ثلاث ازمات في المنطقة العربية وتشرذم عربي
د. مضاوي الرشيد
03/03/2008
يقف المواطن العربي مشاهدا ومتفرجا علي عصر الشرذمة العربي. خلال العقدين الماضيين دخلت المنطقة ازمة اجتماعية وسياسية وفكرية لن تخرج منها بسهولة وستطال تداعياتها الجميع علي المستوي الحكومي والشعبي. اجتماعيا تبدو المنطقة منهكة علي الصعيد المعاشي وتدبير الحياة اليومية رغم سيولة نقدية لم تعرفها في السابق. ترافقت هذه السيولة مع اتساع بؤر العوز والفقر حتي في اكثر الدول ثراء وتزايدت معدلات البطالة وتفشت في معظم الدول حتي اصبح مشهد المتسكعين في شوارع المدن العربية وعلي ارصفتها ومقاهيها منظرا مألوفا لا تحجبه اعلانات التوظيف وفرص الاستثمار المروج لها اعلاميا وسياسيا. تخلفت المنطقة عن بقية مناطق العالم في سعيها خلف الاصلاح السياسي ورغم كثرة الشعارات والمبادرات الا ان انظمة الحكم ما تزال مغلقة غير قادرة علي الانفتاح والتعاطي مع نداءات المشاركة الشعبية والحد من الحكم التسلطي واحترام الحريات الفردية والعامة وحقوق الانسان. اما فكريا فهنا ايضا شرذمة واضحة وانهيار تام للافكار والايديولوجيات السابقة من يسارية ثورية الي قومية تحررية مرورا بالحركات الاسلامية التي ظهرت علي الساحة كبديل للافكار السابقة المنقرضة. دخلت هذه الروافد الفكرية مرحلة صراع مريرة بعضها مع بعض حتي اصابها التشتت والضياع والتشرذم.
مع هذه الازمات الثلاث لم يستطع العرب التعاطي مع الاحتلال القديم المتمثل علي الساحة الفلسطينية او الاحتلال الجديد في العراق.
اكثر من اي وقت مضي تبدو الصورة سوداوية وقاتمة علي الساحة العربية المشلولة والمنهكة رسميا والمتأججة والغاضبة شعبيا. نجح النظام العربي الرسمي ان يضمن بقاءه واستمراريته بدعم خارجي ارتبط منذ احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بالحرب علي الارهاب، حيث اصبحت بعض الانظمة الهامشية قوة جديدة تدعمها اليد الخارجية في حرب وهمية اجلت المواجهة بين الانظمة وشعوبها. وفي نفس الوقت استطاعت هذه الانظمة ان تشل مجتمعاتها الغارقة اما بالاستهلاك والثراء السريع او بالبحث عن لقمة العيش او مقعد دراسة او وظيفة مستقبلية. وبقيت الانظمة معتمدة علي اقناع الخارج انها الحصن المنيع ضد من يخافه الخارج، وما يخافه هو انفجار قوي وعنف مستشر يطيح بحصون السلطة ويفكك الانظمة ويجرها الي الانهيار وتصل تداعيات هذا الانهيار الي خارج الحدود وقد تطال هذه التداعيات الغرب نفسه ومصالحه داخل المنطقة العربية وخارجها.
امام هذه الازمات الثلاث ليس من المستغرب ان يقف النظام العربي موقف المتفرج علي ثلاثة مشاهد مأساوية اولها يبدأ من غزة التي اصبحت مقبرة للاطفال الرضع وقبلها لبنان عام 2006 وقبل ذلك العراق الذي انهكت سيادته مع الاحتلال وتقاطرت عليه دول الجوار تنهش اوصاله من الشمال الي الجنوب.
لم يتخذ النظام العربي موقفا موحدا وما زال يتخبط في تعامله مع الاحتلال الخارجي الصريح فلا مؤتمرات القمم العربية ولا المؤتمرات الجانبية ولا الرحلات المكوكية لوزراء الخارجية العرب وممثلي الجامعة العربية استطاعت ان توحد الصفوف او حتي تخرج ببيانات مقنعة تستهلكها وسائل الاعلام ولو لرفع معنويات الجماهير الغفيرة.
العربي اليوم هو شاهد ومشاهد للمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني في هذه الاقطار وكذلك هو شاهد علي العنف المنظم وانتهاكات حقوق الانسان وتكميم الافواه في اقطار اخري.
هناك جيل كبير تربي علي سلبية المشاهدة وتداعياتها اصبح العربي مستهلكا لبورنوغرافية العنف المتصلة بالاشلاء المتناثرة والدماء السائلة والمنازل المهدمة والاعضاء البشرية المنفصلة بعضها عن بعض. تأتيه الصور المتتالية ان كان بعيدا عن مناطق الصراع وبؤره الكثيرة او تصبح هذه الصور حالة يومية يعايشها ويتعايش معها ان كان هو في قلب الحدث. وبينما لا يستطيع ذلك الذي يحاصر ويقتل يوميا ان يهرب من العنف الموجه ضده نجد ان المتفرج يهرب من المشاهدة بضغط زر صغير علي آلة الريموت كنترول عله بذلك يحمي نفسه من الشعور بالذنب وتداعيات هذا الشعور.
لن تنفع بيانات الشجب والتنديد بالعدوان الصهيوني علي غزة وكذلك لن تنفع القمم المقبلة. وان حضر العرب قمة دمشق او لم يحضروا سيجدون ان النظام العربي كله مشلول وفي حالة غيبوبة مستشرية عمرها طويل. لم يستطع هذا النظام ان يحدد اولوياته ويجمع كلمته وقد تنصل هذا النظام من القضايا المصيرية وهو لا يتعاطي معها الا اذا كان هذا من باب مصالح شخصية ضيقة ترتبط ببقائه واستمراريته علي كراسي الحكم. وان كان هناك اجماع عربي علي مسألة معينة فهي دوما مرتبطة بأمنه الذاتي وليس الامن البشري العربي المنتهك يوميا اما مباشرة عن طريق الاحتلال او عن طريق احتلال المؤسسات الرسمية للقرار المتعلق بديمومته. ليس مستغربا اذن ان يقف العالم بأسره متفرجا علي مجازر غزة بعد ان فشل النظام العربي الرسمي ان يثبت وجوده في ساحات صنع القرار العالمية والعربية معا بل اصبح هذا النظام نفسه وكيلا عن هذه الساحات في بلاده ينفذ قراراتها ويأتمر بأمرها. والمواجهات التي تحصل اليوم بين السلطات وشعوبها لهي دليل علي الممانعة الشعبية لمثل هذه المشاريع التي تترجل الانظمة وتحاول املاءها علي شعوبها.
في ظل هذه الحالة المأساوية ما هي خيارات العربي اليوم وهل لديه بالفعل خيارات؟ هناك شرائح كبيرة عربية آثرت خيار المقاومة رغم انها تخوض معركة غير متكافئة لكنها اثبتت ان باستطاعتها الصمود بل حتي تسجيل نصر علي الخصم كما حدث في المواجهة اللبنانية الاسرائيلية. وها هي حماس قد آثرت المقاومة وهي تقدم الشهداء يوميا دون ان تتعب او تكل لان ليس لأهل غزة خيار آخر بعد فشل حوارات المصالحة والسلام العقيمة والتي وقفت في وجهها اسرائيل وردت عليها بآلة عسكرية فتاكة وحصار خانق.
هناك الشريحة الاخري المكبلة والمقيدة من قبل انظمتها والتي تحرم عليها حتي التظاهر والغضب ان هي غضبت علي شلل قيادتها وتخاذلها. تبقي هذه الشريحة معطلة وغائبة رغم تعاطيها مع الألم العربي والجرح الفلسطيني النازف. ففي بلد كالسعودية نجد ان التعاطف كبير والعمل ضئيل، بل يكاد ان ينعدم لان المجتمع ضعيف وغير منظم، بل هو متشرذم ومفكك اختفي هذا المجتمع عن القضايا المصيرية وجرته قيادته الي معارك صغيرة وعراك مبتذل. تعلن اطياف في هذا المجتمع الجهاد علي الورود الحمراء في ما يسمي بيوم الحب او تغزو مقاهي المدن بحثا عن الخلوات غير الشرعية او غنيمة جديدة تضيفها الي لائحة الفضيلة وسجلها فيه. تشغل المجتمع بمثل هذه القضايا وتثير الرعب والبلبلة في طياته ومن ثم تتمرد شرائح اخري علي هذه الانتهاكات وتستحضر مصطلحات جديدة علها بذلك تضمن امنها وتحد من سلطان الخوف الذي يسيطر علي المجتمع ولا تنتفع منه الا السلطة. يتكرر هذا المشهد يوميا علي الارض والكل يتحدث عن الغزو الخارجي ومخاطره ولكنهم هنا لا يعنون الغزو الاسرائيلي لغزة او الغزو الامريكي للعراق، بل هم يحصرون غزوات الخارج بقضايا صغيرة علي قدر صغرهم ومهمشة علي قدر تهميشهم في مجتمعهم. علي خلفية هذه الصورة المركبة لا يبدو لنا ان هناك خيارا واقعيا او تضامنا فعليا مع القضايا المصيرية الداخلية او الاقليمية. وكغيره من المجتمعات المتفرجة نجد ان المجتمع السعودي هو ايضا متفرج علي لقطات القتل والدمار وصور ذبح الاطفال والنساء وهو ايضا مجتمع معطل عطلته اعوام وعقود من القمع الداخلي والتضليل الفكري المدروس والمنظم من قبل السلطة السياسية وهو كغيره من الشعوب العربية الاخري يعاني من الازمة الاجتماعية والسياسية والفكرية وحالة التشرذم والتقوقع ولكنه يختلف عن غيره في امر واحد فقط هو ان قيادته تدعي وتتبجح بقيادة العالم العربي والاسلامي معتمدة بذلك علي خلطة تجمع بين الثروة النفطية ورمزية الجغرافيا الاسلامية. ولكن شلل القيادة هذا لن تشفيه طفرة نفطية جديدة ولا القاب خدمة الحرمين الشريفين. لان القيادة هذه مرهونة وقد رهنت نفسها بمشروع خارجي لا يلقي قبولا علي المستوي الشعبي الداخلي او العربي وقد حاربت هذه القيادة كل فكر يدعو الي نهضة داخلية حقيقية او مؤازرة لقضايا العرب ومنذ الخمسينيات من القرن المنصرم نجد هذه القيادة قد كرست اموالها ومواردها لمحاربة اي محاولة للتعاطي او التعاطف مع قضايا العرب اجتماعيا او فكريا. وتعتقد القيادة انها محمية من تداعيات البؤر المتفجرة في العالم العربي ولكن اي تفجير آخر علي محور ايران او سورية لن تستطيع السعودية ان تظل بعيدة عنه، بل هو سينذر بأن تتحول المنطقة من البحر الابيض المتوسط الي الخليج الي منطقة ملتهبة رغم ازماتها الثلاث.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
د. مضاوي الرشيد
03/03/2008
يقف المواطن العربي مشاهدا ومتفرجا علي عصر الشرذمة العربي. خلال العقدين الماضيين دخلت المنطقة ازمة اجتماعية وسياسية وفكرية لن تخرج منها بسهولة وستطال تداعياتها الجميع علي المستوي الحكومي والشعبي. اجتماعيا تبدو المنطقة منهكة علي الصعيد المعاشي وتدبير الحياة اليومية رغم سيولة نقدية لم تعرفها في السابق. ترافقت هذه السيولة مع اتساع بؤر العوز والفقر حتي في اكثر الدول ثراء وتزايدت معدلات البطالة وتفشت في معظم الدول حتي اصبح مشهد المتسكعين في شوارع المدن العربية وعلي ارصفتها ومقاهيها منظرا مألوفا لا تحجبه اعلانات التوظيف وفرص الاستثمار المروج لها اعلاميا وسياسيا. تخلفت المنطقة عن بقية مناطق العالم في سعيها خلف الاصلاح السياسي ورغم كثرة الشعارات والمبادرات الا ان انظمة الحكم ما تزال مغلقة غير قادرة علي الانفتاح والتعاطي مع نداءات المشاركة الشعبية والحد من الحكم التسلطي واحترام الحريات الفردية والعامة وحقوق الانسان. اما فكريا فهنا ايضا شرذمة واضحة وانهيار تام للافكار والايديولوجيات السابقة من يسارية ثورية الي قومية تحررية مرورا بالحركات الاسلامية التي ظهرت علي الساحة كبديل للافكار السابقة المنقرضة. دخلت هذه الروافد الفكرية مرحلة صراع مريرة بعضها مع بعض حتي اصابها التشتت والضياع والتشرذم.
مع هذه الازمات الثلاث لم يستطع العرب التعاطي مع الاحتلال القديم المتمثل علي الساحة الفلسطينية او الاحتلال الجديد في العراق.
اكثر من اي وقت مضي تبدو الصورة سوداوية وقاتمة علي الساحة العربية المشلولة والمنهكة رسميا والمتأججة والغاضبة شعبيا. نجح النظام العربي الرسمي ان يضمن بقاءه واستمراريته بدعم خارجي ارتبط منذ احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بالحرب علي الارهاب، حيث اصبحت بعض الانظمة الهامشية قوة جديدة تدعمها اليد الخارجية في حرب وهمية اجلت المواجهة بين الانظمة وشعوبها. وفي نفس الوقت استطاعت هذه الانظمة ان تشل مجتمعاتها الغارقة اما بالاستهلاك والثراء السريع او بالبحث عن لقمة العيش او مقعد دراسة او وظيفة مستقبلية. وبقيت الانظمة معتمدة علي اقناع الخارج انها الحصن المنيع ضد من يخافه الخارج، وما يخافه هو انفجار قوي وعنف مستشر يطيح بحصون السلطة ويفكك الانظمة ويجرها الي الانهيار وتصل تداعيات هذا الانهيار الي خارج الحدود وقد تطال هذه التداعيات الغرب نفسه ومصالحه داخل المنطقة العربية وخارجها.
امام هذه الازمات الثلاث ليس من المستغرب ان يقف النظام العربي موقف المتفرج علي ثلاثة مشاهد مأساوية اولها يبدأ من غزة التي اصبحت مقبرة للاطفال الرضع وقبلها لبنان عام 2006 وقبل ذلك العراق الذي انهكت سيادته مع الاحتلال وتقاطرت عليه دول الجوار تنهش اوصاله من الشمال الي الجنوب.
لم يتخذ النظام العربي موقفا موحدا وما زال يتخبط في تعامله مع الاحتلال الخارجي الصريح فلا مؤتمرات القمم العربية ولا المؤتمرات الجانبية ولا الرحلات المكوكية لوزراء الخارجية العرب وممثلي الجامعة العربية استطاعت ان توحد الصفوف او حتي تخرج ببيانات مقنعة تستهلكها وسائل الاعلام ولو لرفع معنويات الجماهير الغفيرة.
العربي اليوم هو شاهد ومشاهد للمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني في هذه الاقطار وكذلك هو شاهد علي العنف المنظم وانتهاكات حقوق الانسان وتكميم الافواه في اقطار اخري.
هناك جيل كبير تربي علي سلبية المشاهدة وتداعياتها اصبح العربي مستهلكا لبورنوغرافية العنف المتصلة بالاشلاء المتناثرة والدماء السائلة والمنازل المهدمة والاعضاء البشرية المنفصلة بعضها عن بعض. تأتيه الصور المتتالية ان كان بعيدا عن مناطق الصراع وبؤره الكثيرة او تصبح هذه الصور حالة يومية يعايشها ويتعايش معها ان كان هو في قلب الحدث. وبينما لا يستطيع ذلك الذي يحاصر ويقتل يوميا ان يهرب من العنف الموجه ضده نجد ان المتفرج يهرب من المشاهدة بضغط زر صغير علي آلة الريموت كنترول عله بذلك يحمي نفسه من الشعور بالذنب وتداعيات هذا الشعور.
لن تنفع بيانات الشجب والتنديد بالعدوان الصهيوني علي غزة وكذلك لن تنفع القمم المقبلة. وان حضر العرب قمة دمشق او لم يحضروا سيجدون ان النظام العربي كله مشلول وفي حالة غيبوبة مستشرية عمرها طويل. لم يستطع هذا النظام ان يحدد اولوياته ويجمع كلمته وقد تنصل هذا النظام من القضايا المصيرية وهو لا يتعاطي معها الا اذا كان هذا من باب مصالح شخصية ضيقة ترتبط ببقائه واستمراريته علي كراسي الحكم. وان كان هناك اجماع عربي علي مسألة معينة فهي دوما مرتبطة بأمنه الذاتي وليس الامن البشري العربي المنتهك يوميا اما مباشرة عن طريق الاحتلال او عن طريق احتلال المؤسسات الرسمية للقرار المتعلق بديمومته. ليس مستغربا اذن ان يقف العالم بأسره متفرجا علي مجازر غزة بعد ان فشل النظام العربي الرسمي ان يثبت وجوده في ساحات صنع القرار العالمية والعربية معا بل اصبح هذا النظام نفسه وكيلا عن هذه الساحات في بلاده ينفذ قراراتها ويأتمر بأمرها. والمواجهات التي تحصل اليوم بين السلطات وشعوبها لهي دليل علي الممانعة الشعبية لمثل هذه المشاريع التي تترجل الانظمة وتحاول املاءها علي شعوبها.
في ظل هذه الحالة المأساوية ما هي خيارات العربي اليوم وهل لديه بالفعل خيارات؟ هناك شرائح كبيرة عربية آثرت خيار المقاومة رغم انها تخوض معركة غير متكافئة لكنها اثبتت ان باستطاعتها الصمود بل حتي تسجيل نصر علي الخصم كما حدث في المواجهة اللبنانية الاسرائيلية. وها هي حماس قد آثرت المقاومة وهي تقدم الشهداء يوميا دون ان تتعب او تكل لان ليس لأهل غزة خيار آخر بعد فشل حوارات المصالحة والسلام العقيمة والتي وقفت في وجهها اسرائيل وردت عليها بآلة عسكرية فتاكة وحصار خانق.
هناك الشريحة الاخري المكبلة والمقيدة من قبل انظمتها والتي تحرم عليها حتي التظاهر والغضب ان هي غضبت علي شلل قيادتها وتخاذلها. تبقي هذه الشريحة معطلة وغائبة رغم تعاطيها مع الألم العربي والجرح الفلسطيني النازف. ففي بلد كالسعودية نجد ان التعاطف كبير والعمل ضئيل، بل يكاد ان ينعدم لان المجتمع ضعيف وغير منظم، بل هو متشرذم ومفكك اختفي هذا المجتمع عن القضايا المصيرية وجرته قيادته الي معارك صغيرة وعراك مبتذل. تعلن اطياف في هذا المجتمع الجهاد علي الورود الحمراء في ما يسمي بيوم الحب او تغزو مقاهي المدن بحثا عن الخلوات غير الشرعية او غنيمة جديدة تضيفها الي لائحة الفضيلة وسجلها فيه. تشغل المجتمع بمثل هذه القضايا وتثير الرعب والبلبلة في طياته ومن ثم تتمرد شرائح اخري علي هذه الانتهاكات وتستحضر مصطلحات جديدة علها بذلك تضمن امنها وتحد من سلطان الخوف الذي يسيطر علي المجتمع ولا تنتفع منه الا السلطة. يتكرر هذا المشهد يوميا علي الارض والكل يتحدث عن الغزو الخارجي ومخاطره ولكنهم هنا لا يعنون الغزو الاسرائيلي لغزة او الغزو الامريكي للعراق، بل هم يحصرون غزوات الخارج بقضايا صغيرة علي قدر صغرهم ومهمشة علي قدر تهميشهم في مجتمعهم. علي خلفية هذه الصورة المركبة لا يبدو لنا ان هناك خيارا واقعيا او تضامنا فعليا مع القضايا المصيرية الداخلية او الاقليمية. وكغيره من المجتمعات المتفرجة نجد ان المجتمع السعودي هو ايضا متفرج علي لقطات القتل والدمار وصور ذبح الاطفال والنساء وهو ايضا مجتمع معطل عطلته اعوام وعقود من القمع الداخلي والتضليل الفكري المدروس والمنظم من قبل السلطة السياسية وهو كغيره من الشعوب العربية الاخري يعاني من الازمة الاجتماعية والسياسية والفكرية وحالة التشرذم والتقوقع ولكنه يختلف عن غيره في امر واحد فقط هو ان قيادته تدعي وتتبجح بقيادة العالم العربي والاسلامي معتمدة بذلك علي خلطة تجمع بين الثروة النفطية ورمزية الجغرافيا الاسلامية. ولكن شلل القيادة هذا لن تشفيه طفرة نفطية جديدة ولا القاب خدمة الحرمين الشريفين. لان القيادة هذه مرهونة وقد رهنت نفسها بمشروع خارجي لا يلقي قبولا علي المستوي الشعبي الداخلي او العربي وقد حاربت هذه القيادة كل فكر يدعو الي نهضة داخلية حقيقية او مؤازرة لقضايا العرب ومنذ الخمسينيات من القرن المنصرم نجد هذه القيادة قد كرست اموالها ومواردها لمحاربة اي محاولة للتعاطي او التعاطف مع قضايا العرب اجتماعيا او فكريا. وتعتقد القيادة انها محمية من تداعيات البؤر المتفجرة في العالم العربي ولكن اي تفجير آخر علي محور ايران او سورية لن تستطيع السعودية ان تظل بعيدة عنه، بل هو سينذر بأن تتحول المنطقة من البحر الابيض المتوسط الي الخليج الي منطقة ملتهبة رغم ازماتها الثلاث.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية