بل الإسلام دين السيف
إبراهيم العسعس
الذين يظنون أنَّهم بتصويرهم الإسلام حمامةً تحمل غصن زيتون ، لتسويقه وتجميله ـ كما يعتقدون ـ عند الآخرين ! هؤلاء مخطئون مرتين ؛ مرةً لأنهم يُوعِّرون طريقَ الوصول إليه ، والأخرى لأنهم لم يَعودوا يُقنعون أحداً بهذا الأسلوب المكشوف . إنَّ سهولة الوصول إلى المعلومة ، ووضع الإسلام على قمة لائحة الأعداء والاهتمامات ، دفع الكثيرين إلى الاطلاع أكثر على الإسلام ، فباتوا يدركون أنَّنا نُخفي شيئاً بهذا الأسلوب ، وأنَّنا نهزأُ بهم ولا نقول لهم كلَّ الحقيقة ! وهذا لا أقوله من بنات أفكاري ، وإنما صرَّح به كثيرٌ من مثقفي أمريكا ، وأنَّهم يحترمون من يقول الحقيقة أكثر ممن يترنَّح في شرحه ! وفي كثير من القضايا محل الخلاف بيننا وبينهم، نتيجة لاختلاف مناهج الحياة ، لم يعد يجدي أُسلوب الترقيع والاستدراك ، ومحاولة الالتـقاء في منتصف الطريق . فعندما يطرح موضوع المرأة ـ مثلاً ـ نستدرك بأنَّ لدينا أول ممرضة في التاريخ ، وأن المرأة عندنا أخت الرجل تزاحمه في كل شيء ، وأنَّ التعدد لا يحلُّ إلا لمن باتت زوجُه على فراش الموت ، وتأكد لدائرة قاضي القضاة ، وللاتحاد النسائي ، ودعاة حقوق المرأة أنَّها من المرحومات ، فلا بأس حينئذ من زواج الثانية على أن يكون كارهاً ، مُستغفراً ! وقِـس على ذلك بقية القضايا !
إنَّ الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بِعزَّة ووضوح ، نعم بحكمة ، ولكن دون تحريف أو انهزام . والذي أعتقده أنَّ الفرصة هذه الأيام سانحةٌ لمثل هذا التقديم ، فلا ينبغي تضييعها . والإسلام ليس ضعيفاً كي نضعه في قفص الاتهام ثم نجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه !
وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا : إنَّ إسلامكم انتشر بالسيف ، ودينكم دين إرهاب ، وإنَّ نبيكم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم ! وأنتم معشر المسلمين تحبون الدماء ! فقام المخلصون ، وهم إمَّا جهلة ، وإما مُنهزمون ، وإمَّا يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله ، وإمَّا ـ وللإنصاف ـ مجتهدون ، يَردُّون : كلا دينُنا لم ينتشر بالسيف ، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار ، وكلا نحن لسنا إرهابيين ، نحن ألطفُ مَن خلَقَ الله ! ونبينا نبي الرحمة ، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته ! أمَّا عن حبنا للدماء فإشاعاتٌ مغرضة واللهِ ! ألا دعونا مما قاله " البابا " وأجداده وأبناؤه ، وقولوا لنا ماذا قال الله سبحانه ، وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم ! دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم وخذونا إلى فقه الرشد الذي دلَّنا اللهُ عليه ورسولُه ، وحمله الصحابةُ ومَن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أيام الصليبيين والتتار ، ذلك أنَّ الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار ، وإنما بكم احتل من قلوب !
قال الله تعالى :" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط . وأنزلنا الحديد فيه بأس شديـد ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إنَّ الله قويٌّ عزيز " ( الحديد : 25 ) . لقد بينت الآيةُ القاعدةَ التي يقوم عليها الإسلام ، بل كلُّ الرسالات ، وهي الكتاب ، والقوة . وقد قال ابن تيمية رحمه الله :" قِوامُ الدين : بكتاب يهـدي وسيفٍ ينصر " لقد جاء الإسلام معلناً للحق ، ومؤيداً للحق في نفس الوقت ، وما الطغيانُ الذي نراهُ اليوم إلّا لأنَّ الحقََّ لا قوة له ، ولذلك أمر اللهُ المسلمين بالإعداد :" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكُم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللهُ يعلمهم ، ... " ( الأنفال : 60 ) . أمر بذلك لأنَّه لا يوجد مبدأٌ دون قوة ، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا ، أرضياً أم سماوياً فلا بدَّ له من قوةٍ تحميه .
الإسلامُ دينِ السيفِ لأنَّه جاء لقيادة البشرية نحو خيرِها ، فمن حقِّها أن تبلغَها الدعوةُ ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله . والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض ، وليكون الدين كله لله " لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان ، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض " قال تعالى :" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " ( البقرة : 193 ) . وهل نريد هذا فعلا ؟! مع كل هذا الضعف : نعم ! ومع كل هذا الهوان : نعم ! ونحن تحت القصف : نعم ! ونحن مُشرَّدون : نعم ! هذا هو فقه الرُّشد الذي لا يتغير في الأزمات ! وغيره فقه أزمة لا يُمثل الإسلام ، وإنَّما يمثل النفوسَ المسحوقة ، التي تُوشك أن تقول :" .. ما وعدنا اللهُ ورسولُه إلا غروراً " ( الأحزاب : 12 ) . والتي تهزأ بالمؤمنين الذين يقولون :" ...هذا ما وعدنا اللهُ ورسولُه وصدق اللهُ ورسولُه وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً " ( الأحزاب : 22 ) . والإسلام دينُ السيف لأنَّ الصراع بين الخير والشر لا ينقطـع ، فالحياة قائمةٌ على قانون التدافع ، ولو تمكن الشرُّ وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة . وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوةِ المقابلة . قال الله تعالى :" ... ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض لهُدمت صوامعُ وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسمُ اللهِ كثيراً .. ) ( الحج : 40 ) .
لقد أمر اللهُ بالشورى لأنَّها تدافع العقول والأفكار للوصول إلى الحق . وأمر بالجهاد لأنه تدافع الرجال والقوى لتثبيت الحق . فلا قيمة لإثبات الحق دون قوة لإنفاذه وتثبيته ! وهذا ما فهمه الفاروق رضي الله عنه إذ قال في رسالته التي وجهها لأبي موسى رضي الله عنه :" وأنفذ إذا تبين لك ، فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحق لا نفاذ له " .
والإسلام دين السيف لأنه فِعلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، نبيِّ المرحمة ونبيِّ الملحمة ؛ نبي المرحمة في وقتها ، ونبي الملحمة في وقتها ، وهذا مقتضى الحكمة التي بُعث بها صلى الله عليه وسلم :
فإن قِيل حلمٌ فقل للحلم موضعٌ وحلمُ الفتى في غيرِ موضعه جهلُ
فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... كما صحَّ عنه ، والنصُّ عام ، والقول بأنه خاص بوقته ضعيف . وهو الذي أمر كما قال الصحابيُّ فيما رواه البخاريُّ :" أَمَرنا نبيُّنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تُؤدوا الجزية " . والأدلة كثيرة وليس قصدي استيعابها ، وإنما هي رسائل من القرآن الذي لا :" نجاة للنفس البشرية ولا للأمة المسلمة إلا بإدخال هذا القرآن في المعركة ليخوضها حيَّةً كاملة كما خاضها أول مرة ... " ( الظلال / البقرة 193 ) . لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلاً من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهراً طويلاً ، وليقولوا للعالَمين : إذا كان الإرهابُ لحفظ الحق ، فنحن إرهابيون ، ذلك أنَّ الإرهاب ليس وصفاً مطلقاً فقد يكون خيراً وقد يكون شراً ! كالقتل ؛ منه ما هو شرٌّ ، ومنه ما هو خير ، فقتلُ النفس البريئة شر ، وقتل القاتل خير ! وهكذا ... إنَّ من يتهمنا بالإرهاب هم آخرُ من يحقُّ لهم الكلام عنه ، فلسنا نحن الذين استعمرنا العالمَ في القرون الوسطى ، وأنهكنا الشعوبَ وسرقنا خيراتِها ، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجالَ الدين ليخدعوا الشعوبَ باسم الرب ! ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذرَ حربين في قرنٍ واحد أكلتا ملايين البشر ، ومحقتا خيراتِ الدنيا ! والقائمة تطول .
ولقد وددتُ أن يكون وعي هؤلاء الدعاة والعلماء ، كوعي أحمد شوقي ـ وللأسف ـ عندما قال :
قالوا غزوتَ ورسلُ الله ما بُعثوا * لقتلِ نفسٍ ولا جاءوا لسفــكِ دمِ
جهلٌ وتضليلٌ أحلامٍ وسَفْسَـطـة * ٌ فتحتَ بالسيف بعد الفتـح بالقلـم
والشرُّ إن تلقهُ بالخير ضِقتَ بـه * ذرعاً وإن تلقهُ بالشرِّ ينـحســمِ
ووددتُ أن يقولوا كما قال الرافعي رحمه الله ـ وحاشاه ـ :" وهو دين يعلو بالقوة ويدعو إليها ويريد إخضاع الدنيا وحكم العالم ويستفرغ همَّه في ذلك ، لا لإعزاز الأقوى وإذلال الأضعف ، ولكن للارتفاع بالأضعف إلى الأقوى ؛ وفرْقُ ما بين شريعته وشرائع القوة ، أن هذه إنما هي قوة سيادة الطبيعة وتحكمها ، أما هو فقوة سيادة الفضيلة وتغلبها ؛ وتلك تعمل للتفريق وهو يعمل للمساواة ؛ وسيادة الطبيعة وعملها للتفريق هما أساس العبودية ، وغلبة الفضيلة وعملها للمساواة هما أعظم وسائل الحرية " ( وحي القلم : 2/7 ) .
إبراهيم العسعس
الذين يظنون أنَّهم بتصويرهم الإسلام حمامةً تحمل غصن زيتون ، لتسويقه وتجميله ـ كما يعتقدون ـ عند الآخرين ! هؤلاء مخطئون مرتين ؛ مرةً لأنهم يُوعِّرون طريقَ الوصول إليه ، والأخرى لأنهم لم يَعودوا يُقنعون أحداً بهذا الأسلوب المكشوف . إنَّ سهولة الوصول إلى المعلومة ، ووضع الإسلام على قمة لائحة الأعداء والاهتمامات ، دفع الكثيرين إلى الاطلاع أكثر على الإسلام ، فباتوا يدركون أنَّنا نُخفي شيئاً بهذا الأسلوب ، وأنَّنا نهزأُ بهم ولا نقول لهم كلَّ الحقيقة ! وهذا لا أقوله من بنات أفكاري ، وإنما صرَّح به كثيرٌ من مثقفي أمريكا ، وأنَّهم يحترمون من يقول الحقيقة أكثر ممن يترنَّح في شرحه ! وفي كثير من القضايا محل الخلاف بيننا وبينهم، نتيجة لاختلاف مناهج الحياة ، لم يعد يجدي أُسلوب الترقيع والاستدراك ، ومحاولة الالتـقاء في منتصف الطريق . فعندما يطرح موضوع المرأة ـ مثلاً ـ نستدرك بأنَّ لدينا أول ممرضة في التاريخ ، وأن المرأة عندنا أخت الرجل تزاحمه في كل شيء ، وأنَّ التعدد لا يحلُّ إلا لمن باتت زوجُه على فراش الموت ، وتأكد لدائرة قاضي القضاة ، وللاتحاد النسائي ، ودعاة حقوق المرأة أنَّها من المرحومات ، فلا بأس حينئذ من زواج الثانية على أن يكون كارهاً ، مُستغفراً ! وقِـس على ذلك بقية القضايا !
إنَّ الإسلام يحتاج اليوم إلى من يقدمه للناس كما هو بِعزَّة ووضوح ، نعم بحكمة ، ولكن دون تحريف أو انهزام . والذي أعتقده أنَّ الفرصة هذه الأيام سانحةٌ لمثل هذا التقديم ، فلا ينبغي تضييعها . والإسلام ليس ضعيفاً كي نضعه في قفص الاتهام ثم نجهد في الدفاع عنه لإخراجه منه !
وهكذا أوقعونا في الفخ فقالوا : إنَّ إسلامكم انتشر بالسيف ، ودينكم دين إرهاب ، وإنَّ نبيكم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم ! وأنتم معشر المسلمين تحبون الدماء ! فقام المخلصون ، وهم إمَّا جهلة ، وإما مُنهزمون ، وإمَّا يريدون تجميل الإسلام إلى أن يفتح الله ، وإمَّا ـ وللإنصاف ـ مجتهدون ، يَردُّون : كلا دينُنا لم ينتشر بالسيف ، انظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار ، وكلا نحن لسنا إرهابيين ، نحن ألطفُ مَن خلَقَ الله ! ونبينا نبي الرحمة ، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته ! أمَّا عن حبنا للدماء فإشاعاتٌ مغرضة واللهِ ! ألا دعونا مما قاله " البابا " وأجداده وأبناؤه ، وقولوا لنا ماذا قال الله سبحانه ، وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم ! دعونا من فقه الأزمة هذا الذي يقودكم وخذونا إلى فقه الرشد الذي دلَّنا اللهُ عليه ورسولُه ، وحمله الصحابةُ ومَن بعدهم من كبار الأمة وفقهائها وعليه ساروا حتى وهم في أصعب حالاتهم أيام الصليبيين والتتار ، ذلك أنَّ الهزيمة لا تقاس بكم احتل من أشبار ، وإنما بكم احتل من قلوب !
قال الله تعالى :" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط . وأنزلنا الحديد فيه بأس شديـد ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إنَّ الله قويٌّ عزيز " ( الحديد : 25 ) . لقد بينت الآيةُ القاعدةَ التي يقوم عليها الإسلام ، بل كلُّ الرسالات ، وهي الكتاب ، والقوة . وقد قال ابن تيمية رحمه الله :" قِوامُ الدين : بكتاب يهـدي وسيفٍ ينصر " لقد جاء الإسلام معلناً للحق ، ومؤيداً للحق في نفس الوقت ، وما الطغيانُ الذي نراهُ اليوم إلّا لأنَّ الحقََّ لا قوة له ، ولذلك أمر اللهُ المسلمين بالإعداد :" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكُم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللهُ يعلمهم ، ... " ( الأنفال : 60 ) . أمر بذلك لأنَّه لا يوجد مبدأٌ دون قوة ، وسواء كان هذا المبدأ حقا أم باطلا ، أرضياً أم سماوياً فلا بدَّ له من قوةٍ تحميه .
الإسلامُ دينِ السيفِ لأنَّه جاء لقيادة البشرية نحو خيرِها ، فمن حقِّها أن تبلغَها الدعوةُ ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله . والإسلام دين السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض ، وليكون الدين كله لله " لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان ، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض " قال تعالى :" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " ( البقرة : 193 ) . وهل نريد هذا فعلا ؟! مع كل هذا الضعف : نعم ! ومع كل هذا الهوان : نعم ! ونحن تحت القصف : نعم ! ونحن مُشرَّدون : نعم ! هذا هو فقه الرُّشد الذي لا يتغير في الأزمات ! وغيره فقه أزمة لا يُمثل الإسلام ، وإنَّما يمثل النفوسَ المسحوقة ، التي تُوشك أن تقول :" .. ما وعدنا اللهُ ورسولُه إلا غروراً " ( الأحزاب : 12 ) . والتي تهزأ بالمؤمنين الذين يقولون :" ...هذا ما وعدنا اللهُ ورسولُه وصدق اللهُ ورسولُه وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً " ( الأحزاب : 22 ) . والإسلام دينُ السيف لأنَّ الصراع بين الخير والشر لا ينقطـع ، فالحياة قائمةٌ على قانون التدافع ، ولو تمكن الشرُّ وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة . وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوةِ المقابلة . قال الله تعالى :" ... ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض لهُدمت صوامعُ وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسمُ اللهِ كثيراً .. ) ( الحج : 40 ) .
لقد أمر اللهُ بالشورى لأنَّها تدافع العقول والأفكار للوصول إلى الحق . وأمر بالجهاد لأنه تدافع الرجال والقوى لتثبيت الحق . فلا قيمة لإثبات الحق دون قوة لإنفاذه وتثبيته ! وهذا ما فهمه الفاروق رضي الله عنه إذ قال في رسالته التي وجهها لأبي موسى رضي الله عنه :" وأنفذ إذا تبين لك ، فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحق لا نفاذ له " .
والإسلام دين السيف لأنه فِعلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، نبيِّ المرحمة ونبيِّ الملحمة ؛ نبي المرحمة في وقتها ، ونبي الملحمة في وقتها ، وهذا مقتضى الحكمة التي بُعث بها صلى الله عليه وسلم :
فإن قِيل حلمٌ فقل للحلم موضعٌ وحلمُ الفتى في غيرِ موضعه جهلُ
فهو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بقتال الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... كما صحَّ عنه ، والنصُّ عام ، والقول بأنه خاص بوقته ضعيف . وهو الذي أمر كما قال الصحابيُّ فيما رواه البخاريُّ :" أَمَرنا نبيُّنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تُؤدوا الجزية " . والأدلة كثيرة وليس قصدي استيعابها ، وإنما هي رسائل من القرآن الذي لا :" نجاة للنفس البشرية ولا للأمة المسلمة إلا بإدخال هذا القرآن في المعركة ليخوضها حيَّةً كاملة كما خاضها أول مرة ... " ( الظلال / البقرة 193 ) . لقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلاً من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهراً طويلاً ، وليقولوا للعالَمين : إذا كان الإرهابُ لحفظ الحق ، فنحن إرهابيون ، ذلك أنَّ الإرهاب ليس وصفاً مطلقاً فقد يكون خيراً وقد يكون شراً ! كالقتل ؛ منه ما هو شرٌّ ، ومنه ما هو خير ، فقتلُ النفس البريئة شر ، وقتل القاتل خير ! وهكذا ... إنَّ من يتهمنا بالإرهاب هم آخرُ من يحقُّ لهم الكلام عنه ، فلسنا نحن الذين استعمرنا العالمَ في القرون الوسطى ، وأنهكنا الشعوبَ وسرقنا خيراتِها ، ولسنا نحن الذين اصطحبنا رجالَ الدين ليخدعوا الشعوبَ باسم الرب ! ولسنا نحن الذين أشعلنا أقذرَ حربين في قرنٍ واحد أكلتا ملايين البشر ، ومحقتا خيراتِ الدنيا ! والقائمة تطول .
ولقد وددتُ أن يكون وعي هؤلاء الدعاة والعلماء ، كوعي أحمد شوقي ـ وللأسف ـ عندما قال :
قالوا غزوتَ ورسلُ الله ما بُعثوا * لقتلِ نفسٍ ولا جاءوا لسفــكِ دمِ
جهلٌ وتضليلٌ أحلامٍ وسَفْسَـطـة * ٌ فتحتَ بالسيف بعد الفتـح بالقلـم
والشرُّ إن تلقهُ بالخير ضِقتَ بـه * ذرعاً وإن تلقهُ بالشرِّ ينـحســمِ
ووددتُ أن يقولوا كما قال الرافعي رحمه الله ـ وحاشاه ـ :" وهو دين يعلو بالقوة ويدعو إليها ويريد إخضاع الدنيا وحكم العالم ويستفرغ همَّه في ذلك ، لا لإعزاز الأقوى وإذلال الأضعف ، ولكن للارتفاع بالأضعف إلى الأقوى ؛ وفرْقُ ما بين شريعته وشرائع القوة ، أن هذه إنما هي قوة سيادة الطبيعة وتحكمها ، أما هو فقوة سيادة الفضيلة وتغلبها ؛ وتلك تعمل للتفريق وهو يعمل للمساواة ؛ وسيادة الطبيعة وعملها للتفريق هما أساس العبودية ، وغلبة الفضيلة وعملها للمساواة هما أعظم وسائل الحرية " ( وحي القلم : 2/7 ) .