أسباب تمزق البنية التنظيمية للحركة الإسلامية (ح3)
أ. خالد سيف الدين
هذه الحلقة استكمالا للحلقتين السابقتين.. بداية آمل من الأخوة أن يقرءوا الموضوع بعقولهم لا بعيونهم حتى لا توظف المقالة على غير وجهتها.
5-اللهث وراء السلطة:
أحيانا تتسرع بعض الحركات الإسلامية في الوصول إلى السلطة، وإن لم تتوفر لها كافة مقومات نجاح وصولها إلى ـ هذه ـ السلطة المبتغاة. وعادة ما يكون وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة هو بداية نهايتها، لأن تجربة الحكم والسلطة هي التجربة الأخيرة في حياة الحركة الإسلامية.
إذا نجح التنظيم الإسلامي في السلطة ـ وإن كان هذا فهو بنسب ضئيلة وخطى متعثرة ـ فبها ونعمت، وإن فشل فالتنظيم سائر في طريقه إلى الزوال والاندثار لا محالة، أو التهميش على أقل تقدير، وعليه أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، لأن التنظيم في هذه الحالة يبدأ بدخول مرحلة انحدار تاريخية في حياته؛ بحيث يفقد مصداقيته وشعبيته وجماهيريته وزخمه في المجتمع والأوساط الشعبية، بل ويفقد مبررات وجوده.
وخير مثال على صحة ما نقول، تجربة حركة حماس مع الانتخابات التشريعية الثانية (1/2006) والوصول إلى سدة الحكم. فحينما سيطر على حماس شهوة الكرسي والحكم، ألغت الفتوى الشرعية التي تحرّم دخول الانتخابات التشريعية الأولى عام (1996)، وأصدرت فتوى جديدة تنقض بل تنسف الفتوى الأولى، بحيث تجيز الدخول في الانتخابات التشريعية الثانية، نتيجة قراءة "مغلوطة" للواقع الفلسطيني، ولإشباع شهوتهم في السلطة. فنجاح حماس في الانتخابات "البلدية" والنسب العالية التي حققتها أوجد عندها نوع من "جنون العظمة" والهوس، مما جعلها تندفع بحمية أكبر نحو الانتخابات التشريعية الثانية، وبالفعل حققت نسب عالية، بأن اكتسحت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وشكلت ما يعرف بالحكومة العاشرة.
السؤال: ما الذي حصل بعد تشكيل حركة حماس للحكومة العاشرة؟!
فُرِضت العزلة السياسية والحصار الاقتصادي الخانق على الشعب الفلسطيني، من قِبَل القريب والبعيد.. من قِبَل الصديق قبل العدو. الأخطر من هذا ما فعله بعض المرتزقة والخونة في سلطة الحكم الذاتي وعلى رأسهم "محمد دحلان" الذي تآمر مع أعداء الله والأمة والوطن (العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ـ التوراتية)، ووضع يده في أيديهم ليتعاون معهم على إفشال تجربة حركة حماس في الحكم، وإحداث القلاقل والفتن والاضطرابات وزعزعة أمن واستقرار المجتمع الفلسطيني. وهذا ليس اتهاما، إنما هو حقيقة قائمة كشف النقاب عنها الصحف والتقارير الأمريكية والصهيونية على السواء.
وقد استمر مسلسل الفلتان والاقتتال الداخلي والفوضى الأمنية، أو قل "الحرب الأهلية" ـ إن جاز التعبير ـ، حتى تاريخ 14/5/2007، يوم أن انقلبت حماس على السلطة في غزة، وفرضت سيطرتها على القطاع. وبهذا الانقلاب أو الحسم العسكري ـ سمها ما شئت ـ، ازداد الوضع في قطاع غزة سوءً على سوء، في كافة مناحي الحياة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التعليمية، الصحية، التعبدية).
ما يهمني في هذا المقام، أنه بعد أن عقدت حماس النية لخوض الانتخابات التشريعية الثانية، وفوزها بثلثي مقاعد المجلس التشريعي، وبالتالي تشكيل الحكومة العاشرة والحادية عشر "حكومة الوحدة الوطنية"، وحتى بعد الانقلاب أو الحسم العسكري؛ تراجع دور حماس في المقاومة، واستجدت أمور احتلت الحيز الأكبر في اهتمام حماس أكثر من المقاومة، وإن المتابع لتصريحات قادة حماس منذ دخولهم في الحكومة حتى اللحظة، يجد أن أغلب ما يطغي على تصريحاتهم حول الفتنة والاقتتال الداخلي والحوار مع فتح، فتح المعابر، شاليط... إلخ من هذه القضايا، فلم يعد للقدس واللاجئين وجدار الفصل العنصري موضع في تصريحات حماس ـ إلا ما نذر ـ.
بل مضت فترة غير قصيرة لم نعد نسمع عن إطلاق طلقة واحدة من بنادق كتائب القسام (ولم أقل صاروخ) تجاه العدو الصهيوني، إنما كانت لبنادقهم وجهة جديدة غير الوجهة التي اعتدنا عليها، هي صدور أبناء الشعب الفلسطيني، هذا من جهة ومن جهة ثانية، إن انجرار حماس للحرب الأهلية أفقدها الكثير من سمعتها وقاعدتها الجماهيرية في الداخل والخارج على السواء، فقد تغيرت النظرة إليها من حركة إسلامية مقاومة إلى حركة إسلامية تطمح للوصول إلى السلطة والحكم.
ما أريد التوصل إليه، حينما هرولت حماس وبخطى سريعة تجاه الكرسي، فهذه الهرولة تعتبر بداية نهايتها. إن المكاسب ـ الآنية ـ التي حققتها حماس من وراء وصولها للسلطة لم ولن تدم لها حتى وقت طويل، وقد تتحول إلى نقمة عليها، فقد يوجد بين صفوفها من يتنازع على مواقع القوة والسلطة، واقتسام الغنائم، وتحقيق المكاسب الشخصية، وإن كان هذا قد وقع بالفعل.
6-ظهور تيارات وأجنحة ومراكز قوى داخل التنظيم:
هذا الداء لا تنجو منه أي من الحركات الإسلامية، الأمر الذي يترتب عليه تعدد الشخصيات والولاءات والانتماءات داخل التنظيم، وغياب قاعدة الشورى ـ التي هي أساس العمل الحركي الإسلامي ـ، وغياب القرارات المركزية التي تنظم عمل التنظيم، ويحل محلها القرارات الفردية المتضاربة، والفوضى الإدارية، وغياب الشخص القائد. والسبب الرئيسي وراء هذه الفوضى هو الابتعاد عن المنهج الذي خطه التنظيم لنفسه، وتربع الدنيا والأنا والمصالح الخاصة على فكر وسلوك ووجدان المتنافسين على المواقع القيادية والمكاسب المادية.
في ظل هذه الأجواء المَرَضِية يكون التنظيم مرتعا للصراعات والتناحرات الشخصية، وتحقيق المكاسب المادية والمعنوية. وهذا الواقع المأزوم هو ما تعاني منه حركة حماس الان.
بعد أن سيطرت حماس على قطاع غزة بدأت تظهر فيها تيارات، منها الموالية (لإيران، أو سوريا، أو إخوان مصر، أو إخوان الأردن). وكل واحد من هذه التيارات له أجندته الخاصة الذي يريد أن ينفذها في فلسطين. وداخل حركة حماس بدأنا نلمس انشقاقات وتباينات في المواقف والتصريحات على الرغم من مكابرة حركة حماس ومحاولتها أن تبين للإعلام بأن الموقف موحد ومتماسك داخل الحركة، فهناك من يريد الوحدة والحوار مع حركة فتح، ومنهم "المتطرف" المتشدد الذي يرفض الحديث والحوار معهم بوصفهم علمانيين وتيار خياني!!، ناهيك عن تنافس القيادات السياسية على المواقع القيادية والمناصب السياسية.
وفي الجناح العسكري (كتائب القسام) الموقف متشابه فيما يتعلق بقضية الحوار والمصالحة مع حركة فتح، أما على الصعيد الآخر هناك تنافس بين أصحاب النفوذ في القسام على "الغنائم" التي حصلوا عليها من "التيار الخياني": الجيبات والسيارات المصفحة والفخمة، وقطع الأسلحة، وقيادة المواقع العسكرية، والرتب العسكرية... إلخ!!
يتبع في الحلقة القادمة...
تعليق