إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رفض الشريعة خروج من الملة (عن كتاب عبدالله عزام)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رفض الشريعة خروج من الملة (عن كتاب عبدالله عزام)

    رفض الشريعة خروج من الملة

    عن كتاب (العقيدة وأثرها في بناء الجيل)
    للشهيد د.عبد الله عزام رحمه الله
    اختصره: زهير بن حسن حميدات

    {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
    بينت آنفا خطورة قضية التحاكم في حياة البشرية، وتنسمنا بعض النفحات من الشذى الطيب ونحن نتفيا ظلال هذه الآية، وبينت قول ابن حزم بأن هذه الآية على عمومها، وبأنها نص لا يحتمل تأويلا ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلا، ولا جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه الإيمان.
    ...إنه ليس لأحد مع الله ورسوله قول، وكل كتب الأصول تفتتح أولى صفحاتها بإجماع الأصوليين والأئمة القائل: (أجمع المسلمون على أن الله هو الحاكم وحده)، وهذا الذي صرح به القرآن بأكثر من آية قطعية الدلالة، {إن الحكم إلا لله} فقد وردت هذه الآية بهذا اللفظ الذي يحصر ويقصر الحكم بيد الواحد القهار مرتين في سورة يوسف.
    ويقول الشافعي: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس).
    ولقد عاش ابن كثير أول محنة لمحاولة تنحية كتاب الله عن توجيه الأمة المسلمة لاستبداله بقانون جنكيز خان الذي أسماه؛ الياس أو الياسق -أي السياسات الملكية- فأطلق كلمته صريحة مدوية قائلا: (فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا، وقدمها عليه؟! لا شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين).
    وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم كيف كانت عبادة اليهود والنصارى للأحبار والرهبان، فقد دخل عدي عليه صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية؛ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} (التوبة: 31).
    فقال: يا رسول الله، ما عبدوهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم)).
    وعلى هذا فالتحاكم إلى كلام البشر عن رضى وطواعية هو خلع لربقة الإسلام من الأعناق، فكل من رضي بترك كلام الله وبتحكيم كلام غيره، أو تقديم كلام أي بشر على القرآن والسنة فلا حظ له في دين الإسلام، وهذا هو الكفر بعينه لا غبش فيه ولا لبس ولا خفاء.
    فالله هو الحاكم، كتابه هو المهيمن، والناس ليس لهم أية وظيفة مع القرآن والسنة سوى التطبيق والتنفيذ، {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}. فالله هو الحاكم بكتابه في اختلافات الناس كما جاء في تفسير الجلالين، وأن سبب نزول الآية يؤيد ما نراه من أن من لم يحكم بدين الله أو لم يتحاكم إلى شريعة الله فليس مؤمنا، ومن لم يرض بحكم الله ورسوله فليس بمسلم وإن كان يقيم الشعائر التعبدية.
    يروي البخاري بإسناده عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك))، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثم قال: ((اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك))، واستدعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
    قال الزبير: (فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك)، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
    وإذا كان الرجل من الأنصار فهو يقيم الشعائر ولو ظاهرا، ومع ذلك فالآية نفت عنه الإيمان.

    وفيما يلي نورد أقوال بعض المفسرين حول هذه القاعدة العظيمة -التحاكم إلى الله ورسوله-

    قال القاضي: (يجب أن يكون التحاكم إلى الطاغوت كالكفر، وعدم الرضا بحكم محمد صلى الله عليه وسلم كفر، ويدل عليه من وجوه:
    الأول: أنه تعالى قال: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله.
    الثاني: قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
    الثالث: قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة، وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام، سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد، وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم).
    وقال القاسمي: (وقال بعض المفسرين: في هذه الآية وجوب الرضا بقضاء الله سبحانه والرضا بما شرعه، وتدل على أنه لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الإسلام).
    قال الحاكم: (وتدل على أنه من لم يرض بحكمه كفر، وما ورد من فعل عمر وقتله المنافق يدل على أن دمه هدر)، لا قصاص فيه ولا دية.
    وها هنا فرع، وهو أن يقال: إذا تحاكم رجلان في أمر، فرضي أحدهما بحكم المسلمين وأبى الثاني وطلب المحاكمة إلى حاكم الملاحدة فإنه يكفر، لأن في ذلك رضا بشعار الكفرة.
    وعلى هذا فكل من رضي بالقوانين الأرضية وبالشرائع القانونية التي شرعوها بغير إذن من الله، بل هي مصادمة للنصوص القرآنية والنبوية، أقول: كل من رضي بها أو تحاكم إليها غير مكروه، أو تدخل في تقنينها أو إقرارها أو تنفيذها راضيا فهو ممن ينسحب عليهم حكم الآية، ويخرج بهذا العمل من دائرة الإيمان، سيما وأن البخاري يروي أنها نزلت في رجل من الأنصار، وهو قطعا يقيم الشعائر ويعلن إسلامه، ومع ذلك فقد كان القسم رهيبا وجازما في أن هذا الذي لا يتحاكم إلى شرع الله ورسوله ليس مؤمنا.
    ويقول سيد قطب عند هذه الآية: (وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم، إذ يقسم الله سبحانه بذاته العلية أنه لا يؤمن مؤمن حتى يُحكِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره كله، ثم يمضي راضيا حكمه مسلما بقضائه، ليس في صدره حرج منه، ولا في نفسه تلجلج في قبوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
    ومرة أخرى تجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام، يقرره الله سبحانه وتعالى بنفسه ويقسم عليه بذاته، فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام، ولا تأويل لمؤول، اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام، وهي أن هذا القول مرهون بزمان، وموقوف على طائفة من الناس، وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا، ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا، فهذه حقيقة كلية من حقائق الإسلام، جاءت في صورة قسم مؤكد، مطلقة من كل قيد، وليس هناك مجال للوهم أو الإيهام بأن تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيم شخصه، إنما هو تحكيم شريعته ومنهجه، وإلا لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مكان بعد وفاته، وذلك قول أشد المرتدين ارتدادا على عهد أبي بكر رضي الله عنه، وهو الذي قاتلهم عليه قتال المرتدين، بل قاتلهم على ما دونه بكثير، وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله في حكم الزكاة، وعدم قبول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بعد الوفاة.
    وإذا كان يكفي لإثبات (الإسلام) أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله، فإنه لا يكفي في (الإيمان) هذا ما لم يصحبه الرضا النفسي والقبول القلبي وإسلام القلب والجنان في اطمئنان.
    هذا هو الإسلام.. وهذا هو الإيمان.. فلتنظر نفس أين هي من الإسلام وأين هي من الإيمان.. قبل ادعاء الإسلام وادعاء الإيمان).
    وبعد أن نقلنا الكثير من آراء المفسرين حول هذه الآية التي يكمن في طاعتها الحل الوحيد لمشاكل البشرية، لا يبقى بعدها قول لقائل أن هذا عموم قد يدخله التخصيص، فالتخصيص الذي يمكن أن يدعيه المدعون لا بد له من دليل يسنده حتى يستطيع إخراج الآية من ظاهرها، وهو العموم إلى الخصوص، إذ أن تأويل الظاهر لا بد له من دليل أقوى من قوة الظاهر.. وأما القياس فلا يستطيع إخراج هذه الآية عن عمومها.. ولقد سبق ونقلنا قول الرازي: (ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق). ويقول الفخر كذلك: (..قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط، أولها: حتى يحكموك فيما شجر بينهم).
    وحسبنا أننا وقفنا بجانب ظاهر الآية ومع عمومها القوي الذي لا يقوى القياس على تخصيصه، ويدعمنا في كل هذا سبب نزول الآية وسياقها بين الآيات التي حشدت لتركيز مفهوم الحاكمية، وكذلك أقوال المفسرين.

    والآن لنلتفت حولنا لنرى العجب العجاب في هذه الأرض التي كانت تحكم بالإسلام، ولنرى أبناءها في غالبيتهم العظمى بين اثنين:

    أحدهما: رجل يتحاكم إلى الطاغوت وقد ترك التحاكم إلى الشرع الرباني، وهو لا يعي حقيقة هذه المصيبة الطامة التي يخرج بها المرء من دين الله، والثاني: إنسان يتحاكم إلى الطاغوت، ولكنه أعلن عداءه لهذا الدين، وإن كانت تشهد له شهادة الولادة والأرض أنه من المسلمين.
    وهذا الأمر قد تسلل إلى المسلمين في غفلة منهم، وفي غيبة الحكم الإسلامي والإمام المسلم، بعد أن فعل يهود الدونمة في سلانيك فعلتهم في إسقاط الخليفة -السلطان عبد الحميد- وتم هذا بتنظيم رهيب اشتركت فيه الجمعيات السرية اليهودية، وقد رفعت رايات وشارات وعناوين مختلفة، ماسونية، وجمعية تركيا الفتاة، وجمعية الإتحاد والترقي، وقد أوقعت في شباكها كثيرا ممن ينتمون إلى هذا الدين، حتى وقع في حبائلها رجال ممن تقلدوا إمامة الأمة الروحية، وزعامتها الدينية، حتى نال أحد كبار العلماء من الأزهر في تلك الفترة وسام الصدف والبلح من المحفل الماسوني اللبناني، بل أغرب من ذلك لقد أنشئ المحفل الماسوني الأول في مصر على يد رجل يظن بأنه داعية إسلامي عظيم، وكان إنشاء المحفل الماسوني الثاني على يد تلميذه.
    ولقد أصبح الآن واضحا وضوحا لا جدال فيه أن الماسونية والصهيونية صنوان، بل توأمان لأم واحدة، وهي اليهودية التي تمسك بيدها خيوط المخطط الذي تريد به إفساد البشرية وهدم الأديان في الأرض، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلقد جازت الحيلة على المسلمين البسطاء، وأصبح الدين الجديد -القانون الوضعي- الذي حل محل دين الله في الأرض قانونا يدرسه أبناؤنا، وأقيمت الجامعات والمعاهد، وتتصدر هذه الجامعات الكلية التي تدرس (الدين الجديد) وهى كلية الحقوق، ودخلها الآلاف المؤلفة من أبناء المسلمين يدرسون هذا الدين، ويتخصصون فيه، ويصبحون هم بالتالي سدنته وكهنته وحماته، وبتخطيط عجيب يتسلم هؤلاء إدارة المحاكم وزمام الدولة وقيادة الأمة والمؤسسات الحيوية في كل بلد كان في يوم ما دارا للإسلام!!
    وأصبح هؤلاء هم القضاة والحكام في أحوال الناس ودمائهم وأعراضهم.. وضاع دين الله في الأرض إلا من شعائر يؤديها بعض الباقين على الولاء العاطفي الغامض لهذا الدين.
    وبإمكاننا أن نقول: كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله، أو فضل أي تشريع على تشريع الله، أو أشرك مع شرع الله شرائع أخرى من وضع البشر وأهوائهم، وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانونا آخر فقد خرج من حوزة هذا الدين، وألقى ربقة الإسلام من عنقه، ورضي لنفسه أن يخرج من هذه الملة كافرا.
    يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: (إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك.. إن هؤلاء لا يقرأون القرآن.. ولا يعرفون طبيعة هذا الدين.. فليقرأوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قول الله بجد: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.
    وأجمل ما ننهي به هذا الفصل بكلمة للأستاذ أحمد شاكر إذ يقول عند آية {أفحكم الجاهلية يبغون} ما يلي: (أفيجوز لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد -أعني التشريع الجديد-؟ أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا الدين واعتقاده والعمل به عالما أو جاهلا؟ أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق العصري؟ إن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلانا أصليا لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة.
    إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب إلى الإسلام -كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه).
    ************************************
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا الدين لا يُنسخ أبدا، لكن يكون فيه من يُدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل، ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة، خلفا عن الرسل، فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فيحق الله الحق ويبطل الباطل، ولو كره المشركون) [مجموع الفتاوى].

    باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا...

    عن كتاب (التوحيد) للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
    شرح: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
    اختصره: زهير بن حسن حميدات

    باب قول الله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} وقوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.
    وقوله {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. وقوله {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
    وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)) قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود؛ لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا على أن يأتي كاهنا في جهينة، فيتحاكما إليه، فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية.
    وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف، فقتله.
    هذا الباب من الأبواب العظيمة المهمة في هذا الكتاب؛ وذلك لأن إفراد الله -جل وعلا- بالوحدانية في ربوبيته وفي ألوهيته يتضمن، ويقتضي، ويستلزم أن يفرد في الحكم، فكما أنه -جل وعلا- لا حكم إلا حكمه في ملكوته، فكذلك يجب أن يكون لا حكم إلا حكمه، فيما يتخاصم فيه الناس، وفي الفصل بين الناس، فالله -جل وعلا- هو الحكم، وإليه الحكم -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا- {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} وقال -جل وعلا- {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ} فتوحيد الله -جل وعلا- في الطاعة، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله لا يكون إلا بأن يكون العباد محكمين لما أنزل الله على رسوله.
    وترك تحكيم ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالحكم، بحكم الجاهلية، بحكم القوانين، أو بحكم سواليف البادية، أو بكل حكم مخالف لحكم الله -جل وعلا- هذا من الكفر الأكبر بالله -جل جلاله- ومما يناقض كلمة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
    لهذا عقد الشيخ -رحمه الله- هذا الباب؛ ليبين أن الحكم بما أنزل الله فرض، وأن ترك الحكم بما أنزل الله وتحكيم غير ما أنزل الله في شئون المتخاصمين، وتنزيل ذلك منزلة القرآن أن ذلك شرك أكبر بالله -جل وعلا- وكفر مخرج من ملة الإسلام.
    قال الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- في أول رسالته تحكيم القوانين:
    إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، ليكون حكما بين العالمين مناقضة، ومحادة لما نزل من رب العالمين.
    أو نحو ما قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فلا شك أن إفراد الله بالطاعة، وإفراد الله بالحكم، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، يقتضي ألا يحكم إلا بشرعه؛ ولهذا الحكم بالقوانين الوضعية، أو الحكم بسواليف البادية، هذا كله من الكفر الأكبر بالله -جل وعلا- وتحكيم القوانين كفر بالله -جل وعلا- لقوله -تعالى هنا في هذه الآية-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}.
    فإذا مناسبة هذه الباب لكتاب التوحيد ظاهرة، وهي أن التحاكم إلى غير شرع الله، هذا قدح في أصل التوحيد، وأن الحكم بشرع الله واجب، وأن تحكيم القوانين، أو سواليف البادية، أو أمور الجاهلية هذا مناف لشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله، أن يطاع فيما أمر، وأن يصدق فيما أخبر، وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فالحكم بين المتخاصمين هذا لا بد أن يرجع فيه إلى حكم من خلق المتخاصمين، ومن خلق الأرض والسماوات.
    فالحكم الكوني القدري لله -جل وعلا- كذلك الحكم الشرعي لله -جل وعلا- فيجب أن يكون العباد ليس بينهم إلا تحكيم أمر الله -جل وعلا- ذلك هو حقيقة التوحيد في طاعة الله -جل وعلا- في مسائل التخاصم بين الخلق.
    قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} قوله: "يزعمون" يدل على أنهم كذبة، فلا يجتمع الإيمان مع إرادة الحكم والتحاكم إلى الطاغوت، قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} وقوله: "يريدون" هذا ضابط مهم، وشرط في نفي أصل الإيمان عمن تحاكم إلى الطاغوت، فإن من تحاكم إلى الطاغوت قد يكون بإرادته، وهي الطواعية والاختيار والرغبة في ذلك وعدم الكراهة، وقد يكون بغير إرادته، بأن يكون مجبرا على ذلك، وليس له في ذلك اختيار، وهو كاره لذلك.
    فالأول هو الذي ينتفي عنه الإيمان، لا يجتمع الإيمان بالله، وبما أنزل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أنزل من قبله مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت، فالإرادة شرط لأن الله -جل وعلا - جعلها في ذلك مساق الشرط، فقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} "وأن يتحاكموا" هذا مصدر يعني: يريدون التحاكم إلى الطاغوت، والطاغوت اسم لكل ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع قال -جل وعلا -: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} يعني: أن يكفروا بالطاغوت، أن يكفروا بكل تحاكم إلى غير شرع الله -جل وعلا -، فالأمر بالكفر بالتحاكم إلى الطاغوت هذا أمر واجب، ومن أفراد التوحيد، ومن أفراد تعظيم الله -جل وعلا - في ربوبيته، فمن تحاكم إلى الطاغوت بإرادته، فهذا انتفى عنه الإيمان أصلا، كما دلت عليه الآية، قال: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، دل ذلك على أن هذا من وحي الشيطان، ومن تسويله.
    قال: وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} الإفساد في الأرض بتحكيم غير شرع الله، وبالإشراك بالله، فالأرض إصلاحها بالشريعة وبالتوحيد، وإفسادها بالشرك بأنواعه الذي منه الشرك في الطاعة.
    ولهذا ساق الشيخ هذه الآية، تحت هذا الباب لأجل أن يبين لك أن صلاح الأرض بالتوحيد، الذي منه إفراد الله -جل وعلا - بالطاعة، وألا يحاكم إلا إلى شرعه، وأن إفساد الأرض بالشرك الذي منه أن يجعل حكم غير الله -جل وعلا- جائزا في التحاكم إليه، قال: وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} والآية التي قبلها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأََرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ظاهرة في أن من خصال المنافقين، أنهم يسعون في الشرك وفي وسائله، وأفراده، ويقولون: إنما نحن مصلحون، وفي الحقيقة إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، لأنهم إذا أرادوا الشرك، ورغبوا فيه وحاكموا، وتحاكموا إلى غير شرع الله، فإن ذلك هو الفساد، والسعي فيه سعي في الإفساد.
    قال: وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} "الجاهلية": قوم يحكم بعضهم على بعض، يعني: البشر يسن شريعة، فيجعلها حاكمة، والله -جل وعلا- هو الذي خلق العباد، وهو أعلم بما يصلحهم، وما فيه العدل في الفصل بين تخاصماتهم، والفصل في أقضيتهم وخصوماتهم، فمن حاكم إلى شرائع الجاهلية، فقد حكم البشر، ومعنى ذلك أنه اتخذه مطاعا من دون الله، أو جعله شريكا لله -جل وعلا- في عبادة الطاعة، والواجب أن العبد يجعل حكمه، وتحاكمه إلى الله -جل وعلا- دون ما سواه، والله -جل وعلا- حكمه هو أحسن الأحكام {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} وقال هنا: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
    فدل على حكم غيره إنما هو كما قالت طائفة: زبالة أذهان، ونحاسة أفكار، لا تساوي شيئا عند من عقل تصرف الله -جل وعلا- في ملكه، وملكوته، وأن ليس ثَمّ حكم إلا حكم الرب -جل وعلا-.
    هذه المسألة، وهي مسألة التحاكم إلى غير شرع الله من المسائل التي يقع فيها خلق كثير، خاصة عند الشباب، وذلك في هذه البلاد وفي غيرها، وهي من أسباب تفرق المسلمين؛ لأن نظر الناس فيها لم يكن واحدا.
    والواجب أن يتحرى طالب العلم ما دلت عليه الأدلة، وما بين العلماء من معاني تلك الأدلة، وما فقهوه من أصول الشرع والتوحيد، وما بينوه في تلك المسائل، ومن أوجه الخلق في ذلك أنهم جعلوا المسألة في مسألة الحكم والتحاكم واحدة، يعني: جعلوها صورة واحدة، وهي متعددة الصور، فمن صورها أن يكون هناك تشريع لتقنين مستقل يضاهى به حكم الله -جل وعلا- يعني: قانون مستقل يشرع، هذا التقنين من حيث وضعه كفر، والواضع له يعني: المشرع والسّان لذلك، وجاعل هذا التشريع منسوبا إليه، وهو الذي حكم بهذه الأحكام هذا المشرع كافر، وكفره ظاهر؛ لأنه جعل نفسه طاغوتا، فدعا الناس إلى عبادته، وهو راض، عبادة الطاعة.
    وهناك من يحكم بهذا التقنيين، هذه الحالة الثانية، فالمشرع حالة، ومن يحكم بذلك التشريع حالة، ومن يتحاكم إليه حالة، ومن يجعله في بلده من جهة الدول هذه حالة رابعة.
    فصارت عندنا الأحوال أربعة: المشرع، ومن أطاعه في جعل الحلال حراما، والحرام حلالا، ومناقضة شرع الله، هذا كافر، ومن أطاعه في ذلك، فقد اتخذه ربا من دون الله، والحاكم بذلك التشريع فيه تفصيل، فإن حكم مرة، أو مرتين، أو أكثر من ذلك، ولم يكن ذلك ديدنا له، ولم يعلم أنه عاص، يعني: من جهة القاضي الذي حكم، يعلم أنه عاص، وحكم بغير شرع الله، فهذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب، ولا يكفر حتى يستحل؛... والقول من أن الذي يحكم دائما بغير شرع الله، ويلزم الناس بغير شرع الله، أنه كافر هو الصحيح عندي، وهو قول الجد الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- في رسالة تحكيم القوانين، لأنه لا يصدر في الواقع من قلب قد كفر بالطاغوت، بل لا يصدر إلا ممن عظم القانون وعظم الحكم بالقانون...
    الحال الرابعة: حال الدولة التي تحكم بغير الشرع، تحكم بالقانون، الدول التي تحكم بالقانون -أيضا- بحسب كلام الشيخ محمد بن إبراهيم، وتفصيل الكلام في هذه المسألة في فتاويه قال.. أو مقتضى كلامه وحاصله: أن الكفر بالقانون فرض، وأن تحكيم القانون في الدول، إن كان خفيًّا نادرا، فالأرض أرض إسلام، يعني: الدولة دولة إسلام، فيكون له حكم أمثاله من الشركيات، التي تكون في الأرض، قال: وإن كان ظاهرا فاشيا، فالدار دار كفر. فيصبح الحكم على الدولة راجع إلى هذا التفصيل.
    ************************************************** ********
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما يراه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية -وكانوا الأمراء المطاعين- ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر.
    فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون.
    فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار).
    - والحمد لله رب العالمين –

    *مدونة الشيخ زهير بن حسن حميدات
    http://zuheer17.maktoobblog.com/

  • #2
    بارك الله فيك أخى أبو ايوب الكل يعرف هذا الكلام
    ولكن الذي أصبح يجمعهم الايام هذة هو حكم الاهواء
    والمزاجات والمصالح الحزبيه والسياسيه
    وتحججوا بأنه لم يحن الوقت لتحكيم الشرع حتى يمكنوا في الأرض

    ربنا يهدى الجميع ان شاء الله
    اشتاقت الأرض لضم الأجساد ، وزادت غربة المؤمنين في البلاد ، وظهر الفساد وكأن مسيلمة وعهد الردة قد عاد

    ولكن يبقى للحق صولة والباطل سيباد ، لا كما نريد ولكن كما الله عز وجل أراد.

    تعليق


    • #3
      رحم الله الشيخ الجليل العالم الشهيد /د.عبد الله عزام

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك أخى أبو ايوب

        [fot1]
        سرايا القدس امتداد لسرايا الرسول صلى الله عليه وسلم[/fot1]

        تعليق


        • #5
          ربنا يهدى الجميع ان شاء الله

          تعليق

          يعمل...
          X