أوروبا تلتحق بأمريكا في التعاطف الأعمي مع اسرائيل
كل الزعماء معنا وجميع الشعوب ضدنا
جدعون ليفي
كل الزعماء معنا وجميع الشعوب ضدنا
جدعون ليفي
كمية التعاطف المغدق علي اسرائيل في هذه الايام مربك تقريباً. أمور مثل مسيرة الضيوف رفيعي المستوي الذين يتوافدون علي الدولة، وكذلك الاستقبال الذي يحظي به السياسيون الاسرائيليون في الخارج ـ هي ظاهرة قد نسيت منذ زمن ولم نعد نتذكرها. من الذي لم يأت الي هنا في الآونة الاخيرة؟ مِن المستشارة الالمانية وحتي المرشح الريادي في معركة منافسة الرئاسة في الولايات المتحدة ونائب الرئيس، والامين العام للامم المتحدة ايضا قادمون لاسرائيل. الصرعة الرائجة الان في الدبلوماسية الدولية هي زيارة دولة اسرائيل. ان لم تزرها فأنت لست مهماً.
الضيوف الذين يهبطون هنا يؤخذون طبعاً الي مؤسسة يدٌ واسم لإحياء ذكري ضحايا النازية والي حائط المبكي والان ايضا الي سديروت ـ الموقع الوطني الجديد الذي يحج له الوافدون. بعضهم يذهب في زيارة عاجلة الي رام الله لرفع العتب اما غزة فلا يزورها احدٌ وكلهم تقريبا يجمعون علي اطلاق عبارات التعاطف مع اسرائيل. لا تصدر عنهم كلمة انتقاد واحدة للاعتقال او العمليات الإسرائيلية العنيفة في المناطق او الحصار والتجويع ـ باستثناء بعض الكلمات الانبطاحية حول الحاجة للحل. اسرائيل تعصر ليمونة الدعاية والاعلام من خلال زيارة سديروت حتي آخر نقطة فيها.
الجمع بين المحرقة وسديروت والخوف العالمي من الاسلام وحكم حماس في غزة يفعل فعله. منذ ايام اوسلو لم يسجل لاسرائيل مثل هذا النجاح السياسي. ان حكمنا علي الأمور وفقاً لتصريحات ضيوفنا ومستضيفيهم ليست هناك دولة محبوبة مثلنا. الدولة التي تفرض حصاراً ليس له مثيل تقريباً في العالم اليوم من حيث وحشيته وقسوته التي تتبني رسمياً سياسة الاغتيالات ـ تتعرض للعناق من قبل أسرة الشعوب، وان حكمنا وفقاً لتصريحات السياسيين الكثيرين الذين يحجون اليها كذلك. وحده وزير الخارجية الروسي اختار التذكير بالحصار علي سبيل المثال.
من اللطيف طبعاً امتطاء صهوة هذه الموجة، الا انها موجة سحرية وهمية وعبثية. الرأي العام في اغلبية الدول التي يحج قادتها الينا ويبدون تعاطفهم معنا، ليس شريكاً في ذلك. اسرائيل بقيت دولة غير محبوبة واحياناً حتي منبوذة وبغيضة. العالم يري ما يحدث في غزة عبر التلفاز بينما تظهر سديروت في نظره كمنتجع بالمقارنة مع جارتها في غزة ويستنتج النتائج المطلوبة. الشعور بالعدالة الطبيعية الذي يدفع الناس للتعاطف مع كفاح الشعوب المظلومة مثل التبتيين من اجل حريتها، يفرض تعاطفاً طبيعياً مع الكفاح الفلسطيني من اجل التحرر. وحقيقة ان هذا الصراع يدور بين داوود الفلسطيني وجوليات الاسرائيلي انما يزيد ذلك حدة. باستثناء الولايات المتحدة العالم بالفعل ضدنا، باستثناء سياسييه طبعا. من المحظور علينا اذن ان نقع في الاوهام: موجة التعاطف الرسمية التي يغرقنا بها العالم ليست حقيقية.
كما ان الاعتقاد بأن الصداقة العمياء غير المشروطة هي صداقة، ليس حقيقيا هو الاخر. التعاطف مع اسرائيل كمشروع عادل ـ كما يعتقد اغلبية العالم الغربي ـ لا يعني قبول كل اخطائها. الاصدقاء الحقيقيون لاسرائيل الذي يحرصون بصدق واخلاص علي مصيرها، هم فقط الذين يتجرؤون علي توجيه الانتقادات الشديدة لسياستها الاحتلالية التي تشكل خطراً علي مصيرهاً اكثر من اي شيء آخر، بل ويقدمون علي خطوات عملية بوضع حد لهذا الاحتلال. هذه مسألة لا يدركها اغلبية السياسيين الاصدقاء المتعاطفين معنا.
موقف القادة الاوروبين مثيرٌ للاستغراب بصورة استثنائية. نحن لا نتحدث عن الولايات المتحدة مع اللوبي اليهودي - المسيحي الموجود فيها، وانما هي اوروبا صاحبة الآراء والافكار والمبادئ تلك التي فقدت قدرتها علي ان تكون وسيطاً نبيهاً يمارس تأثيره من اجل وضع حد للصراع الذي يشكل خطراً عليها ايضاً. نحن بحاجة لاوروبا والسلام بحاجة لها ولكن اوروبا الرسمية تشيح بوجهها وتكيف خطها بشكل اوتوماتيكي مع خط الولايات المتحدة من خلال تعاطفها الاعمي مع اسرائيل ومقاطعتها لغزة. انجيلا ميركل التي استقبلت هنا بكل الحفاوة والاحترام لم تطرح في خطابها بالكنيست اي مسألة خلافية. وهكذا تحول خطابها التاريخي الي خطاب فارغ من المضمون.
مثلها تصرف زميلها في القيادة الاوروبية الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي خلال استضافته لرئيس الدولة شمعون بيرس. أعلام اسرائيل التي رفرفت في الشانزليزيه والزاوية الإسرائيلية الفاخرة في معرض الكتب في باريس لم تكن بقادرة علي تغطية حقيقة ان نفوس فرنسيين كثيرين قد سئمت الاحتلال. فرارهم من ذكر الحصار المفروض علي غزة وتجويع وقتل المئات من سكانها يعني ان الساسة الاوروبيين قد فشلوا في تلبية الواجب المنوط بهم سياسياً واخلاقياً. من يعتقدون ان التدخل الدولي النزيه وحده هو القادر علي انهاء الاحتلال يصابون بخيبة الامل واليأس. اجل اوروبا تحديداً التي تحمل مشاعر الذنب المبررة بسبب الكارثة التي لحقت باليهود، كانت ملزمة بدورها بأن تهب بمساعدة اسرائيل ولكن بطريقة اخري. الزيارات الاستعراضية والخطابات الرنانة المتكتكة تعبر تحديداً عن الاستخفاف العميق باسرائيل ـ وبالرأي العام في اوروبا.
هذه الصداقة العمياء تتيح لاسرائيل بأن تفعل كما يحلو لها. مرت الايام التي كان فيها دخول كل كرفان للمناطق وكل عملية اغتيال يتعرض هنا الي دراسة دقيقة خشية الانتقادات الدولية - ولم ترجع. هذا لم يعد قائماً اليوم. اسرائيل تمتلك صلاحية واعتماداً غير محدود للتصرف كما تشاء، ان تقتل وان تهدم وان تستوطن. امريكا تنازلت منذ زمن عن مكانة الوسيط النزيه. وها هي اوروبا تسير في اعقابها. كم هو محزن ومثير للاكتئاب هذا الوضع: مع اصدقاء كهؤلاء ليست اسرائيل بحاجة للاعداء تقريباً.
هآرتس 23/3/2008
? مختص في حقوق الانسان
الخبر منقول عن موقع
الملتقي المقدسي
الضيوف الذين يهبطون هنا يؤخذون طبعاً الي مؤسسة يدٌ واسم لإحياء ذكري ضحايا النازية والي حائط المبكي والان ايضا الي سديروت ـ الموقع الوطني الجديد الذي يحج له الوافدون. بعضهم يذهب في زيارة عاجلة الي رام الله لرفع العتب اما غزة فلا يزورها احدٌ وكلهم تقريبا يجمعون علي اطلاق عبارات التعاطف مع اسرائيل. لا تصدر عنهم كلمة انتقاد واحدة للاعتقال او العمليات الإسرائيلية العنيفة في المناطق او الحصار والتجويع ـ باستثناء بعض الكلمات الانبطاحية حول الحاجة للحل. اسرائيل تعصر ليمونة الدعاية والاعلام من خلال زيارة سديروت حتي آخر نقطة فيها.
الجمع بين المحرقة وسديروت والخوف العالمي من الاسلام وحكم حماس في غزة يفعل فعله. منذ ايام اوسلو لم يسجل لاسرائيل مثل هذا النجاح السياسي. ان حكمنا علي الأمور وفقاً لتصريحات ضيوفنا ومستضيفيهم ليست هناك دولة محبوبة مثلنا. الدولة التي تفرض حصاراً ليس له مثيل تقريباً في العالم اليوم من حيث وحشيته وقسوته التي تتبني رسمياً سياسة الاغتيالات ـ تتعرض للعناق من قبل أسرة الشعوب، وان حكمنا وفقاً لتصريحات السياسيين الكثيرين الذين يحجون اليها كذلك. وحده وزير الخارجية الروسي اختار التذكير بالحصار علي سبيل المثال.
من اللطيف طبعاً امتطاء صهوة هذه الموجة، الا انها موجة سحرية وهمية وعبثية. الرأي العام في اغلبية الدول التي يحج قادتها الينا ويبدون تعاطفهم معنا، ليس شريكاً في ذلك. اسرائيل بقيت دولة غير محبوبة واحياناً حتي منبوذة وبغيضة. العالم يري ما يحدث في غزة عبر التلفاز بينما تظهر سديروت في نظره كمنتجع بالمقارنة مع جارتها في غزة ويستنتج النتائج المطلوبة. الشعور بالعدالة الطبيعية الذي يدفع الناس للتعاطف مع كفاح الشعوب المظلومة مثل التبتيين من اجل حريتها، يفرض تعاطفاً طبيعياً مع الكفاح الفلسطيني من اجل التحرر. وحقيقة ان هذا الصراع يدور بين داوود الفلسطيني وجوليات الاسرائيلي انما يزيد ذلك حدة. باستثناء الولايات المتحدة العالم بالفعل ضدنا، باستثناء سياسييه طبعا. من المحظور علينا اذن ان نقع في الاوهام: موجة التعاطف الرسمية التي يغرقنا بها العالم ليست حقيقية.
كما ان الاعتقاد بأن الصداقة العمياء غير المشروطة هي صداقة، ليس حقيقيا هو الاخر. التعاطف مع اسرائيل كمشروع عادل ـ كما يعتقد اغلبية العالم الغربي ـ لا يعني قبول كل اخطائها. الاصدقاء الحقيقيون لاسرائيل الذي يحرصون بصدق واخلاص علي مصيرها، هم فقط الذين يتجرؤون علي توجيه الانتقادات الشديدة لسياستها الاحتلالية التي تشكل خطراً علي مصيرهاً اكثر من اي شيء آخر، بل ويقدمون علي خطوات عملية بوضع حد لهذا الاحتلال. هذه مسألة لا يدركها اغلبية السياسيين الاصدقاء المتعاطفين معنا.
موقف القادة الاوروبين مثيرٌ للاستغراب بصورة استثنائية. نحن لا نتحدث عن الولايات المتحدة مع اللوبي اليهودي - المسيحي الموجود فيها، وانما هي اوروبا صاحبة الآراء والافكار والمبادئ تلك التي فقدت قدرتها علي ان تكون وسيطاً نبيهاً يمارس تأثيره من اجل وضع حد للصراع الذي يشكل خطراً عليها ايضاً. نحن بحاجة لاوروبا والسلام بحاجة لها ولكن اوروبا الرسمية تشيح بوجهها وتكيف خطها بشكل اوتوماتيكي مع خط الولايات المتحدة من خلال تعاطفها الاعمي مع اسرائيل ومقاطعتها لغزة. انجيلا ميركل التي استقبلت هنا بكل الحفاوة والاحترام لم تطرح في خطابها بالكنيست اي مسألة خلافية. وهكذا تحول خطابها التاريخي الي خطاب فارغ من المضمون.
مثلها تصرف زميلها في القيادة الاوروبية الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي خلال استضافته لرئيس الدولة شمعون بيرس. أعلام اسرائيل التي رفرفت في الشانزليزيه والزاوية الإسرائيلية الفاخرة في معرض الكتب في باريس لم تكن بقادرة علي تغطية حقيقة ان نفوس فرنسيين كثيرين قد سئمت الاحتلال. فرارهم من ذكر الحصار المفروض علي غزة وتجويع وقتل المئات من سكانها يعني ان الساسة الاوروبيين قد فشلوا في تلبية الواجب المنوط بهم سياسياً واخلاقياً. من يعتقدون ان التدخل الدولي النزيه وحده هو القادر علي انهاء الاحتلال يصابون بخيبة الامل واليأس. اجل اوروبا تحديداً التي تحمل مشاعر الذنب المبررة بسبب الكارثة التي لحقت باليهود، كانت ملزمة بدورها بأن تهب بمساعدة اسرائيل ولكن بطريقة اخري. الزيارات الاستعراضية والخطابات الرنانة المتكتكة تعبر تحديداً عن الاستخفاف العميق باسرائيل ـ وبالرأي العام في اوروبا.
هذه الصداقة العمياء تتيح لاسرائيل بأن تفعل كما يحلو لها. مرت الايام التي كان فيها دخول كل كرفان للمناطق وكل عملية اغتيال يتعرض هنا الي دراسة دقيقة خشية الانتقادات الدولية - ولم ترجع. هذا لم يعد قائماً اليوم. اسرائيل تمتلك صلاحية واعتماداً غير محدود للتصرف كما تشاء، ان تقتل وان تهدم وان تستوطن. امريكا تنازلت منذ زمن عن مكانة الوسيط النزيه. وها هي اوروبا تسير في اعقابها. كم هو محزن ومثير للاكتئاب هذا الوضع: مع اصدقاء كهؤلاء ليست اسرائيل بحاجة للاعداء تقريباً.
هآرتس 23/3/2008
? مختص في حقوق الانسان
الخبر منقول عن موقع
الملتقي المقدسي