لم يكن من المستهجن أن ينفذ الجيش الإسرائيلي المجزرة البشعة في بيت لحم الأربعاء الماضي، والتي اغتيل فيها خمسة من قيادات العمل العسكري في حركة "الجهاد الإسلامي"، على رأسهم القائد محمد شحادة، بعد أسبوع فقط من التهدئة غير المعلنة التي نجحت مصر في إقناع الفصائل الفلسطينية بقبولها. فلا خلاف على أن إسرائيل من خلال هذه العملية أرادت أن تفرض أصول جديدة للعبة مع الفصائل الفلسطينية، تهدف إلى قطع الطريق على الفصائل الفلسطينية لاشتراط وقف إطلاق صواريخها من قطاع غزة بوقف الجيش الإسرائيلي لعملياته في الضفة الغربية، ورفع الحصار.
فحتى أكثر المعلقين الإسرائيليين تحاملاً على الشعب الفلسطيني اعتبر أن توقيت تنفيذ العملية بعد أسبوع من التهدئة يمثل حرص إسرائيلي على إملاء تهدئة بالشروط التي تراها حكومة أولمرت. من ناحية ثانية فإن المجزرة تدلل على أن إسرائيل قلقة من توجه الحكومة المصرية لعقد صفقة شاملة بينها وبين الفصائل الفلسطينية؛ لأن مثل هذه الصفقة ستهدّد واحدًا من أهم إنجازات إسرائيل وهي الصراع الفلسطيني الداخلي، وانفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة.
فالإسرائيليون يدركون أن أي صفقة شاملة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية لن تنجح في حال لم يتم التوصل لتسوية للصراع القائم بين "فتح" و"حماس". فعلى سبيل المثال إعادة فتح معبر رفح لن تكون ممكنة في حال لم تكن هناك حالة من التوافق الفلسطيني الداخلي تسمح بإدارة المعبر. في نفس الوقت، فإن هناك دورًا كبيرًا للحسابات السياسية والشخصية في دفع القادة الإسرائيليين لتصعيد الأمور على هذا النحو، وقد يكون لهذه الحسابات دور أكبر في توجيه السياسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني
فوزير الحرب إيهود براك الذي يرأس حزب العمل ينوي التنافس في الانتخابات التشريعية القادمة على رئاسة الوزراء في مواجهة زعيم المعارضة اليمينية بنيامين نتنياهو، وهو بالتالي يريد أن يستغل موقعه كوزير للحرب لإبراز نفسه أمام الرأي العام الإسرائيلي كقائد سياسي وأمني حازم من خلال إصدار التعليمات بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية التي تثير الانتباه.
وهو بالتالي لا يألو جهدًا من أجل تخريب جهود التهدئة. وعلى الرغم من أنه يرأس الحزب الذي يصف نفسه بأنه يمثل "معسكر السلام" في حكومة أولمرت، إلا أنه لا يفوت فرصة ليؤكد أنه لم يعد يؤمن بالمساعي السلمية.
فباراك كان يدرك أن تنفيذ عملية الاغتيال ستدفع حركة "الجهاد الإسلامي" على الردّ بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الواقعة في محيط القطاع، وذلك حتى يوفر الذرائع لشنّ حملة واسعة على غزة. وعلى الرغم مما قيل عن تحول في موقف الإدارة الأمريكية من العلاقة مع حركة حماس ومطالبتها مصر بالتوسط بين الحركة وإسرائيل حول اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الموقف الأمريكي لا يزال غامضًا.
لكن من الواضح أن واشنطن ستتدخل بجدية لتهدئة الأوضاع في المنطقة فقط في حال قرّر الرئيس بوش مهاجمة إيران في الشهور الثلاثة الأخيرة من حكمه، حيث إن الإدارة الأمريكية ستكون عندها معنيةً بتهدئة مؤقتة بهدف تحسين قدرة واشنطن على تنفيذ مخططاتها.
على الصعيد الفلسطيني، فرغم المرارة التي عاشها الفلسطينيون في أعقاب مجزرة بيت لحم، إلا أنه مع ذلك يمكن الإشارة إلى نتيجة إيجابية واضحة، تتمثل في تعاظم الدعوات في الشارع الفلسطيني لحل الصراع الداخلي، على اعتبار أن إسرائيل هي أكبر مستفيد منه، لا سيما في أوساط جمهور حركة "فتح". عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين شاركوا في جنازة محمد شحادة ورفاقه دعوا الرئيس محمود عباس إلى وقف التفاوض مع إسرائيل والعودة للحوار مع حركة حماس. "الجناح العسكري لحركة "فتح" المعروف بـ" كتائب الأقصى" دعا أبو مازن إلى الشروع في حوار مع حركة وإقالة رئيس وزرائه سلام فياض.
معالم السخط أصبحت واضحة المعالم من السياسة التي يتبعها أبو مازن الذي يتباهى قادته الأمنيون أنهم يتعاونون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تعقب المقاومين واعتقالهم وتعذيبهم في السجون. هامش المناورة بات يتقلص أمام عباس، دون أن يكون قادرًا على اتخاذ موقف يناسب الموقع الذي يشغله.
فعملية بيت لحم أظهرت أبو مازن وأجهزته الأمنية في نظر الفلسطينيين كما لو كان "أنطوان لحد" جديد. فإن كان كل المتحدثين باسم أبو مازن يؤكدون أن تصفية القيادات في بيت لحم قد أضعفت أبو مازن جماهيريًا، فلماذا لا يعلن على الأقل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف المفاوضات، سيما في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أن المفاوضات لن تشكل عائقًا أمام مواصلة الاستيطان في القدس وفي الضفة الغربية.
للأسف الشديد، إن قدرة أبو مازن على الدفاع عن مواقفه من القضايا الوطنية المختلفة أصبحت محدودة، لا سيما بعدما تبيَّن تورط أولاده في قضايا فساد، وكشف التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن أن أبو مازن تدخل لدى أولمرت لمساعدة نجليه في مشاريعهما الاقتصادية. إ
لى جانب الفضيحة المدوية التي تورط فيها رئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح، أحد أقرب المقربين من أبو مازن عندما تمّ ضبطه من قِبل الإسرائيليين وهو يقوم بتهريب الهواتف النقالة من الأردن. كل هذه القرائن تؤكد أن الحديث في النهاية يدور عن مصالح اقتصادية شخصية يتم الدفاع عنها بمنطق سياسي أصبح مهزوزًا جدًا وغير محتمل.
لذا عندما جاءت مجزرة بيت لحم في ظل الكشف عن قضايا الفساد، فقد أحدثت انقلابًا في توجهات الرأي العام الفلسطيني من حكومتي رام الله بقيادة فياض وحكومة غزة بقيادة هنية. فأغلبية الفلسطينيين باتوا يعتبرون أن حكومة هنية هي الحكومة الشرعية.
أن الاستنتاج الذي يتوجب على أبو مازن أن يصل إليه هو التخلي عن مواقفه السابقة واسطوانته المشروخة من المقاومة ووسائلها.
وأن كان فرص ذلك ضئيلة جدًا، فإننا كفلسطينيين لازلنا نأمل أن يتغلب الوازع الوطني في وجدان أبو مازن على الاعتبارات الأخرى، ويتحرك لعودة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني، بدلاً من أن يجد نفسه فجأة في المكان الذي لا يسر زعيم أن يجد نفسه فيه.
فحتى أكثر المعلقين الإسرائيليين تحاملاً على الشعب الفلسطيني اعتبر أن توقيت تنفيذ العملية بعد أسبوع من التهدئة يمثل حرص إسرائيلي على إملاء تهدئة بالشروط التي تراها حكومة أولمرت. من ناحية ثانية فإن المجزرة تدلل على أن إسرائيل قلقة من توجه الحكومة المصرية لعقد صفقة شاملة بينها وبين الفصائل الفلسطينية؛ لأن مثل هذه الصفقة ستهدّد واحدًا من أهم إنجازات إسرائيل وهي الصراع الفلسطيني الداخلي، وانفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة.
فالإسرائيليون يدركون أن أي صفقة شاملة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية لن تنجح في حال لم يتم التوصل لتسوية للصراع القائم بين "فتح" و"حماس". فعلى سبيل المثال إعادة فتح معبر رفح لن تكون ممكنة في حال لم تكن هناك حالة من التوافق الفلسطيني الداخلي تسمح بإدارة المعبر. في نفس الوقت، فإن هناك دورًا كبيرًا للحسابات السياسية والشخصية في دفع القادة الإسرائيليين لتصعيد الأمور على هذا النحو، وقد يكون لهذه الحسابات دور أكبر في توجيه السياسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني
فوزير الحرب إيهود براك الذي يرأس حزب العمل ينوي التنافس في الانتخابات التشريعية القادمة على رئاسة الوزراء في مواجهة زعيم المعارضة اليمينية بنيامين نتنياهو، وهو بالتالي يريد أن يستغل موقعه كوزير للحرب لإبراز نفسه أمام الرأي العام الإسرائيلي كقائد سياسي وأمني حازم من خلال إصدار التعليمات بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية التي تثير الانتباه.
وهو بالتالي لا يألو جهدًا من أجل تخريب جهود التهدئة. وعلى الرغم من أنه يرأس الحزب الذي يصف نفسه بأنه يمثل "معسكر السلام" في حكومة أولمرت، إلا أنه لا يفوت فرصة ليؤكد أنه لم يعد يؤمن بالمساعي السلمية.
فباراك كان يدرك أن تنفيذ عملية الاغتيال ستدفع حركة "الجهاد الإسلامي" على الردّ بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الواقعة في محيط القطاع، وذلك حتى يوفر الذرائع لشنّ حملة واسعة على غزة. وعلى الرغم مما قيل عن تحول في موقف الإدارة الأمريكية من العلاقة مع حركة حماس ومطالبتها مصر بالتوسط بين الحركة وإسرائيل حول اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الموقف الأمريكي لا يزال غامضًا.
لكن من الواضح أن واشنطن ستتدخل بجدية لتهدئة الأوضاع في المنطقة فقط في حال قرّر الرئيس بوش مهاجمة إيران في الشهور الثلاثة الأخيرة من حكمه، حيث إن الإدارة الأمريكية ستكون عندها معنيةً بتهدئة مؤقتة بهدف تحسين قدرة واشنطن على تنفيذ مخططاتها.
على الصعيد الفلسطيني، فرغم المرارة التي عاشها الفلسطينيون في أعقاب مجزرة بيت لحم، إلا أنه مع ذلك يمكن الإشارة إلى نتيجة إيجابية واضحة، تتمثل في تعاظم الدعوات في الشارع الفلسطيني لحل الصراع الداخلي، على اعتبار أن إسرائيل هي أكبر مستفيد منه، لا سيما في أوساط جمهور حركة "فتح". عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين شاركوا في جنازة محمد شحادة ورفاقه دعوا الرئيس محمود عباس إلى وقف التفاوض مع إسرائيل والعودة للحوار مع حركة حماس. "الجناح العسكري لحركة "فتح" المعروف بـ" كتائب الأقصى" دعا أبو مازن إلى الشروع في حوار مع حركة وإقالة رئيس وزرائه سلام فياض.
معالم السخط أصبحت واضحة المعالم من السياسة التي يتبعها أبو مازن الذي يتباهى قادته الأمنيون أنهم يتعاونون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تعقب المقاومين واعتقالهم وتعذيبهم في السجون. هامش المناورة بات يتقلص أمام عباس، دون أن يكون قادرًا على اتخاذ موقف يناسب الموقع الذي يشغله.
فعملية بيت لحم أظهرت أبو مازن وأجهزته الأمنية في نظر الفلسطينيين كما لو كان "أنطوان لحد" جديد. فإن كان كل المتحدثين باسم أبو مازن يؤكدون أن تصفية القيادات في بيت لحم قد أضعفت أبو مازن جماهيريًا، فلماذا لا يعلن على الأقل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف المفاوضات، سيما في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أن المفاوضات لن تشكل عائقًا أمام مواصلة الاستيطان في القدس وفي الضفة الغربية.
للأسف الشديد، إن قدرة أبو مازن على الدفاع عن مواقفه من القضايا الوطنية المختلفة أصبحت محدودة، لا سيما بعدما تبيَّن تورط أولاده في قضايا فساد، وكشف التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن أن أبو مازن تدخل لدى أولمرت لمساعدة نجليه في مشاريعهما الاقتصادية. إ
لى جانب الفضيحة المدوية التي تورط فيها رئيس المجلس التشريعي السابق روحي فتوح، أحد أقرب المقربين من أبو مازن عندما تمّ ضبطه من قِبل الإسرائيليين وهو يقوم بتهريب الهواتف النقالة من الأردن. كل هذه القرائن تؤكد أن الحديث في النهاية يدور عن مصالح اقتصادية شخصية يتم الدفاع عنها بمنطق سياسي أصبح مهزوزًا جدًا وغير محتمل.
لذا عندما جاءت مجزرة بيت لحم في ظل الكشف عن قضايا الفساد، فقد أحدثت انقلابًا في توجهات الرأي العام الفلسطيني من حكومتي رام الله بقيادة فياض وحكومة غزة بقيادة هنية. فأغلبية الفلسطينيين باتوا يعتبرون أن حكومة هنية هي الحكومة الشرعية.
أن الاستنتاج الذي يتوجب على أبو مازن أن يصل إليه هو التخلي عن مواقفه السابقة واسطوانته المشروخة من المقاومة ووسائلها.
وأن كان فرص ذلك ضئيلة جدًا، فإننا كفلسطينيين لازلنا نأمل أن يتغلب الوازع الوطني في وجدان أبو مازن على الاعتبارات الأخرى، ويتحرك لعودة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني، بدلاً من أن يجد نفسه فجأة في المكان الذي لا يسر زعيم أن يجد نفسه فيه.
تعليق