أسباب تمزق البنية التنظيمية للحركة الإسلامية (ح2)
أ. خالد سيف الدين
استكمالا لما بدأناه في الحلقة الماضية، سنواصل الحديث عن أسباب تمزق البنية التنظيمية للحركة الإسلامية.
3-الاهتمام بالكم لا بالكيف:
في هذه الحالة يصبح هدف التنظيم الرئيسي أن يحشد أكبر عدد ممكن من الأعضاء والأنصار والموالين، ليكون التنظيم صاحب قاعدة جماهيرية وشعبية واسعة في المجتمع مقارنة مع باقي التنظيمات الموجودة في المجتمع، دون اهتمام يذكر بالمعايير والمواصفات والأخلاقيات التي يجب توافرها في العضو. ومتى كان التنظيم على هذه الشاكلة فهو يعمل جهد المستطاع على جمع أكبر عدد من الأنصار من هنا وهناك، دون تفحيص أو تمحيص أو تدقيق، وبالتالي يضم التنظيم في صفوفه الغث والسمين، الصالح والطالح، المخلص والمنافق، وربما يكون من بينهم أصحاب المصالح والطموحات الشخصية؛ ـ الذين تحدثت عنهم في الحلقة الأولى ـ، أو المدسوس الذي يخترق الصفوف وينقل أخبار وأسرار التنظيم إلى الغير، وهذا الغير قد يكون التنظيمات الأخرى أو العدو الصهيوني هذا من جهة. ومن جهة ثانية وهي الأهم، أن القرآن الكريم لم يمتدح الكثرة على الإطلاق، بل امتدح القلة وأثنى عليها، فقال الله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، وحينما افتخر المسلمون بكثرة عددهم وعتادهم يوم حنين قالوا: "لن نغلب اليوم من قلة"، فماذا كان مصير الجيش الإسلامي حينئذ؟! الهزيمة النكراء! كي يعلّمهم الله تعالى درسا لن ينسوه أبدا ويكون عبرة لأمة الإسلام من بعدهم، بأن الله تعالى هو الناصر والغالب. وقد رد الله سبحانه وتعالى على مقولتهم بقوله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}.
إن المدقق في تاريخ المعارك والغزوات الإسلامية، يجد أن الجيش الإسلامي لم ينتصر من كثرة أبدا، وعلى الدوام كان الجيش الإسلامي أقل عددا وعتادا من جيش العدو. على الرغم من هذا هناك اعتقاد "خاطئ" عند بعض الحركات الإسلامية، بأنه من خلال كثرة العدد يستطيع التنظيم بسط نفوذه وقوته وفرض هيبته في (وعلى) المجتمع، وهذه الطريقة باعتقادهم هي الأسرع والأقرب للوصول إلى السلطة وإقامة الحكم الإسلامي المنشود. لكن ما هي النتائج المترتبة على هذا الاعتقاد الخاطئ؟ إنها النكسة بدون شك.
وليس أدل على صحة ما نقول، إلا الواقع الذي تعيشه حركة حماس الآن في قطاع غزة. فحينما تغلّبت عليها شهوة الكرسي والحكم، وغرها كثرة الأعضاء والأنصار والنتائج التي حققتها في انتخابات الحكم المحلي (البلديات)، تم الانتخابات التشريعية الثانية 25/1/2006م بأن اكتسحت أغلب مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني (ثلثي المقاعد)، وهو ما أهّلها لتشكيل الحكومة التي عرفت بـ "الحكومة العاشرة"، استعجلت الوصول إلى السلطة، فانقلبت على قطاع غزة وسيطرت عليه، ومهما كانت المبررات التي قدمتها حركة حماس بأن التيار الدحلاني ـ الخياني يريد القضاء على حكومة حماس وعرقلة عملها... إلخ، إلا أن هذا لا يعطيها المبرر الشرعي والأخلاقي لكي ترتكب ما ارتكبته من أفعال وممارسات (قتل، اعتقالات، حرق بيوت، تدمير وهدم بيوت، تعذيب) ليست من أخلاقيات وقيم الإسلام في شيء.
بعد أن انقلبت حركة حماس على السلطة وبسطت نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة، ما الذي حصل؟ أن ازداد وضع القطاع سوءً على سوء في كافة مناحي الحياة (سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، صحيا، تعليميا، حياتيا، إعلاميا). لن أتحدث عن الاعتقالات والاغتيالات والاجتياحات والحصار الخانق المفروض على القطاع من قبل العدو الصهيوني، لأن هذا التصرف سيرتكبه العدو الصهيوني سواء كانت حماس أو فتح في السلطة. لكن سأشير إلى سياسة حماس الداخلية، حيث اعتمدت أسلوب "الحكم العسكري"، حكمت القطاع بالحديد والنار، وكممت الأفواه وصادرت الحريات، واخترقت حرمات البيوت والأفراد والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الحكومية والأهلية... إلخ.
إذا كان هَم التنظيم الاهتمام "بالكم"، سيكون هذا على حساب "الكيف"، أي ستغيب المعايير والمواصفات والأسس التي على أساسها يتم اختيار العضو في التنظيم. وتغيب الأفكار والمبادئ التي من أجلها أسس وأقيم التنظيم، كما تغيب عملية التوعية والتثقيف، أي لم تتم تنشئة الأعضاء بالطريقة الصحيحة. وقد بدا هذا واضحا جليا مع حركتي (حماس والجهاد الإسلامي).
*حركة حماس/ قبل وبعد الانقلاب أو الحسم العسكري ـ سمها ما شئت ـ، المنهج الذي انتهجته هو حشد أكبر عدد ممكن من الأنصار، فمتى شوهد الفرد يواظب على الصلوات الخمس في المسجد ـ لاسيما صلاة الفجر ـ لمدة أسبوع في المسجد، وأطلق لحيته، وتقرّب من أمير المسجد أرسلوا إليه من ينظمه، ويمنحه قطعة سلاح وتخصيص مساعدة مالية.
*حركة الجهاد الإسلامي/ منذ نشأتها لم تعط كبير اهتمام بمسألة الكثرة، لكن مع انتفاضة الأقصى الثانية أصبحنا نرى سلوكيات غريبة عن الحركة، أصبحت تهتم بالكم لا بالكيف؛ لتجاري حركتي (فتح وحماس) من حيث الامتداد الجماهيري في المجتمع، على الرغم من أن حركة الجهاد الإسلامي ثالث أكبر تنظيم على الساحة الفلسطينية بعد الحركتين سالفتي الذكر. ومع هذا التغيير وقعت حركة الجهاد الإسلامي في أخطاء كثيرة بدأنا نلمسها عيانا ونجني ثمرها العلقم، من هذه النتائج:
أ- غياب التنشئة الدينية والسياسية "المتينة".
ب- تهميش المشروع الفكري للحركة وتغليب الجانب العسكري على الجانب الفكري.
ت- غياب المعايير التي على أساسها يتم اختيار العضو.
4-الرهان على بعض الأنظمة والأحزاب ومراكز القوى الخارجية:
يرضى التنظيم لنفسه أن يكون تابعا لأحد الأنظمة أو الأحزاب أو القوى الإقليمية أو الدولية مقابل توفير الدعم (المالي، أو السياسي، أو العسكري) أو كلها جميعا، مما يفقد التنظيم المصداقية والاستقلالية في سلوكياته ومواقفه وقراراته. وفي هذه الحالة يكون التنظيم أسيراً، أو قل ألعوبة بيد القوى الخارجية التي ارتمى في أحضانها، بل يصبح التنظيم بوقا ينفخ فيه الجهة الداعمة، وإن كانت مواقف تلك القوى الخارجية لا تتماشى مع سياسات ورؤية المجتمع. فتلك القوى الخارجية تريد أن تحقق لها مآرب خاصة في بلد التنظيم الأصلي من خلال التنظيم "التابع".
خذ على سبيل المثال حركة الجهاد الإسلامي حينما اعتمدت بشكل رئيسي في الدعم المالي على إيران، حاولت الأخيرة أن تجعل من حركة الجهاد الإسلامي جناحا شيعيا في فلسطين، ينظّر ويبشر للفكر الشيعي من خلال بعض الشخصيات ضعاف النفوس الذين يحبون المواقع القيادية والذين تربعت الدنيا على قلوبهم!!، لكن قيادة حركة الجهاد الإسلامي ممثلة في شخص الدكتور فتحي الشقاقي ـ عليه رحمة الله تعالى ـ كانت أكبر من أن تساوم أو تلوى ذراعها أو تبتز بسبب الدعم المالي. وقد رفض الشقاقي هذا الأسلوب في التعامل، الأمر الذي خدش كبرياء إيران. وقد اتخذت إجراءً عقابيا بهذا الصدد ضد حركة الجهاد الإسلامي، بوقف الدعم المالي لمدة ثلاثة أشهر متتالية، فماذا كان رد الشقاقي عليهم؟: "نحن فجرنا الثورة ـ يقصد ثورة المساجد 1987 ـ باشتراكات الأعضاء"، أي أن الحركة ليست مستميتة على الدعم المالي المقدم من إيران، إن كان هذا الدعم سيجعل من الحركة مطية تعتليها قوى خارجية لتنفذ أجندات لها في فلسطين. وحينما أدركت إيران صلابة ووضوح موقف الحركة تجاه هذه القضية عاودت إيران الدعم المالي للحركة، وإن كنا نرى في الدعم الذي تقدمه بعض الدول العربية والإسلامية ليس منة من تلك الدول على الشعب الفلسطيني بل هو فرض واجب عليها، كون أن الشعب الفلسطيني في خط الدفاع الأمامي عن الأمة ومشروعها الإسلامي في وجهة الحملة الصهيوأمريكية التي تريد تفتيت الأمة واستنزاف مقدراتها، وأن فلسطين أرض وقف إسلامي، بل هي جزء من عقيدة المسلمين، وآية في كتاب الله تعالى.
كذلك الحال بالنسبة لحركة حماس: حينما فرض الحصار الصهيوني الجائر على الشعب الفلسطيني بسبب تشكيل حركة حماس للحكومة العاشرة والحكومة الحادية عشر (حكومة الوحدة الوطنية)، حتى تخرج حماس من مأزق الحصار الاقتصادي والسياسي، مدت إيران يدها لمساعدة حماس للخروج من هذا المأزق، فما كان من الأخيرة إلا أن ارتمت في أحضان إيران، وأصبحت طهران قبلة قيادات حماس في الداخل والخارج، يحجون إليها بشكل يثير التقزز، وفود تغدو ووفود تروح. على الرغم من أن إيران كانت بالأمس القريب في نظر حماس (دولة شيعية، بل دولة كافرة)، وكانت مؤلفات كثيرة لأشخاص من حماس تكتب في هذا الاتجاه، لكن مع السخاء والدعم المالي والمعنوي الإيراني الذي سحر عيون قيادات حماس، اضطر ت حماس لسحب كل الكتب التي تهاجم الشيعة من المكتبات، ومن هؤلاء على وجه الخصوص "صالح الرقب" الذي تزعم إثارة القلاقل والفتن في عقد الثمانينات باتهام حركة الجهاد الإسلامي بالتشيع، وتراجع "يونس الأسطل" عن فتواه بحق الإيرانيين والمذهب الشيعي، ناهيك عن تغير لهجة الخطابة والتصريحات الحمساوية من داخل إيران، فلا نسمع العنتريات والشعارات من خالد مشعل إلا وهو يقف بجانب محمود أحمدي نجاد ـ الرئيس الإيراني ـ، أو بجانب خامنئي ـ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية ـ، والتقاط الصور التذكارية معهم. وحينما تسألهم وتراجعهم عن أسباب تغير هذه المواقف، يجيبون: (فقه الواقع)!!!
بالمناسبة أنا لا أنتقد استفادة حماس من الدعم والمساندة الإيرانية، بقدر ما أنتقد التلون وتغيير المواقف، من كانت حماس تنتقدهم لعلاقتهم بإيران في السابق، أصبحت حماس الآن هي أكثر انكبابا على إيران ممن انتقدتهم سابقا!!
يتبع في الحلقة القادمة
أ. خالد سيف الدين
استكمالا لما بدأناه في الحلقة الماضية، سنواصل الحديث عن أسباب تمزق البنية التنظيمية للحركة الإسلامية.
3-الاهتمام بالكم لا بالكيف:
في هذه الحالة يصبح هدف التنظيم الرئيسي أن يحشد أكبر عدد ممكن من الأعضاء والأنصار والموالين، ليكون التنظيم صاحب قاعدة جماهيرية وشعبية واسعة في المجتمع مقارنة مع باقي التنظيمات الموجودة في المجتمع، دون اهتمام يذكر بالمعايير والمواصفات والأخلاقيات التي يجب توافرها في العضو. ومتى كان التنظيم على هذه الشاكلة فهو يعمل جهد المستطاع على جمع أكبر عدد من الأنصار من هنا وهناك، دون تفحيص أو تمحيص أو تدقيق، وبالتالي يضم التنظيم في صفوفه الغث والسمين، الصالح والطالح، المخلص والمنافق، وربما يكون من بينهم أصحاب المصالح والطموحات الشخصية؛ ـ الذين تحدثت عنهم في الحلقة الأولى ـ، أو المدسوس الذي يخترق الصفوف وينقل أخبار وأسرار التنظيم إلى الغير، وهذا الغير قد يكون التنظيمات الأخرى أو العدو الصهيوني هذا من جهة. ومن جهة ثانية وهي الأهم، أن القرآن الكريم لم يمتدح الكثرة على الإطلاق، بل امتدح القلة وأثنى عليها، فقال الله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، وحينما افتخر المسلمون بكثرة عددهم وعتادهم يوم حنين قالوا: "لن نغلب اليوم من قلة"، فماذا كان مصير الجيش الإسلامي حينئذ؟! الهزيمة النكراء! كي يعلّمهم الله تعالى درسا لن ينسوه أبدا ويكون عبرة لأمة الإسلام من بعدهم، بأن الله تعالى هو الناصر والغالب. وقد رد الله سبحانه وتعالى على مقولتهم بقوله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}.
إن المدقق في تاريخ المعارك والغزوات الإسلامية، يجد أن الجيش الإسلامي لم ينتصر من كثرة أبدا، وعلى الدوام كان الجيش الإسلامي أقل عددا وعتادا من جيش العدو. على الرغم من هذا هناك اعتقاد "خاطئ" عند بعض الحركات الإسلامية، بأنه من خلال كثرة العدد يستطيع التنظيم بسط نفوذه وقوته وفرض هيبته في (وعلى) المجتمع، وهذه الطريقة باعتقادهم هي الأسرع والأقرب للوصول إلى السلطة وإقامة الحكم الإسلامي المنشود. لكن ما هي النتائج المترتبة على هذا الاعتقاد الخاطئ؟ إنها النكسة بدون شك.
وليس أدل على صحة ما نقول، إلا الواقع الذي تعيشه حركة حماس الآن في قطاع غزة. فحينما تغلّبت عليها شهوة الكرسي والحكم، وغرها كثرة الأعضاء والأنصار والنتائج التي حققتها في انتخابات الحكم المحلي (البلديات)، تم الانتخابات التشريعية الثانية 25/1/2006م بأن اكتسحت أغلب مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني (ثلثي المقاعد)، وهو ما أهّلها لتشكيل الحكومة التي عرفت بـ "الحكومة العاشرة"، استعجلت الوصول إلى السلطة، فانقلبت على قطاع غزة وسيطرت عليه، ومهما كانت المبررات التي قدمتها حركة حماس بأن التيار الدحلاني ـ الخياني يريد القضاء على حكومة حماس وعرقلة عملها... إلخ، إلا أن هذا لا يعطيها المبرر الشرعي والأخلاقي لكي ترتكب ما ارتكبته من أفعال وممارسات (قتل، اعتقالات، حرق بيوت، تدمير وهدم بيوت، تعذيب) ليست من أخلاقيات وقيم الإسلام في شيء.
بعد أن انقلبت حركة حماس على السلطة وبسطت نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة، ما الذي حصل؟ أن ازداد وضع القطاع سوءً على سوء في كافة مناحي الحياة (سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، صحيا، تعليميا، حياتيا، إعلاميا). لن أتحدث عن الاعتقالات والاغتيالات والاجتياحات والحصار الخانق المفروض على القطاع من قبل العدو الصهيوني، لأن هذا التصرف سيرتكبه العدو الصهيوني سواء كانت حماس أو فتح في السلطة. لكن سأشير إلى سياسة حماس الداخلية، حيث اعتمدت أسلوب "الحكم العسكري"، حكمت القطاع بالحديد والنار، وكممت الأفواه وصادرت الحريات، واخترقت حرمات البيوت والأفراد والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الحكومية والأهلية... إلخ.
إذا كان هَم التنظيم الاهتمام "بالكم"، سيكون هذا على حساب "الكيف"، أي ستغيب المعايير والمواصفات والأسس التي على أساسها يتم اختيار العضو في التنظيم. وتغيب الأفكار والمبادئ التي من أجلها أسس وأقيم التنظيم، كما تغيب عملية التوعية والتثقيف، أي لم تتم تنشئة الأعضاء بالطريقة الصحيحة. وقد بدا هذا واضحا جليا مع حركتي (حماس والجهاد الإسلامي).
*حركة حماس/ قبل وبعد الانقلاب أو الحسم العسكري ـ سمها ما شئت ـ، المنهج الذي انتهجته هو حشد أكبر عدد ممكن من الأنصار، فمتى شوهد الفرد يواظب على الصلوات الخمس في المسجد ـ لاسيما صلاة الفجر ـ لمدة أسبوع في المسجد، وأطلق لحيته، وتقرّب من أمير المسجد أرسلوا إليه من ينظمه، ويمنحه قطعة سلاح وتخصيص مساعدة مالية.
*حركة الجهاد الإسلامي/ منذ نشأتها لم تعط كبير اهتمام بمسألة الكثرة، لكن مع انتفاضة الأقصى الثانية أصبحنا نرى سلوكيات غريبة عن الحركة، أصبحت تهتم بالكم لا بالكيف؛ لتجاري حركتي (فتح وحماس) من حيث الامتداد الجماهيري في المجتمع، على الرغم من أن حركة الجهاد الإسلامي ثالث أكبر تنظيم على الساحة الفلسطينية بعد الحركتين سالفتي الذكر. ومع هذا التغيير وقعت حركة الجهاد الإسلامي في أخطاء كثيرة بدأنا نلمسها عيانا ونجني ثمرها العلقم، من هذه النتائج:
أ- غياب التنشئة الدينية والسياسية "المتينة".
ب- تهميش المشروع الفكري للحركة وتغليب الجانب العسكري على الجانب الفكري.
ت- غياب المعايير التي على أساسها يتم اختيار العضو.
4-الرهان على بعض الأنظمة والأحزاب ومراكز القوى الخارجية:
يرضى التنظيم لنفسه أن يكون تابعا لأحد الأنظمة أو الأحزاب أو القوى الإقليمية أو الدولية مقابل توفير الدعم (المالي، أو السياسي، أو العسكري) أو كلها جميعا، مما يفقد التنظيم المصداقية والاستقلالية في سلوكياته ومواقفه وقراراته. وفي هذه الحالة يكون التنظيم أسيراً، أو قل ألعوبة بيد القوى الخارجية التي ارتمى في أحضانها، بل يصبح التنظيم بوقا ينفخ فيه الجهة الداعمة، وإن كانت مواقف تلك القوى الخارجية لا تتماشى مع سياسات ورؤية المجتمع. فتلك القوى الخارجية تريد أن تحقق لها مآرب خاصة في بلد التنظيم الأصلي من خلال التنظيم "التابع".
خذ على سبيل المثال حركة الجهاد الإسلامي حينما اعتمدت بشكل رئيسي في الدعم المالي على إيران، حاولت الأخيرة أن تجعل من حركة الجهاد الإسلامي جناحا شيعيا في فلسطين، ينظّر ويبشر للفكر الشيعي من خلال بعض الشخصيات ضعاف النفوس الذين يحبون المواقع القيادية والذين تربعت الدنيا على قلوبهم!!، لكن قيادة حركة الجهاد الإسلامي ممثلة في شخص الدكتور فتحي الشقاقي ـ عليه رحمة الله تعالى ـ كانت أكبر من أن تساوم أو تلوى ذراعها أو تبتز بسبب الدعم المالي. وقد رفض الشقاقي هذا الأسلوب في التعامل، الأمر الذي خدش كبرياء إيران. وقد اتخذت إجراءً عقابيا بهذا الصدد ضد حركة الجهاد الإسلامي، بوقف الدعم المالي لمدة ثلاثة أشهر متتالية، فماذا كان رد الشقاقي عليهم؟: "نحن فجرنا الثورة ـ يقصد ثورة المساجد 1987 ـ باشتراكات الأعضاء"، أي أن الحركة ليست مستميتة على الدعم المالي المقدم من إيران، إن كان هذا الدعم سيجعل من الحركة مطية تعتليها قوى خارجية لتنفذ أجندات لها في فلسطين. وحينما أدركت إيران صلابة ووضوح موقف الحركة تجاه هذه القضية عاودت إيران الدعم المالي للحركة، وإن كنا نرى في الدعم الذي تقدمه بعض الدول العربية والإسلامية ليس منة من تلك الدول على الشعب الفلسطيني بل هو فرض واجب عليها، كون أن الشعب الفلسطيني في خط الدفاع الأمامي عن الأمة ومشروعها الإسلامي في وجهة الحملة الصهيوأمريكية التي تريد تفتيت الأمة واستنزاف مقدراتها، وأن فلسطين أرض وقف إسلامي، بل هي جزء من عقيدة المسلمين، وآية في كتاب الله تعالى.
كذلك الحال بالنسبة لحركة حماس: حينما فرض الحصار الصهيوني الجائر على الشعب الفلسطيني بسبب تشكيل حركة حماس للحكومة العاشرة والحكومة الحادية عشر (حكومة الوحدة الوطنية)، حتى تخرج حماس من مأزق الحصار الاقتصادي والسياسي، مدت إيران يدها لمساعدة حماس للخروج من هذا المأزق، فما كان من الأخيرة إلا أن ارتمت في أحضان إيران، وأصبحت طهران قبلة قيادات حماس في الداخل والخارج، يحجون إليها بشكل يثير التقزز، وفود تغدو ووفود تروح. على الرغم من أن إيران كانت بالأمس القريب في نظر حماس (دولة شيعية، بل دولة كافرة)، وكانت مؤلفات كثيرة لأشخاص من حماس تكتب في هذا الاتجاه، لكن مع السخاء والدعم المالي والمعنوي الإيراني الذي سحر عيون قيادات حماس، اضطر ت حماس لسحب كل الكتب التي تهاجم الشيعة من المكتبات، ومن هؤلاء على وجه الخصوص "صالح الرقب" الذي تزعم إثارة القلاقل والفتن في عقد الثمانينات باتهام حركة الجهاد الإسلامي بالتشيع، وتراجع "يونس الأسطل" عن فتواه بحق الإيرانيين والمذهب الشيعي، ناهيك عن تغير لهجة الخطابة والتصريحات الحمساوية من داخل إيران، فلا نسمع العنتريات والشعارات من خالد مشعل إلا وهو يقف بجانب محمود أحمدي نجاد ـ الرئيس الإيراني ـ، أو بجانب خامنئي ـ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية ـ، والتقاط الصور التذكارية معهم. وحينما تسألهم وتراجعهم عن أسباب تغير هذه المواقف، يجيبون: (فقه الواقع)!!!
بالمناسبة أنا لا أنتقد استفادة حماس من الدعم والمساندة الإيرانية، بقدر ما أنتقد التلون وتغيير المواقف، من كانت حماس تنتقدهم لعلاقتهم بإيران في السابق، أصبحت حماس الآن هي أكثر انكبابا على إيران ممن انتقدتهم سابقا!!
يتبع في الحلقة القادمة
تعليق