قصاقيص
بقلم : عمر ابو حرب
كان (عبد النّاصر) قريبي وجاري دائم التشاكل مع زوجته ووصلت الأمور إلى حافة الطلاق عدّة مرات وقد تدخلت شخصيا وأعدتها له مرتين علاوة على مساهمات الآخرين في هذا الصدد..ويسوق الزوج أسباب هذه الخلافات فيزعم أنها (قبيحة) في شكلها وسلوكياتها وأنها (شكلت) جبهة معادية له داخل المنزل حيث نجحت في استعداء أبناءه وبناته ضده..وعندما اقترح عليه بعض الأقارب الزواج عليها كان يبرر عجزه بخوفه من بناته اللواتي هنّ في سن الزواج..
المهم كان الحل الأنجع بالنسبة له الهرب المتواصل من المنزل والعودة إليه بعد منتصف الليل حيث لا عين (تشوف) ولا قلب يحزن ومرت سنون على هذا الحال..قبل أيام لقيت هذا القريب في مناسبة عائلية وسألته عن أحواله فطمأنني كثيرا وفاجأني بخبر أنّه (سعيد جدا) لأنّه عندما تخلى عن نظارته الطبية وعمل عملية تشطيب لقرنيات عينيه أصبح يرى زوجته في (غاية) الجمال وبدأ يتعايش معها بشكل طبيعي..
أعلم أن هذا الرجل يكذب علي ولكنه حاول أن يسد الثغرات التي تفضح عجزة بطريقة (غير تقليدية) وإن كانت ساذجة والتي تقوم على تسمية الأمور بغير مسمياتها وتبرير الفشل بصورة منطقية.. كالعذر الذي تسوقه الراقصة التي لا تتقن الرقص فتقول :"الأرض عوجاء"..وحتى لا نظلم الرجل فقد حل مشكلته مهما كانت الطريقة والعتب دائما على (النظر).. ولكن ما يستعصي على الفهم عندي هو ميل الساسة للقفز من طرف الحبل إلى طرفه الآخر بمواقف (بهلوانية) كان الأجدى لهم الصمت عنها..
وخذ مثالا استخدام(السيرج) وقودا للسيارات..يخرج علينا أحد ولاة الأمر يوما ليمتدح هذا (الاختراع) ويسوقه بمثابة معجزة علمية يتقدم بها شعبنا العنيد الذي يتمرد على الكسر..وفجأة وبقدرة قادر يقف نفس المسؤول بدون تبرير ليعتبر السيرج (كوقود) خارج عن القانون وملاحق شرطيا وكل من يثبت تورطه بالسيرج سيعاقب..وأنا هنا لا أدافع عن السيرج كوقود بل هو عندي (ملعون) لأنه من مسببات الأوبئة بامتياز ولو كان يجوز استخدامه لأوصى به مخترع السيارة ولم يترك لنا (شرف) اكتشافه..أما ما يزعجني ويزعج كل ذي عقل هو الاستخفاف بعقول الناس وإظهار (المصائب) وكأنها مخطط لها واختيرت عن سبق تفكير بل واعجاز ينبغي للتاريخ أن يسجله..ثم عندما نكتشف خطأنا بحقه لن نتراجع ـ ومعاذ الله لمثلنا أن يعتذر أو يتراجع ـ سنقوم حتما بمحاربة ما مدحناه وسيعد ذلك فتحا جديدا وانجازا عظيما يضاف لسجل انجازاتنا..بالضبط كما تصنع شركات البرمجة التي تستحدث فيروسات الكمبيوتر ثم تقدم برامج علاجية تزيله فبدل أن (نلعنها) لإضرار مخترعاتها بالناس سنكون ممنونين لها أن رفعت البلاء الذي غرسته فينا.. والعجيب أن كل حفلة لها (طبالها) فتجد من يمتدح تحملنا للمصيبة ثم يشيد بالأبطال الذين أزالوها عنا أولئك الساسة الذين هربوا بنا من الدلف فأجلسونا تحت المزراب..
في مطلع الثمانينيات أرسل صبري البنا (أبو نضال) رجاله لاغتيال عصام سرطاوي مبعوث المنظمة للمباحثات السرية مع الاسرائيليين واغتالوه بتهمة الخيانة العظمى للقائه الصهاينة في رواق الفندق وكان بيريز على بعد ثلاث خطوات منه فلم يكلفوا أنفسهم رصاصة أخرى..وعندما ألقي القبض عليهم وسئلوا لماذا لم يقتلوا بيريز؟ قالوا:"نحن لم نرد سوى عصام"!!..سبحان الله!..
نستسهل قلع عيوننا لنرى الواقع كما نهواه بدلا من لبس نظارة مكبرة لنراه على حقيقته وهذا لعمري هو الضلال.. فعندما تتوه البوصلة وينحسر العقلاء سيقود الجنون الأمة نحو الهاوية وينخفض سقف طموحاتنا إلى مستوى طرف أنوفنا المزكومة بغبار الحزبية ولا نرى الأشياء إلا بمقاس نظرنا المسحور بجمالنا..فكيف سيكون حال الأمة إذا ابتليت بقادة ضيقوا الأفق؟!..إلى أين سيصلون بسفينتنا..لا أظنها سترسو على بر الأمان مطلقا وسنصبح بفضل أفعالهم (المزاجية) ملهاة لعدونا وسيمرر من خلالهم ما يريده في السلم والحرب!.
بقلم : عمر ابو حرب
كان (عبد النّاصر) قريبي وجاري دائم التشاكل مع زوجته ووصلت الأمور إلى حافة الطلاق عدّة مرات وقد تدخلت شخصيا وأعدتها له مرتين علاوة على مساهمات الآخرين في هذا الصدد..ويسوق الزوج أسباب هذه الخلافات فيزعم أنها (قبيحة) في شكلها وسلوكياتها وأنها (شكلت) جبهة معادية له داخل المنزل حيث نجحت في استعداء أبناءه وبناته ضده..وعندما اقترح عليه بعض الأقارب الزواج عليها كان يبرر عجزه بخوفه من بناته اللواتي هنّ في سن الزواج..
المهم كان الحل الأنجع بالنسبة له الهرب المتواصل من المنزل والعودة إليه بعد منتصف الليل حيث لا عين (تشوف) ولا قلب يحزن ومرت سنون على هذا الحال..قبل أيام لقيت هذا القريب في مناسبة عائلية وسألته عن أحواله فطمأنني كثيرا وفاجأني بخبر أنّه (سعيد جدا) لأنّه عندما تخلى عن نظارته الطبية وعمل عملية تشطيب لقرنيات عينيه أصبح يرى زوجته في (غاية) الجمال وبدأ يتعايش معها بشكل طبيعي..
أعلم أن هذا الرجل يكذب علي ولكنه حاول أن يسد الثغرات التي تفضح عجزة بطريقة (غير تقليدية) وإن كانت ساذجة والتي تقوم على تسمية الأمور بغير مسمياتها وتبرير الفشل بصورة منطقية.. كالعذر الذي تسوقه الراقصة التي لا تتقن الرقص فتقول :"الأرض عوجاء"..وحتى لا نظلم الرجل فقد حل مشكلته مهما كانت الطريقة والعتب دائما على (النظر).. ولكن ما يستعصي على الفهم عندي هو ميل الساسة للقفز من طرف الحبل إلى طرفه الآخر بمواقف (بهلوانية) كان الأجدى لهم الصمت عنها..
وخذ مثالا استخدام(السيرج) وقودا للسيارات..يخرج علينا أحد ولاة الأمر يوما ليمتدح هذا (الاختراع) ويسوقه بمثابة معجزة علمية يتقدم بها شعبنا العنيد الذي يتمرد على الكسر..وفجأة وبقدرة قادر يقف نفس المسؤول بدون تبرير ليعتبر السيرج (كوقود) خارج عن القانون وملاحق شرطيا وكل من يثبت تورطه بالسيرج سيعاقب..وأنا هنا لا أدافع عن السيرج كوقود بل هو عندي (ملعون) لأنه من مسببات الأوبئة بامتياز ولو كان يجوز استخدامه لأوصى به مخترع السيارة ولم يترك لنا (شرف) اكتشافه..أما ما يزعجني ويزعج كل ذي عقل هو الاستخفاف بعقول الناس وإظهار (المصائب) وكأنها مخطط لها واختيرت عن سبق تفكير بل واعجاز ينبغي للتاريخ أن يسجله..ثم عندما نكتشف خطأنا بحقه لن نتراجع ـ ومعاذ الله لمثلنا أن يعتذر أو يتراجع ـ سنقوم حتما بمحاربة ما مدحناه وسيعد ذلك فتحا جديدا وانجازا عظيما يضاف لسجل انجازاتنا..بالضبط كما تصنع شركات البرمجة التي تستحدث فيروسات الكمبيوتر ثم تقدم برامج علاجية تزيله فبدل أن (نلعنها) لإضرار مخترعاتها بالناس سنكون ممنونين لها أن رفعت البلاء الذي غرسته فينا.. والعجيب أن كل حفلة لها (طبالها) فتجد من يمتدح تحملنا للمصيبة ثم يشيد بالأبطال الذين أزالوها عنا أولئك الساسة الذين هربوا بنا من الدلف فأجلسونا تحت المزراب..
في مطلع الثمانينيات أرسل صبري البنا (أبو نضال) رجاله لاغتيال عصام سرطاوي مبعوث المنظمة للمباحثات السرية مع الاسرائيليين واغتالوه بتهمة الخيانة العظمى للقائه الصهاينة في رواق الفندق وكان بيريز على بعد ثلاث خطوات منه فلم يكلفوا أنفسهم رصاصة أخرى..وعندما ألقي القبض عليهم وسئلوا لماذا لم يقتلوا بيريز؟ قالوا:"نحن لم نرد سوى عصام"!!..سبحان الله!..
نستسهل قلع عيوننا لنرى الواقع كما نهواه بدلا من لبس نظارة مكبرة لنراه على حقيقته وهذا لعمري هو الضلال.. فعندما تتوه البوصلة وينحسر العقلاء سيقود الجنون الأمة نحو الهاوية وينخفض سقف طموحاتنا إلى مستوى طرف أنوفنا المزكومة بغبار الحزبية ولا نرى الأشياء إلا بمقاس نظرنا المسحور بجمالنا..فكيف سيكون حال الأمة إذا ابتليت بقادة ضيقوا الأفق؟!..إلى أين سيصلون بسفينتنا..لا أظنها سترسو على بر الأمان مطلقا وسنصبح بفضل أفعالهم (المزاجية) ملهاة لعدونا وسيمرر من خلالهم ما يريده في السلم والحرب!.
تعليق