إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عاجل .. عاجل ... إلى جميع الاخوة المجاهدين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عاجل .. عاجل ... إلى جميع الاخوة المجاهدين

    أسباب الانهيار في التحقيق من أخطاء تجربة العمل الفلسطيني

    * إن تحليلاً‏ أعمق‏ لجملة‏ المعطيات‏ والحيثيات‏ التي‏ تحكم‏ السلوك‏ البشري‏،‏ وفهم‏ نمط‏ العلاقة‏ التي‏ تربط‏ المناضلين‏ فيما‏ بينهم‏ وبتنظيماتهم‏،وإدراك الطبيعة‏ الوظيفية‏

    لمهماتهم‏،‏ يساعد‏ في‏ تشخيص‏ تلك‏ العلل‏ والأخطاء واستخلاص‏ أساليب علاجها‏

    ولذلك‏ فإننا سنتحدث‏ هنا‏ بالتفصيل‏ عن‏ ثلاثة‏ أخطاء جوهرية‏ واكبت‏ العمل‏ التنظيمي‏ طوال‏ عشرين‏ عاماً‏ من67 ‏حتى‏ 1987 م وكان لها دور أساسي في إنهيار المناضلين في تجربة التحقيق وبالتالي في إضعاف قدرة التنظيمات على تحقيق أهدافها :



    اولاً‏ ‏النمط‏ الغريزي‏ في‏ السلوك‏ الإنساني

    لقد‏ شكل‏ الإسلام كعقيدة‏ وشريعة‏ ومنهج‏ حياة‏،‏مدرسة‏ تربوية‏ سعت‏ إلى صياغة‏

    الشخصية‏ المسلمة‏ وفق‏ قيم‏ روحية‏ وأخلاقية سامية‏، أهم ما‏ قصدته‏ التربية‏ الإسلامية هو‏ ضبط‏ سلوك‏ الإنسان ولكن‏ بعد‏ أن حكمت‏ المجتمعات‏ الإسلامية قوى‏ غريبة‏ على‏ الإسلام وأزاحته عن‏ تصدر‏ وقيادة‏ حياة‏ المجتمع‏،‏وبعد‏ أن طفت‏ على‏ سطح‏ الحياة‏ اليومية‏ فئات‏ تدعي‏ الوصاية‏ على‏ الإسلام والمسلمين‏ وعملت‏ على‏ إفراغه من‏ قيمه‏ التربوية‏ الرفيعة‏،‏ وتغييب‏ فاعليته‏ في‏ بناء‏ الفرد‏ والمجتمع‏،‏ فان‏ هذه‏ الفئات‏ فصلت‏ الإنسان المسلم‏ عن‏ قيمه‏ الروحية‏ وتراثه‏ ومعتقداته‏ السامية‏،‏ وأفرغته من‏ الداخل‏ فصار‏ هشاً‏ سهل‏ الانكسار‏ أمام الأعداء،‏ خاضعاً‏ لغرائزه.

    وفي‏ فلسطين‏ أيضاً‏ جرد‏ الشعب‏ المسلم‏ إلى حد‏ كبير‏ من‏ تواصله‏ الحضاري‏ مع‏ عقيدته‏ الإسلامية،‏ وبينما‏ كان‏ أعداؤنا يعيدون‏ تشكيل‏ الشخصية‏ اليهودية‏ حسب‏ أساطير التوراة‏ ونصوص‏ التلمود‏،‏ كان‏ الشعب‏ الفلسطيني‏ يتعرض‏ إلى ثقافات‏ أثرت سلباً‏ في‏ شخصيته‏ وأوقعت تخبطاً‏ سياسياً‏ وثقافياً‏ في‏ المجتمع‏،‏مما‏ سهل‏ على‏ العدو‏ اختراق‏ الواقع‏ الفلسطيني‏.

    وكانت‏ النتيجة‏ واضحة‏ في‏ المجال‏ العسكري‏ أيضاً‏،‏ وقبل‏ ذلك‏ على‏ خطوط‏ النار‏

    العربية‏ وفي‏ المجال‏ الأمني،‏ وفي‏ أقبية التحقيق‏ كثيراً‏ ما‏ بدا‏ المستجوَبُ‏ ضعيفاً‏ أمام

    المستجوِب‏،‏متأثراً‏ ومبهوراً‏ بقوة‏ الخصم‏ وسعة‏ معلوماته‏ ومنهجية‏ تفكيره و‏في‏ جانب‏ آخر كانت‏ حسابات‏ "المناضل‏" تظهر‏ غير‏ دقيقة‏ وغير‏ مدروسة‏،‏ في‏ تصور‏ قوة‏

    العدو‏ وأساليب عمله.

    من‏ هنا‏ فان‏ النمط‏ الغريزي‏ في‏ الشخصية‏ الإنسانية هو‏ ذلك‏ النمط‏ الذي‏ يمثل‏ حالة‏ الضعف‏ القصوى‏،‏ وضمور‏ المحفزات‏ النضالية‏ والأخلاقية،‏حيث‏ أن الفرد‏ صاحب‏ السلوك‏ الغريزي‏ يخضع‏ للخوف‏ حفاظاً‏ على‏ نفسه‏،‏ويقدم‏ منافعه‏ الشخصية‏ على‏ الأهداف العليا‏،‏وحتى‏ حين‏ يؤمن‏ بالفكرة‏ فهو‏ أضعف‏ في‏ الدفاع‏ عنها‏ لأنه لا يملك‏ الإرادة ولا‏ الروح‏ المؤمنة‏ التي‏ تساهم‏ في‏ رفع‏ الإنسان فوق‏ المستويات‏ العادية‏ من‏ السلوك‏ الإنساني،‏والتي‏ تخول‏ الفرد‏ حمل‏ اسم‏ "مجاهد" حقيقي.

    هذا‏ تعريف‏ عام‏ للنمط‏ الغريزي‏،‏ الذي‏ شكل‏ ويشكل‏ أهم الأمراض الرئيسية‏ في‏ جدار‏ المواجهة‏ مع‏ المحقق‏ الصهيوني.

    وسنتعرض‏ فيما‏ يلي‏ لأهم صفات‏ هذا‏ النمط‏:_

    خصائص‏ النمط‏ الغريزي‏._
    أ‏ ـ‏ ضعف‏ الدافع‏:

    إذا أراد إنسان ما أن يصل‏ إلى هدف‏ معين‏ فإنه‏ أولاً‏ يحتاج‏ إلى دافع‏ يكبر‏ في‏ قلبه‏ ويشد‏ من‏ عزيمته‏ ويدفعه‏ لتحمل‏ الآلام والمشقات‏ والسير‏ في‏ الصعاب‏ للوصول‏ إلى الهدف‏ ويكون‏ الدافع‏ عادة‏ أسمى من‏ الحفاظ‏ على‏ الذات‏،‏ فيندفع‏ المرء‏ لتحقيق‏ هدفه‏ السامي‏ منشغلاً‏ كل‏ الانشغال‏ عن‏ حاجات‏ جسده‏ وغير‏ عابئ بما‏ يعتريه‏ من‏ جراح‏ ونكبات‏ ومن‏ جوع‏ وآلام‏ وغير‏ منتظر‏ مكافأة‏ ،‏وغير‏ مدفوع‏ بترهيب‏ وترغيب‏. إن الدافع‏ هو‏ الإيمان وهو‏ العقيدة‏ لأنها تغرس‏ المحرك‏ في‏ النفس‏ البشرية‏ وكما‏ قال‏ تعالى‏ (يا آيها الذين‏ آمنوا هل‏ أدلكم على‏ تجارة‏ تنجيكم‏ من‏ عذاب‏ اليم‏ ،‏تؤمنون‏ بالله‏ ورسوله‏ وتجاهدون‏ في‏ سبيل‏ الله‏ بأموالكم‏ وأنفسكم،‏ ذلكم‏ خير‏ لكم‏ إن كنتم‏ تعلمون‏)



    ب _ السلوك الغريزي : _

    ينحصر تفكير الانسان ذي النمط الغريزي في إشباع حاجاته من أكل وشرب ونوم ولباس وأشباع حاجته الجنسية . وهو يستجيب للأحداث استجابة تلبي إشباع هذه الحاجات . بحيث أن كل فعل يصدر عنه ينتظر مردوداً يكافئ فيه هذا الفعل بما يتحقق مع هذه الحاجات . ولذلك فإن استجابته لا تنبع من عملية عقلية وبمعنى آخر فهو منفعل بالأحداث لا فاعل فيها إذ تكون‏ ردود‏ أفعاله عاطفية‏ ومتأثرة‏ إلى أبعد‏ الحدود‏ ويكون‏ سريع‏ التوتر‏،‏ سريع‏ الهدوء‏،‏ ويكاد‏ لا يصلح‏ لمواجهة‏ الأحداث الجسام‏ والمآزق‏ الخطرة‏.



    ج‏ ـ‏ حب‏ البروز‏ :_
    إحدى الصفات‏ الأساسية لصاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ هي‏ اهتمامه‏ بأن‏ يعرف‏ الآخرون

    بأنه إنسان ذو‏ شأن‏ ومكانة‏ عالية‏ تميزه‏ عن‏ غيره‏ لذلك‏ فإننا‏ نراه‏ يميل‏ إلى نسج‏

    واختراع‏ حكايات‏ كاذبة‏ يبدو‏ فيها‏ بطلاً‏ كأن‏ يدعي‏ أنه‏ قاتل‏ في‏ المكان‏ الفلاني‏ وألقي

    زجاجة‏ حارقة‏ في‏ اليوم‏ الفلاني‏ وأطلق الرصاص‏ في‏ المظاهرة‏ الفلانية‏ وأن‏ له‏ موعداً‏ الليلة‏ ـ‏ مثلاً‏ ـ‏ مع‏ مجاهدين‏ لتدبير‏ عملية‏ مقاومة‏،..الخ‏ وهو‏ حتى‏ إذا شارك‏ فعلياً‏ في‏ المقاومة‏ فلن‏ يتورع‏ عن‏ إفشاء أسرارها حباً‏ بإظهار ذاته‏ غير‏ حاسب‏ للعواقب‏ الوخيمة‏ وراء‏ ذلك.

    إن هذا‏ السلوك‏ يعبر‏ عن‏ ضعف‏ ومركب‏ نقص‏ نفسي‏ لدى‏ صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ الذي‏ تنعدم‏ عنده‏ أدنى حدود‏ السرية‏،‏ومعروف‏ أن السرية‏ هي‏ أهم عناصر‏ العمل‏ الجهادي‏ ولا يمكنها‏ أن تعيش‏ في‏ قلب‏ واحد‏ يملأه‏ حب‏ البروز.



    د‏ ـ‏‏‏‏‏ الانتماء‏ العفوي‏ ‏ـ
    كون‏ صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ يتفاعل‏ بدافع‏ العاطفة‏ لا‏ العقل‏،‏فإن‏ انتماءه‏ للمقاومة‏

    لا‏ يكون‏ إلا انتماء عفوياً‏،‏بمعنى‏ أنه‏ انتماء‏ غير‏ خاضع‏ لدراسة‏ العقل‏ والتمحيص‏

    وإيمان الروح‏،‏ فتكون‏ نفسيته‏ قلقة‏ وشخصيته‏ متقلبة‏ وانتماؤه‏ التنظيمي‏ غير‏ ثابت‏

    حيث‏ قد‏ يعرض‏ لموقف‏ عاطفي (من‏ صداقة‏ وميل‏ نفسي‏ ونحوه‏‏) شبيه‏ بالموقف‏ الذي‏ جعله‏ ينتمي‏ لتنظيم‏ معين‏ وسرعان‏ ما‏ يغير‏ موقعه‏ وينتمي‏ لتنظيم‏ آخر،‏وهذا‏ عنصر‏ غاية‏ في‏ الإرباك للعمل‏ السري‏ ومقومات‏ التنظيم‏،‏ ويعرض‏ التنظيمات‏ للانكشاف‏ واضطراب‏ الخطط.



    هـ‏ ـ‏ الجبن‏ وعدم‏ الثبات‏ :_
    صاحب‏ النمط‏ الغريزي‏ عُرضةٌ‏ للتأثير‏ الشديد‏ بالانفعالات‏ والأحداث المفاجئة‏ وهو‏ لا‏ يتقن‏ التصرف‏ في‏ الكثير‏ من‏ الأحوال ويميز‏ الخوف‏ الشديد‏ سلوكه‏ وتصرفاته‏،‏فإن‏ رأى في‏ الحراسة‏ ظل‏ الأشجار ظنها‏ أشباحاً‏ تتحرك‏،‏وربما‏ أطلق الرصاص‏،‏ وربما‏ أصاب أخاً‏ له‏ خارجاً‏ لقضاء‏ حاجة.

    إنه‏ شخص‏ مرتجف‏ وضعيف‏ مستلب‏ لخيالات‏ الخطر‏ وأوهامه النابعة‏ من‏ داخله‏. إنه‏ إنسان تبعي‏ منقاد‏ لغرائزه‏ نراه‏ سلساً‏ متجاوباً‏ مع‏ ضابط‏ المخابرات‏ أثناء التحقيق‏،‏ ضعيفاً‏ مرتعداً‏ أمام التعذيب‏ وليس‏ بوسعه‏ أن يخفي‏ شيئاً‏ مهما‏ صغر‏. إن الإنسان الغريزي‏ يتصف‏ باليأس‏ والانفلاش‏،‏وهو‏ مظهري‏ السلوك‏ متقلب‏ عديم‏ المبادرة‏،‏ يتقدم‏ الناس‏ في‏ مواطن‏ الراحة‏ ويتراجع‏ في‏ مواطن‏ الخطر‏ ومؤكد‏ بعد‏ ذلك‏ أن هذه‏ الصفات‏ إن وجدت‏ في‏ شخص‏ ما‏ فإنها تحكم‏ عليه‏ بالتفكك‏ والميوعة‏ وان‏ ظهرت‏ في‏ مجموعة‏ فإنها تحكم‏ عليها‏ بالفناء‏،‏ وإذا تفشت‏ في‏ المجتمع‏ صار‏ ملعباً‏ للذل‏ والهوان‏ والخسران‏. والإسلام وحده‏ القادر‏ على‏ تربية‏ الشخصية‏ وغسلها‏ من‏ احتمالات‏ وجود‏ بعض‏ صفات‏ النمط‏ الغريزي‏.

    ( ‏إن‏ هذا‏ القرآن‏ يهدي‏ للتي‏ هي‏ أقوم)



    ثانياً‏ ‏: هشاشة‏ البناء‏ التنظيمي

    برز‏ في‏ تجربة‏ العمل‏ النضالي‏ الفلسطيني‏ بعد‏ حزيران‏ ‏الكثير‏ من‏ الأخطاء النابعة‏ من‏ عدم‏ أهلية وضعف‏ كفاءة‏ الفدائي‏ من‏ جهة‏،‏ ومن‏ ضعف‏ البنية‏ التنظيمية‏ التي‏ عمل‏ من‏ خلالها‏ من‏ جهة‏ أخرى وتعاظمت‏ الإشكالية في‏ هذا‏ الخصوص‏ حيث لم‏ يعالج‏ الخلل‏ التنظيمي‏ ولم‏ يداو‏ الضعف‏ الذاتي‏ فتشكلت‏ ثغرة‏ واسعة‏ نفذت‏ المخابرات‏ الصهيونية‏ من‏ خلالها‏ وتمكنت‏ في‏ كثير‏ من‏ الأحيان من‏ ضرب‏ الخلايا‏ التنظيمية‏. وإفشال المهمات‏ العسكرية‏ في‏ مهدها‏ بالكامل‏ وفي‏ فترة‏ زمنية‏ قصيرة‏ وفي‏ بعض‏ الأحيان اعتقل‏ أفراد تنظيم‏ ما‏ وكشفت‏ جميع‏ خلاياه‏ من‏ عنصر‏ ونصير‏ ومساعد‏ في‏ ليلة‏ واحدة.

    إن معالجة‏ هذه الظاهرة‏ تستدعي‏ معرفةً‏ بالأشكال التنظيمية‏ التي‏ طبقت‏‏،‏ وكيف‏ نفكر‏ في‏ بناء‏ الخلايا‏ التنظيمية‏ من‏ جهتنا.

    ‏* أولاً ـ‏ التنظيم‏ العفوي‏

    يقتضي‏ العمل‏ الفدائي‏ ضد‏ الاحتلال‏ وجود‏ شكل‏ راقٍ‏ من‏ أشكال التنظيم‏ السري‏ المحكم‏ الذي‏ من‏ شأنه‏ الصمود‏ في‏ وجه‏ العدو‏ وأمام أذرعته الأخطبوطية الأمنية،‏غير‏ أن التنظيم‏ العفوي‏ يبدو‏ في‏ هذا‏ السياق‏ أضعف‏ أشكال التنظيم فهو‏ لا‏ يعتمد‏ على‏ عقلية‏ تأسيسية‏ واعية‏،‏ ولا‏ يبحث‏ عن‏ كفاءات‏،‏ ولا‏ ينتخب‏ كوادره‏ بعناية‏،‏ ولا‏ يراعي القيام‏ بعمليات‏ إعداد مستفيض‏ أو مرحلة‏ تأهيلية. إنه‏ بكلمة‏ أخرى تنظيم‏ قائم‏ باعتباره‏ شبكة‏ علاقات‏ اجتماعية‏ لأشخاص معينين‏،‏ وهو‏ تنظيم‏ يفتقر‏ للأطر والقنوات‏ ووجود‏ هيئات‏ محددة‏ تتواصل‏ بطرق‏ تنظيمية‏ ثابتة‏ ومدروسة‏ لا‏ بل‏ إنه‏ تجمع‏ مكشوف‏ بوسع‏ أي واحد‏ أن ينتسب‏ إليه ببساطة‏ وغالباً‏ ما‏ يكون‏ إطاره مقتصراً‏ على‏ الأصدقاء والأقارب والمعارف‏ وأبناء المنطقة‏ الواحدة‏ وقد‏ لا‏ يتعداها‏ بالإضافة إلى أنه‏ رابطة‏ لا‏ ينتظمها‏ فكر‏ يجمع‏ أعضاءً هو من‏ الأمثلة البارزة‏ على‏ هكذا‏ تنظيم‏ التجمعات‏ الأسرية وروابط‏ القرى‏ والمدن‏ والعائلات.

    إننا نتحدث‏ هنا‏ عن شكل‏ تنظيمي‏ لا‏ يمكنه‏ أن يتحمل‏ متطلبات‏ العمل‏ النضالي‏ وجانبه‏ السري‏ خاصة‏. لكن‏ الانفلاش‏ التنظيمي‏ الذي‏ حصل‏ في‏ واقع‏ الساحة‏ الفلسطينية‏ أدى إلى انفراط‏ بعض‏ الأشكال التنظيمية‏ الأخرى ـ‏ والتي‏ سنعرض‏ لها‏ لاحقاً‏ ـ‏ وتحولها‏ إلى شكل‏ عفوي‏ من‏ التنظيم‏. ولعله‏ من‏ نافل‏ القول‏ أن أسوأ الميزات‏ كالثرثرة‏ وانعدام‏ السرية‏ والوصولية‏ والانتهازية‏ واستغلال‏ التنظيم‏ لمآرب‏ خاصة‏ ستنخر‏ عظم‏ أي تنظيم‏ مهما‏ بلغت‏ درجة‏ قوته‏ وشعبيته‏،‏ حين‏ يسمح‏ لهذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ أن يحتوي‏ مجمل نشاطاته‏.

    وفيما‏ يلي‏ أحد الأمثلة المأخوذة‏ من‏ واقع‏ النضال‏ الفلسطيني‏ وتدل‏ على‏ مخاطر‏ التنظيم‏ العفوي‏: ‏ـ

    ‏في‏ بداية‏ عام‏1985 كانت‏ مجموعة‏ من‏ الشباب‏ تعمل‏ تحت‏ اسم‏ تنظيم‏ ما‏ في‏ أحد مخيمات‏ فلسطين‏،‏وكانت‏ هذه‏ المجموعة‏ تقوم‏ بمهمات‏ إعلامية وتحريضية‏ وسياسية‏ وعسكرية‏ وكان‏ أغلب‏ سكان‏ المخيم‏ يتحسسون‏ وجود‏ هذه‏ المجموعة وفي‏ منتصف‏ شهر‏حزيران‏1985،‏ في‏ ساعة‏ متأخرة‏ من‏ الليل‏،‏تقدم‏ رجل‏ ملثم‏ بكوفية‏ وطرق‏ باب‏ أحد هؤلاء‏ الفتية‏ وناداه‏ باسمه‏ ‏ـ‏ خالد‏؟‏

    ـ‏ نعم‏ أنا خالد‏ ماذا‏ تريد‏؟

    ـ‏ أريد الحديث‏ معك‏ لخمسة‏ دقائق‏ قال‏ الرجل‏ الملثم‏ وتابع: ـ‏

    أنت لا تعرفني‏ يا خالد.. أنا المسؤول‏ العسكري‏ عن‏ تنظيمكم‏ في‏ كامل‏ قطاع‏ غزة‏ وقد‏ سمعنا‏ عن‏ نشاطاتكم‏ وسعدنا‏ بهذه‏ النشاطات‏ لذلك‏ قررت‏ قيادة‏ الحركة‏ الاتصال‏ بكم‏ مباشرة‏ لمعرفة‏ حاجياتكم‏ من‏ الأسلحة وتبديل‏ الأسلحة القديمة ‏ومساعدتكم‏ بأموال من‏ أجل‏ العمل.

    فأجابه خالد :_

    لايوجد عندنا أسلحة

    قال‏ الغريب‏: ‏ـ‏ إذن‏ سوف‏ نحضر‏ لكم‏ أسلحة جديدة‏،‏ وسأل‏ خالداً‏ عن‏ أفضل‏ الشباب‏ من‏ أصدقائه في‏ المجموعة‏ الذين‏ يعتمد‏ عليهم‏ في‏ التنظيم‏.

    فأجابه‏ خالد‏ على‏ الفور‏: ‏ـ‏ فلان‏ وفلان‏ وفلان‏ وسأله‏ الرجل‏ الملثم‏ عن‏ أسماء المشكوك‏ فيهم‏ من‏ قبل‏ المجموعة‏.

    ورتب‏ معه‏ لقاء آخر وبعدها‏ أبلغ‏ خالد‏ أصدقاءه بما‏ حدث وكان‏ الجميع‏ سعداء‏ لأن‏ علاقتهم‏ مع‏ القيادة‏ ستكون‏ مباشرة‏ منذ‏ تلك‏ اللحظة‏ ولكن‏ وبعد‏ عدة‏ أسابيع حصل‏ ما‏ لم‏ يكن‏ متوقعاً‏ ففي‏ إحدى ليالي‏ شهر‏ نوفمبر‏ "تشرين‏ ثاني" كان‏ جميع‏ أعضاء المجموعة‏ في‏ أقبية التعذيب‏ الصهيونية…!

    لقد‏ كان‏ الرجل‏ الملثم‏ ضابط‏ مخابرات‏ والبقية‏ معروفة‏.

    ويجدر‏ أن نوضح‏ أنه‏ حتى‏ لو‏ لم‏ تجر‏ حادثة‏ مشابهة‏ لمثالنا‏ السابق‏ فإنه‏ يكفي‏ ضابط‏ المخابرات‏ الصهيوني‏ أن يسأل‏ من‏ هم‏ أصدقاء فلان‏؟‏ومن‏ هم‏ المقربون‏ له‏؟‏ ومن‏ هم‏ أقرباؤه؟‏ وبقليل‏ من‏ التحري‏ يستطيع‏ ختراق‏ التنظيم‏ العفوي‏.



    * ب‏ ـ‏ التنظيم‏ الهرمي‏ ‏ـ

    يعتبر‏ التنظيم‏ الهرمي‏ أكثر‏ الأشكال التنظيمية‏ شيوعاً‏ وقدماً‏ وهو‏ شكل‏ أفضل‏ وأكثر‏

    تطوراً‏ من‏ التنظيم‏ العفوي.

    يتألف‏ التنظيم‏ الهرمي‏ من‏ مجموعات‏ من‏ الخلايا‏ وتتكون‏ الخلية‏ الواحدة‏ من‏ ثلاثة‏ إلى خمسة‏ أشخاص يقودها‏ أمين سر‏. ويؤلف‏ أمناء سر‏ الخلايا‏ خلية‏ أعلى قد‏ تسمى‏ لجنة‏ منطقة‏ ويؤلف‏ أمناء سر‏ المناطق‏ خلية‏ أعلى قد‏ تشكل‏ قيادة‏ للإقليم وقيادات‏ الأقاليم المختلفة‏ تؤلف‏ القيادة‏ العليا‏ للتنظيم‏ وهذا‏ الشكل‏ هو‏ أبسط‏ أشكال التنظيم‏ الهرمي‏ وإنما سمي‏ بالهرمي‏ كونه‏ يشبه‏ شكل‏ الهرم‏ في‏ التراتب‏ التنظيمي.

    إن نظرة‏ إلى تجارب‏ العمل‏ بهذا‏ الشكل‏ من‏ التنظيم‏ تظهر‏ إن الكثير‏ منها‏ قد‏ لاقى‏ الفشل‏ والكشف‏ السريع‏ من‏ جانب‏ المخابرات‏ وهذا‏ يرجع‏ إلى عدة‏ سلبيات‏ لعل‏ أهمها.

    ‏1 ـ‏ إن شروط‏ السرية‏ للعمل‏ التنظيمي‏ والوقاية‏ من‏ سهولة‏ الوقوع‏ في‏ يد‏ المخابرات‏ تقتضي‏ إن يعرف‏ عضو‏ التنظيم‏ اقل‏ قدر‏ من‏ الأعضاء. ولكن‏ في‏ التنظيم‏ الهرمي‏ فإن‏ أمين سر‏ الخلية‏ أو المنطقة‏ يعرف‏ جميع‏ الأعضاء الأدنى منه‏ مرتبة‏ تنظيمية‏ ويعرف‏ أمناء سر‏ الخلايا‏ أو المناطق‏ الأخرى بالإضافة لمعرفته‏ بالشخص‏ الأعلى منه‏ تنظيمياً‏ (عنصر‏ الاتصال) ‏فماذا‏ لو‏ اعتقل‏ هذا‏ الشخص‏؟أو ماذا‏ يحدث‏ لو‏ اعتقل‏ أحد القيادات‏ العليا‏ في‏ التنظيم‏؟

    ‏2 ـ‏ المركزية‏ في‏ التنظيم‏ الهرمي‏ طاغية‏ على‏ العلاقات‏ بين‏ الهيئات‏ والأفراد حيث‏ أن الأوامر تعطى‏ من‏ الأعلى إلى الأسفل ولا مجال‏ لأفراد التنظيم‏ العاديين‏ أن يؤثروا‏ في‏ عمل‏ التنظيم‏ بمبادراتهم‏ واقتراحاتهم‏ وهذا‏ يحد‏ من‏ فاعلية‏ عمل‏ التنظيم‏ ،‏خاصة‏ إذا تعرضت‏ قيادة‏ التنظيم‏ للاعتقال‏،أو حيل‏ بينها‏ وبين‏ الاتصال‏ بالمراتب‏ التنظيمية‏ الدنيا‏ حيث‏ لا مجال للمبادرة‏ والمبادهة‏ بين‏ أفراد التنظيم‏ في‏ هذه‏ الحالة‏.

    ‏3 ـ‏ يصعب‏ على‏ التنظيم‏ الهرمي‏ في‏ حال‏ وقوع‏ خطر‏ ما‏ أو تعرضه‏ لمأزق‏ أمني أن يغير‏ شكله‏،‏ أو أن يبدل‏ مخططاته‏ بشكل‏ سريع‏ وذلك‏ لثلاثة‏ أسباب ‏ـ

    أ‏ ـ‏ رسوخ‏ واقع‏ الاتصال‏ الثابت‏ (عدم‏ وجود‏ قنوات تبادلية‏ وأشخاص مؤهلين‏ لذلك) ‏

    ب‏ ـ‏ ثبات‏ شكل‏ العلاقة‏ التنظيمية‏ والرتبة‏ التنظيمية‏ واعتمادها‏ بشكل‏ مطلق‏ على‏ مبادرات‏ الهيئات‏ العليا.

    ج‏ ـ‏ اعتماد‏ هذا‏ التنظيم‏ على‏ خطة‏ تنظيمية‏ وبرنامج‏ يضبط‏ العمل‏ في‏ فترات‏ طويلة‏ نسبية‏،‏ وخضوعه‏ لأوقات اتصال‏ محددة‏ ومتباعدة‏ بين‏ القيادات‏ والكوادر‏ التنظيمية‏ الأدنى.

    4 ‏ـ‏ إمكانية كشف‏ التنظيم‏ بسهولة‏ نسبية‏،‏ فيما‏ لو‏ حاولت‏ المخابرات‏ تقمص‏ دور‏ القيادة‏ أو مبعوثها‏ كما‏ حدث‏ في‏ مثال‏‏ (خالد)

    5 ‏ـ‏ عدم‏ قدرة‏ قيادة‏ التنظيم‏ على‏ الحصول‏ على‏ تقارير‏ دقيقة‏ تتعلق‏ بالوضع‏ التنظيمي‏،‏ حيث‏ لا مجال لاتصال‏ أعضاء الخلايا‏ مثلاً‏ مع‏ القيادات‏ العليا‏ وعدم‏ قدرتها‏ على‏ استطلاع‏ أوضاع التنظيم‏ الدقيقة‏ واعتمادها‏ لذلك‏ على‏ الكوادر‏ المتصلة‏ بها‏ مباشرة‏ مما‏ يقوي‏ عنصر‏ الشللية‏ والفساد‏ والنزعة‏ العشائرية‏ والمناطقية ‏.

    6 _ إمكانية قيام‏ العدو‏ بزرع‏ عميل‏ يتدرج‏ تنظيمياً‏ حتى‏ يصل‏ مواقع‏ حساسة‏ في‏ جسم‏ التنظيم.



    · ثالثاً ـ‏ التنظيم‏ الحلقي‏ الشريطي

    أُعتُمد‏ هذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ في‏ مجال‏ محدود‏ وضيق‏ في‏ الأرض المحتلة‏،‏ويعتبر‏ أرقى من‏ الشكل‏ الهرمي‏ وأكثر‏ نجاعة‏ منه‏ في‏ العمل‏ الجهادي‏ السري ولكنه‏ ليس‏ النموذج‏ الأمثل.

    يظهر‏ من‏ اسم‏ التنظيم‏ أنه‏ يقوم‏ على‏ مجموعة‏ حلقات‏ متصلة‏ ببعضها‏ بشكل‏ سلسلة‏،‏ وكل‏ حلقة‏ تتصل‏ بحلقتين‏ اثنتين‏ فقط‏ ونوضحها‏ كما‏ يلي‏ ‏يقوم‏ الشخص‏ أ‏ بالاتصال‏ بالشخص‏ ب ‏وهذا‏ بدوره‏ يتصل‏ بالشخص‏ ج ‏وهكذا‏ دواليك‏ ويلاحظ‏ أن الشخص‏ أ لا يعرف الشخص‏ ج ‏والشخص‏ ب ‏يعرف‏ الشخصين‏ أ ‏و ج ‏ولكنه‏ لا يعرف الشخص‏ د… وهكذا‏.

    إن أهم‏ ميزة‏ إيجابية لهذا‏ الشكل‏ التنظيمي‏ هو‏ أنه‏ غير‏ معرض‏ للاعتقالات‏ ذات‏ الطابع‏ الجماعي‏ على‏ عكس‏ الأشكال السابق‏ ذكرها‏. فإذا اعتقل‏ عنصر‏ ينتمي‏ إلى تنظيم‏ حلقي‏ فان‏ الاستجواب‏ يركز‏ على‏ معرفة‏ جوابين‏ ‏من‏ هو‏ مسؤولك‏؟ـ‏ من‏ هو‏ العنصر‏ الذي‏ تتصل‏ به‏؟‏ولذلك‏ فإن‏ عنصر‏ الوقت‏ لا يكون في‏ صالح‏ العدو‏ وإنما في‏ صالح‏ التنظيم‏ الذي‏ سوف‏ يتنبه‏ قبل‏ فوات‏ الأوان وسيكون‏ لديه‏ الوقت‏ الكافي‏ لاتخاذ‏ الاحتياطات‏ الوقائية‏ اللازمة.

    ومما‏ لا‏ شك‏ فيه‏ أن صمود‏ المعتقل‏ في‏ التحقيق‏ أمام التعذيب‏ لا‏ يكسب‏ التنظيم‏ الحلقي‏ الوقت‏ للتصرف‏ فحسب‏،‏ بل‏ يقطع‏ خيط‏ محاولة‏ التوصل‏ إلى معرفة‏ أعضاء التنظيم‏ كله‏ منذ‏ البداية‏ وبذلك‏ لا يتحقق سوى‏ اعتقال‏ شخص‏ واحد‏ إننا إذ نرى‏ فشل‏ هذه‏ النماذج‏ في‏ الأشكال التنظيمية‏ السابقة‏ فإننا باحتياج‏ إلى تطوير‏ شكل‏ تنظيمي‏ جديد‏ وهي الحلقة‏ المفقودة‏ بما ينسجم‏ مع‏ متطلبات‏ المرحلة

    ثالثاً‏ ‏ـ‏ الجهل‏ بأساليب التحقيق‏ وكيفية‏ الرد‏ عليها‏

    تقول‏ الحكمة‏: ‏ "اعرف‏ عدوك‏،‏ واعرف‏ نفسك‏،‏ فبذلك‏ تستطيع‏ أن تخوض‏ مائة معركة‏ بأقل الخسائر". إن معرفة‏ كل‏ مقومات‏ وإمكانيات العدو‏ وطرائقه‏ وخططه‏ ومنهجيته‏ تحقق‏ شرطاً‏ هاماً‏ في‏ إحراز الانتصار‏ في‏ مواجهة‏ المحقق‏ لعل‏ الفكرة‏ الساذجة‏ التي‏ يحملها‏ بعض‏ المناضلين‏ عن‏ مجريات‏ الاعتقال‏ والتحقيق‏ ،‏كثيراً‏ ما‏ توقعه‏ في‏ مطب‏ استسهال‏ الصمود‏ أثناء التحقيق‏ فالبعض‏ يعتقد‏ أن التحقيق‏ لا يعدو عن‏ كونه‏ لقاءً‏ مع‏ ضابط‏ مخابرات‏ يحمل‏ في‏ يده‏ عصا‏،‏سيضربه‏ بها‏ ضرباً‏ مبرحاً‏ وهو‏ يصرخ‏ بصوت‏ عال‏ اعترف‏ اعترف مكيلاً‏ أبشع‏ الشتائم‏ وما‏ على‏ المناضل‏ إلا الصراخ‏ بصوت‏ عال‏ أيضاً‏ أو اللجوء‏ إلى الصمت‏ حتى‏ يتعب‏ المحقق‏ ثم‏ يلقي‏ عصاه‏ ويرفس‏ المناضل‏ بقدمه‏ يائساً‏ وصارخاً‏ في‏ وجهه‏ خذوه‏ إلى الزنزانة‏ حتى‏ يموت إلا أن التحقيق‏ غيرُ‏ ذلك‏ وليس‏ هناك‏ من‏ يستطيع‏ أن يؤكد‏ أن التحقيق‏ لا‏ يتجاوز‏ سوى‏ جولة‏ وغنيٌ‏ عن‏ القول‏ أن الصهاينة‏ أكثر‏ خبرة‏ من‏ بعض‏ أجهزة القمع‏ العربية‏،‏وحتى‏ هذه‏ الأجهزة تخلت‏ عن‏ الأساليب التقليدية‏ المعروفة‏ وأصبحت تستفيد من الخبرة الصهيونية التي تقدم لها عبر القنوات الخلفية لإطالة عمر هذه الأنظمة. إن التحقيق‏ المتبع‏ في‏ أقبية الاحتلال‏ الصهيوني‏ وقبل‏ كل‏ شيء‏،‏ هو‏ برنامج‏ له‏ أبعاده النفسية والجسدية‏‏‏‏‏‏‏‏ القائمة‏ على‏ معارف‏ طبية‏‏ وسيكولوجية‏ واجتماعية‏،‏ وما‏ أكثر‏ الأساليب التي‏ يمكن‏ ابتداعها‏ وتطويرها‏ انطلاقاً‏ من‏ معرفة‏ العدو‏ بالبيئة‏ والمجتمع‏ العربيين‏ وخاصة‏ القضايا‏ ذات‏ الحساسية‏ الخاصة‏ لدى‏ العربي‏ مثل‏ الشرف‏ والعرض‏ والدين‏ ومفاهيم‏ الرجولة‏ والصدق‏… الخ‏ وسنعرض‏ لاحقاً‏ للبحث‏ في‏ كل‏ هذا.

    هناك‏ فكرة‏ أخرى عن‏ التعذيب‏ تضخمه‏ إلى حد‏ يصبح‏ فيه‏ الهاجس‏ نفسه‏ مخيفاً‏ أكثر‏ من‏ الواقع‏،‏ وكثيراً‏ ما‏ نسمع‏ من‏ يقول‏: إن المحقق‏ يعرف‏ كل‏ شيء‏ أولاً‏ وهو‏ شخص‏ غير‏ عادي‏ وان‏ التعذيب‏ هو‏ كهرباء‏ وكي‏ وتحطيم‏ أعضاء وتعليق‏ وأساليب أخرى لا‏ حصر‏ لها‏ هنا‏ ولكن‏ في‏ النهاية‏ يدخل‏ المعتقل‏ الذي‏ يحمل‏ هذا‏ التصور‏ كي‏ يواجه‏ التحقيق‏ وفي‏ داخله‏ استعداد‏ وقابلية‏ مسبقان‏ للانهيار‏ والاعتراف‏ خوفاً.

    إن وصايا‏ جاهزة‏ يسمعها‏ المناضل‏،‏ وينصح‏ بتطبيقها‏ حال‏ تعرضه‏ للاعتقال‏،‏ قد‏ لا تفي‏ وحدها‏ بغرض‏ الصمود‏ فحين‏ يعاهد‏ المعتقل‏ نفسه‏ على‏ أن يردد‏ العبارات‏ التالية‏ ‏ـ‏ "لم‏ اسمع‏ لم‏ أر،‏لا‏ اعرف" ‏فانه‏ يعتقد‏ أنها ستحصنه‏ وتدعم‏ موقفه‏ في‏ التحقيق‏،‏ولكن‏ غالباً‏ ما‏ يحدث‏ أن تسقط‏ هذه‏ العبارات‏ حين‏ ترتطم‏ بواقع‏ وأجواء التحقيق.

    ولأن‏ تلك‏ الوصايا‏ نابعة‏ من‏ الفهم‏ الساذج‏ لعملية‏ التحقيق‏،‏ فإن‏ المناضل‏ سيكتشف‏ أن ضابط‏ المخابرات‏ لا يحمل‏ عصا‏ فقط‏،‏بل‏ يستخدم‏ طرقاً‏ علمية‏ وأساليب حديثة‏ فيتزعزع‏ ثباته‏ يقف‏ المناضل‏ ضعيفاً‏،‏مقطوعاً‏،‏عارياً‏ أمام ضابط‏ التحقيق‏ حين‏ تكون‏ حالته‏ تلك‏ التي‏ سبق‏ ذكرها‏ ويصبح‏ مدفوعاً‏ برغبة‏ الخلاص‏،‏ حين‏ تضعه‏ أساليب التحقيق‏ في‏ مناخ‏ نفسي‏ قاس‏ وتخيره‏ بين‏ أمر كبير‏ وأمر صغير‏ فضابط‏ المخابرات‏ الذي‏ يطلب‏ من‏ المعتقل‏ أن يخلع‏ ملابسه‏‏ يدرك‏ أن التربية‏ والعادات‏ الاجتماعية‏ المختزنة‏ تقيم‏ حاجزاً‏ من‏ الحياء‏ ذي‏ الطابع‏ الديني‏ خاصة‏،‏يمنعه‏ من‏ التعري‏،‏ ولكن‏ إذا توغلنا‏ في‏ التصور‏ أكثر‏ وافترضنا‏ أنه‏ أمام ثبات‏ المناضل‏ ضد‏ هذا‏ الأسلوب،‏ قام‏ المحقق‏ باستدعاء‏ أخته أو زوجته‏ وهدده‏ بالاعتداء‏ عليها‏،‏ فإن‏ الأمر سيتغير‏ فما‏ أن يرفع‏ المحقق‏ سماعة‏ الهاتف‏ ويقول‏: ‏إحضر‏ فلانة الآن فإنه‏ يتوقع‏ في‏ نفس‏ الوقت‏ أن تهتز‏ أوتار‏ توازن‏ شخصية‏ المعتقل‏ اهتزازاً‏ عنيفاً‏،‏ويجعل‏ ضميره‏ يصرخ‏ داخله‏ شرفك‏،عرضك‏، الناس‏،مجنون ويصل‏ توتره‏ إلى مداه‏ ويصبح‏ عاجزاً‏ عن‏ التفكير‏ أن هذا‏ التوتر‏ العالي‏ يجد‏ له‏ متسعاً‏ للتفريغ‏ عبر‏ بوابة‏ واحدة‏ وهي‏ أن يدلي‏ بأية معلومات‏،أية معلومات‏ يمكنها‏ أن تلغي‏ إحضار أخته أو زوجته‏ أو ابنته‏ للمعتقل‏ إنه‏ هنا‏ عرضة‏ لصراع‏ مدمر‏ بين‏ الكرامة‏ والشرف‏ الشخصيين‏،‏وبين‏ القضية‏ والمبدأ‏ اللذين‏ من‏ أجلهما‏ زج‏ به‏ في‏ المعتقل‏ إنه‏ يسأل‏: أيهما المقدس‏ والثابت‏ في‏ النفس‏ اكثر‏؟،أيهما المتغير‏؟…أيهما يمكن‏ التضحية‏ به‏ لحساب‏ الآخر؟…وأيهما لا مجال‏ للتفريط‏ به‏ على‏ الإطلاق؟‏ إن شريط‏ التخيل‏ الذي‏ يعبر‏ ذهنه‏ كمشهد‏ حاضر‏،‏منذ‏ رحلة‏ جنود‏ الاحتلال‏ وتوقف‏ السيارات‏ أمام منزله‏ ثم‏ اقتحامهم‏ الباب‏،‏وكيف‏ سيأخذون‏ ابنته‏ أو زوجته‏ كيف‏ سيجرونها‏ إلى السيارة‏ وعيون‏ الناس‏ الشاخصة‏ إلى ذلك‏ المنظر‏ واختفاء‏ المرأة‏ بين‏ الجنود‏ وأسئلة أخرى ‏ـ‏ هل‏ سيترك‏ هؤلاء‏ الجنود‏ شرفه‏ دون‏ أن يمس‏؟‏.. ألن‏ يفهم‏ الناس‏ ما‏ يجري‏ بطريقة‏ مختلفة‏؟ وماذا‏ ستقول‏ الأخت أو الزوجة‏؟‏،‏ثم‏ ماذا‏ يقول‏ ضميره‏؟‏...،‏شرفك‏ يا مجنون‏ هؤلاء‏ يهود‏ "طز‏" على‏ كل‏ العالم‏ لا‏ تضح‏ بشرفك‏ هذا‏ الشريط‏،‏عندما‏ يدور‏ في‏ ذهن‏ المناضل‏،‏ وهو‏ يعيش‏ اللحظات‏ العصيبة‏،‏ وينتظر‏ الساعات‏ المرة‏،‏ يجعله‏ ينهار‏،‏ وربما‏ قد‏ يصرخ‏ أريد أن اعترف‏ …أريد أن اعترف… قد‏ حصلت‏ حالات‏ مشابهة‏،‏وعندما‏ سئل‏ رجل‏ معروف‏ بصلابته‏،‏ لماذا‏ اعترفت‏؟‏تنهد‏ وقال‏ ‏ (عندما‏ عجزوا‏ أن يأخذوا‏ مني‏ اعترافاً‏ هددوني‏ بأنهم‏ سيحضرون‏ بناتي‏ في‏ الليل) ‏وبعد‏ ساعة‏ كان‏ وحيداً‏ في‏ الزنزانة‏ يصرخ‏،‏ "أريد أن اعترف‏ أريد أن اعترف"

    والحقيقة‏ أن الصهاينة‏ غالباً‏ ما‏ يتوقفون‏ في‏ هذه‏ الأمور عند‏ حدود‏ التهديد‏ فقط غير‏ أننا لا‏ نستطيع‏ أن نتجاهل‏ إمكانية حدوثها‏ والمناضل‏ الذي‏ يجهل‏ أساليب وطرق‏ التحقيق‏ سيكون‏ عرضة‏ للانهيار وكم‏ من‏ المناضلين‏ الأشداء وقعوا‏ في‏ شرك‏ الاستجواب‏ وانهاروا‏ لجهلهم‏ بأساليب المخابرات.

    التحقيق‏ يعتمد‏ في‏ أول خطواته‏ على‏ البحث‏ عن‏ ثغرة‏ في‏ نفسية‏ المناضل‏ كي‏ يدخل‏ منها‏ ‏ويجعلها‏ منطلقاً‏ لمواصلة‏ هجوم‏ المحقق ويلبس‏ المحقق‏ أقنعة مختلفة‏ ويحاول‏ أن يبدو‏ بمظاهر‏ مصطنعة‏ مظهر‏ تمثيلي ‏لكي‏ يدخل‏ إلى عمق‏ هواجس‏ المعتقل‏ وطريقة‏ تفكيره‏ ويبدو‏ كل‏ شيء‏ مدروساً‏ في‏ حركات‏ المحقق‏ وتصرفاته‏ فالنظرة‏،‏والابتسامة‏،‏والحركة‏،‏ والإغراء،‏ والغضب‏،‏ والضرب‏،‏ والحماية‏ (من‏ محقق‏ يمثل‏ دور‏ الشرس) ‏،‏ والصراخ‏ والشفقة‏،‏والتهديد‏،‏ والعدو‏،‏ والصديق‏،‏ والعطف،‏ جميعها‏ مظاهر‏ تمثيلية‏ مصطنعة‏ وليس‏ لها‏ جذور‏ في‏ نفس‏ المحقق‏ وإنما‏ يراد‏ من‏ ورائها‏ أن يختبر‏ أي الأشكال يجدي‏ نفعاً‏ مع‏ نموذج‏ المعتقل‏ الواقف‏ أمامه.

    إن المعرفة‏ الكاملة‏ بهذه‏ الأساليب وبهذه‏ الأدوار وبهذا‏ الإعداد المسرحي‏ لجو‏ التحقيق‏،‏ إن توفرت‏ لدى‏ المجاهد‏ المعتقل‏ فإنه‏ لن‏ يشعر‏ بالوجل‏ أو التخاذل‏ وليكن‏ إيمانه بالله‏ وإسلامه‏ وبقضيته‏ ومهمته‏ الجهادية‏،‏ قوياً‏ بحيث‏ يجعله‏ أكثر‏ صموداً‏ وأصلب‏ عزيمة‏ في‏ مواجهة‏ الأساليب الخبيثة‏ للمحقق‏ الصهيوني.

    وليس‏ جديداً‏ القول‏ إن إنسان العقيدة‏ الذي‏ يعتمد‏ على‏ بنية‏ تنظيمية‏ قوية‏ (وهي‏ الحلقة‏ المفقودة‏ في‏ هذه‏ الأيام)،‏ ويعرف‏ أساليب المحققين‏ معرفة‏ كاملة‏ هو‏ المؤهل‏ لان‏ يكون‏ جداراً‏ ساتراً‏ لعمل‏ اخوته‏ المجاهدين‏ مهما‏ نصبت‏ له‏ من‏ الشراك‏ ومهما‏ تعرض‏ له‏ من‏ التعذيب‏ وشراسة‏ الاعتقال.
    --

  • #2
    بارك الله فيك
    فصرخت فيهم صرخة قالوا كفانا تملقـا..!
    أتريـد منـا ثـورة أتريـد فعـلا أحمـقـا...؟!
    زمنُ البطولة قد مضي وكفانا قولا أخرقا
    إنا تعودنا القيــود ومثلنــا لــن يُعتقـــا..!
    النومُ أفضلُ غايــةً لسنا لمجــدٍ مطلقـا
    يامن تريد كرامةً ثوب الكرامة أُحرِقا..


    وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا.
    نموت ويبقى كل ما قد كتبناه فياليت من يقرأ مقالي دعا لياْْْْ لعل إلهي أن يمن بلطفه ويرحم تقصيري وسوء فعاليا .

    تعليق


    • #3
      مشكووووووووووووووور يااخى ابومحمود

      تعليق


      • #4
        جزاااااااااك الله كل خير أخي
        القناعة كنز لا يفنى

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخ الأسلام معلومات رائعه جداً , وأتمنى من كل من تبنى العمل الجهادي ان يضع مقالك هذا ضمن دراسه جاده وحقيقيه من أجل التغيير للأفضل .

          وجزاك الله خيراً
          نعيب الزمان والعيب فينا

          وما للزمان عيب سوانا

          تعليق


          • #6
            باااااااااااااااااارك الله فيك
            ستظل عملية بيت ليد كابوسا يلاحق الصهانية

            تعليق


            • #7
              جزاك الله كل خير عنا

              تعليق

              يعمل...
              X