندئذ تصبح هذه الأدبيات هي المرجع والمنظومة والحجة.
الآن المناهج التي تدرس داخل الجماعة، تحتمل كثيراً من الآراء والمواقف التي لا تعبر بالضرورة عن موقف الجماعة. فلا بد من إزالة أسماء المؤلفين واعتماد مناهج للجماعة.
لا بد من إصلاح النظام الداخلي لجماعة الإخوان؛ حتى التنظيم الدولي يسيطر عليه المصريون، فالمرشد العام من مصر، وثمانية من المصريين لا بد أن يكونوا في مجلس الشورى! ما أتمناه أن يتحول إلى "مجلس تنسيق إسلامي"، وتتعامل الجماعات في كل دولة مع ظروفها وتتصالح مع أنظمتها، وتكون الحركات جزء من منظومة المجتمع، والاتجاهات المختلفة بما فيها الشيوعية. يمكن الالتقاء في البرنامج الدنيوي مع العديد من الاتجاهات السياسية والفكرية الأخرى، فهنالك قواسم مشتركة عديدة: رفض الظلم، القبول بالتعددية، والديمقراطية.
* بالمناسبة؛ هل مفاهيم الديمقراطية والتعددية، التي أعلنت الجماعة القبول بها في السنوات الأخيرة، راسخة في الوعي الإخواني الداخلي؟
العموش: لا، هنالك من لا يزال يقول إن الديمقراطية تزوير وأكذوبة، لكن ليس لديهم بديل آخر؛ فإذا كنت ترفض الديمقراطية، هل تريد الدكتاتورية؟ يقول: لا، أريد الحكم الإسلامي، لكن السؤال: كيف ستصل إليه؟!
لا بد من حزم داخل الجماعة بأن يتم اعتماد مواقف فكرية واضحة وإلزام الجميع بها، انتهى عهد عملية التجميع، فالإمام حسن البنا عندما أراد أن يجمع كان مؤسساً، لكن لا يمكن الاحتفاظ بالتناقضات جميعها، فلن تتقدم الجماعة إلى الأمام.
عندما يدفع دعاة التجديد والإصلاح باتجاه ودعاة التشدد باتجاه آخر، تكون المحصلة الفرق بين قوتين، فلا بد من الخلاص من قصة الصقور والحمائم، والجدل حول الديمقراطية وشرعية الحكومات العربية، فلا أريد أن اكون خارجاً على القانون والدستور، وحتى لو كانت هنالك ملاحظات على الدستور والقوانين أسعى إلى تغييرها بطرق ديمقراطية وسلمية,
لا بد من الاعتراف بحقوق المرأة، ليس في الشعارات بل بالمضامين، أن تمكن المرأة بأن تكون عضو مكتب تنفيذي وعضو مجلس شورى.
وكذلك لا بد من تحديد موقف الإخوان من الآخر غير المسلم؛ فعلى سبيل المثال كان مصطفى مشهور رحمه الله، المرشد العام السابق الراحل لجماعة الإخوان، يقول بأن لا يجوز للأقباط الانخراط بالجيش وعليهم تأدية الجزية، فإذا كان هذا موقف المرشد العام فهذه مصيبة، ولو كان هنالك تأصيل فكري لما قال ذلك.
لا بد من اعتماد خطاب واحد للجماعة، ومن شذّ فليس من الجماعة، وهذا يحتاج إلى إثباتات وليس ادعاء. فلا بد أن يكون ما تتحدث به الجماعة أمام الحكومة هو نفسه ما تخاطب به قواعدها؛ فلا تكون كخطيب الجمعة الذي يخاطب الناس بما يعجبهم لا بما يعتقد انه ينفعهم، فالجماعة لا يجوز أن تخاطب قواعدها بما يرضيهم، بل بما يقودهم إلى الطريق الصحيح.
* هل هنالك تشدد فقهي داخل الجماعة؛ كالموقف من الموسيقى والفن مثلاً؟
العموش: نعم هنالك منحى متشدد في الجماعة. وأذكر أن من أول الكتب التي قرأناها داخل الجماعة كتاباً كان يحرم الموسيقى وكثيراً من المظاهر الفنية. لذلك أقول لا بد للجماعة من إعادة النظر في مناهجها، فلا تتركها لأشخاص متشددين يدرسون قناعاتهم لأفراد الجماعة. وأرى أن على الجماعة ألاّ تتبنى مواقف فقهية في المسائل الخاصة، لأن تبني الجماعة لها سيؤدي إلى حالة من التشظي، ولا يجوز أن تنشغل بها، فما يجب أن تعنى به الجماعة هو القضايا العامة التي ترتبط بالدولة والمجتمع.
* هل تعاني جماعة الإخوان من شيخوخة في القيادة؟
العموش: من صفات القيادة المبادرة، أين هي المبادرات التي تقوم بها القيادات الإخوانية، ولو نظرت في عدد الأسماء الكبيرة التي تركت الجماعة لوجدت أنها بالعشرات، فهل هؤلاء غير جيدين؟! فمحمد عبد الرحمن خليفة رحمه الله، المراقب العام السابق، لجماعة الإخوان في الأردن، كان قائداً كبيراً، استطاع أن يحمي الجماعة ويجنبها الاصطدام مع المؤسسة الرسمية، خلال أربعين عاماً، كانت عاصفة في المنطقة وفي العلاقة بين الإسلاميين وحكوماتهم.
لكن بعد قدوم مراقب عام جديد، كان يفترض أن تطرح مبادرة ورؤية بعيدة المدى للمرحلة القادمة. أما ما يحدث لدى قيادة الإخوان فهو إدارة الأزمات الآنية، هنالك أزمة في القيادة ليس من باب التشكيك في شخصياتهم لكن في إدارة الحركة، والتعامل بمنطق (الفعل ورد الفعل)، لا وفقاً لقراءة استراتيجية. لكن التناقضات الداخلية تحول دون بناء رؤية استراتيجية وتقديم مبادرات نوعية.
* هل تعتقد أن هنالك نقصاً في الكادر الاستراتيجي في الجماعة المتخصص بالعلوم الإنسانية والإدارية والاجتماعية؟
العموش: قطعاً، حتى كلمة إستراتيجية فهي كلمة كبيرة، لا توجد استراتيجيات مكتوبة لدى جماعة الإخوان!
*دعوة النفيسي لحل جماعة الإخوان:
* د. عبدالله النفيسي دعا إلى حل تنظيم الإخوان إذا تحول إلى عبء على المشروع الحضاري الإسلامي، وقايس بين الحالة القطرية والمصرية، بتقديرك هل هذه الدعوة واقعية أو مشروعة؟
العموش: د. عبدالله النفيسي مثال على العقول الجبارة التي كانت في الجماعة، ثم خرج، رغم أنه يحب الخير للإخوان. أنا لا أدعو إلى حل التنظيم لكن أدعو إلى إعادة بناء الجماعة على أسس واضحة مع الناس ومع أفراد التنظيم أنفسهم.
ليس الهدف تجميع الناس، بقدر تحديد على ماذا نجمعهم؟ فالجماعة انتقلت من مرحلة تؤسس إلى مرحلة تبني ثم تزاحم، وإلى مرحلة تتحمل المسؤولية، فلا يجوز أن تبقى الوسائل في مرحلة التأسيس هي نفسها في المراحل اللاحقة. فالترابي عندما سألوه عن "الأسر" (الوحدات التنظيمية الصغيرة داخل هيكل الجماعة)، قال: نحن مسؤولون عن كل الشعب السوداني، هل يعقل أن نبقى نفكر بعقلية الأسر! يجب أن تراعى الظروف والتغيرات.
الهياكل ليست مقدسة، وهي وسائل، وهذا ما أؤيد به النفيسي، وليس حل التنظيم. لكن أقول: على قيادة الإخوان في الأردن وخارجه أن تكون صريحة مع نفسها، فما يصلح من أدوات سابقة تبقي عليه وما لا يصلح تتخلى عنه. فالجيوش تتطور والإدارات تتطور، القوانين تتطوّر، فهل يعقل أن أقف عند حدود ما قاله حسن البنا قبل عقود طويلة، دون قراءة جديدة، ولا محاولات للتجديد.
*مأزق حماس ومحدودية الخيارات:
* لو نأتي إلى موضوع حماس؛ هل بتقديرك أنها خسرت المعركة الإعلامية التي تلت أحداث غزة، وأن قاعدتها الجماهيرية تأثرت؟
العموش: إذا كان الحديث على المستوى العالمي، نعم صحيح، حماس في الفترة الأخيرة، عندما بدأت تتحدث في السياسة، كقبولها بإقامة دولة في حدود عام 67م، أصبحت دول تحاول استقطابها، أما العملية الأخيرة فقد خسرت بها كثيراً.
* هل هنالك تداعيات لما قامت به حركة حماس على باقي جماعات الإخوان؟
العموش: عندما تربط نفسك بالخطأ يتسرب إليك؛ وهذا ما حصل مع إخوان الأردن، فقد كانوا عاطفيين في تعاملهم مع مسألة حماس، لم يقولوا أن حماس أخطأت، وهذا لا ينفي أن هنالك اتجاها داخل فتح مرتبطا بالأميركيين، لكن هذا لا يدفع إلى القيام بخطوة كبيرة، كما حصل في غزة.
حماس كانت جزءاً من جماعة الإخوان، وكانوا يمثلون غطاء لها، ويخصصون أفراداً من الجماعة لمساعدة حماس في إدارة مكتبها الإعلامي. الآن كبرت حماس وأصبحت لها علاقاتها العالمية، وشكلت الحكومة الفلسطينية مرتين. الأولى لحماس والثانية حكومة وحدة وطنية مع قوى أخرى، ومع هذا تمت محاصرتها، فما بالك لو كانت حماس في قطاع غزة وحدها!
* أين ترى مستقبل حماس؟
العموش: ليس لها إلا أن تقدم تنازلات، وتقبل بمحاكمة من قاموا بتجاوزات، والأمر نفسه على الطرف الآخر، فلا بديل لحماس عن الحديث مع فتح، فلا يمكن تصور الحياة في قطاع غزة في حال استمرار الحصار، حماس أوقعت نفسها في حفرة كبيرة، والآن هي في مأزق، وإذا كان البعض من حماس يقول أن هناك فخاً كان ينصب للحركة، فالحركة وقعت فعلاً فيه.
* يقال الكثير عن التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، ما هي طبيعة العلاقة بينه وبين جماعات الإخوان في مختلف الدول؟
العموش: كنتُ عضواً في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وكان عبارة عن مجلس تنسيقي، تحضر فيه قيادات إخوانية من دول متعددة، وأذكر أن محفوظ النحناح ـ رحمه الله- طرح في إحدى الجلسات مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية في الجزائر، ونُصح من بعض الحضور بعدم المشاركة، لكن ذلك لم يكن إلزاماً، وجاء على صيغة نصيحة، وقد ترشح فعلاً ولم يفز.
فالتنظيم الدولي ليس هيئة عليا يصدر فرامانات كما تظن بعض الحكومات والدول.
الهياكل ليست مقدسة، وهي وسائل، وهذا ما أؤيد به النفيسي، وليس حل التنظيم. لكن أقول: على قيادة الإخوان في الأردن وخارجه أن تكون صريحة مع نفسها، فما يصلح من أدوات سابقة تبقي عليه وما لا يصلح تتخلى عنه. فالجيوش تتطور والإدارات تتطور، القوانين تتطوّر، فهل يعقل أن أقف عند حدود ما قاله حسن البنا قبل عقود طويلة، دون قراءة جديدة، ولا محاولات للتجديد.
يرى د. بسام العموش، أحد أبرز القياديين السابقين في جماعة الإخوان المسلمين، والذي تبوأ مناصب رسمية متعددة، أنّ العمل الإسلامي يعاني من أزمة تنبع من داخله، ومشكلته الرئيسة أنه يتحدث دوما عن المؤامرة الخارجية ليغطي على عيوبه الداخلية.
ويقول العموش: إنّ الحركة الإسلامية لم تقف محطة مراجعة حقيقية لتعيد النظر في أدائها وخطابها، بل على النقيض من ذلك، تريد الحركة من العالم أن يتغير ولا تريد أن تتغير، ملمِّحاً إلى وجود أزمة في رؤيتها السياسية في إدراك طبيعة العلاقات الدولية.
وفي مقابل تقدم التجارب الإسلامية التركية والمغربية والماليزية، فإنّ الحركات الإسلامية في المشرق ما تزال ترفض الاعتراف بأخطائها، وقد قلبت أوليتها من مشروع اشتباك حضاري مع العالم إلى صراع مع النظم الحاكمة العربية!
ويحيل العموش سر قوة الإسلاميين وشعبيتهم إلى غياب البدائل السياسية الأخرى المقنعة للجمهور وإلى ملل الناس من الراهن السياسي، في الوقت الذي استطاع فيه الإسلاميون رفع شعار مقدس "الإسلام هو الحل"، خلق لدى الناس شعوراً أنّ عدم مصادمة قناعاتهم الدينية يقتضي اختيار "المرشح الإسلامي"، دون التأكد من أهلية وقدرة هذا المرشح على أداء المهمة التي اختير لها.
ويرفض العموش، الذي يعد كتاباً يرصد التجربة الإخوانية في الأردن، أن يكون قد استقال من الجماعة، ويؤكد أنه فصل لمقال كتبه في إحدى الصحف، بعنوان "لماذا قاطعوا؟" ناقداً فيه بيان قيادة الإخوان الذي صدّروه تفسيراً لمقاطعتهم الانتخابات النيابية عام 97م.
والعموش، الذي عاش في التجربة الإخوانية ثلاثين عاماً قضى مرحلة منها في القيادة، ومثّل الإخوان في برلمان عام 93م، يرى من موقعه وخبرته الطويلة معهم، أن الجماعة بحاجة إلى إعادة بناء أو ما يسميه "بروسترويكا إخوانية" تقوم على إعادة تعريف منهج الجماعة ومواقفها الفكرية والسياسية والتخلي عن سياسة التجميع التي تجعل من الجماعة خليطاً من الأفكار والرؤى المتضاربة في كثير من الأوقات تجاه قضايا رئيسة من الدولة والمجتمع.
فلا بد أن توضع أدبيات توضح موقف الجماعة من الديمقراطية وحقوق المرأة وشرعية الحكومة والولاء للوطن..الخ. وعلى من يرفض هذه الأفكار ترك الجماعة والبحث عن بديل آخر يتوافق مع رؤيته.
في هذا السياق يدعو العموش الإخوان إلى التخلي عن مبدأ "سرية التنظيم"، ويطالبهم بالانفتاح والشفافية والعلنية، إذ يعتبر أن هذه القيم هي الضمانة الرئيسة لحماية الحركة الإسلامية وصونها، كما أنها تتلاءم وتتوافق مع متغيرات العالم وتطوراته، في المقابل فإن التجارب السرية والمسلحة قد جرّت على العمل الإسلامي الكوارث.
ويوضح العموش أنّ هنالك مبالغة في دور وطبيعة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقد كان عضواً فيه، إذ إنه لا يزيد على كونه هيئة تنسيق وحوار بين أفراد من جماعات الإخوان، ولا يملك صفة إلزامية على الدول المختلفة، ويعاني من سيطرة الإخوان المصريين عليه.
وعلى صعيد الأحداث في غزة ونتائج ما قامت به حماس على باقي الحركات الإسلامية، يرى العموش أنّ حماس أوقعت نفسها في حفرة كبيرة، وأنه لا بديل أمامها إلا العودة للحوار وتقديم تنازلات.
في المقابل، ينتقد موقف الإخوان الأردنيين من أحداث غزة ويرى أنهم تعاملوا عاطفياً وربطوا أنفسهم بحماس، ولا ينكر العموش أن حماس خسرت الصورة الإعلامية في الأيام الأولى من عملية غزة.
تبدو أهمية الرؤية النقدية للعموش، أنه أحد القيادات البارزة السابقة في جماعة الإخوان في الأردن، وكان عضواً في التنظيم العالمي، قبل أن يفصل من الجماعة عام 97م، بعد انتقاده لقرار مقاطعة الانتخابات النيابية، وقد مثّل العموش الإخوان في برلمان عام 93م، عن محافظة الزرقاء، ويؤكد بعض الإخوان المطلعين أن العموش كان يعد عقلاً مفكراً متقدماً في الجماعة، وأنه كان يحظى بشعبية واسعة في الداخل.
العموش حاصل على درجة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، درس في المغرب وأكمل دراساته العليا في الرياض، وقد عين وزيراً للتنمية الإدارية بعد خروجه من الجماعة بأشهر، ثم مديراً لديوان الخدمة المدنية، وسفيراً في إيران، ثم أشرف على الهيئة الإدارية المؤقتة لإدارة جمعية المركز الإسلامي التابعة للإخوان، قبل أن تتم إقالته لأسباب يربطها العموش بالخلاف بينه وبين الحكومة على سياسة إدارة الجمعية وتحديد مستقبلها.
*الحركات الإسلامية ومأزق الصعود!
* في المرحلة الأخيرة، برزت الحركات الإسلامية كلاعب رئيس في الملعب السياسي العربي؛ محللون وخبراء يرون أنها في صعود، وآخرون يرون أنها في مأزق وأنها تسقط في الاختبارات السياسية التي تمر بها في العالم العربي تحديداً؟
العموش: لا نستطيع إلا الاعتراف أن الحركات الإسلامية لها وجود وتأييد شعبي، لكنها حركات وليست حركة واحدة، وكذلك هي مناهج وليست منهجاً واحداً، حتى في الجانب السياسي، فلا بد إذن، تحديد من هي الحركات التي نتحدث عنها هنا.
الصحوة الإسلامية تمثل قاعدة للجميع، لكن من حيث الأداء والمنطق والعلمية؛ فإن العمل الإسلامي يعيش أزمة تنبع من داخله، قبل أن تكون من خارجه، أما الحديث الدائم عن المؤامرة الخارجية، فهو حديث مكرر ومفهوم، فليس من المتوقع من خصمك أو عدوك أن يرفق بك! لكن الانشغال بالحديث عن العدو الخارجي يأتي لتغطية العيوب الداخلية، وهذا هو العيب الأبرز في العمل الإسلامي اليوم.
إلى الآن لم تقف الحركة الإسلامية محطة تقييم حقيقية لتعيد النظر في أدائها وخطابها. فالحركات الإسلامية تعتقد أن العالم يجب أن يتغير، لكنها ليست مطالبة بفهم العالم ومتغيراته وحقائقه؛ فلو أخذنا النموذج العراقي، على سبيل المثال: أميركا قررت أن تغزو العراق، ودعمتها بريطانيا، لأسباب متعددة داخلياً وخارجياً، ولم يصدر قرار مباشر واضح من مجلس الأمن، ومع ذلك دخلوا إلى العراق، والسؤال: لماذا لم تقف الدول الكبرى الأخرى في مواجهة الولايات المتحدة، على الرغم أنها لا تنقصها القوة؟ والجواب أن هذه الدول تعرف أن قوتها لا تماثل قوة الولايات المتحدة، ففهمت المعادلة، ولم تتورط، في المقابل بعض فصائل العمل الإسلامي تتكون من مائتي شخص ترى نفسها أكبر وأقوى من أميركا وأوروبا!
الأزمة القائمة في العمل الإسلامي، تتجلى في اختلاف مناهجه وعدم فهم الواقع العالمي، بعض هذه الفصائل دخلت في صراعات داخلية مع الأنظمة الحاكمة، وبعضها دخلت في شد حبل، كما هو الحال في الأردن؛ فالإسلاميون لا يأخذون ما يريدون، لكن الدولة لا تستخدم القوة العسكرية معهم، فهنالك حالة تعايش تاريخية، يمكن أن تكون هذه الصورة أفضل من صور أخرى للحركات الإسلامية كما حدث في سورية والعراق، وكما هو الحال في مصر.
ما حدث أن الحركات الإسلامية قلبت برامجها، فبدلاً من أن تكون في اشتباك حضاري في إدراك أسس التفاعل مع العالم، أصبحت منخرطة في أزمة مع النظم الحاكمة، والتي بلا شك ستعمد إلى مواجهة هذه الحركات، وهي حالة طبيعية في الخبرة التاريخية الإسلامية منذ الفتنة الكبرى، فإذا كان الصحابة قد تقاتلوا على السلطة، فماذا نتوقع من الراهن السياسي العربي!
أعتقد أن الحركات الإسلامية لا تعترف بأخطائها ولا تسعى إلى الانطلاق إلى مرحلة جديدة..
* ثمة مفارقة ملحوظة: ففي الوقت الذي تتمتع فيه الحركات الإسلامية بشعبية وجماهيرية كبيرة، فإنها لا تمتلك برنامجاً سياسياً واقعياً في كثير من الدول العربية، ما تفسير ذلك؟
العموش: هنالك فرق بين التجربة الإخوانية والتجارب الإسلامية الأخرى، ففي تركيا ليسوا إخواناً ولا في المغرب ولا ماليزيا، وهذه تجارب متقدمة على نظيرتها في العالم العربي، حتى داخل الجسم العربي، هنالك حركات تصعد وليست إخوانية، فالسلفية الجهادية لها سوق اليوم أكثر من الإخوان.
على كل حال، هذا لا ينفي الفجوة الواضحة بين شعبية الحركات الإسلامية وبين برنامجها؛ أما لماذا يؤيدهم الناس؟ فهنالك أسباب عديدة، أحد الأسباب الرئيسة هو انعدام البدائل الأخرى، فعلى الرغم أنني مع التعددية، لكن عندما يذهب الناس إلى الاقتراع يشعرون أن المشروع الإسلامي والأشخاص المتدينين أقرب إليهم من المشروع الشيوعي أو المشاريع الأخرى على سبيل المثال. فلم يرتق الوعي لدى الناس لتقرير أسس الاختيار؛ فلا يكفي أن يرفع شخص أو تنظيم شعاراً إسلامياً، بل لا بد أن تكون هنالك شروط متحققة كالوعي وإدراك طبيعة المهمة المترشح لها، القدرة الإدارية والمهارات الفردية.
وهنالك أيضاً مسألة "التعاطف مع الضحية"؛ فالإسلاميون في كثير من الأقطار هم ضحايا، والناس تتعاطف معهم. ونضيف إلى ذلك الموقف الإسلامي المعروف من القضية الفلسطينية، وهي مسألة لا تتعلق بالفلسطينيين وحدهم، فحتى الماليزي عندما يسمع عن جرائم الصهاينة يبحث عمن يقف ضدهم، ويالتالي يتعاطف مع الإسلاميين.
وقد ملت الناس الخيارات الأخرى التي أمسكت بالسلطة، ووجدت أن الفساد السلطوي أصبح عبئاً كبيراً، فالجميع يبحث عن حل؛ وقد نجحت الحركات الإسلامية التي ترفع شعارا مقدسا كـ"الإسلام هو الحال" أن تخلق لدى الناس انطباعاً أنّ تأييدها هو وقوف مع الإسلام والعكس صحيح، والجماهير لا تريد الوقوف ضد معتقداتها الدينية!
*التجربة الإخوانية والمراجعة المفقودة:
* إذا عدنا إلى التجربة الإخوانية، ولنبدأ بخبرتك الشخصية، فقد كنت أحد أبرز القياديين في جماعة الإخوان، لماذا تركت الجماعة؟ هل أصبح الإصلاح مستحيلاً من الداخل؟..
العموش: هنالك عدم دقة إعلامية في التعامل مع القضايا التي تخص العمل الإسلامي. فعندما أعود إلى المرحلة التي تركتُ بها الجماعة عام 97، أجد أنّ الإعلام يتحدث عن استقالتي، وهذا غير صحيح، أنا لم أترك الإخوان، فقد فصلت من الجماعة.
على مدار ثلاثين سنة، كنت أعمل في الجماعة، وفي فترات كبيرة كنت مسؤولاً أحاول الإصلاح قدر المستطاع، لكنني في النهاية فصلت على مقال كتبته في صحيفة الرأي الأردنية، بعنوان "لماذا قاطعوا"؛ عندما قرر الإخوان في عام 97م مقاطعة الانتخابات، وكان هنالك مشاورات داخلية واستطلاع آراء حول المقاطعة والمشاركة، وكان المزاج العام يميل إلى المشاركة، لكن تدخلت القيادة آنذاك مستثمرة بعض الأدوات الإعلامية المرتبطة بها وعبر التحشيد الداخلي وقلبت النتيجة، بدعوى عدم جدوى المشاركة وتدهور الحالة الديمقراطية، وأصدرت بياناً حول المقاطعة، وأنا كتبت مقالاً ناقشت فيه البيان، فسئلت: لماذا لم أناقشه داخليا؟ فقلت: أنا ناقشته داخلياً، لكن لم يتح لي الوقت الكافي، وعندما تحدث بعض قادة الجماعة في الصحافة تحدثت أنا بوجهة نظر مختلفة.
كانت النتيجة أن عقدت لي محكمة داخلية، وعندما عرفت بتشكيلة المحكمة، أدركت أن الحكم معروف سلفاً، فلم أحضر، وصدر القرار بفصلي من الجماعة!
كان هدفي ألا يضع الإخوان أنفسهم في حالة "الشعور بالضحية"، فتتوتر علاقتهم بالدولة، وينجرون إلى تجارب إخوانية أخرى مريرة، وكنت حريصاً على بقاء واستمرار الإخوان كحركة علنية في الأردن، ممكن أن يختلفوا مع الحكومة، لكن لا يصطدمون معها، وهذا موقف استراتيجي في تقديري، وكنت أخشى أن المقاطعة تقود الإخوان إلى مسار مختلف، والحمد لله أن هذا لم يحدث، لكن في المقابل تبين أن تجربة المقاطعة كانت خاطئة، لهذا فإن القراءة القادمة (بنسبة 9%) هي مشاركة الإخوان في الانتخابات.
عندما فصلت، أصبحت فرداً ولست عضواً في تنظيم، أعود في مواقفي وخياراتي إلى قيادته، بعد ذلك بعدة أشهر عينت وزيراً. فهنالك مغالطة يقع فيها الإعلام فحواها أنني خرجت من الجماعة بسبب الوزارة وهذا غير صحيح أبداً.
* ما مدى تقبل الإخوان للتعددية الداخلية وقدرة الفرد على المعارضة، واستيعاب الطاقات الفكرية، هل أصبحت الجماعة ممراً للعقول المفكرة وليست مستقراً له؟
العموش: دعني أقول: الإخوان لديهم نقاشات داخلية وتعقد مؤتمرات، وفي الجلسات الخاصة لك أن تقول ما تريد، لكن في النهاية عليك الالتزام، لكن مشكلتنا المجتمعية والثقافية العامة أن مساحة الحوار ليست كافية، بدءاً من الأسرة والمدرسة ثم الجامعة.
هنالك حوارات ووجهات نظر متعددة داخل الجماعة، فالإخوان في الأصل "مدرسة تجميعية"، فيها الصوفي والسلفي وأصحاب الآراء المتباينة.
لكن هنالك تحكم من بعض المجموعات الداخلية في مؤسسات إخوانية. فأنا، على سبيل المثال، كنت أكتب في صحيفة السبيل الأسبوعية، وقيل لي لا تكتب في موضوع معين، فتركت الكتابة في الصحيفة.
* لكن هل تعتقد أن الجماعة تستوعب النقد الداخلي الذاتي؟
العموش: نتحدث هنا عن قصة الشفافية؛ فقد كتبت في إحدى المرات مقالاً بعنوان "سقوط السرية" فغضب بعض قادة الجماعة؛ فالإخوان يعتقدون أن العالم لا يعرف ما يحدث في الأروقة الإخوانية، وقد ثبت عكس ذلك تماماً أن كل شيء معروف وموثق، لذلك لا بد من حسم هذه القضية بصورة صارمة: بأن يتحدث الإخوان مع الداخل كما يتحدثون مع الخارج، باعتماد خطاب واحد، وهذا مريح للإخوان فهو يخرجهم من دائرة السرية وآفاتها المرتبطة بالتخوين والتشكيك.
أذكر أن أول مجلس شورى كنت فيه نشرت أسماء أعضائه كاملة في إحدى الصحف، ما أثار الشكوك والريبة داخل المجلس، فالأسماء كلها كانت صحيحة، وبالتأكيد أن أحد الأعضاء هو من سرّب الأسماء. فلماذا يعيش الإخوان في هذه الحالة! لماذا لا تكون الأمور معلنة وواضحة على الملأ، لم يعد هنالك مجال للسرية في عالم اليوم. ومن ثم الجماعة ليست انقلابية بل هي حركة إصلاحية علنية، وجزء من المشكلات التي تحدث بين الدولة والإخوان اتهام الدولة لهم أن لديهم خطابين.
* ما السبب في بقاء سرية التنظيم؟
العموش: موروث قديم، فهنالك ارتباط بين الإخوان والتجربة المصرية التي شهدت صراعاً حادا مع الدولة، دفع إلى الإصرار على السرية.
ويوظف البعض نصوصاً كالحديث النبوي "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، لتبرير السرية التنظيمية، وهذا لا ينطبق على الحياة السياسية، لا بد أن تكون الأمور واضحة، فالحرية والانفتاح والشفافية قيم ضرورية في الحياة السياسية.
وبالعودة إلى تجارب العمل السري، كما حدث في التجربة الإخوانية (النظام الخاص)، فقد أدت إلى كوارث، أما الحديث أن التجربة الإسلامية كانت في العهد المكي سرية، فقد كانوا يتعاملون مع أناس يعبدون الحجارة والواقع اليوم مختلف، في الدول الحالية هنالك نصوص دستورية تؤكد أن الإسلام دين الدولة، والقياس على الحالة المكية لا يصح وفقاً للقاعدة المعروفة "لا قياس مع الفارق"، فأدعو الإخوان إلى الغاء مبدأ السرية والتخلي عنه في أدبياتهم. فالسرية الشخصية هي حق للفرد، لكن علنية العمل العام تشكل حماية له.
* هل ترى أن جماعة الإخوان انحرفت عن أهدافها الأصلية وعن مسارها، وهل انحرفت فئات إخوانية نحو خطاب التكفير والصراع مع الدول؟
العموش: هنالك تحولات كبيرة في مسارات العمل الإسلامي بصورة عامة، فأسامة بن لادن، على سبيل المثال، رجل مسلم متدين، كان يعتقد أن خادم الحرمين الشريفين ولي أمره ولا يجوز له السفر دون استئذانه، يقفز فجأة إلى اعتبار أنّ ما حدث في تفجير الخبر والمحيا جهادا شرعيا! فهذا دليل واضح على فقدان البوصلة.
في المقابل، تربى أفراد الإخوان على أنّ أحد قيادات الإخوان، بوسف طلعت، علق على المشنقة وهو يقول: "اللهم سامحني وسامح من ظلمني"، هذه القناعة بدأت بالتغير، أيضاً، فالقصة الأخيرة المرتبطة بأحداث غزة، مؤشر على ذلك، كم كانت تقول حماس إن الصراع الداخلي خط أحمر، ثم وجدت من الذرائع والدعاوى ضد فتح لتبرير ما قامت به، في حين أنّ هنالك حكمة مأثورة من القيم الإسلامية فحواها: "كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبدالله الظالم".
نتيجة غياب البوصلة والقراءة الإستراتيجية، تحصل هنالك اجتهادات، فبعض الإخوان تعود جذورهم إلى حزب التحرير المحظور، فيرفضون الاعتراف بالدولة والدستور، ويجدون لهم زبائن ومستمعين. وهكذا يمكن أن يأتي بعض الإخوان فيقررون عمل مجموعة صغيرة تقوم بأعمال مسلحة ضد مصالح وأهداف معينة.
هذه مظاهر للمرض. أمّا المرض الحقيقي فيتمثل بعدم وجود منهج يضبط الجميع. نعم، التنظيم ما يزال يمسك الأكثرية ويحول دون وقوعها في الخطأ، لكن من الخطورة السماح لشخص صاحب فكر متشدد أن يتولي القيادة والمسؤولية في الجماعة.
في المقابل، هنالك اتجاه إصلاحي داخل الإخوان هو الذي استطاع أن يأخذ قراراً من التنظيم الدولي بالقبول والإقرار بالتعددية وبالآخر، وبمشاركة المرأة في الحياة السياسية.
لكن المفارقة؛ إذا كنت تسمح لـ"الأخت المسلمة" بالترشح للبرلمان والمشاركة في مناقشاته وفي الحياة العامة، فلماذا تمنعها من مجلس شورى الجماعة! فالأخت المسلمة لا ترشح نفسها ولا تشارك في اختيار القيادة الإخوانية، أليست هذه ازدواجية!
الفكر الإخواني ليس فكراً تكفيرياً، فحسن البنا – مؤسس الجماعة- أكد أن الجماعة لا تكفر الناس، لكن هنالك من الإخوان من ينحى منحى التكفير، ولولا أنه يوجد فراغ واضح، لما وُجد التكفيريون في الجماعة.
البعض يقول: إن سيد قطب كان يكفر المجتمع المسلم، لكن من خلال قراءتي لكتابه "معالم في الطريق"، فإن سيد قطب لم يكن يكفر، هو تحدث عن الجاهلية، وهي لا تعني بالضرورة الكفر، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي ذر الغفاري: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية"، فلم يكفره. فكلام سيد قطب عن مجتمع جاهلي هو عن مجتمع ليس كما يريده الإسلام بالكلية، فالإسلام والكفر درجات..
* إصلاح الوضع داخل الحركات الإسلامية، بالتحديد جماعة الإخوان، هل هو ممكن؟
العموش: بلا شك الإخوان بحاجة إلى إعادة بناء إلى "بروسترويكا". عليهم إعادة قراءة رسائل الإمام حسن البنا، ليس تقديساً للبنا، لكن لما له من فضل في تأسيس الجماعة ووضع منهجها، وقد تكون هنالك أخطاء، ولا بد من إعادة النظر في كتب سيد قطب ما نقبل منها وما نرفض، في أحيان نقول أن هذا هو منهج الجماعة وأخرى نقول أنه رأي شخصي، فلا بد من تحديد منهج الإخوان في أدبيات تتبناها الجماعة، عندئذ تصبح هذه الأدبيات هي المرجع والمنظومة والحجة.
الآن المناهج التي تدرس داخل الجماعة، تحتمل كثيراً من الآراء والمواقف التي لا تعبر بالضرورة عن موقف الجماعة. فلا بد من إزالة أسماء المؤلفين واعتماد مناهج للجماعة.
لا بد من إصلاح النظام الداخلي لجماعة الإخوان؛ حتى التنظيم الدولي يسيطر عليه المصريون، فالمرشد العام من مصر، وثمانية من المصريين لا بد أن يكونوا في مجلس الشورى! ما أتمناه أن يتحول إلى "مجلس تنسيق إسلامي"، وتتعامل الجماعات في كل دولة مع ظروفها وتتصالح مع أنظمتها، وتكون الحركات جزء من منظومة المجتمع، والاتجاهات المختلفة بما فيها الشيوعية. يمكن الالتقاء في البرنامج الدنيوي مع العديد من الاتجاهات السياسية والفكرية الأخرى، فهنالك قواسم مشتركة عديدة: رفض الظلم، القبول بالتعددية، والديمقراطية.
* بالمناسبة؛ هل مفاهيم الديمقراطية والتعددية، التي أعلنت الجماعة القبول بها في السنوات الأخيرة، راسخة في الوعي الإخواني الداخلي؟
العموش: لا، هنالك من لا يزال يقول إن الديمقراطية تزوير وأكذوبة، لكن ليس لديهم بديل آخر؛ فإذا كنت ترفض الديمقراطية، هل تريد الدكتاتورية؟ يقول: لا، أريد الحكم الإسلامي، لكن السؤال: كيف ستصل إليه؟!
لا بد من حزم داخل الجماعة بأن يتم اعتماد مواقف فكرية واضحة وإلزام الجميع بها، انتهى عهد عملية التجميع، فالإمام حسن البنا عندما أراد أن يجمع كان مؤسساً، لكن لا يمكن الاحتفاظ بالتناقضات جميعها، فلن تتقدم الجماعة إلى الأمام.
عندما يدفع دعاة التجديد والإصلاح باتجاه ودعاة التشدد باتجاه آخر، تكون المحصلة الفرق بين قوتين، فلا بد من الخلاص من قصة الصقور والحمائم، والجدل حول الديمقراطية وشرعية الحكومات العربية، فلا أريد أن اكون خارجاً على القانون والدستور، وحتى لو كانت هنالك ملاحظات على الدستور والقوانين أسعى إلى تغييرها بطرق ديمقراطية وسلمية,
لا بد من الاعتراف بحقوق المرأة، ليس في الشعارات بل بالمضامين، أن تمكن المرأة بأن تكون عضو مكتب تنفيذي وعضو مجلس شورى.
وكذلك لا بد من تحديد موقف الإخوان من الآخر غير المسلم؛ فعلى سبيل المثال كان مصطفى مشهور رحمه الله، المرشد العام السابق الراحل لجماعة الإخوان، يقول بأن لا يجوز للأقباط الانخراط بالجيش وعليهم تأدية الجزية، فإذا كان هذا موقف المرشد العام فهذه مصيبة، ولو كان هنالك تأصيل فكري لما قال ذلك.
لا بد من اعتماد خطاب واحد للجماعة، ومن شذّ فليس من الجماعة، وهذا يحتاج إلى إثباتات وليس ادعاء. فلا بد أن يكون ما تتحدث به الجماعة أمام الحكومة هو نفسه ما تخاطب به قواعدها؛ فلا تكون كخطيب الجمعة الذي يخاطب الناس بما يعجبهم لا بما يعتقد انه ينفعهم، فالجماعة لا يجوز أن تخاطب قواعدها بما يرضيهم، بل بما يقودهم إلى الطريق الصحيح.
* هل هنالك تشدد فقهي داخل الجماعة؛ كالموقف من الموسيقى والفن مثلاً؟
العموش: نعم هنالك منحى متشدد في الجماعة. وأذكر أن من أول الكتب التي قرأناها داخل الجماعة كتاباً كان يحرم الموسيقى وكثيراً من المظاهر الفنية. لذلك أقول لا بد للجماعة من إعادة النظر في مناهجها، فلا تتركها لأشخاص متشددين يدرسون قناعاتهم لأفراد الجماعة. وأرى أن على الجماعة ألاّ تتبنى مواقف فقهية في المسائل الخاصة، لأن تبني الجماعة لها سيؤدي إلى حالة من التشظي، ولا يجوز أن تنشغل بها، فما يجب أن تعنى به الجماعة هو القضايا العامة التي ترتبط بالدولة والمجتمع.
* هل تعاني جماعة الإخوان من شيخوخة في القيادة؟
العموش: من صفات القيادة المبادرة، أين هي المبادرات التي تقوم بها القيادات الإخوانية، ولو نظرت في عدد الأسماء الكبيرة التي تركت الجماعة لوجدت أنها بالعشرات، فهل هؤلاء غير جيدين؟! فمحمد عبد الرحمن خليفة رحمه الله، المراقب العام السابق، لجماعة الإخوان في الأردن، كان قائداً كبيراً، استطاع أن يحمي الجماعة ويجنبها الاصطدام مع المؤسسة الرسمية، خلال أربعين عاماً، كانت عاصفة في المنطقة وفي العلاقة بين الإسلاميين وحكوماتهم.
لكن بعد قدوم مراقب عام جديد، كان يفترض أن تطرح مبادرة ورؤية بعيدة المدى للمرحلة القادمة. أما ما يحدث لدى قيادة الإخوان فهو إدارة الأزمات الآنية، هنالك أزمة في القيادة ليس من باب التشكيك في شخصياتهم لكن في إدارة الحركة، والتعامل بمنطق (الفعل ورد الفعل)، لا وفقاً لقراءة استراتيجية. لكن التناقضات الداخلية تحول دون بناء رؤية استراتيجية وتقديم مبادرات نوعية.
* هل تعتقد أن هنالك نقصاً في الكادر الاستراتيجي في الجماعة المتخصص بالعلوم الإنسانية والإدارية والاجتماعية؟
العموش: قطعاً، حتى كلمة إستراتيجية فهي كلمة كبيرة، لا توجد استراتيجيات مكتوبة لدى جماعة الإخوان!
*دعوة النفيسي لحل جماعة الإخوان:
* د. عبدالله النفيسي دعا إلى حل تنظيم الإخوان إذا تحول إلى عبء على المشروع الحضاري الإسلامي، وقايس بين الحالة القطرية والمصرية، بتقديرك هل هذه الدعوة واقعية أو مشروعة؟
العموش: د. عبدالله النفيسي مثال على العقول الجبارة التي كانت في الجماعة، ثم خرج، رغم أنه يحب الخير للإخوان. أنا لا أدعو إلى حل التنظيم لكن أدعو إلى إعادة بناء الجماعة على أسس واضحة مع الناس ومع أفراد التنظيم أنفسهم.
ليس الهدف تجميع الناس، بقدر تحديد على ماذا نجمعهم؟ فالجماعة انتقلت من مرحلة تؤسس إلى مرحلة تبني ثم تزاحم، وإلى مرحلة تتحمل المسؤولية، فلا يجوز أن تبقى الوسائل في مرحلة التأسيس هي نفسها في المراحل اللاحقة. فالترابي عندما سألوه عن "الأسر" (الوحدات التنظيمية الصغيرة داخل هيكل الجماعة)، قال: نحن مسؤولون عن كل الشعب السوداني، هل يعقل أن نبقى نفكر بعقلية الأسر! يجب أن تراعى الظروف والتغيرات.
الهياكل ليست مقدسة، وهي وسائل، وهذا ما أؤيد به النفيسي، وليس حل التنظيم. لكن أقول: على قيادة الإخوان في الأردن وخارجه أن تكون صريحة مع نفسها، فما يصلح من أدوات سابقة تبقي عليه وما لا يصلح تتخلى عنه. فالجيوش تتطور والإدارات تتطور، القوانين تتطوّر، فهل يعقل أن أقف عند حدود ما قاله حسن البنا قبل عقود طويلة، دون قراءة جديدة، ولا محاولات للتجديد.
*مأزق حماس ومحدودية الخيارات:
* لو نأتي إلى موضوع حماس؛ هل بتقديرك أنها خسرت المعركة الإعلامية التي تلت أحداث غزة، وأن قاعدتها الجماهيرية تأثرت؟
العموش: إذا كان الحديث على المستوى العالمي، نعم صحيح، حماس في الفترة الأخيرة، عندما بدأت تتحدث في السياسة، كقبولها بإقامة دولة في حدود عام 67م، أصبحت دول تحاول استقطابها، أما العملية الأخيرة فقد خسرت بها كثيراً.
* هل هنالك تداعيات لما قامت به حركة حماس على باقي جماعات الإخوان؟
العموش: عندما تربط نفسك بالخطأ يتسرب إليك؛ وهذا ما حصل مع إخوان الأردن، فقد كانوا عاطفيين في تعاملهم مع مسألة حماس، لم يقولوا أن حماس أخطأت، وهذا لا ينفي أن هنالك اتجاها داخل فتح مرتبطا بالأميركيين، لكن هذا لا يدفع إلى القيام بخطوة كبيرة، كما حصل في غزة.
حماس كانت جزءاً من جماعة الإخوان، وكانوا يمثلون غطاء لها، ويخصصون أفراداً من الجماعة لمساعدة حماس في إدارة مكتبها الإعلامي. الآن كبرت حماس وأصبحت لها علاقاتها العالمية، وشكلت الحكومة الفلسطينية مرتين. الأولى لحماس والثانية حكومة وحدة وطنية مع قوى أخرى، ومع هذا تمت محاصرتها، فما بالك لو كانت حماس في قطاع غزة وحدها!
* أين ترى مستقبل حماس؟
العموش: ليس لها إلا أن تقدم تنازلات، وتقبل بمحاكمة من قاموا بتجاوزات، والأمر نفسه على الطرف الآخر، فلا بديل لحماس عن الحديث مع فتح، فلا يمكن تصور الحياة في قطاع غزة في حال استمرار الحصار، حماس أوقعت نفسها في حفرة كبيرة، والآن هي في مأزق، وإذا كان البعض من حماس يقول أن هناك فخاً كان ينصب للحركة، فالحركة وقعت فعلاً فيه.
* يقال الكثير عن التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، ما هي طبيعة العلاقة بينه وبين جماعات الإخوان في مختلف الدول؟
العموش: كنتُ عضواً في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وكان عبارة عن مجلس تنسيقي، تحضر فيه قيادات إخوانية من دول متعددة، وأذكر أن محفوظ النحناح ـ رحمه الله- طرح في إحدى الجلسات مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية في الجزائر، ونُصح من بعض الحضور بعدم المشاركة، لكن ذلك لم يكن إلزاماً، وجاء على صيغة نصيحة، وقد ترشح فعلاً ولم يفز.
فالتنظيم الدولي ليس هيئة عليا يصدر فرامانات كما تظن بعض الحكومات والدول.
تعليق