23/2/2008)
العرب اليوم - اسعد العزوني
عقد المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ندوة بحثية بعنوان "مدخل الى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي (انموذج العراق)" يوم قدمها الباحث الاردني د. اكرم الحجازي, وادار الحوار الذي حضره عددا من الدبلوماسيين والمتخصصين في الحركات الجهادية, نائب مدير المعهد العربي رائد فوزي احمود.
وقال الباحث الحجازي انه ومنذ هجمات الحادي عشر من ايلول 2001 برزت ظاهرة "السلفية الجهادية" كفاعل استراتيجي دولي مميز وفريد من نوعه سواء تعلق الامر بالحدث السياسي او بالحدث الامني. موضحا انها باغتت في فعالياتها ومساعيها كلا من السياسي والديني والاجتماعي والثقافي والعلمي والمعرفي وحتى الحضاري قبل ان يستشعر احد بجدية الاخطار التي تخلفها في بنية التنظيم الدولي والعلاقات الدولية. ويعتقد البعض بوجود توجهات امريكية تقضي بغض الطرف عن نمو السلفية الجهادية وغيرها من الظواهر التي من شانها اشاعة فوضى يمكن السيطرة عليها من جهة وتوظيفها كاليات وادوات تسمح بالمزيد من التدخلات الامريكية من جهة اخرى. بل ان هذا البعض يغالي اكثر في الاعتقاد بان السلفية الجهادية ليست اكثر من علامة تجارية امريكية مسجلة في وكالات الاستخبارات الامريكية.
وحول وحدة لغة السلفية الجهادية اوضح الباحث انه من الاهمية بمكان الاشارة الى ان التحدث بلغة السلفية الجهادية لا يعني ابدا قبول اطروحاتها او رفضها بقدر ما هي وسيلة ناجعة لفهمها وتفسير خطاباتها والوقوف على استراتيجياتها وسياساتها بالمضمون الذي هي تريده وتسعى الى التعبير عن نفسها وانه من العبث قراءة الاطروحة السلفية اعلاميا او ايديولوجيا او امنيا او سياسيا او حتى تنظيميا, ذلك ان السلفية تيار متشعب ومعقد لكنه ليس تنظيما وان بدت ادواته الضاربة كذلك في مواضع شتى.
توصيف الظاهرة
وبخصوص توصيف ظاهرة السلفية بين انه سهل المنال مع انه مظهر خادع ليس الوصول اليه متاحا بالنظر الى سرية الفاعلين واختلاف البناء الهيكلي للادوات التي تشكل الظاهرة كالتنظيم الام والادوات الضاربة لها في شتى انحاء العالم مقارنة بالابنية التقليدية المتعلقة بالجماعات الجهادية المسلحة.
وقال ان هذا لا يعني ان السلفية لا تتمتع بانتاج معرفي هائل تفوقت فيه, كما ونوعا, على ما سبقها من الجماعات السياسية.منوها ان مصطلح السلفية الجهادية في وسائل الاعلام استقر ليعبر عن تيار جهادي ذي صبغة عالمية, لكنه في عرف اصحاب التيار لا يكفي لبلوغ المعنى الدقيق له فضلا عن ان ترويجه ينطوي على حصر للتيار في اطر ضيقة. فالوهابية مثلا تمثل احدى المصادر الشرعية والتاريخية للفكر الجهادي العالمي لكنها ليست المصدر الوحيد, وتبعا لذلك ليست السلفية الوهابية الجهادية هي التيار الجهادي العالمي ولا هي المخولة بالتحدث باسمه, كما ان التيار الجهادي اوسع, في مرجعياته ومكوناته, من اية مرجعية منفصلة. والحقيقة ان التصاق تعبير السلفية بالتيار الجهادي العالمي يمكن رده الى عدة اسباب منها كثرة منتسبيه من الجزيرة العربية خاصة من السعودية اثر دخول الدولة على خط الجهاد الافغاني الاول,. وتبني الكثير من علماء السعودية للمشروع الجهادي ممن ذاع صيتهم في الاوساط الجهادية والاعلامية.وانقسام السلفية الوهابية الى سلفية تقليدية واخرى جهادية الامر الذي سمح باستخدام المصطلح بهدف التمييز بين التيارين. فـ"السلفية الجهادية" كمصطلح لا تعني باي شكل من الاشكال وجود سلفية بلا جهاد لاسيما وان التيار الجهادي كغيره من التيارات الاسلامية يرى في القرون الثلاثة الاولى من الاسلام انها خير القرون دعوة وجهادا وحضارة.
الادوات الضاربة للسلفية الجهادية
وفيما يتعلق بالادوات الضاربة للسلفية الجهادية قال د.الحوراني ان الموضوع بالغ التعقيد, فالمعطى البارز الذي امكن ملاحظته, مع بروز ظاهرة الجهاد العالمي, يكمن في تراجع نمط المقاومة ذات الطابع الوطني او القومي وتَقَدُّم "الجهاد" بديلا عن "المقاومة" كمصطلح ومضمون, فما من احد يتكلم اليوم عن نضال وطني او قومي او اممي ولا عن وحدة عربية شاملة ولا جزئية ولا حتى عن تنسيق عربي, وعلى العكس من ذلك فان اغلب الجماعات المسلحة الحديثة, خاصة بعد هجمات الحادي عشر من ايلول, اتخذت من الجهاد منهجا لانطلاقتها ومن التراث الاسلامي تسمية لها.
واضاف ان السلفية الجهادية تقدم نفسها تيارا من رحم العقيدة يسعى الى بلوغ مصالح الامة الاسلامية في ضوء الدعوة الى التوحيد واقامة الدين, وعبر مجاهدة ما تعتبره "طواغيت العرب" و "طواغيت العجم". وتبعا لذلك فان تيار الجهاد العالمي تجاوز المسالة التنظيمية واستقر الان كفكرة (منهجا وعقيدة) تتعلق بالافراد عامة او ما يسمى بـ "الخلايا النائمة" خاصة مثلما تتعلق بالجماعات الجهادية المنظمة, وموضوعيا يصعب الاحاطة بالامرين ان لم يكن مستحيلا.
وفي منحنى اخر بين الباحث ان فعاليات التيار الجهادي العالمي قد تجاوزت الرموز الكبار في السلفية الجهادية ومن ابرزهم بن لادن والظواهري على الرغم من ثقلهم ومشروعيتهم كقيادة تاريخية, وبات بقاؤهم على سطح الاحداث او اختفاؤهم سيان لا يقدم او يؤخر ان الظاهرة وترسخها اصبحت ذاتية المنشا والدفع, وان هذا التوصيف ينطبق حتى على تنظيم قاعدة الجهاد ذاته.
وفي معرض حديثه عن العلاقة ما بين السلفية الجهادية والجماعات الاخرى قال د.الحجازي انه من المثير حقا ان تستقر السلفية الجهادية فاعلا استراتيجيا نشطا على الساحة الدولية في بضع سنين خلت خاصة بعد هجمات الحادي عشر من ايلول, لذا, ينبغي التاكيد على ان الظاهرة لا يمكن لها ان تكون فعالة على المستوى الدولي وهي تقارع الولايات المتحدة الامريكية خاصة وقوى الغرب عامة ولا تكون كذلك على المستوى الاسلامي في موازاة الجماعات الاسلامية الاخرى ذات الصبغة العالمية, ذلك ان هذه الجماعات تمثل بالنسبة لها الاحتياط الاستراتيجي الذي تنهل منه وستنهل منه لاحقا ولو على المستوى الفردي, كمرحلة اولى, بسبب جاذبية الخطاب السلفي.
واوضح ان السلفية لا تعنيها كثيرا الجماعات الاسلامية المغمورة او التي حشرت نفسها في اطر جغرافية او خدمية ضيقة لم تتجاوزها منذ عشرات السنين مثلما تعنيها الجماعات ذات الانتشار العالمي الذي لا يخلو منه بلد اسلامي او غير اسلامي, وهذا يعني ان السلفية تعمل بموجب نظام العولمة الذي يحقق لها تواصلا مع الرصيد في مختلف البلدان والمناطق
واكد ان جماعة الاخوان المسلمين,تمتعت في بداية النشاة, بنهج سليم فيما يتصل بالدعوة الى حاكمية الشريعة والسعي لاقامة الخلافة الاسلامية, لكنهم, فيما بعد, "ارجؤوا", وصار لهم اجتهادات وتاويلات تبرر وتشرِّع لمفاهيم الديمقراطية والشرعية الدولية والقوانين والعمل بموجب الدساتير الوضعية, فشاركوا في الانتخابات ومجالس النواب واعلنوا "احترامهم" للقوانين والمعاهدات وما شابهها, وتبرؤوا حتى من هدف اقامة الدولة الاسلامية ناهيك عن اللبس الذي يرافق شعار "الاسلام هو الحل" وما اذا كان ما يزال صالحا للعرض ام لا? موضحا ان توجيه الخطاب للقواعد اجدى من توجيهه الى قيادات "تخلت عن الحاكمية" واخرى "باعت دينها".
وحول حزب التحريرالذي وصفه بالرديف المحتمل للسلفية الجهادية بوصفه حركة عالمية, فلا يقل وضعه حرجا عن غيره من الجماعات بنظر السلفية. ذلك انه حزب سياسي اكثر منه جماعة اسلامية, وهو يشكو تاريخيا من غياب العلماء وطلبة العلم, بل انه لا يهتم لا بالعلم ولا بالعلماء, وبالتالي فتراثه المعرفي او الفقهي يكاد يكون وقفا على مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني, وهي مسالة تضع عقيدة الحزب برمتها تحت المساءلة ليس فقط من قِبَل السلفية الجهادية بل ومن اية جماعة جهادية او حركة مقاومة وطنية, اما من حيث المنهج فالجهاد متوقف عنده على ظهور الخليفة بما يشبه انتظار المهدي المنتظر حتى في احلك الظروف سواء تعرضت البلاد لاحتلال مباشر او حكم مستبد, وهذا يعني تعطيلا تاما للجهاد سواء حضرت السلفية او غابت, والغريب في الحزب انه يحتجب عن ساحات الاعلام طويلا ثم يظهر فجاة عبر حشود بشرية مفاجئة كمن يغيب دهرا ويحضر شهرا.
وقال ان الصوفية فيها من مظاهر الشرك والبدع والضلالات ما لا يخفى على احد, وهذه لا تنفع السلفية الجهادية لا بالسياسة ولا بالجهاد. فالامر ابعد ما يكون عن تمني السلفية ان يكون لمثل هذه الجماعة دور يذكر في شان الامة, بل هي خارج حسابات الاسلام والمسلمين. لكن فيما يتعلق بجماعة الدعوة والتبليغ ذات النشاة الاسيوية (الهند وباكستان) فقال ان المسالة فيها نظر. فقد قيل الكثير في الجماعة انْ سلبا او ايجابا, وعلى كل مستوى بدا من نشاتها الصوفية مرورا بنقد فتاواها ومناهجها وعقائدها رغم تنوعها واختلافها من بلد لاخر وانتهاء بـ "جهودهم الدعوية الحسنة". اما منهج الجماعة, التي يصفها البعض بالعزلة عن العالم, فهو سلمي تجاه كافة المكونات الاجتماعية والسياسية, فلا هي تهاجم السلطة ولا تدخل في اية صراعات سياسية او حزبية, بل هي ممن يناى بدعوته عن السياسة بفصلها الدين عنه وعن الدولة, الامر الذي يعرِّض دعوتها للطعن خاصة وان الاسلام هو "دين ودولة" ولا يجوز "تبعيضه", وهي بهذا اقرب ما تكون الى "التوحيد الاجتماعي" من قربها الى "التوحيد السياسي".
http://www.alarabalyawm.net/ صحيفة العرب اليوم
تعليق