إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هام جدا : الحلقه الاولي .. من كتاب بسام ابو شريف عن حياة الشهيد باذن الله ياسر عرفات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هام جدا : الحلقه الاولي .. من كتاب بسام ابو شريف عن حياة الشهيد باذن الله ياسر عرفات

    الحلقه الاولي من كتاب بسام ابو شريف عن حياة الشهيد باذن الله ياسر عرفات

    ابو عمار يخلع ثيابه العسكرية ويتنكر بدشداشة كويتية لحضور قمة ايلول الأسود

    السادات أسرّ لعرفات بساعة حرب 1973





    الملتقي المقدسي : بعد تصاعد العمليات الفدائية الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية، انطلاقا من غور الأردن وعبر نهر الأردن، قررت القيادة الاسرائيلية شن هجوم بري وجوي واسع النطاق، لتدمير مواقع الفدائيين الفلسطينيين التي امتدت من شمال غور الأردن لجنوبه.
    وجاءت نتائج هذه الحملة (معركة الكرامة) عكس ما توقع الاسرائيليون، فقد خسرت اسرائيل المعركة ودمرت دباباتها وشاهد المواطنون العرب، ولأول مرة منذ هزيمة حزيران (يونيو) 1967، دبابات اسرائيلية مدمرة.
    هزيمة حزيران (يونيو) ومناظر الطائرات الحربية العربية المدمرة فوق مدارجها، ومناظر الدبابات العربية المدمرة، وصور الجنود العرب الأسري، هذه المناظر التي كانت تبث علي مدي أشهر منذ الهزيمة، لاحباط الجماهير العربية ولكسر معنوياتها واشعارها في كل لحظة بذل الهزيمة.
    لكن المناظر التي بثت لميدان معركة الكرامة أعادت جزءا من كرامة العرب لهم. فهاهي حفنة من المقاتلين المسلحين تسليحا خفيفا تلحق الهزيمة بالجيش الذي أسمته أجهزة الاعلام الغربية الجيش الذي لا يقهر .
    وبدأ سيل عارم من المتطوعين الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم، في التدفق علي معسكرات الثورة الفلسطينية للالتحاق بالقتال ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية. وكان هذا مصدر قلق شديد للحكومة الاسرائيلية والجيش الاسرائيلي. فقد تصاعدت العمليات حتي وصلت الي معدل عشر عمليات فدائية يوميا، استهدفت الآليات العسكرية الاسرائيلية وجنود الاحتلال الاسرائيلي.
    فقامت بشن حملة اعتقالات في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقررت اللجوء لأسلوب القصف الجوي، بدلا من الحملات البرية التي كلفتها سابقا الكثير.
    الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة لم تقتصر علي قصف مواقع وقواعد الفدائيين الفلسطينيين، بل استهدفت كافة القري والبلدات القريبة من تلك المواقع في أوساط المدنيين ليمارسوا الضغط علي الفدائيين للرحيل من مواقعهم القريبة من تلك القري والبلدات.
    وصعدت اسرائيل، غاراتها الجوية، وكثفتها وصارت حدثا يوميا.
    وفي مواجهة ذلك خففت فصائل الثورة الفلسطينية من حجم القواعد القتالية وعدد المقاتلين، وتراجعت نحو التلال والجبال المطلة علي غور الأردن، لكنها استمرت في شن عملياتها، التي أصبحت أكثر صعوبة لأن المسافة التي أصبح علي الدوريات القتالية قطعها، مشيا علي الأقدام، نحو نهر الأردن أطول بكثير، ولأن نقاط المراقبة الاسرائيلية، أتيح لها مزيد من الوقت لاكتشاف الدوريات القتالية المتقدمة نحو نهر الأردن عبر المزارع.
    وازداد حجم المقاتلين الذين تمركزوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في عمان العاصمة وغيرها من المدن.
    وأصبح للفصائل الفلسطينية مكاتب علنية ومقرات قيادة في مدينة عمان مما بدأ يثير قلقا لدي السلطات الأردنية، لأن هذا قد يعني أن تستهدف الغارات الاسرائيلية في المستقبل القريب عمان العاصمة ومخيماتها.
    وبدأت حوادث الاحتكاك بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الأردني تتتابع، رغم النجاح في حل المشاكل الناجمة عن هذه الاحتكاكات، الا أن التراكمات أدت الي توتر شديد، واصرار رسمي أردني علي تنظيم العلاقة بحيث تحرم اسرائيل فرصة توجيه ضربات جوية لعمان.
    اتفاق، يتلوه، اتفاق.
    وسرعان ما تنتهي الاتفاقات الي فشل.

    تياران متطرفان

    ومع مرور الوقت تبلور تياران متطرفان سببا مزيدا من الاحتكاك والتوتر، المتطرفون في الجانب الأردني بدأوا العمل لافتعال الاحتكاك، ونشر الاشاعات حول أعمال مخلة بالنظام، وامن المواطن الأردني، يرتكبها مقاتلون فلسطينيون، ومتطرفون فلسطينيون راحوا يرفعون شعارات غير مقبولة فلسطينيا وأردنيا مثل شعار السلطة كل السلطة للمقاومة .
    وشهد شهر حزيران (يونيو) من العام 1970 تصعيدا غير مسبوق، ودارت اشتباكات واسعة استخدم فيها الجيش الأردني الدبابات والأسلحة الثقيلة. مما حدا بفصائل المقاومة الي شن هجوم مضاد، خرج خلاله المقاتلون نحو شوارع عمان وسيطروا علي فندق الأردن (انتركونتننتال) الذي كان مزدحما بالأجانب والزوار والصحافيين.
    وقاموا باحتجاز الجميع كرهائن وهددوا بقتلهم ونسف الفندق ان لم توقف السلطات الأردنية هجومها.
    وعقد الأمين العام للجبهة الشعبية مؤتمرا صحافيا في الفندق، ليشرح أهداف العملية والمطالب الفلسطينية، وتوقف القصف ورضخ الجانب الأردني للمطالب ولكن علي مضض.
    لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عملية اختطاف الطائرات وانزالها في مكان من صحراء الزرقاء. أطلق عليه اسم مطار الثورة .
    مئات من الرهائن الأجانب والاسرائيليين احتجزوا في مطار الثورة، الذي كانت القوات البريطانية قد استخدمته أثناء الحرب العالمية الثانية كمهبط للطوارئ، وأطلق عليه اسم دوسون فيلد.
    وتتابعت الاحداث الخطيرة بسرعة شديدة.
    قامت اسرائيل باحتجاز مئات من أقارب قادة الجبهة الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووجهت انذارا للأردن مفاده أن اسرائيل ستضطر للقيام بعملية كبيرة لتحرير الرهائن ان لم يقم الأردن بذلك.
    وأبلغت الولايات المتحدة بذلك. وبحث الملك حسين الأمر مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي رأي بوضوح التعقيدات والمخاطر الناشئة عن ذلك الوضع. واتفق مع الملك حسين علي ضرورة أن يقوم الأردن بعملية محدودة مع بذل جهود مصرية سياسية لحل الاشكالات، تفاديا لتدخل اسرائيل.
    لكن العملية الأردنية كانت أوسع وأقسي بكثير مما اتفق عليه، واستنفر الأسطول السادس الأمريكي خلال الاشتباكات التي حصلت لاحقا بعد تشكيل حكومة عسكرية أردنية كانت انذارا ببدء الهجوم.
    ما ان شكلت الحكومة العسكرية في الأردن في السادس عشر من ايلول (سبتمبر) عام 1970، حتي بدأ القصف المدفعي وهجوم الدبابات علي مواقع منظمة التحرير الفلسطينية، والتنظيمات الفلسطينية، في مخيمات عمان وضواحي المدينة وفي المدن الأخري.
    كان الهجوم كثيفا ومركزا وطال القصف جميع المواقع دون استثناء. لكن مواقع فتح في ضواحي جبل الحسين ومخيم الحسين، تعرضت في بداية الهجوم، لأكبر ضغط عسكري مما أدي الي سقوط هذه المواقع واعتقال عدد كبير من قيادات فتح. وكان من بينهم أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح.
    لكن الرئيس عرفات، الذي أخلي مكتبه،تحرك مع المقاتلين للدفاع عن المواقع، وساهم في وضع المتاريس عند دوار مكسيم (الذي أصبح يسمي دوار فراس في جبل الحسين) لكنه كان يعلم أن وضع المتاريس لن يؤدي الا الي عرقلة مؤقتة، ستمنحه مزيدا من الوقت للتحرك لموقع امن، أو أكثر حماية.
    وبالفعل تراجع الرئيس ومجموعة من المقاتلين تحيط به، ورئيس جهاز أمنه علي سلامة (أبو حسن سلامة) من دوار مكسيم (فراس) الي مخيم اللاجئين (مخيم الحسين) ومن هناك هبطوا نحو شارع السلط (قرب البنك المركزي) عبر الدرج الطويل الذي كان يربط ذلك الجزء من جبل الحسين بشارع السلط (وسط مدينة عمان القديمة).
    كان شارع السلط والشوارع المحيطة به خالية من المارة والمحال مقفلة ولا وجود للدبابات أو الجنود، فتحركت المجموعة بسرعة شديدة متنقلة من زقاق لآخر حتي وصلت الي سوق الذهب الذي كان قريبا جدا من جامع الحسين الكبير الذي بني وسط المدينة عند نقطة محورية تلتقي فيها الطرق (في الوادي) والتي تؤدي الي شتي أنحاء عمان ومخارجها.
    وسلكت المجموعة راجلة طريق المصدار الذي يؤدي للأشرفية ومخيم الوحدات. حيث تتمركز قوات فلسطينية للدفاع عن المخيم.
    مع حلول الظلام وصل الرئيس والمجموعة المقاتلة، المرافقة له الي مركز قوات صلاح الدين في الأشرفية، وكانت تلك القوات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويقودها الحاج فايز جابر (الذي استشهد في مطار عنتيبي باشتباك مع القوات الخاصة الاسرائيلية).
    رحب به أحسن ترحيب وأحيط وصوله بكتمان شديد. ووصل رسول من قوات صلاح الدين لمركز القيادة في الوحدات ليبلغ عن وصول الرئيس لمركز قوات صلاح الدين سالما. وكانت الاشاعات قد انتشرت حول مقتله بعد أن اعتقل عدد كبير من القيادات وزملاء الرئيس في اللجنة المركزية لحركة فتح.
    فتوجه عدد منا علي وجه السرعة لمركز صلاح الدين، وعانقناه مهنئين بسلامته.
    وفيما كنا نشرب الشاي دار حديث حول اختيار مكان ليتمركز فيه، يكون بعيدا عن القصف وغير معروف من الناحية الأمنية.
    وأعطيت التعليمات.
    بعد ساعة من الزمن أبلغه الحاج فايز قائد قوات صلاح الدين، أننا وجدنا قبوا، يصلح ليكون موقعا مؤقتا له. وتحرك الجميع، فردا فردا حتي لا يلاحظ الذين يراقبون الأشرفية شارعا شارعا، ووصلنا الي ذلك القبو.
    كان موقع القبو قريبا من مقر الاذاعة الفلسطينية وقريبا من مستوصف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نهاية شارع بارطو الذي يفصل الأشرفية عن مخيم الوحدات.
    وانتشر خبر وصول عرفات للمنطقة وأنه سليم ولم يصب بأذي.
    وعند منتصف الليل خرج الآلاف من سكان المنطقة متوجهين لجامع أبو درويش يهللون ويكبرون ويطالبون بوقف القصف والقتال.
    وفي اليوم التالي دعا الرئيس جمال عبد الناصر لقمة عربية طارئة وعاجلة لبحث المأساة المتفاقمة في الأردن.
    وكان القتال قد نشب في الشمال (منطقة اربد) والزرقاء (شرق عمان) واستنفر الأسطول السادس، ووجهت الولايات المتحدة انذارا لسورية التي فتحت حدودها لقوات فلسطينية معززة للتوجه لنجدة القوات الفلسطينية المحاصرة.
    تفاقم الوضع وازداد خطورة فتحرك الرئيس عبد الناصر لعقد ذلك الاجتماع.
    وتم الاتفاق علي ابقاء القمة منعقدة، فيما تتوجه من بين القادة المشاركين فيها لجنة رباعية للأردن في محاولة لوقف القتال والتوصل لاتفاق.
    ورحلت اللجنة الي عمان.
    كان الرئيس جعفر النميري يرأس تلك اللجنة وكان من بين أعضائها الشيخ سعد ولي العهد الكويتي.
    أجرت اللجنة اتصالات بالجانب الأردني ولم تتمكن من أجراء اتصال مع الرئيس أو القيادة الفلسطينية.
    وأصدرت بيانا بعد يومين تطالب فيه بحقن الدماء وتعلن أنها أدت مهمتها وستغادر عمان. في تلك الأثناء بثت الاذاعة الأردنية نداءات موجهة للرئيس عرفات من بعض اخوانه أعضاء اللجنة المركزية يدعونه فيها لوقف القتال وحقن الدماء.
    توجهنا فورا للقبو كان الرئيس مطرقا وغارقا في التفكير. فقلت له اللجنة ستغادر. ولم تلتق بنا، وعلينا أن نعلمها بأن عليها أن تلتقي بك.
    فقال بنوع من الحدة والتوتر وكيف نعلمها؟
    فقلت فورا : الاذاعة توجه رسالة للجنة عبر الاذاعة وتطلب منها ان تلتقي بالقيادة الفلسطينية حتي تطلع علي الحقائق من كافة زواياها.
    وتم ذلك.

    تهريب عرفات الي المطار

    وراح الشباب يجمعون كما درجت العادة كل يوم، كمية من المازوت لتشغيل مولدات الاذاعة (ليكون الصوت واضحا) وبثت رسالة الرئيس ورحنا ننتظر الرد. ولم يأت الرد سريعا. لكن عند ساعات الفجر الأولي وصل الي مقر قوات صلاح الدين ضابط مخابرات مصري. فطلب أن يرتب له لقاء مع عرفات بأسرع وقت ممكن.
    رحب به، وتحرك رسول نحو القبو ليبلغ الرئيس. رحب الرئيس بذلك وطلب احضاره. وشرح الضابط باختصار وتركيز. عندما سمعت اللجنة الرسالة الاذاعية قررت تأجيل السفر وبحثت عن سبل ووسائل تأمين اللقاء دون معرفة الجانب الأردني خشية حدوث مكروه. وبما أن اللجنة الرباعية غير قادرة علي الوصول الي هذا المكان لأسباب عديدة، فقد أوكلت له مهمة ترتيب وصول الرئيس عرفات لمقر السفارة المصرية حيث ينتظره أعضاء اللجنة.
    الطريق للسفارة كانت محفوفة بالخطر والسفارة نفسها تقع في منطقة يسيطر عليها كليا الجيش الأردني.
    فطلب الرئيس من أبو حسن سلامة دراسة خطة الوصول مع الضابط المصري (مقدم في المخابرات).
    وتم الاتفاق علي كل التفاصيل.
    اختار رجلا الأمن طريقا بعيدة عن الشوارع الرئيسية ويتخللها الانتقال من بيت لآخر عبر الأسوار المحيطة بتلك البيوت تفاديا لأي صدام.
    ودرس موقع السفارة المصرية ومداخلها ومخارجها وتم الاتفاق من أين يتم دخول الرئيس مبني السفارة. طبعا لم يكن الدخول اليها من مدخلها الرئيسي.
    وتحرك الجميع مع الغروب.
    كان القصف شديدا وأزيز الرصاص في كل مكان وصوت رصاص رشاشات 500 الثقيلة ينفجر في الجو متواصلا.
    أثناء القصف والقتال وتحت أزيز الرصاص تتغير المعالم. فما كنت أليفا معه سابقا يصبح غريبا أو علي الأقل متغيرا، وينتابك شعور بالغربة. فهذا المكان الذي كنت أعرفه، حق المعرفة، أصبح غريبا عني وأنا غريب عنه.
    حتي الوجوه تختلف وتري وجوها جديدة ويختلط القديم بالجديد. وحتي الوجوه القديمة تتغير ملامحها، اما قلقا أو خوفا أو شراسة.
    الكل مختبيء لا يطل برأسه من نافذة خوفا من رصاصة طائشة أو مستهدفة. الكل ينبطح أرضا داخل المنازل خوفا من شظية.
    (لن أنس منظر أخي الصغير نائما في حوض الاستحمام، ظنا منه أن حوض الاستحمام سيحميه من رصاصة أو شظية).
    وكذلك تختلف مناظر البيوت التي تعرفها. غريب أن الحزن كان أيضا يكسوها فبدت قاتمة، صامتة,حزينة ومخيفة.
    من سور لاخر قفز أفراد المجموعة يتقدمون الرئيس، ثم يشيرون له ولمن معه بان يتبعوهم، بعد ان يتأكدوا من سلامة الموقع وعدم وجود خطر أمني.
    وهكذا استمر القفز الي أن وصل. وأطل مرة أخري ورفع يده باشارة متفق عليها. فتقدم اثنان من المرافقين يحملان السلاح وعبرا الشارع بسرعة وقفزا لينضما للسابقين وساد صمت مرة أخري.
    جاء دور الرئيس. فالمسلحان سبقا ليؤمنا غطاء ناريا في حال حدوث أي هجوم. وجاءت الاشارة فتحرك الرئيس بسرعة يحيط به خمسة مسلحين وعبروا الشارع بسرعة وقفزوا نحو حديقة السفارة.
    كانت الحركة بعد هذا سريعة جدا. دخل الرئيس مبني السفارة يرافقه أبو حسن سلامة فقط وأغلق الباب.
    دار حديث طويل ونقاش طويل وطرحت أفكار وأفكار، كل هذا وأصداء القصف تهيمن علي أجواء الاجتماع.
    وعرضت اللجنة ما بحثه الملك حسين، وكان واضحا أن الملك لن يقبل مطلقا، بأي حل يمس السيادة الأردنية المطلقة، وان أي وجود فلسطيني يجب أن يكون منسقا وتحت السلطة الأردنية الكاملة.
    في نهاية النقاش اقترح الشيخ سعد أن يتوجه الرئيس عرفات معهم الي القاهرة لحضور القمة، وانه من الممكن أن يتم الاتفاق في القاهرة بوجود القادة العرب وبما لعبد الناصر من تأثير كبير.
    وافق الرئيس وبدأ أبو حسن سلامة بدراسة خطة خروج الرئيس ياسر عرفات مع الوفد للمطار، والمغادرة للقاهرة، فقد كانت هذه المرحلة أخطر مرحلة اذ أن الطريق من السفارة المصرية للمطار مدججة بالآليات والمصفحات والجنود.
    اقترح أبو حسن سلامة ان يتنكر الرئيس بخلع ثيابه العسكرية،واستبدالها بدشداشة كويتية والحطة والعقال الكويتيين.
    الشيخ سعد طويل وجسده ضخم فيما الرئيس رفيع متوسط القامة.
    وانهمك أبو حسن وضباط المخابرات المصرية في ترتيب الدشداشة بحيث تبدو (قدر الامكان) مناسبة.
    عندما انتهي الأمر ووضع الرئيس الدشداشة والحطة والعقال، أصبح الوفد جاهزا للتحرك، كان قد رتب للوفد ثلاث مصفحات (أو مدرعات) لنقلهم للمطار واستخدم الشيخ سعد والرئيس وأبو حسن سلامة الذي ناسبته الدشداشة لطول قامته وضخامة جسمه احدي المصفحات، فيما استخدم بقية أعضاء اللجنة العربية المصفحتين الأخريين.
    وسار الموكب نحو المطار. الحواجز منتشرة علي طول الطريق أوقفت الموكب عدة مرات، كان خلالها ضباط الحواجز يصرون علي تفتيش المصفحات. لكن سرعان ما كانت الاتصالات تتم ويكمل الموكب مساره.
    (أعتقد أن الأمر كان معلوما، وأن تكثيف الحواجز كان مقصودا لاظهار السيطرة من ناحية ولبث القلق في ركاب المصفحات من الناحية الأخري).
    وصل الموكب للمطار وأصدر الرئيس النميري التعليمات بالصعود للطائرة فورا دون بروتوكولات بسبب الوضع الطاريء وللالتحاق بالقمة بأسرع وقت ممكن. وصعد الرئيس للطائرة مع الشيخ سعد يتبعه أبو حسن سلامة.
    عندما أقلعت الطائرة تنفس الجميع الصعداء.
    وبدأت معركة من نوع آخر. معركة سياسية في القمة العربية التي اجتمعت لوقف القتال وحقن الدماء وللمساهمة في أبرام اتفاق بين الأردن و م.ت.ف .
    وتم الاتفاق علي الأسس. وشكلت لجنة عليا من الطرفين لوضع آلية لتنفيذ الاتفاق. وخرجت القوات الفلسطينية من كافة المخيمات وتجمعت حسب الاتفاق في منطقة دبين. وجمعت أسلحة المليشيات واقفل عليها في مخازن تحت اشراف اللجنة المشتركة ولم تطل الهدنة كثيرا. فقد شن الجيش الأردني هجوما ساحقا علي المناطق التي حددت للقوات الفلسطينية واضطر جزء منها وعدد من القادة كان علي رأسهم الرئيس ياسر عرفات للتوجه شمالا. اذ أن مواقع الرئيس بالذات كانت مستهدفه بقصف شديد واضطر قادة آخرون بينهم الدكتور جورج حبش للتوجه شمالا نحو الحدود السورية.
    وأسدل ستار علي مرحلة من مراحل الصراع وبدأت مرحلة أخري، هي مرحلة لبنان التي انتقل الي جنوبها المقاتلون الفلسطينيون بعد أن عبروا من الأردن لسورية ومنها للبنان.



    تابع البقيه



  • #2
    التهيؤ لحرب اكتوبر

    منذ أن همس الرئيس أنور السادات في أذن ياسر عرفات حول قرار شن الحرب لتحرير سيناء، أيقن ياسر عرفات أن هناك فرصة لتطبيق القرار 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وذلك يعني بطبيعة الحال انسحابها ليس من سيناء فقط بل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان .
    ولذلك دعا قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المكتب السياسي) لاجتماع عاجل لحظة عودته الي بيروت.
    وخلال ذلك الاجتماع الذي عقد في بيت من البيوت، بعيدا عن المكاتب (التي قد تكون مراقبة أو معرضة لاجهزة التنصت)، تحدث ياسر عرفات عن احتمال نشوب حرب تبدأها مصر، لتحرير الاراضي المصرية التي احتلتها اسرائيل عام 1967.
    ولم يكن الكلام مقنعا لأحد. إذ أن الرئيس أنور السادات لوح أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة بأنه سيلجأ للقوة لإخراج المحتلين الاسرائيليين من سيناء. لكنه كان بعد كل تلويح أو تهديد بشن الحرب لتحرير سيناء يتراجع تحت حجج مختلفة، كالطقس والظروف لدرجة أن تلويحه بالحرب لم يعد يؤخذ علي محمل الجد.
    لكن ياسر عرفات كان مصرا علي أن السادات سيفعل ذلك، فيما شكك الآخرون بمن فيهم الشهيد أبو إياد الذي حضر الاجتماع الخاص والسري الذي عقد بين الرئيس أنور السادات وقيادة فتح (بعض أعضاء اللجنة المركزية فقط).
    في الاجتماع الذي عقد بين قيادتي حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (بعض اعضاء المكتب السياسي فقط) خلص عرفات للقول وبشكل جاد، إن علينا أن نستعد لاحتمال نشوب الحرب. فان نشبت كنا مستعدين وان لم تنشب سنعتبر الاستنفار تمرينا عسكريا جديا.
    وأبلغ الحاضرين، انه في حال نشوب حرب، يجب علي الفلسطينيين أن يكونوا موجودين علي ثلاث جبهات وان يشاركوا مشاركة فاعلة، في الجولان من خلال جيش التحرير الفلسطيني المتمركز علي الاراضي السورية، وفي سيناء من خلال جيش التحرير الفلسطيني المتمركز علي الأراضي المصرية. ومن الحدود الشمالية الإسرائيلية خاصة في المرتفعات الفلسطينية المحتلة.
    تعامل عرفات مع الاحتمال بشكل جاد، وأمر بانشاء غرفة عمليات مركزية في البقاع اللبناني للتنسيق والمتابعة وتحريك القوات الفلسطينية. أقيمت غرفة العمليات المركزية، الخاصة بالحرب التي قد تشن وقد لا تشن، في بساتين قرية من القري اللبنانية في البقاع الأوسط، كان أهلها من اشد أنصار المقاومة الفلسطينية وأكثرهم حماسا لتحرير فلسطين. وفي صبيحة يوم الثامن من أيلول (سبتمبر) من العام 1973 اتصل بي الرئيس ياسر عرفات، وكنت حينها في مكتبي بمقر مجلة (الهدف)، في كورنيش المزرعة ببيروت الغربية، ودعاني للتوجه معه في زيارة للقوات الفلسطينية. ولبيت الدعوة فقد كانت فرصة لي للاطلاع علي الأوضاع. اجتمع الرئيس ياسر عرفات بثلة من الضباط وراح يبحث معهم الخطط والخطط البديلة التي ستتبعها القوات الفلسطينية، في حال نشوب حرب.
    كان عرفات يتحدث طوال الوقت في إطار الاحتمال النظري وليس إطار المعلومات التي باح له بها الرئيس أنور السادات.

    عرفات.. الخبير العسكري
    جلست صامتا أراقب واستمع. خرائط للمواقع وإحداثيات للأهداف ثم نقاش حول مدي المدفع الفلاني والسلاح الفلاني ونقاش حول دور الكوماندوز (القوات الخاصة) والفدائيين الخ......
    كان يناقش مع الضباط مناقشة الخبير العسكري ،وعندما تصطدم معلوماته بمعلوماتهم كان يتحداهم ويطلب المراجع حول خاصية كل سلاح ومداه وفاعليته، ليكتشف الجميع أنه علي حق.
    ياسر عرفات أيقن أنه إذا شنت مصر حربا، وشاركت مع سورية فان منظمة التحرير ستكون مكشوفة الأجنحة عسكريا وسياسيا ولذلك لا بد لها من أن تشارك حتي يكون لها حضور عسكري يؤدي الي حضور سياسي لاحق.... أي حصتها .... أي الضفة الغربية وغزة.
    وعلي هذا الأساس كان يتصرف، وعلي هذا الأساس رسم الخطط وعلي هذا الأساس خاضت القوات الفلسطينية المعارك علي الجبهات الثلاث: مصر والجولان وجنوب لبنان.
    وبث ياسر عرفات في نفوس الضباط روح الحماسة ،وطلب أن يتصرفوا كأن الحرب واقعة لا محالة وأن عليهم أن يبلوا بلاء حسنا لاسترداد حقوق شعبنا وحريته وحرية أرضه واستقلاله.
    وغادرنا الموقع عائدين الي مركز القيادة في بيروت. وسألت الرئيس أثناء رحلة العودة: هل تعتقد فعلا أن الحرب ستقع؟
    نظر الي وقال: كما أراك. سوف تشن الحرب. لكنني لا أستطيع أن اجزم حول نتائجها. لكن علينا أن نكون في الميدان.
    وأضاف: من لا يشارك في المعارك لا يجني ثمارها الايجابية، إن كانت كذلك،وينال بعدم مشاركته السلبيات سواء كانت نتائجها ايجابية أم سلبية. وانتبهت لنفسي. فقد أصبحت فجأة أعيش جو الحرب رغم أنني كنت أشكك في ذلك الاحتمال.
    لقد بعث فينا ياسرعرفات ذلك الشعور. وساد الصمت فيما يسرع الموكب نحو بيروت. عرفات يفكر فيما يحرك ركبتيه بعصبيته المعتادة عندما يواجه أمرا شائكا وخطيرا . كان يحسب كل الحسابات وكان يعرف الكثير عن ميزان القوي، ودون أن يقول ذلك، رجحت أنه يفكر في الحرب المتوقعة كحرب تحريك سياسي وليس كحرب تحرير.
    فميزان القوي لم يكن خافيا علي أحد ،وتفوق اسرائيل العسكري كان مضمونا من الولايات المتحدة. وكانت مصر قد أخرجت المستشارين العسكريين السوفييت، مما أدي الي توتر كبير في العلاقات السوفييتية المصرية. تحريك أم تحرير، كان قراره واضحا:
    علي الفلسطينيين أن يكونوا في ميدان المعركة حتي لا يتركوا جانبا.

    إغتيالات اسرائيلية في بيروت

    منذ أن أخرجت قوات الثورة من الأردن في العام 1971 (تموز ـ آب)،
    وتأكد أن سورية لا تريد تحمل مسؤولية أي نشاط فلسطيني فاعل عبر الحدود مع قوات الاحتلال، تأكد للرئيس عرفات أن جنوب لبنان هو المكان المناسب للبقاء والنشاط لفترة من الزمن.
    وعندما اضطر للخروج من الأردن قال المقولة الشهيرة الجبل، الجبل ... يا سارية الجبل .
    تدريجيا تمركزت القوات الفلسطينية في العرقوب، ثم تمددت نحو ساحل صور وصيدا وبذلك انتشرت في القطاع الشرقي، والأوسط، والغربي من الجنوب اللبناني المتاخم للحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.
    وما ان تمركزت حتي بدأت العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال من القطاعات الثلاثة. وتحولت جبهة جنوب لبنان الي الجبهة الساخنة ، وبطبيعة الحال بدأت إسرائيل بشن مختلف أنواع الغارات برا،وبحرا،وجوا، مستهدفة مواقع القوات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين والقري اللبنانية، كما كانت الحال علي الجبهة الأردنية الإسرائيلية، عندما تحولت الي جبهة ساخنة.
    وتركز جهد الرئيس علي تمركز القوات الفلسطينية في مواقع استراتيجية، تمكنها من الصمود، وفي الوقت ذاته من شن الهجمات علي القوات الإسرائيلية . وتمكن من حل كافة المشاكل الخطيرة التي برزت مع رحيل القيادة والقوات من الأردن الي لبنان.
    كذلك المشاكل التي برزت بانضمام لواء من الجيش الأردني لقوات الثورة. (وكان ذلك اللواء بقيادة سعد صايل الذي كان من ألمع ضباط الجيش الأردني والذي تفوق بامتياز من وست بوينت الأكاديمية العسكرية الأمريكية الشهيرة).
    وفي العام 1972 قررت غولدا مئير رئيسة وزراء إسرائيل شن حرب إرهاب سرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، والمبدعين من مفكري وأدباء الشعب الفلسطيني، وذلك اثر عملية ميونيخ التي نفذتها مجموعة أيلول الأسود . وردت فتح وغيرها من المنظمات خاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبر دائرة العمليات الخارجية التي كان يقودها الدكتور وديع حداد، بعمليات آلمت إسرائيل ألما شديدا.
    اغتال الإسرائيليون غسان كنفاني في 8/7/1972 وحاولوا اغتيال بسام أبو شريف في 25/7/ 1972 والدكتور أنيس الصايغ (رئيس مركز الأبحاث الفلسطيني) والدكتور وديع حداد بإطلاق صواريخ علي منزله في حي عائشة البكار، في منطقة الصنايع ببيروت الغربية. ثم اغتالت في نيسان (ابريل) من العام 1973 كلا من القادة كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، وقامت بعملية إنزال واسعة علي شواطيء بيروت الغربية، ووصلت قواتها للفاكهاني في منطقة في غرب بيروت التي اكتظت بمكاتب المنظمات الفلسطينية، ونسفت عدة مقرات للمنظمات الفلسطينية ووصلت قوة إسرائيلية خاصة لمقر الرئيس ياسر عرفات الذي تمكن من الانسحاب من مكتبه الرئيسي في الوقت المناسب وخرج من المنطقة عبر تجمعات تلك القوات الخاصة.

    عرفات يبوح بالسر لحبش

    وجه الرئيس أنور السادات دعوة للرئيس ياسر عرفات لزيارة القاهرة، في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1973. وجاء في الدعوة، أنها دعوة لقيادة فتح فقط وليس لمنظمة التحرير الفلسطينية.
    وبذلك حدد الرئيس أنور السادات طبيعة اللقاء: انه لقاء بين قيادة فتح والرئيس أنور السادات.
    فتوجه الرئيس عرفات للقاهرة يرافقه عدد من قادة فتح كان بينهم صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير(أبو جهاد) وهايل عبد الحميد(أبو الهول). ولم يعرف آنذاك مضمون البحث أو عناوينه.
    وعندما عاد الوفد الي بيروت دعا الرئيس الي اجتماع مشترك لقيادتي فتح والجبهة الشعبية (وكان التنظيمان قد عقدا اتفاقا للتحالف مما أشعر الشعب الفلسطيني بأن الصمود للثورة أصبح أقوي وأكثر صلابة).
    اللجنة المركزية لحركة فتح والمكتب السياسي للجبهة الشعبية اجتمعا وناقشا الوضع السياسي واتخذا قرارات تتعلق بتصعيد التصدي للقوات الإسرائيلية وللموساد الإسرائيلي.
    وفي نهاية الجلسة طلب الرئيس عرفات من الدكتور جورج حبش (الحكيم) أن يبقي لدقائق بعد خروج أعضاء القيادتين.
    امسك الرئيس عرفات بيد الحكيم وتوجها نحو غرفة صغيرة جانبية.
    وباح عرفات بالسر لجورج حبش.
    أبلغه أن الرئيس السادات أبلغهم أنه سيشن حربا لإخراج الإسرائيليين من سيناء وأن الحرب وشيكة الوقوع.
    شكك جورج حبش في ذلك قائلا: لقد أعلن السادات أكثر من مرة عن نيته. لكنه كان في كل مرة يعلن ذلك يعلله برداءة الطقس أو تغيير الظروف. لكن الرئيس ياسر عرفات عبر عن اعتقاده بأن السادات جاد هذه المرة وأن علي الفلسطينيين أن يكونوا مستعدين علي أية حال.
    وانتهي الاجتماع الثنائي وسار الاثنان نحو الباب. وقبل خروج الحكيم قال له الرئيس ياسر عرفات:
    من يشارك في الحرب يحصد نتائجها سلبا أو إيجابا، ومن لا يشارك يبقي خارج دائرة النتائج والحصاد .
    عقل الرئيس عرفات السياسي، ورؤيته بعيدة المدي راحا يتحركان ويتفاعلان ... ها هي مصر، الدولة العربية الكبيرة تعد العدة لشن حرب ... بأي هدف؟

    حصة الفلسطينيين السياسية

    الهدف هو إخراج الإسرائيليين من سيناء. أي الأرض المصرية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والتي طالبها قرار مجلس الأمن رقم 242 الانسحاب منها. ولم تفعل.
    بذل السادات جهودا سياسية كبيرة لحث الولايات المتحدة علي إقناع إسرائيل بتطبيق قرار مجلس الأمن 242 عبثا. فقرر أن تنفيذ ذلك القرار يتطلب معركة عسكرية تجبر إسرائيل علي تطبيقه.
    سورية كذلك الأمر بالنسبة للجولان.
    ولكن ماذا عنا نحن الفلسطينيين؟
    هكذا فكر عرفات.
    إذا أردنا تطبيق هذا الرأي، وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل الحقائق وموازين القوي، فمن الطبيعي أن نصل الي خلاصة تنسجم مع ما يقبله المجتمع الدولي (أي ما هو ممكن إن بذلت كل الجهود وشنت الحروب). وهذا يعني تطبيق القرار 242 أي انسحاب إسرائيل من قطاع غزة والضفة الغربية.
    وأصبح هذا في ذهن الرئيس عرفات الممكن إن بذلت كافة الجهود .
    وعليه فان منظمة التحرير الفلسطينية مطالبة بالانسجام في برنامجها مع هذا الهدف الممكن .
    وعليها أيضا أن تكون شريكا ولو ثانويا في المعركة حتي تحصد النتائج: سلبيا أو ايجابيا.
    منذ اللحظة التي عاد فيها الرئيس عرفات من القاهرة بعد اجتماعه بالرئيس السادات، كثرت زياراته للبقاع الشرقي. وراح يهتم مباشرة بشؤون القوات العسكرية الفلسطينية في منطقة العرقوب.
    ورافقته عدة مرات الي غرفة عمليات أنشأها في البقاع تحسبا لنشوب الحرب.
    كان يستدعي الضباط ويطرح عليهم الأسئلة ويناقشهم في التكتيكات العسكرية والقدرة علي استخدام الأسلحة الثقيلة بكفاءة قصوي. كان يسأل عن المدي والتأثير لكل سلاح من هذه الأسلحة الثقيلة.
    وقام بجولات علي مواقع القوات المقاتلة في القطاعين الشرقي والأوسط من جنوب لبنان. ورسم هو والعسكريون خطة لتقدم القوات (فيما إذا نشبت الحرب) نحو الأراضي المرتفعة في تلك المنطقة، وهي أراض فلسطينية محتلة.
    واستدعي ضباط جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سورية والخاضع للقيادة العسكرية السورية، وشد من إزرهم وطلب منهم أن يكون بلاؤهم حسنا، إذا ما نشبت المعارك.
    كان يسعي للحصول علي حصة الفلسطينيين السياسية.
    كان يتصرف وكأن المعركة واقعة غدا. لقد صدق كل كلمة قالها الرئيس أنور السادات، رغم أن معظم الآخرين اعتقدوا أن كلامه كان مناورة جديدة.
    وعندما شن الجيش المصري هجومه البطولي عبر قناة السويس، كانت فرق الكوماندوز الفلسطينية تشن هجمات بطولية، شبه انتحارية ،علي كافة تلال الجولان لتسيطر عليها لفتح الطريق أمام القوات السورية لتتقدم لتحرير الجولان. وتقدمت القوات الفلسطينية من العرقوب نحو التلال العالية ـ سفوح جبل الشيخ لترابط فيها وترفع العلم الفلسطيني.
    في ساعات الصباح الأولي، اتصل أحد مساعدي الرئيس وطلب مني الحضور فورا لمقر الرئيس . بعد دقائق معدودة كنت في مكتبه، وتحرك الركب نحو البقاع .... نحو غرفة العمليات.
    وتوالت الأنباء والبرقيات العسكرية وأصبح واضحا أن الصعقة الأولي نجحت وأن الجيش المصري بدأ الزحف في سيناء بعد أن هشم خط بارليف وأن قوات جيش التحرير الفلسطيني تمكنت، رغم الثمن الباهظ من السيطرة علي تلال الجولان وأن القوات السورية تتقدم في الجولان.
    الرئيس عرفات كان يعمل ويتصرف وكأنه يقود كافة الجبهات. لكنه ركز علي نقطة مركزية، إثبات مشاركة القوات الفلسطينية في المعركة عبر إنجازات ملموسة، كاكتساح سفوح جبل الشيخ الاستراتيجية، وإبراز دور جيش التحرير الفلسطيني في الجولان، ودوره علي الجبهة المصرية (رغم أن الدور كان متواضعا).



    تابع:


    تعليق


    • #3
      غولدا مائير: انقذوا اسرائيل

      كانت الجيوش علي الجبهات الثلاث تبلي بلاء حسنا الي أن جاء نداء الاستغاثة الذي أطلقته غولدا مائير للإدارة الأمريكية:
      ((SAVE ISRAEL أنقذوا إسرائيل!
      جاء نداء الاستغاثة هذا، بعد أن انهار موشي ديان، وقرر أن يوجه بيانا للإسرائيليين عبر شاشات التلفزة، ليقول لهم الحقيقة، حقيقة انهيار الجيش الإسرائيلي أمام الهجوم المباغت.
      (نداء غولدا مائير كان له شق لم يعلن عنه حتي الآن، وهو التهديد باستخدام السلاح النووي إن لم تقم الولايات المتحدة بالتدخل).
      وحركت الولايات المتحدة أساطيلها لتقترب من شواطيء سيناء، وأنزلت مروحياتها الضخمة، وطائرات النقل، والدبابات المجهزة بالوقود والذخيرة علي مقربة من أرض المعركة التي كانت تدور بين الجيوش المصرية المتقدمة والقوات الإسرائيلية المتراجعة.
      ووجهت الولايات المتحدة إنذارا للسادات، بأنها ستتدخل مباشرة إن لم يوقف زحف الجيش المصري . فقرر السادات التوقف.
      وأخرجت تمثيليات الدفرسوار وبطولة شارون ملك إسرائيل كما حلا له أن يلقب نفسه وسلمت له دبابة امريكية.
      مكن وقف القتال علي الجبهة المصرية إسرائيل من توجيه قوة مدرعة كبيرة لشن هجوم مضاد في الجولان.
      فموازين القوي تغيرت علي الجبهات واستعادت القوات الإسرائيلية ما حرر من الجولان.
      لكن سفوح جبل الشيخ بقيت تحت العلم الفلسطيني.
      واستمرت الاشتباكات في الجولان وجبل الشيخ مئة يوم (بتشجيع من كيسنجر) ليتمكن وزير الخارجية الأمريكية من أنجاز اتفاق فك ارتباط علي الجبهة السورية بعد أن أنجزه علي الجبهة المصرية.
      وانهالت المساعدات العسكرية الأمريكية علي إسرائيل، لتعويض ما خسرته ولتأمين التفوق النوعي والتقني علي كل الدول العربية مجتمعة.
      رغم ذلك، كان الرئيس عرفات مقتنعا بأن حلا سياسيا يطبخ علي هدوء. وأن عليه أن يعمل ليشمل ذلك فلسطين.

      برنامج النقاط العشر

      ولذلك حرص علي عقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة في العام 1974. فقد كان التقليد المتبع أن يفتتح دورة المجلس الوطني رئيس البلد التي يعقد فيها. وكان من الطبيعي أن يفتتح الرئيس أنور السادات دورة المجلس الوطني التي عقدت في القاهرة عام 1974 وان يتحدث عن حرب تشرين الاول (أكتوبر) والآفاق السياسية لتلك الحرب.
      واجتمع الرئيس السادات باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وراح يهيئها لآفاق الحل السياسي الممكن ـ تطبيق القرار 242.
      وخاض الرئيس ياسر عرفات نقاشات سياسية حادة وشائكة للخروج ببرنامج سياسي يلوح بقبول منظمة التحرير الفلسطينية بقرارات الشرعية الدولية ـ أي إنهاء احتلال الأراضي التي غزتها إسرائيل عام 1967.
      وبعد شد وجذب، وافق المجلس الوطني علي برنامج النقاط العشر
      الذي يشير بخجل الي قبول م.ت.ف بحل سياسي تقيم بموجبه م.ت.ف سلطتها الوطنية علي جزء من الأرض الفلسطينية تنسحب عنه إسرائيل.
      بدأت رؤية الرئيس عرفات تتخذ شكلا ومضمونا واضحين. فالمعركة التي خاضها ويخوضها الآن علي رأس الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تؤدي (في أحسن الأحوال) إلا إلي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
      وعليه أن يبلور تدريجيا برنامجا سياسيا يستهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة علي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
      لكن الأمر لم يكن سهلا لمعارضة معظم التنظيمات الفلسطينية لمثل هذا البرنامج، ولمعارضة عدد لا يستهان به من قيادة فتح له.
      وعاشت الساحة الفلسطينية مرحلة من التناقضات السياسية العميقة. إذ أن زلزال حرب أكتوبر زلزل المعطيات السابقة وخلق واقعا جديدا.
      كان لا بد للقوي الحية والجدلية من التعاطي معه لأن عكس ذلك كان يعني الاندثار السياسي.
      وفي العام 1977 دعي لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني في القاهرة.
      وافتتح المجلس الرئيس أنور السادات وتحدث للمجلس بصراحة أكثر حول الاتفاق السياسي الممكن. وفي جلسة خاصة مع اللجنة التنفيذية، حضرتها رغم أنني لم أكن عضوا في اللجنة التنفيذية، طلب الرئيس السادات من القيادة الفلسطينية أن تحسم أمرها وتتخذ قرارها قبل فوات الأوان. وكان صريحا غاية في الصراحة:
      دولة فلسطينية علي الضفة الغربية والقطاع هو أقصي ما يمكن أن يطمح إليه. وربما أن هذا الهدف يحتاج لحرب ثانية، لكننا سنبذل الجهد إن حسمتم الأمر وتوكلتم .
      وخرج المجلس ببرنامج سياسي معدل التلميح والغموض، ولا يبت بصراحة ووضوح بالمسألة المطروحة هل يقبل الفلسطينيون دولة علي الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ؟
      بدأت أتشجع، لإخراج أفكاري لحيز الوجود.

      اتفاق بين الجبابرة

      طالما فكرت أن الكفاح المسلح هو طريق لإبراز ضرورة التوصل لحل سياسي وليس طريقا للانتصار علي القدرات العسكرية الإسرائيلية. فميزان القوي كان واضحا جدا، وآفاقه المرئية لعشرات السنين واضحة أيضا، خاصة أن هذا الميزان مرتبط بميزان قوي عالمي، تعتمد فيه الولايات المتحدة علي تفوق إسرائيل العسكري في الشرق الأوسط.
      (عندما تفكك الاتحاد السوفييتي، تبين أن أهم الأسلحة التي صدرت للعرب كانت أسلحة أنهت القوات السوفييتيية استخدامها كأسلحة أساسية وكانت الطائرات المقاتلة التي زود بها العرب، طائرات من جيل قديم تتقدم عليه خمسة أجيال علي الأقل في ترسانة الاتحاد السوفييتي ـ وهذا بطبيعة الحال اتفاق بين الجبابرة علي الحفاظ علي ميزان قوي في الشرق الأوسط، يحافظ علي تفوق إسرائيل العسكري).
      دولة فلسطينية علي الضفة الغربية وقطاع غزة ـ هي الهدف وان كان صعب المنال.
      في الوقت الذي خاض فيه الرئيس عرفات صراعا داخليا حول خوض المعركة السياسية المطروحة في الميدان، خاض معركة أخري، تلك المعركة تمثلت بالضغط الذي مورس عليه لعدم الإقدام علي تلك الخطوة السياسية من قبل الأنظمة العربية المعارضة للتفاوض مع إسرائيل لتحقيق حل سياسي.
      فعندما أقدم الرئيس السادات علي زيارة القدس وبدأ المفاوضات مع إسرائيل، شنت عليه حرب شعواء إعلاميا وسياسيا. وقد بدأت تلك الحرب عندما عقدت قمة بغداد لرفض التوجه السياسي للسادات.
      وأرسلت القمة وفدا من بين قادتها.
      وعندما وصل الوفد مطار القاهرة أمر أنور السادات بعدم دخول وفد القيادات العربية مصرا علي الاستمرار في الخط السياسي الذي رسمه.
      وقوطعت مصر. وأقرت قمة بغداد مبالغ كبيرة من المال لدعم صمود سورية والأردن وفلسطين في وجه التسوية السياسية التي قرر السادات المضي بها قدما.
      وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1977 زار السادات القدس وفي كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه دعي لقمة مصغرة عقدت في طرابلس الغرب.
      وأعلن بعدها عن إقامة جبهة الصمود والتصدي

      تعليق


      • #4
        الكتاب سياتي علي شكل حلقات بخمسة عشر حلقه متتاليه

        تعليق


        • #5
          رحمة الله عليك يا رمز الثوار والفدائيين

          تعليق

          يعمل...
          X