الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في حوار شامل مع الشرق:
دكتور رمضان شلح : التهدئة لابد أن تكون متبادلة متزامنة وشاملة و طرف قوي يلزم "الكيان الصهيوني" بشروطها
أجرى الحوار في دمشق - جابر الحرمي :
انتقد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلح المفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع الجانب الصهيوني برعاية أمريكية في وقت يرتكب فيه الكيان مجازر في غزة، وقال إن الإصرار على هذه المفاوضات ينذر بوجود صفقة بين محمود عباس وأولمرت. وأشار إلى ان السلطة الفلسطينية جاهزة لتقديم الكثير من التنازلات، ولديها الاستعداد للبيع بأي ثمن، داعيا فتح إلى مراجعة مسيرة التسوية التي دخلت بها وادخلت الشعب الفلسطيني والقضية في نفق مظلم.
وانتقد د. شلح في حوار شامل مع «الشرق» النظام العربي وقال إنه اصبح في صف الكيان الصهيوني، مشيرا إلى ان فلسطين تذبح اليوم من الوريد إلى الوريد بسلاح حلفاء النظام العربي. وكشف عن وجود مساع لإيجاد تهدئة بين فصائل المقاومة والكيان، مقللا من نجاح هذه المساعي، مشترطا لنجاحها ان تكون تهدئة متبادلة ومتزامنة وشاملة، وان تبدأ بوقف العدوان وفك الحصار عن غزة وفتح المعابر وإطلاق الأسرى.
وفيما يلي نص الحوار :
٭ حدثنا عن المحرقة الجارية في غزة وفي الأراضي الفلسطينية عموما وكيف تصفون هذه المحرقة إضافة إلى الصمت القائم حالياً عربياً ودولياً؟
- بداية لابد أن أشير إلى أن مجرد استخدام اسم المحرقة في وصف ما يقوم به العدو الصهيوني من جرائم في حق الشعب الفلسطيني هو وصمة عار في جبين الإنسانية كلها... أن يجرؤ العدو على استخدام هذا الاسم الذي يعتبر من المحرمات إذا استخدم بالإشارة إلى ما حدث لليهود في أوروبا، ثم الآن يستخدم كأنه أمر طبيعي ولا أحد يهتز له جفن في العالم، هذا يدل على أن العالم كله وللأسف كأنه أصبح في قبضة اليهود وفي قبضة الصهاينة.. المحرقة جريمة صهيونية ليست جديدة، وهي تعبير عن برنامج يمارسه العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني على مدار الوقت، لكن الحملة الأخيرة التي أطلقها من وحي الاسم، كان ذلك يدل على اعتقاده أنها الجولة الأخيرة التي سينهي من خلالها المقاومة في قطاع غزة، وأن يسحق الشعب الفلسطيني وأن يكسر إرادته، وأن يحقق ما يريد.. ولكنه فوجئ بصمود الشعب الفلسطيني وبأداء المقاومة في قطاع غزة، فانكفأ مدحوراً ولم يستطع تحقيق أهدافه، لا بتأمين أمن الكيان والمستوطنات المحيطة بقطاع غزة، ولا بإجهاض مقاومة الشعب الفلسطيني ولا حتى إسقاط ما يعتبره حكومة أو سيطرة حماس في غزة، بل المفاجأة الكبرى كانت له ولكل من كان يسخر بالمقاومة وبصواريخها هي الصواريخ، لأن هذه الصواريخ بدلاً من أن تطال أهدافاً على بعد 8 كيلومترات فقط، أصبحت تطال أبعد وأقصى نقطة في مدينة عسقلان شمال قطاع غزة ليصبح أكثر من 250 ألف صهيوني في محيط قطاع غزة في مرمى صواريخ المقاومة. والمحرقة انقلبت على العدو الصهيوني، فما جرى بالمعنى العسكري والسياسي والأمني كان محرقة لإسرائيل وليس للشعب الفلسطيني، برغم ارتفاع عدد الضحايا في الجانب الفلسطيني.. فالغالبية العظمى من الشهداء كانوا من النساء والأطفال، وهذا ليس إنجازاً عسكرياً ولا سياسياً.. أن يستطيع الشعب الفلسطيني بهذه الإمكانات المتواضعة جداً أن يحقق قدراً من توازن الرعب وتوازن الردع وتوازن القوة بحيث يجبر العدو على وقف العدوان وعدم التقدم لأن عمقه مهدد بصواريخ المقاومة، فهذه محرقة بحق الكيان وليست محرقة بحق الشعب الفلسطيني.
صمت عربي مفجع
٭ إذا كنا نقول إن هناك صمتاً عالمياً فماذا عن الصمت العربي والإسلامي؟
- إذا أردنا أن نتكلم بالبعد العاطفي والإنساني وما يربط العرب بفلسطين فلا نستطيع أن نتحدث عن الصمت العربي بشيء جديد، لأن الناس ملت من الشكوى والإدانة لهذا الصمت المفجع، ولكن إذا أردنا أن نحلل هذا الصمت سياسياً، فإن الموقف الطبيعي للنظام العربي الآن، على ما هو عليه، وعلى ما نعرف من أحواله وتبعيته وارتباطه بعجلة السياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة، يجب أن نحمد الله على الصمت العربي لأن الوضع الطبيعي أنهم أصبحوا في صف الكيان. النظام العربي أصبح في صف الكيان، وأصبح في صف أمريكا في العلن. قبل سنوات عندما كانت بعض الحركات الإسلامية تتحدث عن أن النظام العربي هو الوجه الآخر للصهاينة وأن الأنظمة العربية تتبع لمنظومة الغرب الفكرية والسياسية وتمثل الوكلاء للغرب ومصالح الغرب، كان هذا الكلام يعتبر من قبيل التطرف ولا يلقى القبول بل الإدانة في الأوساط التي تدعي العقلانية. اليوم الفرز في المنطقة أصبح واضحاً.. أمريكا والصهاينة يريدون تثبيت الكيان في المنطقة كدولة طبيعية مثلها مثل أي دولة عربية وإسلامية، أما الغريب والنشاز في هذه المنطقة، في سياسة أمريكا والصهاينة، فهو الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية التي لم تولد بعد.. جورج بوش وعد الناس بدولة فلسطينية ولكنه أعلن أن الكيان دولة يهودية. ولم ير الناس أي أثر للدولة الفلسطينية التي وعد بها جورج بوش، ومشروعهم في المنطقة هو تثبيت إسرائيل كقوة مركزية مهيمنة على الوضع الإقليمي، وأن الجميع إذا أراد أن يسلم وأن يبقى في الحكم فعليه أن يصادق الكيان ويصاحبها وأن يتعاطف مع الكيان ويراعي مصالحها وأمنها، وأن يشيح بوجهه أو يغض الطرف عما يفعله الكيان من جرائم بحق إخوانهم من العرب والمسلمين في فلسطين.
صمودنا هو الخيار
٭ ما الخيارات أمام المقاومة في ظل هذا الحصار العربي والإقليمي والدولي الذي يحيط بكم؟
- منذ الانتفاضة الأولى في عام 1987 والشعب الفلسطيني يواصل نضاله بالاعتماد على قوته الذاتية أولاً، هذا بعد الله سبحانه وتعالى، ولم يعد الشعب الفلسطيني يدير صراعه مع اليهود بالاستناد إلى دور عربي أو إسلامي أو دولي، بل الصمود الفلسطيني منذ الانتفاضة الأولى حتى اليوم قوة الدفع الذاتية فيه هو صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته والشهداء والإرادة الفلسطينية ومواصلة طريق الجهاد والمقاومة.. وهناك رافعة أساسية شكلت حاضنة وهي جماهير الشعوب العربية والإسلامية وبما تقدمه من الدعم المادي والمعنوي والدعاء وكل مظاهر الدعم والإسناد التي تؤكد أن فلسطين لازالت حية في قلوب شعوب الأمة العربية والإسلامية. هذا هو الذي أبقى القضية حية حتى اليوم، ونحن سنستمر في السنوات القادمة إن شاء الله تعالى، على نفس المنوال بالاستناد إلى إيماننا بالله أولاً، ثم إيماننا وثقتنا بأننا في فلسطين أصحاب حق وأن هذا العدو والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو عدوان لا يمكن أن نسلم بشرعيته وسنستمر في مقاومته حتى لو بقينا لوحدنا دون أي إسناد من أي طرف في العالم. فخيارنا استمرار المقاومة ولا نلتفت أبدا لأي مساومات او أي رهانات على خيارات أخرى.. وهذا لا يعني أننا غير واعين لما يدور في العالم، ولموازين القوى المحيطة بنا، نحن ندرك هذا جيداً، لكن التجربة علمتنا أن عدونا لا يفهم إلا لغة القوة مهما كانت ضئيلة، وتجارب كل الأمم الحية في مواجهة الاستعمار والغزو الأجنبي تؤكد هذه الحقيقة وأن المقاومة هي طريق التحرير واسترداد الأرض والكرامة.