إن المتابع للمجريات السياسية على الساحة الفلسطينية أو العربية يجد أن هناك تراجعاً واضحاً في الأداء السياسي بالرغم من قوة الخطاب السياسي الإعلامي. وهذا يبرز بشكل جلي إشكالية الازدواجية بين السلوك الممارس وبين التعبئة الإعلامية المصاحبة له. وقد قلنا مراراً وتكرارً أنه لكي يتم التخلص من هذه الازدواجية لابد من تحرر الخطاب السياسي والإعلامي من طبيعته الديماغوجية التي يسيرها ويتحكم بها قيادة سياسية لا تنطلق من العمل على تحقيق المصلحة العامة وتبنى قضايا المجتمع والوطن بقدر انطلاق عملها من مصالح حزبية وشخصية ضيقة، هذا إضافة إلى ضرورة توفر إدراك واع وسليم بأن صلابة الخطاب لابد أن تنطلق من واقع صلب. وأن قوة الخطاب ليس في براعته اللفظية أو قوة نبرته الصوتية بل من انطلاقه من أداء سليم وقوى على مختلف الصعد. فلا يمكن الحديث عن مقاومة قوية في ظل تفسخ داخلي وغياب الوحدة الوطنية. ولا يمكن الإدعاء بمقاومة ناجحة في ظل غياب رؤية استراتيجية لهذه المقاومة وتبعثرها بين فصائل لكل منها رؤيته وأجندته سواء الداخلية أو الخارجية. وهنا تبرز إشكالية الخطاب المقاوم الفلسطيني في أنه لا ينطلق من إستراتيجية واحدة ذات قيادة موحدة ورؤية واحدة وأجندة واحدة. وهذا بالطبع ينطبق أيضاً على الساحة العربية في ظل عدم توفر موقف عربي موحد بل تبعات وإلحاقات سياسية متعددة تعبر عن نفسها من خلال محاور وأجندة تعبر عن مصالح وطنية ضيقة هذا إن لم يكن ذلك تعبيراً عن مصلحة فئات حاكمة لا تمت للأجندة الوطنية والقومية بصلة.
إن غياب الرؤية السياسية الواحدة في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية قد أعطى العدو زمام المبادرة بحيث يبدو دائماً أنه من يملك القدرة على المناورة واختراقنا وإجبارنا عن التراجع عن ثوابتنا. فقد تخلى العرب عن الإستراتيجية العسكرية في حل الصراع مع العدو الإسرائيلي، وتبنوا خيار الحل السياسي وذلك في مؤتمر فاس في سبتمبر 1982م. وقد شكل ذلك نقطة تحول كبيرة في الأداء والخطاب العربي على أساس أن الخيار السلمي تم تبنيه كمشروع عربي وليس مشروع دولة واحدة كما حدث مع مصر في عهد السادات. وهنا تجلى التوحد العربي على تبني الخيار السياسي والتخلي بالطبع عن الخيار العسكري. ولكن الإشكالية هنا أن العرب لم ينجحوا في فرض خيارهم السياسي كما لم ينجحوا سابقاً في إنجاح خيارهم العسكري من خلال فشل مواجهتهم العسكرية سواء في سنوات 1948م أو 1967م أو في النجاح المحدود للغاية في سنة 1973م. وقد ترجم العرب خيارهم السياسي بشعار "الأرض مقابل السلام". وهذا يعني أن تتنازل الدولة العبرية عن الأرض المحتلة مقابل منحها السلام من قبل الدول العربية. وهذا الفشل العربي قد دفع الدولة العبرية إلى مسك زمام المبادرة بحيث نجحت لاحقاً في تحويل الشعار العربي وتحويره إلى شعار "الأرض مقابل الأمن". وهذا بالطبع يشكل اختراقاً للجبهة السياسية العربية على أساس أن الأمن بالنسبة للدولة العبرية يقع على سلم الأولويات. كما شكلت الدولة العبرية نجاحاً آخر في خطابها السياسي عندما طالبت بالأمن والتطبيع الكامل مقابل الأرض. ويمكن القول هنا إنه وفي ظل التفسخ العربي ثم الانقسام الفلسطيني نجحت الدولة العبرية في إقامة علاقات وتبادل سفارات أو ممثليات مع العديد من الدول العربية مثل قطر وعُمان وموريتانيا حتى بدون التنازل عن الأرض. وهذا أغرى الجانب الإسرائيلي في تحقيق اختراق آخر من خلال طرح شعار"السلام مقابل السلام". وهذا يعني أن الدولة العبرية لم تعد تعطي أهمية أو التفاته للحقوق العربية، وأنه لم يعد هناك قضية يتم التفاوض عليها بل أنها على استعداد لمنح العرب السلام مقابل السلام. طبعاً لم تكن الدولة العبرية لتصل إلى هذه المرحلة لولا التراجع في الموقف العربي على جميع الصعد بحيث فقد العرب في ظل النظام الدولي الجديد أي قوة دولية مساندة إليهم، وأن معظمهم قد اختار اللحاق والتحليق في ركب القطب العالمي الجديد، الولايات المتحدة الأمريكية_ التي تشكل حليفاً استراتيجياً للدولة العبرية.
ويبدو على السياق الفلسطيني أن الأمور تسير بنفس الوتيرة حيث تم التراجع كثيراً عن الثوابت الفلسطينية، فقد تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964م من أجل تحري فلسطين حيث كانت الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة في أيدي العرب بمعنى أن الهدف من إنشائها كان من أجل تحرير باقي فلسطين. وهكذا وبسبب هزيمة 1967م تم خسارة ما تبقى من فلسطين دون أي نجاح في تحقيق الأهداف الوطنية الثابتة. ثم تبنت منظمة التحرير طرح الدولة الديمقراطية في سنة 1968م الذي رفض من قبل الدولة العبرية. وتبع ذلك لاحقاً تبني البرنامج المرحلي سنة 1974م وصولاً إلى إعلان الدولة في 15/11/1988م وانتهاء بقيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاق الحكم الذاتي في أوسلو في سبتمبر 1993م والذي لم يتطور إلى دولة فلسطينية. ولذلك لم يحقق اتفاق أوسلو طموحات الشعب الفلسطيني التي واكبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987-1994م، وبالتالي كان الحصاد لا يرتقى أبداً لمستوى التضحية الذي تمت. وهكذا بدا دائماً التراجع واضحاً في الأداء الفلسطيني، وجاءت انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م من أجل تصحيح المسار التفاوضي الفلسطيني الخاطئ ومن أجل تحسين الأداء السياسي الفلسطيني، ولكن ماذا كان ثمرة الانتفاضة التي قضت على الأخضر واليابس وحصدت أرواح آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الإصابات وهدم آلاف المنازل الأخرى؟ حيث لم يتم تحقيق أي إنجازات سياسية حقيقية وفوق ذلك فقدنا وحدتنا الوطنية التي هي جوهر قوتنا، وسر قوة كل الشعوب التي ناضلت وتناضل من أجل الاستقلال. وفي الوقت نفسه أضعفنا عناصر صمودنا ودفعنا بالكثير للتفكير في الهجرة جدياً بحيث تحولت الهجرة إلى ثقافة وسلوك ممارس. هذا الضعف في الواقع الفلسطيني وهذا التردي في الأداء السياسي الفلسطيني دفع بنا إلى اللهاث وراء التهدئة من ناحية بعد تأزم الواقع المعاش، وتأزم المشروع المقاوم وفي الطرف الآخر هناك اللهاث وراء مفاوضات عبثية. وكل ذلك دفع بالجانب الإسرائيلي إلى ملاعبة الأطراف الفلسطينية كل طرف على حده. فهناك لعبة الحصار في غزة، ولعبة الحواجز في الضفة الغربية. حيث تم استغلال الانقسام الفلسطيني من أجل تصعيد الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي وصل إلى درجة رفع شعار "التهدئة من أجل التهدئة". وهو الذي يوازي في طرحه الشعار العام ويشكل جزءاً منه وهو "السلام مقابل السلام". وهكذا وبعد أن كانت التهدئة في السابق تحتكم بسقف سياسي وتسير بموازاة المطالبة بالثوابت الفلسطينية، وضرورة دفع الدولة العبرية الاستحقاقات السياسية المترتبة على قيام الفلسطينيين بالتهدئة نجد أن الجانب الإسرائيلي يريد التنصل من كل استحقاقات سياسية. وتصبح التهدئة هنا مقابل التهدئة ووقف العدوان من الجانب الإسرائيلي. وأصبحت قضية فتح المعابر ورفع الحصار من ثوابتنا الوطنية بعد أن تاهت القضية في انقسامات داخلية ومحاور إقليمية وتواطئات دولية.
وهكذا يبدو أن التردي في الأداء السياسي قد أصاب كل من العرب والفلسطينيين بحيث أن تراجع عناصر القوة، وتوقف محاولات النهوض، واقتصار الخطاب السياسي على البعد اللفظي بعيداً عن فهم الواقع وإدراك تحدياته ومكامن القوة والضعف فيه من أجل المعالجة برؤية نهضوية شاملة قد دفع الطرف الإسرائيلي إلى مزيد من التعنت والتهرب من استحقاقات السلام، وحتى استحقاقات تهدئة المقاومة الفلسطينية لنشاطها. هذا التراجع الذي أوصلنا إلى مرحلة ندفع بها الثمن باهظاً ليس من أجل نيل حقوقنا بل من أجل تسول السلام وتسول تهدئة قد تبدو بعيدة المنال.
إن غياب الرؤية السياسية الواحدة في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية قد أعطى العدو زمام المبادرة بحيث يبدو دائماً أنه من يملك القدرة على المناورة واختراقنا وإجبارنا عن التراجع عن ثوابتنا. فقد تخلى العرب عن الإستراتيجية العسكرية في حل الصراع مع العدو الإسرائيلي، وتبنوا خيار الحل السياسي وذلك في مؤتمر فاس في سبتمبر 1982م. وقد شكل ذلك نقطة تحول كبيرة في الأداء والخطاب العربي على أساس أن الخيار السلمي تم تبنيه كمشروع عربي وليس مشروع دولة واحدة كما حدث مع مصر في عهد السادات. وهنا تجلى التوحد العربي على تبني الخيار السياسي والتخلي بالطبع عن الخيار العسكري. ولكن الإشكالية هنا أن العرب لم ينجحوا في فرض خيارهم السياسي كما لم ينجحوا سابقاً في إنجاح خيارهم العسكري من خلال فشل مواجهتهم العسكرية سواء في سنوات 1948م أو 1967م أو في النجاح المحدود للغاية في سنة 1973م. وقد ترجم العرب خيارهم السياسي بشعار "الأرض مقابل السلام". وهذا يعني أن تتنازل الدولة العبرية عن الأرض المحتلة مقابل منحها السلام من قبل الدول العربية. وهذا الفشل العربي قد دفع الدولة العبرية إلى مسك زمام المبادرة بحيث نجحت لاحقاً في تحويل الشعار العربي وتحويره إلى شعار "الأرض مقابل الأمن". وهذا بالطبع يشكل اختراقاً للجبهة السياسية العربية على أساس أن الأمن بالنسبة للدولة العبرية يقع على سلم الأولويات. كما شكلت الدولة العبرية نجاحاً آخر في خطابها السياسي عندما طالبت بالأمن والتطبيع الكامل مقابل الأرض. ويمكن القول هنا إنه وفي ظل التفسخ العربي ثم الانقسام الفلسطيني نجحت الدولة العبرية في إقامة علاقات وتبادل سفارات أو ممثليات مع العديد من الدول العربية مثل قطر وعُمان وموريتانيا حتى بدون التنازل عن الأرض. وهذا أغرى الجانب الإسرائيلي في تحقيق اختراق آخر من خلال طرح شعار"السلام مقابل السلام". وهذا يعني أن الدولة العبرية لم تعد تعطي أهمية أو التفاته للحقوق العربية، وأنه لم يعد هناك قضية يتم التفاوض عليها بل أنها على استعداد لمنح العرب السلام مقابل السلام. طبعاً لم تكن الدولة العبرية لتصل إلى هذه المرحلة لولا التراجع في الموقف العربي على جميع الصعد بحيث فقد العرب في ظل النظام الدولي الجديد أي قوة دولية مساندة إليهم، وأن معظمهم قد اختار اللحاق والتحليق في ركب القطب العالمي الجديد، الولايات المتحدة الأمريكية_ التي تشكل حليفاً استراتيجياً للدولة العبرية.
ويبدو على السياق الفلسطيني أن الأمور تسير بنفس الوتيرة حيث تم التراجع كثيراً عن الثوابت الفلسطينية، فقد تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964م من أجل تحري فلسطين حيث كانت الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة في أيدي العرب بمعنى أن الهدف من إنشائها كان من أجل تحرير باقي فلسطين. وهكذا وبسبب هزيمة 1967م تم خسارة ما تبقى من فلسطين دون أي نجاح في تحقيق الأهداف الوطنية الثابتة. ثم تبنت منظمة التحرير طرح الدولة الديمقراطية في سنة 1968م الذي رفض من قبل الدولة العبرية. وتبع ذلك لاحقاً تبني البرنامج المرحلي سنة 1974م وصولاً إلى إعلان الدولة في 15/11/1988م وانتهاء بقيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاق الحكم الذاتي في أوسلو في سبتمبر 1993م والذي لم يتطور إلى دولة فلسطينية. ولذلك لم يحقق اتفاق أوسلو طموحات الشعب الفلسطيني التي واكبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987-1994م، وبالتالي كان الحصاد لا يرتقى أبداً لمستوى التضحية الذي تمت. وهكذا بدا دائماً التراجع واضحاً في الأداء الفلسطيني، وجاءت انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م من أجل تصحيح المسار التفاوضي الفلسطيني الخاطئ ومن أجل تحسين الأداء السياسي الفلسطيني، ولكن ماذا كان ثمرة الانتفاضة التي قضت على الأخضر واليابس وحصدت أرواح آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الإصابات وهدم آلاف المنازل الأخرى؟ حيث لم يتم تحقيق أي إنجازات سياسية حقيقية وفوق ذلك فقدنا وحدتنا الوطنية التي هي جوهر قوتنا، وسر قوة كل الشعوب التي ناضلت وتناضل من أجل الاستقلال. وفي الوقت نفسه أضعفنا عناصر صمودنا ودفعنا بالكثير للتفكير في الهجرة جدياً بحيث تحولت الهجرة إلى ثقافة وسلوك ممارس. هذا الضعف في الواقع الفلسطيني وهذا التردي في الأداء السياسي الفلسطيني دفع بنا إلى اللهاث وراء التهدئة من ناحية بعد تأزم الواقع المعاش، وتأزم المشروع المقاوم وفي الطرف الآخر هناك اللهاث وراء مفاوضات عبثية. وكل ذلك دفع بالجانب الإسرائيلي إلى ملاعبة الأطراف الفلسطينية كل طرف على حده. فهناك لعبة الحصار في غزة، ولعبة الحواجز في الضفة الغربية. حيث تم استغلال الانقسام الفلسطيني من أجل تصعيد الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي وصل إلى درجة رفع شعار "التهدئة من أجل التهدئة". وهو الذي يوازي في طرحه الشعار العام ويشكل جزءاً منه وهو "السلام مقابل السلام". وهكذا وبعد أن كانت التهدئة في السابق تحتكم بسقف سياسي وتسير بموازاة المطالبة بالثوابت الفلسطينية، وضرورة دفع الدولة العبرية الاستحقاقات السياسية المترتبة على قيام الفلسطينيين بالتهدئة نجد أن الجانب الإسرائيلي يريد التنصل من كل استحقاقات سياسية. وتصبح التهدئة هنا مقابل التهدئة ووقف العدوان من الجانب الإسرائيلي. وأصبحت قضية فتح المعابر ورفع الحصار من ثوابتنا الوطنية بعد أن تاهت القضية في انقسامات داخلية ومحاور إقليمية وتواطئات دولية.
وهكذا يبدو أن التردي في الأداء السياسي قد أصاب كل من العرب والفلسطينيين بحيث أن تراجع عناصر القوة، وتوقف محاولات النهوض، واقتصار الخطاب السياسي على البعد اللفظي بعيداً عن فهم الواقع وإدراك تحدياته ومكامن القوة والضعف فيه من أجل المعالجة برؤية نهضوية شاملة قد دفع الطرف الإسرائيلي إلى مزيد من التعنت والتهرب من استحقاقات السلام، وحتى استحقاقات تهدئة المقاومة الفلسطينية لنشاطها. هذا التراجع الذي أوصلنا إلى مرحلة ندفع بها الثمن باهظاً ليس من أجل نيل حقوقنا بل من أجل تسول السلام وتسول تهدئة قد تبدو بعيدة المنال.
تعليق