يوم الجمعة 15-2-2008..عقارب الساعة تقترب من التاسعة مساء، انفجار ضخم يبدد هدوء مخيم البريج وسط قطاع غزة، والسبب: قنبلة فراغية محرمة دوليا، أطلقت على منزل أحد المجاهدين، والنتيجة: دمار هائل أتى على عشرات المنازل، وأسفر عن 9 شهداء بينهم 5 من عائلة واحدة، وأكثر من 50 مصابا، الفاعل: طائرة حربية إسرائيلية.
هذا باختصار تصوير لمشهد متكرر تناقلته وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والعالمية قبل أسبوع، وهو مشابه إلى حد كبير لمشاهد عاشها الغزيون خلال أعوام انتفاضة الأقصى، بدءا بما حدث في حي الدرج عام 2002 عند استهداف قائد كتائب القسام صلاح شحادة، مرورا بالمجزرة المروعة قرب شاطئ بحر السودانية بحق أفراد عائلة غالية، وبركة الدماء الشهيرة التي خلفتها قذيفة إسرائيلية في حي شمال قطاع غزة أزهقت أرواح عدد كبير من أفراد عائلة العثامنة، وليس انتهاء بما شاهدناه في البريج.
الحادث في مخيم البريج أكبر من أن يصفه الواصفون، فحي بأكمله دمر على رؤوس ساكنيه..وعشرات الشهداء والجرحى، أغلبهم أصيبوا بصورة مثيرة للريبة، فمن الشهداء من لم تظهر عليه آثار الشظايا، الأمر الذي يدلل على حداثة السلاح المستخدم.
إسرائيل سارعت لنفي المسئولية عن الجريمة، وحاولت الزعم أن الانفجار نتج عن عبوات وصواريخ فلسطينية محلية الصنع..لكن شهود العيان في المنطقة، ومؤسسات حقوق الإنسان أثبتت بالدليل القاطع مسئولية إسرائيل عن الكارثة.
كما أن حركة الجهاد الإسلامي بثت فيلما وثائقيا قصيرا ظهر فيه ابن الشهيد أيمن الفايد، المستهدف في القصف، حيث أكد أن والده تلقى اتصالا من مجهول طالبه بإخلاء منزله قبل ثوان من تدمير الحي.
عاقلان لا يختلفان على أن بصمات الإجرام الإسرائيلي تظهر على أنقاض البيوت المدمرة في البريج..إحدى المواطنات قالت من شدة هول المنظر، إن إسرائيل استخدمت في هذه الجريمة سلاحا نوويا.
الجريمة في البريج سبقتها أخرى، ولحقت بها ثالثة، تنصلت إسرائيل من المسئولية عنها أيضا..فالموساد اغتال القائد العسكري الكبير في حزب الله اللبناني عماد مغنية من خلال تفجير سيارته في العاصمة السورية دمشق، وتنصلت إسرائيل في البداية، إلا أنها اعترفت بشكل أو بآخر بالعملية.
وبعد مجزرة البريج بأربعة أيام قتل الجيش الإسرائيلي الطفل تامر أبو شعر "10 سنوات" قرب موقع كسوفيم العسكري شرق مدينة دير البلح، وذلك خلال عملية عسكرية محدودة، إلا أن إسرائيل زعمت أنها لم تنفذ عملية في المنطقة وأن الطفل قتل برصاص مسلحين فلسطينيين.
أمام هذه الوقائع يطرح سؤال كبير..لماذا بدأت إسرائيل بتبني سياسة "اضرب وتنصل"، على الرغم من أن الجميع يعلم بأنها حتى لو اعترفت بأي عملية مهما كانت بشاعتها، فإن العالم كله لن يقدم على إدانتها أو اتخاذ أي إجراء ضدها؟؟
الجواب ببساطة يتمثل في عدة نقاط:-
أولا: إسرائيل تعلمت من حرب لبنان، خاصة بعد تقرير فينوغراد، إدارة الحروب بطريقة جديدة، تتيح لها أن تضرب بقوة، وتهرب بيسر.
ثانيا: إسرائيل وجدت في الانقسام الفلسطيني الداخلي تربة خصبة لتنأى بنفسها بعيدا عن أصابع الاتهام عقب كل مجزرة قد تنفذها في غزة.
ثالثا: فطنت إسرائيل أنها لو دمرت غزة على ساكنيها وتنصلت، فإن مصداقيتها لدى أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية تضمن لها مساحة حرة من العمل والنفي دون خوف.
كما أن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة كان لها مقدمات فهم كل ذي لبّ أنها تؤرخ لما هو آت من فظائع، ومن أبرز هذه المقدمات:-
أولا: إسرائيل أوهمت العالم بأن غزة ساحة حرب يقودها جيش منظم، بل أن هذا الجيش على وشك امتلاك طائرات وصواريخ قد تضرب تل أبيب.
ثانيا: وزير الحرب الإسرائيلي ايهود براك صرح في أكثر من مناسبة بأن جيشه ينفذ عمليات معلنة وأخرى غير معلنة داخل قطاع غزة، ومجزرة البريج تندرج ضمن العمليات غير المعلنة.
ثالثا: وزير إسرائيلي دعا حكومة الاحتلال لمسح أحياء بأكملها في قطاع غزة ردا على استمرار الهجمات الصاروخية التي تستهدف سديروت والنقب الغربي وعسقلان.
رابعا: وزير آخر قال حرفيا إنه "يجب المس بمطلقي الصواريخ، ومرسليهم وعائلاتهم"، ومجزرة البريج مس بمطلقي الصواريخ وعائلاتهم.
خامسا: إسرائيل هيأت العالم قبل المجزرة بأيام، حيث زار أكثر من سبعين ممثل لدول أوروبية وأجنبية بلدة سديروت، وأعلنوا عن تعاطفهم مع سكان البلدة، وتفهمهم للعمليات الإسرائيلية التي تأتي للرد على الصواريخ الفلسطينية.
سادسا: إسرائيل في أكثر من مرة قالت إنها فتحت تحقيقا في أسلوب اغتيال صلاح شحادة بحي الدرج، تلك المجزرة المشابهة جدا لمجزرة البريج، وهذا التحقيق سينتج عنه أن إلقاء قنبلة على حي سكني لاغتيال شخصية كصلاح شحادة "شرعي" للدفاع عن النفس، وهذا يفتح المجال لتنفيذ عمليات مماثلة بإذن من القانون الإسرائيلي، تماما كما ترك تقرير فينوغراد لإسرائيل الحق في شن حرب جديدة على لبنان وأي دولة أخرى قد ترى أنها تشكل خطرا عليها.
سؤال آخر وأخير يطرح نفسه أيضا..إذا أمام ما نراه، ماذا تحمل الأيام المقبلة؟
الجواب: في ظل ما نشهده من تهديدات إسرائيلية متصاعدة باغتيال قادة المقاومة من حماس والجهاد وفصائل أخرى دون تمييز بين مستوى سياسي وعسكري، واستغلالا لحالة الانقسام الفلسطيني، قد تكون حكومة أولمرت غيّرت من أسلوبها في العمل داخل قطاع غزة، والتغيير يعني التخفيف من الغارات الجوية في استهداف المطلوب للتصفية، وإطلاق يد الموساد لينفذ عمليات دقيقة في النتيجة، ولكنها بطيئة في التنفيذ.
فعلى سبيل المثال، إسرائيل هددت كثيرا باستهداف رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية وشخصيات أخرى ذات وزن، وهي قد لا تستخدم الطائرات لاغتيال هنية أو غيره، وتترك الموساد وعملائه للعمل ببطء وروية، بما يضمن نجاحا كما حدث مع الشهيد مغنية، ومن ثم تتنصل من الحادث.
عندها تبدأ التأويلات..قد تكون جهة أخرى عدوة لحماس هي من نفذ التفجير..نفتح تحقيق في الحادث، نحمل إسرائيل المسئولية مع تشكيك يدور في النفس حول مسئولية إسرائيل.
كما أن إسرائيل أوهمت العالم بأن فصائل المقاومة في غزة تستخدم البيوت لتخزين السلاح والمتفجرات، تحوم الطائرة، وتلقي قنبلة تدمر عشرات المنازل، تتنصل إسرائيل، ويبدأ التشكيك، هل هو انفجار داخلي أم صاروخ إسرائيلي؟؟.
والسؤال الذي ينتظر الجواب من قارئ التحليل..ما هو الحل لنعرّي إسرائيل أمام العالم ونثبت أنها وراء كل مجزرة تطال المجاهدين وعائلاتهم؟؟
هذا باختصار تصوير لمشهد متكرر تناقلته وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والعالمية قبل أسبوع، وهو مشابه إلى حد كبير لمشاهد عاشها الغزيون خلال أعوام انتفاضة الأقصى، بدءا بما حدث في حي الدرج عام 2002 عند استهداف قائد كتائب القسام صلاح شحادة، مرورا بالمجزرة المروعة قرب شاطئ بحر السودانية بحق أفراد عائلة غالية، وبركة الدماء الشهيرة التي خلفتها قذيفة إسرائيلية في حي شمال قطاع غزة أزهقت أرواح عدد كبير من أفراد عائلة العثامنة، وليس انتهاء بما شاهدناه في البريج.
الحادث في مخيم البريج أكبر من أن يصفه الواصفون، فحي بأكمله دمر على رؤوس ساكنيه..وعشرات الشهداء والجرحى، أغلبهم أصيبوا بصورة مثيرة للريبة، فمن الشهداء من لم تظهر عليه آثار الشظايا، الأمر الذي يدلل على حداثة السلاح المستخدم.
إسرائيل سارعت لنفي المسئولية عن الجريمة، وحاولت الزعم أن الانفجار نتج عن عبوات وصواريخ فلسطينية محلية الصنع..لكن شهود العيان في المنطقة، ومؤسسات حقوق الإنسان أثبتت بالدليل القاطع مسئولية إسرائيل عن الكارثة.
كما أن حركة الجهاد الإسلامي بثت فيلما وثائقيا قصيرا ظهر فيه ابن الشهيد أيمن الفايد، المستهدف في القصف، حيث أكد أن والده تلقى اتصالا من مجهول طالبه بإخلاء منزله قبل ثوان من تدمير الحي.
عاقلان لا يختلفان على أن بصمات الإجرام الإسرائيلي تظهر على أنقاض البيوت المدمرة في البريج..إحدى المواطنات قالت من شدة هول المنظر، إن إسرائيل استخدمت في هذه الجريمة سلاحا نوويا.
الجريمة في البريج سبقتها أخرى، ولحقت بها ثالثة، تنصلت إسرائيل من المسئولية عنها أيضا..فالموساد اغتال القائد العسكري الكبير في حزب الله اللبناني عماد مغنية من خلال تفجير سيارته في العاصمة السورية دمشق، وتنصلت إسرائيل في البداية، إلا أنها اعترفت بشكل أو بآخر بالعملية.
وبعد مجزرة البريج بأربعة أيام قتل الجيش الإسرائيلي الطفل تامر أبو شعر "10 سنوات" قرب موقع كسوفيم العسكري شرق مدينة دير البلح، وذلك خلال عملية عسكرية محدودة، إلا أن إسرائيل زعمت أنها لم تنفذ عملية في المنطقة وأن الطفل قتل برصاص مسلحين فلسطينيين.
أمام هذه الوقائع يطرح سؤال كبير..لماذا بدأت إسرائيل بتبني سياسة "اضرب وتنصل"، على الرغم من أن الجميع يعلم بأنها حتى لو اعترفت بأي عملية مهما كانت بشاعتها، فإن العالم كله لن يقدم على إدانتها أو اتخاذ أي إجراء ضدها؟؟
الجواب ببساطة يتمثل في عدة نقاط:-
أولا: إسرائيل تعلمت من حرب لبنان، خاصة بعد تقرير فينوغراد، إدارة الحروب بطريقة جديدة، تتيح لها أن تضرب بقوة، وتهرب بيسر.
ثانيا: إسرائيل وجدت في الانقسام الفلسطيني الداخلي تربة خصبة لتنأى بنفسها بعيدا عن أصابع الاتهام عقب كل مجزرة قد تنفذها في غزة.
ثالثا: فطنت إسرائيل أنها لو دمرت غزة على ساكنيها وتنصلت، فإن مصداقيتها لدى أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية تضمن لها مساحة حرة من العمل والنفي دون خوف.
كما أن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة كان لها مقدمات فهم كل ذي لبّ أنها تؤرخ لما هو آت من فظائع، ومن أبرز هذه المقدمات:-
أولا: إسرائيل أوهمت العالم بأن غزة ساحة حرب يقودها جيش منظم، بل أن هذا الجيش على وشك امتلاك طائرات وصواريخ قد تضرب تل أبيب.
ثانيا: وزير الحرب الإسرائيلي ايهود براك صرح في أكثر من مناسبة بأن جيشه ينفذ عمليات معلنة وأخرى غير معلنة داخل قطاع غزة، ومجزرة البريج تندرج ضمن العمليات غير المعلنة.
ثالثا: وزير إسرائيلي دعا حكومة الاحتلال لمسح أحياء بأكملها في قطاع غزة ردا على استمرار الهجمات الصاروخية التي تستهدف سديروت والنقب الغربي وعسقلان.
رابعا: وزير آخر قال حرفيا إنه "يجب المس بمطلقي الصواريخ، ومرسليهم وعائلاتهم"، ومجزرة البريج مس بمطلقي الصواريخ وعائلاتهم.
خامسا: إسرائيل هيأت العالم قبل المجزرة بأيام، حيث زار أكثر من سبعين ممثل لدول أوروبية وأجنبية بلدة سديروت، وأعلنوا عن تعاطفهم مع سكان البلدة، وتفهمهم للعمليات الإسرائيلية التي تأتي للرد على الصواريخ الفلسطينية.
سادسا: إسرائيل في أكثر من مرة قالت إنها فتحت تحقيقا في أسلوب اغتيال صلاح شحادة بحي الدرج، تلك المجزرة المشابهة جدا لمجزرة البريج، وهذا التحقيق سينتج عنه أن إلقاء قنبلة على حي سكني لاغتيال شخصية كصلاح شحادة "شرعي" للدفاع عن النفس، وهذا يفتح المجال لتنفيذ عمليات مماثلة بإذن من القانون الإسرائيلي، تماما كما ترك تقرير فينوغراد لإسرائيل الحق في شن حرب جديدة على لبنان وأي دولة أخرى قد ترى أنها تشكل خطرا عليها.
سؤال آخر وأخير يطرح نفسه أيضا..إذا أمام ما نراه، ماذا تحمل الأيام المقبلة؟
الجواب: في ظل ما نشهده من تهديدات إسرائيلية متصاعدة باغتيال قادة المقاومة من حماس والجهاد وفصائل أخرى دون تمييز بين مستوى سياسي وعسكري، واستغلالا لحالة الانقسام الفلسطيني، قد تكون حكومة أولمرت غيّرت من أسلوبها في العمل داخل قطاع غزة، والتغيير يعني التخفيف من الغارات الجوية في استهداف المطلوب للتصفية، وإطلاق يد الموساد لينفذ عمليات دقيقة في النتيجة، ولكنها بطيئة في التنفيذ.
فعلى سبيل المثال، إسرائيل هددت كثيرا باستهداف رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية وشخصيات أخرى ذات وزن، وهي قد لا تستخدم الطائرات لاغتيال هنية أو غيره، وتترك الموساد وعملائه للعمل ببطء وروية، بما يضمن نجاحا كما حدث مع الشهيد مغنية، ومن ثم تتنصل من الحادث.
عندها تبدأ التأويلات..قد تكون جهة أخرى عدوة لحماس هي من نفذ التفجير..نفتح تحقيق في الحادث، نحمل إسرائيل المسئولية مع تشكيك يدور في النفس حول مسئولية إسرائيل.
كما أن إسرائيل أوهمت العالم بأن فصائل المقاومة في غزة تستخدم البيوت لتخزين السلاح والمتفجرات، تحوم الطائرة، وتلقي قنبلة تدمر عشرات المنازل، تتنصل إسرائيل، ويبدأ التشكيك، هل هو انفجار داخلي أم صاروخ إسرائيلي؟؟.
والسؤال الذي ينتظر الجواب من قارئ التحليل..ما هو الحل لنعرّي إسرائيل أمام العالم ونثبت أنها وراء كل مجزرة تطال المجاهدين وعائلاتهم؟؟
تعليق