بسم الله الرحمن الرحيم
اختراق ..
يقولون : المخابرات الصهيونية تعرف كل شيء ..!
يقولون أيضاً : أن باستطاعتهم معرفة ما يدور في خلف الكواليس المظلمة والأبواب الموصدة ! .
ويقولون : رجل المخابرات خارق للعادة بسبب التدريبات التي يتلقاها قبل انتسابه للجهاز ..
كذلك يقولون : أن أجهزة التجسس التي تمتلكها المخابرات الصهيونية متقدمة تكنولوجياً بشكل لا يتصوره الخيال أو يتوقعه العقل ..!
هكذا يقولون ..! وبين ما قيل وقد يُقال ، هناك أمور أخرى يكثر فيها القول عن إمكانيات جمع المعلومات وطرق الاختراق وأساليب الإسقاط ..
هذا الكلام أو ما يشبهه باستطاعة أي سجين سابق أو أي شخص حصل على دورة أمنية أن يكتب حوله عشرات الصفحات التي ستتحدث عن تكنولوجيا التجسس والعصافير وأساليب الإسقاط .. ثم يُنهي الكاتب محاضرته الأمنية بكيفية التخلص من مراقبة العملاء وطرق كشف العصافير في السجون بالإضافة لمواجهة عمليات الإسقاط والتصدي للمحققين أثناء انتزاع الاعتراف و .. و .. إلخ ..
حسناً .. طالما أن هذا معروف للجميع .. لماذا يحدث الاختراق ؟!
الجواب باختصار شديد : أن ثمة روتين مكرر وقديم بخصوص الوعي الأمني وما يقال في الجلسات الأمنية .. أضف إلى ذلك الفرق الشاسع بين النظرية والتطبيق ..! أما الأخطر من هذا كله ، فهي بعض العيوب التي يتم غض الطرف عنها ، فينفذ من خلالها العدو وليحقق بعدها الاختراق المنشود !!..
من آخر عبارة أبدأ الكلام ..
بالمناسبة .. كلمة اختراق تعني أن العدو قد حقق اختراق في فصيل ما ..
ليس شرطا أن يكون هذا الاختراق بشكل مباشر .. هناك طرق غير مباشرة أحياناً تكون مفيدة أكثر من الاختراق المباشر .. بمعنى أن العدو قد يستفيد من اختراق شخص مهم في فصيل ما دون أن يدري هذا الشخص ، أكثر من استفادته منه عبر إسقاطه وتعاونه المباشر معه !! ..
احفظوا هذه القاعدة جيداً ولا أظنكم سمعتم بها من قبل !..
المقاوم المكشوف عمله لأهله ، يعتبر مناضل مخترق بشكل غير مباشر
لماذا ؟ ..
أي مقاوم لا يستطيع أن يُخفي عن أهله أنه منتسب لفصيل معين .. هذا صحيح ..
لكن باستطاعته إخفاء ما يقوم به من عمل داخل هذا الفصيل أو الدور الذي يقوم به .. أما إن لم يستطع ، فهو يتطوع دون أن يدري ليكون أداة اختراق لأجهزة أمن العدو ..
من المؤكد أن العملاء لا يستطيعون مراقبة كل المنتمين للفصائل المقاومة .. ولكنهم يستطيعون التركيز على المقاوم النشط دون غيره .. ومعرفة المقاوم النشط تأتي من خلال ما يسربه عن نفسه من معلومات لأقرب الناس إليه ..!!
لنفرض أن المقاوم (س) أخبر شخصاً من أهله أو المقربين منه ، أن عمله في المقاومة كذا وكذا ..!
في هذه الحالة انتقلت المعلومة للحلقة الضيقة حول هذا المقاوم وهي الأهل .. لكنه وفي الوقت نفسه ينقلها لحلقة أخرى بعيدة تماماً عنه دون أن يدري .. فالأخت مثلاً تثق في صديقتها الحبيبة أو زوجها الغالي .. والزوج يثق في أخيه تماماً .. وأخو الزوج يثق في صديقه ثقة مطلقة .. وصديق أخو الزوج يثق في أصدقائه .. والأصدقاء لهم أصدقاء وأقارب .. وكل هؤلاء قد يكون بينهم عميل راصد .. والعميل الراصد ينقل لضابط المخابرات ما عرفه عن (س) رغم أنه يسمع باسمه لأول مرة .. وضابط المخابرات يعيد المعلومة للعميل القريب من منطقة (س) .. ثم يقوم هذا العميل برفع تقرير للضابط مرة أخرى عما جمعه من معلومات من خلال متابعته لـ (س) .. ثم يقرر الضابط بعدها حسب ما وصله من معلومات ، هل يبادر بتصفية (س) ؟ .. أم يستخدمه كطرف خيط لجمع معلومات أكثر أهمية ؟! ..
سنفرض أنه اختار الخيار الثاني .. هذا يعني أن كل اتصالات (س) مراقبة لأنهم عرفوا رقم جواله .. ليس الاتصال اللاسلكي وحسب .. بل الاتصال على الأرض أيضاً ، وباستطاعتكم تخيل هذا المشهد الذي يحدث دوماً في غرفة ضابط المخابرات وهو جالس أمام شاشة كومبيوتر تنقل له تحركات (س) ببث حي ومباشر عبر طائرة الاستطلاع التي لا تغادر السماء أبداً ..
تابعوا معي ..
(س) تلقى مكالمة على جهازه ( المراقب ) من شخص حدثه بكلمات مقتضبة مشفرة فُهم منها أنه تم تحديد موعدا للقاء .. ضابط المخابرات يرفع طائرة الاستطلاع من خلال تحكمه بها إلى المدى الذي يمكنه من إخفاء صوتها .. ثم يسلط كاميرا الطائرة نحو منزل (س) بشكل مستمر حتى إذا ما خرج من منزله تابعته الطائرة أينما ذهب ..
(س) خرج من منزله .. سلم على بعض الجيران .. استقل سيارة أجرة أوصلته للشارع كذا .. ترجل من السيارة وسار قليلا على قدميه ثم طرق باب أحد المنازل .. فتح له الباب شاب التُقطت له صورة واضحة على الفور.. مكث في المنزل بعض الوقت ثم خرج منه وودعه نفس الشاب والتقطت أيضاً صورة مرة أخرى وكل الصور تُلتقط بواسطة الطائرة .. سار (س) في الشارع مرة أخرى ويبدو أنه غريب عن المنطقة لأنه لم يعترض طريقه صديق أو أحد المعارف ليسلم عليه كما تجري العادة (كل الملاحظات تؤخذ في الحسبان ويتم تحليلها) .. ثم عاد (س) إلى منزله مرة أخرى ..
تعالوا لنرى ما هي المعلومات التي حصل عليها ضابط المخابرات من خلال مراقبة هذه الرحلة ..
قبل كل شيء يضع الصورة التي تم التقاطها للشخص الذي قابله (س) في جهاز الكومبيوتر ليبحث عن صاحبها من خلال برنامج يعتمد في بحثه على بصمة الأذن أو قرنية العين في صور كل الفلسطينيين الذين حصلوا على بطاقة هوية .. سنفرض أنه لم يعثر على الصورة .. سنفرض أن هذا البرنامج غير موجود من أصله أو ضربه فيروس .. في هذه الحالة سيعطي الصورة وعنوان المنزل لأحد العملاء القريبين من المنطقة ليزوده بالمعلومات اللازمة .. بناء على هذه المعلومات يتم التعامل مع صاحب الصورة الذي التقى بـ (س) .. فإما يكون مطارداً ومتخفي في منزل غير منزله .. وإما يكون قيادي لم يكن معروفا من قبل أن له صلة بالعمل العسكري .. وإما يكون إنساناً عاديا لا علاقة له بشيء ويكون الأمر كله مجرد اشتباه .. المهم أن هذا سيثبت بعد تكثيف المراقبة على اتصالاته وتحركاته وما يتم جمعه من معلومات عنه ..!
نعود إلى (س) .. من خلال مراقبة مكثفة تبين أنه نفذ عملية إطلاق صواريخ ، وتم رصد المكان الذي حصل منه على هذه الصواريخ ، وتم التعرف أيضاً على الذين نقلوا الصواريخ ومن أي المخابئ بالضبط ، وجاري متابعة المخبأ ومراقبته لمعرفة أين تُصنع هذه الصواريخ تحديدا ..!
لم يعد لـ(س) فائدة الآن لأنه قاد لمن هو أهم منه وأولى بالمراقبة .. لهذا ستتم تصفيته ولضابط المخابرات تحديد آلية التصفية إما أن يصفيه هو وحده أو مع بعض زملائه .. وهل سيتم استخدام طائرة الأباتشي في التصفية أم بطائرة الاستطلاع بدون طيار المعروفة بالزنانة ! .. وهل سيكون صاروخا يعتمد في الإصابة على الاستشعار الحراري الصادر من محرك سيارة ، أو صاروخا أخر يعتمد في إصابة هدفه على موجة إرسال الهاتف النقال .. كل هذا سيحدد من خلال تصرف (س) والذي أصبح معروفا جيدا بسبب متابعة تصرفاته وسلوكه طوال فترة مراقبته ..
للحديث بقية
وللجميع تحية
تعليق