في أخر حوار له مع مركز باحث للدراسات، قدم الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي اضافة نوعية واجابات شافية وواضحة أعتبرها اضافة جديدة للفكر الاسلامي وتبيان جديد وهام للقضية الفلسطينيةن تبرهن على انفتاح وصلابة وربانية فكر حركة الجهاد الاسلامي ومدى وعي الامين العام وفهمه المميز لقراءة النص القرآني و مسيرة التاريخ.
الحوار على موقع فلسطين اليوم، وأنصح كل اخ أن يقرأ هذا الحوار الهام بتمعن ويرسله الى كل مسلم على وجه الأرض.
حفظ الله الدكتور رمضان محافظا على نهج حركة الجهاد الاسلامي وخير خلف للامين العام الشهيد المعلم فتحي الشقاقي، ومكنه الله من الارتقاء بالحركة لتكــــــــــون طليعة الأمة في وجه العلو والافساد اليهودي حتى تحقيق الوعد الالهي في سورة الاسراء.
رابط الحوار على موقع فلسطين اليوم:
http://paltoday.com/arabic/news.php?id=68146
أهم اجابتين مع الـتأكيد على أهمية الحوار ككل:
ـ يعتقد البعض أن هناك تطوراً حاصلاً في الفكر السياسي لحركة حماس وأنها ربما تحاول استنساخ تجربة حركة فتح، حيث أعلنت قبولها لدولة فلسطينية في حدود 67، وفي لقاء قياداتها بكارتر في دمشق أبدت استعدادها لقبول أي حل نهائي يوقعه محمود عباس شريطة أن يعرض على الشعب الفلسطيني في استفتاء. حركة الجهاد من جانبها اعتبرت ذلك أمراً "في غاية الخطورة"، ما هي حقيقة موقف الجهاد من هذه التطورات، وهل ترفضون مبدأ الاستفتاء، وما هي الاستراتيجية التي تمتلكها حركة الجهاد على مستوى المشروع السياسي لحل القضية الفلسطينية مقابل استراتيجية مؤيدي التسوية، واستراتيجية حماس، خاصة أن البعض يتهمكم بأن حركة الجهاد الإسلامي لا تملك استراتيجية وليس لديها سوى الرفض؟
ـ دعني أبدأ بسؤال الاستراتيجية، وإذا جاز لي أن أتحدث بمنطق الدفاع عن النفس أمام الاتهام بعدم امتلاك استراتيجية، فأستطيع أن أقول بكل ثقة وتواضع أن لا أحد يملك استراتيجية مثلما تملك حركة الجهاد الإسلامي، هذا إذا سلمنا بأن الاستراتيجية تعني امتلاك رؤية ينبثق منها أهداف وطريق ووسائل وأدوات لتحقيق الأهداف.. المشكلة أن البعض لا يقبل بهذا التوصيف للاستراتيجية. المناخ السائد اليوم يطالبك بأن تتحدث بلغة الصفقات القابلة للتسويق السياسي في بورصات السياسة العالمية، وإلا فأنت متهم بأنك لا تملك استراتيجية! نعم، نحن نملك رؤية حول الصراع على فلسطين، تنبع من رؤيتنا للعالم وموقع أمتنا وأعدائنا على الخريطة الكونية ومستقبل هذا الصراع ومستقبل هذه الخريطة، وفق الفعل الإنساني المنسجم والسنن الكونية والتاريخية التي وضعها خالق هذا الكون سبحانه وتعالى الذي نؤمن بأنه، كما جاء في القرآن الكريم (في السماء إله وفي الأرض إله) أما من يعتقدون بألوهية الخالق في السماء، وألوهية أمريكا في الأرض اليوم، فلا ننتظر منهم أن يشهدوا لنا بامتلاك استراتيجية. رؤيتنا للعالم، ولأنفسنا كعرب وكمسلمين، ولفلسطين ولإسرائيل التي قامت على أنقاضها في قلب الأمة والعالم، يجعلنا نصر وبكل بساطة على أن الهدف الاستراتيجي لنا هو تحرير فلسطين كل فلسطين. أي أن استراتيجيتنا هي "استراتيجية تحرير" لكننا ندرك أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى الراهنة، وأنه في كل الأحوال ليس مهمة حركة الجهاد وحدها بل مهمة الأمة كلها. برغم ذلك، لا يمكن أن نتنازل عنه مهما كان الظرف. أما طريق بلوغ الهدف، فهو بكل بساطة الجهاد أو المقاومة والكفاح المسلح. وهذا الطريق قد تسلكه الحكومات والجيوش من خلال "الحروب النظامية"، وقد حدث وخاضت الأمة حروباً من أجل فلسطين، وقد تسلكه الشعوب عبر خيار المقاومة الشعبية المسلحة. قد تتوقف الحروب النظامية، وتستمر المقاومة الشعبية المسلحة، وقد يتوقف الاثنان معاً، لكننا، بأي حال من الأحوال، لن نتخلى عن إرادة التحرير وإرادة الجهاد والمقاومة ونستبدلهما "بإرادة التسوية" بل إن "إرادة التحرير" هي التي تولد "إرادة المقاومة". أما عندما يتم تيئيسنا من هدف التحرير فلا أحد سيفكر في أن يطلق طلقة واحدة أو يعد العدة لذلك، وهذا هو ما وصل إليه شخص مثل رئيس السلطة محمود عباس ومن حوله. أما نحن فنقول إذا تعذر التحرير أو تعذر الجهاد من أجله، فالبديل هو الصبر والصمود إلى أن يأذن الله بحال أحسن من هذا الحال، أما أن يستغل الأعداء سوء أحوالنا فيأخذوا توقعينا بالتنازل عن حقنا في وطننا، فهم لن ينالوا ذلك منا بإذن الله ولو على شبر من أرضنا.
هذا من الناحية المبدئية، أما من الناحية العملية، ففي نضالنا وحركتنا السياسية، فقد أثبتت الوقائع بأن حركة الجهاد كانت ولازالت هي الأكثر انسجاماً في الساحة الفلسطينية مع مبادئها ومنطلقاتها وأهدافها في كل خطوة وكل موقف عبرنا عنه، حيث رفضنا الانزلاق إلى أي برنامج أو مشروع سياسي يمكن أن يبعدنا عن أهدافنا أو أن يحرف بوصلتنا عن اتجاهها. وهذا لا يعني أننا لا نعاني من عقبات أو عثرات أو قصور، فالكمال لله وحده.
أما بالنسبة لمواقف الأخوة في حركة حماس والتطور في فكرها السياسي نحو القبول بالمرحلية وتجزئة الأهداف، فإننا وإن كنا لا نقول باستنساخها تجربة حركة فتح، فمن المهم أن نستفيد نحن في الحركة الإسلامية من هذه التجربة.. الأخوة في فتح وخلال عشرين سنة من انتصار العرب الجزئي في تشرين/ أكتوبر 1973 إلى نكبة أوسلو 1993، وفلسطينياً من البرنامج المرحلي إلى اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وهي تحتل كامل التراب الفلسطيني، قد أكملوا دورة مروعة من الهبوط خلال هذا المدى الزمني القصير من عمر صراع تاريخي طويل كالصراع على فلسطين. منذ برنامج النقاط العشر قالوا إن التنازل الجزئي هو خطوة على طريق الحل نحو استعادة كامل الحق. ماذا كانت النتيجة، وماذا كان حصاد عقدين من هذه التجربة؟ لقد تحول التنازل الجزئي إلى خطوة على طريق التنازل الكلي.. وهذه برأينا نتيجة حتمية.. لأنك في اللحظة التي تضع فيها أقدامك على طريق هذه اللعبة السياسية، فستجد نفسك مع الوقت أسيراً لها ومحكوماً لقوانينها، وهي لعبة صممت في ظل موازين قوة لا تسمح لك بغير التنازل وتجريدك من حقك، لكن بشكل سياسي مخادع كي يبدو التنازل مقبولاً.. وهذا أمر طبيعي، فلو كان ميزان القوة هو في صالح العرب والفلسطينيين، كما هو في صالح إسرائيل، أظن لاختفت إسرائيل كدولة عن الخريطة منذ زمن. لكن هذا لم يحدث لأن قادة المشروع الصهيوني كانوا يعرفون ماذا يريدون كما أسلفنا. وإذا قارنا مسيرة المشروع الصهيوني بتجربة حركة التحرر العربي أو حركة التحرر الوطني الفلسطيني، نجد أن الفارق كبير إلى حد الذهول. فمن المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا عام 1897 حتى إقامة الكيان عام 1948 لم يغير المشروع الصهيوني أهدافه ولم يتراجع عن إقامة الكيان بالحرب والقنال. وحين انعقد المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرون بالقدس عام 1951 بعد إقامة الكيان، أصبح الهدف هو دعم وحماية إسرائيل ودعوة مزيد من يهود العالم للهجرة إليها، وفق ما سمي بقانون العودة الذي استصدره بن غوريون من الكنيست الإسرائيلي عام 1950. خلال 50 سنة (1897-1947) أنجز المشروع الصهيوني إقامة إسرائيل دون أن يغير حرفاً يتعلق بهذا الهدف. أما حركة التحرر العربي والوطني فخلال عشر سنوات (1964-1974) فماذا حل بميثاق منظمة التحرير وأهدافها؟ وخلال 30 سنة وصولاً إلى 1994 ماذا كان الحصاد؟ عادت قيادة منظمة التحرير إلى الضفة وغزة في ظل احتلال إسرائيل لها لتكون شريكة للعدو في حفظ أمنه وقمع المقاومة الفلسطينية التي وصموها بالإرهاب!
ما يهمنا في من كل هذا هو التحذير من الانزلاق إلى مربع كسر المحرمات السياسية.. عندما وافق عبد الناصر مثلاً على مشروع روجرز عام 1970 وقبل بالتفاوض مع إسرائيل على أساس قرار 242 الذي يعني الاعتراف بإسرائيل، رفضت حركة فتح ذلك، بدافع أن منطق الثورة غير منطق الدولة، أي أن منطق وخيارات "فتح الثورة" غير منطق وخيارات "مصر الدولة". لكن كسر المحرمات من زعيم عربي بوزن جمال عبد الناصر زرع بذرة القبول بإسرائيل لدى الطرفين "مصر الدولة"، و"فتح الثورة". وهذا ما أثمر توقيع كامب ديفيد ومعاهدة الصلح على يد السادات عام 1979، وتوقيع أوسلو والاعتراف الفلسطيني الرسمي بإسرائيل عام 1993.
الذين يتحدثون عن استنساخ حماس لتجربة فتح يعتقدون أن حماس تحاول اختصار الزمن وحرق المراحل. برأينا ليس المهم قياس الزمن في هذه المسألة، المهم أن نحدد نقطة التحول أو بداية انعطاف المسيرة. لقد سبق أن قلنا في غير هذه المناسبة بأن نوعاً من خلط الأوراق قد حدث في الساحة الفلسطينية، منذ دخول حماس الانتخابات والحكومة، أو ما يسميه قادتها "اللعبة الديمقراطية".. منذ ذلك التاريخ، أصبح لدى المراقب صورتان لحماس: "حماس السلطة"، و"حماس المقاومة"، وهما صورتان مختلفتان، لأن السلطة شيء، والمقاومة شيء آخر. أحياناً لا يستطيع المراقب أن يميز من الذي يتحدث؟ "حماس السلطة"؟ أم "حماس المقاومة"؟ حتى اللحظة تحاول حماس المحافظة على مسافة بين الصورتين أو أن تضبط العلاقة بينهما، لكنها عملية شائكة وشاقة، أن تجمع بين النقيضين، السلطة والمقاومة، وأن ترسم بدقة الحدود الفاصلة بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وما هي الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها، فهذه فعلاً مسألة شاقة وخطرة.
لو أخذنا مسألة الاعتراف أو عدم الاعتراف بإسرائيل مثلاً، فهي تنتمي إلى البعد الاستراتيجي في إدارة الصراع.. أي أنها من المسائل الاستراتيجية التي لا يمكن المناورة فيها أو المساس بها، لا بشكل مباشر أو غير مباشر.. بالنسبة لحماس فهي مازالت صامدة في هذه النقطة، لهذا نحن نعلن دعمنا وتأييدنا لها في ذلك رغم عدم انخراطنا في السلطة من قريب أو بعيد.. لكن عندما تصدر عن حماس أحياناً مواقف ملتبسة قد يفهم منها بأنها تعني ضمناً الاعتراف بإسرائيل، مثل القبول بدولة في حدود 67، فإننا نقترب من دائرة الخطر والمساس بالاستراتيجي. وحين تسارع حماس إلى التأكيد على أن قبول دولة في حدود 67 لا يعني اعترافها بإسرائيل، وهذا ما نعتقد أنه موقف حماس، فإن طرح حماس لفكرة الدولة في حدود 67 يصبح لا قيمة له في نظر من تستهدفهم بهذا الخطاب، برغم ذلك، يظل ضرر مثل هذا الخطاب برأينا أكبر من نفعه، لأنه لن ينفع "حماس السلطة" ويضر "بحماس المقاومة". بدليل أننا نجد شخصيات يهودية استراتيجية مثل هنري كيسنجر، وشلومو غازيت وآري شبيط وغيرهم يطالبون بتجاهل اعتراف أو عدم اعتراف حماس بإسرائيل، بل يدعون إلى الاعتراف بها والدخول في حوار معها حول التسوية.. لماذا؟! ليس فقط لأن حماس قوة لها وزنها في الساحة الفلسطينية، بل أيضاً لأن هؤلاء يعنيهم بالدرجة الأولى أن يعم خطاب وثقافة التسوية وتصبح مناخاً عاماً يشارك فيه الجميع في المنطقة.. إنهم بمثل هذه المواقف يقولون ببساطة دعنا ندخل حماس إلى حلبة التسوية لتصبح لاعباً في ورشة غسيل الدماغ التي افتتحتها حركة فتح في المنطقة، لكنها ورشة مازالت تفتقر إلى الشرعية في نظر الشعوب التي تكره وترفض إسرائيل. وعندما تتكلم حماس الإسلام والمقاومة، بلغة أصحاب هذه الورشة فالأمر بالطبع مختلف عن الآخرين!
مثلاً، عندما يقول قائد كبير في حماس "لا سلام بدون حماس" على غرار "لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا" ماذا يعني هذا الخطاب؟ وأي سلام هو المقصود هنا؟!
نحن نعرف أن هناك السلام الذي تريده إسرائيل، وهو سلام ليس فيه فلسطين، بل هو "السلام مقابل الطعام" كما قيل في زمن السادات.. ومعناه أن يتنازل الفلسطينيون عن معظم أرضهم وكامل السيادة عليها، مقابل أن يسمح لهم بالعيش على فتات منها ككائنات بشرية تأكل وتشرب فقط! وهناك سلام النظام العربي وسلطة أوسلو وهو سلام فيه إسرائيل، وفلسطين جديدة، على فتات الأرض الفائضة عن حاجة إسرائيل الأمنية ومهمتها ضمان وحفظ أمن إسرائيل، أي أنه لا يختلف في جوهره عن سلام إسرائيل! وهناك سلام حماس الذي فيه فلسطين كاملة من النهر إلى البحر ولا إسرائيل فيه.. كلنا يعلم أن موازين القوى، التي لا تسمح بتحقيق سلام النظام العربي وسلطة أوسلو، لا يمكن بل من المستحيل أن تسمح بتحقيق سلام حماس.. برغم ذلك، فالغرب وإسرائيل والنظام العربي سيرحبون بمثل هذا الخطاب، لأنه عندما يصدر عن حماس أو حتى عن أي شخص في حماس في وقت يزدحم فيه عالم السياسة بالحديث عن مفاوضات الحل النهائي، وكلنا يعلم أن هذا الحل، مهما كان شكله، إنما يتأسس ويقوم على الاعتراف النهائي بوجود إسرائيل، فهذا الخطاب مهما كانت النوايا خلفه، فإنه يصب في النهاية في خانة مشروع التسوية ويعزز رصيده، من خلال إشاعة خطاب التسوية ولغته ومفرداته. ولا أظن أن حماس تريد ذلك أو يريده لها جمهورها وحلفاؤها وكل من يراهن عليها..
وهنا نقترب من موضوع الاستفتاء على أي حل نهائي يتوصل إليه محمود عباس مع إسرائيل. من حيث النوايا، لسنا قلقين على جوهر موقف الأخوة في حماس، وأنا أعرف أن خطاب حماس هو نوع من المناورة السياسية، لكن هذا يستوجب سؤالاً هاماً، هل "الحل النهائي" ضمن عملية التسوية الجارية يدخل في الاستراتيجي أم في التكتيكي؟ وهذا سؤال أظن أن الجميع يعرف إجابته أو ليس بحاجة إلى إجابة! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما هو الموقف من مسألة الاستفتاء، سواء من حيث المبدأ أو في التطبيق؟ إذا كان المقصود بالاستفتاء هو سماع رأي الناس في أمر ما، فلا مانع لدينا في ذلك، فهذه هي الشورى وهي واجبة ولا جدال في هذا (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر).. لكن السؤال يبقى أي أمر؟ ومن نشاور فيه؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال، فالكل يعرف أن الأمر المطروح للاستفتاء ليس مادة من مواد الدستور في دولة مستقلة ذات سيادة كما يحدث في بعض الدول، ولا الموقف من توحيد العملة كما حدث في أوروبا، ولا الموقف من الإجهاض كما يجري في بلدان ديمقراطية علمانية، المعروض علينا في فلسطين أن نسأل الناس أو نستفتيهم فيما إذا كانت فلسطين لنا أم لا؟ وهذا هو المقصود بمقولة "لا يستفتى على الثوابت" نحن نقول ذلك، وحماس تقوله، وثوابتنا هي فلسطين كل فلسطين.. لكن الإشكال يكمن في أن لا أحد سيسألنا بصيغة إن كانت فلسطين لنا أم لا؟ بل إن السؤال الموجه لشعبنا، مهما كانت صيغته، سيكون معناه ومغزاه هل ترضى بالموت والجوع والحصار الذي تتعرض له، أم تقبل بحل تتنازل فيه عن جل أرضك وحقك، ونرفع عنك الموت والجوع والحصار، وتعيش في كيان مسخ بعلم ونشيد وطني، يحقق حلم وشعار "السلام مقابل الطعام"؟!. في الموقف من هكذا استفتاء، يقول الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "لا تسألوا من ليس في بيته دقيق" وهذا يعني أن الشعب الجائع والذي تغوص سكين الاحتلال في لحمه ودمه لا يسأل، والموت فوق رأسه وواقع عليه، عن مصير ومستقبل فلسطين.
أما بخصوص من نسأل أو من يشملهم الاستفتاء؟ هل يشمل جزءاً من الشعب الفلسطيني، أي أهل الضفة والقطاع؟ أم كل الشعب الفلسطيني في كل مكان؟ أم كل العرب والمسلمين؟ فجوابنا هو ما أجابت به حماس عن هذا السؤال في ميثاقها، حين قالت إن فلسطين أرض وقف إسلامي، أي إنها ملك لكل العرب والمسلمين.. والمعروف أن الوقف لا يخص جيلاً بعينه، أي أن فلسطين ملك لكل الفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين بكل أجيالهم، وعليه، فلا يمكن للجيل الحالي في ظل واقع الضعف والهزيمة واختلال موازين القوى أن يستفتى ليقرر مصير فلسطين، ويصادر حق الأجيال القادمة فيها، ويوصد الطريق أمامهم، ويمنعهم من امتلاك القوة لإنجاز التحرير.
لهذا، كان موقف حركة الجهاد اعتبار القبول بمبدأ الاستفتاء على أي حل نهائي لقضية فلسطين أمر في غاية الخطورة.. خاصة إذا جاء الطرح من حركة مثل حماس التي مازالت موضع ثقة واحترام الملايين من شعوب العرب والمسلمين.
وقبل هذا كله يجب أن لا ننسى أن اتفاق أوسلو وما أفرزه من واقع لم يأت باستفتاء ولم تستشر حركة فتح أو قيادة منظمة التحرير أحداً في الشعب الفلسطيني.. فإذا كانوا لم يستفتوا أحداً في بداية الصفقة الحرام، صفقة أوسلو، لماذا يطرح الاستفتاء على نتائجها الكارثية؟! وإذا كان العالم كله جاد في اعتبار الاستفتاء طريقاً لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه فليعطوا الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، لا أن يعقدوا صفقات مع العدو في غرف مغلقة، كثمرة لميزان القوة المختل لصالح إسرائيل، ثم يريدون رأي الشعب الفلسطيني فيما هو مفروض عليه بقوة السلاح.. لقد وعدوا الشعب الفلسطيني في بداية أوسلو بسنغافورة جديدة، لكنهم نسوا أو تناسوا أن دولة سنغافورة اقتطعت من ماليزيا المسلمة عندما أعطى السكان الصينيون الذين جلب معظمهم جلباً لهذه الغرض، الحق في تقرير المصير وقرروا الانفصال عن ماليزيا ونشأت سنغافورة.. في الحالة الفلسطينية وعدونا بسنغافورة تحت الاحتلال لا بعد التحرير أو نتيجة لممارسة حق تقرير المصير، وهذا نموذج للظلم والزيف والتضليل الذي يمارس بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية الصراع، ويريدوننا أن نشارك فيه أو أن نكون جزءاً من طقوس التضليل هذه! لكننا مهما كان الظرف لن نكون جزءاً من هذه اللعبة، لأننا لا نقبل بأن يستفتى حتى كل الشعب الفلسطيني على حق الأمة في فلسطين، وحديثنا عن حق تقرير المصير هو لبيان فداحة الظلم وبشاعة الازدواجية التي يمارسها الغرب وربيبته إسرائيل بحق شعبنا وأمتنا. أما مصير فلسطين فهو مسؤولية الأمة كلها، لأنها بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وكما نقول دائما "آية من الكتاب" والذي يفرط فيها يفرط في الكتاب، والذي يستفتي الناس عليها هو كمن يستفتيهم على الكتاب!
أختم وألخص الحديث في هذا السؤال بالقول: نعم، نحن لدينا رؤية واستراتيجية، لكن لا يكفي أن يقتنع بها أبناء الجهاد الإسلامي ويصنفها الآخرون استراتيجية رفض مع ما في ذلك من ظلم وإجحاف بحقنا، وحماس لديها تطور في رؤيتها ومواقفها، لكن البعض يخشى عليها من استنساخ تجربة حركة فتح.. حتى نخرج من هذه المفارقات، ومن المأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، ينبغي أن نضع النقاط على الحروف ونقر بأن هناك مشروعين وبرنامجين في الساحة الفلسطينية: برنامج التسوية، وبرنامج المقاومة. وكي لا يتحول برنامج المقاومة، من حيث ندري أو لا ندري، في خدمة التسوية، لابد من صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة، "استراتيجية التحرير" في مقابل "استراتيجية التسوية" التي يتبناها النظام العربي ومنظمة التحرير.. نحن ندرك أن حماس والجهاد وقوى المقاومة لا يستطيعون تحقيق ما عجزت عنه الأمة كلها في هذا العصر، لكن هدف التحرير ينبغي أن لا يسقط. من هنا، فإننا ومن باب حرصنا على حركة حماس الشقيقة كشريك استراتيجي في برنامج المقاومة، وكفصيل يتصدى لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، نقول إن استراتيجية المشاركة في السلطة أو ازدواجية الصورة بين "حماس السلطة" و"حماس المقاومة" بحاجة إلى مراجعة، والعمل على صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة كي لا تتبدد الطاقات والجهود، ولا يذهب حصاد الدماء والتضحيات إلى طاحونة الأعداء والخصوم من حيث ندري أو لا ندري؛ استراتيجية تقوم على الفصل بين ممارسة السلطة تحت مظلة أوسلو والاحتلال، وممارسة المقاومة ضده، فالسلطة شيء والمقاومة شيء آخر، فلتبق السلطة بكل مساوئها لأهل السلطة، ولتبق المقاومة بكل بريقها ونظافتها لأهل المقاومة، وليقم بين أهل المقاومة وأهل السلطة من أبناء الشعب الواحد، ما تقتضيه المصلحة والضرورة من تعايش لا صدام، ليبقى الصدام مع العدو الصهيوني وحده.
ـ هل تعتقدون أن العدو قد يبادر إلى شن حرب جديدة على مستوى المنطقة، ضد إيران وسوريا وحزب الله في المدى المنظور، وكيف تنظرون إلى إعلان رئيس وزراء العدو استعداد كيانه للانسحاب الكامل من الجولان، وما مدى جدية هذا الطرح، هل هو مجرد مناورة في مواجهة المسار التفاوضي الفلسطيني أم أنه سيفتح فعلاً باباً للسلام مع سوريا أم أن المنطقة مازالت مفتوحة على احتمال الحرب؟
ـ لفهم هذا الموضوع الشائك والحساس، ولأن الموضوع أولاً وأخيراً يتعلق بإسرائيل وأمنها، علينا أن نبدأ بالقراءة الإسرائيلية للمنطقة خاصة بعد هزيمتها في حرب تموز/ يوليو عام 2006. إسرائيل تعتبر أنها على أعتاب الدخول، إن لم تكن دخلت، لمرحلة الخطر الوجودي أمام جملة من التهديدات، أولها ما تسميه تهديد الملف النووي الإيراني، وتهديد حزب الله وقوته الصاروخية، والتهديد الفلسطيني بشقيه المقاومة الفلسطينية والحالة الإسلامية التي تمثلها حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة والضفة الغربية، وفلسطينيي 48 في قلب الكيان؛ ثم سوريا التي هي حليف لكل هؤلاء وأرضها محتلة وتعيد بناء قوتها العسكرية.
كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه التهديدات؟ كثيرون كانوا يعتقدون ولازالوا بأن الحرب قد تندلع في المنطقة قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بوش مع نهاية عام 2008، سواء بضربة أمريكية لإيران أو بحرب إسرائيلية ضد حزب الله أو سوريا. ولاعتقادنا أن الحرب تجاه أي من هذه الأطراف ستمس بإسرائيل في كل الأحوال، بل هي حرب إسرائيل، فإننا سنركز على الموقف الإسرائيلي من الحرب. برأينا إن هناك معادلة تتحكم في قرار إسرائيل بالذهاب أو عدم الذهاب إلى الحرب، وهي أنها إذا شعرت بأن تكلفة القبول بالواقع الراهن الذي تشكله هذه التهديدات على وجود إسرائيل أعلى من تكلفة أي حرب تخوضها غداً، فهي ستذهب إلى الحرب. إن إسرائيل برأينا لم تصل إلى هذه اللحظة، بل إنها متيقنة من أن تكلفة أي حرب (بعد تجربة تموز 2006) ستكون أعلى بكثير من مخاطر وتهديدات الواقع الراهن.. كما أن أخطر هذه التهديدات من وجهة نظر إسرائيل (الملف النووي الإيراني) هو تهديد مستقبلي وليس آنياً أو لحظياً. وهنا توجد ثغرة يمكن أن يندلع منها خطر الحرب، وهي إذا قارنت إسرائيل التهديد المستقبلي بفرصة متوفرة هي وجود بوش وديك تشيني في البيت الأبيض. هنا قد تغامر إسرائيل بدخول حرب مع أي طرف وبالذات حزب الله لتقول للولايات المتحدة أن هناك خطراً على وجودها وتجبر إدارة بوش على دخول الحرب. لكننا نعتقد أن احتمال حدوث مثل هذا السيناريو يبقى ضئيلاً، وأن إسرائيل، برأينا، ما زالت تعتبر بأن لديها متسعاً من الوقت للتعامل مع مكونات هذا التهديد الوجودي بطريقة أخرى، طريقة التفكيك والمحاصرة أو شراء الوقت لمراقبة أوضاع المنطقة وتحصين جبهتها الداخلية التي تعتبر النقطة الأضعف في حروبها بعد حرب تموز 2006. من هنا، فهي تطرق باب التسوية مع سوريا وتبدي استعدادها للتخلي عن كامل الجولان، وهو عرض جدي برأينا، رغم حاجة إسرائيل الماسة للجولان من الناحية الاستراتيجية، ومسألة المياه. لكن حاجة إسرائيل إلى عزل إيران، ومحاصرة حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، أشد من أي حاجة أخرى في هذه المرحلة.. لكن ما هو الثمن المطلوب لذلك؟ هناك في إسرائيل من يعتقد، لاسيما المؤسسة العسكرية والأمنية أن الثمن إذا كان هو عودة الجولان فينبغي دفعه لتحقيق هذه الأهداف وعلاوة عليها (السلام) مع سوريا كمقدمة للسلام الشامل والتطبيع مع باقي العرب. أي أن بذلك ربما تريد أن تعيد تجربة سيناء مع مصر، حيث أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وأعادت لها سيناء ولم تعدها، من خلال الترتيبات الأمنية.. وفعلت ذات الشيء، وبدرجة أقل، مع قطاع غزة، حيث خرجت من القطاع ولم تخرج منه، لأن السيادة بقيت في يدها.. الآن هي قد تفكر في إبعاد سوريا عن إيران وإخراجها من محور المقاومة والممانعة في المنطقة، من خلال إعادة الجولان، عبر ترتيبات أمنية تعيد بها نموذج سيناء، بأن تخرج منها ولا تخرج!
أما علاقة هذا الموضوع بالملف الفلسطيني فهي في اعتقادنا أكبر وأخطر من مجرد المناورة أو اللعب على المسارات وإن كان هذا موجوداً أيضاً.. إن الرأي الإسرائيلي القائل بإعادة الجولان إلى سوريا هو موقف يستبطن استعداد إسرائيل لاحتمال انهيار التسوية وانهيار السلطة.. هناك فرق بين أن تنهار التسوية والسلطة، فيما قوى المقاومة في فلسطين، تجد في الموقف الإيراني والسوري وحزب الله حاضنة لها وللمقاومة، أو أن تنهار التسوية وهذا المحور مفكك، أو تكون سوريا في حالة (سلام) مع إسرائيل، حتى أصحاب مشروع التسوية في فلسطين يضيق عليهم الخناق عندها وتصبح آفاق مشروعهم محدودة جداً، أي أن التسوية مع سورية تحاصر التسوية والمقاومة في فلسطين وهذا ليس جديداً على التفكير الإسرائيلي.
وبرغم جدية طرح رئيس وزراء العدو برأينا وحاجته هو شخصياً للتسوية مع سوريا وحاجة الوسيط التركي لذلك، إلا أن هناك عقبات تواجه هذا الموضوع أهمها الموقف الأمريكي من سوريا، والمعارضة الإسرائيلية الداخلية، وكذلك الموقف السوري الذي يعرف جيداً أساليب المراوغة الإسرائيلية ويدرك الفرق بين علاقته بإيران وحزب الله ووجوده في محور الممانعة للسياسة الأمريكية في ظل احتلال العراق، والثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل قطع هذه العلاقة وإخراجه من هذا المحور. لذلك أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً حتى تتضح الصورة، فالحلبة الداخلية الإسرائيلية، لاسيما السياسية، لا تبدو مهيأة لقبول هكذا مشروع، والسباق بين السياسيين في إسرائيل حتى انتخابات عام 2010 هو سباق على التشدد والاستعداد للحرب وليس على التسوية أو صنع السلام! كما أن الموقف الأمريكي يشكل عنصراً أساسياً في هذا الأمر، فإذا فاز الجمهوريون في الانتخابات الأمريكية القادمة ولم يتم التوصل إلى تسوية في الملف النووي الإيراني فأنا أعتقد أن الحرب في المنطقة حتمية، ليس بالضرورة هذا العام، وليس مهماً على أي جبهة (الإيرانية أو السورية أو اللبنانية) لكنها حتماً قادمة. ويظل الملف النووي الإيراني هو كلمة السر في نظر إسرائيل والإدارة الأمريكية. عندما تحدثت بعض المصادر بأن الولايات المتحدة قد تهاجم إيران في كل الأحوال وقد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية في حربها، تعجب يومها وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو في نيسان 2006 قائلاً بأن هذا سيكون عملاً "جنونياً تماما" لكنه فقد منصبه بعد شهر من هذا الكلام! وهناك اعتقاد واسع في الغرب بأنه لم يقل ذلك إلا بعد سماعه بأن الهجمات النووية سوف تحدث فعلاً!
وحتى لو حدث مفاجآت، تغير مجرى الأمور في المنطقة، ولجأت إسرائيل إلى إبعاد سوريا عن إيران وحزب الله وفلسطين وقبلت بتسوية حول الجولان تبقى المشكلة الأساسية في المنطقة هي قضية فلسطين.. لقد خرجت مصر من الصراع واستعادت سيناء ولم ينته الصراع، وقد تعود الجولان غداً إلى سوريا، لكن لن ينتهي الصراع لأن أساسه ومحوره فلسطين ونحن مطمئنون بأن سوريا لن تساوم على حق الأمة في فلسطين كما لم تساوم على شبر من الجولان، لأن سوريا تدرك أكثر من غيرها بأن الخطر الذي كان يتهددها ويتهدد الأمة كلها ولا زال لم يكن ضياع الجولان أو احتلال غزة بل وجود إسرائيل على الخريطة وفي الجوار. والصراع مع المشروع الصهيوني وإسرائيل، كما يتعلم أطفال المدارس في سوريا هو صراع وجود وليس صراع حدود. كما أن الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل، لم تمتلكها لتردع بها الشعب الفلسطيني، ولا لتقصف بها غزة أو رام الله، أو حتى تضرب بها دمشق أو بيروت، إنها موجودة لتهديد كل عربي وكل مسلم إلى أقاصي الأرض، وبالذات مصر والسعودية، لما يمثلانه من ثقل في العالم العربي. وإسرائيل هي كما قال موشيه ديان يوماً "بأنها يجب أن تظل مثل كلب مجنون في المنطقة"، فخطر هذا الكلب المجنون لا ينحصر في الشعب الفلسطيني رغم أنه ينهش لحمه على مدار الوقت. إن خطر إسرائيل لا يستثني أحداً، وبعد احتلال أفغانستان والعراق، وتهديد إيران وسوريا، فنحن أمام مشروع صهيوني أمريكي مركب وشرس يهدف إلى إخضاع المنطقة بكاملها.. ولا يمكن الرد عليه أو مواجهته بتحويل الأنظار عن خطر إسرائيل، وخلق أخطار وهمية، سواء بين بعض العرب ضد البعض الآخر، أو بين العرب وإيران.
إن إسرائيل رغم بلوغها عامها الستين، تدرك أن الاعتراف العربي الرسمي بها هو مجرد اعتراف من الأنظمة بالعجز أمام المشروع الصهيوني، وأن القبول العربي النهائي والتاريخي بوجود إسرائيل لم يتحقق ولن يتحقق؛ لأن هذا الأمر بيد الشعوب، وليس بيد الحكام، والأمر كله أولاً وأخيراً بيد الله عز وجل (لله الأمر من قبل ومن بعد) وقد وعدنا الله الذي لا يخلف وعده، بأن إسرائيل لن تدوم وهي بإذن الله إلى زوال (فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً).
الحوار على موقع فلسطين اليوم، وأنصح كل اخ أن يقرأ هذا الحوار الهام بتمعن ويرسله الى كل مسلم على وجه الأرض.
حفظ الله الدكتور رمضان محافظا على نهج حركة الجهاد الاسلامي وخير خلف للامين العام الشهيد المعلم فتحي الشقاقي، ومكنه الله من الارتقاء بالحركة لتكــــــــــون طليعة الأمة في وجه العلو والافساد اليهودي حتى تحقيق الوعد الالهي في سورة الاسراء.
رابط الحوار على موقع فلسطين اليوم:
http://paltoday.com/arabic/news.php?id=68146
أهم اجابتين مع الـتأكيد على أهمية الحوار ككل:
ـ يعتقد البعض أن هناك تطوراً حاصلاً في الفكر السياسي لحركة حماس وأنها ربما تحاول استنساخ تجربة حركة فتح، حيث أعلنت قبولها لدولة فلسطينية في حدود 67، وفي لقاء قياداتها بكارتر في دمشق أبدت استعدادها لقبول أي حل نهائي يوقعه محمود عباس شريطة أن يعرض على الشعب الفلسطيني في استفتاء. حركة الجهاد من جانبها اعتبرت ذلك أمراً "في غاية الخطورة"، ما هي حقيقة موقف الجهاد من هذه التطورات، وهل ترفضون مبدأ الاستفتاء، وما هي الاستراتيجية التي تمتلكها حركة الجهاد على مستوى المشروع السياسي لحل القضية الفلسطينية مقابل استراتيجية مؤيدي التسوية، واستراتيجية حماس، خاصة أن البعض يتهمكم بأن حركة الجهاد الإسلامي لا تملك استراتيجية وليس لديها سوى الرفض؟
ـ دعني أبدأ بسؤال الاستراتيجية، وإذا جاز لي أن أتحدث بمنطق الدفاع عن النفس أمام الاتهام بعدم امتلاك استراتيجية، فأستطيع أن أقول بكل ثقة وتواضع أن لا أحد يملك استراتيجية مثلما تملك حركة الجهاد الإسلامي، هذا إذا سلمنا بأن الاستراتيجية تعني امتلاك رؤية ينبثق منها أهداف وطريق ووسائل وأدوات لتحقيق الأهداف.. المشكلة أن البعض لا يقبل بهذا التوصيف للاستراتيجية. المناخ السائد اليوم يطالبك بأن تتحدث بلغة الصفقات القابلة للتسويق السياسي في بورصات السياسة العالمية، وإلا فأنت متهم بأنك لا تملك استراتيجية! نعم، نحن نملك رؤية حول الصراع على فلسطين، تنبع من رؤيتنا للعالم وموقع أمتنا وأعدائنا على الخريطة الكونية ومستقبل هذا الصراع ومستقبل هذه الخريطة، وفق الفعل الإنساني المنسجم والسنن الكونية والتاريخية التي وضعها خالق هذا الكون سبحانه وتعالى الذي نؤمن بأنه، كما جاء في القرآن الكريم (في السماء إله وفي الأرض إله) أما من يعتقدون بألوهية الخالق في السماء، وألوهية أمريكا في الأرض اليوم، فلا ننتظر منهم أن يشهدوا لنا بامتلاك استراتيجية. رؤيتنا للعالم، ولأنفسنا كعرب وكمسلمين، ولفلسطين ولإسرائيل التي قامت على أنقاضها في قلب الأمة والعالم، يجعلنا نصر وبكل بساطة على أن الهدف الاستراتيجي لنا هو تحرير فلسطين كل فلسطين. أي أن استراتيجيتنا هي "استراتيجية تحرير" لكننا ندرك أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى الراهنة، وأنه في كل الأحوال ليس مهمة حركة الجهاد وحدها بل مهمة الأمة كلها. برغم ذلك، لا يمكن أن نتنازل عنه مهما كان الظرف. أما طريق بلوغ الهدف، فهو بكل بساطة الجهاد أو المقاومة والكفاح المسلح. وهذا الطريق قد تسلكه الحكومات والجيوش من خلال "الحروب النظامية"، وقد حدث وخاضت الأمة حروباً من أجل فلسطين، وقد تسلكه الشعوب عبر خيار المقاومة الشعبية المسلحة. قد تتوقف الحروب النظامية، وتستمر المقاومة الشعبية المسلحة، وقد يتوقف الاثنان معاً، لكننا، بأي حال من الأحوال، لن نتخلى عن إرادة التحرير وإرادة الجهاد والمقاومة ونستبدلهما "بإرادة التسوية" بل إن "إرادة التحرير" هي التي تولد "إرادة المقاومة". أما عندما يتم تيئيسنا من هدف التحرير فلا أحد سيفكر في أن يطلق طلقة واحدة أو يعد العدة لذلك، وهذا هو ما وصل إليه شخص مثل رئيس السلطة محمود عباس ومن حوله. أما نحن فنقول إذا تعذر التحرير أو تعذر الجهاد من أجله، فالبديل هو الصبر والصمود إلى أن يأذن الله بحال أحسن من هذا الحال، أما أن يستغل الأعداء سوء أحوالنا فيأخذوا توقعينا بالتنازل عن حقنا في وطننا، فهم لن ينالوا ذلك منا بإذن الله ولو على شبر من أرضنا.
هذا من الناحية المبدئية، أما من الناحية العملية، ففي نضالنا وحركتنا السياسية، فقد أثبتت الوقائع بأن حركة الجهاد كانت ولازالت هي الأكثر انسجاماً في الساحة الفلسطينية مع مبادئها ومنطلقاتها وأهدافها في كل خطوة وكل موقف عبرنا عنه، حيث رفضنا الانزلاق إلى أي برنامج أو مشروع سياسي يمكن أن يبعدنا عن أهدافنا أو أن يحرف بوصلتنا عن اتجاهها. وهذا لا يعني أننا لا نعاني من عقبات أو عثرات أو قصور، فالكمال لله وحده.
أما بالنسبة لمواقف الأخوة في حركة حماس والتطور في فكرها السياسي نحو القبول بالمرحلية وتجزئة الأهداف، فإننا وإن كنا لا نقول باستنساخها تجربة حركة فتح، فمن المهم أن نستفيد نحن في الحركة الإسلامية من هذه التجربة.. الأخوة في فتح وخلال عشرين سنة من انتصار العرب الجزئي في تشرين/ أكتوبر 1973 إلى نكبة أوسلو 1993، وفلسطينياً من البرنامج المرحلي إلى اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وهي تحتل كامل التراب الفلسطيني، قد أكملوا دورة مروعة من الهبوط خلال هذا المدى الزمني القصير من عمر صراع تاريخي طويل كالصراع على فلسطين. منذ برنامج النقاط العشر قالوا إن التنازل الجزئي هو خطوة على طريق الحل نحو استعادة كامل الحق. ماذا كانت النتيجة، وماذا كان حصاد عقدين من هذه التجربة؟ لقد تحول التنازل الجزئي إلى خطوة على طريق التنازل الكلي.. وهذه برأينا نتيجة حتمية.. لأنك في اللحظة التي تضع فيها أقدامك على طريق هذه اللعبة السياسية، فستجد نفسك مع الوقت أسيراً لها ومحكوماً لقوانينها، وهي لعبة صممت في ظل موازين قوة لا تسمح لك بغير التنازل وتجريدك من حقك، لكن بشكل سياسي مخادع كي يبدو التنازل مقبولاً.. وهذا أمر طبيعي، فلو كان ميزان القوة هو في صالح العرب والفلسطينيين، كما هو في صالح إسرائيل، أظن لاختفت إسرائيل كدولة عن الخريطة منذ زمن. لكن هذا لم يحدث لأن قادة المشروع الصهيوني كانوا يعرفون ماذا يريدون كما أسلفنا. وإذا قارنا مسيرة المشروع الصهيوني بتجربة حركة التحرر العربي أو حركة التحرر الوطني الفلسطيني، نجد أن الفارق كبير إلى حد الذهول. فمن المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا عام 1897 حتى إقامة الكيان عام 1948 لم يغير المشروع الصهيوني أهدافه ولم يتراجع عن إقامة الكيان بالحرب والقنال. وحين انعقد المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرون بالقدس عام 1951 بعد إقامة الكيان، أصبح الهدف هو دعم وحماية إسرائيل ودعوة مزيد من يهود العالم للهجرة إليها، وفق ما سمي بقانون العودة الذي استصدره بن غوريون من الكنيست الإسرائيلي عام 1950. خلال 50 سنة (1897-1947) أنجز المشروع الصهيوني إقامة إسرائيل دون أن يغير حرفاً يتعلق بهذا الهدف. أما حركة التحرر العربي والوطني فخلال عشر سنوات (1964-1974) فماذا حل بميثاق منظمة التحرير وأهدافها؟ وخلال 30 سنة وصولاً إلى 1994 ماذا كان الحصاد؟ عادت قيادة منظمة التحرير إلى الضفة وغزة في ظل احتلال إسرائيل لها لتكون شريكة للعدو في حفظ أمنه وقمع المقاومة الفلسطينية التي وصموها بالإرهاب!
ما يهمنا في من كل هذا هو التحذير من الانزلاق إلى مربع كسر المحرمات السياسية.. عندما وافق عبد الناصر مثلاً على مشروع روجرز عام 1970 وقبل بالتفاوض مع إسرائيل على أساس قرار 242 الذي يعني الاعتراف بإسرائيل، رفضت حركة فتح ذلك، بدافع أن منطق الثورة غير منطق الدولة، أي أن منطق وخيارات "فتح الثورة" غير منطق وخيارات "مصر الدولة". لكن كسر المحرمات من زعيم عربي بوزن جمال عبد الناصر زرع بذرة القبول بإسرائيل لدى الطرفين "مصر الدولة"، و"فتح الثورة". وهذا ما أثمر توقيع كامب ديفيد ومعاهدة الصلح على يد السادات عام 1979، وتوقيع أوسلو والاعتراف الفلسطيني الرسمي بإسرائيل عام 1993.
الذين يتحدثون عن استنساخ حماس لتجربة فتح يعتقدون أن حماس تحاول اختصار الزمن وحرق المراحل. برأينا ليس المهم قياس الزمن في هذه المسألة، المهم أن نحدد نقطة التحول أو بداية انعطاف المسيرة. لقد سبق أن قلنا في غير هذه المناسبة بأن نوعاً من خلط الأوراق قد حدث في الساحة الفلسطينية، منذ دخول حماس الانتخابات والحكومة، أو ما يسميه قادتها "اللعبة الديمقراطية".. منذ ذلك التاريخ، أصبح لدى المراقب صورتان لحماس: "حماس السلطة"، و"حماس المقاومة"، وهما صورتان مختلفتان، لأن السلطة شيء، والمقاومة شيء آخر. أحياناً لا يستطيع المراقب أن يميز من الذي يتحدث؟ "حماس السلطة"؟ أم "حماس المقاومة"؟ حتى اللحظة تحاول حماس المحافظة على مسافة بين الصورتين أو أن تضبط العلاقة بينهما، لكنها عملية شائكة وشاقة، أن تجمع بين النقيضين، السلطة والمقاومة، وأن ترسم بدقة الحدود الفاصلة بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وما هي الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها، فهذه فعلاً مسألة شاقة وخطرة.
لو أخذنا مسألة الاعتراف أو عدم الاعتراف بإسرائيل مثلاً، فهي تنتمي إلى البعد الاستراتيجي في إدارة الصراع.. أي أنها من المسائل الاستراتيجية التي لا يمكن المناورة فيها أو المساس بها، لا بشكل مباشر أو غير مباشر.. بالنسبة لحماس فهي مازالت صامدة في هذه النقطة، لهذا نحن نعلن دعمنا وتأييدنا لها في ذلك رغم عدم انخراطنا في السلطة من قريب أو بعيد.. لكن عندما تصدر عن حماس أحياناً مواقف ملتبسة قد يفهم منها بأنها تعني ضمناً الاعتراف بإسرائيل، مثل القبول بدولة في حدود 67، فإننا نقترب من دائرة الخطر والمساس بالاستراتيجي. وحين تسارع حماس إلى التأكيد على أن قبول دولة في حدود 67 لا يعني اعترافها بإسرائيل، وهذا ما نعتقد أنه موقف حماس، فإن طرح حماس لفكرة الدولة في حدود 67 يصبح لا قيمة له في نظر من تستهدفهم بهذا الخطاب، برغم ذلك، يظل ضرر مثل هذا الخطاب برأينا أكبر من نفعه، لأنه لن ينفع "حماس السلطة" ويضر "بحماس المقاومة". بدليل أننا نجد شخصيات يهودية استراتيجية مثل هنري كيسنجر، وشلومو غازيت وآري شبيط وغيرهم يطالبون بتجاهل اعتراف أو عدم اعتراف حماس بإسرائيل، بل يدعون إلى الاعتراف بها والدخول في حوار معها حول التسوية.. لماذا؟! ليس فقط لأن حماس قوة لها وزنها في الساحة الفلسطينية، بل أيضاً لأن هؤلاء يعنيهم بالدرجة الأولى أن يعم خطاب وثقافة التسوية وتصبح مناخاً عاماً يشارك فيه الجميع في المنطقة.. إنهم بمثل هذه المواقف يقولون ببساطة دعنا ندخل حماس إلى حلبة التسوية لتصبح لاعباً في ورشة غسيل الدماغ التي افتتحتها حركة فتح في المنطقة، لكنها ورشة مازالت تفتقر إلى الشرعية في نظر الشعوب التي تكره وترفض إسرائيل. وعندما تتكلم حماس الإسلام والمقاومة، بلغة أصحاب هذه الورشة فالأمر بالطبع مختلف عن الآخرين!
مثلاً، عندما يقول قائد كبير في حماس "لا سلام بدون حماس" على غرار "لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا" ماذا يعني هذا الخطاب؟ وأي سلام هو المقصود هنا؟!
نحن نعرف أن هناك السلام الذي تريده إسرائيل، وهو سلام ليس فيه فلسطين، بل هو "السلام مقابل الطعام" كما قيل في زمن السادات.. ومعناه أن يتنازل الفلسطينيون عن معظم أرضهم وكامل السيادة عليها، مقابل أن يسمح لهم بالعيش على فتات منها ككائنات بشرية تأكل وتشرب فقط! وهناك سلام النظام العربي وسلطة أوسلو وهو سلام فيه إسرائيل، وفلسطين جديدة، على فتات الأرض الفائضة عن حاجة إسرائيل الأمنية ومهمتها ضمان وحفظ أمن إسرائيل، أي أنه لا يختلف في جوهره عن سلام إسرائيل! وهناك سلام حماس الذي فيه فلسطين كاملة من النهر إلى البحر ولا إسرائيل فيه.. كلنا يعلم أن موازين القوى، التي لا تسمح بتحقيق سلام النظام العربي وسلطة أوسلو، لا يمكن بل من المستحيل أن تسمح بتحقيق سلام حماس.. برغم ذلك، فالغرب وإسرائيل والنظام العربي سيرحبون بمثل هذا الخطاب، لأنه عندما يصدر عن حماس أو حتى عن أي شخص في حماس في وقت يزدحم فيه عالم السياسة بالحديث عن مفاوضات الحل النهائي، وكلنا يعلم أن هذا الحل، مهما كان شكله، إنما يتأسس ويقوم على الاعتراف النهائي بوجود إسرائيل، فهذا الخطاب مهما كانت النوايا خلفه، فإنه يصب في النهاية في خانة مشروع التسوية ويعزز رصيده، من خلال إشاعة خطاب التسوية ولغته ومفرداته. ولا أظن أن حماس تريد ذلك أو يريده لها جمهورها وحلفاؤها وكل من يراهن عليها..
وهنا نقترب من موضوع الاستفتاء على أي حل نهائي يتوصل إليه محمود عباس مع إسرائيل. من حيث النوايا، لسنا قلقين على جوهر موقف الأخوة في حماس، وأنا أعرف أن خطاب حماس هو نوع من المناورة السياسية، لكن هذا يستوجب سؤالاً هاماً، هل "الحل النهائي" ضمن عملية التسوية الجارية يدخل في الاستراتيجي أم في التكتيكي؟ وهذا سؤال أظن أن الجميع يعرف إجابته أو ليس بحاجة إلى إجابة! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما هو الموقف من مسألة الاستفتاء، سواء من حيث المبدأ أو في التطبيق؟ إذا كان المقصود بالاستفتاء هو سماع رأي الناس في أمر ما، فلا مانع لدينا في ذلك، فهذه هي الشورى وهي واجبة ولا جدال في هذا (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر).. لكن السؤال يبقى أي أمر؟ ومن نشاور فيه؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال، فالكل يعرف أن الأمر المطروح للاستفتاء ليس مادة من مواد الدستور في دولة مستقلة ذات سيادة كما يحدث في بعض الدول، ولا الموقف من توحيد العملة كما حدث في أوروبا، ولا الموقف من الإجهاض كما يجري في بلدان ديمقراطية علمانية، المعروض علينا في فلسطين أن نسأل الناس أو نستفتيهم فيما إذا كانت فلسطين لنا أم لا؟ وهذا هو المقصود بمقولة "لا يستفتى على الثوابت" نحن نقول ذلك، وحماس تقوله، وثوابتنا هي فلسطين كل فلسطين.. لكن الإشكال يكمن في أن لا أحد سيسألنا بصيغة إن كانت فلسطين لنا أم لا؟ بل إن السؤال الموجه لشعبنا، مهما كانت صيغته، سيكون معناه ومغزاه هل ترضى بالموت والجوع والحصار الذي تتعرض له، أم تقبل بحل تتنازل فيه عن جل أرضك وحقك، ونرفع عنك الموت والجوع والحصار، وتعيش في كيان مسخ بعلم ونشيد وطني، يحقق حلم وشعار "السلام مقابل الطعام"؟!. في الموقف من هكذا استفتاء، يقول الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "لا تسألوا من ليس في بيته دقيق" وهذا يعني أن الشعب الجائع والذي تغوص سكين الاحتلال في لحمه ودمه لا يسأل، والموت فوق رأسه وواقع عليه، عن مصير ومستقبل فلسطين.
أما بخصوص من نسأل أو من يشملهم الاستفتاء؟ هل يشمل جزءاً من الشعب الفلسطيني، أي أهل الضفة والقطاع؟ أم كل الشعب الفلسطيني في كل مكان؟ أم كل العرب والمسلمين؟ فجوابنا هو ما أجابت به حماس عن هذا السؤال في ميثاقها، حين قالت إن فلسطين أرض وقف إسلامي، أي إنها ملك لكل العرب والمسلمين.. والمعروف أن الوقف لا يخص جيلاً بعينه، أي أن فلسطين ملك لكل الفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين بكل أجيالهم، وعليه، فلا يمكن للجيل الحالي في ظل واقع الضعف والهزيمة واختلال موازين القوى أن يستفتى ليقرر مصير فلسطين، ويصادر حق الأجيال القادمة فيها، ويوصد الطريق أمامهم، ويمنعهم من امتلاك القوة لإنجاز التحرير.
لهذا، كان موقف حركة الجهاد اعتبار القبول بمبدأ الاستفتاء على أي حل نهائي لقضية فلسطين أمر في غاية الخطورة.. خاصة إذا جاء الطرح من حركة مثل حماس التي مازالت موضع ثقة واحترام الملايين من شعوب العرب والمسلمين.
وقبل هذا كله يجب أن لا ننسى أن اتفاق أوسلو وما أفرزه من واقع لم يأت باستفتاء ولم تستشر حركة فتح أو قيادة منظمة التحرير أحداً في الشعب الفلسطيني.. فإذا كانوا لم يستفتوا أحداً في بداية الصفقة الحرام، صفقة أوسلو، لماذا يطرح الاستفتاء على نتائجها الكارثية؟! وإذا كان العالم كله جاد في اعتبار الاستفتاء طريقاً لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه فليعطوا الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، لا أن يعقدوا صفقات مع العدو في غرف مغلقة، كثمرة لميزان القوة المختل لصالح إسرائيل، ثم يريدون رأي الشعب الفلسطيني فيما هو مفروض عليه بقوة السلاح.. لقد وعدوا الشعب الفلسطيني في بداية أوسلو بسنغافورة جديدة، لكنهم نسوا أو تناسوا أن دولة سنغافورة اقتطعت من ماليزيا المسلمة عندما أعطى السكان الصينيون الذين جلب معظمهم جلباً لهذه الغرض، الحق في تقرير المصير وقرروا الانفصال عن ماليزيا ونشأت سنغافورة.. في الحالة الفلسطينية وعدونا بسنغافورة تحت الاحتلال لا بعد التحرير أو نتيجة لممارسة حق تقرير المصير، وهذا نموذج للظلم والزيف والتضليل الذي يمارس بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية الصراع، ويريدوننا أن نشارك فيه أو أن نكون جزءاً من طقوس التضليل هذه! لكننا مهما كان الظرف لن نكون جزءاً من هذه اللعبة، لأننا لا نقبل بأن يستفتى حتى كل الشعب الفلسطيني على حق الأمة في فلسطين، وحديثنا عن حق تقرير المصير هو لبيان فداحة الظلم وبشاعة الازدواجية التي يمارسها الغرب وربيبته إسرائيل بحق شعبنا وأمتنا. أما مصير فلسطين فهو مسؤولية الأمة كلها، لأنها بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وكما نقول دائما "آية من الكتاب" والذي يفرط فيها يفرط في الكتاب، والذي يستفتي الناس عليها هو كمن يستفتيهم على الكتاب!
أختم وألخص الحديث في هذا السؤال بالقول: نعم، نحن لدينا رؤية واستراتيجية، لكن لا يكفي أن يقتنع بها أبناء الجهاد الإسلامي ويصنفها الآخرون استراتيجية رفض مع ما في ذلك من ظلم وإجحاف بحقنا، وحماس لديها تطور في رؤيتها ومواقفها، لكن البعض يخشى عليها من استنساخ تجربة حركة فتح.. حتى نخرج من هذه المفارقات، ومن المأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، ينبغي أن نضع النقاط على الحروف ونقر بأن هناك مشروعين وبرنامجين في الساحة الفلسطينية: برنامج التسوية، وبرنامج المقاومة. وكي لا يتحول برنامج المقاومة، من حيث ندري أو لا ندري، في خدمة التسوية، لابد من صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة، "استراتيجية التحرير" في مقابل "استراتيجية التسوية" التي يتبناها النظام العربي ومنظمة التحرير.. نحن ندرك أن حماس والجهاد وقوى المقاومة لا يستطيعون تحقيق ما عجزت عنه الأمة كلها في هذا العصر، لكن هدف التحرير ينبغي أن لا يسقط. من هنا، فإننا ومن باب حرصنا على حركة حماس الشقيقة كشريك استراتيجي في برنامج المقاومة، وكفصيل يتصدى لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، نقول إن استراتيجية المشاركة في السلطة أو ازدواجية الصورة بين "حماس السلطة" و"حماس المقاومة" بحاجة إلى مراجعة، والعمل على صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة كي لا تتبدد الطاقات والجهود، ولا يذهب حصاد الدماء والتضحيات إلى طاحونة الأعداء والخصوم من حيث ندري أو لا ندري؛ استراتيجية تقوم على الفصل بين ممارسة السلطة تحت مظلة أوسلو والاحتلال، وممارسة المقاومة ضده، فالسلطة شيء والمقاومة شيء آخر، فلتبق السلطة بكل مساوئها لأهل السلطة، ولتبق المقاومة بكل بريقها ونظافتها لأهل المقاومة، وليقم بين أهل المقاومة وأهل السلطة من أبناء الشعب الواحد، ما تقتضيه المصلحة والضرورة من تعايش لا صدام، ليبقى الصدام مع العدو الصهيوني وحده.
ـ هل تعتقدون أن العدو قد يبادر إلى شن حرب جديدة على مستوى المنطقة، ضد إيران وسوريا وحزب الله في المدى المنظور، وكيف تنظرون إلى إعلان رئيس وزراء العدو استعداد كيانه للانسحاب الكامل من الجولان، وما مدى جدية هذا الطرح، هل هو مجرد مناورة في مواجهة المسار التفاوضي الفلسطيني أم أنه سيفتح فعلاً باباً للسلام مع سوريا أم أن المنطقة مازالت مفتوحة على احتمال الحرب؟
ـ لفهم هذا الموضوع الشائك والحساس، ولأن الموضوع أولاً وأخيراً يتعلق بإسرائيل وأمنها، علينا أن نبدأ بالقراءة الإسرائيلية للمنطقة خاصة بعد هزيمتها في حرب تموز/ يوليو عام 2006. إسرائيل تعتبر أنها على أعتاب الدخول، إن لم تكن دخلت، لمرحلة الخطر الوجودي أمام جملة من التهديدات، أولها ما تسميه تهديد الملف النووي الإيراني، وتهديد حزب الله وقوته الصاروخية، والتهديد الفلسطيني بشقيه المقاومة الفلسطينية والحالة الإسلامية التي تمثلها حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة والضفة الغربية، وفلسطينيي 48 في قلب الكيان؛ ثم سوريا التي هي حليف لكل هؤلاء وأرضها محتلة وتعيد بناء قوتها العسكرية.
كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه التهديدات؟ كثيرون كانوا يعتقدون ولازالوا بأن الحرب قد تندلع في المنطقة قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بوش مع نهاية عام 2008، سواء بضربة أمريكية لإيران أو بحرب إسرائيلية ضد حزب الله أو سوريا. ولاعتقادنا أن الحرب تجاه أي من هذه الأطراف ستمس بإسرائيل في كل الأحوال، بل هي حرب إسرائيل، فإننا سنركز على الموقف الإسرائيلي من الحرب. برأينا إن هناك معادلة تتحكم في قرار إسرائيل بالذهاب أو عدم الذهاب إلى الحرب، وهي أنها إذا شعرت بأن تكلفة القبول بالواقع الراهن الذي تشكله هذه التهديدات على وجود إسرائيل أعلى من تكلفة أي حرب تخوضها غداً، فهي ستذهب إلى الحرب. إن إسرائيل برأينا لم تصل إلى هذه اللحظة، بل إنها متيقنة من أن تكلفة أي حرب (بعد تجربة تموز 2006) ستكون أعلى بكثير من مخاطر وتهديدات الواقع الراهن.. كما أن أخطر هذه التهديدات من وجهة نظر إسرائيل (الملف النووي الإيراني) هو تهديد مستقبلي وليس آنياً أو لحظياً. وهنا توجد ثغرة يمكن أن يندلع منها خطر الحرب، وهي إذا قارنت إسرائيل التهديد المستقبلي بفرصة متوفرة هي وجود بوش وديك تشيني في البيت الأبيض. هنا قد تغامر إسرائيل بدخول حرب مع أي طرف وبالذات حزب الله لتقول للولايات المتحدة أن هناك خطراً على وجودها وتجبر إدارة بوش على دخول الحرب. لكننا نعتقد أن احتمال حدوث مثل هذا السيناريو يبقى ضئيلاً، وأن إسرائيل، برأينا، ما زالت تعتبر بأن لديها متسعاً من الوقت للتعامل مع مكونات هذا التهديد الوجودي بطريقة أخرى، طريقة التفكيك والمحاصرة أو شراء الوقت لمراقبة أوضاع المنطقة وتحصين جبهتها الداخلية التي تعتبر النقطة الأضعف في حروبها بعد حرب تموز 2006. من هنا، فهي تطرق باب التسوية مع سوريا وتبدي استعدادها للتخلي عن كامل الجولان، وهو عرض جدي برأينا، رغم حاجة إسرائيل الماسة للجولان من الناحية الاستراتيجية، ومسألة المياه. لكن حاجة إسرائيل إلى عزل إيران، ومحاصرة حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، أشد من أي حاجة أخرى في هذه المرحلة.. لكن ما هو الثمن المطلوب لذلك؟ هناك في إسرائيل من يعتقد، لاسيما المؤسسة العسكرية والأمنية أن الثمن إذا كان هو عودة الجولان فينبغي دفعه لتحقيق هذه الأهداف وعلاوة عليها (السلام) مع سوريا كمقدمة للسلام الشامل والتطبيع مع باقي العرب. أي أن بذلك ربما تريد أن تعيد تجربة سيناء مع مصر، حيث أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وأعادت لها سيناء ولم تعدها، من خلال الترتيبات الأمنية.. وفعلت ذات الشيء، وبدرجة أقل، مع قطاع غزة، حيث خرجت من القطاع ولم تخرج منه، لأن السيادة بقيت في يدها.. الآن هي قد تفكر في إبعاد سوريا عن إيران وإخراجها من محور المقاومة والممانعة في المنطقة، من خلال إعادة الجولان، عبر ترتيبات أمنية تعيد بها نموذج سيناء، بأن تخرج منها ولا تخرج!
أما علاقة هذا الموضوع بالملف الفلسطيني فهي في اعتقادنا أكبر وأخطر من مجرد المناورة أو اللعب على المسارات وإن كان هذا موجوداً أيضاً.. إن الرأي الإسرائيلي القائل بإعادة الجولان إلى سوريا هو موقف يستبطن استعداد إسرائيل لاحتمال انهيار التسوية وانهيار السلطة.. هناك فرق بين أن تنهار التسوية والسلطة، فيما قوى المقاومة في فلسطين، تجد في الموقف الإيراني والسوري وحزب الله حاضنة لها وللمقاومة، أو أن تنهار التسوية وهذا المحور مفكك، أو تكون سوريا في حالة (سلام) مع إسرائيل، حتى أصحاب مشروع التسوية في فلسطين يضيق عليهم الخناق عندها وتصبح آفاق مشروعهم محدودة جداً، أي أن التسوية مع سورية تحاصر التسوية والمقاومة في فلسطين وهذا ليس جديداً على التفكير الإسرائيلي.
وبرغم جدية طرح رئيس وزراء العدو برأينا وحاجته هو شخصياً للتسوية مع سوريا وحاجة الوسيط التركي لذلك، إلا أن هناك عقبات تواجه هذا الموضوع أهمها الموقف الأمريكي من سوريا، والمعارضة الإسرائيلية الداخلية، وكذلك الموقف السوري الذي يعرف جيداً أساليب المراوغة الإسرائيلية ويدرك الفرق بين علاقته بإيران وحزب الله ووجوده في محور الممانعة للسياسة الأمريكية في ظل احتلال العراق، والثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل قطع هذه العلاقة وإخراجه من هذا المحور. لذلك أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً حتى تتضح الصورة، فالحلبة الداخلية الإسرائيلية، لاسيما السياسية، لا تبدو مهيأة لقبول هكذا مشروع، والسباق بين السياسيين في إسرائيل حتى انتخابات عام 2010 هو سباق على التشدد والاستعداد للحرب وليس على التسوية أو صنع السلام! كما أن الموقف الأمريكي يشكل عنصراً أساسياً في هذا الأمر، فإذا فاز الجمهوريون في الانتخابات الأمريكية القادمة ولم يتم التوصل إلى تسوية في الملف النووي الإيراني فأنا أعتقد أن الحرب في المنطقة حتمية، ليس بالضرورة هذا العام، وليس مهماً على أي جبهة (الإيرانية أو السورية أو اللبنانية) لكنها حتماً قادمة. ويظل الملف النووي الإيراني هو كلمة السر في نظر إسرائيل والإدارة الأمريكية. عندما تحدثت بعض المصادر بأن الولايات المتحدة قد تهاجم إيران في كل الأحوال وقد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية في حربها، تعجب يومها وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو في نيسان 2006 قائلاً بأن هذا سيكون عملاً "جنونياً تماما" لكنه فقد منصبه بعد شهر من هذا الكلام! وهناك اعتقاد واسع في الغرب بأنه لم يقل ذلك إلا بعد سماعه بأن الهجمات النووية سوف تحدث فعلاً!
وحتى لو حدث مفاجآت، تغير مجرى الأمور في المنطقة، ولجأت إسرائيل إلى إبعاد سوريا عن إيران وحزب الله وفلسطين وقبلت بتسوية حول الجولان تبقى المشكلة الأساسية في المنطقة هي قضية فلسطين.. لقد خرجت مصر من الصراع واستعادت سيناء ولم ينته الصراع، وقد تعود الجولان غداً إلى سوريا، لكن لن ينتهي الصراع لأن أساسه ومحوره فلسطين ونحن مطمئنون بأن سوريا لن تساوم على حق الأمة في فلسطين كما لم تساوم على شبر من الجولان، لأن سوريا تدرك أكثر من غيرها بأن الخطر الذي كان يتهددها ويتهدد الأمة كلها ولا زال لم يكن ضياع الجولان أو احتلال غزة بل وجود إسرائيل على الخريطة وفي الجوار. والصراع مع المشروع الصهيوني وإسرائيل، كما يتعلم أطفال المدارس في سوريا هو صراع وجود وليس صراع حدود. كما أن الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل، لم تمتلكها لتردع بها الشعب الفلسطيني، ولا لتقصف بها غزة أو رام الله، أو حتى تضرب بها دمشق أو بيروت، إنها موجودة لتهديد كل عربي وكل مسلم إلى أقاصي الأرض، وبالذات مصر والسعودية، لما يمثلانه من ثقل في العالم العربي. وإسرائيل هي كما قال موشيه ديان يوماً "بأنها يجب أن تظل مثل كلب مجنون في المنطقة"، فخطر هذا الكلب المجنون لا ينحصر في الشعب الفلسطيني رغم أنه ينهش لحمه على مدار الوقت. إن خطر إسرائيل لا يستثني أحداً، وبعد احتلال أفغانستان والعراق، وتهديد إيران وسوريا، فنحن أمام مشروع صهيوني أمريكي مركب وشرس يهدف إلى إخضاع المنطقة بكاملها.. ولا يمكن الرد عليه أو مواجهته بتحويل الأنظار عن خطر إسرائيل، وخلق أخطار وهمية، سواء بين بعض العرب ضد البعض الآخر، أو بين العرب وإيران.
إن إسرائيل رغم بلوغها عامها الستين، تدرك أن الاعتراف العربي الرسمي بها هو مجرد اعتراف من الأنظمة بالعجز أمام المشروع الصهيوني، وأن القبول العربي النهائي والتاريخي بوجود إسرائيل لم يتحقق ولن يتحقق؛ لأن هذا الأمر بيد الشعوب، وليس بيد الحكام، والأمر كله أولاً وأخيراً بيد الله عز وجل (لله الأمر من قبل ومن بعد) وقد وعدنا الله الذي لا يخلف وعده، بأن إسرائيل لن تدوم وهي بإذن الله إلى زوال (فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً).
تعليق