محمد دحلان: فلسطيني واحد عرف حقيقة «حماس» أكثر مني اسمه ياسر عرفات ... لا فارق بين الحركة و«القاعدة» والمطلوب إنقاذها من خطيئتها وإنقاذ الشعب من «إمارتها»
حاوره غسان شربل الحياة اللندنية - 30/08/08//
قبل سنوات فتحت «الحياة» صفحاتها لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل وللأمين العام لـ «حركة الجهاد الإسلامي» رمضان شلح، وانطلاقاً من حق القارئ في معرفة مختلف الروايات، تفتح «الحياة» صفحاتها لدحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو «المجلس الثوري» لحركة «فتح». حذر دحلان في حديثه من المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية حالياً، مشدداً على ضرورة «إنقاذ «حماس» من سلوكها وإنقاذ الشعب الفلسطيني مما ارتكبته»، ومعتبراً أن «لا فارق بين حماس والقاعدة»، ومتهماً الحركة بتوقيت عملياتها الانتحارية لإحباط جهود عرفات. واعتبر أن الحل يتمثل في تنفيذ اقتراحات الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية يتبعها اتفاق سياسي. تحدث دحلان عن علاقات عرفات برؤساء الحكومات الإسرائيليين، وهي كانت مضطربة وصعبة، باستثناء العلاقة مع إسحق رابين. وكشف أنه مر مع عرفات بعد منتصف الليل قرب المسجد الأقصى، ورأى الزعيم الفلسطيني مبتهجاً كطفل. وتحدث عن حصار «المقاطعة» وخوف عرفات من أن لا يسمح الإسرائيليون له بالعودة إذا ذهب للعلاج. وحكى قصة الساعات الأخيرة متذكراً ملامح عرفات ووفاءه.
وهنا نص الحلقة الأولى:
* ماذا تقول لياسر عرفات عن «حماس» وما فعلته؟
- أقول له باختصار أنت أفضل من عرف «حماس». ياسر عرفات هو أفضل من عرف «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس». أنا شاركت معه في كل الحوارات مع الحركة. شاركت معه في بيته في شكل سري، وفي مكتبه. كان الشهيد أحمد ياسين والشهيد «أبو عمار» عقدا جلسات في بيتي في غزة في كل السنوات بعد أوسلو. كثير من اللقاءات كان يعقد في بيتي. شاركت معه في المفاوضات التي سبقت دخولنا الى السلطة، حين عرض عليهم الرئيس «أبو عمار» الدخول في المنظمة، وكان ذلك في السودان تحت رعاية الشيخ حسن الترابي، وشاركت معهم مرتين. ومن دون أن أسرد تفاصيل، أعتقد بأن الوحيد الذي يعرف حركة «حماس» أكثر مني هو ياسر عرفات.
* نريد قليلاً من التوضيح، ماذا يعرف عرفات؟
- الرئيس عرفات كانت مقتنعاً بأن حركة «حماس» ليست لديها رؤية أو رغبة أو برنامج وطني فلسطيني، لديها أفكار أممية غير قابلة للتطبيق.
* هل كان يقول ذلك؟
- «أبو عمار» كان خبيراً. كان في لحظة من اللحظات في صفوف «الإخوان المسلمين»، كانت لديه معرفة بحركة «حماس» وقيادتها شخصاً شخصاً، ليس بالمفهوم الأمني انما بتقدير رؤيته للرجال. لكنه أدار العلاقة معهم في طريقة صحيحة ليس فيها لا حسن نيات ولا سوء نيات. رؤيته وبوصلته كانت دائماً فلسطين وليس الأحزاب، وأنا لديّ كثير من الأفكار والأحداث والشواهد على فهمه العميق لحركة «حماس» وأدائها المتوقع. «حماس» كانت تنظر بعين سلبية الى الرئيس «أبو عمار»، خوّنوه وأساؤوا إليه ودمروا مشروعه السياسي في كثير من الأحيان. لم يحدث أن ذهب الرئيس «أبو عمار» في زيارة رسمية إلى أوروبا أو إلى واشنطن، إلا وجهزت له «حماس» عملية تحت بند النضال، والهدف إحراجه وإظهاره ضعيفاً. في كل الأحداث والتواريخ، لم نكن يوماً في البيت الأبيض مع الرئيس أبو عمار، إلا وتقوم حركة «حماس» بعملية عسكرية قبل الزيارة أو بعدها، واليوم تعرف حركة «حماس» موقفها، ولا أريد أن أسرد كيف تمنع المقاومة من وجهة نظرها. الرئيس «أبو عمار» كان على الدوام حريصاً على الوحدة الوطنية ولكن على أسس صحيحة، وليس الوحدة الوطنية كشعار، وليس على حساب الشعب الفلسطيني.
* هل كانت لديه مخاوف من ألا يكون برنامج «حماس» فلسطينياً؟
- لم تكن لديه مخاوف، بل كان مقتنعاً بأن برنامجها ليس فلسطينياً. كان يقول إن البرنامج كلما توسع وأصبح فضفاضاً أكثر، وعن الحقيقة، وكلما ابتعد عن الالتزام والثوابت. كان الهم اليومي له مستقبل الشعب الفلسطيني ووضعه، ليست لديه هموم أخرى. أن تقام دولة إسلامية في أفغانستان، لا يعنيه الأمر، ربما يمر عليها مرور الكرام، لكنها ليست قضيته. على رغم أنك تعرف أن الرئيس ياسر عرفات أكثر زعيم عربي تحدث عن الإسلام وأممية الإسلام. ولم تكن هناك دولة إسلامية إلا زارها وبنى معها علاقات مثالية، لكن عينه على القدس وفلسطين.
* إذا أردت وصف علاقة الشيخ أحمد ياسين بالرئيس عرفات، ماذا تقول؟
- كانت مثالية ومليئة بالمحبة والصداقة من الطرفين.
* وهل كانت هناك ثقة بينهما؟
- نعم.
* على رغم مخاوفه من «حماس»؟
- كانت له نظرة خاصة في الشيخ أحمد ياسين، وأن فلسطينيته عالية وارتباطه بالأرض قوي. كان يرى فيه رمزاً للنضال كونه مقعداً وسجيناً. ولا أحد يعرف، كما أنا أعرف، كم طالب في اجتماعات حضرتها مع رابين ونتانياهو وبيريز بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين. وحين جاء حادث محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، اتخذها الرئيس فرصة لتشجيع الملك حسين على ضرورة طلب إطلاق ياسين. وذهب مباشرة إلى عمان على رغم تحفظ كثير من القيادات الفلسطينية. قالوا له إذا أخرج الملك حسين ياسين فهذا إحراج سياسي لك، فقال: لا يمكن، أولاً الملك حسين أخي والشيخ ياسين صديقي، بالتالي لا توجد لديّ حساسية. وذهب إلى المستشفى وزاره، وحين عاد من عمان، ذهب ليستقبله في بيته وتعامل معه باحترام شديد.
* كنت تقول إن ياسر عرفات كلما ذهب في زيارة، كانت «حماس» تعد عملية. مَن أطلق العمليات الانتحارية في الأراضي الفلسطينية، «حماس» أو «الجهاد»؟
- «حماس» و «الجهاد» ثم التحقت بهما «فتح». «فتح» كتنظيم ليبيرالي ليس متطرفاً دينياً، لكنه نفذ أيضاً خلال الانتفاضة عمليات استشهادية. لا أريد أن أقوّم الآن مدى ضرر كل هذا العمل أو فائدته، لكن في التقويم العام لسنوات الانتفاضة السبع الأخيرة، خسائرنا أكثر من مكاسبنا، والدليل وضعنا الحالي. أحكم على الأشياء من نتائجها.
* مَن المسؤول عن عسكرة الانتفاضة؟
- جميعنا، وكانت خطأ جماعياً. دعني أعترف في شكل واضح، على رغم أنني شاركت في حماية الشعب الفلسطيني في الانتفاضة واتهمت من إسرائيل وكانت محاولة اغتيالي في ايريز في سيارتي. كانت محاولة اغتيالي أثناء وجود المبعوث الأميركي زيني، كنا في اجتماع رسمي. بعد هذا الاجتماع، أوصل الأميركيون الوفد الفلسطيني، وكنت أنا والأخ أمين الهندي وأبو العبد المجايدي، وحصل إطلاق نار على موكبنا، وإسرائيل اعترفت بذلك. كان في سيارتي نحو 80 طلقة لكنها كانت مصفحة. هذا الحادث كان يؤكد لي أكثر أن إسرائيل لا تريد وقف النار أثناء المحاولات المتكررة لوقف النار التي تدخل فيها المجتمع الدولي، وفشلنا نحن والإسرائيليون فيها.
* هناك من يقول إن عرفات كان يريد أن يفاوض ويقاتل في الوقت ذاته. هل صحيح أنه كان وراء بعض الأحداث العسكرية التي شهدتها الانتفاضة؟
- بحكم موقعي وأمانه الأحداث، لا يمكنني التحدث عن ذلك. لكن ياسر عرفات كان معنياً بحماية الشعب الفلسطيني. إسرائيل اعتدت علينا في الانتفاضة... اعتداءات دموية. على المستوى الشخصي وليس السياسي فقط، كان من واجب ياسر عرفات أن يحمي الشعب الفلسطيني بالدفاع عنه، لكن ياسر عرفات اتهم اتهامات كبرى من إسرائيل بأنه كان وراء الانتفاضة ويخطط للعمليات. لا أستطيع أن أتحدث عن ذلك. أعتقد بأن إسرائيل اكتشفت أنها ضخمت هذا الدور لتحميل المسؤولية السياسية للرئيس عرفات، وهو ما جاءت نتائجه سلبية بالنسبة الى الطرفين.
* من أطلق الانتفاضة الأولى؟
- الشعب الفلسطيني. القول إن القيادة قررت القيام بالانتفاضة مفهوم ساذج. أنا كنت في الأرض المحتلة، القيادة الفلسطينية هيأت أجواء الأرض المحتلة لمثل هذه الانتفاضة. الشهيد «أبو جهاد» والشهيد «أبو عمار»، تحديداً «أبو جهاد» لأنه كان مسؤولاً عن الأرض المحتلة، بنى بنية تحتية تؤهل لقيام انتفاضة. القطاع الغربي. من دعم مؤسسات الى بنائها ودعم جامعات ومعاهد وقطاع الطلاب والصحة. كان «أبو جهاد» يدعم كل القطاعات التي تنمي الروح الوطنية والقتالية، كان يدعم السجون. كان لدينا 15 ألف سجين فلسطيني، وهذه أكبر قوة قتالية للمنظمة، وأقوى ذراع تنظيمية للمنظمة داخل الأراضي الفلسطينية. صحيح أنهم كانوا داخل السجون ولكن كان لهم تأثير مميز على الحياة التنظيمية والسياسية الفلسطينية. تهيأت الأجواء والأسباب، وإسرائيل ارتكبت كل الحماقات الممكنة مع وجود حركة «فتح» كقوة تنظيمية جماهيرية كبرى. كنت مسؤول حركة الشبيبة الطلابية، هيأت كل الأجواء لقيام مثل هذه الانتفاضة أو الهبّة الشعبية. الانتفاضة التي بدأت في كانون الأول (ديسمبر) 1987، لم تدخلها «حماس» إلا في آذار (مارس) 1988، إذ كانت تعتبرها لعبة بين ياسر عرفات وإسرائيل. وتبلور الابداع الفتحاوي والفصائلي داخل الضفة وغزة كي ينتج القيادة الفلسطينية الموحدة. تبناها المرحوم «أبو جهاد» والشهيد «أبو عمار»، وبدآ يقدمان لها الدعم داخل الأرض المحتلة. لذلك، اعتبر أن قيادة ادارة الانتفاضة الأولى كانت أكثر إبداعاً واستشرافاً للمستقبل، واستطاعوا أن يرسموا صورة المحتل بأقوى صورها للمجتمع الدولي. في أول مرة ينجح النضال الفلسطيني الشعبي المقاوم الجماهيري الذي تشارك فيه كل فئات الشعب وطبقاته، الغني والفقير، وابن العائلة وابن المخيم، وابن القرية وابن البلد، والمرأة والفتاة والشاب والشيخ العجوز. هذه كانت أوسع مشاركة شعبية في عمل وطني جماعي، والانتفاضة استمرت من عام 1987 حتى أوسلو عام 1993.
بعد «كامب ديفيد»، كنا ننبه الأميركيين الى أنه إذا لم يحدث تطور أو اختراق جدي في عملية السلام، ستكون هناك ردود فعل كبرى من الشعب الفلسطيني، وأتذكر أنني كنت في اجتماع مع الدكتور صائب عريقات والوفد الإسرائيلي والوسيط دينيس روس في فندق «ريتز كارلتون» في بنتاغون سيتي في واشنطن قبل الانتفاضة بيومين، وقدمت تقريراً علنياً فحواه أنه إذا زار شارون الأقصى، ستكون شرارة انطلاقة مواجهات لا تحمد عقباها. لم تحرك الادارة الأميركية ساكناً، وشلومو بن عامي كان رئيس الوفد الإسرائيلي واستهتر بالكلام واستخدمه ضدي لاحقاً إذ أعتبر أنني كنت أعرف وأننا هيأنا الانتفاضة.
الانتفاضة الثانية لم تكن منظمة ومخططة أيضاً، لكن أجواء الشعب الفلسطيني كانت محتقنة سياسياً، فلم يحدث أن حصلنا على حقوقنا الوطنية حتى عام 2000، واستفزازات شارون في الأقصى كانت الشرارة التي أطلقت العنان لهذا الاحتقان طيلة الفترة السابقة.
* هناك من يقول إن «حماس» خطفت الانتفاضة الثانية. هل هذا صحيح؟
- هذا صحيح، وقادتها الى المجهول. كنا نجلس معهم ونقول: يا إخوان هدئوا الأمور قليلاً... حتى وصلنا في كانون الثاني (يناير) إلى ذروة المواجهات التي شاركت فيها «فتح» أكثر من «حماس»، و40 في المئة من الأجهزة الأمنية شاركت فيها، عدا المعتقلين من عناصرها. الجميع أخطأ. يكفي خطأ عدم تحديد هدف للانتفاضة الثانية. لم نتوافق على هدف. أجريت في الأسبوع الأول مقابلة على قناة «أوربت» مع عماد الدين أديب لا أنساها، وكنت مع الأخ المناضل مروان البرغوثي الذي إن شاء الله سنراه بيننا قريباً خارجاً من السجن، والدكتور محمود الزهار. سألنا سؤالاً موحداً: ما هو هدف الانتفاضة؟ أنا في ذلك الوقت تجرأت وقلت إن هدف الانتفاضة يجب أن يكون رفع سقفنا التفاوضي لنحصل على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، وعودة اللاجئين بحسب القرار 194. وقامت الدنيا عليّ ولم تقعد. الزهار حدد كل فلسطين، وأخي مروان البرغوثي قال حدود 1967 من دون مفاوضات. وانتهت الانتفاضة الآن، ولم يحدد لها هدف حتى اليوم. لا يجوز أن لا يحدد هدف لعمل شعبي عظيم بهذا الحجم. دعني أقارن بين موقف «حماس» في بداية الانتفاضة وموقفها الآن، ومن واجبي تفسير ذلك. حركة «حماس» قالت كل فلسطين، ثم بعد سنتين من الانتفاضة، وإثر كل خسائرنا، قالوا حدود عام 1967 ولكن من دون اتفاق. ثم قالوا حدود بداية الانتفاضة، أي 28 أيلول (سبتمبر) 2000، والإفراج عن المعتقلين. ثم قالوا العودة الى حدود 28 أيلول ونسوا المعتقلين، ثم وقف النار مقابل وقف النار. والآن وافقوا على وقف النار والانتفاضة مقابل معبرين. انظر الى هذه المواقف، يجب أن يحاكموا عليها. يبدأ من هناك وينتهي هنا ولا يحاسب. هذه جريمة سياسية كبرى. ماذا نقول لخمسة آلاف شهيد وعشرين ألف جريح وعشرات الآلاف من المنازل التي دمرت. نقول لهم والله أخطأت «حماس» في حقكم. أناقش سياسة الآن ولا أتحامل شخصياً، ولكن، مهزلة أن يعتبر من يقود في هذا الوضع، وقف النار مقابل وقف النار انتصاراً (له) ورضوخاً إسرائيلياً. لا يجوز أن تكون إدارة الشعب الفلسطيني بهذه الطريقة.
* هل صحيح أنك غير معجب بـ «حماس» والشعور متبادل؟
- أعرف «حماس» منذ عام 1980. اعتبَرت أنني أساهم في تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية، وهم لا يريدون حركة وطنية بل شمولية، إخوان مسلمين، أي من لم يكن معي فهو ضدي.
* هل تعتقد بأن قرار «حماس» غير فلسطيني؟
- بالتأكيد.
* من يتخذ قرارها؟
- يساهم في قرار حركة «حماس» غزة وليس الضفة، والقيادة الموجودة في الشام وارتباطاتها السياسية والجغرافية. إيران في شكل كبير، وسورية في شكل أقل.
ما هي عبقرية الرئيس ياسر عرفات خلال الأربعين سنة؟ رسم رمزية للشعب الفلسطيني بكوفيته، ملأ الدنيا طولاً وعرضاً باسم القضية الفلسطينية. كثير من دول العالم وشعوبه تعرف فلسطين من خلال رمزية عرفات وكوفيته. لكن الأهم أنه حافظ على الوحدة الوطنية، لم يرق دم فلسطيني. إلا أن عبقريته من وجهة نظري أنه حافظ على القرار الوطني الفلسطيني في أجواء عربية متناقضة. سار على حد سيف أو خط من النار، وحافظ على علاقات وثيقة. أحد أكثر إبداعات ياسر عرفات، وعلى رغم وقوع أخطاء مثل (الموقف من) حرب الكويت مثلاً، أنه حافظ على استقلالية القضية الفلسطينية.
* هل تعتقد بأن ايران تؤثر في قرار خالد مشعل؟
- بالتأكيد.
* وسورية؟
- حتى أكون منصفاً، سورية ضد الاقتتال الفلسطيني في أي حال. إيران لا يعنيها الأمر، بل تعنيها مصالحها. سورية كانت ضد تفتيت المنظمة في الأزمة الأخيرة. ربما في مرحلة من المراحل، كان لها موقف لا يعنيني. سورية مع الوحدة الداخلية ومع تقوية الداخل الفلسطيني مقابل إسرائيل. ايران لا تعنيها الا مصالحها الداخلية، أي أن يكون لها نفوذ في لبنان والعراق وفلسطين من خلال الدعم المالي والتدريب وغيرهما. أعطِني يوماً كانت ايران مع القضية الفلسطينية، لماذا لا تأتي لتحرير فلسطين؟ ما الذي يمنعها؟ هذه اليد البيضاء ماذا فعلت لفلسطين وللشعب الفلسطيني؟ لا شيء... دفعت أموالاً الى «حماس» لاستخدامها في قتل فتحاويين في غزة، لم تدفعها للصحة أو للتعليم. السعودية دفعت أموالاً الى الشعب الفلسطيني، استخدمناها في الصحة وبناء الطرق. الإمارات دفعت أموالاً للفلسطينيين، وكذلك الجزائر، معظم الدول العربية دفع.
* ما هو حجم النفوذ الإيراني اليوم في غزة مثلاً؟
- أعتقد مثلاً بأن «حماس» رهينة لإيران. أجزم بذلك، وهم لا يخفونه بل يعتبرون أن السلطة و «فتح» متحالفتان مع أميركا، وأن هذا تحالف ظالم. لدينا مصالح مع الأميركيين لأنهم وحدهم القادرون على الضغط على إسرائيل. لكن الأميركيين عندما ضغطوا على «أبو مازن» كي لا يذهب الى مؤتمر القمة (العربية) رفض وذهب إلى الشام.
* هل يمكنك الجزم بأنهم ضغطوا؟
- طبعاً. كانت لديهم رغبة في أن لا يحضر. لست في موقع رسمي، وأستطيع أن أتحدث. الرئيس «أبو مازن» ذهب الى الشام وحضر المؤتمر متعمداً من أول ثانية إلى آخر دقيقة. الجميع توقع أن لا يحضر، وذهب. حين لم تكن هناك رغبة أميركية في أن نتوصل الى اتفاق مع «حماس» في مكة. أنا من الذين ساهموا وضغطوا للذهاب إلى الاتفاق، على رغم عدم محبتي لـ «حماس»، إلا أن مصالحنا الوطنية الداخلية أقدر. والأميركيون سربوا عني كل الأخبار من أجل أن لا تقوم مصالحة ولم أكترث. ذهبنا إلى مكة ووقعنا على رغم الاعتراض الأميركي واعتراض 90 في المئة من الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ولكن اغتالوا أحد قيادات حركة «فتح» في اليوم التالي. وقالوا إنه قتل خطأً. هل يُغتال أحد من طريق الخطأ؟ اسمه بهاء أبو جناب من بيت لاهيا... الانقلاب كان في وعيهم.
* هل تعتبر أن «حماس» لم تتخذ بمفردها قرار سيطرتها على غزة؟
- لا أستطيع أن أجزم بذلك، فليست لدي معلومات. نحن لسنا كـ «حماس»، إذا لم يعجبنا أحد، نقول عنه إنه إما جاسوس وإما كافر، إما خائن أو كافر. ليست لديّ معلومات. لكن سيطرة «حماس» على غزة كانت منهجية، عملت من أجلها ليل نهار. ونبهناهم وحذرناهم من ان السيطرة على غزة ليست مكسباً لكم، كما ليس مكسباً لكم أن تغتالوا شباب «فتح». أجريت مقابلة قبل الانقلاب بأسابيع، كنت في المستشفى، وقلت إن من يحاول السيطرة على غزة بلا عقل سيتورط ويورط الشعب الفلسطيني. الانقلاب وقع في 14 حزيران (يونيو) 2007. كنت غادرت للعلاج. تورطت «حماس» وورطت الشعب الفلسطيني ولم تعرف أن تقدم أو تؤخر، إلا في القتل والاعتقال والسلخ. هل رأيت في حياتك أحداً يستخدم مذبح حديد وباطون (إسمنت) في الضرب خلال التحقيقات؟ راجع الصور والفضائح.
* كيف تقوّم وجود «القاعدة» في غزة؟
- البيئة ملائمة. هذه بيئة مملوءة بالفوضى والسلاح، وضياع الرؤية والاستراتيجية لدى «حماس» وكل القوى في غزة. وهذه بيئة ملائمة لـ «القاعدة»، وبالنسبة إليّ لا فرق بين «حماس» و «القاعدة». كلهم واحد.
* لكن خالد مشعل يعتبر «حماس» ضمانة لعدم دخول «القاعدة».
- هل وجود «حماس» مفخرة؟ التعبير الحقيقي لوجودهم في السلطة هو قتل ما يقارب ستمئة فلسطيني خلال سنة، وجرح ما يقارب الألفين وخمسمئة، وإصابات وإعاقات حوالى 800 الى 900، وآلاف في السجون. هذا «النموذج الإسلامي» لا علاقة له بالإسلام، بالمفهوم السمح الذي تعلمناه في الجامعات والمدارس عن سماحة الإسلام وإبداعه وتوافقه وبنائه الإنسان المسلم. لا علاقة لهم بهذا. أعتقد بأن المجتمع العربي والفلسطيني اكتشف ذلك ولكن بعد فوات الأوان. هذا ما كنا ننبه إليه منذ سنوات.
* ما هو «جيش الإسلام» في غزة؟
- «جيش الإسلام» يقاد من أحد أفراد عائلة دغمش، يصدر بيانات علنية وليس سرياً. كان أحد ضباط الأمن الوقائي قبل الانتفاضة. لا أعرفه شخصياً. الانتفاضة ولدت كثيراً من الفصائل والجماعات والمصالح، وأدخلت «حزب الله» وإيران وتنظيمات أخرى.
* هل «الجيش الإسلامي» قريب من «القاعدة»؟
- ربما يكون فكره أقرب الى «القاعدة»، المهم ليسوا «حماس»، إلا أن «حماس» استخدمتهم في مرحلة من المراحل لتنفيذ بعض المهمات ضد السلطة واغتيالات. قاموا بمهمات كثيرة مثل اغتيال موسى عرفات رحمه الله، بالتوافق بينهم، واتهموني به.
* من اغتال موسى عرفات؟
- هم بالتنسيق مع «حماس»، تحديداً عماد عقل أحد قادة «حماس» المعروفين. و(اغتالوا) الشهيد عماد جاد الضابط في الاستخبارات، وهو رجل مناضل وله تاريخ في الثورة. اغتالوا أربعة من مرافقيه وكان بينهم رجل في الستين من عمره. هذا كله قبل الانقلاب، ولكن لم يكن أحد يصدق ذلك. حين شاهدوا سلوك «حماس» بعد الانقلاب، بدأ الجمهور يراجع ذاكرته. لكن كل هذه التجربة مملوءة بالدماء والقذارات، ولم تنتج لـ«حماس» إمارة إسلامية كما تحلم، بل جرتها لتوغل في الدم الفلسطيني.
* هل تعتقد بأن برنامج «حماس» إقامة إمارة إسلامية في غزة؟
- هذا ما يمارس الآن وليس برنامجاً. حين يقيلون قضاة ويعينون آخرين من طرفهم، حين يقيلون مدرسين ويعينون من طرفهم، حين يسيطرون على المؤسسات غير الحكومية، ما علاقة هذه المؤسسات بـ «فتح»؟ كانوا يقولون إن مشكلتهم مع دحلان وتياره، ثم اعتدوا على أعضاء اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية واعتقلوا الدكتور زكريا الآغا. هل كان الآغا تياراً انقلابياً ضدهم؟ ثم اعتدوا على كل الفتحاويين الذين كانوا يتضامنون مع «حماس»، وشردوهم من بيوتهم، ودمروها على رؤوسهم لأن «حماس» لا ترى إلا «حماس». اعتدوا على «الجهاد الإسلامي» وصادروا أسلحتهم، وأقفلوا إذاعة «الجبهة الشعبية»... ما علاقة دحلان الذي سوّقوا في البداية فكرة الخلاف معه، وانتهت بخلاف مع كل الشعب الفلسطيني؟
حاوره غسان شربل الحياة اللندنية - 30/08/08//
قبل سنوات فتحت «الحياة» صفحاتها لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل وللأمين العام لـ «حركة الجهاد الإسلامي» رمضان شلح، وانطلاقاً من حق القارئ في معرفة مختلف الروايات، تفتح «الحياة» صفحاتها لدحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو «المجلس الثوري» لحركة «فتح». حذر دحلان في حديثه من المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية حالياً، مشدداً على ضرورة «إنقاذ «حماس» من سلوكها وإنقاذ الشعب الفلسطيني مما ارتكبته»، ومعتبراً أن «لا فارق بين حماس والقاعدة»، ومتهماً الحركة بتوقيت عملياتها الانتحارية لإحباط جهود عرفات. واعتبر أن الحل يتمثل في تنفيذ اقتراحات الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية يتبعها اتفاق سياسي. تحدث دحلان عن علاقات عرفات برؤساء الحكومات الإسرائيليين، وهي كانت مضطربة وصعبة، باستثناء العلاقة مع إسحق رابين. وكشف أنه مر مع عرفات بعد منتصف الليل قرب المسجد الأقصى، ورأى الزعيم الفلسطيني مبتهجاً كطفل. وتحدث عن حصار «المقاطعة» وخوف عرفات من أن لا يسمح الإسرائيليون له بالعودة إذا ذهب للعلاج. وحكى قصة الساعات الأخيرة متذكراً ملامح عرفات ووفاءه.
وهنا نص الحلقة الأولى:
* ماذا تقول لياسر عرفات عن «حماس» وما فعلته؟
- أقول له باختصار أنت أفضل من عرف «حماس». ياسر عرفات هو أفضل من عرف «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس». أنا شاركت معه في كل الحوارات مع الحركة. شاركت معه في بيته في شكل سري، وفي مكتبه. كان الشهيد أحمد ياسين والشهيد «أبو عمار» عقدا جلسات في بيتي في غزة في كل السنوات بعد أوسلو. كثير من اللقاءات كان يعقد في بيتي. شاركت معه في المفاوضات التي سبقت دخولنا الى السلطة، حين عرض عليهم الرئيس «أبو عمار» الدخول في المنظمة، وكان ذلك في السودان تحت رعاية الشيخ حسن الترابي، وشاركت معهم مرتين. ومن دون أن أسرد تفاصيل، أعتقد بأن الوحيد الذي يعرف حركة «حماس» أكثر مني هو ياسر عرفات.
* نريد قليلاً من التوضيح، ماذا يعرف عرفات؟
- الرئيس عرفات كانت مقتنعاً بأن حركة «حماس» ليست لديها رؤية أو رغبة أو برنامج وطني فلسطيني، لديها أفكار أممية غير قابلة للتطبيق.
* هل كان يقول ذلك؟
- «أبو عمار» كان خبيراً. كان في لحظة من اللحظات في صفوف «الإخوان المسلمين»، كانت لديه معرفة بحركة «حماس» وقيادتها شخصاً شخصاً، ليس بالمفهوم الأمني انما بتقدير رؤيته للرجال. لكنه أدار العلاقة معهم في طريقة صحيحة ليس فيها لا حسن نيات ولا سوء نيات. رؤيته وبوصلته كانت دائماً فلسطين وليس الأحزاب، وأنا لديّ كثير من الأفكار والأحداث والشواهد على فهمه العميق لحركة «حماس» وأدائها المتوقع. «حماس» كانت تنظر بعين سلبية الى الرئيس «أبو عمار»، خوّنوه وأساؤوا إليه ودمروا مشروعه السياسي في كثير من الأحيان. لم يحدث أن ذهب الرئيس «أبو عمار» في زيارة رسمية إلى أوروبا أو إلى واشنطن، إلا وجهزت له «حماس» عملية تحت بند النضال، والهدف إحراجه وإظهاره ضعيفاً. في كل الأحداث والتواريخ، لم نكن يوماً في البيت الأبيض مع الرئيس أبو عمار، إلا وتقوم حركة «حماس» بعملية عسكرية قبل الزيارة أو بعدها، واليوم تعرف حركة «حماس» موقفها، ولا أريد أن أسرد كيف تمنع المقاومة من وجهة نظرها. الرئيس «أبو عمار» كان على الدوام حريصاً على الوحدة الوطنية ولكن على أسس صحيحة، وليس الوحدة الوطنية كشعار، وليس على حساب الشعب الفلسطيني.
* هل كانت لديه مخاوف من ألا يكون برنامج «حماس» فلسطينياً؟
- لم تكن لديه مخاوف، بل كان مقتنعاً بأن برنامجها ليس فلسطينياً. كان يقول إن البرنامج كلما توسع وأصبح فضفاضاً أكثر، وعن الحقيقة، وكلما ابتعد عن الالتزام والثوابت. كان الهم اليومي له مستقبل الشعب الفلسطيني ووضعه، ليست لديه هموم أخرى. أن تقام دولة إسلامية في أفغانستان، لا يعنيه الأمر، ربما يمر عليها مرور الكرام، لكنها ليست قضيته. على رغم أنك تعرف أن الرئيس ياسر عرفات أكثر زعيم عربي تحدث عن الإسلام وأممية الإسلام. ولم تكن هناك دولة إسلامية إلا زارها وبنى معها علاقات مثالية، لكن عينه على القدس وفلسطين.
* إذا أردت وصف علاقة الشيخ أحمد ياسين بالرئيس عرفات، ماذا تقول؟
- كانت مثالية ومليئة بالمحبة والصداقة من الطرفين.
* وهل كانت هناك ثقة بينهما؟
- نعم.
* على رغم مخاوفه من «حماس»؟
- كانت له نظرة خاصة في الشيخ أحمد ياسين، وأن فلسطينيته عالية وارتباطه بالأرض قوي. كان يرى فيه رمزاً للنضال كونه مقعداً وسجيناً. ولا أحد يعرف، كما أنا أعرف، كم طالب في اجتماعات حضرتها مع رابين ونتانياهو وبيريز بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين. وحين جاء حادث محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، اتخذها الرئيس فرصة لتشجيع الملك حسين على ضرورة طلب إطلاق ياسين. وذهب مباشرة إلى عمان على رغم تحفظ كثير من القيادات الفلسطينية. قالوا له إذا أخرج الملك حسين ياسين فهذا إحراج سياسي لك، فقال: لا يمكن، أولاً الملك حسين أخي والشيخ ياسين صديقي، بالتالي لا توجد لديّ حساسية. وذهب إلى المستشفى وزاره، وحين عاد من عمان، ذهب ليستقبله في بيته وتعامل معه باحترام شديد.
* كنت تقول إن ياسر عرفات كلما ذهب في زيارة، كانت «حماس» تعد عملية. مَن أطلق العمليات الانتحارية في الأراضي الفلسطينية، «حماس» أو «الجهاد»؟
- «حماس» و «الجهاد» ثم التحقت بهما «فتح». «فتح» كتنظيم ليبيرالي ليس متطرفاً دينياً، لكنه نفذ أيضاً خلال الانتفاضة عمليات استشهادية. لا أريد أن أقوّم الآن مدى ضرر كل هذا العمل أو فائدته، لكن في التقويم العام لسنوات الانتفاضة السبع الأخيرة، خسائرنا أكثر من مكاسبنا، والدليل وضعنا الحالي. أحكم على الأشياء من نتائجها.
* مَن المسؤول عن عسكرة الانتفاضة؟
- جميعنا، وكانت خطأ جماعياً. دعني أعترف في شكل واضح، على رغم أنني شاركت في حماية الشعب الفلسطيني في الانتفاضة واتهمت من إسرائيل وكانت محاولة اغتيالي في ايريز في سيارتي. كانت محاولة اغتيالي أثناء وجود المبعوث الأميركي زيني، كنا في اجتماع رسمي. بعد هذا الاجتماع، أوصل الأميركيون الوفد الفلسطيني، وكنت أنا والأخ أمين الهندي وأبو العبد المجايدي، وحصل إطلاق نار على موكبنا، وإسرائيل اعترفت بذلك. كان في سيارتي نحو 80 طلقة لكنها كانت مصفحة. هذا الحادث كان يؤكد لي أكثر أن إسرائيل لا تريد وقف النار أثناء المحاولات المتكررة لوقف النار التي تدخل فيها المجتمع الدولي، وفشلنا نحن والإسرائيليون فيها.
* هناك من يقول إن عرفات كان يريد أن يفاوض ويقاتل في الوقت ذاته. هل صحيح أنه كان وراء بعض الأحداث العسكرية التي شهدتها الانتفاضة؟
- بحكم موقعي وأمانه الأحداث، لا يمكنني التحدث عن ذلك. لكن ياسر عرفات كان معنياً بحماية الشعب الفلسطيني. إسرائيل اعتدت علينا في الانتفاضة... اعتداءات دموية. على المستوى الشخصي وليس السياسي فقط، كان من واجب ياسر عرفات أن يحمي الشعب الفلسطيني بالدفاع عنه، لكن ياسر عرفات اتهم اتهامات كبرى من إسرائيل بأنه كان وراء الانتفاضة ويخطط للعمليات. لا أستطيع أن أتحدث عن ذلك. أعتقد بأن إسرائيل اكتشفت أنها ضخمت هذا الدور لتحميل المسؤولية السياسية للرئيس عرفات، وهو ما جاءت نتائجه سلبية بالنسبة الى الطرفين.
* من أطلق الانتفاضة الأولى؟
- الشعب الفلسطيني. القول إن القيادة قررت القيام بالانتفاضة مفهوم ساذج. أنا كنت في الأرض المحتلة، القيادة الفلسطينية هيأت أجواء الأرض المحتلة لمثل هذه الانتفاضة. الشهيد «أبو جهاد» والشهيد «أبو عمار»، تحديداً «أبو جهاد» لأنه كان مسؤولاً عن الأرض المحتلة، بنى بنية تحتية تؤهل لقيام انتفاضة. القطاع الغربي. من دعم مؤسسات الى بنائها ودعم جامعات ومعاهد وقطاع الطلاب والصحة. كان «أبو جهاد» يدعم كل القطاعات التي تنمي الروح الوطنية والقتالية، كان يدعم السجون. كان لدينا 15 ألف سجين فلسطيني، وهذه أكبر قوة قتالية للمنظمة، وأقوى ذراع تنظيمية للمنظمة داخل الأراضي الفلسطينية. صحيح أنهم كانوا داخل السجون ولكن كان لهم تأثير مميز على الحياة التنظيمية والسياسية الفلسطينية. تهيأت الأجواء والأسباب، وإسرائيل ارتكبت كل الحماقات الممكنة مع وجود حركة «فتح» كقوة تنظيمية جماهيرية كبرى. كنت مسؤول حركة الشبيبة الطلابية، هيأت كل الأجواء لقيام مثل هذه الانتفاضة أو الهبّة الشعبية. الانتفاضة التي بدأت في كانون الأول (ديسمبر) 1987، لم تدخلها «حماس» إلا في آذار (مارس) 1988، إذ كانت تعتبرها لعبة بين ياسر عرفات وإسرائيل. وتبلور الابداع الفتحاوي والفصائلي داخل الضفة وغزة كي ينتج القيادة الفلسطينية الموحدة. تبناها المرحوم «أبو جهاد» والشهيد «أبو عمار»، وبدآ يقدمان لها الدعم داخل الأرض المحتلة. لذلك، اعتبر أن قيادة ادارة الانتفاضة الأولى كانت أكثر إبداعاً واستشرافاً للمستقبل، واستطاعوا أن يرسموا صورة المحتل بأقوى صورها للمجتمع الدولي. في أول مرة ينجح النضال الفلسطيني الشعبي المقاوم الجماهيري الذي تشارك فيه كل فئات الشعب وطبقاته، الغني والفقير، وابن العائلة وابن المخيم، وابن القرية وابن البلد، والمرأة والفتاة والشاب والشيخ العجوز. هذه كانت أوسع مشاركة شعبية في عمل وطني جماعي، والانتفاضة استمرت من عام 1987 حتى أوسلو عام 1993.
بعد «كامب ديفيد»، كنا ننبه الأميركيين الى أنه إذا لم يحدث تطور أو اختراق جدي في عملية السلام، ستكون هناك ردود فعل كبرى من الشعب الفلسطيني، وأتذكر أنني كنت في اجتماع مع الدكتور صائب عريقات والوفد الإسرائيلي والوسيط دينيس روس في فندق «ريتز كارلتون» في بنتاغون سيتي في واشنطن قبل الانتفاضة بيومين، وقدمت تقريراً علنياً فحواه أنه إذا زار شارون الأقصى، ستكون شرارة انطلاقة مواجهات لا تحمد عقباها. لم تحرك الادارة الأميركية ساكناً، وشلومو بن عامي كان رئيس الوفد الإسرائيلي واستهتر بالكلام واستخدمه ضدي لاحقاً إذ أعتبر أنني كنت أعرف وأننا هيأنا الانتفاضة.
الانتفاضة الثانية لم تكن منظمة ومخططة أيضاً، لكن أجواء الشعب الفلسطيني كانت محتقنة سياسياً، فلم يحدث أن حصلنا على حقوقنا الوطنية حتى عام 2000، واستفزازات شارون في الأقصى كانت الشرارة التي أطلقت العنان لهذا الاحتقان طيلة الفترة السابقة.
* هناك من يقول إن «حماس» خطفت الانتفاضة الثانية. هل هذا صحيح؟
- هذا صحيح، وقادتها الى المجهول. كنا نجلس معهم ونقول: يا إخوان هدئوا الأمور قليلاً... حتى وصلنا في كانون الثاني (يناير) إلى ذروة المواجهات التي شاركت فيها «فتح» أكثر من «حماس»، و40 في المئة من الأجهزة الأمنية شاركت فيها، عدا المعتقلين من عناصرها. الجميع أخطأ. يكفي خطأ عدم تحديد هدف للانتفاضة الثانية. لم نتوافق على هدف. أجريت في الأسبوع الأول مقابلة على قناة «أوربت» مع عماد الدين أديب لا أنساها، وكنت مع الأخ المناضل مروان البرغوثي الذي إن شاء الله سنراه بيننا قريباً خارجاً من السجن، والدكتور محمود الزهار. سألنا سؤالاً موحداً: ما هو هدف الانتفاضة؟ أنا في ذلك الوقت تجرأت وقلت إن هدف الانتفاضة يجب أن يكون رفع سقفنا التفاوضي لنحصل على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، وعودة اللاجئين بحسب القرار 194. وقامت الدنيا عليّ ولم تقعد. الزهار حدد كل فلسطين، وأخي مروان البرغوثي قال حدود 1967 من دون مفاوضات. وانتهت الانتفاضة الآن، ولم يحدد لها هدف حتى اليوم. لا يجوز أن لا يحدد هدف لعمل شعبي عظيم بهذا الحجم. دعني أقارن بين موقف «حماس» في بداية الانتفاضة وموقفها الآن، ومن واجبي تفسير ذلك. حركة «حماس» قالت كل فلسطين، ثم بعد سنتين من الانتفاضة، وإثر كل خسائرنا، قالوا حدود عام 1967 ولكن من دون اتفاق. ثم قالوا حدود بداية الانتفاضة، أي 28 أيلول (سبتمبر) 2000، والإفراج عن المعتقلين. ثم قالوا العودة الى حدود 28 أيلول ونسوا المعتقلين، ثم وقف النار مقابل وقف النار. والآن وافقوا على وقف النار والانتفاضة مقابل معبرين. انظر الى هذه المواقف، يجب أن يحاكموا عليها. يبدأ من هناك وينتهي هنا ولا يحاسب. هذه جريمة سياسية كبرى. ماذا نقول لخمسة آلاف شهيد وعشرين ألف جريح وعشرات الآلاف من المنازل التي دمرت. نقول لهم والله أخطأت «حماس» في حقكم. أناقش سياسة الآن ولا أتحامل شخصياً، ولكن، مهزلة أن يعتبر من يقود في هذا الوضع، وقف النار مقابل وقف النار انتصاراً (له) ورضوخاً إسرائيلياً. لا يجوز أن تكون إدارة الشعب الفلسطيني بهذه الطريقة.
* هل صحيح أنك غير معجب بـ «حماس» والشعور متبادل؟
- أعرف «حماس» منذ عام 1980. اعتبَرت أنني أساهم في تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية، وهم لا يريدون حركة وطنية بل شمولية، إخوان مسلمين، أي من لم يكن معي فهو ضدي.
* هل تعتقد بأن قرار «حماس» غير فلسطيني؟
- بالتأكيد.
* من يتخذ قرارها؟
- يساهم في قرار حركة «حماس» غزة وليس الضفة، والقيادة الموجودة في الشام وارتباطاتها السياسية والجغرافية. إيران في شكل كبير، وسورية في شكل أقل.
ما هي عبقرية الرئيس ياسر عرفات خلال الأربعين سنة؟ رسم رمزية للشعب الفلسطيني بكوفيته، ملأ الدنيا طولاً وعرضاً باسم القضية الفلسطينية. كثير من دول العالم وشعوبه تعرف فلسطين من خلال رمزية عرفات وكوفيته. لكن الأهم أنه حافظ على الوحدة الوطنية، لم يرق دم فلسطيني. إلا أن عبقريته من وجهة نظري أنه حافظ على القرار الوطني الفلسطيني في أجواء عربية متناقضة. سار على حد سيف أو خط من النار، وحافظ على علاقات وثيقة. أحد أكثر إبداعات ياسر عرفات، وعلى رغم وقوع أخطاء مثل (الموقف من) حرب الكويت مثلاً، أنه حافظ على استقلالية القضية الفلسطينية.
* هل تعتقد بأن ايران تؤثر في قرار خالد مشعل؟
- بالتأكيد.
* وسورية؟
- حتى أكون منصفاً، سورية ضد الاقتتال الفلسطيني في أي حال. إيران لا يعنيها الأمر، بل تعنيها مصالحها. سورية كانت ضد تفتيت المنظمة في الأزمة الأخيرة. ربما في مرحلة من المراحل، كان لها موقف لا يعنيني. سورية مع الوحدة الداخلية ومع تقوية الداخل الفلسطيني مقابل إسرائيل. ايران لا تعنيها الا مصالحها الداخلية، أي أن يكون لها نفوذ في لبنان والعراق وفلسطين من خلال الدعم المالي والتدريب وغيرهما. أعطِني يوماً كانت ايران مع القضية الفلسطينية، لماذا لا تأتي لتحرير فلسطين؟ ما الذي يمنعها؟ هذه اليد البيضاء ماذا فعلت لفلسطين وللشعب الفلسطيني؟ لا شيء... دفعت أموالاً الى «حماس» لاستخدامها في قتل فتحاويين في غزة، لم تدفعها للصحة أو للتعليم. السعودية دفعت أموالاً الى الشعب الفلسطيني، استخدمناها في الصحة وبناء الطرق. الإمارات دفعت أموالاً للفلسطينيين، وكذلك الجزائر، معظم الدول العربية دفع.
* ما هو حجم النفوذ الإيراني اليوم في غزة مثلاً؟
- أعتقد مثلاً بأن «حماس» رهينة لإيران. أجزم بذلك، وهم لا يخفونه بل يعتبرون أن السلطة و «فتح» متحالفتان مع أميركا، وأن هذا تحالف ظالم. لدينا مصالح مع الأميركيين لأنهم وحدهم القادرون على الضغط على إسرائيل. لكن الأميركيين عندما ضغطوا على «أبو مازن» كي لا يذهب الى مؤتمر القمة (العربية) رفض وذهب إلى الشام.
* هل يمكنك الجزم بأنهم ضغطوا؟
- طبعاً. كانت لديهم رغبة في أن لا يحضر. لست في موقع رسمي، وأستطيع أن أتحدث. الرئيس «أبو مازن» ذهب الى الشام وحضر المؤتمر متعمداً من أول ثانية إلى آخر دقيقة. الجميع توقع أن لا يحضر، وذهب. حين لم تكن هناك رغبة أميركية في أن نتوصل الى اتفاق مع «حماس» في مكة. أنا من الذين ساهموا وضغطوا للذهاب إلى الاتفاق، على رغم عدم محبتي لـ «حماس»، إلا أن مصالحنا الوطنية الداخلية أقدر. والأميركيون سربوا عني كل الأخبار من أجل أن لا تقوم مصالحة ولم أكترث. ذهبنا إلى مكة ووقعنا على رغم الاعتراض الأميركي واعتراض 90 في المئة من الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ولكن اغتالوا أحد قيادات حركة «فتح» في اليوم التالي. وقالوا إنه قتل خطأً. هل يُغتال أحد من طريق الخطأ؟ اسمه بهاء أبو جناب من بيت لاهيا... الانقلاب كان في وعيهم.
* هل تعتبر أن «حماس» لم تتخذ بمفردها قرار سيطرتها على غزة؟
- لا أستطيع أن أجزم بذلك، فليست لدي معلومات. نحن لسنا كـ «حماس»، إذا لم يعجبنا أحد، نقول عنه إنه إما جاسوس وإما كافر، إما خائن أو كافر. ليست لديّ معلومات. لكن سيطرة «حماس» على غزة كانت منهجية، عملت من أجلها ليل نهار. ونبهناهم وحذرناهم من ان السيطرة على غزة ليست مكسباً لكم، كما ليس مكسباً لكم أن تغتالوا شباب «فتح». أجريت مقابلة قبل الانقلاب بأسابيع، كنت في المستشفى، وقلت إن من يحاول السيطرة على غزة بلا عقل سيتورط ويورط الشعب الفلسطيني. الانقلاب وقع في 14 حزيران (يونيو) 2007. كنت غادرت للعلاج. تورطت «حماس» وورطت الشعب الفلسطيني ولم تعرف أن تقدم أو تؤخر، إلا في القتل والاعتقال والسلخ. هل رأيت في حياتك أحداً يستخدم مذبح حديد وباطون (إسمنت) في الضرب خلال التحقيقات؟ راجع الصور والفضائح.
* كيف تقوّم وجود «القاعدة» في غزة؟
- البيئة ملائمة. هذه بيئة مملوءة بالفوضى والسلاح، وضياع الرؤية والاستراتيجية لدى «حماس» وكل القوى في غزة. وهذه بيئة ملائمة لـ «القاعدة»، وبالنسبة إليّ لا فرق بين «حماس» و «القاعدة». كلهم واحد.
* لكن خالد مشعل يعتبر «حماس» ضمانة لعدم دخول «القاعدة».
- هل وجود «حماس» مفخرة؟ التعبير الحقيقي لوجودهم في السلطة هو قتل ما يقارب ستمئة فلسطيني خلال سنة، وجرح ما يقارب الألفين وخمسمئة، وإصابات وإعاقات حوالى 800 الى 900، وآلاف في السجون. هذا «النموذج الإسلامي» لا علاقة له بالإسلام، بالمفهوم السمح الذي تعلمناه في الجامعات والمدارس عن سماحة الإسلام وإبداعه وتوافقه وبنائه الإنسان المسلم. لا علاقة لهم بهذا. أعتقد بأن المجتمع العربي والفلسطيني اكتشف ذلك ولكن بعد فوات الأوان. هذا ما كنا ننبه إليه منذ سنوات.
* ما هو «جيش الإسلام» في غزة؟
- «جيش الإسلام» يقاد من أحد أفراد عائلة دغمش، يصدر بيانات علنية وليس سرياً. كان أحد ضباط الأمن الوقائي قبل الانتفاضة. لا أعرفه شخصياً. الانتفاضة ولدت كثيراً من الفصائل والجماعات والمصالح، وأدخلت «حزب الله» وإيران وتنظيمات أخرى.
* هل «الجيش الإسلامي» قريب من «القاعدة»؟
- ربما يكون فكره أقرب الى «القاعدة»، المهم ليسوا «حماس»، إلا أن «حماس» استخدمتهم في مرحلة من المراحل لتنفيذ بعض المهمات ضد السلطة واغتيالات. قاموا بمهمات كثيرة مثل اغتيال موسى عرفات رحمه الله، بالتوافق بينهم، واتهموني به.
* من اغتال موسى عرفات؟
- هم بالتنسيق مع «حماس»، تحديداً عماد عقل أحد قادة «حماس» المعروفين. و(اغتالوا) الشهيد عماد جاد الضابط في الاستخبارات، وهو رجل مناضل وله تاريخ في الثورة. اغتالوا أربعة من مرافقيه وكان بينهم رجل في الستين من عمره. هذا كله قبل الانقلاب، ولكن لم يكن أحد يصدق ذلك. حين شاهدوا سلوك «حماس» بعد الانقلاب، بدأ الجمهور يراجع ذاكرته. لكن كل هذه التجربة مملوءة بالدماء والقذارات، ولم تنتج لـ«حماس» إمارة إسلامية كما تحلم، بل جرتها لتوغل في الدم الفلسطيني.
* هل تعتقد بأن برنامج «حماس» إقامة إمارة إسلامية في غزة؟
- هذا ما يمارس الآن وليس برنامجاً. حين يقيلون قضاة ويعينون آخرين من طرفهم، حين يقيلون مدرسين ويعينون من طرفهم، حين يسيطرون على المؤسسات غير الحكومية، ما علاقة هذه المؤسسات بـ «فتح»؟ كانوا يقولون إن مشكلتهم مع دحلان وتياره، ثم اعتدوا على أعضاء اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية واعتقلوا الدكتور زكريا الآغا. هل كان الآغا تياراً انقلابياً ضدهم؟ ثم اعتدوا على كل الفتحاويين الذين كانوا يتضامنون مع «حماس»، وشردوهم من بيوتهم، ودمروها على رؤوسهم لأن «حماس» لا ترى إلا «حماس». اعتدوا على «الجهاد الإسلامي» وصادروا أسلحتهم، وأقفلوا إذاعة «الجبهة الشعبية»... ما علاقة دحلان الذي سوّقوا في البداية فكرة الخلاف معه، وانتهت بخلاف مع كل الشعب الفلسطيني؟
تعليق