في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان، هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها.
بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
إطراء الحياة الآمنة هو ديدن كل المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من وهبها ولا غرو في ذلك.
وقد صح عنه أنه قال: ((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)).
بضعف الأمن وانحلاله؛ تظهر آثار خبث الشيطان، وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعاده بكل صراط، يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه؛ فيبين حذقه وإغواؤه، محققاً توعده بقوله : لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ [الأعراف:16-17].
فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المثمرة الخلل والفوضى، إضافة إلى النواح الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بُنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولاشك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة، المؤلفة من العشائر، المؤلفة من الأزواج.
مفهوم الأمن :
إن أقدم نصين حصلت عليهما بشأن تشكيل أول أجهزة للأمن هما ما ورد على لسان أبي جعفر المنصور وما ورد على لسان نظام الملك حاكم أصفهان.
كان أبو جعفر المنصور يجلس يوماً مع أعوانه فقال لهم: (ما أحوجني إلى ثلاثة نفر: صاحب خراج يستقضي ولا يظلم، وقاضٍ لا تأخذه في الحق لومة لائم، وصاحب شرطة ينصف حق الضعيف من القوي، وصمت برهة ثم أضاف: وصاحب بريد يأتيني بخبر هؤلاء).
أما نظام الملك حاكم أصفهان الذي كان أهم من الخليفة آنذاك، حتى درج القول (أصفهان نصفي جهان)، أي أصفهان نصف الدينا. فقد توجه إلى عمر الخيام قائلاً: أأستطيع أن أسألك أمراً؟ ولم يدعه نظام الملك يبدي رأيه، بل تابع حديثه قائلاً: أعلم أنك كتوم قليل الميل إلى الكلام، وأعلم أنك حكيم وعادل ومنصف وأهل لتمييز الصواب من الخطأ في كل شيء، وأعلم أنك جدير بالثقة: أود أن أضع بين يديك أصعب المهمات. لقد عينتك (صاحب الخبر).
من أحدث تعريفات الأمن والأكثر تداولا في الأدبيات الأمنية المتخصصة
تعريف باري بوزان، أحد أبرز المختصين في الدراسات الأمنية، حيث يعرف
بوزان الأمن بأنه "العمل علي التحرر من التهديد"، وفي سياق النظام
الدولي، فهو "قدرة الدول والمجتمعات علي الحفاظ علي كيانها المستقل
وتماسكها الوظيفي ضد قوي التغيير التي تعتبرها معادية". في سعيهما
للأمن، فإن الدولة والمجتمع يوجدان أحيانا في انسجام مع بعضهما بعضا
لكن يتعارضان أحيانا أخري. "أساس الأمن هو البقاء"، لكنه "يحوي أيضا
جملة من الاهتمامات الجوهرية حول شروط الوجود". ولا يعني ب- "العمل علي
التحرر من التهديد" تحييده كلية، ذلك أنه "في ظل الفوضوية، فإن الأمن
يمكن فقط أن يكون نسبيا ولا يمكن أبدا أن يكون مطلقا". أما الأمن
القومي فهو "قدرة الدول علي الحفاظ علي هويتها المستقلة ووحدتها
الوظيفية".
مفهوم الأمن في المجتمع المسلم
إن الفطرة الإنسانية تقتضي الاجتماع، ومتى وُجد جماعة من الناس، تَعين أن تقوم فيهم سلطة حاكمة ترعى مصالحهم، وتعمل من أجل بقائهم وتقدمهم، وتحجز بين أفرادهم حين تختلف المصالح.
وتعمل هذه السلطة وفقاً لمبادئ وأهداف تحاول تحقيقها، لا بد أن تكون واضحة في نظرها، ومقبولة من المجتمع الذي تتولى تنظيمه ورعايته، وقد تكون هذه المبادئ مستمدة من أعراف سائدة، أو نظم وتقاليد أفرزها تطور الحياة في المجتمع.
وقد تكون هذه المبادئ والأهداف والغايات، مستمدة من عقيدة دينية راسخة، كما هو الحال في المجتمع المسلم.
إذ لا بد لكل سلطة تقوم فيه، أن تستمد نظامها وأحكامها وقيمها وأهدافها وغاياتها من الإسلام، وبغير ذلك لا يستقيم لها حكم، ولا تلقى من تعاون مجموع الناس وتوحد جهودهم، ما يكفي لحفظ مصالح المجتمع وأمنه.
ولا تكفي القوة أو السلطة بذاتها، لكي يبقى المجتمع متماسكاً وقادراً على النمو والارتقاء.
لقد آمن المسلمون منذ بداية ظهور المجتمع المسلم الأول، ومنذ نشأة الدولة الإسلامية، أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هما الأصل في نظام المجتمع، والأساس الذي يقوم عليه.
فالإسلام هو العقيدة الدينية، والمنظومة الخلقية والسلوكية، والمنهج الاجتماعي للفرد والجماعة، في كل العلاقات التي تنشأ داخل المجتمع بين الأفراد، وبين الأفراد والسلطة، وبين المجتمع المسلم، وما يتصل به من مجتمعات أخرى، مسالمة أو معادِية، تدين بالإسلام، أو لها عقائدها المختلفة.
فما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، هو الأساس في نظام الإسلام السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ومن فرائض الإسلام على المسلمين جميعاً، الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أولي الأمر فيما لا يكون فيه معصية، والرجوع دائماً عند الاختلاف وتعدد الرأي في شئون الحياة، إلى الأصلين العظيمين القرآن والسنة.
قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء الآية 59).
وهذان الأصلان العظيمان، هما العاصمان من الزيغ والضلال للحاكم والمحكوم على السواء، وهما مفتاح النجاح والفلاح لكل مجتمع مسلم في شئونه الدنيوية، قبل أن يكونا مفتاح النجاة في الآخرة.
ويستحق ولاة الأمر في المجتمع المسلم طاعة الناس، بتمسكهم بهذين الأصلين في حياة المجتمع، عقيدة وأخلاقا وتشريعا، ولا يجوز الخروج على الأئمة، ولا منابذتهم من قبل الرعية ما لم يكن منهم كفر صراح، عند الناس منه بينة.
روى مسلم في صحيحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا
أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه.
وفيه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم:
شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة رواه مسلم.
فأمن المجتمع من الفتن والقلاقل، هدف له الأسبقية.
والمقصود، هو بيان حدود الطاعة التي ترتبط بوجود إمام، أو ولي أمر للمسلمين، يحفظ الأصلين العظيمين في المجتمع، الكتاب والسنة، ويجعلهما الأساس.
وقد كان ذكر الصلاة بالذات، وهي العلامة الفارقة بين الإيمان والكفر في المجتمع المسلم، كافياً في البيان والدلالة على وجوب المحافظة على الأمن والسلام في المجتمع، الذي يظهر فيه الإسلام بأول علاماته وأقوى دلالاته، وهي الصلاة.
فلا قتال ولا محاربة ولا عدوان، حتى وإن ظهرت بعض المنكرات، فسبيل ذلك الإصلاح، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا يكون قتال المسلمين أو عدوان بعضهم على بعض، سبيلاً للنفع أو الخير في مجتمع مسلم، مهما كانت البواعث والنيات.
فالمجتمع الآمن الذي يشعر فيه الناس بحرمة الأنفس والأعراض والأموال فيما بينهم، ويؤدون فيه شعائر الدين، هو المجتمع المسلم القابل للنمو والارتقاء، والذي تتحقق فيه خيرية الأمة:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران الآية 110).
وهو المجتمع المسلم، الذي ينطبق على أولي الأمر فيه قول الله تعالى:
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج الآية 41).
ومن واجب أولياء الأمور في المجتمع المسلم، بحكم ولايتهم، أن يحققوا لكل من يقيم تحت سلطانهم، الأمن على نفسه وعرضه وماله، سواء أكان من المواطنين أم من المقيمين.
فالسلطان الذي يملكه، والطاعة التي يُلزم الشرع ببذلها له، هما وسيلته في القيام بواجبه في تحقيق الأمن لمن هو تحت ولايته من الناس.
وقد كفلت الشريعة الإسلامية، تحقيق أمن المجتمع بحد من حدود الله، يقول الله تعالى:
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة الآية 33)
. ومحاولة الإخلال بأمن المجتمع المسلم، عن طريق ارتكاب جرائم القتل أو النهب، أو حتى إرهاب الناس، ونزع الشعور بالأمن من نفوسهم، يعتبر من الناحية الشرعية محاربة لله ورسوله، تستوجب إقامة الحد.
ويمكن القول، بأن الأهمية البالغة للأمن في المجتمع المسلم، وكون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى النمو والارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة لله ورسوله، وكانت عقوبته من أشد الحدود صرامة وحسماً في الإسلام، إذ إن عقوبة هذا الإخلال الخطير، تتراوح بين القتل والصلب، وبين قطع الأطراف والنفي، وكلها عقوبات جسيمة جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة، وللردع عند ارتكابها، فهي لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها، وإلى العقاب العادل عند وقوعها.
وتشمل الصور التي يطبق عليها حد الحرابة، الجرائم والجنايات الخطيرة التي تنتهك أمن الإنسان، كالقتل وأخذ المال كرهاً، وتخويف الجماعة عن طريق العصابات الإجرامية، ونشر الفساد بين الناس، مما يجعل الأمن العام مهدداً أو منقوصاً.
أمن الفرد في المجتمع المسلم:
يكفل الإسلام في تشريعه الإلهي لكل البشر العيش في سلام.
فالمجتمع المسلم، هو مجتمع آمن لكل الذين يعيشون فيه، وقد سبق الحديث عن الوثيقة النبوية، وكيف نظمت علاقات الطوائف والجماعات التي تقيم في أول مجتمع مسلم في المدينة المنورة، وتضمنت هذه الوثيقة أمرين مميزين، لم تُسبق إليهما:
الأمر الأول:
أنها أول تنظيم لحقوق المخالف في الدين أو العرق أو الإقليم أو اللون، ولم يكن ذلك معهوداً في النظم البشرية القديمة قبل الإسلام.
إذ كانت هذه النظم، تفترض عداوة الأجنبي والمخالف، وتعامله على هذا الأساس.
وذلك ثابت في المجتمع الروماني الذي كان يخص الرومان بقانون، ويجعل لغيرهم من المقيمين على الأرض التي تخضع لسلطانهم قانونًا آخر، هو: "قانون الشعوب". ولم يكن للأجنبي الذي يفد إلى الأرض الرومانية حق، بل كان يفترض أنه قاصد للشر.
ولم يكن الحال أفضل من ذلك في حضارة الإغريق أو الفرس.
الأمر الثاني:
أن الوثيقة النبوية، جعلت الأساس في بنودها، تحقيق الأمن والسلامة للجميع، بل والتعاون في مجالات الحياة، وفرضت حرمة النفس والعرض والمال بين أفراد المجتمع، فلا تُمس إلا بحق، ولا يمر انتهاكها دون جزاء.
فالمجتمع المسلم، يتمتع فيه غير المسلم - المخالف في الدين أو العرق أو اللون - بحق الأمان مادام محافظاً على العهد مع المجتمع المسلم، الذي ينكر التفرقة العنصرية ويدينها.
ومنذ وقت مبكر بحث الفقهاء المسلمون حقوق المخالف في الدين، حين يعيش في المجتمع المسلم، سواء أكانت إقامته دائمة أم مؤقتة، ولم يكن ذلك محل بحث في النظم القانونية السائدة.
طبعا تم النقل من بعض المواقع فى النت
وتقبلو تحياتى والكمال لله
انتظرو الحلقه التانيه ان شاء الله
بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
إطراء الحياة الآمنة هو ديدن كل المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من وهبها ولا غرو في ذلك.
وقد صح عنه أنه قال: ((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)).
بضعف الأمن وانحلاله؛ تظهر آثار خبث الشيطان، وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعاده بكل صراط، يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه؛ فيبين حذقه وإغواؤه، محققاً توعده بقوله : لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ [الأعراف:16-17].
فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المثمرة الخلل والفوضى، إضافة إلى النواح الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بُنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولاشك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة، المؤلفة من العشائر، المؤلفة من الأزواج.
مفهوم الأمن :
إن أقدم نصين حصلت عليهما بشأن تشكيل أول أجهزة للأمن هما ما ورد على لسان أبي جعفر المنصور وما ورد على لسان نظام الملك حاكم أصفهان.
كان أبو جعفر المنصور يجلس يوماً مع أعوانه فقال لهم: (ما أحوجني إلى ثلاثة نفر: صاحب خراج يستقضي ولا يظلم، وقاضٍ لا تأخذه في الحق لومة لائم، وصاحب شرطة ينصف حق الضعيف من القوي، وصمت برهة ثم أضاف: وصاحب بريد يأتيني بخبر هؤلاء).
أما نظام الملك حاكم أصفهان الذي كان أهم من الخليفة آنذاك، حتى درج القول (أصفهان نصفي جهان)، أي أصفهان نصف الدينا. فقد توجه إلى عمر الخيام قائلاً: أأستطيع أن أسألك أمراً؟ ولم يدعه نظام الملك يبدي رأيه، بل تابع حديثه قائلاً: أعلم أنك كتوم قليل الميل إلى الكلام، وأعلم أنك حكيم وعادل ومنصف وأهل لتمييز الصواب من الخطأ في كل شيء، وأعلم أنك جدير بالثقة: أود أن أضع بين يديك أصعب المهمات. لقد عينتك (صاحب الخبر).
من أحدث تعريفات الأمن والأكثر تداولا في الأدبيات الأمنية المتخصصة
تعريف باري بوزان، أحد أبرز المختصين في الدراسات الأمنية، حيث يعرف
بوزان الأمن بأنه "العمل علي التحرر من التهديد"، وفي سياق النظام
الدولي، فهو "قدرة الدول والمجتمعات علي الحفاظ علي كيانها المستقل
وتماسكها الوظيفي ضد قوي التغيير التي تعتبرها معادية". في سعيهما
للأمن، فإن الدولة والمجتمع يوجدان أحيانا في انسجام مع بعضهما بعضا
لكن يتعارضان أحيانا أخري. "أساس الأمن هو البقاء"، لكنه "يحوي أيضا
جملة من الاهتمامات الجوهرية حول شروط الوجود". ولا يعني ب- "العمل علي
التحرر من التهديد" تحييده كلية، ذلك أنه "في ظل الفوضوية، فإن الأمن
يمكن فقط أن يكون نسبيا ولا يمكن أبدا أن يكون مطلقا". أما الأمن
القومي فهو "قدرة الدول علي الحفاظ علي هويتها المستقلة ووحدتها
الوظيفية".
مفهوم الأمن في المجتمع المسلم
إن الفطرة الإنسانية تقتضي الاجتماع، ومتى وُجد جماعة من الناس، تَعين أن تقوم فيهم سلطة حاكمة ترعى مصالحهم، وتعمل من أجل بقائهم وتقدمهم، وتحجز بين أفرادهم حين تختلف المصالح.
وتعمل هذه السلطة وفقاً لمبادئ وأهداف تحاول تحقيقها، لا بد أن تكون واضحة في نظرها، ومقبولة من المجتمع الذي تتولى تنظيمه ورعايته، وقد تكون هذه المبادئ مستمدة من أعراف سائدة، أو نظم وتقاليد أفرزها تطور الحياة في المجتمع.
وقد تكون هذه المبادئ والأهداف والغايات، مستمدة من عقيدة دينية راسخة، كما هو الحال في المجتمع المسلم.
إذ لا بد لكل سلطة تقوم فيه، أن تستمد نظامها وأحكامها وقيمها وأهدافها وغاياتها من الإسلام، وبغير ذلك لا يستقيم لها حكم، ولا تلقى من تعاون مجموع الناس وتوحد جهودهم، ما يكفي لحفظ مصالح المجتمع وأمنه.
ولا تكفي القوة أو السلطة بذاتها، لكي يبقى المجتمع متماسكاً وقادراً على النمو والارتقاء.
لقد آمن المسلمون منذ بداية ظهور المجتمع المسلم الأول، ومنذ نشأة الدولة الإسلامية، أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هما الأصل في نظام المجتمع، والأساس الذي يقوم عليه.
فالإسلام هو العقيدة الدينية، والمنظومة الخلقية والسلوكية، والمنهج الاجتماعي للفرد والجماعة، في كل العلاقات التي تنشأ داخل المجتمع بين الأفراد، وبين الأفراد والسلطة، وبين المجتمع المسلم، وما يتصل به من مجتمعات أخرى، مسالمة أو معادِية، تدين بالإسلام، أو لها عقائدها المختلفة.
فما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، هو الأساس في نظام الإسلام السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ومن فرائض الإسلام على المسلمين جميعاً، الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أولي الأمر فيما لا يكون فيه معصية، والرجوع دائماً عند الاختلاف وتعدد الرأي في شئون الحياة، إلى الأصلين العظيمين القرآن والسنة.
قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء الآية 59).
وهذان الأصلان العظيمان، هما العاصمان من الزيغ والضلال للحاكم والمحكوم على السواء، وهما مفتاح النجاح والفلاح لكل مجتمع مسلم في شئونه الدنيوية، قبل أن يكونا مفتاح النجاة في الآخرة.
ويستحق ولاة الأمر في المجتمع المسلم طاعة الناس، بتمسكهم بهذين الأصلين في حياة المجتمع، عقيدة وأخلاقا وتشريعا، ولا يجوز الخروج على الأئمة، ولا منابذتهم من قبل الرعية ما لم يكن منهم كفر صراح، عند الناس منه بينة.
روى مسلم في صحيحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا
أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه.
وفيه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم:
شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة رواه مسلم.
فأمن المجتمع من الفتن والقلاقل، هدف له الأسبقية.
والمقصود، هو بيان حدود الطاعة التي ترتبط بوجود إمام، أو ولي أمر للمسلمين، يحفظ الأصلين العظيمين في المجتمع، الكتاب والسنة، ويجعلهما الأساس.
وقد كان ذكر الصلاة بالذات، وهي العلامة الفارقة بين الإيمان والكفر في المجتمع المسلم، كافياً في البيان والدلالة على وجوب المحافظة على الأمن والسلام في المجتمع، الذي يظهر فيه الإسلام بأول علاماته وأقوى دلالاته، وهي الصلاة.
فلا قتال ولا محاربة ولا عدوان، حتى وإن ظهرت بعض المنكرات، فسبيل ذلك الإصلاح، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا يكون قتال المسلمين أو عدوان بعضهم على بعض، سبيلاً للنفع أو الخير في مجتمع مسلم، مهما كانت البواعث والنيات.
فالمجتمع الآمن الذي يشعر فيه الناس بحرمة الأنفس والأعراض والأموال فيما بينهم، ويؤدون فيه شعائر الدين، هو المجتمع المسلم القابل للنمو والارتقاء، والذي تتحقق فيه خيرية الأمة:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران الآية 110).
وهو المجتمع المسلم، الذي ينطبق على أولي الأمر فيه قول الله تعالى:
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج الآية 41).
ومن واجب أولياء الأمور في المجتمع المسلم، بحكم ولايتهم، أن يحققوا لكل من يقيم تحت سلطانهم، الأمن على نفسه وعرضه وماله، سواء أكان من المواطنين أم من المقيمين.
فالسلطان الذي يملكه، والطاعة التي يُلزم الشرع ببذلها له، هما وسيلته في القيام بواجبه في تحقيق الأمن لمن هو تحت ولايته من الناس.
وقد كفلت الشريعة الإسلامية، تحقيق أمن المجتمع بحد من حدود الله، يقول الله تعالى:
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة الآية 33)
. ومحاولة الإخلال بأمن المجتمع المسلم، عن طريق ارتكاب جرائم القتل أو النهب، أو حتى إرهاب الناس، ونزع الشعور بالأمن من نفوسهم، يعتبر من الناحية الشرعية محاربة لله ورسوله، تستوجب إقامة الحد.
ويمكن القول، بأن الأهمية البالغة للأمن في المجتمع المسلم، وكون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى النمو والارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة لله ورسوله، وكانت عقوبته من أشد الحدود صرامة وحسماً في الإسلام، إذ إن عقوبة هذا الإخلال الخطير، تتراوح بين القتل والصلب، وبين قطع الأطراف والنفي، وكلها عقوبات جسيمة جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة، وللردع عند ارتكابها، فهي لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها، وإلى العقاب العادل عند وقوعها.
وتشمل الصور التي يطبق عليها حد الحرابة، الجرائم والجنايات الخطيرة التي تنتهك أمن الإنسان، كالقتل وأخذ المال كرهاً، وتخويف الجماعة عن طريق العصابات الإجرامية، ونشر الفساد بين الناس، مما يجعل الأمن العام مهدداً أو منقوصاً.
أمن الفرد في المجتمع المسلم:
يكفل الإسلام في تشريعه الإلهي لكل البشر العيش في سلام.
فالمجتمع المسلم، هو مجتمع آمن لكل الذين يعيشون فيه، وقد سبق الحديث عن الوثيقة النبوية، وكيف نظمت علاقات الطوائف والجماعات التي تقيم في أول مجتمع مسلم في المدينة المنورة، وتضمنت هذه الوثيقة أمرين مميزين، لم تُسبق إليهما:
الأمر الأول:
أنها أول تنظيم لحقوق المخالف في الدين أو العرق أو الإقليم أو اللون، ولم يكن ذلك معهوداً في النظم البشرية القديمة قبل الإسلام.
إذ كانت هذه النظم، تفترض عداوة الأجنبي والمخالف، وتعامله على هذا الأساس.
وذلك ثابت في المجتمع الروماني الذي كان يخص الرومان بقانون، ويجعل لغيرهم من المقيمين على الأرض التي تخضع لسلطانهم قانونًا آخر، هو: "قانون الشعوب". ولم يكن للأجنبي الذي يفد إلى الأرض الرومانية حق، بل كان يفترض أنه قاصد للشر.
ولم يكن الحال أفضل من ذلك في حضارة الإغريق أو الفرس.
الأمر الثاني:
أن الوثيقة النبوية، جعلت الأساس في بنودها، تحقيق الأمن والسلامة للجميع، بل والتعاون في مجالات الحياة، وفرضت حرمة النفس والعرض والمال بين أفراد المجتمع، فلا تُمس إلا بحق، ولا يمر انتهاكها دون جزاء.
فالمجتمع المسلم، يتمتع فيه غير المسلم - المخالف في الدين أو العرق أو اللون - بحق الأمان مادام محافظاً على العهد مع المجتمع المسلم، الذي ينكر التفرقة العنصرية ويدينها.
ومنذ وقت مبكر بحث الفقهاء المسلمون حقوق المخالف في الدين، حين يعيش في المجتمع المسلم، سواء أكانت إقامته دائمة أم مؤقتة، ولم يكن ذلك محل بحث في النظم القانونية السائدة.
طبعا تم النقل من بعض المواقع فى النت
وتقبلو تحياتى والكمال لله
انتظرو الحلقه التانيه ان شاء الله
تعليق