الشهيد عماد عوض الله يروي حكايته مع اللحديين واجهزتهم الأمنية
هذه رسالة الشهيد عماد عوض الله رحمه الله بعد تمكنه من الفرار من سجون العملاء اللحديين يروي فيها مأساته معهم وعرض عرفات عليه على لسان العميل الخبيث المدعو الطيب عبد الرحيم والعميل جبريل الرجوب في قضية استشهاد محيي الدين الشريف واتهام الأخوين عوض الله بقتله ، تمام كما فعلوا مع الأخ مؤيد بني عودة .
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة عماد عوض الله إلى إخوانه وشعبه وأمته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
إلى إخواني قادة وكوادر حركة المقاومة الإسلامية حماس
إلى جماهير شعبنا الفلسطيني، وجماهير امتنا العربية الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد من الله تبارك وتعالى عليّ بتحرير نفسي من سجون سلطة الحكم الذاتي، بعد أن قضيت في سجونهم أربعة أشهر وثمانية أيام ( 128 يوما )، لاقيت فيها من المعاناة والتعذيب ما لا يتحمله أو يطيقه بشر، لكن رحمة الله تبارك وتعالى ألقت بظلالها عليّ، فصمدت وثبتّ، متوخيا الموضوعية في الكتابة، والابتعاد عن الانفعالات العاطفية، آملا أن يكون ما اكتبه في فهم طبيعة هؤلاء القائمين على الأمر في السلطة، وفي إدراك أبناء شعبنا وأمتنا للحقيقة المجردة كما هي،رغم مرارتها وقسوته.
أولا: مداهمة بيتي وكيفية اعتقالي:
بعد اعتقال السلطة لأحد الإخوة الذي كان يعرف مكان بيتي الذي أختبئ فيه، وبعد تحقيق ضباط السلطة معه، وتحت تأثير صدمة الاعتقال والتعذيب والضغط الجسدي الذي استخدم معه، اعترف عن مكان إقامتي، وبالتالي تم اعتقالي. أما عن مداهمة البيت فقد حضر لبيتي السري الذي كان يؤويني وعائلتي قوة من جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في ساعات النهار الباكر، وكنت نائما حيث استيقظت على صوت زوجتي وهي توقظني بكلمات "السلطة على باب دارنا"، وحيث أنني كنت قد استلمت تعليمات بعدم قتل أي شخص من أجهزتهم الأمنية في حالة حدوث أي محاولة لاعتقالي، فقد كنت قد أعددت حبلا للنزول عليه والهرب لو حاصروا بيتي فعلا هذا ما حصل، فخلال طرق قوة المداهمة للباب كنت قد ربطت الحبل في حديد شرفة بيتي الواقع في الطابق الرابع من عمارة سكنية، وبدأت في النزول، وقبل وصولي إلى أرض الشارع بقليل كان اثنان ممن يحيطون بالعمارة، ولم أشاهدهما لحظة نزولي، ينقضان عليّ بسلاحهم ويقتادني هرولة إلى سياراتهم المعدة سلفا لنقلي، وخلال نقلي بهذه الطريقة زجرتهم بأن لا داعي للعجلة، فقبل أحدهم رأسي قائلا لا تخف يا فلان أنت بين أيدي إخوانك !! وللعلم فقد صادروا من بيتي سلاحا هجوميا وسلاحا دفاعيا شخصيا.
ثانيا: اللحظات الأولى بعد وصولي لمقر الاعتقال:
بعد وصولي لمبنى السجن أدخلوني لمكتب وأغلقوا الباب علي وعلى حراسي لمدة وجيزة، وعند حضور أحد الضباط طلبت أن أرى زوجتي وأولادي للإطمنان، وفعلا التقيت مع عائلتي التي كانوا قد أحضروها إلى مبنى السجن، وقد كان ما يقارب 5-7 ضباط موجودين خلال ذلك اللقاء مع عائلتي، وبعد السلام عليهم بدأت أوصي زوجتي وصية من سيقابل الموت، مما أثار دهشة وتعليق بعض الضباط الموجودين، بعد ذلك نقلوني لمكتب مجاور، وكان يجلس في المكتب قادة السلطة وقادة أجهزتها الأمنية بعدما علموا باعتقالي، وكان من الموجودين الطيب عبد الرحيم وجبريل الرجوب وأمين الهندي والحاج إسماعيل جبر وتوفيق الطيراوي ومحمد الجبرني "أبوأ سامة" وهو نائب جبريل الرجوب،وقد حقق معي فيما بعد، وكان الطيب عبد الرحيم يتصدر الجلسة إلا أنه لحظة دخولي وقبل أن أجلس بادرني جبريل الرجوب من بينهم قائلا وعلى وجهه ابتسامة اختلط فيها معنى الشماتة بالنصر: ليش قتلت الزلمة يا فلان "يعني الشهيد محي الدين الشريف"، فكان ردي المباشر وأنا أتجه للجلوس "ما قتلتش حد‘‘.
بعد ذلك بدا الطيب بالحديث قائلا: أنا جاي من غزة ومعي صفقة من الرئيس عرفات كي أعرضها عليك، وهي أن تقول أن رصاصات خرجت من سلاحي باتجاه الشهيد محيي الدين الشريف بدون قصد مني، وهم بعد ذلك سيرتبون أمر خروجي من القضية، فكان ردي عليه: "مش أنا اللي بتاجر بدم الشهداء والأمر مرفوض عندي، وعندها عرض علي جبريل الرجوب وآخرين من الموجودين الصفقة التالية:
1. أن أقول أن الشهيد تمت تصفيته لثبوت تعامله مع الاحتلال.
2. أن الشهيد تبين أنه لا أخلاقي وعليه تمت تصفيته.
وكان ردي: ابحثوا عن غيري ليشوه لكم الكتائب والشهداء، وبعدها تركوا المجال وهم جلوس لمحمد الجبريني الذي كان على ما يبدو متابعا لعملية التحقيقات التي جرت قبل اعتقالي مع كافة الإخوة الذين تم اعتقالهم، حيث وجه لي عدة أسئلة عن علاقتي بفلان أوعلان وذكر أسماء إخوة كانوا قد اعترفوا تحت التعذيب بأنني نظمتهم للجهاز العسكري وسلمتهم سلاحا،..الخ، نفيت أي علاقة لي بهؤلاء الأخوة، وبعدها وقفت أمامهم جميعا ورفعت يدي إلى السماء من خلال شباك الغرفة مقسما ومعاهداً رب العالمين أنني لو نشرت بالمناشير وقطعت فلن تأخذوا مني كلمة أظلم بها نفسي أو غيري، فكان رد الطيب نحن لا ننشر أحدا أنتم الذين تفعلون ذلك، وأخذ يوجه الاتهامات يمينا وشمالا، المهم بعد جلسة مع هؤلاء استمرت ساعة تقريبا تم أخذي لمكتب أخر ومنه لسيارة نقلتني من رام الله إلى أريحا وكان يجلس معي في السيارة مدير جهاز المخابرات العامة أمين الهندي.
ثالثا:بداية التحقيق"
وصلنا إلى مقر التحقيق المركزي في أريحا التابع للمخابرات العامة الفلسطينية، وقد أنزلوني إلى زنزانة لمدة عدة ساعات، وفي الليل أخذوني لمكتب التحقيق، ووجدت بداخل المكتب عدة محققين شباب، تبين لي فيما بعد أن منهم من هم من الأمن الوقائي ومنهم من هو من المخابرات، وبدأ التحقيق على شكل سلسلة أسئلة مما توافر بين أيديهم من مادة اعترافات الأخوة تحت التعذيب، ولقد لاحظوا من البداية أنني سلبي للغاية في إجاباتي، حيث أنني أنكرت أنني تابع لحماس وباختصار أنكرت كل شيء كان بين أيديهم. وبعد ساعة من الأسئلة أخرجوني من المكتب إلى ساحة خارجية وأطفأوا الأضواء ووضعوا رأسي بداخل كيس ـ ظرف ـ قماش بحجم الرأس، وبدأت مجموعة من الحراس بضربي ـ أقدر أن عددهم من خلال أصواتهم بحوالي سبعة أشخاص ـ ورغم أن الضرب لم يكن عنيفا، ولكن بعض الضربات الموجهة لرأسي كانت كفيلة بإفقادي توازني وسقوطي أرضا، استمر الأمر قرابة 20 دقيقة، وصدق الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال " النصر صبر ساعة)،بعد ذلك أرجعوني إلى مكتب التحقيق، ودارت هناك أسئلة من
1. المحققين قابلتها بالنفي والسكوت، وهناك في المكتب حصلت معي حالة جفاف شديد وكانت قاتله لولا لطف الله، فوالله الذي لا اله إلا هو أنني كدت ألفظ أنفاسي لولا أن أحدهم أحضر الماء، فأعادت لي جرعات الماء النفس بفضل الله تعالى، وقد استمرت حالة الجفاف معي طيلة فترة التحقيق، وبعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة.
وفي اليوم التالي حضر محمد الجبريني ( نائب جبريل رجوب) وصورني في المكتب عدة صور على الفيديو ـ هذه خبرة إسرائيلية معروفة ـ لمدة خمس دقائق سألني خلالها عن اسمي وتاريخ اعتقالي ومعرفتي بالشهيد محي الدين وعلاقتي به وعلاقتي بشقيقي المطارد، فأجبت عن اسمي ونفيت معرفتي بتاريخ اعتقالي، ونفيت أي علاقة لي أو معرفة لي بالشهيد وأنني لم ألتق به نهائيا، أما عن شقيقي، فقلت أنني افترقت عنه بعد أسبوع من مطاردتنا، حيث أنني لم أعرف أين ذهب ولا أعرف عنه أي شيء نهائي.ا.
هذا ما سأله خلال تصوير الفيديو، بعدها أغلق الكاميرا، وقال رايح اقعد معك كثيرا، وفي ذلك اليوم تم نقلي إلى مركز تحقيق الأمن الوقائي الرئيسي، وهناك بدأت فعلا معاناتي الحقيقية.
رابعا:_ أساليب التحقيق ومراحله التي اتبعت معي:
كان التحقيق معي مشتركا ما بين المخابرات العامة، حيث كان الشهر الأول من التحقيق عند الأمن الوقائي (30) يوما بعدها تم نقلي إلى المخابرات (34) يوما وبعدها أعادوني إلى الأمن الوقائي (64) يوما.
الفترة الأولى:عند الأمن الوقائي (30يوم):
كان أمر وأصعب مرحلة في التحقيق، حيث وضعوني في غرفة تحقيق بجانب مكاتب تحقيقهم ( مساحة الغرفة 2متر مربع لها نافذتان صغيرتان عاليتان )،وقد وضعوا "كلبشات " في يدي وأخرى في رجلي، ووضعوا" كلبشة " في إحدى نافذتي الغرفة وشبكوها بكلبشة يدي، وبذلك أصبحت "مشبوحا" واقفا لمدة شهر كامل، وكانوا طبعا يسحبونني إلى التحقيق خلال ذلك الشهر باستمرار، وكنت ممنوعا من النوم إلا من بضع دقائق وأنا واقف مشبوحا، وكانوا يلفون عصابة بلون احمر حول عيني، وطبعا كان من أعراض "الشبح" ان الدم ينزل إلى القدمين بحيث تتورم القدمان بالإضافة إلى بعض حالات الهلوسة الناتجة عن عدم النوم، وكان هذا الأسلوب النفسي خلال ذلك الشهر، أما عن الضرب فقد كان بعدما يقارب الأسبوع من وجودي عندهم من خلال ذلك الشهر، وقالوا لي في سياق التشكيك والضغط النفسي:" أنزلناك للضرب بعدما توقفت حماس بالسؤال عنك، وتمثل الضرب ب::
1- ضربات متفرقة على الجسم في مناطق غير حساسة على شكل لكمات، وكفوف، ونتف للشوارب، وتشليع الأذنين وشعر الرأس،وركلات.
2- خلعوا ملابسي -رغما عني- إلا من الملابس الداخلية ووجهوا لظهري ضربات قوية وقاسية (وهذا أسلوب سلخ الظهر معتمد ومتبع عندهم ) وقد نزل من ظهري الدم وفي تلك الجولة أغمي علي وأصبح لوني كله أصفر، وعند حضور الطبيب طلب منهم أن يسمحوا لي بالنوم وفعلا كان ذلك.
3- ضرب " الفلقات" على الرجلين وكان ذلك في آخر أسبوع من الشهر الأول، حيث ضربوني فلقات لمدة أربعة أيام متتالية، اليوم الأول (3)جولات كل جولة مايقارب (25 ـ 30) جلدة، واليوم الثاني جولتان والثالث والرابع مرة مرة، وكان معدل المرة (25) جلدة مستخدمين عصا غليظة في البداية من"البوص" ثم استخدموا عصا المكانس الطويلة، وقد كسرت واحدة على رجلي، حيث وطات بقدمي بنادقهم الموجهة اللي صدور شعبنا، بل تستعمل في تعذيب مجاهديه وأحراره، إذ أنهم يطرحون المعذَّب أرضا ويرفعون رجليه على رشاش بعدما يثبتون الأرجل بحزام الرشاش، وبعد كل جولة ضرب على الأرجل يصبون ماء مثلجا على أرجل المضروب 15 دقيقة تقريبا للهرولة، حتى لا تتورم القدمان، ويكون جاهزا لجولات الضرب القادمة. هذا أسلوب التعذيب الجسدي الذي استخدم معي على مدار الشهر عند الأمن الوقائي بعد ذلك الشهر الذي وضعوا لي خلاله صور الشهيد محيي الدين الشريف رحمه الله داخل غرفة "الشبح" على جدران الغرفة كأسلوب ضغط نفسي.
الفترة الثانية:عند المخابرات العامة (34يوما):
نقلوني إلى المخابرات العامة، وهناك وضعوني داخل زنزانة انفرادية بدون إضاءة، وقد غطوا شباك الزنزانة ببطانية وأغلقوا طاقة التهوية الموجودة في الباب، ولم يدخلوا لي فرشة للنوم إلا بعد عشرة أيام، حيث مكثت في الزنزانة (34) يوما كاملا وأنا مكلبش بيدي لمدة (12) يوما، ثم انزلوا الكلبشات إلى رجلي، وقد كان أسلوبهم نفسي وهو الإهمال، حيث لم يحققوا معي خلال تلك الفترة إلا (3) مرات وكان كلامهم لطيفا، حيث أخرجوني "للفورة" لمدة ثلاثين دقيقة يوميا بعد حوالي (11) يوما وأيضا نزعوا الغطاء الموجود على شباك الزنزانة وفتحوا طاقة الباب فيما بعد.
الفترة الثالثة عند الأمن الوقائي (64يوما):
بعد تلك الأيام الصعبة التي يشعر فيها الإنسان انه وحدته ستطول أرجعوني للأمن الوقائي بعد ان كنت أتوقع ان مرحلة الزنازين هي آخر مرحلة في التحقيق وبعدها الفرج. وعند وصولي للوقائي أرجعوني للشبح في الشباك بنفس الطريقة المذكورة سالفا، حيث مكثت كذلك شهرا كاملا (30 يوما كاملا )، إلا ان ما تغير هو أنهم خلال ذلك الشهر لم يستخدموا الضرب بالطريقة المنهجية المبرمجة السابقة، وأيضا كانوا يشبحونني خلال هذا الشهر مدة 20 ساعة يوميا يعطوني فرصة للنوم مدة 4ساعات والكلبشات في يدي ورجلي والنوم على البلاط، وكانت جولات التحقيق خلال هذا الشهر بمعدل جولتين أسبوعيا، مدة ما يقارب ساعة، وقد تعدموا خلال هذا الشهر إهمالي مشبوحا كأسلوب نفسي، وهكذا ظل الحال بكل ظروفه لقاسية حتى تمكنت من الفرار وتحرير نفسي بفضل الله تعالى ومنته.
وبعد:
فقد كان من لطائف وكرم المولى سبحانه وتعالى أنني كنت في دعائي للفرج، أقول:رغم أنوفهم يا رب، وبالفعل خرجت من الزنزانة رغم أنوفهم بسبب موجة الحر التي عبرت العالم يومها، وخرجت للحرية رغم أنوفهم بفراري.
ورغم شدة الإيذاء الجسدي الذي تعرضت له على مدار أربعة اشهر وأسبوع، إلا أنني كنت اشعر برعاية خاصة عجيبة من الله تعالى تمثلت في استقرار نفسي وفي تحمل جسدي عجيب، لا شك ان لدعاء الصالحين بركة وفضلا في ذلك، فلله الشكر على فضله وكرمه لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والله اكبر والنصر للمجاهدين
أخوكم
عماد عوض الله
18/8/1998
منقوووووووووول للامانة
هذه رسالة الشهيد عماد عوض الله رحمه الله بعد تمكنه من الفرار من سجون العملاء اللحديين يروي فيها مأساته معهم وعرض عرفات عليه على لسان العميل الخبيث المدعو الطيب عبد الرحيم والعميل جبريل الرجوب في قضية استشهاد محيي الدين الشريف واتهام الأخوين عوض الله بقتله ، تمام كما فعلوا مع الأخ مؤيد بني عودة .
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة عماد عوض الله إلى إخوانه وشعبه وأمته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
إلى إخواني قادة وكوادر حركة المقاومة الإسلامية حماس
إلى جماهير شعبنا الفلسطيني، وجماهير امتنا العربية الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد من الله تبارك وتعالى عليّ بتحرير نفسي من سجون سلطة الحكم الذاتي، بعد أن قضيت في سجونهم أربعة أشهر وثمانية أيام ( 128 يوما )، لاقيت فيها من المعاناة والتعذيب ما لا يتحمله أو يطيقه بشر، لكن رحمة الله تبارك وتعالى ألقت بظلالها عليّ، فصمدت وثبتّ، متوخيا الموضوعية في الكتابة، والابتعاد عن الانفعالات العاطفية، آملا أن يكون ما اكتبه في فهم طبيعة هؤلاء القائمين على الأمر في السلطة، وفي إدراك أبناء شعبنا وأمتنا للحقيقة المجردة كما هي،رغم مرارتها وقسوته.
أولا: مداهمة بيتي وكيفية اعتقالي:
بعد اعتقال السلطة لأحد الإخوة الذي كان يعرف مكان بيتي الذي أختبئ فيه، وبعد تحقيق ضباط السلطة معه، وتحت تأثير صدمة الاعتقال والتعذيب والضغط الجسدي الذي استخدم معه، اعترف عن مكان إقامتي، وبالتالي تم اعتقالي. أما عن مداهمة البيت فقد حضر لبيتي السري الذي كان يؤويني وعائلتي قوة من جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في ساعات النهار الباكر، وكنت نائما حيث استيقظت على صوت زوجتي وهي توقظني بكلمات "السلطة على باب دارنا"، وحيث أنني كنت قد استلمت تعليمات بعدم قتل أي شخص من أجهزتهم الأمنية في حالة حدوث أي محاولة لاعتقالي، فقد كنت قد أعددت حبلا للنزول عليه والهرب لو حاصروا بيتي فعلا هذا ما حصل، فخلال طرق قوة المداهمة للباب كنت قد ربطت الحبل في حديد شرفة بيتي الواقع في الطابق الرابع من عمارة سكنية، وبدأت في النزول، وقبل وصولي إلى أرض الشارع بقليل كان اثنان ممن يحيطون بالعمارة، ولم أشاهدهما لحظة نزولي، ينقضان عليّ بسلاحهم ويقتادني هرولة إلى سياراتهم المعدة سلفا لنقلي، وخلال نقلي بهذه الطريقة زجرتهم بأن لا داعي للعجلة، فقبل أحدهم رأسي قائلا لا تخف يا فلان أنت بين أيدي إخوانك !! وللعلم فقد صادروا من بيتي سلاحا هجوميا وسلاحا دفاعيا شخصيا.
ثانيا: اللحظات الأولى بعد وصولي لمقر الاعتقال:
بعد وصولي لمبنى السجن أدخلوني لمكتب وأغلقوا الباب علي وعلى حراسي لمدة وجيزة، وعند حضور أحد الضباط طلبت أن أرى زوجتي وأولادي للإطمنان، وفعلا التقيت مع عائلتي التي كانوا قد أحضروها إلى مبنى السجن، وقد كان ما يقارب 5-7 ضباط موجودين خلال ذلك اللقاء مع عائلتي، وبعد السلام عليهم بدأت أوصي زوجتي وصية من سيقابل الموت، مما أثار دهشة وتعليق بعض الضباط الموجودين، بعد ذلك نقلوني لمكتب مجاور، وكان يجلس في المكتب قادة السلطة وقادة أجهزتها الأمنية بعدما علموا باعتقالي، وكان من الموجودين الطيب عبد الرحيم وجبريل الرجوب وأمين الهندي والحاج إسماعيل جبر وتوفيق الطيراوي ومحمد الجبرني "أبوأ سامة" وهو نائب جبريل الرجوب،وقد حقق معي فيما بعد، وكان الطيب عبد الرحيم يتصدر الجلسة إلا أنه لحظة دخولي وقبل أن أجلس بادرني جبريل الرجوب من بينهم قائلا وعلى وجهه ابتسامة اختلط فيها معنى الشماتة بالنصر: ليش قتلت الزلمة يا فلان "يعني الشهيد محي الدين الشريف"، فكان ردي المباشر وأنا أتجه للجلوس "ما قتلتش حد‘‘.
بعد ذلك بدا الطيب بالحديث قائلا: أنا جاي من غزة ومعي صفقة من الرئيس عرفات كي أعرضها عليك، وهي أن تقول أن رصاصات خرجت من سلاحي باتجاه الشهيد محيي الدين الشريف بدون قصد مني، وهم بعد ذلك سيرتبون أمر خروجي من القضية، فكان ردي عليه: "مش أنا اللي بتاجر بدم الشهداء والأمر مرفوض عندي، وعندها عرض علي جبريل الرجوب وآخرين من الموجودين الصفقة التالية:
1. أن أقول أن الشهيد تمت تصفيته لثبوت تعامله مع الاحتلال.
2. أن الشهيد تبين أنه لا أخلاقي وعليه تمت تصفيته.
وكان ردي: ابحثوا عن غيري ليشوه لكم الكتائب والشهداء، وبعدها تركوا المجال وهم جلوس لمحمد الجبريني الذي كان على ما يبدو متابعا لعملية التحقيقات التي جرت قبل اعتقالي مع كافة الإخوة الذين تم اعتقالهم، حيث وجه لي عدة أسئلة عن علاقتي بفلان أوعلان وذكر أسماء إخوة كانوا قد اعترفوا تحت التعذيب بأنني نظمتهم للجهاز العسكري وسلمتهم سلاحا،..الخ، نفيت أي علاقة لي بهؤلاء الأخوة، وبعدها وقفت أمامهم جميعا ورفعت يدي إلى السماء من خلال شباك الغرفة مقسما ومعاهداً رب العالمين أنني لو نشرت بالمناشير وقطعت فلن تأخذوا مني كلمة أظلم بها نفسي أو غيري، فكان رد الطيب نحن لا ننشر أحدا أنتم الذين تفعلون ذلك، وأخذ يوجه الاتهامات يمينا وشمالا، المهم بعد جلسة مع هؤلاء استمرت ساعة تقريبا تم أخذي لمكتب أخر ومنه لسيارة نقلتني من رام الله إلى أريحا وكان يجلس معي في السيارة مدير جهاز المخابرات العامة أمين الهندي.
ثالثا:بداية التحقيق"
وصلنا إلى مقر التحقيق المركزي في أريحا التابع للمخابرات العامة الفلسطينية، وقد أنزلوني إلى زنزانة لمدة عدة ساعات، وفي الليل أخذوني لمكتب التحقيق، ووجدت بداخل المكتب عدة محققين شباب، تبين لي فيما بعد أن منهم من هم من الأمن الوقائي ومنهم من هو من المخابرات، وبدأ التحقيق على شكل سلسلة أسئلة مما توافر بين أيديهم من مادة اعترافات الأخوة تحت التعذيب، ولقد لاحظوا من البداية أنني سلبي للغاية في إجاباتي، حيث أنني أنكرت أنني تابع لحماس وباختصار أنكرت كل شيء كان بين أيديهم. وبعد ساعة من الأسئلة أخرجوني من المكتب إلى ساحة خارجية وأطفأوا الأضواء ووضعوا رأسي بداخل كيس ـ ظرف ـ قماش بحجم الرأس، وبدأت مجموعة من الحراس بضربي ـ أقدر أن عددهم من خلال أصواتهم بحوالي سبعة أشخاص ـ ورغم أن الضرب لم يكن عنيفا، ولكن بعض الضربات الموجهة لرأسي كانت كفيلة بإفقادي توازني وسقوطي أرضا، استمر الأمر قرابة 20 دقيقة، وصدق الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال " النصر صبر ساعة)،بعد ذلك أرجعوني إلى مكتب التحقيق، ودارت هناك أسئلة من
1. المحققين قابلتها بالنفي والسكوت، وهناك في المكتب حصلت معي حالة جفاف شديد وكانت قاتله لولا لطف الله، فوالله الذي لا اله إلا هو أنني كدت ألفظ أنفاسي لولا أن أحدهم أحضر الماء، فأعادت لي جرعات الماء النفس بفضل الله تعالى، وقد استمرت حالة الجفاف معي طيلة فترة التحقيق، وبعد ذلك أرجعوني إلى الزنزانة.
وفي اليوم التالي حضر محمد الجبريني ( نائب جبريل رجوب) وصورني في المكتب عدة صور على الفيديو ـ هذه خبرة إسرائيلية معروفة ـ لمدة خمس دقائق سألني خلالها عن اسمي وتاريخ اعتقالي ومعرفتي بالشهيد محي الدين وعلاقتي به وعلاقتي بشقيقي المطارد، فأجبت عن اسمي ونفيت معرفتي بتاريخ اعتقالي، ونفيت أي علاقة لي أو معرفة لي بالشهيد وأنني لم ألتق به نهائيا، أما عن شقيقي، فقلت أنني افترقت عنه بعد أسبوع من مطاردتنا، حيث أنني لم أعرف أين ذهب ولا أعرف عنه أي شيء نهائي.ا.
هذا ما سأله خلال تصوير الفيديو، بعدها أغلق الكاميرا، وقال رايح اقعد معك كثيرا، وفي ذلك اليوم تم نقلي إلى مركز تحقيق الأمن الوقائي الرئيسي، وهناك بدأت فعلا معاناتي الحقيقية.
رابعا:_ أساليب التحقيق ومراحله التي اتبعت معي:
كان التحقيق معي مشتركا ما بين المخابرات العامة، حيث كان الشهر الأول من التحقيق عند الأمن الوقائي (30) يوما بعدها تم نقلي إلى المخابرات (34) يوما وبعدها أعادوني إلى الأمن الوقائي (64) يوما.
الفترة الأولى:عند الأمن الوقائي (30يوم):
كان أمر وأصعب مرحلة في التحقيق، حيث وضعوني في غرفة تحقيق بجانب مكاتب تحقيقهم ( مساحة الغرفة 2متر مربع لها نافذتان صغيرتان عاليتان )،وقد وضعوا "كلبشات " في يدي وأخرى في رجلي، ووضعوا" كلبشة " في إحدى نافذتي الغرفة وشبكوها بكلبشة يدي، وبذلك أصبحت "مشبوحا" واقفا لمدة شهر كامل، وكانوا طبعا يسحبونني إلى التحقيق خلال ذلك الشهر باستمرار، وكنت ممنوعا من النوم إلا من بضع دقائق وأنا واقف مشبوحا، وكانوا يلفون عصابة بلون احمر حول عيني، وطبعا كان من أعراض "الشبح" ان الدم ينزل إلى القدمين بحيث تتورم القدمان بالإضافة إلى بعض حالات الهلوسة الناتجة عن عدم النوم، وكان هذا الأسلوب النفسي خلال ذلك الشهر، أما عن الضرب فقد كان بعدما يقارب الأسبوع من وجودي عندهم من خلال ذلك الشهر، وقالوا لي في سياق التشكيك والضغط النفسي:" أنزلناك للضرب بعدما توقفت حماس بالسؤال عنك، وتمثل الضرب ب::
1- ضربات متفرقة على الجسم في مناطق غير حساسة على شكل لكمات، وكفوف، ونتف للشوارب، وتشليع الأذنين وشعر الرأس،وركلات.
2- خلعوا ملابسي -رغما عني- إلا من الملابس الداخلية ووجهوا لظهري ضربات قوية وقاسية (وهذا أسلوب سلخ الظهر معتمد ومتبع عندهم ) وقد نزل من ظهري الدم وفي تلك الجولة أغمي علي وأصبح لوني كله أصفر، وعند حضور الطبيب طلب منهم أن يسمحوا لي بالنوم وفعلا كان ذلك.
3- ضرب " الفلقات" على الرجلين وكان ذلك في آخر أسبوع من الشهر الأول، حيث ضربوني فلقات لمدة أربعة أيام متتالية، اليوم الأول (3)جولات كل جولة مايقارب (25 ـ 30) جلدة، واليوم الثاني جولتان والثالث والرابع مرة مرة، وكان معدل المرة (25) جلدة مستخدمين عصا غليظة في البداية من"البوص" ثم استخدموا عصا المكانس الطويلة، وقد كسرت واحدة على رجلي، حيث وطات بقدمي بنادقهم الموجهة اللي صدور شعبنا، بل تستعمل في تعذيب مجاهديه وأحراره، إذ أنهم يطرحون المعذَّب أرضا ويرفعون رجليه على رشاش بعدما يثبتون الأرجل بحزام الرشاش، وبعد كل جولة ضرب على الأرجل يصبون ماء مثلجا على أرجل المضروب 15 دقيقة تقريبا للهرولة، حتى لا تتورم القدمان، ويكون جاهزا لجولات الضرب القادمة. هذا أسلوب التعذيب الجسدي الذي استخدم معي على مدار الشهر عند الأمن الوقائي بعد ذلك الشهر الذي وضعوا لي خلاله صور الشهيد محيي الدين الشريف رحمه الله داخل غرفة "الشبح" على جدران الغرفة كأسلوب ضغط نفسي.
الفترة الثانية:عند المخابرات العامة (34يوما):
نقلوني إلى المخابرات العامة، وهناك وضعوني داخل زنزانة انفرادية بدون إضاءة، وقد غطوا شباك الزنزانة ببطانية وأغلقوا طاقة التهوية الموجودة في الباب، ولم يدخلوا لي فرشة للنوم إلا بعد عشرة أيام، حيث مكثت في الزنزانة (34) يوما كاملا وأنا مكلبش بيدي لمدة (12) يوما، ثم انزلوا الكلبشات إلى رجلي، وقد كان أسلوبهم نفسي وهو الإهمال، حيث لم يحققوا معي خلال تلك الفترة إلا (3) مرات وكان كلامهم لطيفا، حيث أخرجوني "للفورة" لمدة ثلاثين دقيقة يوميا بعد حوالي (11) يوما وأيضا نزعوا الغطاء الموجود على شباك الزنزانة وفتحوا طاقة الباب فيما بعد.
الفترة الثالثة عند الأمن الوقائي (64يوما):
بعد تلك الأيام الصعبة التي يشعر فيها الإنسان انه وحدته ستطول أرجعوني للأمن الوقائي بعد ان كنت أتوقع ان مرحلة الزنازين هي آخر مرحلة في التحقيق وبعدها الفرج. وعند وصولي للوقائي أرجعوني للشبح في الشباك بنفس الطريقة المذكورة سالفا، حيث مكثت كذلك شهرا كاملا (30 يوما كاملا )، إلا ان ما تغير هو أنهم خلال ذلك الشهر لم يستخدموا الضرب بالطريقة المنهجية المبرمجة السابقة، وأيضا كانوا يشبحونني خلال هذا الشهر مدة 20 ساعة يوميا يعطوني فرصة للنوم مدة 4ساعات والكلبشات في يدي ورجلي والنوم على البلاط، وكانت جولات التحقيق خلال هذا الشهر بمعدل جولتين أسبوعيا، مدة ما يقارب ساعة، وقد تعدموا خلال هذا الشهر إهمالي مشبوحا كأسلوب نفسي، وهكذا ظل الحال بكل ظروفه لقاسية حتى تمكنت من الفرار وتحرير نفسي بفضل الله تعالى ومنته.
وبعد:
فقد كان من لطائف وكرم المولى سبحانه وتعالى أنني كنت في دعائي للفرج، أقول:رغم أنوفهم يا رب، وبالفعل خرجت من الزنزانة رغم أنوفهم بسبب موجة الحر التي عبرت العالم يومها، وخرجت للحرية رغم أنوفهم بفراري.
ورغم شدة الإيذاء الجسدي الذي تعرضت له على مدار أربعة اشهر وأسبوع، إلا أنني كنت اشعر برعاية خاصة عجيبة من الله تعالى تمثلت في استقرار نفسي وفي تحمل جسدي عجيب، لا شك ان لدعاء الصالحين بركة وفضلا في ذلك، فلله الشكر على فضله وكرمه لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والله اكبر والنصر للمجاهدين
أخوكم
عماد عوض الله
18/8/1998
منقوووووووووول للامانة
تعليق