الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
قسم الإعلام التوعوي
:: يقدم ::
سلسلة
"الهداية في أحاديث البداية"
للشيخ أبي الحارث الأنصاري - حفظه الله
يسر إخوانكم فى الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية أن يقدموا لكم سلسلة " الهداية فى أحاديث البداية " وإخوانكم فى الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية يهيبون بالأخوة المسلمين وأنصار الجهاد عامة وإخواننا فى أرض الرباط خاصة أن يحرصون على متابعة هذه السلسلة لما فيها من علم وفير وفوائد ونصائح لمن أراد أن يضع قدمه على طريق البداية , نسأل الله تعالى أن يجزى كاتبها خير الجزاء , وأن ينفع قارئها إنه ولى ذلك والقادر عليه ....
الحلقة الثانية
العمل ضمن المتاح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والرحمة والرضوان على الصحب والآل، ثم أما بعد:
فان مما يواجه العامل في الحقل الإسلامي كنوع من تثبيط للهمة وتوهين للعزائم من قبل المتخاذلين المخذِّلين، أو التأجيل فيما يجب تعجيله من قبل الصادقين، مسألة حجم القدرات والطاقات التي تستدعي ممتلكها التحرك بها ومن خلالها...
يخرج المرء داعياً إلى الله ملبياً أمر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجاهداً في سبيل الله بما قدَّر الله له من وسائل وطاقات وامكانات، فينبري البعض بوضع العراقيل والعقبات أمامه بحجة أن الأعداء كُثر والوضع غير ملائم والامكانات محدودة والخير في الصبر وغيره من عبارات التأخير والتأجيل...
يحتج العامل بما كان عليه الصحابة الكرام ومن قبلهم نبيهم صلي الله عليه وسلم فيكون الرد بأقوى صفعة وأسلط لسان... ذاك رسول الله المؤيد من الله بجبريل وميكائيل...
وأولئك صحابة رسول الله ذوي الإيمان العالي والمقام السامي المحدثون الملهمون...
وأين نحن من هؤلاء؟؟
والسؤال أكانت المعجزات هي من يحرك رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟
أهو الوحي الذي لا يتحرك رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا من خلاله؟
أيسبق الوحي كل فعل من رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟
أما كان للاجتهاد في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم نصيب؟
إننا لو أخذنا بمذهب المعجزات في أفعال رسول الله صلي الله عليه وسلم لنزعنا عنه صفة البشرية التي أثبتها الله جل في علاه...
رسول الله بشر وفيه صفات البشر من تخطيط وتفكير وإعداد وترتيب وتقدير للمواقف وترجيح للأفعال، واستشارة واستخارة وتقديم وتأخير...إنه بأبسط تعريف: بشر.
ولكن الذي يميزه صلي الله عليه وسلم أنه في التشريع يُوحي إليه ويأتي التصويب من الله سبحانه لو كان في اجتهاده ما يُخالف الأولى كحادثة الأعمى أو أسرى بدر أو الظِهار وغيره...
أما في الواقع فنقول أن القاعدة في أفعال رسول الله صلي الله عليه وسلم واختياراته كانت العمل ضمن المتاح...
"العمل ضمن المتاح" فلا يستبق المعركة ولا يؤخرها، ولا يستعدي من لا يضره وده، ولا يقاتل إلا بما عنده ضمن الموجود والمتاح.
يمر رسول الله صلي الله عليه وسلم على ياسر وسميه وعمار يُعذبون، فما يجد رسول الله صلي الله عليه وسلم حيلة إلا قوله: "صبراً آل ياسر" هذا هو المتاح الآن عنده ولو وجد غيره لكان سار إليه صلي الله عليه وسلم، ولو وجد من المال ما يدفعه مقابل تحريرهم مما يلاقوه لما تأخر صلوات ربي وسلامه عليه.
وحين يعجز عمار عن احتمال الأذى يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم وقلبه يتفطر من تلك الكلمة التي قالها في حق رسول الله صلي الله عليه وسلم ليقول له رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد الاطمئنان على إيمانه: "إن عادوا فعد"، أي بعد الإيمان بالله لو أُكرهت على كلمة الكفر فقلها لتنجو بنفسك، هذا هو الموجود ولا موجود غيره فلنأخذ به، ما دمت لم تصبر على العذاب وكان الحل في قول كلمة الكفر، والقلب مطمئن بالإيمان فليقلها كل مسلم يلاقي ما لاقاه عمار.
المتاح مال "أبو بكر" والعرض شراء بلال وعتقه، فعمل الصديق بما توفر عنده، ولو لم يوجد مال "أبو بكر" لكان صبر بلال كما هو صبر ياسر.
يأتي خباب يشكو ما نالته قريش منه ومن أصحابه، وطلبه الدعاء على المشركين والاستنصار بالله رب العالمين، والمتاح أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم إما الدعاء عليهم بالعذاب أو الدعاء لهم بالهداية مع الصبر على أذاهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا اله إلا الله، وحديثها موضع غير هذا، ولكن عمل رسول الله صلي الله عليه وسلم ضمن المتاح عنده فدعوة خباب للصبر كدعوة بلال، "وان عادوا فعد" يبقى حكم متاح.
ما عاد الصحابة يحتملون الأذى والعذاب وقد اشتد بهم الحال وكثرت الشكوى وعظم الصبر حتى احتاج للصبر عليه، فكان المتاح أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن في الحبشة ملك لا يُظلم عنده أحدا"، فهاجر الصحابة ولو كان غيره مُتاح لكان له شأن آخر، ولو عُدم هذا الخيار فيبقى الأمر على حاله، صبراً، ولكنكم قوم تستعجلون.
في بدر كان ما يمكن جمعه من الرجال ثلاثمائة يزيدون قليلاً، ومن الخيول اثنين ومن الإبل سبعين، في مقابل أضعاف مضاعفة من العدد والعتاد، فيبقى الخيار بين تولية الأدبار وبين "اثبتوا" فليجأ الرسول صلي الله عليه وسلم إلى الله: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض"، رمي للحِمل بين يدي الله، وإظهار للعجز والضعف، وتجرد من مقومات القتال والانتصار، والاستغناء بالله عمن سواه، وتعلق بأسباب الانتصار بالدعاء دون غيره من الأسباب، فكان النصر حليف الرسول صلي الله عليه وسلم والخزي والعار حليف شانئه فإنه الأبتر.
اشتد أذى قريش على الصحابة الكرام، ومُنع الرسول صلي الله عليه وسلم ومن آمن به من إقامة شعائر الإسلام، فطاف رسول الله صلي الله عليه وسلم على قبائل العرب يدعوها: "من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة" فما وجد منهم آذاناً صاغية ولا قلوباًَ واعية، فما كان من رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا الوقوف في مقام المضطر بين يدي من يسمع النجوى، فكانت الإجابة والنصر والتمكين في رجال المدينة أنصار الإسلام رضي الله عنهم .
فلما جاء الأنصار وآمنوا برب الأرباب وكفروا بالآلهة والأوثان، جاء الخلاص للمستضعفين في مكة أمثال بلال وعمار، فهاجروا في سبيل الله لا يبتغون إلا رضى الله والجنة، فكانت الهجرة كل ما يستطيعون فعله, ولو لم يأت الأنصار ويعرضوا المنعة والحماية لبقي الأمر على حاله: "وبشر الصابرين".
جاءت الأحزاب بخيلها ورجلها وقدها وقديدها، جاءت قوى الشرك وعباد الوثن بفلذات الأكباد، والفتيان الأجلاد، ليبيدوا الخضراء ويسبوا النساء، ويقضوا على الدين، ما حركهم إلا حقدهم الدفين، واستشار الرسول الأحباب والأصحاب، ما العمل؟
فما كان الجواب إلا تطبيقاً لما ألزموا به أنفسهم يوم بايعوا رسول الله في العقبة... "على أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم ولكم الجنة"، قال جابر: فقمنا نبايعه رجلاً رجلاً، فأخذ بيده أسعد بن زرارة فقال: رويداً يا أهل يثرب! إنا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم، مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله عز وجل، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله ! قالوا يا أسعد بن زرارة: أمط عنا يدك، فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها ولا نسلبها أبداً.
فما كان أمامهم إلا أن رأوا رأي من أشار بحفر الخندق – إن كان هو سلمان- فما تخلف من الصحابة أحد رضي الله عنهم.
وحين تمالأت الأحزاب وشددت على المدينة وساكنيها، رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم تخذيل غطفان بثلث ثمار المدينة، هذا كل ما توفر أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يفرق بين الأحزاب ويُغري بعضهم بالمال، فمن الناس من يؤمن بعقله ومنهم من يؤمن ببطنه، ومنهم من لا يرعوى بغير السيف، "ولما طالت هذه الحالُ على المسلمين، أراد رسولُ الله صلي الله عليه وسلم أن يُصالحع ُيينةَ بنَ حِصْنٍ، والحارِثَ بنَ عوف رئيسي غَطَفَان، على ثُلثِ ثِمار المدينةِ، وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضةُ على ذلك، فاستشار السَّعدين في ذلك، فقالا: يا رسولَ اللهِ؛ إن كان اللهُ أمَرَكَ بهذا، فسمعاً وطاعةً، وإن كان شيئاً تصنعُه لنا، فلا حاجةَ لنا فيه، لقد كُنَّا نحن وهؤلاء القومُ على الشِّركِ باللهِ وعِبادةِ الأوثان، وهم لا يطمعُون أن يأكلُوا منها ثمرة إلا قِرىً أو بيعاً، فحين أكرمنا اللهُ بالإسلام، وهدانا له، وأعَزَّنا بك، نُعطيهم أموالَنَا ؟، واللهِ لانُعطيهم إلا السيفَ، فصوَّبَ رأيَهما، وقال: "إنَّمَا هُوَ شيء أَصْنَعُهُ لَكُمْ لَمَّا رَأَيْتُ العَرَبَ قَدْ رَمَتْكُم عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ"[الزاد].
ليس الأمر بيع كلام ولا إكثار من الآمال والأحلام، إنها حقيقة مجردة في واقعيتها، منطقية في تصريفها، "العمل ضمن المتاح" والله هو المتكفل سبحانه بالتوفيق والهداية والإرشاد والنصر والتمكين، ونحن أمة مرحومة منصورة، وعدها ربها بملك الدنيا، وبالتمكين في الأرض، ما طالبها بغير "وأعدوا... ما استطعتم" وكل ما لم تستطعه هذه الأمة فهو مضمون مكفول من الله سبحانه.
فلتنهض العزائم ولتُشحذ الهمم ولتنطلق رجالات الإسلام ولا ينسوا "لن يضروكم إلا أذى وان يقاتلوكم يولوكم الأدبار".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
توضيح : فى نهاية السلسلة سيتم نشرها على هيئة كتاب إلكترونى إن شاء الله تعالى .
ولا تنسونا من صالح دعائكم
إخوانكم في
قسم الإعلام التوعوي
الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
رَصدٌ لأخبَار المُجَاهدِين وَ تَحرِيضٌ للمُؤمِنين