إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حصريا عاجل وهام / فيديو اعترافات العميل صالح أبوزيد !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • Bvbbbbbbbbbbbbbbbbbtrtttttttttt

    [QUOTE=aBo-JaNdaL!!;413420]السلام عليكم

    اعترافات العميل بالفيديو

    صيغة الفيديو Mp4
    يحتاج تشغيل برنامج الجوم بلير GOM PLAYER
    او برنامج تشغيل تصوير الجوال

    تفضلو الرابط

    يرجى الرد عالموضوع

    الرابط بالمرفقات

    22:2سرايا القدس عنوان المرحله القادمه

    تعليق


    • اللهم عليك بالعملاء

      تعليق


      • مشكوووووووووووووووووووووووووور

        وداعا أيا أحبابنا...فغدا نلقاكم في الفردوس الأعلى...بإذن الله

        أخوكم في الله ابن الإسلام العظيم أبو مؤمن

        تعليق


        • مشكوووووووووووووووووووووور

          تعليق


          • اللهم عليك بمن كان عينا على المجاهدين

            اللهم صل على سيدنا وحبيبنا محمد صلاة ترفعه للدرجة العالية الرفيعة وينل بها الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود وننل بها حبك يا ربنا ياالله وشفاعة حبيبك(أخوكم مهاجر في الله)

            تعليق


            • مشكووووووووووور وبارك الله فيك

              تعليق


              • علي ابناء سرايا القدس اعدامه فورا حتى يكون عبرة لمن يعتبر

                تعليق


                • بارك الله بالمجاهدين

                  تعليق


                  • حسبي الله وتعم الوكيل

                    تعليق


                    • مشكوررررررررررررررررررررررررررر

                      تعليق


                      • ان شاء تقوم قيادة سرايا القدس باعدام العميل

                        لكي يكون عبرة لمن يعتبر

                        حسبنا الله ونعم الوكيل

                        تعليق


                        • جيد وشكرا تحياتي

                          [glow=000000]مع تحيات أخوكم القفص[/glow]

                          تعليق


                          • مشكور اخي الكريم .
                            باذن الله ستبقى سرايا القدس شوكة في حلق الصهاينه وعملائهم الكلاب

                            تعليق


                            • الله يعطيكم ألف عافية

                              تعليق


                              • الدكتور رمضان شلح يدلي بحوار هام جدا يشكل اضافة نوعية للفكر الاسلامي ولحركة الجهاد

                                [color=2E8B57]في أخر حوار له مع مركز باحث للدراسات، قدم الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي اضافة نوعية واجابات شافية وواضحة أعتبرها اضافة جديدة للفكر الاسلامي وتبيان جديد وهام للقضية الفلسطينيةن تبرهن على انفتاح وصلابة وربانية فكر حركة الجهاد الاسلامي ومدى وعي الامين العام وفهمه المميز لقراءة النص القرآني و مسيرة التاريخ.
                                الحوار على موقع فلسطين اليوم، وأنصح كل اخ أن يقرأ هذا الحوار الهام بتمعن ويرسله الى كل مسلم على وجه الأرض.

                                حفظ الله الدكتور رمضان محافظا على نهج حركة الجهاد الاسلامي وخير خلف للامين العام الشهيد المعلم فتحي الشقاقي، ومكنه الله من الارتقاء بالحركة لتكــــــــــون طليعة الأمة في وجه العلو والافساد اليهودي حتى تحقيق الوعد الالهي في سورة الاسراء.
                                [/color]


                                في حوار شامل في الذكرى الستين للنكبة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي:
                                لن نكون جزءاً من لعبة الاستفتاء على فلسطين
                                "إسرائيل" دخلت مرحلة الخطر الوجودي..


                                فلسطين اليوم ـ خاص:
                                جاءت الذكرى الستون لنكبة الأمة في فلسطين، لتؤكد ما لا يحتاج إلى مزيد من التأكيد، وهو أن الشعب الفلسطيني، المجاهد والمؤمن بحقه، وعلى امتداد أماكن تواجده، ما زال متشبثاً بكامل حقوقه الوطنية، ومستعداً لمواصلة مسيرة جهاده الممتد على مساحة قرن ونيف من الزمن، عنيداً كصخور جبل النار، وعصياً كأسوار عكا، واضح الرؤية ومستيقناً من النصر.
                                وبينما يصطف أعداء الأمة من كل حدب وصوب في خندق عدائهم القديم المتجدد للأمة، ليعلنوا من المدينة المقدسة المحتلة انحيازهم الأعمى إلى جانب الكيان الصهيوني في عدوانه، استمراراً لمؤامرتهم التاريخية بزرع هذا الكيان الغاصب في قلب الأمة، وبينما تعلن جموع الأمة وجماهير الشعب الفلسطيني وفي المناسبة نفسها المتواصلة، التي تجسدت في خلق هذا الكيان ودعمه والحفاظ على وجوده، في هذه المناسبة يرتفع صوت الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور رمضان عبد الله شلح، ليعلن على أسماع العالم، أن الجهاد والمقاومة والتصدي للغزوة الصهيونية، هي الخيار الأصيل والوحيد للأمة والشعب الفلسطيني.
                                ففي استحضار مكثف لتاريخ القضية الفلسطينية، من قبل وعد بلفور إلى ما بعد أوسلو وأنابوليس وضع الدكتور رمضان عبد الله، في لقاء موسع مع الأستاذ وليد محمد علي، رئيس مركز باحث للدراسات، النقاط على الحروف، وشخص مراحل القضية الفلسطينية بأبعادها الوطنية والإقليمية والدولية، وطابعها الإسلامي، وحدد طبيعة الصراع المحتدم على أرض فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمن، مقدماً إجابات واضحة ومحددة لكافة التساؤلات والخيارات التي تعترض مسيرة القضية وبما يكتنفها من مخاطر وتحديات.
                                وفي توجه ثابت نحو المستقبل، وبتفاؤل المجاهد المؤمن، يرسم الدكتور رمضان عبد الله في ثنايا هذا الحوار النهايات الحتمية لجهاد الأمة والشعب الفلسطيني، وهي نهايات متوجة بالنصر النهائي على المشروع الصهيوني ـ الإمبريالي، لكن رؤية تلك النهايات الحتمية لا تبعد أو تغيب عن ناظره الصعوبات والآلام التي تعترض هذه المسيرة الجهادية وتزيد من صعوبة وتعقيد خيار مواصلة مسيرة الجهاد والاستشهاد حتى تحقيق النصر.
                                المعادلة كما يراها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، هي صراع بين الحق والقوة الغاشمة. قد يطول صراع الحق ويرتفع ثمن خياره، ولكنه لابد، منتصر في النهاية.
                                وفيما يلي النص الكامل للحوار (والذي سينشر في العدد القادم لفصلية دراسات باحث):
                                بسم الله الرحمن الرحيم
                                1 ـ عشية الذكرى الستين لنكبة فلسطين، كيف تقيمون المرحلة التي وصل إليها الصراع مع المشروع الصهيوني؟ أين أخفق هذا المشروع، وأين حقق نجاحات، وماذا حققت قوى المقاومة وشعب فلسطين والأمة، وما هو دور هذه القوى في هذه المرحلة من مراحل الصراع؟

                                ـ بداية لابد من الإشارة إلى أنه لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال في بضع سطور أو بضع صفحات، فهو مشروع جردة حساب شاملة لمعرفة حصاد السنوات الستين للنكبة وما سبقها من عمر الصراع.
                                وإذا بدأنا بأنفسنا، فالمحصلة كانت للأسف سلسلة من الهزائم والتراجعات، حيث فشل العرب والفلسطينيون في تحقيق هدف تحرير فلسطين. أما ما تحقق من صمود وانتصارات جزئية أو محدودة خلال العقود الماضية فبعضها تم إجهاضه كانتصار عام 1973 باعتراف مصر بإسرائيل وتوقيع كامب ديفيد، والبعض الآخر كانتصارات المقاومة التي حالت دون ضياع الحقوق وتصفية، القضية لكنها لا تبلغ هدف التحرير الذي هو مسؤولية الأمة كلها..
                                بالنسبة لحصاد المشروع الصهيوني، فقد نجح في إقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، لكنه لم يستطع أن يجعل منه وطناً آمناً يجلب إليه كل يهود العالم.. فعدد اليهود في الكيان اليوم حوالي خمسة ملايين نسمة، لكنهم في بقية أنحاء العالم حوالي سبعة ملايين. ومازال الكيان يعاني من أزمة هوية حادة، سواء من ناحية النزاعات على خلفية عرقية أو بين العلمانيين والمتدينين. ولم يستطع الكيان أن يندمج في المنطقة، وهو رغم كل الاختراقات التي حققها باعتراف بعض الأنظمة العربية به، مازال يتصرف بعقلية القلعة، والثكنة، والجيتو، كما يؤكد ذلك بناء الجدار في الضفة، وفي نظر شعوب المنطقة مازال كياناً غريباً يجب إزالته.. لكن الفشل الأكبر الذي مني به المشروع الصهيوني هو أنه لم يستطع أن يتخلص من الشعب الفلسطيني، سواء بإبادته كما فعل الأمريكيون بالهنود الحمر، أو باقتلاعه بالكامل من أرضه، فالوجود الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية اليوم يفوق خمسة ملايين، نسمة أي أنه يساوي حجم الوجود اليهودي تقريباً، ويشكل الضمان الأهم لحماية قضية فلسطين من التصفية. وهذا هو واجب قوى المقاومة اليوم، ففي ظل ميزان القوة الراهن، ليس مهمتها تحقيق النصر، بل حماية قضية فلسطين من التصفية وحق الأمة فيها من الضياع.

                                2 ـ ما هي أسباب الهزائم والإخفاقات التي مُني بها العرب في تاريخ الصراع، مقابل أسباب نجاح المشروع الصهيوني في إقامة الكيان الإسرائيلي وهل يمكن تعميق إخفاقات هذا المشروع والاستفادة منها في إدارة الصراع؟

                                ـ في التفاصيل، تختلف أسباب الهزائم، وكذلك المسؤولين عنها، باختلاف مراحل الصراع، فأسباب النكبة الأولى عام 1948 غير أسباب النكبة الثانية عام 1967، وكلاهما غير أسباب تحويل النصر عام 1973 إلى هزيمة في كامب ديفيد عام 1978 وغير أسباب التصدع والانهيار بعد حرب الخليج عام 1991 وصولاً إلى احتلال العراق عام 2003.
                                لكن بالعموم، هناك أسباب تكاد تكون قواسم مشتركة أو موجودة في كل المراحل، وهذه هي التي تهمنا، مثل: عدم إدراك طبيعة المشروع الصهيوني، والتجزئة والانقسام وغياب وحدة الأمة، وتبعية الأنظمة والحكومات للقوى الخارجية، واختلال موازين القوة، وتغييب الإسلام أو استبعاد أي دور له في إدارة الصراع من قبل الأنظمة.
                                لقد كانت هذه العوامل بالدرجة الأولى، وليست قضية الأسلحة الفاسدة مثلاً، هي التي تسببت في النكبة الأولى. في المقابل، كان المشروع الصهيوني يعرف ماذا يريد، يعرف طبيعة عدوه، وحدد أهدافه وأدواته بدقة وحشد لها، ليس يهود العالم فقط، بل جند قوى عظمى في خدمتها، وتلك القوى كانت جاهزة لهذا الدور لأن المشروع الصهيوني في أحد جوانبه كان مشروعاً استعمارياً ورأس حربة للغرب الاستعماري كله. وهذه العلاقة وفرت للمشروع الصهيوني كل أسباب القوة المادية والمعنوية، المالية والعسكرية، والسياسية والتنظيمية، في ظل حصار مطبق على الفلسطينيين والعرب، الذين كانوا يعيشون واقعاً مريراً من الانقسام والتبعية والتخلف، بعد تآمر أو خداع بعضهم بوعود القوى الاستعمارية ومساهمتهم في إسقاط دولة الخلافة العثمانية، كما فعل الشريف حسين وغيره من الذين راهنوا على الغرب الذي جاء لاقتسام الشرق العربي والإسلامي (سايكس بيكو 1916) والتأسيس لزرع الكيان الإسرائيلي (بلفور 1917) دون أن ينسى الغرب أحقاده وثاراته التاريخية والعقائدية، حيث احتل الجنرال اللنبي القدس عام 1918 وهو يردد اليوم "انتهت الحروب الصليبية" وهكذا فعل الجنرال الفرنسي غورو الذي ركل قبر صلاح الدين في دمشق بقدمه وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين"!.
                                لقد استمر الانتداب أو الاحتلال البريطاني لفلسطين حوالي 30 سنة استطاعت العصابات الصهيونية خلالها أن تطبق، تحت المظلة البريطانية، مشروعها الذي ارتكز على الهجرة، والاستيلاء على الأرض، وارتكاب المذابح (دير ياسين) لبث الرعب في صفوف الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل، فيما القيادات العربية الرسمية، خارج فلسطين وداخلها، كان شعارها الرهان على "صديقتنا بريطانيا" كما حصل في إضراب عام 1936، الذي أجهضه القادة العرب كما هو معروف بدعوة الشعب الفلسطيني إلى "الإخلاد إلى السكينة" والرهان على وعود بريطانيا التي أعلنت انتهاء انتدابها في اللحظة التي أصبح المشروع الصهيوني ناضجاً وجاهزاً للإعلان عن ولادة الكيان الصهيوني في 14/5/1948.
                                لقد تحملت القيادات والزعامات العربية وزر النكبة عام 1948، لكن أسباب الهزيمة لم تنته مع انتهاء تلك الزعامات.. فلم تكن مرحلة المد القومي في الخمسينات والستينات بأفضل حالاً، رغم وجود حالة معنوية عالية من الدعوة لتحرير فلسطين ومحاربة الاستعمار وهزيمته وهزيمة إسرائيل، فكانت الكارثة والهزيمة عام 1967 أكثر مرارة بسقوط القدس واستكمال احتلال كل فلسطين وما يزيد عن ثلاثة أضعاف مساحتها من الأرض العربية في سيناء والجولان.. أيضاً لم تمسح حرب تشرين/ أكتوبر 1973 آثار وأسباب الهزيمة، ولم تفلح في "إزالة آثار العدوان" كما طالب العرب بعد الهزيمة، لأن نصر تشرين/ أكتوبر سرعان ما تحول إلى هزيمة مرة بإقدام السادات على الاعتراف بإسرائيل وبداية مرحلة جديدة من تاريخ الصراع.. مرحلة القبول والاعتراف بإسرائيل، وهي مرحلة جرى تكريسها إلى أن وصلت المنطقة إلى مدريد عام 1991 ثم بعد ذلك فاجعة توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 التي مثلت انقلاباً في تاريخ الصراع مازلنا نعاني آثاره إلى اليوم.
                                كان المتغير الهام الذي طرأ منذ إطلاق ما يسمى عملية التسوية في الشرق الأوسط في مدريد 1991، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، وقيام ما سمي بالنظام الدولي أحادي القطبية، هو بروز دور الحركات الإسلامية في المقاومة، لاسيما حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان. منذ ذلك التاريخ، استقال النظام العربي تقريباً من الصراع وأصبح "السلام" المزعوم مع إسرائيل خياره الاستراتيجي، وبقيت مهمة الصراع المسلح مع إسرائيل مسؤولية قوى المقاومة. ومع إعلان الولايات المتحدة الحرب على "الإرهاب الإسلامي" المزعوم بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 دخل النظام العربي في معظمه في حلف مع الولايات المتحدة التي عادت إلى شكل الاستعمار الجديد باحتلال العراق عام 2003 بمساعدة وبمباركة عربية من هذه الدولة أو تلك، وهذا يؤكد أن الأمة مازالت تدفع فاتورة عدم فهم طبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي من قبل من تصدوا لإدارة هذا الصراع من الأنظمة والحكام.

                                3 ـ بالنسبة لطبيعة المشروع الصهيوني والصراع معه، هناك من يعتبر "إسرائيل" ظاهرة استعمارية وليست ظاهرة يهودية، وأنها كيان وظيفي زرع في قلب الأمة، ما هو رأيكم بذلك، وما هي وظيفة ودور هذا الكيان بنظركم، وهل طرأ تغير على هذا الدور من لحظة تأسيسه إلى الآن، وما هو مستقبل هذا الدور في ظل التغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية وتغير تحالفات الكيان الإسرائيلي في العالم؟

                                ـ هذا السؤال أيضاً فيه أكثر من مسألة حساسة ومعقدة، وسأحاول ما أمكن توضيح الصورة التي قد لا تبدو واضحة في أذهان كثيرين..
                                أولاً.. هل "إسرائيل" ظاهرة يهودية أم ظاهرة استعمارية؟ الجواب ببساطة هو الاثنتان معاً. أما نفي أن تكون إسرائيل ظاهرة يهودية، فهو أمر، بالنسبة لنا وفي فكرنا، ينفيه القرآن والتاريخ ويدحضه الواقع.
                                بعيداً عن الجدل حول تعريف اليهود وبني إسرائيل في القرآن والتاريخ، وهل اليهود غير بني إسرائيل أم كلاهما واحد؟ وهل يهود أو بني إسرائيل اليوم هم المذكورون في القرآن أم لا؟ بعيداً عن كل هذا الجدل، نحن نقول إن القرآن الكريم عندما تحدث عن اليهود قال إنهم موجودون إلى يوم القيامة ولن ينقرضوا. في سورة المائدة نقرأ (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) وفي سورة الأعراف (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب).. وإذا كان اليهود الموجودون في فلسطين ومن يدعمهم من يهود العالم ليسوا هم المذكورون في القرآن والموجودون إلى يوم القيامة، فأين يوجد هؤلاء اليهود الذين يتحدث عنهم القرآن؟! المعروف أن كل يهود العالم اليوم، إلا قلة قليلة جداً وعديمة الأثر، يؤيدون ويدعمون مشروع إسرائيل. والقرآن عندما تحدث عنهم في سورة الأعراف بعد إرسال من يسومهم سوء العذاب قال (وقطعناهم في الأرض أمما) أي انتشروا في كل أنحاء العالم، وعندما تحدث عن علو وإفساد بني إسرائيل في سورة الإسراء قال لهم (اسكنوا الأرض فإذا جاء وعدة الآخرة جئنا بكم لفيفا) ونحن نعتقد أن هذه الآية تتحدث عن مجيئهم لإقامة الكيان الإسرائيلي في هذا العصر. وعليه، فإن إسرائيل برأينا، هي ظاهرة يهودية بل هي التعبير الصارخ والأقوى في التاريخ عن هذه الظاهرة، لكن المهم كيف نفهم هذه المسألة.
                                قد يكون في حديثنا بعض الاستطراد لكن من المفيد أن نوضح بأننا نؤمن بأن رسالة الإسلام العالمية هي خاتمة الرسالات السماوية للناس كافة، وأن كل ما جاء في مصدرها الأصلي، القرآن، إنما الهدف منه تبصير وتمكين الأمة حاملة الرسالة من ممارسة دورها في قيادة البشرية بالإسلام، وهو دور لا يقف عند حدود عصر التنزيل، بل دور مستقبلي يمتد إلى آخر العالم وإلى يوم الدين. لذا، فإن ما ورد عن بني إسرائيل واليهود في القرآن لم يكن للتسلية بسرد قصص قديمة لا علاقة لها بواقع أو مستقبل أمة الإسلام في مواجهة هذه الجماعة البشرية أي اليهود. بالعكس، القرآن بتقديرنا عندما يتحدث في زمن التنزيل عن ماضي اليهود أو بني إسرائيل، وبهذه الكثافة الموجودة في القرآن، فهو يتحدث عن مستقبل الأمة المسلمة وخطورة الدور الذي سيلعبه اليهود في صراعهم مع هذه الأمة. لذلك، فالظاهرة اليهودية، بل الظاهرة الإسرائيلية حاضرة في القرآن بقوة لتفسر لنا ما الذي كان في تاريخ اليهود وبني إسرائيل (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي كانوا فيه يختلفون) وما الذي كان منهم في مواجهة الرسالة الإسلامية حين انتهى دورهم وريادتهم في حمل رسالة السماء بتحريفها، وانتقل الدور إلى الأمة المخرجة من قبل الله للناس كافة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) عندما نقرأ هذا النص في الآية 110 من سورة آل عمران نكتشف أن بقية الآية تتحدث عن اليهود، (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) ثم يكمل السياق القرآني الحديث عن اليهود وأحوالهم في مواجهة أمة الإسلام، وموقفهم من اصطفاء الأمة المسلمة لحمل أمانة الإسلام والتوحيد في البشرية، وإزاحة اليهود عن هذا الدور بعد أن رسبوا في الامتحان كما ورد في سورة الإسراء (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً) أي أن شرط الاصطفاء لحمل الكتاب هو الإيمان وعدم الشرك (ألا تتخذوا من دوني وكيلاً) وفي سورة آل عمران في الآية التي أشرنا إليها نقرأ قوله تعالى (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم) أي أنهم فشلوا في امتحان الإيمان، وفي ضوء ذلك جاء إخراج الأمة المسلمة لقيادة البشرية.. لكن اليهود لم ولن يسلموا بذلك، وسورة الإسراء تتحدث عن علو وإفساد بني إسرائيل وصراعهم مع المسلمين ومآل هذا الصراع، ويمكن الرجوع لتفسير هذه الآيات حيث هناك كثير من الكتب والدراسات التي تتناول آيات بني إسرائيل في ضوء الصراع الراهن مع المشروع الصهيوني..
                                هذه إضاءة قرآنية سريعة وموجزة حول كون إسرائيل ظاهرة يهودية أم لا؟ والاجتهادات في ذلك كثيرة وواسعة لا يمكن الإحاطة بها هنا.. لكن ما يؤيد هذه القراءة، هو التاريخ، ويهمنا فيه الإرهاصات التي مهدت لقيام إسرائيل في العالم الغربي، وكيف اختلط الديني بالدنيوي، أو اليهودي بالاستعماري لدى اليهود والقوى الاستعمارية فالتقت مصالح الطرفين على إقامة الكيان الإسرائيلي. وحيث أن القوة الاستعمارية الأقوى التي تتولى حماية ودعم إسرائيل وهي تبلغ عامها الستين، هي الولايات المتحدة الأمريكية، فليس من المبالغة أن يقال في ذكرى النكبة هذه بأن نكبة الشعب الفلسطيني بدأت منذ اكتشاف أمريكا.. هذا ليس إنشاءً أو شعارات، فتاريخ اكتشاف أمريكا أو ما سمي بالعالم الجديد في سنة 1425 هو نفس تاريخ سقوط غرناطة وبداية مسيرة الانحدار والهبوط الحضاري الإسلامي، برغم بعض الاختراقات التي حققها العثمانيون، هذا الانحدار الذي وصل إلى القاع في الخامس من حزيران /يونيو عام 67 مقبل ذروة العلو والإفساد الذي بلغها المشروع الصهيوني.. لا نريد أن نفتح ملف حال الأمة يوم بدأ الهبوط، بل يهمنا أن نقول بأن اكتشاف أمريكا وما مثله بالنسبة للحضارة الغربية، وما قدمته من موارد، وما أمدت به أوروبا من قوة أدارت الماكينة الاستعمارية في كل اتجاه، فهذا ملف يجب أن نفتش فيه عن اليهود وأدواتهم وتطلعاتهم ومشاكلهم في العالم، ليس بمنطق المؤامرة، بل بمنطق من يسعى لفهم جذور المشكلة.
                                كثيرون في أمتنا يركزون على وعد بلفور كبداية للدور البريطاني أو الأوروبي في الدعوة لوطن قومي لليهود في فلسطين. لقد بات معروفاً أن القصة لم تبدأ بوعد بلفور. نابليون الذي كان غزوه لمصر عام 1798 بداية الهجمة الغربية الصليبية الحديثة ضد أمتنا، وعد اليهود بوطن لهم في فلسطين. كما أن التزاوج بين اليهودية والمسيحية الغربية لم يبدأ مع المحافظين الجدد أمثال رامسفيلد وبول ولفوفيتز ولا مع المبشرين الأمريكيين الصهاينة من أمثال بات روبرتسون أو جيري فالويل. التحالف والتعايش بين اليهودية والمسيحية بدأ مع البروتستانتية ومارتن لوثر في القرن السادس عشر. وهو تحالف وجد تجسيده في جمع التوراة اليهودية مع "العهد الجديد" في ما يعرف بالكتاب المقدس أو ما يطلق عليه في الغرب البايبل (Bibel).. بل إن لوثر الذي ألف كتاباً بعنوان (عيسى ولد يهودياً) عام 1523 هو من بدأ ما أطلق عليه البعض تهويد المسيحية.. وهو تهويد لن يتوقف عند رجال الدين أو المبشرين الذين زرعوا بذور "المسيحية الصهيونية" في القرن السابع عشر مثل بريتمان (1588) وكرومويل (1655) وآخرين أمثال كاليشر، وهس، وبنسكر وغيرهم، ممن دعوا إلى عودة اليهود إلى فلسطين.. بل وصل إلى السياسيين مثل عضو البرلمان البريطاني السير هنري فيش الذي دعا في 1615 إلى عودة اليهود إلى فلسطين. وزير الخارجية البريطاني الشهير بالمرستون تحدث عام 1840 عن "استعمار العبرانيين لسوريا" التي كانت تضم فلسطين آنذاك.. وحين يصل "بنيامين ديزرائيلي" المسيحي الإنجليكاني اليهودي عام 1868 إلى رئاسة الوزراء في دولة استعمارية عظمى مثل بريطانيا، فلم يعد الأمر يقف عند الحديث عن تهويد المسيحية بل تهويد العالم!
                                إن قصة اليهود في أوروبا ودور المال اليهودي في التحالف مع الأطماع الاستعمارية والأوروبية وتمويل مشاريع الاستعمار ومنها استيطان فلسطين كما فعلت عائلة روتشيلد الرأسمالية اليهودية الشهيرة معروفة ولم تنته حتى اليوم. والمنظمات المسيحية الصهيونية الفعالة منتشرة اليوم في الولايات المتحدة بالعشرات. همها تأييد وتمويل إسرائيل ومنها على سبيل المثال "المصرف المسيحي الأمريكي من أجل إسرائيل " the American Christian Trust for Israel هذا المصرف المسيحي الصهيوني يمول بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وباقي فلسطين. وحين تقوم جمعية إسلامية خيرية بكفالة يتيم فلسطيني قتل اليهود أباه توضع على قائمة الإرهاب لأنها تحمل صفة الإسلام، أما بنك مسيحي يمول الاستيطان اليهودي فلا مانع!
                                نعم، إسرائيل ظاهرة يهودية استعمارية والواقع يؤيد ذلك؛ فيهوديتها، قبل اختلاف طبيعتها الاستعمارية كاستعماري إحلالي، هي التي تفسر بقاءها رغم انتهاء وتصفية كل الكيانات الاستعمارية في القرن العشرين. وهي تعتبر أن معركتها المصيرية الآن هي المحافظة على "يهوديتها" وتثبيت نفسها كدولة يهودية، يدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل كل الميراث الاستعماري الغربي والديني الأسطوري في جذوره التوراتية والتلمودية في دعم وحماية إسرائيل.. لهذا قلنا إن نكبة فلسطين بدأت باكتشاف أمريكا بما وفرته من قوة لأوروبا التي زرعت إسرائيل وبما تقوم به أمريكا الآن من دور مباشر في دعم وحماية إسرائيل..
                                هناك نقطة أخيرة في هذا السؤال، بعد هذه الإطالة.. وهو الدور والوظيفة التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة..
                                نعم، "إسرائيل" كيان وظيفي، تم تأسيسه بشعارات وتعبئة دينية لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية في الصراع الحضاري الغربي ضد أمتنا.. قد يختلف الدور من مرحلة إلى أخرى، لكن من لحظة التأسيس، سعى الغرب من دعم الحركة الصهيونية وتأسيس الكيان لتحقيق عدة أهداف مثل:
                                1) رغبة أوروبا في التخلص من اليهود وحل المشكلة اليهودية؛ 2) السيطرة على الموقع الاستراتيجي لفلسطين بين القارات؛ 3) خلق حاجز جغرافي بشري بين مصر وشمال أفريقيا من جهة وامتدادها وعمقها العربي في الشرق الجزيرة العربية وسوريا ولبنان والعراق؛ 4) تكريس التجزئة والانقسام والحيلولة دون تحقيق وحدة الأمة؛ 5) تحقيق وحماية المصالح الغربية في المنطقة.
                                مازال الكيان يحافظ على دوره في تحقيق هذه الأهداف، مع بعض التغييرات والتفاصيل التي يمكن أن تطرأ على الهدف الواحد، مثل تكريس واقع التجزئة الذي لم يعد يقف عند حدود سايكس بيكو، بل يجري العمل على مزيد من تفتيت وتقسيم المقسم في العالم العربي والإسلامي وإشعال الحرائق والفتن العرقية والطائفية والمذهبية.. كذلك المصالح الغربية في المنطقة تعني اليوم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى وحرصها للاستيلاء على النفط وحماية إسرائيل، بغض النظر عن الجدل حول من يحمي مصالح من؟ أمريكا أم إسرائيل؟ لكن المهم في الدور الإسرائيلي اليوم هو سعي إسرائيل التي لا يزيد عدد سكانها عن 1% من سكان ما يسمى بالشرق الأوسط إلى أن تكون القوة العظمى المهيمنة في هذه المنطقة.. وهي هيمنة لم تعد تعتمد على الدعم الغربي أو القوة العسكرية الصهيونية، بل على القبول وحتى التحالف العربي الرسمي من بعض الدول معها.. لم تعد إسرائيل في نظر بعض العرب هي العدو.. ولم تعد الحركة الصهيونية حركة إجرامية عنصرية.. فطالما أن الأمم المتحدة أسقطت عنها هذه التهمة فلماذا لا يلحق العرب بذلك؟! بل إن التطاول على الصهيونية في العالم اليوم تعاقب عليه القوانين بتهمة اللاسامية.. حتى في بلدان عربية للأسف.. في مصر مثلاً عدلت القوانين الجنائية لإزالة كلمة الصهيونية وغيرها مما كان يعتبر التعامل معه في نظر القانون جريمة سياسية ووطنية خطيرة قد تستوجب أشد العقوبة. وهناك مساعٍ في أكثر من بلد عربي لتغيير المناهج الدراسية وحذف حتى آيات القرآن والأحاديث النبوية التي تشير إلى اليهود.. وعلاوة على ذلك، عشنا ورأينا وسمعنا عن التنسيق الأمني العربي الصهيوني، فقد أصبح أمن إسرائيل في نظر بعض الأنظمة العربية جزءاً من الأمن القومي العربي، وصارت مقاومة إسرائيل والتصدي لعدوانها على العرب تهديداً للأمن العربي!!
                                وعلى صعيد استعدادات إسرائيل لمواجهة أية تغيرات تطرأ على موازين القوى والتحالفات الدولية، فإنها تقيم أوثق العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية مع قوى عظمى صاعدة مثل الهند والصين، فضلاً عن حضورها واختراقاتها في معظم دول جنوب شرق آسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقاً ودول أوروبا الشرقية وأفريقيا بل تحاول التمدد كالأخطبوط والوصول إلى كل نقطة في العالم.
                                برغم ذلك كله، فلسنا محبطين ولا يتملكنا اليأس من مواجهة إسرائيل مهما امتلكت من جبروت القوة، فإسرائيل بما تمثله من باطل وعلو وفساد في الأرض، هي في صدام مع الإرادة الإلهية قبل أن تكون في صدام مع البشر، والقرآن في آيات سورة المائدة التي تحدثنا عنها سابقاً يؤكد ذلك في قوله عن اليهود (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين). فنارهم المشتعلة في فلسطين منذ أكثر من قرن، نحن على يقين بأن الله عز وجل سيطفئها، لكن ليس بالمعجزات على غرار نار إبراهيم عليه السلام، بل على يد المجاهدين والمؤمنين من جند الله الذين يستحقون تأييد الله وعونه حتى يتحقق وعد الله (وإن جندنا لهم الغالبون).

                                4 ـ في العودة إلى أسباب الهزيمة، هناك من يعتقد أن العرب والفلسطينيين أضاعوا الكثير من الفرص، ولو أنهم اعتمدوا سياسة المرونة والواقعية منذ البداية وقبلوا بتقسيم فلسطين مثلاً، لما وصل الحال إلى ما نحن عليه اليوم، ما رأيكم بذلك؟

                                ـ للأسف، هذه مغالطات أشاعها دعاة التسوية وتصل إلى حد محاكمة تاريخ كفاحنا والوصول به إلى حد تقديم اعتذار لإسرائيل أو دفع تعويض لها عن كل حروبنا ومواجهاتنا معها، كما قال معمر القذافي في مؤتمر القمة العربي الأخير بدمشق، ساخراً من الموقف العربي الراهن في التعامل مع قضية فلسطين والغزو الصهيوني الأمريكي للمنطقة.
                                إذا كانت محاكمة تاريخنا تبدأ باتخاذ التقسيم نقطة البداية أو فرصة الاعتدال الضائعة والمأسوف عليها، فنحن نسأل عن أي مشروع تقسيم يتحدثون؟ عن تقسيم 1937 أم 1938 أم 1944 أم 1947 أم عن الكتاب الأبيض عام 1939؟ لقد حاولت القوى الاستعمارية لاسيما بريطانيا وأمريكا جعل فلسطين وحق الأمة فيها حقل تجارب ومشاريع، قامت على المناورة والخداع، لشراء الوقت وفرض الأمر الواقع الذي تقوم فيه دولة الكيان تنفيذاً لوعود الغرب لليهود.
                                لقد رفض العرب، كما هو شائع، مشروع التقسيم عام 1947 لأنه أعطى اليهود 55% من مساحة أرض فلسطين، في حين لم يكن اليهود يسيطرون على أكثر من 6% من الأرض، ولم يكن عددهم في ذلك الوقت، والذي تراكم بالهجرات منذ نهاية القرن التاسع عشر، يزيد عن 33% من عدد السكان.. كما أن النوايا الصهيونية كانت معروفة ومعلنة. بن غوريون عام 1938 في رفض مشروع التقسيم الذي اقترحته اللجنة الفنية البريطانية، ومن قبله مشروع لجنة بيل، قال أمام الوكالة اليهودية "إننا سنعمل على إزالة التقسيم العربي اليهودي والاستيلاء على كل فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود".. وهذا ما حدث بالفعل.. أما الموافقة اليهودية على التقسيم، فلم تكن سوى مناورة لكسب المشروعية.. وليست الدول العربية أو الإسلامية هي التي رفضت التقسيم فقط، فهناك دول غير عربية أو إسلامية كاليونان والهند وكوبا رفضت قرار التقسيم، وأخرى مثل الصين وبريطانيا وغيرها امتنعت عن التصويت على القرار في الأمم المتحدة. وللمفارقة والعجب، فإن الاتحاد السوفيتي صديق العرب وحليفهم زمن الحرب الباردة، وافق على قرار التقسيم وكان من أوائل المعترفين بالكيان الصهيوني. أما أمريكا التي وافقت على التقسيم، فقد كانت على وشك التراجع عن فكرة التقسيم، وكانت تريد أن تطرح مشروعاً بديلاً هو الوصاية، لكن كما تقول المصادر التاريخية، فإن حاييم وايزمن جاء إلى نيويورك والتقى الرئيس الأمريكي ترومان سراً في آذار/ مارس 1947 واتفق معه على أن تستمر الولايات المتحدة في دعم التقسيم الذي يعطي مشروعية دولية لإقامة وولادة دولة يهودية على أرض فلسطين، وقد تعهد ترومان لوايزمن بالاعتراف بالدولة فور إعلانها.. وتقول المصادر التاريخية أيضاً إنه عندما جاءت الأخبار في 14 أيار/ مايو بأن الدولة اليهودية ستعلن عند منتصف الليل بتوقيت تل أبيب، أي الساعة السادسة مساء بتوقيت واشنطن، فإن كبير مستشاري ترومان المسيحي الصهيوني، كلارك كليفورد، طلب من إلياهو ابشتاين، ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن، أن يرسل برسالة رسمية إلى الرئيس ترومان قبل ظهر ذلك اليوم، يطلب فيها رسمياً اعتراف الولايات المتحدة بدولة الكيان في حال إعلانها. واستعان ابشتاين بمحاميين يهوديين اقترحهما كليفورد لصياغة الرسالة، لكن مشكلة برزت عند كتابة الرسالة وهي أن لا أحد يعرف اسم الدولة الجديدة، فاتفق على أن يشار في الرسالة إلى "الدولة اليهودية"، ويحمل الرسول الرسالة إلى البيت الأبيض، كما تقول بعض المصادر، ويسمع وهو في الطريق عبر الإذاعة أن اسم الدولة "إسرائيل"، فيوقف سيارته ويشطب "الدولة اليهودية" في الرسالة ويكتب بيده محلها "إسرائيل"! وبقية القصة معروفة، وهي أن اعتراف ترومان بإسرائيل تم بعد 11 دقيقة من إعلان بن غوريون عن قيام الدولة.. وعندما تقدمت إسرائيل، في نهاية عام 1948 بطلب انضمامها إلى الأمم المتحدة انحازت دولتان فقط في مجلس الأمن آنذاك لطلب إسرائيل هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
                                إننا نقول بكل ثقة، إن حقيقة موقف اليهود كان رفض التقسيم، وهدفهم كان كل فلسطين، بل إن بن غوريون كان يرى أن حدود إسرائيل الشمالية يجب أن تكون عند نهر الليطاني في لبنان، هذا إذا تجاوزنا الحديث عن إسرائيل الكبرى والنيل والفرات.. لذلك عندما طرح الوسيط الدولي الكونت برنادوت مشروعه لتقسيم فلسطين في أيلول/ سبتمبر 1948والذي أعطى للعرب منطقة النقب، اغتاله اليهود بسبب هذا المشروع. الآن بعد ستين سنة، يأتي بوش ليحتفل بقيام إسرائيل وليستعيد مصطلح "الدولة اليهودية" الذي شطبه حامل الرسالة للبيت الأبيض، ليس كاسم بديل لإسرائيل، بل كصفة وهوية لها.
                                هذا السرد والاستطراد أردنا منه استحضار بعض الوقائع لعلها تلقي الضوء أيضاً على حقيقة الصراع وهويته، قبل أن يفرض علينا البعض خياراً أو طريقاً واحداً وإجبارياً لحله هو طريق التسوية الذي يتبناه دعاة الواقعية والعقلانية وما إلى ذلك من أوصاف! لقد جرب هؤلاء حظهم فماذا كانت النتيجة؟ بعض الذين يعيبون على العرب رفض تقسيم الأرض عام 1947 قبلوا في أوسلو عام 1993 بتقسيم الأرض والشعب، بل إن تقسيم الأرض والشعب بدأ بالبرنامج المرحلي عام 1974 الذي طالب "بسلطة فلسطينية" في حدود 67 مسقطاً فلسطينيي الشتات والـ 48 من الحساب.. منذ ذلك التاريخ، حول هؤلاء الشعب الفلسطيني إلى حقل تجارب في مختبرات الانحدار السياسي. عام 1977، في الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، تحولت "سلطة" النقاط العشر أو البرنامج المرحلي إلى "الدولة الفلسطينية المستقلة"، وفي الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني عام 1983، دعوا إلى "دولة كونفدرالية مع الأردن" ثم هبطت الدولة مجدداً إلى "كيان فلسطيني" يرتبط مع الأردن في كونفدرالية (اتفاق عمان 1985) وفي عام 1988 في ما سمي بإعلان الاستقلال بالجزائر عادوا إلى "الدولة الفلسطينية المستقلة" وقبلوا بالتسوية على أساس القرار 242. وبناء عليه، وفي نهاية ذات السنة في جنيف، أعلن عرفات الاعتراف بإسرائيل، وقبول قرار 242، وإدانة المقاومة المسلحة تحت مسمى "نبذ العنف والإرهاب"، وقال إن "الميثاق الوطني" بشأن القضاء على الكيان الإسرائيلي أصبح لاغياً، إلى أن وصلوا إلى اتفاق أوسلو والاعتراف رسمياً بإسرائيل، فماذا كانت النتيجة؟ إن اتفاق أوسلو هو بكل المقاييس أخطر من نكبة عام 1948 ومن نكبة عام 1967. فإذا كنا نسمي فقدان الأرض وإجبار أهلها على الرحيل منها بالقوة نكبة، فإن اعتراف صاحب الأرض وصاحب الحق بعدوه وبحقه في الوجود على هذه الأرض هو فعلاً أخطر من النكبة، بل هو النكبة التي ما بعدها نكبة. فالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل يمنحها شرعية لا تستطيع أن تحصل عليها من أحد حتى لو اعترف بها كل العالم من دون الفلسطينيين. ياسر عرفات كان يدرك ذلك، وحين حاول أن يخرج قليلاً جداً عن النص أو السيناريو الذي رسمته دوائر صنع القرار في تل أبيب وواشنطن لتصفية قضية فلسطين، ماذا كانت النتيجة؟! لقد تم تصفية عرفات، وفي العقل الصهيوني هذا هو مصير كل من يرفض تصفية القضية.
                                الخلاصة من كل هذا، ليس هناك حل سلمي في ظل ميزان القوة الراهن يمكن أن يعيد لنا حقنا كما يتوهم بعض العرب والفلسطينيين.. هناك صراع مرير وطويل على أرض غير قابلة للتقسيم. بن غوريون نفسه أدرك هذا وقال ليس هناك حل.. وكان يقول على هامش موقفه من التقسيم، الأرض واحدة ولا يمكن تقسيمها، والصراع بين طرفين، ولابد أن تكون الأرض لأحدهما فقط. بالنسبة لإسرائيل، فهي تعتبر أرض فلسطين ملكها وأنها صاحبة الحق أو من حقها أن تستولي هي فقط عليها بالقوة، أو بالخديعة وبشراء الوقت عبر المفاوضات والمراوغات التي لا حدود لها، كما كان يقول شامير.. بالنسبة لنا، المسألة ليست قضية واقعية أو لا واقعية.. فالصراع بنظرنا هو بين طرفين أحدهما لديه الحق وليس لديه القوة المكافئة لعدوه، لكن يمكن أن يمتلك القوة أو أن يحول أبسط سلاح إلى سلاح ردع فتاك (كالعمليات الاستشهادية) يصنع من خلاله ميزان رعب كما حدث في انتفاضة الأقصى، والآخر لديه القوة بل جبروت القوة والوحشية، لكن ليس لديه الحق. في هذه المعادلة، إما أن تكون الأرض لصاحب الحق أو لصاحب القوة. النظام العربي اليوم يقول لنا اقبلوا بأي فتات تعرضه عليكم إسرائيل لأن لا طاقة لنا اليوم بها وبأمريكا! أي أن الحق في ثقافة النظام العربي في هذه المرحلة هو ما تنشئه القوة وما تصنعه دبابة الميركافاه الإسرائيلية، لكن مشكلة هؤلاء أن الشعب الفلسطيني استطاع تدمير هذه الدبابة، والمقاومة في حرب تموز 2006 بلبنان جعلت هذه الدبابة، مفخرة الصناعة الإسرائيلية، أضحوكة في الجيوش والأسلحة العالمية.
                                في ذكرى النكبة نقول لدعاة التسوية في النظام العربي والنظام الفلسطيني ماذا جلبت لنا التسوية غير التفريط بالحق والويل والدمار؟! العرب منذ قمة فاس عام 1982 اختاروا طريق التسوية والدعوة إلى حق كل شعوب المنطقة في العيش بسلام، في إشارة إلى إسرائيل، وأبدوا استعدادهم للمرة تلو المرة، أن يدفعوا هم ثمن السلام، بأن تعيش إسرائيل بأمن في المنطقة وكأن الغاصب المعتدي والجلاد، وليس الضحية، هو من يحتاج الأمن! برغم ذلك، ماذا كانت النتيجة؟ هل غيرت إسرائيل عقيدتها واستراتيجيتها في التعامل مع العرب والفلسطينيين؟ لعل إعلان إسرائيل بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية بعد "كرنفال أنابولس" فيه إجابة عن هذا السؤال.

                                5 ـ ما هي رؤية حركة الجهاد لمصير ونتائج المفاوضات بين سلطة محمود عباس وحكومة أولمرت في ظل حرص أمريكي على استمرارها وتحقيق نتائج مهمة خلال شهر أيار المقبل في الذكرى الستين لتأسيس الكيان أو النكبة، واحتمال زيارة بوش إلى فلسطين المحتلة لإعلان إسرائيل دولة يهودية، وهل مازال هناك فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 67؟

                                لنبدأ من آخر نقطة ونقول، إن حل الدولتين أو مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 67، غير ممكن، بل أصبح في حكم المستحيل في ظل الواقع والمعطيات التي فرضتها إسرائيل على الأرض.. بالنسبة لنا الأمر كان دائماً كذلك، فهذه هي رؤيتنا بناء على فهمنا لطبيعة وأهداف الكيان الصهيوني، لكن الآخرين للأسف كانوا ولازالوا يكابرون!
                                أما بالنسبة للمفاوضات، فإن إمكانية التوصل لما يسمى باتفاق "حل نهائي" كما يريد رئيس السلطة قبل نهاية العام الحالي 2008، فهي في أقل الأحوال شبه مستحيلة، إن لم تكن مستحيلة. كل ما يمكن التوصل إليه برأينا هو "إعلان مبادئ" جديد الهدف منه هو أن تبقى عملية التسوية على قيد الحياة، لأن عدم التوصل إلى أي اتفاق لتجديد الأوهام والوعود، يعرض عملية التسوية برمتها ومشروع السلطة إلى الانهيار، ولا أظن أن أطراف اللعبة لديهم استعداد لتصل الأمور إلى هذه النقطة. وفي ظل ما تقوم به السلطة من ملاحقة وقمع للمقاومة في الضفة الغربية بالتنسيق مع العدو بموجب أوسلو وخارطة الطريق، فهم بحاجة إلى اتفاق من نوع ما يشكل غطاء لهذا الدور ويعطي مبرراً لوجود السلطة في الضفة وما تقدمه إسرائيل لرجالاتها من خدمات، ويسمح باستمرار الخديعة بأن عملية التسوية مازالت مستمرة.
                                وإذا تم التوصل إلى اتفاق ما، فمهما كانت طبيعته ومحتواه، فهو برأينا سيقربنا أكثر من تصفية القضية لأنه إما أن ينطوي على تنازلات جديدة أو يؤسس لتنازلات مستقبلية.. والسبب في ذلك أن المفاوض الفلسطيني ليس لديه أي رافعة لدعم وإسناد موقفه.. فالوضع الداخلي بفلسطين في ظل الانقسام بين فتح وحماس هو في أسوأ أحواله، والدعم العربي الذي تعلنه دول عربية مثل مصر والسعودية والأردن لمحمود عباس والمفاوضات، ليس دعماً يهدف إلى عدم الانزلاق إلى تنازلات جديدة، بل هو يأتي في سياق الاستعداد المسبق على ما يبدو لتأمين غطاء عربي لأي اتفاق مهما كان حجم التنازلات فيه، وهذا بخلاف الموقف العربي الذي لجأ إليه ياسر عرفات عندما أراد أن ينجو من الفخ الذي نصب له في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 عندما طلب من كلينتون وباراك أن يحصلوا على موافقة السعودية ومصر، بشأن التنازل عن القدس وحق عودة اللاجئين.. هناك اعتقاد اليوم أن الموقف العربي الرسمي للأسف جاهز لأي صفقة بأي ثمن، المهم أن نخلص من هذا الصداع المسمى قضية فلسطين!
                                في كل الأحوال، نستطيع أن نؤكد مجدداً أن لا أمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 67، ورؤية بوش برأينا لم تكن تتضمن وعداً بهذا، وها هو بوش يتحدث الآن عن "تحديد معالم الدولة الفلسطينية" وليس إقامتها قبل نهاية ولايته.. ولا أحد يعرف كم من السنوات سيستغرق الوصول إلى الدولة على هدي هذه المعالم، أو إن كانت ستوصل إلى هذه الدولة بالمطلق؟ برأينا، سيظل مشروع الحكم الذاتي هو أساس التسوية مع الفلسطينيين، أما معالم بوش وغيرها ففي أحسن الأحوال ستوصل إلى أحد أشكال الخيار الأردني الذي سيكون فيه دور للأردن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى دور لمصر في قطاع غزة الذي هو بمقتضى اتفاقات أوسلو والواقع الذي فرضته على الأرض، وما تكرس بالانقسام الحاصل، بمثابة كيان مستقل عن الضفة. كما أن الإعلان والإصرار على مبدأ "يهودية" إسرائيل يهدد مصير فلسطينيي 48 الذين طالما حلم قادة الكيان بالتخلص منهم، بل إن تعقيدات الوضع وتشابك الملفات في المنطقة، واستشعار إسرائيل بخطر الوجود، قد يدفع إسرائيل في النهاية إلى تنفيذ حلمها التاريخي بالترانسفير أو ما يسمى بالتطهير العرقي بواسطة التهجير، وهو ما فعلته في النكبة عام 1948، ولا مانع لديها أن تلجأ إليه مجدداً بتهجير كل أو معظم الفلسطينيين الباقين في فلسطين إذا بقي ميزان القوة على ما هو عليه.

                                6 ـ يعتقد البعض أن هناك تطوراً حاصلاً في الفكر السياسي لحركة حماس وأنها ربما تحاول استنساخ تجربة حركة فتح، حيث أعلنت قبولها لدولة فلسطينية في حدود 67، وفي لقاء قياداتها بكارتر في دمشق أبدت استعدادها لقبول أي حل نهائي يوقعه محمود عباس شريطة أن يعرض على الشعب الفلسطيني في استفتاء. حركة الجهاد من جانبها اعتبرت ذلك أمراً "في غاية الخطورة"، ما هي حقيقة موقف الجهاد من هذه التطورات، وهل ترفضون مبدأ الاستفتاء، وما هي الاستراتيجية التي تمتلكها حركة الجهاد على مستوى المشروع السياسي لحل القضية الفلسطينية مقابل استراتيجية مؤيدي التسوية، واستراتيجية حماس، خاصة أن البعض يتهمكم بأن حركة الجهاد الإسلامي لا تملك استراتيجية وليس لديها سوى الرفض؟

                                ـ دعني أبدأ بسؤال الاستراتيجية، وإذا جاز لي أن أتحدث بمنطق الدفاع عن النفس أمام الاتهام بعدم امتلاك استراتيجية، فأستطيع أن أقول بكل ثقة وتواضع أن لا أحد يملك استراتيجية مثلما تملك حركة الجهاد الإسلامي، هذا إذا سلمنا بأن الاستراتيجية تعني امتلاك رؤية ينبثق منها أهداف وطريق ووسائل وأدوات لتحقيق الأهداف.. المشكلة أن البعض لا يقبل بهذا التوصيف للاستراتيجية. المناخ السائد اليوم يطالبك بأن تتحدث بلغة الصفقات القابلة للتسويق السياسي في بورصات السياسة العالمية، وإلا فأنت متهم بأنك لا تملك استراتيجية! نعم، نحن نملك رؤية حول الصراع على فلسطين، تنبع من رؤيتنا للعالم وموقع أمتنا وأعدائنا على الخريطة الكونية ومستقبل هذا الصراع ومستقبل هذه الخريطة، وفق الفعل الإنساني المنسجم والسنن الكونية والتاريخية التي وضعها خالق هذا الكون سبحانه وتعالى الذي نؤمن بأنه، كما جاء في القرآن الكريم (في السماء إله وفي الأرض إله) أما من يعتقدون بألوهية الخالق في السماء، وألوهية أمريكا في الأرض اليوم، فلا ننتظر منهم أن يشهدوا لنا بامتلاك استراتيجية. رؤيتنا للعالم، ولأنفسنا كعرب وكمسلمين، ولفلسطين ولإسرائيل التي قامت على أنقاضها في قلب الأمة والعالم، يجعلنا نصر وبكل بساطة على أن الهدف الاستراتيجي لنا هو تحرير فلسطين كل فلسطين. أي أن استراتيجيتنا هي "استراتيجية تحرير" لكننا ندرك أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى الراهنة، وأنه في كل الأحوال ليس مهمة حركة الجهاد وحدها بل مهمة الأمة كلها. برغم ذلك، لا يمكن أن نتنازل عنه مهما كان الظرف. أما طريق بلوغ الهدف، فهو بكل بساطة الجهاد أو المقاومة والكفاح المسلح. وهذا الطريق قد تسلكه الحكومات والجيوش من خلال "الحروب النظامية"، وقد حدث وخاضت الأمة حروباً من أجل فلسطين، وقد تسلكه الشعوب عبر خيار المقاومة الشعبية المسلحة. قد تتوقف الحروب النظامية، وتستمر المقاومة الشعبية المسلحة، وقد يتوقف الاثنان معاً، لكننا، بأي حال من الأحوال، لن نتخلى عن إرادة التحرير وإرادة الجهاد والمقاومة ونستبدلهما "بإرادة التسوية" بل إن "إرادة التحرير" هي التي تولد "إرادة المقاومة". أما عندما يتم تيئيسنا من هدف التحرير فلا أحد سيفكر في أن يطلق طلقة واحدة أو يعد العدة لذلك، وهذا هو ما وصل إليه شخص مثل رئيس السلطة محمود عباس ومن حوله. أما نحن فنقول إذا تعذر التحرير أو تعذر الجهاد من أجله، فالبديل هو الصبر والصمود إلى أن يأذن الله بحال أحسن من هذا الحال، أما أن يستغل الأعداء سوء أحوالنا فيأخذوا توقعينا بالتنازل عن حقنا في وطننا، فهم لن ينالوا ذلك منا بإذن الله ولو على شبر من أرضنا.
                                هذا من الناحية المبدئية، أما من الناحية العملية، ففي نضالنا وحركتنا السياسية، فقد أثبتت الوقائع بأن حركة الجهاد كانت ولازالت هي الأكثر انسجاماً في الساحة الفلسطينية مع مبادئها ومنطلقاتها وأهدافها في كل خطوة وكل موقف عبرنا عنه، حيث رفضنا الانزلاق إلى أي برنامج أو مشروع سياسي يمكن أن يبعدنا عن أهدافنا أو أن يحرف بوصلتنا عن اتجاهها. وهذا لا يعني أننا لا نعاني من عقبات أو عثرات أو قصور، فالكمال لله وحده.
                                أما بالنسبة لمواقف الأخوة في حركة حماس والتطور في فكرها السياسي نحو القبول بالمرحلية وتجزئة الأهداف، فإننا وإن كنا لا نقول باستنساخها تجربة حركة فتح، فمن المهم أن نستفيد نحن في الحركة الإسلامية من هذه التجربة.. الأخوة في فتح وخلال عشرين سنة من انتصار العرب الجزئي في تشرين/ أكتوبر 1973 إلى نكبة أوسلو 1993، وفلسطينياً من البرنامج المرحلي إلى اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وهي تحتل كامل التراب الفلسطيني، قد أكملوا دورة مروعة من الهبوط خلال هذا المدى الزمني القصير من عمر صراع تاريخي طويل كالصراع على فلسطين. منذ برنامج النقاط العشر قالوا إن التنازل الجزئي هو خطوة على طريق الحل نحو استعادة كامل الحق. ماذا كانت النتيجة، وماذا كان حصاد عقدين من هذه التجربة؟ لقد تحول التنازل الجزئي إلى خطوة على طريق التنازل الكلي.. وهذه برأينا نتيجة حتمية.. لأنك في اللحظة التي تضع فيها أقدامك على طريق هذه اللعبة السياسية، فستجد نفسك مع الوقت أسيراً لها ومحكوماً لقوانينها، وهي لعبة صممت في ظل موازين قوة لا تسمح لك بغير التنازل وتجريدك من حقك، لكن بشكل سياسي مخادع كي يبدو التنازل مقبولاً.. وهذا أمر طبيعي، فلو كان ميزان القوة هو في صالح العرب والفلسطينيين، كما هو في صالح إسرائيل، أظن لاختفت إسرائيل كدولة عن الخريطة منذ زمن. لكن هذا لم يحدث لأن قادة المشروع الصهيوني كانوا يعرفون ماذا يريدون كما أسلفنا. وإذا قارنا مسيرة المشروع الصهيوني بتجربة حركة التحرر العربي أو حركة التحرر الوطني الفلسطيني، نجد أن الفارق كبير إلى حد الذهول. فمن المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا عام 1897 حتى إقامة الكيان عام 1948 لم يغير المشروع الصهيوني أهدافه ولم يتراجع عن إقامة الكيان بالحرب والقنال. وحين انعقد المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرون بالقدس عام 1951 بعد إقامة الكيان، أصبح الهدف هو دعم وحماية إسرائيل ودعوة مزيد من يهود العالم للهجرة إليها، وفق ما سمي بقانون العودة الذي استصدره بن غوريون من الكنيست الإسرائيلي عام 1950. خلال 50 سنة (1897-1947) أنجز المشروع الصهيوني إقامة إسرائيل دون أن يغير حرفاً يتعلق بهذا الهدف. أما حركة التحرر العربي والوطني فخلال عشر سنوات (1964-1974) فماذا حل بميثاق منظمة التحرير وأهدافها؟ وخلال 30 سنة وصولاً إلى 1994 ماذا كان الحصاد؟ عادت قيادة منظمة التحرير إلى الضفة وغزة في ظل احتلال إسرائيل لها لتكون شريكة للعدو في حفظ أمنه وقمع المقاومة الفلسطينية التي وصموها بالإرهاب!
                                ما يهمنا في من كل هذا هو التحذير من الانزلاق إلى مربع كسر المحرمات السياسية.. عندما وافق عبد الناصر مثلاً على مشروع روجرز عام 1970 وقبل بالتفاوض مع إسرائيل على أساس قرار 242 الذي يعني الاعتراف بإسرائيل، رفضت حركة فتح ذلك، بدافع أن منطق الثورة غير منطق الدولة، أي أن منطق وخيارات "فتح الثورة" غير منطق وخيارات "مصر الدولة". لكن كسر المحرمات من زعيم عربي بوزن جمال عبد الناصر زرع بذرة القبول بإسرائيل لدى الطرفين "مصر الدولة"، و"فتح الثورة". وهذا ما أثمر توقيع كامب ديفيد ومعاهدة الصلح على يد السادات عام 1979، وتوقيع أوسلو والاعتراف الفلسطيني الرسمي بإسرائيل عام 1993.
                                الذين يتحدثون عن استنساخ حماس لتجربة فتح يعتقدون أن حماس تحاول اختصار الزمن وحرق المراحل. برأينا ليس المهم قياس الزمن في هذه المسألة، المهم أن نحدد نقطة التحول أو بداية انعطاف المسيرة. لقد سبق أن قلنا في غير هذه المناسبة بأن نوعاً من خلط الأوراق قد حدث في الساحة الفلسطينية، منذ دخول حماس الانتخابات والحكومة، أو ما يسميه قادتها "اللعبة الديمقراطية".. منذ ذلك التاريخ، أصبح لدى المراقب صورتان لحماس: "حماس السلطة"، و"حماس المقاومة"، وهما صورتان مختلفتان، لأن السلطة شيء، والمقاومة شيء آخر. أحياناً لا يستطيع المراقب أن يميز من الذي يتحدث؟ "حماس السلطة"؟ أم "حماس المقاومة"؟ حتى اللحظة تحاول حماس المحافظة على مسافة بين الصورتين أو أن تضبط العلاقة بينهما، لكنها عملية شائكة وشاقة، أن تجمع بين النقيضين، السلطة والمقاومة، وأن ترسم بدقة الحدود الفاصلة بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وما هي الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها، فهذه فعلاً مسألة شاقة وخطرة.
                                لو أخذنا مسألة الاعتراف أو عدم الاعتراف بإسرائيل مثلاً، فهي تنتمي إلى البعد الاستراتيجي في إدارة الصراع.. أي أنها من المسائل الاستراتيجية التي لا يمكن المناورة فيها أو المساس بها، لا بشكل مباشر أو غير مباشر.. بالنسبة لحماس فهي مازالت صامدة في هذه النقطة، لهذا نحن نعلن دعمنا وتأييدنا لها في ذلك رغم عدم انخراطنا في السلطة من قريب أو بعيد.. لكن عندما تصدر عن حماس أحياناً مواقف ملتبسة قد يفهم منها بأنها تعني ضمناً الاعتراف بإسرائيل، مثل القبول بدولة في حدود 67، فإننا نقترب من دائرة الخطر والمساس بالاستراتيجي. وحين تسارع حماس إلى التأكيد على أن قبول دولة في حدود 67 لا يعني اعترافها بإسرائيل، وهذا ما نعتقد أنه موقف حماس، فإن طرح حماس لفكرة الدولة في حدود 67 يصبح لا قيمة له في نظر من تستهدفهم بهذا الخطاب، برغم ذلك، يظل ضرر مثل هذا الخطاب برأينا أكبر من نفعه، لأنه لن ينفع "حماس السلطة" ويضر "بحماس المقاومة". بدليل أننا نجد شخصيات يهودية استراتيجية مثل هنري كيسنجر، وشلومو غازيت وآري شبيط وغيرهم يطالبون بتجاهل اعتراف أو عدم اعتراف حماس بإسرائيل، بل يدعون إلى الاعتراف بها والدخول في حوار معها حول التسوية.. لماذا؟! ليس فقط لأن حماس قوة لها وزنها في الساحة الفلسطينية، بل أيضاً لأن هؤلاء يعنيهم بالدرجة الأولى أن يعم خطاب وثقافة التسوية وتصبح مناخاً عاماً يشارك فيه الجميع في المنطقة.. إنهم بمثل هذه المواقف يقولون ببساطة دعنا ندخل حماس إلى حلبة التسوية لتصبح لاعباً في ورشة غسيل الدماغ التي افتتحتها حركة فتح في المنطقة، لكنها ورشة مازالت تفتقر إلى الشرعية في نظر الشعوب التي تكره وترفض إسرائيل. وعندما تتكلم حماس الإسلام والمقاومة، بلغة أصحاب هذه الورشة فالأمر بالطبع مختلف عن الآخرين!
                                مثلاً، عندما يقول قائد كبير في حماس "لا سلام بدون حماس" على غرار "لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا" ماذا يعني هذا الخطاب؟ وأي سلام هو المقصود هنا؟!
                                نحن نعرف أن هناك السلام الذي تريده إسرائيل، وهو سلام ليس فيه فلسطين، بل هو "السلام مقابل الطعام" كما قيل في زمن السادات.. ومعناه أن يتنازل الفلسطينيون عن معظم أرضهم وكامل السيادة عليها، مقابل أن يسمح لهم بالعيش على فتات منها ككائنات بشرية تأكل وتشرب فقط! وهناك سلام النظام العربي وسلطة أوسلو وهو سلام فيه إسرائيل، وفلسطين جديدة، على فتات الأرض الفائضة عن حاجة إسرائيل الأمنية ومهمتها ضمان وحفظ أمن إسرائيل، أي أنه لا يختلف في جوهره عن سلام إسرائيل! وهناك سلام حماس الذي فيه فلسطين كاملة من النهر إلى البحر ولا إسرائيل فيه.. كلنا يعلم أن موازين القوى، التي لا تسمح بتحقيق سلام النظام العربي وسلطة أوسلو، لا يمكن بل من المستحيل أن تسمح بتحقيق سلام حماس.. برغم ذلك، فالغرب وإسرائيل والنظام العربي سيرحبون بمثل هذا الخطاب، لأنه عندما يصدر عن حماس أو حتى عن أي شخص في حماس في وقت يزدحم فيه عالم السياسة بالحديث عن مفاوضات الحل النهائي، وكلنا يعلم أن هذا الحل، مهما كان شكله، إنما يتأسس ويقوم على الاعتراف النهائي بوجود إسرائيل، فهذا الخطاب مهما كانت النوايا خلفه، فإنه يصب في النهاية في خانة مشروع التسوية ويعزز رصيده، من خلال إشاعة خطاب التسوية ولغته ومفرداته. ولا أظن أن حماس تريد ذلك أو يريده لها جمهورها وحلفاؤها وكل من يراهن عليها..
                                وهنا نقترب من موضوع الاستفتاء على أي حل نهائي يتوصل إليه محمود عباس مع إسرائيل. من حيث النوايا، لسنا قلقين على جوهر موقف الأخوة في حماس، وأنا أعرف أن خطاب حماس هو نوع من المناورة السياسية، لكن هذا يستوجب سؤالاً هاماً، هل "الحل النهائي" ضمن عملية التسوية الجارية يدخل في الاستراتيجي أم في التكتيكي؟ وهذا سؤال أظن أن الجميع يعرف إجابته أو ليس بحاجة إلى إجابة! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ما هو الموقف من مسألة الاستفتاء، سواء من حيث المبدأ أو في التطبيق؟ إذا كان المقصود بالاستفتاء هو سماع رأي الناس في أمر ما، فلا مانع لدينا في ذلك، فهذه هي الشورى وهي واجبة ولا جدال في هذا (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر).. لكن السؤال يبقى أي أمر؟ ومن نشاور فيه؟
                                بالنسبة للشق الأول من السؤال، فالكل يعرف أن الأمر المطروح للاستفتاء ليس مادة من مواد الدستور في دولة مستقلة ذات سيادة كما يحدث في بعض الدول، ولا الموقف من توحيد العملة كما حدث في أوروبا، ولا الموقف من الإجهاض كما يجري في بلدان ديمقراطية علمانية، المعروض علينا في فلسطين أن نسأل الناس أو نستفتيهم فيما إذا كانت فلسطين لنا أم لا؟ وهذا هو المقصود بمقولة "لا يستفتى على الثوابت" نحن نقول ذلك، وحماس تقوله، وثوابتنا هي فلسطين كل فلسطين.. لكن الإشكال يكمن في أن لا أحد سيسألنا بصيغة إن كانت فلسطين لنا أم لا؟ بل إن السؤال الموجه لشعبنا، مهما كانت صيغته، سيكون معناه ومغزاه هل ترضى بالموت والجوع والحصار الذي تتعرض له، أم تقبل بحل تتنازل فيه عن جل أرضك وحقك، ونرفع عنك الموت والجوع والحصار، وتعيش في كيان مسخ بعلم ونشيد وطني، يحقق حلم وشعار "السلام مقابل الطعام"؟!. في الموقف من هكذا استفتاء، يقول الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "لا تسألوا من ليس في بيته دقيق" وهذا يعني أن الشعب الجائع والذي تغوص سكين الاحتلال في لحمه ودمه لا يسأل، والموت فوق رأسه وواقع عليه، عن مصير ومستقبل فلسطين.
                                أما بخصوص من نسأل أو من يشملهم الاستفتاء؟ هل يشمل جزءاً من الشعب الفلسطيني، أي أهل الضفة والقطاع؟ أم كل الشعب الفلسطيني في كل مكان؟ أم كل العرب والمسلمين؟ فجوابنا هو ما أجابت به حماس عن هذا السؤال في ميثاقها، حين قالت إن فلسطين أرض وقف إسلامي، أي إنها ملك لكل العرب والمسلمين.. والمعروف أن الوقف لا يخص جيلاً بعينه، أي أن فلسطين ملك لكل الفلسطينيين ولكل العرب والمسلمين بكل أجيالهم، وعليه، فلا يمكن للجيل الحالي في ظل واقع الضعف والهزيمة واختلال موازين القوى أن يستفتى ليقرر مصير فلسطين، ويصادر حق الأجيال القادمة فيها، ويوصد الطريق أمامهم، ويمنعهم من امتلاك القوة لإنجاز التحرير.
                                لهذا، كان موقف حركة الجهاد اعتبار القبول بمبدأ الاستفتاء على أي حل نهائي لقضية فلسطين أمر في غاية الخطورة.. خاصة إذا جاء الطرح من حركة مثل حماس التي مازالت موضع ثقة واحترام الملايين من شعوب العرب والمسلمين.
                                وقبل هذا كله يجب أن لا ننسى أن اتفاق أوسلو وما أفرزه من واقع لم يأت باستفتاء ولم تستشر حركة فتح أو قيادة منظمة التحرير أحداً في الشعب الفلسطيني.. فإذا كانوا لم يستفتوا أحداً في بداية الصفقة الحرام، صفقة أوسلو، لماذا يطرح الاستفتاء على نتائجها الكارثية؟! وإذا كان العالم كله جاد في اعتبار الاستفتاء طريقاً لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه فليعطوا الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، لا أن يعقدوا صفقات مع العدو في غرف مغلقة، كثمرة لميزان القوة المختل لصالح إسرائيل، ثم يريدون رأي الشعب الفلسطيني فيما هو مفروض عليه بقوة السلاح.. لقد وعدوا الشعب الفلسطيني في بداية أوسلو بسنغافورة جديدة، لكنهم نسوا أو تناسوا أن دولة سنغافورة اقتطعت من ماليزيا المسلمة عندما أعطى السكان الصينيون الذين جلب معظمهم جلباً لهذه الغرض، الحق في تقرير المصير وقرروا الانفصال عن ماليزيا ونشأت سنغافورة.. في الحالة الفلسطينية وعدونا بسنغافورة تحت الاحتلال لا بعد التحرير أو نتيجة لممارسة حق تقرير المصير، وهذا نموذج للظلم والزيف والتضليل الذي يمارس بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية الصراع، ويريدوننا أن نشارك فيه أو أن نكون جزءاً من طقوس التضليل هذه! لكننا مهما كان الظرف لن نكون جزءاً من هذه اللعبة، لأننا لا نقبل بأن يستفتى حتى كل الشعب الفلسطيني على حق الأمة في فلسطين، وحديثنا عن حق تقرير المصير هو لبيان فداحة الظلم وبشاعة الازدواجية التي يمارسها الغرب وربيبته إسرائيل بحق شعبنا وأمتنا. أما مصير فلسطين فهو مسؤولية الأمة كلها، لأنها بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وكما نقول دائما "آية من الكتاب" والذي يفرط فيها يفرط في الكتاب، والذي يستفتي الناس عليها هو كمن يستفتيهم على الكتاب!
                                أختم وألخص الحديث في هذا السؤال بالقول: نعم، نحن لدينا رؤية واستراتيجية، لكن لا يكفي أن يقتنع بها أبناء الجهاد الإسلامي ويصنفها الآخرون استراتيجية رفض مع ما في ذلك من ظلم وإجحاف بحقنا، وحماس لديها تطور في رؤيتها ومواقفها، لكن البعض يخشى عليها من استنساخ تجربة حركة فتح.. حتى نخرج من هذه المفارقات، ومن المأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، ينبغي أن نضع النقاط على الحروف ونقر بأن هناك مشروعين وبرنامجين في الساحة الفلسطينية: برنامج التسوية، وبرنامج المقاومة. وكي لا يتحول برنامج المقاومة، من حيث ندري أو لا ندري، في خدمة التسوية، لابد من صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة، "استراتيجية التحرير" في مقابل "استراتيجية التسوية" التي يتبناها النظام العربي ومنظمة التحرير.. نحن ندرك أن حماس والجهاد وقوى المقاومة لا يستطيعون تحقيق ما عجزت عنه الأمة كلها في هذا العصر، لكن هدف التحرير ينبغي أن لا يسقط. من هنا، فإننا ومن باب حرصنا على حركة حماس الشقيقة كشريك استراتيجي في برنامج المقاومة، وكفصيل يتصدى لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، نقول إن استراتيجية المشاركة في السلطة أو ازدواجية الصورة بين "حماس السلطة" و"حماس المقاومة" بحاجة إلى مراجعة، والعمل على صياغة استراتيجية موحدة لقوى المقاومة كي لا تتبدد الطاقات والجهود، ولا يذهب حصاد الدماء والتضحيات إلى طاحونة الأعداء والخصوم من حيث ندري أو لا ندري؛ استراتيجية تقوم على الفصل بين ممارسة السلطة تحت مظلة أوسلو والاحتلال، وممارسة المقاومة ضده، فالسلطة شيء والمقاومة شيء آخر، فلتبق السلطة بكل مساوئها لأهل السلطة، ولتبق المقاومة بكل بريقها ونظافتها لأهل المقاومة، وليقم بين أهل المقاومة وأهل السلطة من أبناء الشعب الواحد، ما تقتضيه المصلحة والضرورة من تعايش لا صدام، ليبقى الصدام مع العدو الصهيوني وحده.

                                7 ـ هل تعتقدون أن العدو قد يبادر إلى شن حرب جديدة على مستوى المنطقة، ضد إيران وسوريا وحزب الله في المدى المنظور، وكيف تنظرون إلى إعلان رئيس وزراء العدو استعداد كيانه للانسحاب الكامل من الجولان، وما مدى جدية هذا الطرح، هل هو مجرد مناورة في مواجهة المسار التفاوضي الفلسطيني أم أنه سيفتح فعلاً باباً للسلام مع سوريا أم أن المنطقة مازالت مفتوحة على احتمال الحرب؟

                                ـ لفهم هذا الموضوع الشائك والحساس، ولأن الموضوع أولاً وأخيراً يتعلق بإسرائيل وأمنها، علينا أن نبدأ بالقراءة الإسرائيلية للمنطقة خاصة بعد هزيمتها في حرب تموز/ يوليو عام 2006. إسرائيل تعتبر أنها على أعتاب الدخول، إن لم تكن دخلت، لمرحلة الخطر الوجودي أمام جملة من التهديدات، أولها ما تسميه تهديد الملف النووي الإيراني، وتهديد حزب الله وقوته الصاروخية، والتهديد الفلسطيني بشقيه المقاومة الفلسطينية والحالة الإسلامية التي تمثلها حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة والضفة الغربية، وفلسطينيي 48 في قلب الكيان؛ ثم سوريا التي هي حليف لكل هؤلاء وأرضها محتلة وتعيد بناء قوتها العسكرية.
                                كيف ستتعامل إسرائيل مع هذه التهديدات؟ كثيرون كانوا يعتقدون ولازالوا بأن الحرب قد تندلع في المنطقة قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بوش مع نهاية عام 2008، سواء بضربة أمريكية لإيران أو بحرب إسرائيلية ضد حزب الله أو سوريا. ولاعتقادنا أن الحرب تجاه أي من هذه الأطراف ستمس بإسرائيل في كل الأحوال، بل هي حرب إسرائيل، فإننا سنركز على الموقف الإسرائيلي من الحرب. برأينا إن هناك معادلة تتحكم في قرار إسرائيل بالذهاب أو عدم الذهاب إلى الحرب، وهي أنها إذا شعرت بأن تكلفة القبول بالواقع الراهن الذي تشكله هذه التهديدات على وجود إسرائيل أعلى من تكلفة أي حرب تخوضها غداً، فهي ستذهب إلى الحرب. إن إسرائيل برأينا لم تصل إلى هذه اللحظة، بل إنها متيقنة من أن تكلفة أي حرب (بعد تجربة تموز 2006) ستكون أعلى بكثير من مخاطر وتهديدات الواقع الراهن.. كما أن أخطر هذه التهديدات من وجهة نظر إسرائيل (الملف النووي الإيراني) هو تهديد مستقبلي وليس آنياً أو لحظياً. وهنا توجد ثغرة يمكن أن يندلع منها خطر الحرب، وهي إذا قارنت إسرائيل التهديد المستقبلي بفرصة متوفرة هي وجود بوش وديك تشيني في البيت الأبيض. هنا قد تغامر إسرائيل بدخول حرب مع أي طرف وبالذات حزب الله لتقول للولايات المتحدة أن هناك خطراً على وجودها وتجبر إدارة بوش على دخول الحرب. لكننا نعتقد أن احتمال حدوث مثل هذا السيناريو يبقى ضئيلاً، وأن إسرائيل، برأينا، ما زالت تعتبر بأن لديها متسعاً من الوقت للتعامل مع مكونات هذا التهديد الوجودي بطريقة أخرى، طريقة التفكيك والمحاصرة أو شراء الوقت لمراقبة أوضاع المنطقة وتحصين جبهتها الداخلية التي تعتبر النقطة الأضعف في حروبها بعد حرب تموز 2006. من هنا، فهي تطرق باب التسوية مع سوريا وتبدي استعدادها للتخلي عن كامل الجولان، وهو عرض جدي برأينا، رغم حاجة إسرائيل الماسة للجولان من الناحية الاستراتيجية، ومسألة المياه. لكن حاجة إسرائيل إلى عزل إيران، ومحاصرة حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية، أشد من أي حاجة أخرى في هذه المرحلة.. لكن ما هو الثمن المطلوب لذلك؟ هناك في إسرائيل من يعتقد، لاسيما المؤسسة العسكرية والأمنية أن الثمن إذا كان هو عودة الجولان فينبغي دفعه لتحقيق هذه الأهداف وعلاوة عليها (السلام) مع سوريا كمقدمة للسلام الشامل والتطبيع مع باقي العرب. أي أن بذلك ربما تريد أن تعيد تجربة سيناء مع مصر، حيث أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وأعادت لها سيناء ولم تعدها، من خلال الترتيبات الأمنية.. وفعلت ذات الشيء، وبدرجة أقل، مع قطاع غزة، حيث خرجت من القطاع ولم تخرج منه، لأن السيادة بقيت في يدها.. الآن هي قد تفكر في إبعاد سوريا عن إيران وإخراجها من محور المقاومة والممانعة في المنطقة، من خلال إعادة الجولان، عبر ترتيبات أمنية تعيد بها نموذج سيناء، بأن تخرج منها ولا تخرج!
                                أما علاقة هذا الموضوع بالملف الفلسطيني فهي في اعتقادنا أكبر وأخطر من مجرد المناورة أو اللعب على المسارات وإن كان هذا موجوداً أيضاً.. إن الرأي الإسرائيلي القائل بإعادة الجولان إلى سوريا هو موقف يستبطن استعداد إسرائيل لاحتمال انهيار التسوية وانهيار السلطة.. هناك فرق بين أن تنهار التسوية والسلطة، فيما قوى المقاومة في فلسطين، تجد في الموقف الإيراني والسوري وحزب الله حاضنة لها وللمقاومة، أو أن تنهار التسوية وهذا المحور مفكك، أو تكون سوريا في حالة (سلام) مع إسرائيل، حتى أصحاب مشروع التسوية في فلسطين يضيق عليهم الخناق عندها وتصبح آفاق مشروعهم محدودة جداً، أي أن التسوية مع سورية تحاصر التسوية والمقاومة في فلسطين وهذا ليس جديداً على التفكير الإسرائيلي.
                                وبرغم جدية طرح رئيس وزراء العدو برأينا وحاجته هو شخصياً للتسوية مع سوريا وحاجة الوسيط التركي لذلك، إلا أن هناك عقبات تواجه هذا الموضوع أهمها الموقف الأمريكي من سوريا، والمعارضة الإسرائيلية الداخلية، وكذلك الموقف السوري الذي يعرف جيداً أساليب المراوغة الإسرائيلية ويدرك الفرق بين علاقته بإيران وحزب الله ووجوده في محور الممانعة للسياسة الأمريكية في ظل احتلال العراق، والثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل قطع هذه العلاقة وإخراجه من هذا المحور. لذلك أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً حتى تتضح الصورة، فالحلبة الداخلية الإسرائيلية، لاسيما السياسية، لا تبدو مهيأة لقبول هكذا مشروع، والسباق بين السياسيين في إسرائيل حتى انتخابات عام 2010 هو سباق على التشدد والاستعداد للحرب وليس على التسوية أو صنع السلام! كما أن الموقف الأمريكي يشكل عنصراً أساسياً في هذا الأمر، فإذا فاز الجمهوريون في الانتخابات الأمريكية القادمة ولم يتم التوصل إلى تسوية في الملف النووي الإيراني فأنا أعتقد أن الحرب في المنطقة حتمية، ليس بالضرورة هذا العام، وليس مهماً على أي جبهة (الإيرانية أو السورية أو اللبنانية) لكنها حتماً قادمة. ويظل الملف النووي الإيراني هو كلمة السر في نظر إسرائيل والإدارة الأمريكية. عندما تحدثت بعض المصادر بأن الولايات المتحدة قد تهاجم إيران في كل الأحوال وقد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية في حربها، تعجب يومها وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو في نيسان 2006 قائلاً بأن هذا سيكون عملاً "جنونياً تماما" لكنه فقد منصبه بعد شهر من هذا الكلام! وهناك اعتقاد واسع في الغرب بأنه لم يقل ذلك إلا بعد سماعه بأن الهجمات النووية سوف تحدث فعلاً!
                                وحتى لو حدث مفاجآت، تغير مجرى الأمور في المنطقة، ولجأت إسرائيل إلى إبعاد سوريا عن إيران وحزب الله وفلسطين وقبلت بتسوية حول الجولان تبقى المشكلة الأساسية في المنطقة هي قضية فلسطين.. لقد خرجت مصر من الصراع واستعادت سيناء ولم ينته الصراع، وقد تعود الجولان غداً إلى سوريا، لكن لن ينتهي الصراع لأن أساسه ومحوره فلسطين ونحن مطمئنون بأن سوريا لن تساوم على حق الأمة في فلسطين كما لم تساوم على شبر من الجولان، لأن سوريا تدرك أكثر من غيرها بأن الخطر الذي كان يتهددها ويتهدد الأمة كلها ولا زال لم يكن ضياع الجولان أو احتلال غزة بل وجود إسرائيل على الخريطة وفي الجوار. والصراع مع المشروع الصهيوني وإسرائيل، كما يتعلم أطفال المدارس في سوريا هو صراع وجود وليس صراع حدود. كما أن الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل، لم تمتلكها لتردع بها الشعب الفلسطيني، ولا لتقصف بها غزة أو رام الله، أو حتى تضرب بها دمشق أو بيروت، إنها موجودة لتهديد كل عربي وكل مسلم إلى أقاصي الأرض، وبالذات مصر والسعودية، لما يمثلانه من ثقل في العالم العربي. وإسرائيل هي كما قال موشيه ديان يوماً "بأنها يجب أن تظل مثل كلب مجنون في المنطقة"، فخطر هذا الكلب المجنون لا ينحصر في الشعب الفلسطيني رغم أنه ينهش لحمه على مدار الوقت. إن خطر إسرائيل لا يستثني أحداً، وبعد احتلال أفغانستان والعراق، وتهديد إيران وسوريا، فنحن أمام مشروع صهيوني أمريكي مركب وشرس يهدف إلى إخضاع المنطقة بكاملها.. ولا يمكن الرد عليه أو مواجهته بتحويل الأنظار عن خطر إسرائيل، وخلق أخطار وهمية، سواء بين بعض العرب ضد البعض الآخر، أو بين العرب وإيران.
                                إن إسرائيل رغم بلوغها عامها الستين، تدرك أن الاعتراف العربي الرسمي بها هو مجرد اعتراف من الأنظمة بالعجز أمام المشروع الصهيوني، وأن القبول العربي النهائي والتاريخي بوجود إسرائيل لم يتحقق ولن يتحقق؛ لأن هذا الأمر بيد الشعوب، وليس بيد الحكام، والأمر كله أولاً وأخيراً بيد الله عز وجل (لله الأمر من قبل ومن بعد) وقد وعدنا الله الذي لا يخلف وعده، بأن إسرائيل لن تدوم وهي بإذن الله إلى زوال (فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً).
                                تلميذ الإمام الشهيد فتحي الشقاقي: فتحي الفارس

                                تعليق

                                يعمل...
                                X