ثلاثة عشر عاما مرت على جريمة اغتياله.. دماء الشهيد القائد محمود الخواجا.. لا زالت تعطر أجواء فلسطين " الذكري السنوية الثالثة عشر"
ثلاثة عشر عاما مضت على رحيله المفجع.. ولا زالت دمائه الزكية تعبق الأجواء.. ولا زالت سيرته العطرة والندية مدار حديث كل من عرفه أو حتى سمع عنه، كم هي الذكريات الحزينة التي يحملها لنا شهر حزيران بين طيات أيامه، ذكريات أثقلت كاهلنا منذ خمسة وثلاثين عامًا، ففي الخامس من الشهر نفسه لعام 1967م سقطت القدس بأيدي الصهاينة، ومعها فقدنا بوصلة تفكيرنا ولازلنا نعيش آثارها حتى يومنا الحاضر، وفي الثاني والعشرين من شهر حزيران نفسه ارتحل عنا فارس آخر ورمز من رموز الحركة الإسلامية "المجاهدة" وأحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الذي كرس جل حياته للعمل الفدائي الأول المنظم، ألا وهو الشهيد القائد محمود الخواجا،لقد ارتقى شهيدنا القائد إلى علياء السماء مع النبيين والصديقتين والشهداء بإذن الله تعالى، ولكنه باقٍ بيننا بفكره المتقدم وعمله اللافت والمميز، لقد كان الشهيد القائد رجلاً واحدًا وضع أمة كاملة وجيلاً كاملاً ومدرسة عسكرية فريدة رغم قلة الإمكانيات والعدة، ولكنه قدم لنا الأجمل والأروع في أعماله الجهادية ما تزال محل دراسة في كبرى المؤسسات العسكرية، قدم شهيدنا القائد كل الممكن رغم المستحيل وحقق لهذه الحركة تاريخًا عسكريًا نفخر به جميعًا، ومن منا ينسى رائعته المزدوجة في مفترق بيت ليد وعملية كسوفيم (مفترق المطاحن) الشهيد خالد الخطيب وعشرات العمليات الأخرى التي لا يمكن لنا أن نحصرها في سطور قليلة.
النشأة والميلاد:
- في مخيم البطولة.. مخيم الشاطئ.. ولد الشهيد محمود عرفات الخواجا في 27/12/1970م وترعرع وسط أسرة مجاهدة، هاجرت من قرية حمامة عام 1948م ليستقر بها المقام في مخيم الشاطئ ولتعيش حياة مليئة بالألم والمعاناة كما كل الأسر المهاجرة التي سلب الصهاينة أراضيها.
- تلقى تعلميه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث للاجئين، وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة فلسطين الثانوية "القسم العلمي" ثم تلقى تعلميه الجامعي في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على درجة الإجازة العلمية "الليسانس" بعدها التحق بالدراسات العليا بالجامعة وحصل على "دبلوم عام التربية".
- نشأ الشهيد محمود على الإباء والتحدي بعد استشهاد عمه على يد الاحتلال الصهيوني لتكون هذه الحادثة من بواكير الدوافع النفسية له ليخوض معركته مع الصهاينة والاحتلال…
انتماؤه ومشواره الجهادي:
- مع بداية ظهور الأفكار الجهادية والثورية في قطاع غزة على يد المفكر الإسلامي الدكتور/ فتحي الشقاقي، كان الشهيد محمود من أوائل الذين آمنوا بتلك الأفكار وتشبعوا بذلك الطرح الجهادي، فأصبح الشهيد عضوًا بارزًا في حركة الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في الجامعة فترأس كتلة المستقلين الطلابية في الجامعة الإسلامية بغزة، ومسئولاً للجهاد الإسلامي في مخيم الشاطئ ولنشاطه المتميز في مساجد المخيم وخاصة المسجد الأبيض كان الشهيد من أوائل المعتقلين في العام 1983م حيث حكم عليه بالسجن لمدة خمسة شهور، وكان قبلها قد اعتقل لمدة شهر مع آخرين بتهمة حرق العلمين الصهيوني والأمريكي في الجامعة الإسلامية.
- اعتقل الشهيد محمود للمرة الثالثة على يد الاحتلال الصهيوني في العام 1985م وقد حكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة حيازة أسلحة وكان من نصيب والده أن اعتقل ستة أشهر على نفس القضية.
- اعتقل الشهيد للمرة الرابعة لعدة أيام وبعدها وفي يونيو 1993م اعتقل الشهيد مرتين على يد سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود تلك الإعتقالات التي تشهدها الساحة الفلسطينية التي تشهدها الساحة الفلسطينية إثر العمليات الاستشهادية التي ينفذها المجاهدون المسلمون.
علاقاته الاجتماعية:
- كان الشهيد ابن مخيمه وقليلون هم الذين لا يعرفون الشهيد في حياته، فقد عرفه الطلاب في المساجد كما عرفه أبناء مخيمه آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وقد كان الشهيد ذا علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية.
- حرص الشهيد دومًا أن يسودد مخيمه الوئام والوفاق بين الفصائل العاملة على الساحة، لذلك شارك لعدة مرات في لجان الإصلاح وتسوية النزاعات بين الفصائل في ظل الانتفاضة.
- عرف الشهيد (محمود) بحبه للمستضعفين و خدمة الجماهير، فكان متواضعًا ومتفانيًا في عمله في وكالة الغوث، وكان الصف الهادر ضد الظلم والإجحاف عندما قامت الوكالة بفصل 25 عاملاً من عمالها، تصدر الدفاع عن حقهم في العمل وأصل جهوده إلى أن عادوا جميعًا للعمل بفضل الله.
- عرف الشهيد محمود بحبه لرياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال ولشدة تعلقه بها حرص على اقتناء أدواتها ومن ثم افتتح صالة رياضية لتدريب الناشئة من أبناء شعبنا الفلسطيني.
عمله العسكري:
- كان الشهيد القائد (محمود) ذا باع طويل في العمل الإسلامي منذ بداية نشأته، فترأس كتلة المستقلين الطلابية في الجامعة الإسلامية بغزة، ثم كان عمله الأهم والأكبر بتأسيس وقيادة الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين "القوى الإسلامية المجاهدة (قسم)" ونفذت في عهده وبمشاركته وتخطيطه أضخم العمليات العسكرية في فلسطين، وخلال فترة وجيزة نسبيًا سجل الجهاز العسكري للجهاز الإسلامي بقيادة الشهيد القائد/ محمود الخواجا إنجازات هامة عبر عملياته العسكرية النوعية، خاصة تلك العمليات الاستشهادية الأولى من نوعها في تاريخ النضال والجهاد الفلسطيني، ولا غرو في ذلك (فالجهاد الإسلامي) دومًا طليعي متفرد.
ومن أبرز العمليات العسكرية التي خطط وشارك في توجيهها الشهيد القائد/ محمود الخواجا:
[1]عملية أسدود البطولية: والتي نفذها الشهيد على العماوي من مخيم الشاطئ على محطة تجمع للجنود الصهاينة في أسدود بتاريخ 7/4/1990م سلاح رشاش فقتل اثنين من الضباط أحدهما مسؤول أمن المستوطنات في قطاع غزة وجرح ما لا يقل عن عشرة آخرين، وقد أشرف الشهيد القائد/ محمود الخواجا مباشرة على تدريب الشهيد/ على العماوي على إطلاق النار وفن المواجهة فأحسن التدريب، ولشدة حب الشهيد القائد محمود الخواجا للشهيد علي، فقد جعل اسم طفله الرضيع (على) تيمنًا بالشهيد المجاهد على العماوي.
[2] عملية نتساريم الاستشهادية: والتي نفذها الشهيد المجاهد/ هشام حمد من حي الشيخ رضوان على تجمع عسكري لبني يهود بالقرب من مفترق البوليس الحربي في وسط قطاع غزة قرب مغتصبة نتساريم بواسطة دراجة هوائية مملوءة بالمتفجرات والعبوات الناسفة والتي أدت العملية الاستشهادية إلى مقتل خمسة جنود صهاينة وإصابة 12 آخرين ما بين خطيرة ومتوسطة، وقد جاءت العملية الاستشهادية ردًا على اغتيال الشهيد المجاهد هاني عابد الذي اغتيل في الثاني من الشهر نفسه على أيدي الموساد الصهيوني .
[3] عملية بيت ليد المعجزة: لقد كانت ومازالت (بيت ليد) الكابوس الذي يقض مضاجع قادة الكيان الصهيوني وجنودهم الجبناء.. حقًا أصبحت (بيت ليد) الكابوس الدائم لجنود الجيش (الذي لا يقهر).. يتوجه الشهيد أنور سكر مع رفيق دربه الشهيد صلاح شاكر (الصاروخ المزدوج) بتاريخ 22/1/1995م ليفجرا أجسادهما الطاهرة وسط أكبر تجمع للجنود الصهاينة ليرتقوا إلى العلى.. ويدحرجوا اثنين وعشرين صهيونيًا إلى الجحيم.. ويصيبوا أكثر من سبعين بإصابات بالغة لعيشوا بقية عمرهم مشوهين وعجزة.. كما شوهوا أهلنا في المخيمات والضفة والقطاع.
[4] عملية كفارداروم الجهادية: والتي نفذها الشهيد (خالد الخطيب) بتاريخ 9/4/1995م باقتحام سيارته المفخخة لسيارة باص تقل جنودًا صهاينة وقد أسفرت العملية عن مقتل 8 جنود وإصابة 40 جندي آخر.
مما لا شك فيه أن قيادة الشهيد القائد (محمود الخواجا) لقسم تميز بالحزم والشدة، والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة، وكان ذا هيبة في صدور القلائل الذين عرفوه من التنظيم العسكري رغم حبهم الشديد.
هكذا تم اغتيال الشهيد:
كانت المخابرات الصهيونية تحمل الشكوك لمحمود لدوره الريادي السابق في حركة الجهاد الإسلامي، وكذلك لعلاقاته بالعديد من مطاردي "قسم" الذين شوهدوا عنده في البيت أو يترددون عليه، وهذا ما دعى المخابرات إلى تكثيف المراقبة عليه لاكتشاف الدور الحقيقي الذي يقوم به، فكان أن تم تكليف أحد عملائهم بمتابعة ورصد تحركاته..
جهاز الأمن الوقائي في غزة من خلال الرصد وجمع المعلومات ومتابعة خيوط قضية اغتياله تمكن مؤخرًا من اعتقال عميل خطير له الضلع والدور الأساسي في اغتيال الشهيد القائد وقد جاء اعتقال هذا العميل مفاجئًا لسكان مخيم الشاطئ ولكل من عرفه..
العميل (م.ش) جار وقريب الشهيد وليس له سجل تاريخي مشين أمام الناس، سقط في وحل العمالة (حسب اعترافاته) في عام 1982م على يد ضابط المنطقة (أبو طومر) ومارس دوره الخياني حتى تم اعتقاله قبل حوالي الشهرين فقط..
وكان العميل ميسور الحال ماديًا، كما أنه يلقى قبولاً واحترامًا مجتمعيًا نظرًا لأساليب التخفية التي يتبعها، فقد كان محافظًا على الصلوات في المسجد، ولا يبخل بمساعدة أي محتاج، وهو إنسان اجتماعي لبق يتزاور مع الناس ويتودد إليهم!!
في البداية أمرته المخابرات الصهيونية برصد تحركات المناضلين في منطقة بمعسكر الشاطئ، فكان يجمع المعلومات عن الجميع وبلا استثناء، وبعد بروز القوى الإسلامية المجاهدة (قسم) الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على الساحة، طلبت المخابرات الصهيونية من العمل (م) مراقبة الشهيد محمود ومتابعة تحركاته ورصد من يزوره ويتردد عليه.. كما تم تزويده بجهاز (سلكوم) ليوصل من خلاله المعلومات الأمنية والاستخبارية إلى الضابط المسؤول عنه مباشرة أولاً بأول..
وبحكم القرابة بين العميل والشهيد إضافة إلى الجوار فقد كان يتردد على بيت الشهيد بكثرة وفي أوقات متقاربة، وفي إحدى المرات دخل البيت بلا استئذان وحاول الدخول إلى غرفة كان يجلس فيها بعض المجاهدين، ومعهم أسلحتهم، فما كان من محمود إلا أن دفعه خارجًا بعنف وأغلق الباب في وجهه.
التقرب المتزايد من العميل جعل محمود يتوجس منه خيفة ويحذر منه وبات متأكدًا من أن (م) إنسان عميل خصوصًا بعد أن كان يقوم بتفحص السيارات التي كان شقيق محمود يتاجر فيها، ويدقق بها النظر كالباحث عن دليل لشيء.
كان (م) يراقب محمود والمترددين عليه ويقوم بنقل أوصافهم للمخابرات الصهيونية، وبعد فترة من المراقبة طلب الضابط الصهيوني منه أن يتفرغ لمتابعة محمود تمامًا وأن يدقق في متابعة تحركاته وساعات خروجه ودخوله بالضبط.
وقبل حادث الاغتيال بعشرة أيام خضع العميل (م) لدورة مكثفة في الرسم الهندسي (الكروكي) وطلب منه ضابط المخابرات أن يرسم الشوارع التي تحيط بمحمود ومنطقة عمله بالتفصيل.. كما طلب منه أن يلازم مراقبة محمود بصورة أكثف وأدق.
عندما قتلوا محمود:
كالعادة.. توجه محمود إلى عمله بعد صلاة الفجر.. استيقظ من نومه مبتهجًا وأخبر زوجته برؤيا رآها في المنام بأن ثلاثة أشخاص أطلقوا عليه النار فاستشهد.. وودع زوجته وخرج.
كان خط سير الشهيد محددًا ومعروفًا، يخرج من بيته إلى مكان عمله في ساعة لا تتغير وخط سير لا يتغير.. كان العميل (م) بالمرصاد يرصد ويتابع الشهيد من شرفة منزله.. ويوصل المعلومات أولاً بأول عبر جهاز (سلكوم) أعطاه له ضابط المخابرات.. محمود يصل إلى مكان عمله.. وهكذا حتى غاب محمود عن بصره، ثم دخل إلى غرفته ليتناول طعام الإفطار!!
وحسب الاعترافات التي أدلى بها العميل فقد خرج مثله كباقي الناس على الأصوات التي تعالت في المخيم أن محمود قد اغتيل.. وأنكر العميل في التحقيق معرفته بفرقة الاغتيال أو مشاركته بهن، أو حتى سماعه لصوت الرصاص الذي أطلق على محمود.
تفاصيل الاغتيال:
كان الاغتيال قد تم حسب شهود العيان بين الساعة السادسة والنصف والسابعة صباحًا من يوم 22/6/1995م، كانت الشوارع خالية إلا من عدد قليل جدًا من المارة أغلبهم من طلبة التوجيهي الذين كانوا متوجهين لتأدية امتحان في مدرسة قريبة من هناك.
ومن بين شهود العيان سيدة طلبت عدم ذكر اسمها قالت "كنت على سطح البيت في لحظة اغتيال أبو عرفات وشاهدت سيارة بيجو 404 لونها ما بين الأزرق الخفيف والبني، نزلوا من منحدر الشارع بسرعة كبيرة باتجاه محمود ولم يكونوا ملثمين أطلق أحدهم رصاصة من خلف محمود، ثم ترجلوا من السيارة وحاول محمود أن يضربهم بالعربة التي كان يقودها، ولكنهم عاجلوه برصاصات أخرى من مسدسات كواتم للصوت، ليسقط مضرجًا بالدم وتنطلق السيارة بأقصى سرعة".
سيدة أخرى رأت محمود بعد إطلاق النار عليه، قالت "كان ابني الطفل خارج البيت عندما سمعت طلقات مكتومة، وجاء الطفل يجري مذعورًا ويصرخ قتلوا محمود.. قتلوا محمود.. فخرجت لأرى محمود مكومًا على الرصيف غارقًا في دمائه، وخرج زوجي ليحمل محمود وينقله برفقة آخرين إلى المستشفى في سيارته.. ويتابع الشاهد الذي حمل محمود وضعت يداي تحت رأس محمود لأحمله، فإذا بأصابعي تدخل في جمجمته بعد أن فجر الرصاص رأسه من الخلف، وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة حين حملناه إلى السيارة وانطلقنا به إلى المستشفى، وقبل أن نصل تنفس محمود نفسًا عميقًا ثم فارق الدنيا إلى الآخرة، وترك الأرض إلى السماء.. فيما تبعثرت أجزاء من رأسه على فرش السيارة.
يقول أحد أخوة محمود: كأن رحمه الله بعد استشهاده مصابًا بتسع رصاصات اخترقت إحداها الرأس ما بين الحاجبين، والثانية أسفل عينه فيما اخترقت الثالثة رقبته، وتوزعت باقي الرصاصات في صدره.
وارتقى الشهيد إلى العلا بعد أن لبى نداء ربه بأداء الواجب، فكان نبراسًا يضيء وشعلة لا تنطفئ، تقتبس منه الأجيال لتواصل السير على دربه والجهاد في الله حق جهاده.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.
كلمة المعلم الشهيد د. فتحي الشقاقي في تأبين الخواجا بعد اسبوع من استشهاده
يا جماهير شعبنا العظيم ...
أيها المجاهدون...
الشهداء لا يموتون ، إنهم أحياءٌ يهبون لأمتهم مزيداً من الحياة والقوة. قد يلغي القتل أجسادهم الظاهرة ولكنه يستحضر معنى وجودهم مكثفاً خالصاً من نوازع الجسد وثقله ، متحرراً من قيوده، ويطلقُ أرواحهم خفاقةً حيةً ، مؤثرةً بحجم المعاني التي قتلوا لأجلها وهم يدافعون عنها.
إن دم الشهداء هو شريان الحياة لشجرة المقاومة والجهاد وشجرة الحرية، ودم محمود المسفوح هو رمزٌ لدم الشهداء الذي سيبقى يسفح حتى ينتصر على السيف ، سيف بني صهيون وحلفائهم واتباعهم.
أخي محمود، لقد سفحوا دمك لأنك كنت عقبة أمام الشيطان الأميركي والعدو الصهيوني في إعادة تشكيل المنطقة على صورتهم وتلبية لمصالحهم ، نعم هذا هو حجم محمود الخواجا الذي يجب أن تعرفوه وتعرفه كل الأمة ويعرفه رفاقه وأهله. محمود الخواجا هو الفارس الذي جعل المخيم الفقير يشكل تهديداً استراتيجياً ـ حسب تعبير رابين بعد بيت ليد ـ للدولة العبرية وللسلام الأميركي الصهيوني المدنس. محمود الخواجا هو الذي كان يقف للموج العاتي بالمرصاد، كان يمنع موج البحر أن يكسر المخيم، وذلك بزنده وعنفوانه وروحه الوثابة ، كانت غزة ـ أريحا تنضح من حوله بالقبح وأجهزة الأمن والرشاوى والجوع والفساد والوهم والموت ، ووحده كان ينضح بالحياة. ورغم رصاص كاتم الصوت في صدر محمود وفي رأس محمود سيبقى وحده ينضح بالحياة ، فروحه الوثابة التي أطلقها الرصاص ترحل الآن في كل اتجاه تنقر الأرواح النائمة وتوقظها لتصطف في صف الجهاد وصف الخلاص ، في صف الرصاص.. سيبقى ينضح بالحياة وهو يصرخ من دمه .. أيها المجاهدون اتحدوا.. لتتكرس وحدة المجاهدين، وحدة المقاومين، وحدة الجهاد الإسلامي الذي سيبقى ، رغم حجم المؤامرة وحجم الضغوط ، ضمير الشعب والأمة الحي يذكرهم ، بوعيه وإصراره ورصاصه ، أن فلسطين محتلة وأن بيت المقدس محتل، فلا قرت أعين الجبناء ، لا قرت أعين العملاء ، لا قرت أعين المستسلمين.
يا رفاق محمود ، يا اخوة محمود وأبناء محمود...
دمه في رقبتنا أمانة ، دمه في رقبتكم أمانة. لقد عرفتموه نموذجاً للتحدي وتجسيداً للعنفوان، لم يضعف يوما، لم يجبن، ولم يخف الموت، فانطلقوا على دربه للانتقام، واجعلوا من دمه اللعنة الكبرى على العدو. وسأبقى معكم أفديكم وأفدي هذا النهج المقدس بدمي وبكل ثواني عمري وجهدي الذي لن يفتر ، بل سيزداد عنفواناً من عنفوانكم وعنفوان محمود وعنفوان الأمة المقموعة ، ولكنها ستنهض في يوم قريب لتجعل كل ما تراكمه أميركا من مؤامرات ـ تجعله هشيماً ، ليعلموا جميعاً : القتلة وأعوان القتلة ، أن سلاحنا سيبقى مشرعاً. لن نلقي سلاحنا ولو بقينا فرداً واحداً ، وليس من الجهاد الإسلامي من يساوم على سلاحه أو يساوم على خط الجهاد واستمراره.
أيها الإخوة...
بعد اسبوع على غياب محمود نؤكد أننا مع وحدة الشعب كل الشعب ، مع وطن الشعب ، كل وطنه ، لا ننازع أحداً منصباً أو كرسياً أو مصلحة، ننازعهم حقنا في استمرار جهادنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، جهادنا الذي لا توقفه السيارات المفخخة ولا كواتم الصوت ولا طغيان الأجهزة واعتقالات الفجر عند أيام الفداء.
المجد لك يا محمود
المجد للمخيم الذي صنع توازن الرعب
المجد للشهداء من قبلك ومن بعدك
حتى ترتفع راياتنا فوق كل فلسطين
رحم الله شهيدنا القائد محمود الخواجة وأسكنه فسيح جناته
ثلاثة عشر عاما مضت على رحيله المفجع.. ولا زالت دمائه الزكية تعبق الأجواء.. ولا زالت سيرته العطرة والندية مدار حديث كل من عرفه أو حتى سمع عنه، كم هي الذكريات الحزينة التي يحملها لنا شهر حزيران بين طيات أيامه، ذكريات أثقلت كاهلنا منذ خمسة وثلاثين عامًا، ففي الخامس من الشهر نفسه لعام 1967م سقطت القدس بأيدي الصهاينة، ومعها فقدنا بوصلة تفكيرنا ولازلنا نعيش آثارها حتى يومنا الحاضر، وفي الثاني والعشرين من شهر حزيران نفسه ارتحل عنا فارس آخر ورمز من رموز الحركة الإسلامية "المجاهدة" وأحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الذي كرس جل حياته للعمل الفدائي الأول المنظم، ألا وهو الشهيد القائد محمود الخواجا،لقد ارتقى شهيدنا القائد إلى علياء السماء مع النبيين والصديقتين والشهداء بإذن الله تعالى، ولكنه باقٍ بيننا بفكره المتقدم وعمله اللافت والمميز، لقد كان الشهيد القائد رجلاً واحدًا وضع أمة كاملة وجيلاً كاملاً ومدرسة عسكرية فريدة رغم قلة الإمكانيات والعدة، ولكنه قدم لنا الأجمل والأروع في أعماله الجهادية ما تزال محل دراسة في كبرى المؤسسات العسكرية، قدم شهيدنا القائد كل الممكن رغم المستحيل وحقق لهذه الحركة تاريخًا عسكريًا نفخر به جميعًا، ومن منا ينسى رائعته المزدوجة في مفترق بيت ليد وعملية كسوفيم (مفترق المطاحن) الشهيد خالد الخطيب وعشرات العمليات الأخرى التي لا يمكن لنا أن نحصرها في سطور قليلة.
النشأة والميلاد:
- في مخيم البطولة.. مخيم الشاطئ.. ولد الشهيد محمود عرفات الخواجا في 27/12/1970م وترعرع وسط أسرة مجاهدة، هاجرت من قرية حمامة عام 1948م ليستقر بها المقام في مخيم الشاطئ ولتعيش حياة مليئة بالألم والمعاناة كما كل الأسر المهاجرة التي سلب الصهاينة أراضيها.
- تلقى تعلميه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث للاجئين، وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة فلسطين الثانوية "القسم العلمي" ثم تلقى تعلميه الجامعي في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على درجة الإجازة العلمية "الليسانس" بعدها التحق بالدراسات العليا بالجامعة وحصل على "دبلوم عام التربية".
- نشأ الشهيد محمود على الإباء والتحدي بعد استشهاد عمه على يد الاحتلال الصهيوني لتكون هذه الحادثة من بواكير الدوافع النفسية له ليخوض معركته مع الصهاينة والاحتلال…
انتماؤه ومشواره الجهادي:
- مع بداية ظهور الأفكار الجهادية والثورية في قطاع غزة على يد المفكر الإسلامي الدكتور/ فتحي الشقاقي، كان الشهيد محمود من أوائل الذين آمنوا بتلك الأفكار وتشبعوا بذلك الطرح الجهادي، فأصبح الشهيد عضوًا بارزًا في حركة الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في الجامعة فترأس كتلة المستقلين الطلابية في الجامعة الإسلامية بغزة، ومسئولاً للجهاد الإسلامي في مخيم الشاطئ ولنشاطه المتميز في مساجد المخيم وخاصة المسجد الأبيض كان الشهيد من أوائل المعتقلين في العام 1983م حيث حكم عليه بالسجن لمدة خمسة شهور، وكان قبلها قد اعتقل لمدة شهر مع آخرين بتهمة حرق العلمين الصهيوني والأمريكي في الجامعة الإسلامية.
- اعتقل الشهيد محمود للمرة الثالثة على يد الاحتلال الصهيوني في العام 1985م وقد حكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة حيازة أسلحة وكان من نصيب والده أن اعتقل ستة أشهر على نفس القضية.
- اعتقل الشهيد للمرة الرابعة لعدة أيام وبعدها وفي يونيو 1993م اعتقل الشهيد مرتين على يد سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود تلك الإعتقالات التي تشهدها الساحة الفلسطينية التي تشهدها الساحة الفلسطينية إثر العمليات الاستشهادية التي ينفذها المجاهدون المسلمون.
علاقاته الاجتماعية:
- كان الشهيد ابن مخيمه وقليلون هم الذين لا يعرفون الشهيد في حياته، فقد عرفه الطلاب في المساجد كما عرفه أبناء مخيمه آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وقد كان الشهيد ذا علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية.
- حرص الشهيد دومًا أن يسودد مخيمه الوئام والوفاق بين الفصائل العاملة على الساحة، لذلك شارك لعدة مرات في لجان الإصلاح وتسوية النزاعات بين الفصائل في ظل الانتفاضة.
- عرف الشهيد (محمود) بحبه للمستضعفين و خدمة الجماهير، فكان متواضعًا ومتفانيًا في عمله في وكالة الغوث، وكان الصف الهادر ضد الظلم والإجحاف عندما قامت الوكالة بفصل 25 عاملاً من عمالها، تصدر الدفاع عن حقهم في العمل وأصل جهوده إلى أن عادوا جميعًا للعمل بفضل الله.
- عرف الشهيد محمود بحبه لرياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال ولشدة تعلقه بها حرص على اقتناء أدواتها ومن ثم افتتح صالة رياضية لتدريب الناشئة من أبناء شعبنا الفلسطيني.
عمله العسكري:
- كان الشهيد القائد (محمود) ذا باع طويل في العمل الإسلامي منذ بداية نشأته، فترأس كتلة المستقلين الطلابية في الجامعة الإسلامية بغزة، ثم كان عمله الأهم والأكبر بتأسيس وقيادة الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين "القوى الإسلامية المجاهدة (قسم)" ونفذت في عهده وبمشاركته وتخطيطه أضخم العمليات العسكرية في فلسطين، وخلال فترة وجيزة نسبيًا سجل الجهاز العسكري للجهاز الإسلامي بقيادة الشهيد القائد/ محمود الخواجا إنجازات هامة عبر عملياته العسكرية النوعية، خاصة تلك العمليات الاستشهادية الأولى من نوعها في تاريخ النضال والجهاد الفلسطيني، ولا غرو في ذلك (فالجهاد الإسلامي) دومًا طليعي متفرد.
ومن أبرز العمليات العسكرية التي خطط وشارك في توجيهها الشهيد القائد/ محمود الخواجا:
[1]عملية أسدود البطولية: والتي نفذها الشهيد على العماوي من مخيم الشاطئ على محطة تجمع للجنود الصهاينة في أسدود بتاريخ 7/4/1990م سلاح رشاش فقتل اثنين من الضباط أحدهما مسؤول أمن المستوطنات في قطاع غزة وجرح ما لا يقل عن عشرة آخرين، وقد أشرف الشهيد القائد/ محمود الخواجا مباشرة على تدريب الشهيد/ على العماوي على إطلاق النار وفن المواجهة فأحسن التدريب، ولشدة حب الشهيد القائد محمود الخواجا للشهيد علي، فقد جعل اسم طفله الرضيع (على) تيمنًا بالشهيد المجاهد على العماوي.
[2] عملية نتساريم الاستشهادية: والتي نفذها الشهيد المجاهد/ هشام حمد من حي الشيخ رضوان على تجمع عسكري لبني يهود بالقرب من مفترق البوليس الحربي في وسط قطاع غزة قرب مغتصبة نتساريم بواسطة دراجة هوائية مملوءة بالمتفجرات والعبوات الناسفة والتي أدت العملية الاستشهادية إلى مقتل خمسة جنود صهاينة وإصابة 12 آخرين ما بين خطيرة ومتوسطة، وقد جاءت العملية الاستشهادية ردًا على اغتيال الشهيد المجاهد هاني عابد الذي اغتيل في الثاني من الشهر نفسه على أيدي الموساد الصهيوني .
[3] عملية بيت ليد المعجزة: لقد كانت ومازالت (بيت ليد) الكابوس الذي يقض مضاجع قادة الكيان الصهيوني وجنودهم الجبناء.. حقًا أصبحت (بيت ليد) الكابوس الدائم لجنود الجيش (الذي لا يقهر).. يتوجه الشهيد أنور سكر مع رفيق دربه الشهيد صلاح شاكر (الصاروخ المزدوج) بتاريخ 22/1/1995م ليفجرا أجسادهما الطاهرة وسط أكبر تجمع للجنود الصهاينة ليرتقوا إلى العلى.. ويدحرجوا اثنين وعشرين صهيونيًا إلى الجحيم.. ويصيبوا أكثر من سبعين بإصابات بالغة لعيشوا بقية عمرهم مشوهين وعجزة.. كما شوهوا أهلنا في المخيمات والضفة والقطاع.
[4] عملية كفارداروم الجهادية: والتي نفذها الشهيد (خالد الخطيب) بتاريخ 9/4/1995م باقتحام سيارته المفخخة لسيارة باص تقل جنودًا صهاينة وقد أسفرت العملية عن مقتل 8 جنود وإصابة 40 جندي آخر.
مما لا شك فيه أن قيادة الشهيد القائد (محمود الخواجا) لقسم تميز بالحزم والشدة، والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة، وكان ذا هيبة في صدور القلائل الذين عرفوه من التنظيم العسكري رغم حبهم الشديد.
هكذا تم اغتيال الشهيد:
كانت المخابرات الصهيونية تحمل الشكوك لمحمود لدوره الريادي السابق في حركة الجهاد الإسلامي، وكذلك لعلاقاته بالعديد من مطاردي "قسم" الذين شوهدوا عنده في البيت أو يترددون عليه، وهذا ما دعى المخابرات إلى تكثيف المراقبة عليه لاكتشاف الدور الحقيقي الذي يقوم به، فكان أن تم تكليف أحد عملائهم بمتابعة ورصد تحركاته..
جهاز الأمن الوقائي في غزة من خلال الرصد وجمع المعلومات ومتابعة خيوط قضية اغتياله تمكن مؤخرًا من اعتقال عميل خطير له الضلع والدور الأساسي في اغتيال الشهيد القائد وقد جاء اعتقال هذا العميل مفاجئًا لسكان مخيم الشاطئ ولكل من عرفه..
العميل (م.ش) جار وقريب الشهيد وليس له سجل تاريخي مشين أمام الناس، سقط في وحل العمالة (حسب اعترافاته) في عام 1982م على يد ضابط المنطقة (أبو طومر) ومارس دوره الخياني حتى تم اعتقاله قبل حوالي الشهرين فقط..
وكان العميل ميسور الحال ماديًا، كما أنه يلقى قبولاً واحترامًا مجتمعيًا نظرًا لأساليب التخفية التي يتبعها، فقد كان محافظًا على الصلوات في المسجد، ولا يبخل بمساعدة أي محتاج، وهو إنسان اجتماعي لبق يتزاور مع الناس ويتودد إليهم!!
في البداية أمرته المخابرات الصهيونية برصد تحركات المناضلين في منطقة بمعسكر الشاطئ، فكان يجمع المعلومات عن الجميع وبلا استثناء، وبعد بروز القوى الإسلامية المجاهدة (قسم) الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على الساحة، طلبت المخابرات الصهيونية من العمل (م) مراقبة الشهيد محمود ومتابعة تحركاته ورصد من يزوره ويتردد عليه.. كما تم تزويده بجهاز (سلكوم) ليوصل من خلاله المعلومات الأمنية والاستخبارية إلى الضابط المسؤول عنه مباشرة أولاً بأول..
وبحكم القرابة بين العميل والشهيد إضافة إلى الجوار فقد كان يتردد على بيت الشهيد بكثرة وفي أوقات متقاربة، وفي إحدى المرات دخل البيت بلا استئذان وحاول الدخول إلى غرفة كان يجلس فيها بعض المجاهدين، ومعهم أسلحتهم، فما كان من محمود إلا أن دفعه خارجًا بعنف وأغلق الباب في وجهه.
التقرب المتزايد من العميل جعل محمود يتوجس منه خيفة ويحذر منه وبات متأكدًا من أن (م) إنسان عميل خصوصًا بعد أن كان يقوم بتفحص السيارات التي كان شقيق محمود يتاجر فيها، ويدقق بها النظر كالباحث عن دليل لشيء.
كان (م) يراقب محمود والمترددين عليه ويقوم بنقل أوصافهم للمخابرات الصهيونية، وبعد فترة من المراقبة طلب الضابط الصهيوني منه أن يتفرغ لمتابعة محمود تمامًا وأن يدقق في متابعة تحركاته وساعات خروجه ودخوله بالضبط.
وقبل حادث الاغتيال بعشرة أيام خضع العميل (م) لدورة مكثفة في الرسم الهندسي (الكروكي) وطلب منه ضابط المخابرات أن يرسم الشوارع التي تحيط بمحمود ومنطقة عمله بالتفصيل.. كما طلب منه أن يلازم مراقبة محمود بصورة أكثف وأدق.
عندما قتلوا محمود:
كالعادة.. توجه محمود إلى عمله بعد صلاة الفجر.. استيقظ من نومه مبتهجًا وأخبر زوجته برؤيا رآها في المنام بأن ثلاثة أشخاص أطلقوا عليه النار فاستشهد.. وودع زوجته وخرج.
كان خط سير الشهيد محددًا ومعروفًا، يخرج من بيته إلى مكان عمله في ساعة لا تتغير وخط سير لا يتغير.. كان العميل (م) بالمرصاد يرصد ويتابع الشهيد من شرفة منزله.. ويوصل المعلومات أولاً بأول عبر جهاز (سلكوم) أعطاه له ضابط المخابرات.. محمود يصل إلى مكان عمله.. وهكذا حتى غاب محمود عن بصره، ثم دخل إلى غرفته ليتناول طعام الإفطار!!
وحسب الاعترافات التي أدلى بها العميل فقد خرج مثله كباقي الناس على الأصوات التي تعالت في المخيم أن محمود قد اغتيل.. وأنكر العميل في التحقيق معرفته بفرقة الاغتيال أو مشاركته بهن، أو حتى سماعه لصوت الرصاص الذي أطلق على محمود.
تفاصيل الاغتيال:
كان الاغتيال قد تم حسب شهود العيان بين الساعة السادسة والنصف والسابعة صباحًا من يوم 22/6/1995م، كانت الشوارع خالية إلا من عدد قليل جدًا من المارة أغلبهم من طلبة التوجيهي الذين كانوا متوجهين لتأدية امتحان في مدرسة قريبة من هناك.
ومن بين شهود العيان سيدة طلبت عدم ذكر اسمها قالت "كنت على سطح البيت في لحظة اغتيال أبو عرفات وشاهدت سيارة بيجو 404 لونها ما بين الأزرق الخفيف والبني، نزلوا من منحدر الشارع بسرعة كبيرة باتجاه محمود ولم يكونوا ملثمين أطلق أحدهم رصاصة من خلف محمود، ثم ترجلوا من السيارة وحاول محمود أن يضربهم بالعربة التي كان يقودها، ولكنهم عاجلوه برصاصات أخرى من مسدسات كواتم للصوت، ليسقط مضرجًا بالدم وتنطلق السيارة بأقصى سرعة".
سيدة أخرى رأت محمود بعد إطلاق النار عليه، قالت "كان ابني الطفل خارج البيت عندما سمعت طلقات مكتومة، وجاء الطفل يجري مذعورًا ويصرخ قتلوا محمود.. قتلوا محمود.. فخرجت لأرى محمود مكومًا على الرصيف غارقًا في دمائه، وخرج زوجي ليحمل محمود وينقله برفقة آخرين إلى المستشفى في سيارته.. ويتابع الشاهد الذي حمل محمود وضعت يداي تحت رأس محمود لأحمله، فإذا بأصابعي تدخل في جمجمته بعد أن فجر الرصاص رأسه من الخلف، وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة حين حملناه إلى السيارة وانطلقنا به إلى المستشفى، وقبل أن نصل تنفس محمود نفسًا عميقًا ثم فارق الدنيا إلى الآخرة، وترك الأرض إلى السماء.. فيما تبعثرت أجزاء من رأسه على فرش السيارة.
يقول أحد أخوة محمود: كأن رحمه الله بعد استشهاده مصابًا بتسع رصاصات اخترقت إحداها الرأس ما بين الحاجبين، والثانية أسفل عينه فيما اخترقت الثالثة رقبته، وتوزعت باقي الرصاصات في صدره.
وارتقى الشهيد إلى العلا بعد أن لبى نداء ربه بأداء الواجب، فكان نبراسًا يضيء وشعلة لا تنطفئ، تقتبس منه الأجيال لتواصل السير على دربه والجهاد في الله حق جهاده.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.
كلمة المعلم الشهيد د. فتحي الشقاقي في تأبين الخواجا بعد اسبوع من استشهاده
يا جماهير شعبنا العظيم ...
أيها المجاهدون...
الشهداء لا يموتون ، إنهم أحياءٌ يهبون لأمتهم مزيداً من الحياة والقوة. قد يلغي القتل أجسادهم الظاهرة ولكنه يستحضر معنى وجودهم مكثفاً خالصاً من نوازع الجسد وثقله ، متحرراً من قيوده، ويطلقُ أرواحهم خفاقةً حيةً ، مؤثرةً بحجم المعاني التي قتلوا لأجلها وهم يدافعون عنها.
إن دم الشهداء هو شريان الحياة لشجرة المقاومة والجهاد وشجرة الحرية، ودم محمود المسفوح هو رمزٌ لدم الشهداء الذي سيبقى يسفح حتى ينتصر على السيف ، سيف بني صهيون وحلفائهم واتباعهم.
أخي محمود، لقد سفحوا دمك لأنك كنت عقبة أمام الشيطان الأميركي والعدو الصهيوني في إعادة تشكيل المنطقة على صورتهم وتلبية لمصالحهم ، نعم هذا هو حجم محمود الخواجا الذي يجب أن تعرفوه وتعرفه كل الأمة ويعرفه رفاقه وأهله. محمود الخواجا هو الفارس الذي جعل المخيم الفقير يشكل تهديداً استراتيجياً ـ حسب تعبير رابين بعد بيت ليد ـ للدولة العبرية وللسلام الأميركي الصهيوني المدنس. محمود الخواجا هو الذي كان يقف للموج العاتي بالمرصاد، كان يمنع موج البحر أن يكسر المخيم، وذلك بزنده وعنفوانه وروحه الوثابة ، كانت غزة ـ أريحا تنضح من حوله بالقبح وأجهزة الأمن والرشاوى والجوع والفساد والوهم والموت ، ووحده كان ينضح بالحياة. ورغم رصاص كاتم الصوت في صدر محمود وفي رأس محمود سيبقى وحده ينضح بالحياة ، فروحه الوثابة التي أطلقها الرصاص ترحل الآن في كل اتجاه تنقر الأرواح النائمة وتوقظها لتصطف في صف الجهاد وصف الخلاص ، في صف الرصاص.. سيبقى ينضح بالحياة وهو يصرخ من دمه .. أيها المجاهدون اتحدوا.. لتتكرس وحدة المجاهدين، وحدة المقاومين، وحدة الجهاد الإسلامي الذي سيبقى ، رغم حجم المؤامرة وحجم الضغوط ، ضمير الشعب والأمة الحي يذكرهم ، بوعيه وإصراره ورصاصه ، أن فلسطين محتلة وأن بيت المقدس محتل، فلا قرت أعين الجبناء ، لا قرت أعين العملاء ، لا قرت أعين المستسلمين.
يا رفاق محمود ، يا اخوة محمود وأبناء محمود...
دمه في رقبتنا أمانة ، دمه في رقبتكم أمانة. لقد عرفتموه نموذجاً للتحدي وتجسيداً للعنفوان، لم يضعف يوما، لم يجبن، ولم يخف الموت، فانطلقوا على دربه للانتقام، واجعلوا من دمه اللعنة الكبرى على العدو. وسأبقى معكم أفديكم وأفدي هذا النهج المقدس بدمي وبكل ثواني عمري وجهدي الذي لن يفتر ، بل سيزداد عنفواناً من عنفوانكم وعنفوان محمود وعنفوان الأمة المقموعة ، ولكنها ستنهض في يوم قريب لتجعل كل ما تراكمه أميركا من مؤامرات ـ تجعله هشيماً ، ليعلموا جميعاً : القتلة وأعوان القتلة ، أن سلاحنا سيبقى مشرعاً. لن نلقي سلاحنا ولو بقينا فرداً واحداً ، وليس من الجهاد الإسلامي من يساوم على سلاحه أو يساوم على خط الجهاد واستمراره.
أيها الإخوة...
بعد اسبوع على غياب محمود نؤكد أننا مع وحدة الشعب كل الشعب ، مع وطن الشعب ، كل وطنه ، لا ننازع أحداً منصباً أو كرسياً أو مصلحة، ننازعهم حقنا في استمرار جهادنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، جهادنا الذي لا توقفه السيارات المفخخة ولا كواتم الصوت ولا طغيان الأجهزة واعتقالات الفجر عند أيام الفداء.
المجد لك يا محمود
المجد للمخيم الذي صنع توازن الرعب
المجد للشهداء من قبلك ومن بعدك
حتى ترتفع راياتنا فوق كل فلسطين
رحم الله شهيدنا القائد محمود الخواجة وأسكنه فسيح جناته
تعليق