إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العلاقات الإيرانية الأمريكية... محاولة للفهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلاقات الإيرانية الأمريكية... محاولة للفهم

    رائد الحامد
    منذ قيام الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979 بقيادة الخميني ، حاولت الإدارة الأمريكية الترويج لمقولة أن ليس من مصلحتها قيام نظام حكم ديني شيعي في العراق ، وكان مبرّر تسويق هذا الكلام ، أنّ هناك عدم رضا إقليمي عن قيام نظام حكم يحمل ذلك التوجه الديني المذهبي ، وهذا الكلام صحيح تماماً حتّى حرب الخليج الثانية 1991م ، حيث كانت لدول الخليج عموماً ، والسعودية خصوصاً وجهات نظر مسموعة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة من باب النصيحة في أحيان قليلة ، ومن باب التنسيق في باقي الأحيان .



    أما بعد 1991 فقد اختلف الأمر تماماً ، خصوصاً بعد الرضا الأمريكي على الموقف الإيراني من العمليات العسكرية ضد العراق ، ودورها في خلق حالة الفوضى في جنوب العراق مباشرة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت في آذار 1991 ، في حين أوحت للآخرين بأنها قد تناست حربها مع العراق ، واتخذت موقفاً معلناً ضدّ شنّ الحرب ، مما خلق حالة من الاطمئنان لدى الحكومة العراقية التي قامت بإيداع أكثر من مائة وثلاثين طائرة عسكرية لحمايتها من احتمالات تدميرها من قبل قوات التحالف ، على أمل إعادتها إلى العراق بعد نهاية العمليات العسكرية ، إلاّ أنّ إيران لم تف بوعدها وتمسكت بها واستولت عليها ورفضت إعادتها بحجج شتى ، مما بعث شكلاً من أشكال الاطمئنان الأمريكي إلى صدق الموقف الإيراني ووفاءه لتفاهم جنيف 1991 بينهما.



    عودة سريعة إلى الأحداث التي رافقت أو أعقبت حرب الخليج الثانية 1991 ، وتحديدا إلى التفاهم الأمريكي الإيراني في جنيف قبل بدء العدوان العسكري على العراق في 17/1/1991 بين وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر والإيراني علي اكبر ولايتي ، وبموجب هذا التفاهم تم عقد صفقة بين الطرفين تتضمن قيام الطرف الإيراني بتسهيل مهمة دخول عشرات الآلاف من عناصر فيلق بدر الذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، وعدة الآلف من عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى العراق عبر الحدود المشتركة ، ومهمتها تتركز أساسا على القيام بتصفية كبار العسكريين لحسابات على صلة بالحرب العراقية الإيرانية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، ولاعتبارات أخرى تتعلق بالتركيبة النفسية والأخلاقية الفارسية ، وكذلك القيام بتصفية كبار القيادات البعثية ورجال الدين شيعة وسنة من المحسوبين على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، وخلق حالة من الفوضى الشعبية لتسهيل مهمة الإدارة الأمريكية في الوصول إلى أهدافها في إسقاط النظام واحتلال العراق عسكريا ، تنفيذا لمشروع شمعون بيريز في إنشاء شرق أوسط جديد تكون الهيمنة العسكرية والاقتصادية المطلقة فيه لإسرائيل ، ووفق ما هو مرسوم يتم تسليم السلطة إلى نظام جديد يرتبط بإيران والولايات المتحدة ، ويكون بمثابة أداة تنفيذية تخدم مصالح طرفي التفاهم معا ، وفي المقابل السماح بنفوذ إيراني فاعل فكريا وامنيا في العراق عموما ، وجنوبه خصوصا لاعتبارات تتعلق بالجوار الجغرافي والمعتقد المذهبي الواحد ، إلا أن خشيتهما من عدم ضمان وقوف العشائر العربية في الجنوب مفتاح نجاح مخططهما ، والتي كانت تظهر ولاءً لصدام حسين اكبر من العشائر الأخرى غرب العراق وشماله أربك الإدارة الأمريكية وجعلها تتراجع عن الإقدام على الخطوة العملية اللاحقة ، وعلى الأخص بعد أن رأت بأم عينها ما حل بالمدن الجنوبية من خراب ودمار لمؤسسات الدولة المدنية على يد الحرس الثوري الإيراني والقوى العراقية التابعة له ، وبالذات سجلات دوائر الأحوال الشخصية ، ومراكز التجنيد ودوائر التسجيل العقاري والمكتبات العامة وغيرها ، وما رافق ذلك من حوادث قتل للعسكريين العزل المنسحبين من الكويت ، وإعدامات على يد محاكم شكلية تعتمد أسسا مذهبية أو حزبية في إصدار الأحكام ، ويقوم عليها رجال دين إيرانيين أو عراقيين قادمين من إيران.



    بعد بروز تطورات هذه الأحداث على الساحة الإعلامية ، استجابت بعض الحكومات العربية لضغوط الشارع العربي الذي تمرد على سياسة التخلي الشعبي العربي التي فرضتها الأنظمة الحاكمة ، وخروج هذا الشارع عن صمته الذي استمر منذ فجر 17/1/1991 ، وكذلك تعالي أصوات القوى الدولية المحذرة من دخول المنطقة في دوامة عنف وفوضى لا نهاية لها ، أدركت عندها الإدارة الأمريكية خطورة ما يجري في العراق ، ورأت تأجيل الفصول اللاحقة من مشروعها إلى حين توفر الظرف الزمني والموضوعي للشروع به ثانية ، وهذا ما استدعى إعطاء الإذن للجيش العراقي بمعالجة تلك الأحداث ، وبالذات السماح للطائرات العراقية من ذوات الأجنحة المتحركة بالطيران فوق المدن والقصبات المتمردة في أربعة عشر محافظة عراقية لاستعادة الأمن والنظام إلى تلك المناطق ، وقد أدى ذلك إلى إيقاع المزيد من الموت بين أوساط المدنيين العراقيين بسبب الاستخدام المفرط للقوة ، فيما تمكن الإيرانيون القادمون من وراء الحدود ومن معهم من العراقيين ، من العودة ثانية إلى إيران والنجاة من الموت ، وهذه من حقائق ما حدث آنذاك.



    حتى يومنا هذا فان القوى الداخلة آنذاك من إيران والإيرانيين أنفسهم ، يتهمون الإدارة الأمريكية بالتخلي عن الشعب العراقي ، ومساندة نظام صدام حسين في قمع ما يسمونه بالانتفاضة ، في حين لابد من التأكيد على ان الإدارة الأمريكية لم تقف إلى جانب نظام صدام حسين ولم تتخلى عن شركائها من العراقيين أو الإيرانيين ، بل إنها أجلت المهمة إلى أواخر 1998 وأوائل 1999 بما عرف بعملية ثعلب الصحراء ، حيث فشلت هذه العملية أيضا فاستجاب الرئيس الأمريكي بيل كلنتون لنداء وجهه الرئيس حسني مبارك الذي أدرك وقتذاك إن الشارع المصري لم يعد يحتمل مشاهدة أو سماع المزيد من الدمار والقتل في العراق ، وان الشعب المصري بات قاب قوسين أو أدنى من النزول إلى الشارع ، مما يعني تفجر حالة من الفوضى الشعبية قد تمتد إلى سائر الأقطار العربية مما يهدد أنظمتها أولا بالسقوط أو التساقط ، وكذلك تهديد المصالح الأمريكية المستهدفة في كل المنطقة ، ومن ثم قد تتطور الأمور إلى حالة من العنف والفوضى الشعبية لا يمكن التكهن بمدياتها ، ولا يمكن إدراك خطورتها على الأنظمة والمصالح الأمريكية والصهيونية ، وكان ما كان إلى أن نضجت كل الأفكار وتهيأت كل مستلزمات نجاح المخطط ، من صمت دولي إلى تواطؤ عربي فاضح ، إلى شراكة مع بعض دول الجوار العربي والإقليمي ، إلى مساندة جهات عراقية عرقية ودينية وسياسية لحسابات ضيقة تنم عن قصور في النظر ، وتدلل على سهولة الارتماء في أحضان الغير واستمراء الاستعانة بالأجنبي ، وتسويغ العمالة باعتبارها عملا وطنيا ، فكان احتلال العراق في 9/4/2003 ، ووقوع عاصمة عربية ثانية في سلاسل الأسر الصهيوني الشعوبي.



    من المؤكد أنّ قيام نظام شيعي في العراق لا يخدم المملكة العربية السّعودية لأسباب عديدة قد يكون من أهمها طبيعة التكوين المذهبي للمجتمع السعودي الذي يضم نسبة لا يستهان بها من الشيعة ، وخصوصاً في المنطقة الشّرقية ذات الأهمية الاقتصاديّة الحيوية للسعودية لوجود آبار ومصافي النفط ضمن رقعة انتشار مقلدي المذهب أعلاه ، ويأتي ضمن ذات الرؤية انتماء الأسرة السعودية الحاكمة إلى المذهب السني ، يضاف إلى ذلك سبب آخر ، وهو النداءات المتكررة التي أصدرها الخميني لإسقاط الأنظمة الحاكمة في العراق ودول الخليج وإقامة نظام حكم إسلامي ، أي نظام حكم شيعي كما فهمته دول الخليج والعراق ، أو كما هي حقيقته ، مما مهّد السبيل لاستعار نار الحرب بين العراق وإيران طيلة ثماني سنوات 1980 – 1988 بهدف معلن إيرانياً يتمثّل في تصدير الثورة الإسلاميّة ، ومعلن عربياً في التصدّي ومواجهة الخطر القادم من إيران التي باتت تتدخل مباشرة وعلنا في الشؤون الداخلية لدول الجوار العربي ، وتحتل أراض عربيّة من العراق ومن الإمارات العربيّة المتّحدة ، ولا تخفي رغبتها في السيطرة المطلقة على مياه الخليج العربي .



    تمكنت الحكومات الخليجية من إقناع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بخطر قيام مثل هكذا نظام مذهبي ، وهذه الإدارات تدرك خطورة مثل هذا الأمر من خلال نظرتها إلى المذهب الشيعي ، بأنّه مذهب يقترب كثيراً في صفاته من الحركات السياسية ، وهو قادر على الزحف والدخول إلى كلّ الساحات التي تريد مرجعياتهم دخولها ، وكانت عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران مثالاً واضحاً أكّد وجهة نظرهم تلك ، إضافة إلى ما شاهده الأمريكان من أفواج بشرية تتدفق أحياناً بلا سلاح إلى خطوط المواجهة مع العراق ، وهي تدرك سلفاً المصير الذي ينتظرها .



    إن الفهم الأمريكي الجديد المستنبط مباشرة من واقع حرب الخليج الثانية ، وقد اعتمدوا على أنفسهم في هذه المرة كمصادر للمعلومات بدلا من اعتمادهم على الغير كما كان يحصل في السابق ، حيث يرون صعوبة التحرك العلني المكثف قبل انهيار الاتحاد السوفيتي ، وقبل أن يتم امتهان الشعب العربي بدءا من كامب ديفيد وتغييبه نهائيا ، مرورا بقمة القاهرة الطارئة في آب 1990 التي شرعت للوجود الأمني والعسكري الأمريكي العلني والمباشر ، بعد إن كان في قواعد هنا وهناك تخجل الأنظمة المستضيفة لها من الاعتراف بوجودها على أراضيها ، بل وتنكر ذلك خشية من ردة فعل الشعب العربي ، وانتهاءً بالتواطؤ العربي والإقليمي مع الولايات المتحدة في عدوانها العسكري على العراق واحتلاله عام 2003.



    كان من نتائج ذلك الفهم الأمريكي الجديد ، تبلور حالة من الخشية الأمريكية من إنتاج نظام حكم شيعي عراقي يرتبط بإيران مباشرة ، وهذا النظام سوف يغلب الجانب الديني المذهبي على حساب العلاقات الدولية والتفاهمات ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن غياب زعيم الثورة الروحي الخميني لم يمض عليه إلا سنوات قليلة ، وان مشروع تصدير الثورة الذي أجلته الحرب العراقية الإيرانية دون أن تقضي عليه لم يغادر فكر الاتجاه المحافظ في الحكم الإيراني ، وبذلك سيكون العراق بمثابة مركزا لتصدير ( الثورة الإسلامية في إيران ) إلى الجوار الغربي المهيأ في سورية ولبنان حسب الرؤية الإيرانية ، ومن العراق جنوبا باتجاه السعودية التي بدأت آنذاك المناطق التي تسكنها أغلبية شيعية بالتململ والإعلان صراحة عن تعرضهم للمضايقات والتهميش وحتى التمييز المذهبي من قبل الحكومة السعودية كما يصرحون ، وكذلك الانتقال إلى الكويت وباقي دول الخليج العربي التي تتواجد فيها نسبة لا يستهان بها من أتباع المذهب الشيعي ، وهم يرون تعرضهم لذات ما يتعرض له أبناء المذهب في السعودية ، وان كان بشكل اقل ، مما يشكل بؤرا جغرافية متباعدة قادرة على التمدد لتكوين إمبراطورية ذات حدود جغرافية واحدة.



    إنّ المصالح العليا للولايات المتّحدة الأمريكيّة هي التي تحكم سياساتها الخارجية ، ووفقاً لمتطلبات تحقيق مصالحها ، لا تتردد الإدارة الأمريكية في إجراء تغييرات جذرية في صميم تحالفاتها وعلاقاتها مع الدول الأخرى ، فليس بالضرورة إن يكون حليف الأمس هو نفسه حليف اليوم أو حليف الغد ، كما أنّ عدوّ الأمس ليس بالضرورة هو عدو اليوم ، فقد يكون حليف الغد أو يعود عدوا كما كان .



    إذن ما الذي يجعل البعض يصر على وجود خلافات إيرانية أمريكية أو استهداف أمريكي حقيقي لإيران؟

    فمن ناحية الخلفية الفكرية التي تحرك كلا الطرفين الإيراني والأمريكي في كلّ ما يتعلّق بالعراق والأمّة العربيّة ، لا نجد تضاداً أو تبايناً في وجهتي النظر ، فكلتيهما تكنّان حقداً على العراق والأمة العربية بشكل أو بآخر ، وكلتيهما لهما أطماع في العراق والأقطار العربيّة الأخرى ، حتى وإن اختلفت مشاربهما ، فالصفة الغالبة على الأطماع الإيرانية هي الصفة الفكرية ورغبتها في فرض التشيع الصفوي ، الذي هو مزيج من القومي الفارسي والديني المجوسي ، على العراقيين ككل بمن فيهم الشيعة العرب في نهاية المطاف ، وجعل التشيع الصفوي هو مذهب الحكم الرسمي لعراق المستقبل كمرحلة أولى ، ثم الانتقال إلى بقع جغرافية عربية أخرى ، وهذا الكلام لم يأت من فراغ ، بل علينا العودة إلى تفاهم طهران قبل الغزو الأمريكي للعراق بأسابيع بين المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في العراق والأحزاب الكردية العراقية برعاية وتوجيه إيراني ، وبموجبه تتم عملية دعم متبادل بين الطرفين العراقيين ، حيث يدعم المجلس الأعلى إعطاء الأكراد حكما فيدراليا ، مقابل دعم الأكراد مبدأ جعل المذهب الشيعي مذهب عراق المستقبل ، وهذا لا يعني للأكراد شيئاً ، فهم لا يقرون عملياً بانتمائهم إلى العراق الوطن إلاّ من خلال العملية السياسية وما تحققه لهم من مكاسب تقربهم من هدفهم ، وكسباً للمزيد من الوقت لتهيئة الأجواء الداخلية والإقليمية لانفصالهم نهائياً عن العراق وقيام كردستان الكبرى ، وتجلى هذا واضحا في عدم رفع العلم العراقي والإكتفاء بعلم كردستان ، أما المجلس الأعلى فهو بالتأكيد ليس حركة سياسية دينية ، بل هو حركة دينية سياسية تسعى لسيادة مذهبها في حكم العراق ، وفي كلتا الحالتين تعتبر إيران كطرف راع للتفاهم هي الرابح الأكبر ، فهي من ناحية قد أنجزت هدفاً سعت لـه الثورة الإسلاميّة في إيران منذ قيامها في 1979 ، وهو تصدير الثورة إلى العراق وجواره ، ومن ناحية أخرى تقدمت خطوات كبيرة باتجاه تقسيم العراق عن طريق الفيدرالية وإقامة إقليم الوسط والجنوب.



    إن طبيعة التركيبة السلطوية الإيرانية تدلل على وجود جناحين يمسكان معا بزمام الأمور في إيران ، وهما الجناح المحافظ أي رجال الدين ، والجناح الإصلاحي الذي يمثله الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ، أي هناك حمائم وصقور كما هو الحال في الكيان الصهيوني ، وهما تكتل الليكود وحزب العمل ، وكلاهما متحالفان مع الإدارة الأمريكية وشركاء لها في سياساتها تجاه الأمة العربية ، كذلك الحال في الحكومة الإيرانية ، فكلا الجناحين لهما ذات الأهداف والغايات في العراق والمنطقة ، وهما على نفس القوة من التحالف والعلاقة مع الإدارة الأمريكية في مساعيها بعيدة الأجل ، ولم تكن لهذه التسميات من دلالات مؤثرة إلا في خداع الشعوب بالعداء للشيطان الأكبر والكيان الصهيوني ، فما الذي قدمه أي من الجناحين من خطوات عملية تقربهم من شعاراتهم المعلنة تجاه القدس وغيرها من قضايا العرب والمسلمين سوى الخداع ، والعمل على إضعاف العراق وتفتيته لإخراجه من معادلة الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني.



    أما الولايات المتّحدة فهي الأخرى تمتلك مشروعاً فكرياً جاءت بـه مع الغزو يتمثل في فرض هيمنتها الثقافية والاقتصاديّة والعسكرية على ما اصطلح تسميته بالشرق الأوسط الكبير ، إذن هناك نقاط التقاء بين إيران والولايات المتّحدة في كلّ ما يتعلّق بالعراق والمنطقة ، وهذا الالتقاء ليس هدفاً مرحلياً ، بل لأهداف حيوية بعيدة المدى لكليهما مبنية على أسس تفاهم جنيف 1991 بين الطّرفين ، وقد بلغت أعلى مراحل التنسيق بينهما بعد أحداث 11 أيلول ضمن المسعى الأمريكي في معركتها الكونية على ما تسميه بالإرهاب ، ولم يكن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي العاتب على الإدارة الأمريكية لعدم وفاءها بالتزاماتها تجاه إيران لموقفها من غزو العراق ، لم يكن أقلّ صراحة من نائبه محمد أبطحي عندما قال في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي عقد في أبي ظبي في كانون الثاني 2005 ، (( إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق )) ، وأضاف ((انه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابل وبغداد بهذه السهولة)) ، فالدور الإيراني في احتلال أفغانستان وإسقاط طالبان بات معروفا ، وقد كافأت الإدارة الأمريكية إيران باختيارها عبد الكليم خليلي من حزب الوحدة الموالي لإيران كنائب لحامد كرزاي ، وهو ما يعطي دليلاً مهما على مصداقية أبطحي.



    وفي جانب مهم من التدخل الإيراني في العراق بعد الاحتلال ، فقد حقق الإيرانيون مكاسب فكرية وسياسية تسير في الاتجاه المعاكس تماما للمصالح والمسار الوطني العراقي ، وبعد أن تم تكريس تلك المكاسب كواقع عملي لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله ، وسيكون صعبا على المقاومة والعراقيين الوطنيين التخلص منها مستقبلا وتصفيتها وكل مساحات النفوذ الأجنبي الأخرى أيا كانت جنسيته ، وإنهاء أي شكل من أشكال الاستعمار غير المباشر إيرانيا كان أم أمريكيا أم صهيونيا أم غيره ، أو حتى الاستعمار الوطني المتمثل بتلك القيادات التي فقدت ولاءها للعراق الوطن وانتماءها للشعب بكل سماته ومكوناته ، فلا بد إذن إن المقاومة العراقية الآن ، تدرك سطوة الغزو المتعدد الأشكال ، الفكري منه أو الثقافي الممنهج الذي تديره شخصيات إيرانية بالتعاون مع شخصيات عراقية موالية ، وبالتالي فان الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر هو أهون أنواع الاحتلال وأشكاله ، وهو الأسهل في مقاومته وإنهائه وهزيمته ، فيما تبقى الأشكال الأخرى هي الأصعب بسبب هلاميتها ، وهي ذات الأثر الأخطر على مستقبل الوطن والشعب.



    في سياق الموضوع ، تمّت الإشارة إلى انتساب الأسرة السعودية الحاكمة للمذهب السني وهو مذهب الأغلبية الساحقة من المجتمع السعودي ، وبتفصيل أدقّ المذهب السني الحنبلي وتحديداً دعوة محمد بن عبد الوهاب ، وهذه تتخذ من فكر ابن تيمية مرجعاً فقهياً لها ، وليس بين هذا الفكر وبين الفقه الإسلامي على مذهب الإمام جعفر الصادق أيّ خلاف أو تناقض ، إلاّ أنّ رؤية أتباع محمد بن عبد الوهاب بأنّ حركة التشيع قد خرجت على مذهب الإمام الصادق ، هو سر الخلاف التاريخي بينهما .



    ليس لأحد أن ينكر وجود نسبة مؤثرة من الشيعة في المجتمع السعودي وفي المنطقة الشّرقية الغنية بالنفط تحديداً ، وهؤلاء يدّعون صدقاً أو غيره تعرضهم المستمر للقمع والتهميش من قبل الأسرة السعودية الحاكمة ، وفي أعقاب الحادي عشر من أيلول والاتهامات الموجهة للأسرة السعودية برعاية الإرهاب من قبل جهات أمريكية فاعلة في صنع القرار ، تحركت رموز شيعية بارزة تمكّنت من استثمار هذه الاتّهامات وتجييرها لبناء علاقات بشكل أو بآخر مع تلك الجهات ، وساهمت فعلاً في صياغة قناعات جديدة لدى تلك الجهات الأمريكية ، فحواها أنّ بإمكان الولايات المتّحدة الأمريكيّة إقامة تحالف مع الشيعة في العالم بالتنسيق مع إيران ، وأنّ هؤلاء على استعداد تام لخدمة المصالح القومية العليا للولايات المتحدة ، مقابل رعاية أمريكية ودور عملي في سيطرة شيعية على المنطقة الحيوية لمصالح أمريكا ، فلماذا يبقى الأمر محصوراً في الأطراف السنية؟ ، فالسنة ضالعون بالإرهاب العالمي ، في أفغانستان وفي العراق وفي فلسطين وغيرها من بقاع التوتر ومناطق عدم الاستقرار ، كما أنّ هناك أكثر من مائة وسبعين مليون شيعي ينتشرون في أنحاء العالم ، وإنّ التحالف مع هذه الملايين يعني المزيد من العقلانية الدينية ، مما يعني التخفيف من دور الفكر الوهابي السلفي المناهض والمعادي للمصالح الأمريكية ، وان على الإدارة الأمريكية إن تستثمر صبغة العداء التاريخي بين الفكر الوهابي والفكر الشيعي ، وإنّ الغالبية الساحقة من هذه الملايين الشيعية يتبعون رجلاً واحداً ، وإنّ ضمان موقف هذا الرجل ( أي المرجع الأعلى لشيعة العالم ) يعني في النهاية ضمان موقف شيعة العالم ، وبكلام آخر فإنّ ضمان موقف الحوزة العلمية ومرجعيتها في النجف يعني في النهاية ضمان موقف أغلبية شيعة العالم إلى جانب الموقف الأمريكي ، على العكس من السنَّة الذين لا يمكن ضمان موقفهم لعدم إتباعهم لمرجعية واحدة ، بل ولعدم وجود مثل هذه المرجعيات ذات الصلة بالسياسة أصلاً ، كما أنّ مناطق البترول العربي يشكّل الشيعة النسبة العظمى من سكانها ، إضافة إلى أنّ حوض الخليج العربي ومضايقه ذات الأهمية الحيوية لدعم العمليات العسكرية الأمريكية المستقبلية في المنطقة تسكنه أغلبية شيعية ، هذه خلاصة الرؤية التي نادت بها الرموز الشيعية السعودية وتبنتها الإدارات الأمريكية بعد 1991.



    إنّ هذه الرؤية المستندة إلى تصريحات عدة لناشطين سعوديين شيعة معارضين للحكم السعودي تمّت صياغتها وإيصالها تحديداً إلى مراكز الدراسات التابعة للمحافظين الجدد ، وهي المعنية عملياً بصنع القرار الأمريكي ورسم سياساتها الخارجية ، وعلى ما يبدو فإنّ الإدارة الأمريكية التنفيذية قد تعاملت مع هذه الصياغات جدياً وعملياً ، ويمكن تعزيز هذا الرأي استناداً إلى الوقائع المعروفة حيث تمت عملية تجنيد المجاهدين العرب في جدة برعاية سعودية ، وتمَّ إرسالهم إلى بيشاور لتأهيلهم فكرياً وتدريبهم عسكرياً للمشاركة في مقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان ، وقد التقى هدفهم مع الهدف الأمريكي ، فتعاملت الإدارة الأمريكية مع المجاهدين العرب وكأنهم حلفاء لها ، شاء هؤلاء أم أبوا ، ثمّ ما لبثت أن اتخذت منهم بعد أحداث 11 أيلول عدواً لتبرر لنفسها فرض مشروعها الكوني وسيادة سياسة القطب الأوحد عن طريق الحروب الاستباقية والغزو المسلح للبلدان وغيرها من وسائل تحقيق هيمنتها ، إضافة إلى هذا فإنّ أعداء اليوم ، هم أساساً حملة الفكر السفلي الجهادي ، وإنّ التحالف الشيعي الأمريكي كفيل بمواجهة هذا الفكر وإنهاء دوره بأيدٍ شيعية ودعم أمريكي ، وتلك الرؤى وهذا التحالف في حقيقة الأمر من أكثر الأمور تشجيعاً للإدارة الأمريكية في تسويغ قراريها غزو أفغانستان ثمّ العراق .



    أما ما أعقب احتلال العراق فإنّ الأمور باتت أكثر جلاءً ، فمنذ الأيام الأولى لبدء العمليات العسكرية تمكنت المرجعية الشيعية العليا في النجف ممثلة بمرجعها الأعلى السيد علي السيستاني المنحدر من أصول عرقية فارسية من السيطرة على عقل وفكر الشيعة العرب في العراق ، وأقنعتهم من خلال دعوة ما أو فتوى صدرت عنه مباشرة أو أصدرتها مكاتبه باسمه بعدم مقاومة الغزاة القادمين لاحتلال العراق ، بذرائع تتلخص في أنّ أرض النجف على سبيل المثال أرض مقدسة لا تجوز فيها إراقة الدماء أياً كانت ، وأنّ العرب السنة حكموا العراق لعشرات السنين وظلموا الشيعة واضطهدوهم ، وأنّ الدور الآن يتحقق من خلال القوات الأمريكية لرفع الظلم عن المستضعفين وسيطرة الشيعة على الحكم في العراق من خلال الانتخابات ، وكان السيّد علي السيستاني أول من دعا الحاكم المدني بريمر لإجراء الانتخابات وكان لـه ما أراد ، مستغلا عزوف أبناء السنة في حينها عن العملية السياسية ، وانشغالهم بالمقاومة المسلحة كخيار وحيد لإنهاء الاحتلال ، وقد نال السيد علي السيستاني ثناء المسؤولين في الإدارة الأمريكية ، كالسفير بريمر والسيدة كوندليزا رايس التي اثنت على الدور المهم الذي لعبه السيد علي السيستاني وتأكدها من استمرار دوره المهم مستقبلاً ، وكان السيد علي السيستاني قد أوفد عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي صيف 2006 إلى واشنطن حاملا رسالة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش يريد منها الاطمئنان على عدم تخلي الولايات المتحدة عن الشيعة في العراق ، وهو أمر لا يمكن أن يفسر إلا بوجود تنسيق مسبق وقلق حالي استدعى هذه الرسالة.



    هكذا تم تكريس النفوذ الإيراني في العراق بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أدركت خطأها بعد فوات الأوان ، وهي تحاول الآن لملمة شتات قوتها لتخرج بها من العراق خروجا مشرفا يحفظ لها ماء وجهها ، ويجنبها تكرار ما حصل لها في فيتنام ، والإبقاء على العراق بلدا موحدا مستقرا كجزء من التزامها كقوة احتلال أمام المجتمع الدولي ، وقد لا يتحقق لها هذا إلا بالاعتماد على العرب السنة في العراق ، فالولايات المتحدة بعد أربع سنوات لابد أنها تيقنت إن السياسيين الشيعة ينفذون الأجندة الإيرانية وان تعارضت مع مصالح الولايات المتحدة ، ويعملون لأجل تحقيق مصالح الطائفة ليس العراق يدفعهم إلى هذا ما رسخ في نفوسهم من إحساس بالمظلومية طيلة أربعة عشر قرنا ، في حين لا يزال السياسيون العراقيون السنة يتحدثون مع الأمريكان باسم العراق وليس باسم الطائفة ، هذا على الأقل ما رشح عن بعض المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالشأن العراقي ، فهل سيشهد العراق في المستقبل القريب انقلابا أمريكيا على الشيعة لصالح السنة ، كحاجة أمريكية في إطار سعيها الراهن لتقليم أظافر إيران التي لم تعد تقبل بعد انجازاتها في العراق بأقل من شرق أوسط جديد خاضع لنفوذها ترى فيه الولايات المتحدة تهديدا لمصالحها في المنطقة.





    المصدر: الوطن
    http://watan.com
    "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين"

  • #2
    ايران ساعدت امريكا في اجتياح العراق وقلب النظام العراقي والتخلص من حكم المرحوم صدام حسين واعدامه علي ايدي الشيعه الخونه لان صدام حسين هو الزعيم العربي الوحيد الذي قال لامريكا لا ورفض الخنوع والخضوع ورفض الدخول في بيت الطاعه الصهيو امريكي وعاش بطلا ومات بطلا حتي اثناء اعدامه
    المجد والخلود للشهداء والخزي والعار للخونه والمنهزمين

    تعليق


    • #3
      رحم الله صدام صقر العرب ومهين الأمريكان

      وفاضح الشيعة الخونة
      القناعة كنز لا يفنى

      تعليق


      • #4
        ههههههههههههههههههههههههههههههههه
        أنت لليوم مش عارف أن كل اللذي يحدث مع إيران هو فيلم مفبرك و جاهز

        تعليق

        يعمل...
        X