[foq1]موت الفكر العالمي وحياة القاعدة الفكرية[/foq1]
لم يسبق ان شهد العالم موتا فكريا كالذي هو عليه الان,
لم يخرج لنا المفكرون ومنذ سنين بأي نظرية فكرية سواء على مستوى الفكر والفلسفة والعلم اوعلى مستوى الادب والفن
بل حتى على مستوى الازياء التي يلبسها الناس وقصات الشعر التي يحلقون رؤوسهم عليها(وذلك ادنى حقول تطبيق الابداع),
عادة ما تعقب فترة الحروب الكبرى
مراحل من الثورات والانقلابات الفكرية التي تغير مجريات الحضارة .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت فترة مايسمى بـ"الحداثة"
وكانت انقلابا على كل ما هو تقليدي "كلاسيكي" في التفكير .
فبعد ان ظهرت النظرية النسبية في الفيزياء
بنيت عليها حركة "الحداثة " في الفكر الفلسي الذي انتقل تدريجيا كعادته الى الادب والفن والعمارة
حتى تحولت الى اسلوب للحياة بكل ما فيها من ايجابيات وسلبيات.
ثم بعد الحرب العالمية الثانية
حدث انقلاب آخر في الفكر فتغيرت على اثره مجريات الحياة باتجاه جديد,
وظهر ما يسمى بـمدرسة "ما بعد الحداثة"
ثم ظهرت الفلسفة الوجودية الملحدة وانتشرت الشيوعية
وتسيد الفكر الراسمالي وحياة الحرية السوداء او الحرية المطلقة بكل ما فيها من خراب خلقي واخلاقي
وظهر فرويد والسريالية والدادائية والعبثية واصبح الانقلاب على كل ما هو اخلاقي او معتاد سمة للتطور والحضارة!!
استمرت مرحلة ما بعد الحداثة الى نهاية السبعينات حتى ملّ الناس منها ,
وغدت حركة ميتة مثل سابقتها "الحداثة" لا يسير في شوارعها سوى الديناصورات!
ومنذ تلك الفترة لم تحدث أي انقلابات او "ثورات" في الفكر العالمي
رغم ظهور بعض الصرعات والتيارات والنزعات الفكرية لكنها لم تصل حد "الثورة" الفكرية,
قد يكون السبب هو عدم دخول العالم في مرحلة الحروب كالحرب العالمية الاولى او الثانية,
ونتيجة لذلك الخمول الفكري الذي اتبع فترة ما بعد الحداثة ظهرت ما تسمى بالحركات الاحيائية,
حيث مال الفكر الى تقليد الافكار القديمة المستلهمة من التاريخ,
فظهرت حركة الكلاسيكية الحديثة وغدت حركات الحداثة المتاخرة تستلهم عناصرها من التاريخ كنوع من "الحنين" الى الماضي,
فيما ظهرت في ذات الوقت الحركات التوليفية, وهي الحركات التي تعمد الى استخدام عناصر واساليب من جميع الحركات,
فتجد في نفس العمل الفكري خليط من الحركة التلقيدية وغير التقليدية ومن شتى التيارات والصرعات,
ثم وبعد ان عجز العقل البشري الحديث عن انتاج فكر اصيل جديد
مال الى الانقلاب على كل ما عده سابقا "مرتكزا" فكريا
فظهرت التفكيكية على يد اليهودي"دريدا"
ليدمر بها كل ما كان الانسان يعده بديهيا او نبيلا او مستقيما
وليحطم كل المرجعيات الفكرية والمستندات العقلية
وكانت تلك الحركة دليلا على عجز الفكر البشري عن انتاج ما هو جديد,
وهكذا بداء الفكر العالمي بالاضمحلال شيئا فشيئا حتى وصل الى مرحلة الموت السريري الذي نشهد تداعياته هذه الايام.
ووسط هذا الموت في الفكر
وامام هذا العجز العقلي
وقف الانسان منتظرا حربا على مستوى الحرب العالمية الثانية
لعلها تعيد لعالم الفكر بعض من حياة وانبعاث لشيء من الروح,
فكما قلنا سابقا ان سلسلة التاريخ تخبرنا ان الثورات الفكرية عادة ما تستتبع او تلازم الحروب الكبرى,
وذلك ما حدث بعيد الحرب العالمية الاولى او الثانية,
اما ان اخفقت الحروب في انتاج العصف الفكري
فان الموت الفكري سوف لن يحييه الا تدخل الهي على مستوى
ارسال رسول او بعث نبي جديد
كما حصل مع مبعث ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الذي اقترن مبعثه مع عصر موت فكري على كلا جانبي العالم الشرقي"فارس" والغربي "روما",
وبعد ان انقطع عصر الوحي او حتى في الفترات الطويلة بين الانبياء
كان الاتكال كان على الحركات الاحيائية الدينية لانعاش الفكر البشري
كالحركات الاحيائية في الدين النصراني الذي ادى الى حصول الحروب الصليبية
او الحركات الاحيائية الاسلامية كحركة الغزالي او ابن تيمية او حتى محمد بن عبد الوهاب,
انبعاث نبي جديد او احياء ذلك الفكر الديني
يستصحب عادة حصول حروبا بين اتباع ذلك الدين ومن يخالفهم,
وبالتالي تكون الحرب من جديد هي الوازع الاكبر لحدوث الحركة الفكرية التي تساند الفكر الديني وتعزز انتشاره الفكري,
ولهذا كانت الحروب الكبرى هي المولدات الحقيقية للفكر البشري,
ولذلك قال ربنا عز وجل
"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "[الحج : 40].
علما ان تلك الانبعاثات في الفكر قد تكون عالمية شاملة او قد تكون مقتصرة على فئة او منطقة جغرافية ضيقة
حسب نوع ذلك الفكر
وحسب حجم الحرب التي تخاض من جراءه
فكلما كانت الحرب اكثر عالمية
كانت حركة الفكر المولود اكثر عالمية واوسع انتشارا.
تتوجه الانظار اليوم
الى مرحلة الحرب العالمية على الارهاب لتاتي بالثورة الفكرية الجديدة,
لكن من أي ارض ستظهر تلك الثورة؟
ومن أي فكر ؟
ومن أي عقول؟.
عادة ما يكون المنتصر هو من يقوم بـ "الثورة" الفكرية,
ورغم اننا ما زلنا في وسط الجلبة واصوات المعركة ما زالت عالية
الا اننا نستطيع ان نميز من بين ذلك الصخب بعض الاشارات الدالة على طبيعة المنتصر والفكر الذي سيظهر.
لقد سقطت الشيوعية قبل عشرين سنة ,
وعندها تسود العالم الفكر الرأسمالي بلا منازع كفكر اقتصادي ,
وحيث كان الغرب بحاجة الى فكر شمولي يسع جميع جوانب الحياة ولا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط لذلك ظهر في الغرب(امريكا تحديدا)
ما سمي بـ"العولمة" كنظام شامل جامع مانع لجميع مرافق الحياة العلمية والثقافية واالسياسية ,
وقد تفاخر الغرب بهذا الفكر الذي عدوه النموذج الفكري و"الدين" الذي يجب ان يؤمن به جميع سكان الارض ,
لانه الفكر الوحيد الذي سيحقق لسكان الارض "العدل " و"الخير " و"الجمال " الذي ينشده الناس!!.
لكن ما ان بدأت "الحرب على الارهاب"كما يسميها الغرب
والتي يجب ان نسميها نحن "الحرب على الظلم"
وانطلقت غزوة"مانهاتن"
حتى تداعى فكر العولمة واهتزت اركانه
ليهوي بشدة على اعتاب اولى صور الحرب القادمة من افغانستان
ثم ليلفظ انفاسه مع توارد صور اشلاء الجنود الأمريكيين وهي تتبعثر مع آلتهم العسكرية على ارض الرافدين,
ولتنتهي قصة العولمة وينتهي ذكرها مع ظهور الشيخ "اسامة بن لادن" في خطاباته الاخيرة
ليعيد المعركة الى المربع الاول بعد سبع سنيين من بداية انطلاقها!! ,
لقد ماتت العولمة وتلاشى صيتها لِتُسجل كاسرع حالة وفاة لحركة فكرية شاملة
كان من المقرر لها ان تكون سمة القرن الواحد والعشرين ونموذج و"دين" هذا القرن الامريكي
كما كان يفترض وكما اصمت اذاننا بذلك جعجعة المطبلين لعصر العولمة,
ان انتصرت امريكا في هذه الحرب فلن يتغير شيء في حركة الفكر
لاننا اساسا نعيش في خضم فكرهم الميت,
ولانهم قد استنفذوا ما بجعبتهم
ولم يعد لديهم ما يقدمونه للعالم
وقد ملّ الناس منهم واصبح فكرهم ممجوجا
وقد بصقه الناس في وجوههم,
اما ان كان المنتصر هو الطرف الآخر,
و"الآخر" هنا ليس سوى الاسلام بصورته "القاعدية "
فسوف تتغير الكثير من صور الفكر ونزعاته وتوجهاته,
وسوف يجد المصممون في الغرب الكثير من حاضنات الفكر وانماط الخلق ومولدات الابداع
والتي سوف تحدث ثورة جديدة في اساليب ونماذج ما ينتجون ليس على مستوى ما ينتجون فحسب
وانما حتى على مستوى طريقة التوصل الى ما ينتجون
بل وحتى مورفولوجيا(طريقة تشكل) عقولهم ومناهج تفكيرها,
وبالتالي سوف يصاحب انتصار القاعدة حدوث ثورة فكرية شاملة في كل مناحي الحياة
بداء من الدين والفلسفة والادب وليس انتهاءا بالفن والتقنية والانترنيت
وسوف تكون "تكنلوجيا السلوك الانساني" المتاثر الاكبر بهذا الانتصار
الذي سوف تتغير الكثير من مبادئه واهمها طريقة تقييمنا لسلوك الناس واشكال التعزيز الايجابي والسلبي الذي نقيس بموجبه ذلك السلوك,
فلن يكون في "عصر" القاعدة الابيض او الشاب الوسيم والمراءة الشقراء او الغني الذي يركب "المرسيدس "هو الاكثر قبولا بين الناس,
بل الاعمال الحسنة هي التي سوف ترتقي بالانسان لا لونه او رصيده في البنوك او سلالته العرقية,
ولن يكون هنالك مسابقات لملكات جمال العري في العالم
بل سيكون هنالك مسابقات لملكات جمال العفة في العالم,
بعد ان ينتقل الجمال من مستوى الجمال المادي الذي نتشارك فيه مع الحيوان
الى مستوى الجمال الفكري والاخلاقي والروحي الذي ابدا لم تشاركنا فيه الحيوانات,
وسوف لن يقضي الشبان ساعات طويلة في صالونات الحلاقة والتجميل
لكنهم سوف يقضون اياما في معتكفات الفكر والعلم والعبادة,
وسوف لن تكون هنالك طبقية في مقدار راس المال او السلالة او العرق واللون التي كانت الصفات الموروثة هي المتحكم الاول في الانتماء اليها لتحل بدلا عنها طبقية جديدة تحدد اعمال الانسان وسلوكه نوع الطبقة التي يريد ان ينتمي اليها,
وسوف لن تعاني الارض من التلوث والغازات السامة والخوف على ثروات الارض الطبيعية من النفاد
لان الشره والمصلحة الشخصية على حساب المجتمع سوف تزيل تدريجيا من سلوكيات الناس
بعد ان يصبح شعار العصر
"لا يؤمن احكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه"
ولا تتعجب عندما ترى الزي التقليدي الافغاني يغزوا شوارع باريس لان
"المغلوب مولع بتقليد الغالب"
ولان "سادات العادات عادات السادات"
مثلما قال "ابن خلدون" قبل مئات السنين.
ونحن هنا لا نتكلم عن اضغاث احلام او اوهام او اماني وظنون,
بل اننا نستعرض هنا تاريخا وسنن كونية قررها من هم قبلنا وشهدنا بعض صورها واستشرفنا على اثر ذلك بعض ما يمكن ان يكون.
فما زال اليابانيون اشد الناس تقليدا للامريكيين بعد ان دمرتهم نووية هيروشيما
وما زالت كنائس اسبانيا تعلوها الايات القرانية بعد ان كان "طارق ابن زياد" قد دمر مملكتها الصليبية,
وما زال من يعتقد ان امريكا قد انتصرت على قومه يقلد امريكا حذو النعل بالنعل,
اما من لم يتسرب ذل الهزيمة الى قلبه
فما زال يحمل روح الاسلام ظاهرا وباطننا في قلبه وقالبه,
فالمغلوب المولع بتقليد الغالب هو فقط من يستسلم ويقر بالهزيمة
اما من يفقد روحه او ارضه او ماله وهو يجاهد في استردادها والقضاء على عدوه
فذلك ليس بمغلوب ولن يقلد عدوه وان خسر بعضا مما في يديه,
اقر اليابانيون بالهزيمة لذلك خنعوا وقلدوا غالبهم واحبوه رغم ان الامريكيين لم يحتلوا اليابان
ولم تخنع طالبان لامريكا ولم تعترف بالهزيمة رغم ان امريكا احتلت ارضهم باكملها!.
نحن لا نتعصب للقاعدة
لكن كل من يتابع العالم عن كثب بحيادية وموضوعية وتجرد
يعلم ان الحركة الثورية العالمية الوحيدة في هذا العالم
تتزعمها"القاعدة"باعتراف الاعداء انفسهم,
رغم وجود بعض النزعات الذاتية هنا وهناك
مثل بعض حركات المقاومة في الصين او الفلبين او امريكا الجنوبية
او حتى في فلسطين او العراق او السودان
والذي لا يعدوا ان يكون حركات مناطقية او فئوية او حتى حزبية,
لا تملك فكرا شموليا او مباديء عالمية,
ولقد كان المعول على حركة الاخوان المسلمين ان تتسيد قمة العمل الاسلامي
لكنها تحللت وماعت وتماهت في الفكر الغربي قلبا وقالبا
حتى لم يعد لها من الاسلام الا بعض القشور والشعارات التي لا تقنع سوى العاجز
الذي يجد فيها ما يوافق هواه
"والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني"
والحزب الاسلامي في العراق وعدم تبرء قيادة الاخوان المسلمين في العالم عنه دليل على ذلك التميع,
واما حزب التحرير فقد وضع الهدف "اعادة الخلافة" ثم جلس ينتظر من يوصله الى ذلك الهدف
وبذلك خسر وجوده ضاع منه الهدف,
ونحن اذ نتكلم عن القاعدة فانا على استعداد ان نميل الى غيرها
ان وجدنا من يسعى الى تحقيق اهدافنا الاسلامية بما يفوق ما تقوم به
ولسوف تجدون القاعدة نفسها تحت امرة من يسعى لتحقيق تلك الاهداف التي رفعتها
ان تيقنت من صدق النية وصواب الطريق وصحة المعتقد عند من يستطيع حمل الراية بلا تميع او مداهنة او عجز
ذلك ظننا بهم والله حسيبهم
فتحقيق الهدف مقدم على ذات من يحققه
ولذلك انضوت القاعدة تحت امرة طالبان في افغانستان
ولم تنضوي تحت قيادة الكثير من حركات المقاومة في العراق الى ان تشكلت دولة العراق الاسلامية
وتبين توافق المرمى والمسعى.
وقد يعترض على ما نقول الكثير من الاعداء
والكثير من اعضاء جمعية "مسلمون ضد الاسلام"
الذين ياخذون اسلامهم عن فضائيات "آل سعود" او "آل خميني" او "آل بوش"
اما اجهزة الاستخبارات الذكية(وليست استخبارات آل سعود من ضمنها بالتاكيد)
ومراكز البحث الرصينة(وليس مركز الاهرام للدراسات من ضمنها بالتاكيد)
والاشخاص الموضوعيين(وليس من يظهر على قناة العربية من ضمنهم بالتاكيد)
فيعلمون ان ما نقوله بعيد جدا عن التعصب للقاعدة.
لقد خمدت الثورات العلمية
وانمحت النزعات الفكرية
واختفت الصرعات الثقافية
ولم تستطع التقليعات و"المودات" العابرة هنا وهنالك
على انعاش الفكر المحتظر على سرير الغرب المتهالك,
فهل ستكون القاعدة هي من سيعيد لذلك الفكر حياته وتنعش له روحه
وتقوم بالعصف الفكري المنتظر؟,
الله اعلم.
[foq]
اخوكم الفقير
عبد الرحمن الفقير[/foq]
لم يسبق ان شهد العالم موتا فكريا كالذي هو عليه الان,
لم يخرج لنا المفكرون ومنذ سنين بأي نظرية فكرية سواء على مستوى الفكر والفلسفة والعلم اوعلى مستوى الادب والفن
بل حتى على مستوى الازياء التي يلبسها الناس وقصات الشعر التي يحلقون رؤوسهم عليها(وذلك ادنى حقول تطبيق الابداع),
عادة ما تعقب فترة الحروب الكبرى
مراحل من الثورات والانقلابات الفكرية التي تغير مجريات الحضارة .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت فترة مايسمى بـ"الحداثة"
وكانت انقلابا على كل ما هو تقليدي "كلاسيكي" في التفكير .
فبعد ان ظهرت النظرية النسبية في الفيزياء
بنيت عليها حركة "الحداثة " في الفكر الفلسي الذي انتقل تدريجيا كعادته الى الادب والفن والعمارة
حتى تحولت الى اسلوب للحياة بكل ما فيها من ايجابيات وسلبيات.
ثم بعد الحرب العالمية الثانية
حدث انقلاب آخر في الفكر فتغيرت على اثره مجريات الحياة باتجاه جديد,
وظهر ما يسمى بـمدرسة "ما بعد الحداثة"
ثم ظهرت الفلسفة الوجودية الملحدة وانتشرت الشيوعية
وتسيد الفكر الراسمالي وحياة الحرية السوداء او الحرية المطلقة بكل ما فيها من خراب خلقي واخلاقي
وظهر فرويد والسريالية والدادائية والعبثية واصبح الانقلاب على كل ما هو اخلاقي او معتاد سمة للتطور والحضارة!!
استمرت مرحلة ما بعد الحداثة الى نهاية السبعينات حتى ملّ الناس منها ,
وغدت حركة ميتة مثل سابقتها "الحداثة" لا يسير في شوارعها سوى الديناصورات!
ومنذ تلك الفترة لم تحدث أي انقلابات او "ثورات" في الفكر العالمي
رغم ظهور بعض الصرعات والتيارات والنزعات الفكرية لكنها لم تصل حد "الثورة" الفكرية,
قد يكون السبب هو عدم دخول العالم في مرحلة الحروب كالحرب العالمية الاولى او الثانية,
ونتيجة لذلك الخمول الفكري الذي اتبع فترة ما بعد الحداثة ظهرت ما تسمى بالحركات الاحيائية,
حيث مال الفكر الى تقليد الافكار القديمة المستلهمة من التاريخ,
فظهرت حركة الكلاسيكية الحديثة وغدت حركات الحداثة المتاخرة تستلهم عناصرها من التاريخ كنوع من "الحنين" الى الماضي,
فيما ظهرت في ذات الوقت الحركات التوليفية, وهي الحركات التي تعمد الى استخدام عناصر واساليب من جميع الحركات,
فتجد في نفس العمل الفكري خليط من الحركة التلقيدية وغير التقليدية ومن شتى التيارات والصرعات,
ثم وبعد ان عجز العقل البشري الحديث عن انتاج فكر اصيل جديد
مال الى الانقلاب على كل ما عده سابقا "مرتكزا" فكريا
فظهرت التفكيكية على يد اليهودي"دريدا"
ليدمر بها كل ما كان الانسان يعده بديهيا او نبيلا او مستقيما
وليحطم كل المرجعيات الفكرية والمستندات العقلية
وكانت تلك الحركة دليلا على عجز الفكر البشري عن انتاج ما هو جديد,
وهكذا بداء الفكر العالمي بالاضمحلال شيئا فشيئا حتى وصل الى مرحلة الموت السريري الذي نشهد تداعياته هذه الايام.
ووسط هذا الموت في الفكر
وامام هذا العجز العقلي
وقف الانسان منتظرا حربا على مستوى الحرب العالمية الثانية
لعلها تعيد لعالم الفكر بعض من حياة وانبعاث لشيء من الروح,
فكما قلنا سابقا ان سلسلة التاريخ تخبرنا ان الثورات الفكرية عادة ما تستتبع او تلازم الحروب الكبرى,
وذلك ما حدث بعيد الحرب العالمية الاولى او الثانية,
اما ان اخفقت الحروب في انتاج العصف الفكري
فان الموت الفكري سوف لن يحييه الا تدخل الهي على مستوى
ارسال رسول او بعث نبي جديد
كما حصل مع مبعث ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الذي اقترن مبعثه مع عصر موت فكري على كلا جانبي العالم الشرقي"فارس" والغربي "روما",
وبعد ان انقطع عصر الوحي او حتى في الفترات الطويلة بين الانبياء
كان الاتكال كان على الحركات الاحيائية الدينية لانعاش الفكر البشري
كالحركات الاحيائية في الدين النصراني الذي ادى الى حصول الحروب الصليبية
او الحركات الاحيائية الاسلامية كحركة الغزالي او ابن تيمية او حتى محمد بن عبد الوهاب,
انبعاث نبي جديد او احياء ذلك الفكر الديني
يستصحب عادة حصول حروبا بين اتباع ذلك الدين ومن يخالفهم,
وبالتالي تكون الحرب من جديد هي الوازع الاكبر لحدوث الحركة الفكرية التي تساند الفكر الديني وتعزز انتشاره الفكري,
ولهذا كانت الحروب الكبرى هي المولدات الحقيقية للفكر البشري,
ولذلك قال ربنا عز وجل
"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "[الحج : 40].
علما ان تلك الانبعاثات في الفكر قد تكون عالمية شاملة او قد تكون مقتصرة على فئة او منطقة جغرافية ضيقة
حسب نوع ذلك الفكر
وحسب حجم الحرب التي تخاض من جراءه
فكلما كانت الحرب اكثر عالمية
كانت حركة الفكر المولود اكثر عالمية واوسع انتشارا.
تتوجه الانظار اليوم
الى مرحلة الحرب العالمية على الارهاب لتاتي بالثورة الفكرية الجديدة,
لكن من أي ارض ستظهر تلك الثورة؟
ومن أي فكر ؟
ومن أي عقول؟.
عادة ما يكون المنتصر هو من يقوم بـ "الثورة" الفكرية,
ورغم اننا ما زلنا في وسط الجلبة واصوات المعركة ما زالت عالية
الا اننا نستطيع ان نميز من بين ذلك الصخب بعض الاشارات الدالة على طبيعة المنتصر والفكر الذي سيظهر.
لقد سقطت الشيوعية قبل عشرين سنة ,
وعندها تسود العالم الفكر الرأسمالي بلا منازع كفكر اقتصادي ,
وحيث كان الغرب بحاجة الى فكر شمولي يسع جميع جوانب الحياة ولا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط لذلك ظهر في الغرب(امريكا تحديدا)
ما سمي بـ"العولمة" كنظام شامل جامع مانع لجميع مرافق الحياة العلمية والثقافية واالسياسية ,
وقد تفاخر الغرب بهذا الفكر الذي عدوه النموذج الفكري و"الدين" الذي يجب ان يؤمن به جميع سكان الارض ,
لانه الفكر الوحيد الذي سيحقق لسكان الارض "العدل " و"الخير " و"الجمال " الذي ينشده الناس!!.
لكن ما ان بدأت "الحرب على الارهاب"كما يسميها الغرب
والتي يجب ان نسميها نحن "الحرب على الظلم"
وانطلقت غزوة"مانهاتن"
حتى تداعى فكر العولمة واهتزت اركانه
ليهوي بشدة على اعتاب اولى صور الحرب القادمة من افغانستان
ثم ليلفظ انفاسه مع توارد صور اشلاء الجنود الأمريكيين وهي تتبعثر مع آلتهم العسكرية على ارض الرافدين,
ولتنتهي قصة العولمة وينتهي ذكرها مع ظهور الشيخ "اسامة بن لادن" في خطاباته الاخيرة
ليعيد المعركة الى المربع الاول بعد سبع سنيين من بداية انطلاقها!! ,
لقد ماتت العولمة وتلاشى صيتها لِتُسجل كاسرع حالة وفاة لحركة فكرية شاملة
كان من المقرر لها ان تكون سمة القرن الواحد والعشرين ونموذج و"دين" هذا القرن الامريكي
كما كان يفترض وكما اصمت اذاننا بذلك جعجعة المطبلين لعصر العولمة,
ان انتصرت امريكا في هذه الحرب فلن يتغير شيء في حركة الفكر
لاننا اساسا نعيش في خضم فكرهم الميت,
ولانهم قد استنفذوا ما بجعبتهم
ولم يعد لديهم ما يقدمونه للعالم
وقد ملّ الناس منهم واصبح فكرهم ممجوجا
وقد بصقه الناس في وجوههم,
اما ان كان المنتصر هو الطرف الآخر,
و"الآخر" هنا ليس سوى الاسلام بصورته "القاعدية "
فسوف تتغير الكثير من صور الفكر ونزعاته وتوجهاته,
وسوف يجد المصممون في الغرب الكثير من حاضنات الفكر وانماط الخلق ومولدات الابداع
والتي سوف تحدث ثورة جديدة في اساليب ونماذج ما ينتجون ليس على مستوى ما ينتجون فحسب
وانما حتى على مستوى طريقة التوصل الى ما ينتجون
بل وحتى مورفولوجيا(طريقة تشكل) عقولهم ومناهج تفكيرها,
وبالتالي سوف يصاحب انتصار القاعدة حدوث ثورة فكرية شاملة في كل مناحي الحياة
بداء من الدين والفلسفة والادب وليس انتهاءا بالفن والتقنية والانترنيت
وسوف تكون "تكنلوجيا السلوك الانساني" المتاثر الاكبر بهذا الانتصار
الذي سوف تتغير الكثير من مبادئه واهمها طريقة تقييمنا لسلوك الناس واشكال التعزيز الايجابي والسلبي الذي نقيس بموجبه ذلك السلوك,
فلن يكون في "عصر" القاعدة الابيض او الشاب الوسيم والمراءة الشقراء او الغني الذي يركب "المرسيدس "هو الاكثر قبولا بين الناس,
بل الاعمال الحسنة هي التي سوف ترتقي بالانسان لا لونه او رصيده في البنوك او سلالته العرقية,
ولن يكون هنالك مسابقات لملكات جمال العري في العالم
بل سيكون هنالك مسابقات لملكات جمال العفة في العالم,
بعد ان ينتقل الجمال من مستوى الجمال المادي الذي نتشارك فيه مع الحيوان
الى مستوى الجمال الفكري والاخلاقي والروحي الذي ابدا لم تشاركنا فيه الحيوانات,
وسوف لن يقضي الشبان ساعات طويلة في صالونات الحلاقة والتجميل
لكنهم سوف يقضون اياما في معتكفات الفكر والعلم والعبادة,
وسوف لن تكون هنالك طبقية في مقدار راس المال او السلالة او العرق واللون التي كانت الصفات الموروثة هي المتحكم الاول في الانتماء اليها لتحل بدلا عنها طبقية جديدة تحدد اعمال الانسان وسلوكه نوع الطبقة التي يريد ان ينتمي اليها,
وسوف لن تعاني الارض من التلوث والغازات السامة والخوف على ثروات الارض الطبيعية من النفاد
لان الشره والمصلحة الشخصية على حساب المجتمع سوف تزيل تدريجيا من سلوكيات الناس
بعد ان يصبح شعار العصر
"لا يؤمن احكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه"
ولا تتعجب عندما ترى الزي التقليدي الافغاني يغزوا شوارع باريس لان
"المغلوب مولع بتقليد الغالب"
ولان "سادات العادات عادات السادات"
مثلما قال "ابن خلدون" قبل مئات السنين.
ونحن هنا لا نتكلم عن اضغاث احلام او اوهام او اماني وظنون,
بل اننا نستعرض هنا تاريخا وسنن كونية قررها من هم قبلنا وشهدنا بعض صورها واستشرفنا على اثر ذلك بعض ما يمكن ان يكون.
فما زال اليابانيون اشد الناس تقليدا للامريكيين بعد ان دمرتهم نووية هيروشيما
وما زالت كنائس اسبانيا تعلوها الايات القرانية بعد ان كان "طارق ابن زياد" قد دمر مملكتها الصليبية,
وما زال من يعتقد ان امريكا قد انتصرت على قومه يقلد امريكا حذو النعل بالنعل,
اما من لم يتسرب ذل الهزيمة الى قلبه
فما زال يحمل روح الاسلام ظاهرا وباطننا في قلبه وقالبه,
فالمغلوب المولع بتقليد الغالب هو فقط من يستسلم ويقر بالهزيمة
اما من يفقد روحه او ارضه او ماله وهو يجاهد في استردادها والقضاء على عدوه
فذلك ليس بمغلوب ولن يقلد عدوه وان خسر بعضا مما في يديه,
اقر اليابانيون بالهزيمة لذلك خنعوا وقلدوا غالبهم واحبوه رغم ان الامريكيين لم يحتلوا اليابان
ولم تخنع طالبان لامريكا ولم تعترف بالهزيمة رغم ان امريكا احتلت ارضهم باكملها!.
نحن لا نتعصب للقاعدة
لكن كل من يتابع العالم عن كثب بحيادية وموضوعية وتجرد
يعلم ان الحركة الثورية العالمية الوحيدة في هذا العالم
تتزعمها"القاعدة"باعتراف الاعداء انفسهم,
رغم وجود بعض النزعات الذاتية هنا وهناك
مثل بعض حركات المقاومة في الصين او الفلبين او امريكا الجنوبية
او حتى في فلسطين او العراق او السودان
والذي لا يعدوا ان يكون حركات مناطقية او فئوية او حتى حزبية,
لا تملك فكرا شموليا او مباديء عالمية,
ولقد كان المعول على حركة الاخوان المسلمين ان تتسيد قمة العمل الاسلامي
لكنها تحللت وماعت وتماهت في الفكر الغربي قلبا وقالبا
حتى لم يعد لها من الاسلام الا بعض القشور والشعارات التي لا تقنع سوى العاجز
الذي يجد فيها ما يوافق هواه
"والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني"
والحزب الاسلامي في العراق وعدم تبرء قيادة الاخوان المسلمين في العالم عنه دليل على ذلك التميع,
واما حزب التحرير فقد وضع الهدف "اعادة الخلافة" ثم جلس ينتظر من يوصله الى ذلك الهدف
وبذلك خسر وجوده ضاع منه الهدف,
ونحن اذ نتكلم عن القاعدة فانا على استعداد ان نميل الى غيرها
ان وجدنا من يسعى الى تحقيق اهدافنا الاسلامية بما يفوق ما تقوم به
ولسوف تجدون القاعدة نفسها تحت امرة من يسعى لتحقيق تلك الاهداف التي رفعتها
ان تيقنت من صدق النية وصواب الطريق وصحة المعتقد عند من يستطيع حمل الراية بلا تميع او مداهنة او عجز
ذلك ظننا بهم والله حسيبهم
فتحقيق الهدف مقدم على ذات من يحققه
ولذلك انضوت القاعدة تحت امرة طالبان في افغانستان
ولم تنضوي تحت قيادة الكثير من حركات المقاومة في العراق الى ان تشكلت دولة العراق الاسلامية
وتبين توافق المرمى والمسعى.
وقد يعترض على ما نقول الكثير من الاعداء
والكثير من اعضاء جمعية "مسلمون ضد الاسلام"
الذين ياخذون اسلامهم عن فضائيات "آل سعود" او "آل خميني" او "آل بوش"
اما اجهزة الاستخبارات الذكية(وليست استخبارات آل سعود من ضمنها بالتاكيد)
ومراكز البحث الرصينة(وليس مركز الاهرام للدراسات من ضمنها بالتاكيد)
والاشخاص الموضوعيين(وليس من يظهر على قناة العربية من ضمنهم بالتاكيد)
فيعلمون ان ما نقوله بعيد جدا عن التعصب للقاعدة.
لقد خمدت الثورات العلمية
وانمحت النزعات الفكرية
واختفت الصرعات الثقافية
ولم تستطع التقليعات و"المودات" العابرة هنا وهنالك
على انعاش الفكر المحتظر على سرير الغرب المتهالك,
فهل ستكون القاعدة هي من سيعيد لذلك الفكر حياته وتنعش له روحه
وتقوم بالعصف الفكري المنتظر؟,
الله اعلم.
[foq]
اخوكم الفقير
عبد الرحمن الفقير[/foq]
تعليق