إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المعلم رمضان شلّح في ذكرى نكبة شعبنا الــ60 : لا مستقبل لإسرائيل بالمنطقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المعلم رمضان شلّح في ذكرى نكبة شعبنا الــ60 : لا مستقبل لإسرائيل بالمنطقة

    "الوطن العمانية" 6 ـ 7/5/2008 ـ "الشرق القطرية" 8/5/2008

    ـ إسرائيل قامت على الأساطير والحديد والنار

    ـ الدولة الفلسطينية المزعومة لتصفية القضية

    ـ إسرائيل تستعد لخوض حروب جديدة في المنطقة

    ـ الحل على أساس دولتين انتهى بإعلان الدولة اليهودية

    ـ لا مستقبل لإسرائيل في المنطقة

    ـ إسرائيل دخلت مرحلة الخطر

    ـ رؤية بوش تحرم أكثر من 4 ملايين فلسطيني من حق العودة

    ـ واشنطن ترى في إسرائيل طفولتها

    ـ من يريد السلام عليه ألا يسقط خيار الحرب

    ـ لا يجوز لأحد أن يخترع لنا عدواً داخل البيت الفلسطيني



    أجرت صحيفتا "الوطن العمانية" و "الشرق القطرية" حواراً شاملاً حول الكيان الإسرائيلي ومستقبله في المنطقة مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور رمضـان عبـدالله شلّـح، وقالت صحيفة "الوطن العمانية" في تقديمها للحوار:-

    "اعتبر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رمضان عبدالله شلّح أنه لم يسبق لإسرائيل في تاريخها أن استشعر قادتها الخطر على وجود ومستقبل دولتهم كما هو الحال اليوم، مشبهاً إسرائيل بعجوز تعاني من عقدة الصمود الفلسطيني على مدار السنوات الستين الماضية و مؤكداً أن السلام الوحيد الذي ترضى به إسرائيل هو سلام يجعلها القوة العظمى الوحيدة في المنطقة كما قال:" إن حل الدولتين ظهر في أحاديث الإسرائيليين والأمريكيين بعد أن استشعر خطر الدولة الواحدة في ظل التفوق الديموغرافي للفلسطينيين مع تأكيده على رفضه لحل الدولة الواحدة منذ البداية".
    أما صحيفة "الشرق القطرية" فقدمت للحوار بقولها: -
    "أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلّح أن إسرائيل تواصل استعداداتها لخوض حروب جديدة في المنطقة وأن المطروح عربياً بما يسمى خيار السلام ما هو إلا استسلام حيث أن موازين القوى في المنطقة حاليا لا تنتج سلاما بل استسلام مشيرا في حواره لـ «الشرق» بمناسبة مرور 60 عاما على نكبة فلسطين إلى أن إسرائيل قامت على الأساطير واستخدمت الحديد والنار في إقامة الكيان وان فكرة التعايش مرفوضة والدولة الفلسطينية المطروحة مجرد وهم خاصة بعد إعلان إسرائيل نفسها دولة يهودية وأكد أن إسرائيل كيان بلا مستقبل وأن ما حققته المقاومة يؤكد ذلك".
    وفيما يلي نص الحوار الكامل كما نشر على حلقتين في الوطن العمانية:
    1 ـ بعد ستين عاماً على إنشائها، ما الذي تغير في النظرة الإسرائيلية بالنسبة لوجودها في المنطقة بالمعنى الاستراتيجي، وبالنسبة لرؤية السلام مع الفلسطينيين والعرب؟
    ـ في النظرة الإسرائيلية لوجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة برأينا، يمكن التمييز بين ثلاث مراحل أساسية: الأولى، مرحلة الرفض المطلق لإسرائيل والتي يطلق عليها مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي.. وهي مرحلة اتسمت بإجماع الأمة على رفض وجود إسرائيل، بالرغم من الاختراقات المحدودة التي حققتها إسرائيل بإقامة علاقات سرية مع بعض الأطراف العربية لم تغير حقيقة تلك المرحلة باعتبارها مرحلة رفض مطلق، اعتبر فيها أي اتصال بإسرائيل بمثابة خيانة كبرى. المرحلة الثانية، بدأت عام 1979 بتوقيع السادات معاهدة الصلح مع إسرائيل. من هذه النقطة أو المحطة يؤرخ البعض لنهاية ما عرف بالصراع العربي ـ الصهيوني أو الإسرائيلي وبداية ما اصطلح على تسميته بالنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. مع هذه المرحلة خرج النظام العربي من الصراع، ودخلت المنطقة إلى ما يمكن تسميته بالاعتراف أو القبول الإجباري بإسرائيل.. وهو اعتراف بدأ بالسادات ووصل ذروته بتوقيع اتفاق أوسلو، الذي لحقت به دول عربية أخرى بتوقيع اتفاقات رسمية، أو إقامة علاقات غير رسمية بإسرائيل، وهذه المرحلة هي السائدة حتى الآن.. لكن هناك مرحلة أخرى في الإدراك أو المتخيل الإسرائيلي لوجود الكيان في المنطقة لم تبدأ، وهي مرحلة القبول الطوعي أو الاختياري بإسرائيل، بمعنى أن تلغى صورة إسرائيل من أذهان شعوب وحكام المنطقة كدولة غازية وكيان غريب مزروع في قلب الأمة رغماً عنها، وأن تتحول إلى دولة طبيعية وجارة صديقة مثلها مثل أي دولة عربية أو إسلامية.. هذا هو الثمن الذي تريده إسرائيل لصنع السلام في المنطقة بالرؤية الإسرائيلية.. السلام الذي يقوم على تصفية قضية فلسطين وتثبيت إسرائيل كقوة عظمى في قلب المنطقة.
    ومن سوء حظ إسرائيل وحلفائها أن مشروع التسوية الذي حلمت به للدخول للمرحلة الثالثة واجه مقاومة وممانعة شديدة، بل شهدت المنطقة في ظله من خلال حركات المقاومة الإسلامية المطالبة بالعودة إلى مرحلة الرفض المطلق لإسرائيل.. وفي ظل التدافع الذي تشهده المنطقة بين الرؤيتين: الرفض المطلق، والقبول المطلق لإسرائيل، تلقى الكيان ضربات مؤلمة في انتصار المقاومة بلبنان عام 2000 واشتعال انتفاضة الأقصى عام 2000 والهزيمة الإسرائيلية النكراء في حرب تموز 2006 بلبنان.. كل ذلك أثر على هيبة إسرائيل وجيشها، ونال من قوة الردع الصهيونية، الأمر الذي يجعل سلم الأولويات الإسرائيلية الآن مختلفاً عما يراهن عليه دعاة التسوية في المنطقة.. فإحساس إسرائيل بالغربة في قلب المنطقة والخوف من المستقبل يجعلها غير قادرة على دفع الثمن الأدنى للسلام الذي ينشده العرب من خلال ما سمي بالمبادرة العربية، وعليه، فإن الأولويات الإسرائيلية في المنطقة تتركز في استعادة قوة الردع العسكرية، وتوسيع رقعة القبول الإجباري بها، وتحقيق اختراقات جديدة في الجسم العربي، وعينها في هذا المجال على بلدان الخليج لاسيما السعودية لإقامة حلف أمريكي إسرائيلي عربي في مواجهة قوى المقاومة والممانعة الممثلة في إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وسائر فصائل المقاومة في فلسطين استعداداً لحرب استعادة الهيبة الصهيونية في المنطقة.
    باختصار، يمكن القول إن إسرائيل، وبعد ستين سنة من عمرها، تستعد لخوض حروب جديدة في المنطقة لا لصنع السلام. وليس بالضرورة أن تندلع الحرب غداً أو خلال الشهور القادمة، لكن هذه الحرب بنظرنا باتت حتمية، وساعة الصفر لها هي اللحظة التي تشعر فيها إسرائيل بأن تكلفة القبول بالوضع الراهن وما فيه من خطر وجودي على أمنها، أكبر من تكلفة أي حرب إقليمية تخوضها غداً.. وبتقديرنا، فإن إسرائيل لم تصل إلى هذه النقطة بعد.. لكنها بنظرنا قادمة لا محالة.
    2 ـ بالمعنى الفعلي، هل يوجد عوامل وعناصر في البيئتين، المجتمعية والمؤسساتية الحاكمة في إسرائيل ما يمكن المراهنة عليه بعد عشرات ومئات السنين بإمكانه قيام تعايش حقيقي بين دولتين فلسطينية وأخرى إسرائيلية، وخاصة أن إسرائيل تضع على رأس أولوياتها الإستراتيجية طموحها الأساسي بوصول كيانها إلى الدولة اليهودية..؟
    ـ لا يمكن تحقيق أي نوع من التعايش السلمي مع الكيان الإسرائيلي، وموازين القوى الراهنة لا تنتج سلاماً، بل تنتج استسلاماً يملي فيه الطرف القوي شروطه على الطرف الأضعف.. والكيان ليس مفصولاً في بنيته المجتمعية والمؤسساتية عن الرؤية التي استند إليها المشروع الصهيوني، وهو مشروع قام على نفي الآخر، وأسس كيانه على الأساطير من ناحية، كما يقول روجيه جارودي، وعلى الدم والحديد والنار، أي العنف والإرهاب من ناحية أخرى.. وانطلاقاً من الطبيعية العدوانية والصراعية للمشروع الصهيوني، فإسرائيل كما أثبتت التجربة ترفض السلام. لقد رفضت كل مشاريع التسوية برغم سقوفها الهابطة جداً والتنازلات التي انطوت عليها. إسرائيل ترفض المبادرة العربية التي تعدها بأن تعيش كدولة طبيعية وشرعية في المنطقة مقابل التخلي عن هضبة الجولان والضفة الغربية وغزة فقط. وأجهضت اتفاق أوسلو الذي كان كارثة على الشعب الفلسطيني، حتى "خارطة الطريق" التي هي في جوهرها مشروع أمني لتصفية المقاومة الفلسطينية رفضتها. وأخيراً، ترفض مسار أنابولس الذي جاءها فيه العرب من كل فج عميق وردت عليه ولازالت بتشييد آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس ومحيطها.. وعليه، فإن الرهان على السلام مع إسرائيل هو رهان على السراب والوهم.. لأن ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط هي كما قال السياسي والكاتب اليهودي الأمريكي هنري سيغمان: "الخدعة الأكثر إثارة في التاريخ الدبلوماسي الحديث". إن الخدعة الكبرى التي انطوت عليها هذه العملية الترويج بأنها ستعود على الفلسطينيين بدولة فلسطينية في حدود 67. اليوم انكشفت هذه الخدعة وبات واضحاً أن "الدولة الفلسطينية" المزعومة والموهومة التي يتحدثون عنها هي "دولة المصلحة الإسرائيلية" حتى ولو حملت اسم فلسطين، لأنها تهدف إلى تصفية قضية فلسطين من ناحية، وحماية أمن "ويهودية" الدولة العبرية من ناحية أخرى.. كما أن رؤية بوش التي تحدثت عن دولة فلسطينية قد استندت أولاً إلى التخلص من ياسر عرفات، واشترطت قيام إصلاحات في السلطة، ووعدت بشبه دولة تدخل في ترتيبات أمنية مع مصر بالنسبة للقطاع ومع الأردن بالنسبة للضفة.. لكن كل ما تمخضت عنه رؤية بوش حتى الآن هي ولادة جديدة لإسرائيل "كدولة يهودية" لا لدولة فلسطينية.. و"يهودية الدولة" الإسرائيلية لا تمنح الفلسطينيين دولة في الضفة والقطاع، بل تحرم أكثر من أربعة ملايين لاجئ من حق العودة إلى وطنهم فلسطين، وتهدد بطرد ما يقرب من مليون ونصف المليون فلسطيني يقطنون فلسطين المحتلة عام 1948.
    الخلاصة، إن فكرة التعايش على أساس حل الدولتين انتهت تقريباً، وإسرائيل والولايات المتحدة بطرحها لفكرة "الدولة اليهودية" إنما يوصدان الطريق أمام ما يسمى بحل الدولة الواحدة، إذاً، سيبقى الصراع مستمراً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
    3 ـ ما هي نظرتكم بالنسبة لمستقبل إسرائيل في المنطقة؟
    أنا أجزم أن إسرائيل لا مستقبل لها في هذه المنطقة، لكن في الإجابة عن هذا السؤال ليس مهماً كيف نرى نحن مستقبل إسرائيل، فصورة إسرائيل "السوبر" والمزروعة في الأرض كما لو كانت قدراً لا يقاوم، في أذهان "المضبوعين" منها ومن الولايات المتحدة، لا تترك مجالاً في عقول هؤلاء لسماع رؤيتنا أو قراءتنا لمستقبل إسرائيل، خاصة إذا اشتمت منها رائحة القرآن أو التاريخ. لذا، فإن من الضروري أن نفحص أولاً كيف تنظر إسرائيل وحلفاؤها وأصدقاؤها لمستقبلها لعل ذلك يقربنا أكثر من القراءة الموضوعية لمستقبل هذا الكيان. لا شك أن إسرائيل تدرك أنها فعلاً بلغت عامها الستين في المنطقة، واجتازت كل العواصف التي حاولت اقتلاعها، بل أوقعت بأعدائها الهزائم. لكنها لا تنكر أنها دخلت مرحلة الشيخوخة، والتي تبدو أعراضها في الهزائم، ولو المحدودة، التي منيت بها في لبنان وفلسطين، وبات الحديث عن الخطر الوجودي، أو حتى نهاية إسرائيل أمراً مألوفاً.. لم يسبق في تاريخ الكيان أن استشعر قادته الخطر على وجود ومستقبل دولتهم كما هو الحال اليوم، وهذا يتحدث به سياسيون، ومثقفون، ومؤرخون، وصحفيون، وكل النخب في الكيان وفي الدول الداعمة له في العالم اليوم.. وكمثال على ذلك ما تحدث به الصحفي الأمريكي البارز جيفري غولدبرغ قبل أيام (السفير 7/4) في سلسلة مقالات ستظهر على غلاف مجلة أتلانتك الأمريكية في عدد أيار/ مايو القادم في الذكرى الستين لقيام الكيان بعنوان "هل انتهت إسرائيل؟" يقول غولدبرغ "أنا قلق جداً على مستقبل إسرائيل خلال السنوات العشر أو الـ 15 سنة المقبلة" ويطالب الإسرائيليين أن يبدأوا بطرح الأسئلة المصيرية.. وهي أسئلة من نوع ما جدوى المشروع الصهيوني من الأساس؟ وهل كان نافعاً أم ضاراً باليهود؟ وهل إسرائيل قابلة للحياة أم لا؟ وكيف يمكن لها أن تعيش في بيئة معادية لها بين شعوب لا تطيق وجودها ولا تطيق سماع اسمها؟ وهي أسئلة طرحها من قبل إبراهام بورغ وغيره من الإسرائيليين وحلفاء وأصدقاء إسرائيل في العالم.. الصحفيان اليهوديان الأمريكيان، كريستوفر ديكي، ودانييل كلاميرمان، نشرا تقريراً في 2/4/2002 (أي قبل هزيمة تموز 2006) كان غلاف مجلة نيوزويك الأمريكية قالا فيه: "الكثير من اليهود يعتقدون أن مستقبل إسرائيل ومكانها في الشرق الأوسط بات مهدداً الآن كما لم يكن لعدة أجيال، هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبداً أن تعرف السلام؟".
    المؤرخ اليهودي "أموس آيلون"، وكما ورد في "البيان الإماراتية" (17/5/2002) يجيب على مثل هذه التساؤلات قائلاً: "إنني في حالة بأس لأنني أخشى أن يكون الأمر قد فات، وقد قلت لكم نصف ما أخشاه، فهل فات موعد أي حل نهائياً؟" ثم يمضي ليقرر حقيقة، قد تبدو غريبة وغير واقعية لدى بعض الحكام العرب، لكنها أصبحت هاجساً لدى معظم اليهود حيث يقول: "إن الثقة بإمكانية بقاء إسرائيل باتت ضعيفة جداً!" هذا ليس كلام الجهاد الإسلامي أو حزب الله أو حماس، هذا كلام مؤرخ إسرائيلي يمضي ويصف واقع إسرائيل برغم قوة الآلة العسكرية فيقول: "في شعب إسرائيل نفسيات أكثر عرضة للسقوط من أي وقت مضى منذ الخمسينيات وباتت قدرة إسرائيل النووية عديمة الفائدة"..
    وحين تصبح القوة النووية الإسرائيلية عديمة الفائدة في حماية المجتمع الإسرائيلي من الانهيار والسقوط النفسي، يهرع رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت إلى فك الغموض حول قدرة إسرائيل النووية في حديثه بتاريخ 11/12/2006، لإثارة الخوف والرعب في المنطقة. لكن هذا الإعلان لم يفلح في إنهاء الغموض حول مستقبل إسرائيل ذاتها..
    وحين يقرر مؤرخ إسرائيلي أن الثقة بإمكانية بقاء إسرائيل باتت ضعيفة جداً، فهو لا يقول ذلك من باب "قراءة الطالع في الكف أو الفنجان" كما يقولون! بل بناء على قراءة موضوعية لجملة عوامل كلها تثبت أعراض الشيخوخة في المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي. نعم، نجح المشروع الصهيوني في إقامة إسرائيل لتكون وطناً أو كياناً ليهود العالم، لكنه لم يفلح في جعل هذا الكيان آمناً كما وعد قادة المشروع الصهيوني.. فاليهودي في أي مكان بالعالم يمكن أن يشعر ويتمتع بالأمن إلا اليهودي في إسرائيل. لقد بدأ المشروع الصهيوني بفلسطين كما هو معروف لتكون قاعدة انطلاق نحو حلم ومشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.. أين هي إسرائيل الكبرى اليوم؟ لقد سقطت إسرائيل الكبرى بانتصار المقاومة الإسلامية واندحار الجيش الصهيوني من لبنان عام 2000. حتى حلم "إسرائيل الكاملة" على كامل أرض فلسطين، سقط باندحار الجيش الإسرائيلي عن غزة عام 2005، تحت ضربات المقاومة الفلسطينية الباسلة.. أما "إسرائيل العظمى" التي تملك أقوى جيش وأحدث ترسانة أسلحة في المنطقة بما فيها الأسلحة النووية، فقد انكسرت هيبتها وتمرغ أنفها في التراب في حرب تموز/ 2006 أمام صمود وبسالة مقاتلي حزب الله والمقاومة الإسلامية.
    إسرائيل اليوم، ليست هي إسرائيل "الفتية" التي بلغت قوتها في الحرب والتوسع الذروة عام 1967.. إسرائيل اليوم، هي إسرائيل العجوز التي تعاني من عودة المنطقة إلى ثقافة وشعار الرفض المطلق لها بدلاً من القبول المطلق كما أسلفنا.. إسرائيل اليوم، هي التي تعاني من عقدة الصمود الفلسطيني والوجود الفلسطيني الذي يشعرها بأزمة وجودها. إسرائيل اليوم ليست إسرائيل بن غوريون وموشي ديان وإسحاق رابين وغيرهم، بل هي إسرائيل التي تعاني من فقدان الزعامات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، حتى قال بعضهم إن شارون كان آخر ملوك إسرائيل، وما بعده سقط المتاع! وفي هذا السياق وفي مقابلة نشرت في "موقع الجزيرة"، يقول المؤرخ الإسرائيلي ميخائيل بار زوهر المختص بكتابة السير الذاتية للقيادات الصهيونية، بما فيها سيرة بن غوريون، وسيرة بيرز التي صدرت مؤخراً، "إن ضعف قادتنا يهدد مستقبل دولتنا"؛ ويقول "إن مستوى القادة اليوم هو الأسوأ مقارنة مع القيادات الإسرائيلية التاريخية". ويكفي أن يتحدث تقرير فينوغراد عن "فقدان الرؤية الإستراتيجية" لدى القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين فماذا بقي من شروط القيادة إذا فقدت الرؤية؟"... إسرائيل اليوم، في ظل العولمة تعاني من أزمة هوية ومن ضعف العقيدة في مجتمعها حتى بات التهرب من الخدمة العسكرية ظاهرة ملموسة في الجيش الإسرائيلي.. وأخطر من هذا كله التدني في مستوى الجيش الإسرائيلي ذاته.. الجيش الإسرائيلي منذ عام 1973 سواء في لبنان أو فلسطين يتلقى الضربات والهزائم ولم يعد هو "الجيش الذي لا يقهر" كما قيل عنه. لقد كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي وتدهورت قوة الردع الإسرائيلية إلى مستوى غير مسبوق في تاريخها.. وإذا هزم الجيش الإسرائيلي أو انكسرت هيبته ماذا بقي من إسرائيل؟ فالمعروف أن إسرائيل هي ثكنة عسكرية، ودولة عسكرية في تنظيمها وحياتها، الجيش هم السكان، والسكان هم الجيش، كما قال المفكر الاستراتيجي المرحوم جمال حمدان.. أي أن إسرائيل جيش له دولة وليست دولة لها جيش.. فإذا هزم الجيش هزمت الدولة.
    إسرائيل تاريخياً تعيش على الدعم الخارجي وموازين القوى الدولية أكثر من قوتها الذاتية، وقد بلغ هذا الدعم ذروته في ظل النظام الدولي الأحادي القطبية وهيمنة الولايات المتحدة على السياسة الدولية.. لكن النظام الأحادي القطبية بدأ في التصدع، وموازين القوى سوف تتغير، وحلم الإمبراطورية الأمريكية. بفشلها وهزيمة مشروعها في العراق بدأ ينهار، ومشروع الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد لم يتحقق.. إسرائيل تعيش اليوم على حالة الضعف والانقسام والعجز العربي بل فقدان الإرادة والمبادرة العربية الرسمية في مواجهة إسرائيل، لكن هذا لن يستمر، ولن يغير حقيقة أن إسرائيل مازالت في نظر أهل المنطقة كياناً غريباً غازياً غير مرغوب فيه، بل إن موقف الرفض المطلق لها يتنامى في المنطقة مع تنامي حالة المد الإسلامي وحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان والعراق والدعم والتأييد الذي تحظى به في المنطقة.
    إن إسرائيل في عقل سكانها ومؤيديها دخلت مرحلة الخطر على الوجود بشكل غير مسبوق، وتعاني من مأزق تاريخي عميق لأنها غير قادرة على دفع ثمن السلم والاندماج في المنطقة، ولم تعد قادرة على تحمل ثمن الحرب، لأن الحروب بعد حرب تموز 2006 أصبحت من طراز مختلف عن حروبها السابقة. وأمام هذا المأزق الوجودي أصبح السؤال الكبير المطروح في إسرائيل ولدى حلفائها في العالم اليوم ما هو مصير إسرائيل؟ إن إجابتنا الواثقة عن هذا السؤال أنها ستواجه ذات المصير الذي واجهته الدول والكيانات الغريبة التي زرعتها حروب الفرنجة أو "الحروب الصليبية" في بلادنا أي أنها ستزول كما زال أولئك الغرباء.
    4 ـ هل تمثل الديمقراطية الإسرائيلية، ديمقراطية حقة في المنطقة؟
    ـ للإجابة عن هذا السؤال يجب ملاحظة مسألتين هامتين:
    الأولى، ما علاقة شكل الحكم في إسرائيل بصراعنا مع المشروع الصهيوني على فلسطين؟ بمعنى هل لو كان شكل الحكم في إسرائيل ديكتاتورياً أو فاشياً فسيختلف في النظرة إلينا كعرب وكمسلمين عنه لو كان ديمقراطياً مثلاً؟ وداخل النظام الديمقراطي نفسه، ما هو الفرق لو حملت الانتخابات الديمقراطية إلى سدة الحكم في إسرائيل، أولمرت، أو باراك، أو نتنياهو؟ فما هو الفرق بينهم، وما هو انعكاس ذلك علينا؟ الذين راهنوا على مجيء باراك بعد نتنياهو في يوم من الأيام، قطفوا مرارة انهيار مفاوضات كامب ديفيد الثانية، لأن اللاءات الإسرائيلية تكاد تكون واحدة، والشروط الإسرائيلية من مدريد إلى أنابولس تزداد تشدداً، مما يجعل الرهان على أية هوامش أو فوارق بين الأحزاب الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين شبه مستحيل، لأنهم جميعاً يريدون الاحتفاظ بالأرض والدور وهما محور الصراع في فلسطين والمنطقة.
    النقطة الثانية، إذا كانت الديمقراطية هي أحد محددات الموقف الغربي من إسرائيل، كما يعتقد البعض، فما هي الديمقراطية الحقة أو غير الحقة في المنظور الغربي وبالذات الأمريكي اليوم؟ هل "الديمقراطية" في الداخل تنسجم مع نهج توسعي وعدواني تجاه الخارج، مارسته إسرائيل منذ قيامها، أم أن إسرائيل بذلك تنسجم والنسق الغربي الاستعماري الذي مارسته الدول الغربية الاستعمارية قديماً وحديثاً في "الاستعمار الجديد" الذي عاد مع غزو أمريكا للعراق وأفغانستان تحت شعار الحروب الاستباقية؟ وهل تنسجم الديمقراطية مع شعار "يهودية" الدولة الذي يدعمه بوش وينادي به الإسرائيليون اليوم؟ هل إسرائيل في ضوء هذا الطرح دولة لكل مواطنيها كما تقضي الديمقراطية العلمانية أم هي دولة للمواطنين اليهود فقط؟ بمعنى آخر، هل إسرائيل فعلاً دولة "ديمقراطية" أم دولة "دينية"؟ وفي كل الأحوال ما هو موقع وحال السكان العرب في الدولة الإسرائيلية وما يعانون منه من تمييز عنصري لا ينكره حتى الإسرائيليون أنفسهم؟ هذا كله يعني أن "الديمقراطية" الحقة من وجهة نظر إسرائيل وأمريكا هي الديمقراطية التي تحقق مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل بغض النظر عن جوهر ومحتوى العملية الديمقراطية. المعروف أن الولايات المتحدة في تعاملها مع الآخرين تعتبر مصلحتها هي المعيار الأول في رسم سياستها في العالم وليس التزام الديمقراطية.. ولطالما تعاملت مع أنظمة ديكتاتورية من أجل مصالحها على حساب مبادئ الديمقراطية وحرية الشعوب.. لن نذهب بعيداً إلى دول أمريكا اللاتينية أو أفريقيا وغيرها لندلل على ذلك، بل هنا في المنطقة، هل كان صدام حسين ديمقراطياً عندما دعمت الولايات المتحدة والغرب حربه ضد إيران ثم انقلبوا عليه حين رأوا في العراق تهديداً لمصالحهم ولإسرائيل؟ هل أنظمة الحكم العربية لاسيما في الخليج والسعودية أنظمة ديمقراطية؟! لقد بات معروفاً ومؤكداً أنه حتى لو قامت تجربة ديمقراطية في المنطقة ولم تسر في الركب الأمريكي والصهيوني فهي مرفوضة أمريكياً وإسرائيلياً.. الديمقراطية التي هللت لها أمريكا في مناطق سلطة الحكم الذاتي، في ظل الاحتلال عندما حملت إلى السلطة حماس أصبحت مرفوضة ولا تقبل بها أمريكا وإسرائيل.. والديمقراطية التي تحمل إلى سدة الحكم أحمدي نجاد في إيران فهي أيضاً مرفوضة، بل إن الديمقراطية في إيران مرفوضة جملة وتفصيلاً لأن إيران ليست عضواً في الحلف الأمريكي القابل بإسرائيل والساهر على مصلحة أمريكا في المنطقة.
    أخيراً، لعل الديمقراطية توفر للكيان الإسرائيلي آلية أفضل لتداول السلطة وإدارة صراعها في المنطقة، لكن الأهم من هذا أن إسرائيل لديها مشروع ولديها التزام لتحقيق هذا المشروع مهما كان نجاحها أو فشلها في تحقيقه، أما نحن العرب فنظامنا العربي (والحمدلله) ليس لديه مشروع اليوم سوى مساعدة إسرائيل على تحقيق مشروعها بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على المنطقة ومقدراتها...
    5 ـ هل من إمكانية للتعايش الفلسطيني ـ الإسرائيلي في ظل دولة علمانية ديمقراطية واحدة؟
    ـ خيار الدولة الديمقراطية العلمانية طرحته منظمة التحرير في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لكن إسرائيل رفضته، واليوم يكثر الحديث عن الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهناك اعتقاد أن إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية قبلتا بحل الدولتين، بالشروط الإسرائيلية طبعاً، خشية الوصول إلى حل الدولة الواحدة، خاصة أن الميزان الديموغرافي في فلسطين سينقلب لصالح الفلسطينيين بشكل واضح ومؤكد مع عام 2010 حسب بعض التقديرات.. من هنا، يعتقد البعض أن تبني حل الدولة العلمانية الواحدة ربما هو الحل الأمثل للصراع، في ظل الواقع الدولي الذي لا يتقبل ولا يسمح بفكرة تحرير فلسطين بما يعني زوال أو تفكيك الكيان العنصري، إسرائيل.
    بالنسبة لنا، نحن لا نقبل بهذا الخيار، لعدة أسباب منها:
    أولاً، إنه يعطي إسرائيل واليهود شرعية بالوجود على أرض فلسطين لا يملكونها، والأمة خاضت الصراع منذ بدايته على أساس لا شرعية الوجود الصهيوني في فلسطين.
    ثانياً، أن التبشير بهذا الخيار سيلغي ثقافة الجهاد والمقاومة، وينشر ثقافة الاستسلام للأمر الواقع والاستعداد للتعايش مع إسرائيل، فيما إسرائيل ترفض هذا الأمر وتواصل عدوانها لتثبيت مشروعها بتكريس إسرائيل كدولة يهودية خالصة لليهود فقط.. أي أن إسرائيل ستأخذ من أصحاب هذا الخيار الاعتراف بشرعيتها وحقها في الوجود على كل فلسطين، لتصبح أرضنا ووطننا فلسطين أندلساً ثانية، يتم تكريس إسرائيل على أنقاضها كدولة آمنة مستقرة، كل همنا وغايتنا أن تقبلنا بالعيش في كنفها رعايا ولو من الدرجة العاشرة!
    ثالثاً، لا أعتقد أن العلمانية يمكن أن تشكل أساساً لحل صراع مشبع بالرموز الدينية لدى الطرفين.. إسرائيل قامت ولازالت على استعارات توراتية وتلمودية وأساطير دينية تم توظيفها من قبل الحركة الصهيونية لإقامة إسرائيل، وفي مواجهة هذه الهجمة تم التأكيد على عروبة وإسلامية فلسطين، فالمخزون الديني لدى الطرفين شكل قوة دافعة كبيرة في الصراع، للهجوم من جهة إسرائيل، وللصمود والدفاع إلى حد الاستشهاد لدى الفلسطينيين. أين تذهب علمانية الدولة الواحدة بعروبة وإسلامية فلسطين في العقل والوجدان العربي والإسلامي؟ وكيف تتخلص من "يهودية" الدولة في العقل الإسرائيلي والمشروع الصهيوني؟ من يقنع علمانيي إسرائيل قبل المتدينين فيها بالتخلي عن قسط من الأساطير المؤسسة لهذا الكيان، أو التنازل عن فكرة إعادة بناء الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى؟ وفي المقابل، هل يجرؤ أكثر الفلسطينيين أو العرب والمسلمين علمانية على التنازل عن حجر من المسجد الأقصى، أو من في كنيسة المهد أو كنيسة القيامة؟
    إذن، هذا الصراع مشبع بالرموز والمعتقدات الدينية والأيديولوجية لا يمكن للديمقراطية العلمانية أن تشكل إطاراً لحله، خاصة أن إسرائيل لم تحتل فلسطين بصناديق الاقتراع، بل بالحديد والنار وبقتل وتشريد أهلها في أصقاع الأرض.. فالحل في نظرنا هو استمرار الصراع ولو بأبسط الأدوات والوسائل إلى أن تنهض الأمة ويتعدل ميزان القوة.. في انتفاضة الحجارة عام 1987، الشعب الفلسطيني وجه رسالة بالغة لإسرائيل، ولكل من يدعمها في العالم، بأن هذا الكيان واغتصابه واحتلاله لأرضنا ووطننا مرفوض ويجب أن يقاوم بأي وسيلة ولا إمكانية للتعايش معه.. الجيل الذي نشأ في ظل الاحتلال فاجئ العالم بأنه يضرب إسرائيل ويطارد جنودها بالحجارة كما يطارد اللص الهارب، بل إن الدلالة أكثر وأبلغ من ذلك.. أطفالنا رجموا إسرائيل بالحجارة وعقوبة "الرجم" في شريعتنا وثقافتنا هي للزاني أو الزانية، فإسرائيل في نظر شعوب المنطقة اقترفت جريمة بحق جغرافيتنا وتاريخنا تستحق الرجم والعقاب المفضي على الهلاك والزوال عن خريطة المنطقة كي تعود إليها فلسطين الجغرافيا والتاريخ.
    6 ـ هل من إمكانية لأن تكون الولايات المتحدة في غير الصف الإسرائيلي وحكماً نزيهاً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
    لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الشروط الإقليمية والدولية الراهنة، يمكن أن تكون في غير الصف الإسرائيلي، أو حكماً نزيهاً في صراعنا مع إسرائيل.. بل أشك أن تكون كذلك في كل الأحوال.. وهناك جملة من العوامل التاريخية والواقعية التي تحملنا إلى هذا الاعتقاد..
    على المستوى العقائدي، إسرائيل إفراز للحضارة الغربية، والحضور اليهودي في الحضارة الغربية لا يقف عند سيطرة اليهود في أسواق المال أو الإعلام أو الفن. الحضارة الغربية مشبعة بالروح اليهودية، كما هي إسرائيل مشبعة بالروح الغربية أو الأمريكية. وهذا التزاوج الروحي نجده بجذوره العقائدية في وحدة المرجعية الروحية والعقائدية فيما يعرف بالكتاب المقدس للطرفين أو "البايبل" Bible الذي يتكون من كتابين هما "التوراة" اليهودية و"الإنجيل" المسيحي.. إن ما يعرف "بالتراث اليهودي المسيحي" Judeo – christian tradition جعل دعم إسرائيل من منظور عقائدي في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لا يقتصر على ما يعرف بالإنجيليين أو ما يسمى "بالمسيحية الصهيونية"؛ فالذي يراجع سيرة بيل كلينتون والتزامه وإعلانه عندما وصل إلى الرئاسة بأمن إسرائيل وحمايتها، من منظور إيماني وعقائدي، يرى أنه لا يختلف كثيراً عن جورج بوش والمحافظين الجدد.. كما أن الولايات المتحدة في المنظور العقائدي والتاريخي ترى في إسرائيل طفولتها حيث الطريقة التي نشأت بها الولايات المتحدة كدولة قامت تحقيقاً لنبوءة توراتية كما اعتقد ما يسمى "بالآباء المؤسسين" في الولايات المتحدة، وعلى يد جماعات من المستوطنين البيض على أنقاض سكان البلاد الأصليين، الهنود الحمر الذين أبادهم المستوطنون الجدد، مشابهة ومماثلة للطريقة التي أقيمت بها إسرائيل، مع الفارق أن الفلسطينيين ليسوا هنوداً حمراً فتم قتلهم وتهجيرهم بدلاً من إبادتهم بالكامل..
    وتاريخياً أيضاً، معروف أن الرئيس الأمريكي ترومان اعترف بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلان بن غوريون قيام إسرائيل بعد ظهر يوم الجمعة 14 مايو/ أيار 1948 ثم توالت الاعترافات الدولية بها.. وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة كانت القابلة لولادة الدولة اليهودية بعد أن زرعت بريطانيا البذرة بوعد بلفور عام 1917.
    لقد استمرت الرعاية الغربية والأمريكية لإسرائيل منذ اللحظة الأولى لولادتها.. لكن الولايات المتحدة تبوأت المكانة الأولى في دعم وحماية إسرائيل خلال العقود الماضية.. الدعم اللامحدود لإسرائيل بكل أشكاله ـ الفيتو الأمريكي في مواجهة أي قرار دولي يدين إسرائيل أو ينصف الفلسطينيين ـ التهديد الأمريكي لأي طرف في المنطقة والعالم يهدد إسرائيل أو يسعى للنيل منها.. كل ذلك يجعل وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحالف أو الشراكة غير كاف وغير دقيق.. إن إسرائيل تكاد تكون فعلاً هي الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون في الشرق الأوسط..
    أما الجدل الذي دار في المنطقة والعالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقيام ما سمي بالنظام العالمي أحادي القطبية، حول أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وهل هي ذخر أم عبء استراتيجي، فقد أثبتت الأحداث أنه ليس له قيمة كبيرة.. وهو جدل مازال موجوداً حتى في الولايات المتحدة، ولعل آخر أهم تعبيراته مقالة ثم كتاب "اللوبي الإسرائيلي"، الذي كتبه الأستاذان الأمريكيان، ستيفن والت من جامعة هارفارد، وجون ميرشايمر من جامعة شيكاغو، واللذان يحاولان فيه إثبات أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لا يفيد المصلحة الأمريكية، وأن المصالح والسياسة الأمريكية كلها مسخرة لمصلحة إسرائيل وأمنها وليس العكس.. هذا النفس موجود في الولايات المتحدة، لكن في نطاق ضيق ومحدود، ولا يمكن أن يعكس وجهة السياسة الأمريكية، طالما أن أعداء إسرائيل في المنطقة لا يهددون مصالح أمريكا ولا يجبرونها على المقايضة بين مصالحها مع العرب والمسلمين أو حماية إسرائيل.. إن الواقع العربي لم يكتف بعجزه عن إنتاج هذه المعادلة ومجابهة صانع القرار الأمريكي بها، بل إن النظام العربي في معظمه اليوم يضع نفسه في سلة أمريكا ويكوّن معها حلفاً وشراكة في المنطقة، أهم أولوياتها حفظ وجود وأمن إسرائيل.. فالدور أو الموقف الأمريكي برأينا، سواء كان الجمهوريون أو الديمقراطيون في البيت الأبيض، سيزداد شراسة في الانحياز لإسرائيل ودعمها والدفاع عنها لأنه يحظى بغطاء وإسناد عربي ومن دول مركزية للأسف، ولن نرى في المنظور البعيد إدارة أمريكية غير منحازة لإسرائيل.
    7 ـ بالمقابل هل تصل الاستراتيجيان الحاليتان.. الفلسطينية والأخرى العربية إلى مستوى مجابهة الخطر الذي تمثله الإستراتيجية الإسرائيلية؟ وما هي اقتراحاتكم لتعديلها إذا كانت كلاهما أو أحدهما من وجهة نظركم لا تصلا/ تصل إلى مستوى المجابهة؟
    للأسف، ليست هناك إستراتيجية فلسطينية أو عربية لمواجهة إسرائيل.. الإستراتيجية الفلسطينية الرسمية، أي إستراتيجية رئاسة السلطة ومنظمة التحرير، التي يقودها محمود عباس، انتهى بها الأمر إلى كلمة واحدة هي "التفاوض".. وعلى ما يبدو، التفاوض من أجل التفاوض، في كل الظروف والأحوال، فمهما فعلت إسرائيل، ومهما ارتكبت من جرائم وأراقت من دماء الفلسطينيين، فهذا لا يمنع رئيس السلطة من الذهاب إلى القدس، بما في ذلك من رمزية، والاجتماع برئيس الوزراء الصهيوني، أولمرت، وعناقه ومصافحته بحرارة ويداه تقطران دماً فلسطينياً في غزة ونابلس وجنين وغيرها من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية! وإن لم يكن التفاوض هو من أجل التفاوض، فهو الأسوأ لأنه ينذر باتفاقات وكوارث جديدة على الشعب الفلسطيني على غرار اتفاقات أوسلو وأخطر وأسوأ منها!
    أما الإستراتيجية العربية، إن جاز وصفها بهذا الاسم، فهي القبول بما يقبل به الفلسطينيون، ليس جميعهم، بل من أهل سلطة أوسلو، ودعم الشرعية الفلسطينية بنظرهم والتي يمثلها رئيس السلطة محمود عباس. ولا معنى لذلك إلا التنصل من أي التزام تجاه فلسطين وقضيتها المركزية، وشعبها العربي والمسلم.
    وإذا كان من الضروري أن نتحدث عن تعديل لهذه المواقف ولابد، فلابد أن نتحدث أولاً عن الإستراتيجية الإسرائيلية في هذه المرحلة.. المعروف أن إستراتيجية إسرائيل الراهنة تقوم على عدة ركائز أساسية أهمها:
    1 ـ ضمان بقاء إسرائيل وتكريس وجودها كدولة طبيعية ومركزية في المنطقة تتمتع بتفوق عسكري واقتصادي وحضاري يضمن لها الهيمنة والسيادة في المنطقة بلا منازع.
    2 ـ إقامة علاقات جوار مع المحيط العربي على قاعدة الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، ومنع قيام أي إستراتيجية عربية تقوم على العداء لإسرائيل، ومنع العرب أو المسلمين من الوحدة، ومن امتلاك أي قوة أو قدرة تهدد وجود إسرائيل، لاسيما القدرة النووية.
    3 ـ استعادة قوة الردع والهيبة الإسرائيلية، من خلال مواجهة وتصفية التهديد الوجودي لإسرائيل، الذي تمثله قوى المقاومة والممانعة في المنطقة الذي تمثله بنظرهم إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة في فلسطين وكل القوى الحية في الأمة..
    4 ـ فرض الحل الإسرائيلي للصراع حول فلسطين بدعم كيان فلسطيني هزيل تابع وخادم لإسرائيل مهمته حفظ أمنها، وتصفية أي مقاومة فلسطينية راهنة ومستقبلية لها.
    للأسف ليس هناك إستراتيجية عربية لمواجهة هذه الإستراتيجية .. بل إن تبني العرب لخيار السلام أو التسوية "كخيار استراتيجي" اعتبرته إسرائيل منذ زمن دليل ضعف وعدم قدرة بل عدم رغبة في المواجهة.. ست سنوات على المبادرة العربية، والعرب يردون على رفض إسرائيل للمبادرة بإعادة طرح المبادرة! الذي يريد أن يصنع السلام عليه أن لا يسقط خيار الحرب، بل يجب أن يكون مستعداً لها، كما تفعل إسرائيل، أما أحادية الخيار والإصرار على السلام كخيار استراتيجي، فلا معنى له في العقل الإسرائيلي سوى أن النظام العربي قد رفع الراية البيضاء منذ زمن، ويعيش حالة استسلام للمشروع الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.. وهذا الموقف العربي للأسف له أبعاده ومنطلقاته في وعي النظام العربي، فهو موقف يقوم على معادلة مستقرة في أذهان الكثير من الحكام، وهي أنهم إذا أرادوا أن يحافظوا على كراسيهم وبقائهم في سدة الحكم وينالوا رضا واشنطن، فعليهم أن لا يعارضوا الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية في المنطقة بل عليهم أن يتناغموا ويتعاونوا معها ويكونوا في خدمتها..
    وبناء عليه، لا يمكن الحديث عن إمكانية رسم إستراتيجية عربية لمواجهة الإستراتيجية الصهيونية والأمريكية في المنطقة، إلا إذا أدرك الحكام أن دعم إسرائيل أو الصمت على جرائمها، ودعم المصالح الأمريكية والإستراتيجية الأمريكية في المنطقة لن يصب في صالحهم في النهاية.
    في زمن التكتلات الإقليمية والدولية، وصراع القوى العظمى على المصالح والمستقبل، لا يجوز مقايضة وجود الحكام والحكومات بوجود الأمة الذي بات مهدداً في ظل الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية للمنطقة والعالم. الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية هي مشروع استعماري لتفجير المنطقة.. إن تصفية قوى المقاومة والممانعة في الأمة وحماية ودعم إسرائيل، هي معادلة لا يمكن أن تقبل بها جماهير الأمة مهما كانت منهكة أو مغيبة. وما تبيته إسرائيل للقوى الحية في الأمة يجعلنا نقول إن الطوفان قادم ولحظة الحقيقة وانفجار المنطقة قادمة، مهما تأخرت، ومن يظن أنه سيكون في مأمن أو منجى من ذلك فهو واهم. الطوفان والإعصار سيجتاح الجميع، والاستعداد لمواجهته يتطلب يقظة بل صدمة في الوعي والضمير العربيين. وهذه هي الخطوة الأولى المطلوبة لصياغة إستراتيجية عربية وفلسطينية رسمية، ليتم تصحيح انقلاب الصورة في رؤية العرب لأنفسهم وعدوهم في المنطقة.. الإستراتيجية العربية الآن مقلوبة وتقف على رأسها، ولابد من انقلاب في الوعي العربي والموقف العربي لتعديل السياسة العربية والإستراتيجية العربية لتقف على أقدامها وليس على رأسها، وأن تبدأ بإعادة رسم الخريطة السياسية وتحدد من هو العدو ومن هو الصديق؟ لا يجوز أن يدخل أحد من النظام العربي في حلف أمريكي إسرائيلي للحرب على قوى المقاومة والممانعة في الأمة لصالح إسرائيل.. ولا يجوز اختراع شيء افتراضي أو ظني اسمه "الخطر الإيراني" في المنطقة وغض الطرف عن "الخطر الإسرائيلي" الماثل أمام أعيننا والجاثم على صدورنا ويفترس حاضرنا ويهدد ويصادر مستقبلنا.. لا يجوز لأحد أن يخترع لنا عدواً داخل البيت الفلسطيني، هذا الفصيل أو ذاك، ويقنعنا أن لنا جاراً وصديقاً في المنطقة اسمه "إسرائيل"!
    إذا أفاق العرب من حالة انقلاب الصورة وفوضى المفاهيم التي لم نعد في ظلها نميز بين العدو والصديق، فإن صياغة إستراتيجية مواجهة تبقى تفاصيل يمكن التوافق عليها بسهولة.. المهم في البداية تحديد مواطن الأقدام، أنت مع شعبك وأمتك، أم مع أعدائها؟ هذا هو السؤال المطروح برسم الإجابة من كل أطراف النظام العربي اليوم.

  • #2
    مشكور أخي ابو فؤاد على هذا النقل
    وبالتعليق على هذا الموضوع أخشى بأن بعض الدول العربية والتي شاركت في حصار غزة بالتحديد قد قررت اعتبار اسرائيل دول عربية واسلامية وجارة صديقة لها فانا اشعر باننا وصلنا الى هذه المرحلة للاسف
    ومن ناحية ايجابية فأنا اعتقد بان اسرائيل قد بدأت بمرحلة الانحطاط
    بالرغم من جميع المقومات التي تشير الى كلمة لا لم تصل
    وبالنهاية انا بالطبع مع امتي وشعبي ولا ولن افاوض بأي ذرة تراب
    والنصر سيكون باذن الله حليف المجاهدين
    اللهم انصر جندك في كل مكان
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تعليق


    • #3
      اللهم انصر شعب فلسطين وحسبنا الله ونعم الوكيل في العرب
      وبورك شيخنا الصادح بالحق الدكتور رمضان شلح

      وجزاكم الله كل خير
      القناعة كنز لا يفنى

      تعليق


      • #4
        زوال اسرائل قرار لم يعطينا اياه اي أحد أعطانا اياه القران فكان قرار رباني
        وحفظ الله الدكتور
        قسما برب الكون نحن الغالبون..بسرايا القدس جندا انا جاهزون..

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك اخي ابو فؤاد
          [img2][/img2]

          تعليق


          • #6
            حفظ الله شيخنا الامين رمضان شلح
            قال أبو زرعة رحمه الله:
            (( إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وانما أدى الينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة ))
            22:2

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك اخي ابو فؤاد

              تعليق


              • #8
                [3mr=backgrounds/16.gif][size=6]اللهم انصر شعب فلسطين وحسبنا الله ونعم الوكيل في العرب
                وبورك شيخنا الصادح بالحق الدكتور رمضان شلح

                وجزاكم الله كل خير

                [/
                size][/3mr]

                تعليق


                • #9
                  جزاكم الله كل خير
                  قسما برب الكون نحن الغالبون..بسرايا القدس جندا انا جاهزون..

                  تعليق

                  يعمل...
                  X