2008-07-11
كتب عدنان أبو عامر – رغم اتفاق التهدئة غير الموقع مباشرة بين قوى المقاومة وتحديدا حماس وإسرائيل بوساطة مصرية، وما قد يتطلبه ذلك من وضع الحرب أوزارها وعودة المقاتلين إلى قواعدهم، فإن الخبراء العسكريين الإسرائيليين ظلوا يحذرون من مغبة وقوع دولتهم في "شرك" نصبته لها حركة حماس يتمثل في عدم شمول اتفاق التهدئة التطوير الذاتي لسلاح المقاومة، تصنيعا وتأهيلا وتهريبا.
وبمراجعة دقيقة وتفصيلية لعشرات التحليلات التي صدرت خلال الأيام الأخيرة بعيد اتفاق التهدئة، يخرج المراقب بخلاصة مفادها أن الإسرائيليين مصابون بـ"هوس" التحضيرات التي تجريها حركة حماس وجناحها العسكري للمواجهة القادمة -القادمة حتما مع الجيش الإسرائيلي- مستندين في ذلك إلى سلسلة من التقديرات الاستخبارية التي تشير بصورة لا تقبل الشك إلى أن الحركة ماضية في طريق تأهيل قواتها لوجستيا، وإعدادهم ميدانيا.
ويمكن إرجاع التخوف الإسرائيلي من تحضيرات حماس للمرحلة القادمة إلى مصادر أساسية.
الإنتاج الذاتي للسلاح
حققت قوى المقاومة مجتمعة سبقاً تلو الآخر منذ اندلاع انتفاضة الأقصى على صعيد تصنيع الأسلحة والمواد القتالية وتطويرها، رغم إغلاق الاحتلال كافة المنافذ المتاحة للتزود بالمواد الأساسية والذخائر اللازمة لذلك.
وتسعى المقاومة لتعويض النقص الكبير الذي تعاني منه في الإمكانيات التسليحية عبر ابتكار وسائل بديلة تتمتع بقدر من الفعالية.
ويقول المراقبون إنّ عمليات الاجتياح والتوغلات المتكررة التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال في قطاع غزة قبيل اتفاق التهدئة الأخير، تمثل فرصة سانحة للمقاومين لتجريب ما توصلوا إليه من صناعات جديدة، ولاختبار مدى فعالية هذه الوسائل، والعمل على تطويرها باستمرار.
وهكذا كلما حاولت قوات الاحتلال تشديد قبضتها، يعمل المقاومون على البحث عن البديل دون كلل أو ملل لإبقاء شعلة المقاومة مستمرة، ووسائلهم من أجل ذلك في تطور مستمر، والبحث عن الجديد مهمة لا تتوقف، وتجارب الواقع تثبت أن كل يوم تشرق فيه الشمس يكون لدى المقاومين ما هو جديد.
لقد ظهرت صواريخ "قسام1" و"قسام2" و"قسام3" وصواريخ "البنا1" و"البنا2"، وصواريخ "البتار" و"عوزي حماس"، والأسماء كثيرة وجميعها أدوات قتالية مكتوب عليها: صنع في فلسطين.
وتهدف كافة الأسلحة التي ابتكرها المقاومون إلى كسر الطوق الذي تفرضه قوات الاحتلال على وصول الأسلحة إلى أيديهم، من خلال فرض حصار مشدد على المنافذ المختلفة، حتى إنها منعت إدخال معظم المواد الكيمياوية ذات الاستخدامات المنزلية، بحجة الشكوك في إمكانية قيام المقاومين باستخدامها بعد معالجتها في تصنيع المواد المتفجرة.
وهذا الأمر تبدى واضحا من خلال عرقلة إدخال قائمة طويلة من البضائع والمواد التموينية بعد مرور أيام طويلة على اتفاق التهدئة بهذه الذريعة.
وتشير التقارير الأمنية الإسرائيلية إلى حيازة حركة حماس منظومة مسؤولة عن تطوير وسائل القتال، وتخزينها ونقلها إلى القوات المقاتلة، وتشمل عشرات العاملين المنتظمين في مجموعات عمل مهنية.
ووفقا لتلك التقارير، فإن قطاع غزة يضم بضع عشرات من مواقع الإنتاج التسليحية، وفي هذه المنظومة يتمّ تصنيع وإنتاج وسائل قتالية، سواء للاحتياجات الدفاعية، أو للأغراض الهجومية، وشنّ الهجمات المسلحة.
وخلال السنة الأخيرة -كما تشير نفس المصادر- تواصل مجهود مقاتلي حماس على صعيد الإنتاج الذاتي لوسائل القتال التي يحتاجونها من أجل العمليات الشاملة، بغية تقليص الاعتماد على عمليات تهريب وسائل القتال من الخارج، وتوجد لدى حركة حماس والمنظمات الأخرى بنى إنتاج مستقلة.
ومن أبرز وسائل القتال التي تصنع وتنتج في قطاع غزة:
أ- وسائل قتال مضادة للدروع: ومن ضمنها قذائف صاروخية مضادة للدروع تطلق من طراز الياسين، وهي بمثابة نسخ لطراز قذيفة مضادة للدروع الروسية Pg-2.
ب- عبوات ناسفة على اختلاف أنواعها: بعضها يمكن أن يوجد فيه مواد متفجرة معيارية.
علما بأن النموذج الذي يجري تقليده في هذا المجال في قطاع غزة، يتمثل في استخدام عبوات ناسفة قوية وشديدة الانفجار شبيهة بتلك التي تم استخدامها من قبل حزب الله في لبنان، مثلما حدث عند أسر الجنديين حيث دمّرت دبابة إسرائيلية.
والأبرز في هذا الإطار هو عبوات ناسفة من طراز "شواظ" من إنتاج ذاتي لحركة حماس، وهي ذات قدرة عالية على الاختراق، بل أعلى ممّا يعرف عن العبوات المستخدمة من قبل المنظمات الفلسطينية، وذلك أمر نابع من تحسين نوعية إنتاج العبوات.
يضاف إلى ذلك استخدام مواد متفجرة ذات طاقة أكبر على أساس الخبرة التكنولوجية لدى حزب الله وغيره من المنظمات، وخلال الأشهر الأخيرة تمّ الكشف عن استخدام عبوات كهذه في عدة مناسبات داخل وعلى حدود قطاع غزة.
ج- إنتاج قذائف مدفعية لمديات مختلفة: وإنتاج وتصنيع قذائف هاون.
وتعتبر حركة حماس الرائدة بين منظمات المقاومة في القدرة على إنتاج عدد كبير من القذائف الصاروخية، إلى مديات تصل 13 كيلومترا، وصواريخ محسنة إلى مديات تصل 19 كيلومترا.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، يوجد في الوقت الحالي بحوزة حماس بضع مئات من القذائف الصاروخية، من خلال منظومة الإنتاج التي تعمل بشكل دؤوب ودائم من أجل إطالة مدى الصواريخ، وطول أجلها من الإنتاج المحلي أطول فترة زمنية ممكنة.
أنبوب الأوكسجين الأرضي
وهو الوصف الذي يطلقه الإسرائيليون على الأنفاق الأرضية التي تستخدمها قوى المقاومة لتهريب وسائلها القتالية، وعندما تشتريها من بدو سيناء، ومن تجار الأسلحة الذين يعملون خارج القطاع.
وسائل القتال هذه والمواد الخام الضرورية لعمليات الإنتاج الذاتي تصل عبر شبكة تهريب من الحدود المصرية، التي تشكل إكسير حياة أو أنبوب أوكسجين ضروري وحيوي بالنسبة لحركة حماس وبقية المنظمات، وفقا لما تشير إليه تقارير إسرائيلية صدرت مؤخرا.
وترى أوساط عسكرية إسرائيلية أنه منذ انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة في نطاق سياسة "فكّ الارتباط" في سبتمبر/أيلول 2005، حدث ارتفاع دراماتيكي كبير في حجم عمليات تهريب وسائل القتال من مصر إلى قطاع غزة عبر محور صلاح الدين.
وزاد من صعوبة الأوضاع بالنسبة للإسرائيليين، ما حدث بعيد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، إذ تتهمها تل أبيب بتسهيل عمليات تهريب الأسلحة على الحدود، من خلال وجود قوات تخضع لإمرة الحركة، في ظل ما وصفته "عجز" قوات الأمن المصرية عن إغلاق الحدود بين القطاع وسيناء، مما جعلها مخترقة وسهّل عمليات التهريب الواسعة نسبيا.
ووفقا لما يسرب بين الحين والآخر من تقارير يعدها جهاز الشاباك الإسرائيلي، فإن وسائل التهريب الرئيسة التي تستخدمها منظمات المقاومة هي شبكة الأنفاق التي حفرت بين منطقتي رفح وسيناء، وعلى طول محور صلاح الدين.
فعمليات التهريب تتم عن طريق عشرات الأنفاق تحت الأرض، تربط بين القطاع ومصر، وعبر هذه الأنفاق تسرّبت ونقلت وسائل قتالية وأسلحة ومعدّات عسكرية ومواد خام للإنتاج الذاتي لوسائل القتال، بل وأموال بقيمة عشرات الملايين من الدولارات.
وبهذه الوسيلة تمّ تهريب صواريخ مضادة للدروع وقذائف صاروخية معيارية بقطر 122 ملم غراد، وعشرات الأطنان من المواد المتفجرة المعيارية والألغام وقاذفات مضادة للدروع وبنادق وذخيرة إلى قطاع غزة.
ويتكرر بين الفينة والأخرى أن يعلن الجيش الإسرائيلي عن اكتشاف أنفاق تستخدم لتهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، حيث يسود الاعتقاد بأن هناك عشرات الأنفاق تستخدم لتهريب الوسائل القتالية.
ولم يعد من المشكوك فيه أن الفلسطينيين في قطاع غزة يعتمدون على الأنفاق بشكل كبير لجلب السلاح من الخارج.
ويعقد أحد العاملين في حفرها مقارنة بين أسعار السلاح محليا، وأسعاره لدى جلبه من الخارج، فيؤكد أن هناك فرقاً كبيراً، لأن قطعة المسدس التي تباع في غزة بألف دولار تشترى من الخارج بألفي جنيه مصري، والكلاشنكوف الذي يصل سعره إلى خمسة آلاف دولار، يتم الحصول عليه بأربعة آلاف جنيه، والرصاصة بثلاثة دولارات، بينما يمكن الحصول عليها من الخارج بحوالي نصف جنيه.
التدريبات الميدانية والإعداد اللوجستي
عملية تعاظم القدرة العسكرية لحركة حماس تتضمن أيضا التدريبات الميدانية والإعداد اللوجستي، بهدف رفع مستوى الكفاءة الحرفية للناشطين على مختلف المستويات وفي كل المجالات المهنية.
وتوجد لدى حركة حماس لباب نوعي مؤلف من عدة مئات من النشاطين تلقوا عمليات إعداد قتالي أساسية ومتقدمة، من خلال التخصص في ميادين الرمي بالسلاح المضاد للدروع والأسلحة الخفيفة والرشاشات والمتفجرات ... إلخ.
هؤلاء الناشطون أصحاب خبرة قتالية تمنحهم المهارة في القتال على مستوى الفرد والمجموعة، ومن الجائز أيضا أن تمحنها لهم في أطر أكبر من ذلك، علما بأن الناشطين في الذراع العسكري لحركة حماس في قطاع غزة المعروف باسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، يتلقون تدريبات واسعة ومنتظمة.
وتتضمن هذه التدريبات الأساسية:
أ- التأهيل الجسماني.
ب- الرمي بالبنادق.
ت- تدريبات متخصصة حرفية متقدمة في ميادين مختلفة.
ث- القنص والرمي بأسلحة مضادة للدروع الاستخبارات والمدفعية.
ج- التدريبات الأساسية التي تجرى في مناطق مختلفة من قطاع غزة، بواسطة مدربين محليين بعضهم تلقى التدريبات في الخارج.
ح- التدريبات المتخصصة والمتقدمة التي تجرى في إطار دورات في الخارج.
خ- في ذات الوقت يتلقى أفراد الأجهزة الأمنية الداخلية، كالقوة التنفيذية والشرطة وغيرها تدريبات أساسية في قطاع غزة وخارجه، ويعدونهم للعمل في الذراع العسكري لحركة حماس في حالة الطوارئ.
وتشير إسرائيل في وثائق منشورة ولاسيما الدراسة الأخيرة لـ"مركز المعلومات والاستخبارات والإرهاب"، وكجزء من حملتها "لتهويل" قوة حركة حماس، تمهيدا للحصول على "شرعية دولية" لتوجيه ضربة قاصمة لها، إلى أنه بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، وفي سياق جهودها لتسريع وتيرة بناء القوة العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي، أوفد ناشطوها إلى دورات تأهيلية في الخارج، وتمت إعادتهم إلى القطاع، حيث نقلوا الخبرة والمهارة التي اكتسبوها لباقي أفراد الجناح العسكري وأجهزة الأمن الداخلي.
ووفقا لتقديرات استخبارية نشرت مؤخرا فإن عام 2007 شهد بذل الجهد الأوسع والأهم في مجال الإعداد في تاريخ الجناح العسكري لحركة حماس، بهدف رفع مستوى القدرات القتالية.
وتشير نفس التقديرات إلى أن مجالات التدريب لأعضاء حماس، تتمثل في خضوعهم لتدريبات مكثفة على تكتيكات حرب الميدان واستخدام وسائل القتال، والناشطون يعودون إلى قطاع غزة مع مهارة اكتسبوها في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وإطلاق القذائف الصاروخية وتشغيل العبوات الناسفة والقنص وتكتيكات أخرى مشابهة للتدريبات التي تلقاها أفراد حزب الله.
وإلى جانب ذلك، ينظر الخبراء الإسرائيليون بقلق إلى تطور كفاءة المقاومة، من خلال الصواريخ المضادة للدروع مثل البنا1 والبنا2 وصاروخ البتار التي استخدمت في صد أعمال التوغل التي تقوم بها قوات الاحتلال، كما كانت لها فعاليتها في بعض العمليات العسكرية، إذ استخدمها المقاومون بديلاً لقاذفات "آر بي جي" التي لا يوجد في القطاع إلا قطع قليلة جدا منها.
لذا عمل الاحتلال -وما زال يعمل- خلال سنوات الانتفاضة على منع دخول معظم المواد الأولية التي تدخل في بعض الصناعات، وأهمها مادة (اليورا) التي تعتقد قوات الاحتلال أنها العنصر الرئيس في تصنيع العبوات الناسفة.
ورغم أن ذلك المنع أثر على إنتاج الوسائل القتالية، فإن ذلك لم يوقف التفكير في استحداث طرق محلية، حيثُ تؤكد مصادر في قوى المقاومة أنها لجأت إلى "روث البهائم" لاستخراج بعض الغازات والمواد الكيمياوية، التي يمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات، وقد نجحوا في ذلك.
وهذا هو ما دعا الخبير الإستراتيجي الراحل "زئيف شيف" لأن يعتبر أن أحد أبرز الإخفاقات في المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين والأخطر بينها، هو تزويد الأراضي الفلسطينية غير المتوقف من إسرائيل بالمواد الكيميائية التي تستخدم في إنتاج المواد المتفجرة، وبواسطتها يُقتل مئات الإسرائيليين.
وأضاف أن كل الجهود التي اتخذت لسد الحدود المصرية تماماً في وجه هذه التهريبات أخفقت حتى الآن.
أخيرا فإن "التهدئة الموصوفة بالهشة" رغم استقرارها نسبيا مع بعض الاختراقات، لن تخفي حقيقة أن كلا طرفيها، حماس وإسرائيل، يعدان أنفسهما لليوم التالي بعد الإعلان عن فشلها، هذا اليوم الذي سيقترب أو يبتعد وفقا لتطورات إقليمية ودولية ليست خافية.
وهذا ما يجعل مقاتليهما في حالة استعداد وتأهب على مدار الساعة، لاعتبار هام قد يغيب عن الكثيرين وهو أن القاعدة الطبيعية للعلاقة بين المقاومة والمحتل تتمثل في المواجهة، والمواجهة فقط، رغم استراحة محارب هنا، والتقاط أنفاس هناك.
المصدر: الجزيرة نت
كتب عدنان أبو عامر – رغم اتفاق التهدئة غير الموقع مباشرة بين قوى المقاومة وتحديدا حماس وإسرائيل بوساطة مصرية، وما قد يتطلبه ذلك من وضع الحرب أوزارها وعودة المقاتلين إلى قواعدهم، فإن الخبراء العسكريين الإسرائيليين ظلوا يحذرون من مغبة وقوع دولتهم في "شرك" نصبته لها حركة حماس يتمثل في عدم شمول اتفاق التهدئة التطوير الذاتي لسلاح المقاومة، تصنيعا وتأهيلا وتهريبا.
وبمراجعة دقيقة وتفصيلية لعشرات التحليلات التي صدرت خلال الأيام الأخيرة بعيد اتفاق التهدئة، يخرج المراقب بخلاصة مفادها أن الإسرائيليين مصابون بـ"هوس" التحضيرات التي تجريها حركة حماس وجناحها العسكري للمواجهة القادمة -القادمة حتما مع الجيش الإسرائيلي- مستندين في ذلك إلى سلسلة من التقديرات الاستخبارية التي تشير بصورة لا تقبل الشك إلى أن الحركة ماضية في طريق تأهيل قواتها لوجستيا، وإعدادهم ميدانيا.
ويمكن إرجاع التخوف الإسرائيلي من تحضيرات حماس للمرحلة القادمة إلى مصادر أساسية.
الإنتاج الذاتي للسلاح
حققت قوى المقاومة مجتمعة سبقاً تلو الآخر منذ اندلاع انتفاضة الأقصى على صعيد تصنيع الأسلحة والمواد القتالية وتطويرها، رغم إغلاق الاحتلال كافة المنافذ المتاحة للتزود بالمواد الأساسية والذخائر اللازمة لذلك.
وتسعى المقاومة لتعويض النقص الكبير الذي تعاني منه في الإمكانيات التسليحية عبر ابتكار وسائل بديلة تتمتع بقدر من الفعالية.
ويقول المراقبون إنّ عمليات الاجتياح والتوغلات المتكررة التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال في قطاع غزة قبيل اتفاق التهدئة الأخير، تمثل فرصة سانحة للمقاومين لتجريب ما توصلوا إليه من صناعات جديدة، ولاختبار مدى فعالية هذه الوسائل، والعمل على تطويرها باستمرار.
وهكذا كلما حاولت قوات الاحتلال تشديد قبضتها، يعمل المقاومون على البحث عن البديل دون كلل أو ملل لإبقاء شعلة المقاومة مستمرة، ووسائلهم من أجل ذلك في تطور مستمر، والبحث عن الجديد مهمة لا تتوقف، وتجارب الواقع تثبت أن كل يوم تشرق فيه الشمس يكون لدى المقاومين ما هو جديد.
لقد ظهرت صواريخ "قسام1" و"قسام2" و"قسام3" وصواريخ "البنا1" و"البنا2"، وصواريخ "البتار" و"عوزي حماس"، والأسماء كثيرة وجميعها أدوات قتالية مكتوب عليها: صنع في فلسطين.
وتهدف كافة الأسلحة التي ابتكرها المقاومون إلى كسر الطوق الذي تفرضه قوات الاحتلال على وصول الأسلحة إلى أيديهم، من خلال فرض حصار مشدد على المنافذ المختلفة، حتى إنها منعت إدخال معظم المواد الكيمياوية ذات الاستخدامات المنزلية، بحجة الشكوك في إمكانية قيام المقاومين باستخدامها بعد معالجتها في تصنيع المواد المتفجرة.
وهذا الأمر تبدى واضحا من خلال عرقلة إدخال قائمة طويلة من البضائع والمواد التموينية بعد مرور أيام طويلة على اتفاق التهدئة بهذه الذريعة.
وتشير التقارير الأمنية الإسرائيلية إلى حيازة حركة حماس منظومة مسؤولة عن تطوير وسائل القتال، وتخزينها ونقلها إلى القوات المقاتلة، وتشمل عشرات العاملين المنتظمين في مجموعات عمل مهنية.
ووفقا لتلك التقارير، فإن قطاع غزة يضم بضع عشرات من مواقع الإنتاج التسليحية، وفي هذه المنظومة يتمّ تصنيع وإنتاج وسائل قتالية، سواء للاحتياجات الدفاعية، أو للأغراض الهجومية، وشنّ الهجمات المسلحة.
وخلال السنة الأخيرة -كما تشير نفس المصادر- تواصل مجهود مقاتلي حماس على صعيد الإنتاج الذاتي لوسائل القتال التي يحتاجونها من أجل العمليات الشاملة، بغية تقليص الاعتماد على عمليات تهريب وسائل القتال من الخارج، وتوجد لدى حركة حماس والمنظمات الأخرى بنى إنتاج مستقلة.
ومن أبرز وسائل القتال التي تصنع وتنتج في قطاع غزة:
أ- وسائل قتال مضادة للدروع: ومن ضمنها قذائف صاروخية مضادة للدروع تطلق من طراز الياسين، وهي بمثابة نسخ لطراز قذيفة مضادة للدروع الروسية Pg-2.
ب- عبوات ناسفة على اختلاف أنواعها: بعضها يمكن أن يوجد فيه مواد متفجرة معيارية.
علما بأن النموذج الذي يجري تقليده في هذا المجال في قطاع غزة، يتمثل في استخدام عبوات ناسفة قوية وشديدة الانفجار شبيهة بتلك التي تم استخدامها من قبل حزب الله في لبنان، مثلما حدث عند أسر الجنديين حيث دمّرت دبابة إسرائيلية.
والأبرز في هذا الإطار هو عبوات ناسفة من طراز "شواظ" من إنتاج ذاتي لحركة حماس، وهي ذات قدرة عالية على الاختراق، بل أعلى ممّا يعرف عن العبوات المستخدمة من قبل المنظمات الفلسطينية، وذلك أمر نابع من تحسين نوعية إنتاج العبوات.
يضاف إلى ذلك استخدام مواد متفجرة ذات طاقة أكبر على أساس الخبرة التكنولوجية لدى حزب الله وغيره من المنظمات، وخلال الأشهر الأخيرة تمّ الكشف عن استخدام عبوات كهذه في عدة مناسبات داخل وعلى حدود قطاع غزة.
ج- إنتاج قذائف مدفعية لمديات مختلفة: وإنتاج وتصنيع قذائف هاون.
وتعتبر حركة حماس الرائدة بين منظمات المقاومة في القدرة على إنتاج عدد كبير من القذائف الصاروخية، إلى مديات تصل 13 كيلومترا، وصواريخ محسنة إلى مديات تصل 19 كيلومترا.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، يوجد في الوقت الحالي بحوزة حماس بضع مئات من القذائف الصاروخية، من خلال منظومة الإنتاج التي تعمل بشكل دؤوب ودائم من أجل إطالة مدى الصواريخ، وطول أجلها من الإنتاج المحلي أطول فترة زمنية ممكنة.
أنبوب الأوكسجين الأرضي
وهو الوصف الذي يطلقه الإسرائيليون على الأنفاق الأرضية التي تستخدمها قوى المقاومة لتهريب وسائلها القتالية، وعندما تشتريها من بدو سيناء، ومن تجار الأسلحة الذين يعملون خارج القطاع.
وسائل القتال هذه والمواد الخام الضرورية لعمليات الإنتاج الذاتي تصل عبر شبكة تهريب من الحدود المصرية، التي تشكل إكسير حياة أو أنبوب أوكسجين ضروري وحيوي بالنسبة لحركة حماس وبقية المنظمات، وفقا لما تشير إليه تقارير إسرائيلية صدرت مؤخرا.
وترى أوساط عسكرية إسرائيلية أنه منذ انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة في نطاق سياسة "فكّ الارتباط" في سبتمبر/أيلول 2005، حدث ارتفاع دراماتيكي كبير في حجم عمليات تهريب وسائل القتال من مصر إلى قطاع غزة عبر محور صلاح الدين.
وزاد من صعوبة الأوضاع بالنسبة للإسرائيليين، ما حدث بعيد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، إذ تتهمها تل أبيب بتسهيل عمليات تهريب الأسلحة على الحدود، من خلال وجود قوات تخضع لإمرة الحركة، في ظل ما وصفته "عجز" قوات الأمن المصرية عن إغلاق الحدود بين القطاع وسيناء، مما جعلها مخترقة وسهّل عمليات التهريب الواسعة نسبيا.
ووفقا لما يسرب بين الحين والآخر من تقارير يعدها جهاز الشاباك الإسرائيلي، فإن وسائل التهريب الرئيسة التي تستخدمها منظمات المقاومة هي شبكة الأنفاق التي حفرت بين منطقتي رفح وسيناء، وعلى طول محور صلاح الدين.
فعمليات التهريب تتم عن طريق عشرات الأنفاق تحت الأرض، تربط بين القطاع ومصر، وعبر هذه الأنفاق تسرّبت ونقلت وسائل قتالية وأسلحة ومعدّات عسكرية ومواد خام للإنتاج الذاتي لوسائل القتال، بل وأموال بقيمة عشرات الملايين من الدولارات.
وبهذه الوسيلة تمّ تهريب صواريخ مضادة للدروع وقذائف صاروخية معيارية بقطر 122 ملم غراد، وعشرات الأطنان من المواد المتفجرة المعيارية والألغام وقاذفات مضادة للدروع وبنادق وذخيرة إلى قطاع غزة.
ويتكرر بين الفينة والأخرى أن يعلن الجيش الإسرائيلي عن اكتشاف أنفاق تستخدم لتهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، حيث يسود الاعتقاد بأن هناك عشرات الأنفاق تستخدم لتهريب الوسائل القتالية.
ولم يعد من المشكوك فيه أن الفلسطينيين في قطاع غزة يعتمدون على الأنفاق بشكل كبير لجلب السلاح من الخارج.
ويعقد أحد العاملين في حفرها مقارنة بين أسعار السلاح محليا، وأسعاره لدى جلبه من الخارج، فيؤكد أن هناك فرقاً كبيراً، لأن قطعة المسدس التي تباع في غزة بألف دولار تشترى من الخارج بألفي جنيه مصري، والكلاشنكوف الذي يصل سعره إلى خمسة آلاف دولار، يتم الحصول عليه بأربعة آلاف جنيه، والرصاصة بثلاثة دولارات، بينما يمكن الحصول عليها من الخارج بحوالي نصف جنيه.
التدريبات الميدانية والإعداد اللوجستي
عملية تعاظم القدرة العسكرية لحركة حماس تتضمن أيضا التدريبات الميدانية والإعداد اللوجستي، بهدف رفع مستوى الكفاءة الحرفية للناشطين على مختلف المستويات وفي كل المجالات المهنية.
وتوجد لدى حركة حماس لباب نوعي مؤلف من عدة مئات من النشاطين تلقوا عمليات إعداد قتالي أساسية ومتقدمة، من خلال التخصص في ميادين الرمي بالسلاح المضاد للدروع والأسلحة الخفيفة والرشاشات والمتفجرات ... إلخ.
هؤلاء الناشطون أصحاب خبرة قتالية تمنحهم المهارة في القتال على مستوى الفرد والمجموعة، ومن الجائز أيضا أن تمحنها لهم في أطر أكبر من ذلك، علما بأن الناشطين في الذراع العسكري لحركة حماس في قطاع غزة المعروف باسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، يتلقون تدريبات واسعة ومنتظمة.
وتتضمن هذه التدريبات الأساسية:
أ- التأهيل الجسماني.
ب- الرمي بالبنادق.
ت- تدريبات متخصصة حرفية متقدمة في ميادين مختلفة.
ث- القنص والرمي بأسلحة مضادة للدروع الاستخبارات والمدفعية.
ج- التدريبات الأساسية التي تجرى في مناطق مختلفة من قطاع غزة، بواسطة مدربين محليين بعضهم تلقى التدريبات في الخارج.
ح- التدريبات المتخصصة والمتقدمة التي تجرى في إطار دورات في الخارج.
خ- في ذات الوقت يتلقى أفراد الأجهزة الأمنية الداخلية، كالقوة التنفيذية والشرطة وغيرها تدريبات أساسية في قطاع غزة وخارجه، ويعدونهم للعمل في الذراع العسكري لحركة حماس في حالة الطوارئ.
وتشير إسرائيل في وثائق منشورة ولاسيما الدراسة الأخيرة لـ"مركز المعلومات والاستخبارات والإرهاب"، وكجزء من حملتها "لتهويل" قوة حركة حماس، تمهيدا للحصول على "شرعية دولية" لتوجيه ضربة قاصمة لها، إلى أنه بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، وفي سياق جهودها لتسريع وتيرة بناء القوة العسكرية وأجهزة الأمن الداخلي، أوفد ناشطوها إلى دورات تأهيلية في الخارج، وتمت إعادتهم إلى القطاع، حيث نقلوا الخبرة والمهارة التي اكتسبوها لباقي أفراد الجناح العسكري وأجهزة الأمن الداخلي.
ووفقا لتقديرات استخبارية نشرت مؤخرا فإن عام 2007 شهد بذل الجهد الأوسع والأهم في مجال الإعداد في تاريخ الجناح العسكري لحركة حماس، بهدف رفع مستوى القدرات القتالية.
وتشير نفس التقديرات إلى أن مجالات التدريب لأعضاء حماس، تتمثل في خضوعهم لتدريبات مكثفة على تكتيكات حرب الميدان واستخدام وسائل القتال، والناشطون يعودون إلى قطاع غزة مع مهارة اكتسبوها في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وإطلاق القذائف الصاروخية وتشغيل العبوات الناسفة والقنص وتكتيكات أخرى مشابهة للتدريبات التي تلقاها أفراد حزب الله.
وإلى جانب ذلك، ينظر الخبراء الإسرائيليون بقلق إلى تطور كفاءة المقاومة، من خلال الصواريخ المضادة للدروع مثل البنا1 والبنا2 وصاروخ البتار التي استخدمت في صد أعمال التوغل التي تقوم بها قوات الاحتلال، كما كانت لها فعاليتها في بعض العمليات العسكرية، إذ استخدمها المقاومون بديلاً لقاذفات "آر بي جي" التي لا يوجد في القطاع إلا قطع قليلة جدا منها.
لذا عمل الاحتلال -وما زال يعمل- خلال سنوات الانتفاضة على منع دخول معظم المواد الأولية التي تدخل في بعض الصناعات، وأهمها مادة (اليورا) التي تعتقد قوات الاحتلال أنها العنصر الرئيس في تصنيع العبوات الناسفة.
ورغم أن ذلك المنع أثر على إنتاج الوسائل القتالية، فإن ذلك لم يوقف التفكير في استحداث طرق محلية، حيثُ تؤكد مصادر في قوى المقاومة أنها لجأت إلى "روث البهائم" لاستخراج بعض الغازات والمواد الكيمياوية، التي يمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات، وقد نجحوا في ذلك.
وهذا هو ما دعا الخبير الإستراتيجي الراحل "زئيف شيف" لأن يعتبر أن أحد أبرز الإخفاقات في المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين والأخطر بينها، هو تزويد الأراضي الفلسطينية غير المتوقف من إسرائيل بالمواد الكيميائية التي تستخدم في إنتاج المواد المتفجرة، وبواسطتها يُقتل مئات الإسرائيليين.
وأضاف أن كل الجهود التي اتخذت لسد الحدود المصرية تماماً في وجه هذه التهريبات أخفقت حتى الآن.
أخيرا فإن "التهدئة الموصوفة بالهشة" رغم استقرارها نسبيا مع بعض الاختراقات، لن تخفي حقيقة أن كلا طرفيها، حماس وإسرائيل، يعدان أنفسهما لليوم التالي بعد الإعلان عن فشلها، هذا اليوم الذي سيقترب أو يبتعد وفقا لتطورات إقليمية ودولية ليست خافية.
وهذا ما يجعل مقاتليهما في حالة استعداد وتأهب على مدار الساعة، لاعتبار هام قد يغيب عن الكثيرين وهو أن القاعدة الطبيعية للعلاقة بين المقاومة والمحتل تتمثل في المواجهة، والمواجهة فقط، رغم استراحة محارب هنا، والتقاط أنفاس هناك.
المصدر: الجزيرة نت
تعليق