اعتبر مراقبون أن الهجوم الصاروخي الأخير للمقاومة على مركز تجاري بـ "عسقلان" البلدة الساحلية الاستراتيجية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، والذي نجم عنه وقوع العشرات من الإصابات في صفوف المغتصبين، وحالات الهلع الشديدة، كان له وقع الصدمة على قيادة جيش الاحتلال، والحكومة الصهيونية، وأوقعهما في حرج شديد لأكثر من سبب، سواء لجهة التوقيت أو قوة التأثير والآثار المحتملة.
دلالات التوقيت
فمن حيث التوقيت؛ فإن الهجوم وقع أولاً: في إطار احتفالات الكيان الصهيوني بما يسميها الذكرى الستين لقيام دولته، وبحضور عدد من زعماء العالم، وبرأي مراقبين فإن الرسالة التي أوصلها صاروخ المقاومة الذي وصل إلى عسقلان، هي أن المجتمع الصهيوني لن يكون بمقدوره أن ينعم بالأمن حتى بعد ستين عاما من تأسيس دولته، وأن دولته عاجزة عن تأمين ذلك لمواطنيها رغم ترسانتها الحربية والعسكرية، مقابل سلاح بدائي بسيط لدى المقاومة الفلسطينية، ثم إن من يطلق القذائف الصاروخية هم أبناء وأحفاد جيل النكبة الذي هجِّر عن دياره ظلما وعدوانا، وهم إنما يوجهونها إلى مدينة سبق أن اغتصبت عام 1948، أي قبل ستة عقود.
وينبني على ما سبق أن هذه العملية وغيرها تندرج في إطار فعل المقاومة، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها "إرهابا"، كما حاول أن يوحي بذلك الاحتلال وحليفته الإدارة الأمريكية، في احتفالاتهم الراهنة أو قبلها، وقد ركّز على هذا الجانب الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص بالشأن الصهيوني ومؤلف موسوعة ( اليهود واليهودية والصهيونية)، حيث نقل عن أحد مؤسسي الكيان الصهيوني "بن غوريون" الذي قال في خطبة له عام 1938 أن الجماعات اليهودية في فلسطين لا تواجه "إرهابا".
رسالة عاجلة إلى "بوش"
ويبدو أن صواريخ المقاومة التي انطلقت تجاه عسقلان الأربعاء (14/5) الجاري، لم تكن رسالة موجهة للداخل الصهيوني فقط، بل للرئيس بوش أيضا، الذي حل ضيفاً على الكيان الصهيوني، ليشاركه أفراحه بنكبة الفلسطينيين في ذكراها الستين، ومؤداها من وجهة النظر الناطق الرسمي باسم حركة "حماس" الدكتور سامي أبو زهري، أن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه بالعودة إلى أرضه.
وكان الرئيس الأمريكي بوش في الخطاب الذي ألقاه أمام الكنيست الصهيوني يوم (15/5) قد جدد دعمه وتأييده الكامل للكيان الصهيوني في حربه ضد ما أسماها "الإرهاب"، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، معرباً عن أمله بأن تحتفل الدولة العبرية بالذكرى الـ 120 وهي أقوى وأفضل تقدماً، على حد تعبيره.
وذكر المسيري بأن "بن غوريون" عرف الإرهاب بأنه "مجموعة من العصابات مُمَولة من الخارج.. ونحن هنا لا نجابه إرهاباً، وإنما حربا. وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا.. هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصابا لوطنهم من قبل اليهود.. فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً".
رسالتان على صلة بالتهدئة
كما وقع هذا الهجوم من حيث التوقيت، بينما تنتظر حركة "حماس" وفصائل المقاومة الرد الصهيوني على التهدئة التي عرضتها مصر، وسبق أن قبلتها. وتحاول السلطات الصهيونية وضع شروط تعجيزية لقبولها التهدئة، كالربط بينها وبين الإفراج عن جنديها الأسير لدى المقاومة "جلعاد شاليط"، وضبط مصر لحدودها مع غزة ومنع وصول أي سلاح منه إلى المقاومة.
ولعل أولى الرسالتين المرتبطتين بهذا الجانب، برأي محللين سياسيين؛ بأن انتظار الرد الصهيوني على التهدئة لا يعني بحال من الأحوال عدم الرد على جرائمه التي يقوم بارتكابها في غزة من حين لآخر، فقد جاءت العملية في اليوم نفسه الذي سقط فيه أربعة مواطنين شهداء بنيران جيش الاحتلال، في توغلات صهيونية متفرقة جنوب وشمال قطاع غزة.
وقد جاء في بيان حركة "حماس" بمناسبة هذه العملية أنها "ردّ طبيعي على الإجرام الصهيوني المتواصل بحق شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والذي لم يتوقف لحظةً واحدة، وليس آخره استشهاد خمسة من أبناء شعبنا اليوم في جباليا وخان يونس".
أما الرسالة الأخرى لهذا الهجوم وما يتصل بالجهود المصرية لإحلال التهدئة ورفع الحصار عن قطاع غزة، كما يستنتج متابعون للشأن الفلسطيني، فهي أن على الاحتلال أن يختار بين قبوله بالتهدئة ووقف عملياته العدوانية وفتح المعابر، وبين استمرار المقاومة ، بعملياتها النوعية، واستهداف مغتصبيه في المغتصبات المحيطة بالشريط الحدودي للقطاع بالصواريخ التي أحدثت نوعا من توازن الرعب مع الاحتلال.
صبر "باراك" !
ولأن صواريخ المقاومة، صارت على ما يبدو معضلة صهيونية مستعصية، لا يستطيع المحتل إيقاف إطلاقها أو وصولها إلى كيانه، فإن وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك الذي زار المركز التجاري الصهيوني بعسقلان بعد سقوط الصاروخ الذي أطلقته كتائب جهاد جبريل الجناح العسكري للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة لم يملك إلا أن يدعو مغتصبيه إلى التحلي بالصبر، زاعما أن الوضع الأمني الحالي لن يستمر فترة طويلة.
ووعد براك بإعادة النظر في موضوع منظومة الإنذار المبكر من الهجمات الصاروخية، علما بان الدوائر الأمنية للاحتلال كانت قد قررت مؤخرا وقف تشغيلها في البلدة.
وأكثر من ذلك؛ فإن باراك كقائد سابق لأركان الجيش الصهيوني، والذي يدرك أكثر من مواطنيه والقيادات السياسية والحزبية الذين صدموا بحجم تأثير الهجوم الصاروخي، صعوبة وقف صواريخ المقاومة، رغم محلية صنعها، والمخاطر الكبيرة التي تحف القيام بحملة برية واسعة، فقد حذر من القيام بعمل عسكري متعجل ضد غزة بعد يوم من سقوط صاروخ أطلق من قطاع غزة على مركز تجاري في جنوبي الكيان الصهيوني.
وقال باراك في كلمة ألقاها في القدس الخميس (15/5) "بعد أحداث الأمس تغلي الدماء ويريد القلب أن يرد، على حد تعبيره، " لكنه أضاف "الأكثر أهمية أن نمارس الحكم الصحيح ونتبع سياسة فكر أولا وتصرف لاحقا."
تخوفات صهيونية من المستقبل
ورأى مراقبون أن تصريحات باراك ليست سوى لامتصاص النقمة الشعبية في الشارع الصهيوني، خصوصاً بعد أن أدرك الشارع أكثر من أي وقت مضى عجز جيشه عن مواجهة قوة المقاومة المتصاعدة، وفشله في وقف الهجمات الصاروخية حتى عند قيامه بعمليات برية واسعة، كما حدث في ما سمي بعملية " الشتاء الساخن"، نهاية شهر فبراير وبداية مارس الماضيين.
ومضت التخوفات الصهيونية حدا أبعد من ذلك، بعد العملية الصاروخية ضد عسقلان، فقد حذر رئيس هيئة الاستخبارات العامة في جيش الاحتلال عاموس يادلن من أن مدينة بئر السبع ستكون في غضون عامين في مرمى الصواريخ الفلسطينية "ما لم يفعل العدو الصهيوني شيئا".
وقال في حديث خاص لصحيفة "هآرتس" العبرية إن حركة "حماس" قد تكون قادرة على زيادة مدى صواريخها حتى عام 2010، موضحاً أن حماس تعزز مواقعها الدفاعية في قطاع غزة تمهيداً لدخول قوات جيش الاحتلال.
وأضاف يادلن بأن "حماس" لديها مئات الصواريخ التي يبلغ مداها 20 كيلومتر، وتعمل الآن على إنتاج صواريخ يبلغ مداها 40 كم مما يجعل "اسدود وكريات جات وبئر السبع" في مرمى تلك الصواريخ وذلك في محاولة لإيجاد توازن ردع يشابه ما لدى حزب الله ، على حد زعمه.
تهديدات صهيونية مكررة
ورغم التصريحات الغاضبة التي أطلقها مسؤولون سياسيون وعسكريون صهاينة إثر قصف عسقلان الأخير، نظراً لحجم ما أوقعه من خسائر بشرية (جرحى وحالات هلع وتدمير بالمبنى)، فإنها لم تخرج في المجمل عن تهديدات سابقة، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
ـ إسقاط حكم حركة "حماس" في غزة: فقد دعا حاييم رامون، النائب الأول لرئيس الوزراء الصهيوني،حكومتة لاتخاذ قرار استراتيجي بإسقاط حكم حماس، وزعم رامون في تصريحات للإذاعة العبرية أن هذا القرار له مدلولات عسكرية، موضحا أن "دولة الاحتلال لا تبدي الحزم والتصميم الكافيين، إزاء هذا الأمر".
ودعا إلى عدم نقل مساعدات إلى قطاع غزة وإلى الرد السريع والمباشر على مصادر إطلاق النار في القطاع، ورأى رامون أن فكرة التهدئة مع حماس ليست إلا خدعة تعطي حركة حماس متسعاً من الوقت للتزود بالسلاح لتتمكن من تهديد بئر السبع وأشدود وربما تل أبيب ( تل الربيع) أيضا، كما جاء في تصريحه.
وقف تنامي قوة "حماس"
ـ شن عملية برية واسعة لوقف تنامي قوة "حماس" وقوى المقاومة: ووفقاً لما أوردته صحيفة "معاريف" العبرية، فإن رئيس أركان الجيش الصهيوني الذي كان متردداً وعدداً من قيادات الجيش في شن هجوم بري واسع على غزة صاروا أميل أكثر من أي وقت مضى لهذه الحملة العسكرية على ضوء ارتفاع عدد الإصابات الناتجة عن القصف الصاروخي.
ـ المطالبة باغتيال قيادات حركة "حماس": فقد حث عدد من أعضاء الكنيست الصهيوني عن حزب "كاديما" جيش الاحتلال على تصفية زعماء حركة حماس ردا على عملية عسقلان.
وقال عضو الكنيست الصهيوني "شلومو مولا" يجب علينا تصفية زعماء حماس والإثبات لبوش وزعماء العالم أن دولة الاحتلال تكافح الإرهاب .
ومن ناحيته؛ قال رئيس لجنة الكنيست الصهيوني "دافيد طال" بأن دولته مجبرة على قطع اليد التي طلق الصواريخ باتجاهها، على تعبيره.
ـ رفض التهدئة التي يجري التفاوض بشأنها مع حماس، كما دعا إلى ذلك الوزير الصهيوني "مائير شطريت" الذي قال بلغة حادة وغاضبة على القناة العاشرة للتلفزيون العبري: لا للهدنة أو التهدئة مع حماس، مضيفا: "إذا وافقنا على تهدئة فان إيران ستدعم حماس وتعطيها السلاح لتصل صواريخها بعد ذلك إلى بئر السبع واوفكيم واسدود" على حد مزاعمه، وذهب أبعد من ذلك مطالبا بقصف مناطق فلسطينية مع كل قصف صاروخي للمقاومة بقوله: والحل أن نقصف بيت لاهيا وندمرهم ليعانوا أكثر"، كما قال.
أهمية السلاح الصاروخي الاستراتيجية
ووفقا لقراءة مراقبين فلسطينيين؛ فإن الهجوم الصاروخي للمقاومة على عسقلان، وما أحدثه من إصابات بشرية كبيرة، وحالات ذعر في الشارع الصهيوني، يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لهذا السلاح، ويفرض على الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية الاستمرار في تطويره، ليصل إلى مديات أطول، ويحقق دقة أكبر في الإصابة.
وكخلاصة دراسة أعدها مارغريت ويس من معهد واشنطن ( 11/3/ 2008) عن صواريخ القسام وصواريخ المقاومة الأخرى، فإن "صواريخ كتائب القسام والصواريخ الأخرى أدت إلى تغيير في التوازن الاستراتيجي بين العدو الصهيوني والفلسطينيين، وأعطت المجموعات الإرهابية (المقاومة الفلسطينية) الأدوات البديلة للهجوم على الصهاينة ، و رفع مستوى الخوف بين شريحة كبيرة من المغتصبين في الكيان الصهيوني . و على المدى الطويل فان وجود هذه الصواريخ سوف يجبر جميع الأطراف على إعادة التفكير بالترتيبات الأمنية للاتفاقات المبرمة مسبقا بين الصهاينة والفلسطينيين".
وكانت عسقلان التي تبعد أكثر من 12كيلومترات شمالي قطاع غزة بشكل عام خارج مرمى الصواريخ التي تطلقها المقاومة يوميا تقريبا من غزة لكن بعض الصواريخ الأقوى (خاصة الكاتيوشا والجراد سوفيتية التصميم) أصابت هذا العام المدينة التي يسكنها 120 ألف شخص غير مرة.
رهائن المغتصبات الصهيونية
وكأحدث شهادة على تأثير صواريخ المقاومة (قبل هجوم عسقلان)، والتي يصر فريق "أوسلو وخارطة الطريق ودايتون" وغيرهم من أنصار تيار التسوية على وصفها بـ " العبثية"، والأثر الذي تحدثه مع كل نجاح تحرزه، يمكن التنويه إلى ما نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية يوم (14/5) الجاري، عن قرار 40 من العائلات التي تقطن في كيبوتس (مزرعة تعاونية)"كفار عزه" في النقب الغربي بالمغادرة، بسبب تواصل سقوط صواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة على الكيبوتس.
وأشارت الصحيفة إلى أن كيبوتس "كفار عزه" والذي يبلغ عدد سكانه حوالي 800 شخص، يعيش سكانه في "وضع كارثي وخوف دائم بسبب تساقط الصواريخ وقذائف الهاون بشكل يومي"، ونقلت الصحيفة عن هذه العائلات قولها: "إننا لن نكون نحن وأبناؤنا رهائن لدولة الاحتلال ، سنعود إلى هنا عندما يوجد حل لمواصلة الحياة".
وبرأي مراقبين؛ فإنه بعد حادثة قصف عسقلان الأخير، ستكون هناك المزيد من هذه الشهادات، الواردة من الشارع الصهيوني، والدراسات الاستراتيجية والعسكرية التي ستتحدث عن تأثيرات هذا السلاح الذي أسهم في إحداث قدر من توازن الرعب مع العدو الصهيوني.
دلالات التوقيت
فمن حيث التوقيت؛ فإن الهجوم وقع أولاً: في إطار احتفالات الكيان الصهيوني بما يسميها الذكرى الستين لقيام دولته، وبحضور عدد من زعماء العالم، وبرأي مراقبين فإن الرسالة التي أوصلها صاروخ المقاومة الذي وصل إلى عسقلان، هي أن المجتمع الصهيوني لن يكون بمقدوره أن ينعم بالأمن حتى بعد ستين عاما من تأسيس دولته، وأن دولته عاجزة عن تأمين ذلك لمواطنيها رغم ترسانتها الحربية والعسكرية، مقابل سلاح بدائي بسيط لدى المقاومة الفلسطينية، ثم إن من يطلق القذائف الصاروخية هم أبناء وأحفاد جيل النكبة الذي هجِّر عن دياره ظلما وعدوانا، وهم إنما يوجهونها إلى مدينة سبق أن اغتصبت عام 1948، أي قبل ستة عقود.
وينبني على ما سبق أن هذه العملية وغيرها تندرج في إطار فعل المقاومة، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها "إرهابا"، كما حاول أن يوحي بذلك الاحتلال وحليفته الإدارة الأمريكية، في احتفالاتهم الراهنة أو قبلها، وقد ركّز على هذا الجانب الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص بالشأن الصهيوني ومؤلف موسوعة ( اليهود واليهودية والصهيونية)، حيث نقل عن أحد مؤسسي الكيان الصهيوني "بن غوريون" الذي قال في خطبة له عام 1938 أن الجماعات اليهودية في فلسطين لا تواجه "إرهابا".
رسالة عاجلة إلى "بوش"
ويبدو أن صواريخ المقاومة التي انطلقت تجاه عسقلان الأربعاء (14/5) الجاري، لم تكن رسالة موجهة للداخل الصهيوني فقط، بل للرئيس بوش أيضا، الذي حل ضيفاً على الكيان الصهيوني، ليشاركه أفراحه بنكبة الفلسطينيين في ذكراها الستين، ومؤداها من وجهة النظر الناطق الرسمي باسم حركة "حماس" الدكتور سامي أبو زهري، أن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه بالعودة إلى أرضه.
وكان الرئيس الأمريكي بوش في الخطاب الذي ألقاه أمام الكنيست الصهيوني يوم (15/5) قد جدد دعمه وتأييده الكامل للكيان الصهيوني في حربه ضد ما أسماها "الإرهاب"، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، معرباً عن أمله بأن تحتفل الدولة العبرية بالذكرى الـ 120 وهي أقوى وأفضل تقدماً، على حد تعبيره.
وذكر المسيري بأن "بن غوريون" عرف الإرهاب بأنه "مجموعة من العصابات مُمَولة من الخارج.. ونحن هنا لا نجابه إرهاباً، وإنما حربا. وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا.. هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصابا لوطنهم من قبل اليهود.. فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً".
رسالتان على صلة بالتهدئة
كما وقع هذا الهجوم من حيث التوقيت، بينما تنتظر حركة "حماس" وفصائل المقاومة الرد الصهيوني على التهدئة التي عرضتها مصر، وسبق أن قبلتها. وتحاول السلطات الصهيونية وضع شروط تعجيزية لقبولها التهدئة، كالربط بينها وبين الإفراج عن جنديها الأسير لدى المقاومة "جلعاد شاليط"، وضبط مصر لحدودها مع غزة ومنع وصول أي سلاح منه إلى المقاومة.
ولعل أولى الرسالتين المرتبطتين بهذا الجانب، برأي محللين سياسيين؛ بأن انتظار الرد الصهيوني على التهدئة لا يعني بحال من الأحوال عدم الرد على جرائمه التي يقوم بارتكابها في غزة من حين لآخر، فقد جاءت العملية في اليوم نفسه الذي سقط فيه أربعة مواطنين شهداء بنيران جيش الاحتلال، في توغلات صهيونية متفرقة جنوب وشمال قطاع غزة.
وقد جاء في بيان حركة "حماس" بمناسبة هذه العملية أنها "ردّ طبيعي على الإجرام الصهيوني المتواصل بحق شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والذي لم يتوقف لحظةً واحدة، وليس آخره استشهاد خمسة من أبناء شعبنا اليوم في جباليا وخان يونس".
أما الرسالة الأخرى لهذا الهجوم وما يتصل بالجهود المصرية لإحلال التهدئة ورفع الحصار عن قطاع غزة، كما يستنتج متابعون للشأن الفلسطيني، فهي أن على الاحتلال أن يختار بين قبوله بالتهدئة ووقف عملياته العدوانية وفتح المعابر، وبين استمرار المقاومة ، بعملياتها النوعية، واستهداف مغتصبيه في المغتصبات المحيطة بالشريط الحدودي للقطاع بالصواريخ التي أحدثت نوعا من توازن الرعب مع الاحتلال.
صبر "باراك" !
ولأن صواريخ المقاومة، صارت على ما يبدو معضلة صهيونية مستعصية، لا يستطيع المحتل إيقاف إطلاقها أو وصولها إلى كيانه، فإن وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك الذي زار المركز التجاري الصهيوني بعسقلان بعد سقوط الصاروخ الذي أطلقته كتائب جهاد جبريل الجناح العسكري للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة لم يملك إلا أن يدعو مغتصبيه إلى التحلي بالصبر، زاعما أن الوضع الأمني الحالي لن يستمر فترة طويلة.
ووعد براك بإعادة النظر في موضوع منظومة الإنذار المبكر من الهجمات الصاروخية، علما بان الدوائر الأمنية للاحتلال كانت قد قررت مؤخرا وقف تشغيلها في البلدة.
وأكثر من ذلك؛ فإن باراك كقائد سابق لأركان الجيش الصهيوني، والذي يدرك أكثر من مواطنيه والقيادات السياسية والحزبية الذين صدموا بحجم تأثير الهجوم الصاروخي، صعوبة وقف صواريخ المقاومة، رغم محلية صنعها، والمخاطر الكبيرة التي تحف القيام بحملة برية واسعة، فقد حذر من القيام بعمل عسكري متعجل ضد غزة بعد يوم من سقوط صاروخ أطلق من قطاع غزة على مركز تجاري في جنوبي الكيان الصهيوني.
وقال باراك في كلمة ألقاها في القدس الخميس (15/5) "بعد أحداث الأمس تغلي الدماء ويريد القلب أن يرد، على حد تعبيره، " لكنه أضاف "الأكثر أهمية أن نمارس الحكم الصحيح ونتبع سياسة فكر أولا وتصرف لاحقا."
تخوفات صهيونية من المستقبل
ورأى مراقبون أن تصريحات باراك ليست سوى لامتصاص النقمة الشعبية في الشارع الصهيوني، خصوصاً بعد أن أدرك الشارع أكثر من أي وقت مضى عجز جيشه عن مواجهة قوة المقاومة المتصاعدة، وفشله في وقف الهجمات الصاروخية حتى عند قيامه بعمليات برية واسعة، كما حدث في ما سمي بعملية " الشتاء الساخن"، نهاية شهر فبراير وبداية مارس الماضيين.
ومضت التخوفات الصهيونية حدا أبعد من ذلك، بعد العملية الصاروخية ضد عسقلان، فقد حذر رئيس هيئة الاستخبارات العامة في جيش الاحتلال عاموس يادلن من أن مدينة بئر السبع ستكون في غضون عامين في مرمى الصواريخ الفلسطينية "ما لم يفعل العدو الصهيوني شيئا".
وقال في حديث خاص لصحيفة "هآرتس" العبرية إن حركة "حماس" قد تكون قادرة على زيادة مدى صواريخها حتى عام 2010، موضحاً أن حماس تعزز مواقعها الدفاعية في قطاع غزة تمهيداً لدخول قوات جيش الاحتلال.
وأضاف يادلن بأن "حماس" لديها مئات الصواريخ التي يبلغ مداها 20 كيلومتر، وتعمل الآن على إنتاج صواريخ يبلغ مداها 40 كم مما يجعل "اسدود وكريات جات وبئر السبع" في مرمى تلك الصواريخ وذلك في محاولة لإيجاد توازن ردع يشابه ما لدى حزب الله ، على حد زعمه.
تهديدات صهيونية مكررة
ورغم التصريحات الغاضبة التي أطلقها مسؤولون سياسيون وعسكريون صهاينة إثر قصف عسقلان الأخير، نظراً لحجم ما أوقعه من خسائر بشرية (جرحى وحالات هلع وتدمير بالمبنى)، فإنها لم تخرج في المجمل عن تهديدات سابقة، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
ـ إسقاط حكم حركة "حماس" في غزة: فقد دعا حاييم رامون، النائب الأول لرئيس الوزراء الصهيوني،حكومتة لاتخاذ قرار استراتيجي بإسقاط حكم حماس، وزعم رامون في تصريحات للإذاعة العبرية أن هذا القرار له مدلولات عسكرية، موضحا أن "دولة الاحتلال لا تبدي الحزم والتصميم الكافيين، إزاء هذا الأمر".
ودعا إلى عدم نقل مساعدات إلى قطاع غزة وإلى الرد السريع والمباشر على مصادر إطلاق النار في القطاع، ورأى رامون أن فكرة التهدئة مع حماس ليست إلا خدعة تعطي حركة حماس متسعاً من الوقت للتزود بالسلاح لتتمكن من تهديد بئر السبع وأشدود وربما تل أبيب ( تل الربيع) أيضا، كما جاء في تصريحه.
وقف تنامي قوة "حماس"
ـ شن عملية برية واسعة لوقف تنامي قوة "حماس" وقوى المقاومة: ووفقاً لما أوردته صحيفة "معاريف" العبرية، فإن رئيس أركان الجيش الصهيوني الذي كان متردداً وعدداً من قيادات الجيش في شن هجوم بري واسع على غزة صاروا أميل أكثر من أي وقت مضى لهذه الحملة العسكرية على ضوء ارتفاع عدد الإصابات الناتجة عن القصف الصاروخي.
ـ المطالبة باغتيال قيادات حركة "حماس": فقد حث عدد من أعضاء الكنيست الصهيوني عن حزب "كاديما" جيش الاحتلال على تصفية زعماء حركة حماس ردا على عملية عسقلان.
وقال عضو الكنيست الصهيوني "شلومو مولا" يجب علينا تصفية زعماء حماس والإثبات لبوش وزعماء العالم أن دولة الاحتلال تكافح الإرهاب .
ومن ناحيته؛ قال رئيس لجنة الكنيست الصهيوني "دافيد طال" بأن دولته مجبرة على قطع اليد التي طلق الصواريخ باتجاهها، على تعبيره.
ـ رفض التهدئة التي يجري التفاوض بشأنها مع حماس، كما دعا إلى ذلك الوزير الصهيوني "مائير شطريت" الذي قال بلغة حادة وغاضبة على القناة العاشرة للتلفزيون العبري: لا للهدنة أو التهدئة مع حماس، مضيفا: "إذا وافقنا على تهدئة فان إيران ستدعم حماس وتعطيها السلاح لتصل صواريخها بعد ذلك إلى بئر السبع واوفكيم واسدود" على حد مزاعمه، وذهب أبعد من ذلك مطالبا بقصف مناطق فلسطينية مع كل قصف صاروخي للمقاومة بقوله: والحل أن نقصف بيت لاهيا وندمرهم ليعانوا أكثر"، كما قال.
أهمية السلاح الصاروخي الاستراتيجية
ووفقا لقراءة مراقبين فلسطينيين؛ فإن الهجوم الصاروخي للمقاومة على عسقلان، وما أحدثه من إصابات بشرية كبيرة، وحالات ذعر في الشارع الصهيوني، يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لهذا السلاح، ويفرض على الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية الاستمرار في تطويره، ليصل إلى مديات أطول، ويحقق دقة أكبر في الإصابة.
وكخلاصة دراسة أعدها مارغريت ويس من معهد واشنطن ( 11/3/ 2008) عن صواريخ القسام وصواريخ المقاومة الأخرى، فإن "صواريخ كتائب القسام والصواريخ الأخرى أدت إلى تغيير في التوازن الاستراتيجي بين العدو الصهيوني والفلسطينيين، وأعطت المجموعات الإرهابية (المقاومة الفلسطينية) الأدوات البديلة للهجوم على الصهاينة ، و رفع مستوى الخوف بين شريحة كبيرة من المغتصبين في الكيان الصهيوني . و على المدى الطويل فان وجود هذه الصواريخ سوف يجبر جميع الأطراف على إعادة التفكير بالترتيبات الأمنية للاتفاقات المبرمة مسبقا بين الصهاينة والفلسطينيين".
وكانت عسقلان التي تبعد أكثر من 12كيلومترات شمالي قطاع غزة بشكل عام خارج مرمى الصواريخ التي تطلقها المقاومة يوميا تقريبا من غزة لكن بعض الصواريخ الأقوى (خاصة الكاتيوشا والجراد سوفيتية التصميم) أصابت هذا العام المدينة التي يسكنها 120 ألف شخص غير مرة.
رهائن المغتصبات الصهيونية
وكأحدث شهادة على تأثير صواريخ المقاومة (قبل هجوم عسقلان)، والتي يصر فريق "أوسلو وخارطة الطريق ودايتون" وغيرهم من أنصار تيار التسوية على وصفها بـ " العبثية"، والأثر الذي تحدثه مع كل نجاح تحرزه، يمكن التنويه إلى ما نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية يوم (14/5) الجاري، عن قرار 40 من العائلات التي تقطن في كيبوتس (مزرعة تعاونية)"كفار عزه" في النقب الغربي بالمغادرة، بسبب تواصل سقوط صواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة على الكيبوتس.
وأشارت الصحيفة إلى أن كيبوتس "كفار عزه" والذي يبلغ عدد سكانه حوالي 800 شخص، يعيش سكانه في "وضع كارثي وخوف دائم بسبب تساقط الصواريخ وقذائف الهاون بشكل يومي"، ونقلت الصحيفة عن هذه العائلات قولها: "إننا لن نكون نحن وأبناؤنا رهائن لدولة الاحتلال ، سنعود إلى هنا عندما يوجد حل لمواصلة الحياة".
وبرأي مراقبين؛ فإنه بعد حادثة قصف عسقلان الأخير، ستكون هناك المزيد من هذه الشهادات، الواردة من الشارع الصهيوني، والدراسات الاستراتيجية والعسكرية التي ستتحدث عن تأثيرات هذا السلاح الذي أسهم في إحداث قدر من توازن الرعب مع العدو الصهيوني.
تعليق