إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل تستعد «القاعدة» لفتح جبهات أخرى؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل تستعد «القاعدة» لفتح جبهات أخرى؟

    على غير العادة تزامن بثت شبكة سحاب لخطاب الظواهري على شبكة الانترنت مع بثها على قناة الجزيرة. وعلى غير العادة أيضا توقفت القناة عند الخطاب طويلا وفي مناسبات إخبارية متوالية طيلة ليلة الرابع عشر من الشهر الجاري. فقد لوحظ أن القناة خصصت مساحات غير معهودة للخطاب بحيث تناولت محاوره الواحد تلو الآخر لدرجة أن المراقب اعتقد أن شيء ما في الخطاب ليس مألوفا أو أن أحداثا كبيرة وقعت أو أنها على وشك الوقوع، وأن كل ما في الأمر يشي بأن الجزيرة تخفي شيء ما. فلماذا شذت الجزيرة عما تعودت عليه وعودت مشاهديها عليه في تعاملها مع خطابات القاعدة لا ندري، ولماذا حظي هذا الخطاب عند الجزيرة بعناية أكبر أيضا لا ندري.

    تلك كانت الانطباعات الأولى قبيل الاستماع للخطاب الذي نعتقد أن فيه أمرا ما يبرر ظهوره على الرغم من قرب المسافة بينه وبين خطابات سابقة ما زالت قيد التداول والنقاش. أما الظواهري فقد برع فعلا بإثارة الدهشة لدرجة أن المراقب لا ينفك يفتش عن سر ما في خطاباته خاصة وأنه بات الناطق الوحيد بلغة القاعدة في ظل الاحتجاب المتواصل للقائد الأول للتنظيم أسامة بن لادن والذي لم يأت الخطاب على أي ذكر له. والثابت أن الظواهري تحدث عن موضوعات مكرورة أكثر منها إخبارية، إذ نلحظ هجوما على الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة البريطانية ثم هجوما مماثلا على من يسميهم بالخونة والمضللين من أصحاب " اللحى الطويلة والعمائم الضخمة ولألقاب الفخمة والأنساب المزعومة" وثالث على " كل القوى السياسية الرسمية المرخص لها من الحكومة اللبنانية" ورابع على حركة فتح وحماس، وحديث آخر عن نقاء الراية وقوة المجاهدين في العراق وأفغانستان وشتى ساحات الجهاد. والطريف أنه يقدم الخطاب باسم "دروس وعبر وأحداث عظام" وفي شهر محرم من العام الهجري الجديد ليبدو الخطاب مناسباتي أكثر منه ضرورة، وكأنه يقتصر على التذكير، وهو كذلك للوهلة الأولى، ولكن إذا تساءلنا لماذا هذا التكرار الممل فقد نضطر إلى البحث والتنقيب أكثر مما ينبغي كي نصل إلى ما يبرر ظهور الخطاب؟

    من البديهي القول أن الحديث عن مواضيع مكرورة يعني بشكل ما أنها هدفا مركزيا للخطاب، وإذا ما بدأنا في الشأن الفلسطيني فالظواهري يعلم، وهو الخبير في شؤون الحركات العلمانية والإخوان المسلمين، أن لا فتح ولا حركة حماس معنية بخطابه، فليست فتح بوارد تغيير استراتيجياتها ولا هي قادرة على ذلك في ظل القيادة الحالية فضلا عن أنها انزلقت عميقا في دهاليز التسوية والعلاقات مع الغرب لدرجة أن ما نلاحظه في هذه الأيام هي فتح ما بعد أوسلو وليس ما قبله باعتبار أن فتح القديمة باتت في ذمة التاريخ. أما حركة حماس فقد وقعت في فخ العمل السياسي والاحتواء الغربي عبر سياسة الحوار مع ما تسميه القوى الغربية بالإسلام المعتدل، ولأنها حركة تقع في بنية الجماعة الأم فهي تتجه بلا شك إلى التماهي معها قولا وفعلا، والأسوأ من هذا ما يشاع عن وثيقة وجهتها الجماعة الأم إلى حركة حماس تطالبها بالتوقف عن العمل المسلح والاتجاه نحو العمل السياسي فقط، والأمر الآن منوط ليس بالقيادة السياسية الراهنة لحماس بل بالتيارات التي تتنازعها من الداخل على خلفية التحول في الموقف السياسي أو حتى الأيديولوجي.

    إذن، لمن يوجه الظواهري خطابه؟ ولماذا يواصل النبش في الملف الفلسطيني؟

    المرجح أنه يوجه خطابه تحديدا إلى القواعد التي تعيش حالة من الضياع في فلسطين، وليس فقط لعموم الفلسطينيين الذين لم يتوانى عن مراعاة حساسيتهم هذه المرة بدعوتهم للعودة إلى الإسلام، وللعمل على إقامة دولة الإسلام على كل فلسطين دون الحاجة للانضمام إلى حماس أو الجهاد أو القاعدة، فثمة تيارات للمقاومة ذات نزعة جهادية صلبة كامنة في المجتمع الفلسطيني وفي جميع الفصائل الفلسطينية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهذه التيارات تفتش عن مخرج للحالة السائدة الآن وتترقب من يأخذ بيدها. ومن جهة أخرى ثمة انتشار واسع النطاق للفكر السلفي الجهادي في فلسطين لم يعد التعبير عنه جريمة وليس اعتناقه نقيصة ولا هو حكرا على أحد، وفي السياق، وفضلا عن منتدى رسالة الأمة الجهادية، بوصفه المنتدى السلفي الأول في فلسطين كما يعلن، رصدنا قبل أسابيع قليلة جدا ظهور منتدى جديد تبدو ملامحه منبثقة عن حركة الجهاد الإسلامي لولا أن القائمون عليه يرفضون أن يكون المنتدى تابعا للحركة ويرفضون توصيفهم بغير أدعياء الفكر الجهادي العالمي على الرغم من أنهم يصرحون بأن بعضهم ما زال يحمل عضوية الحركة.

    كما نلحظ، زيادة على ما ذكر، كتلا أخرى من المفترض أن بعضها تابع لحركة فتح، ولكنها في الحقيقة ذات فكر جهادي، وأبرز دليل على وجودها هي إحدى تشكيلات كتائب الأقصى التي شاركت بعملية "ذوبان الجليد" مع حركة الجهاد الإسلامي مؤخرا باسم "جيش المؤمنين". كما لا ننسى الإعلان المدوي عن وجود ثلاثة تيارات سلفية جهادية قوية في فلسطين، وأن هذا الأمر بات حقيقة واقعة، وأنها لن تبدأ العمل قبل مطلع العام القادم. ولمثل هؤلاء يوجه الظواهري خطابه.

    لو عاينا الوضع في لبنان لما اختلف الأمر كثيرا، فالوضع اللبناني ينذر بتفكك محتمل في مستوى الرأسين اللذين يتسميان بفريق الموالاة للحكومة وفريق المعارضة. غير أننا رصدنا، كما فعل غيرنا، تيارا ثالثا يخترق الساحة اللبنانية وهو تيار السلفية الجهادية، ولم يعد ينكر أحد في لبنان أن القاعدة تتمتع بكينونة من نوع ما لا تقتصر أبدا على الجانب اللبناني، ففيها الفلسطيني أيضا الذي يتوزع على "فتح الإسلام" و"أنصار السنة" وحتى "جند الشام" ذات الحضور الكبير في سوريا.

    وذات الأمر يتعلق في بلدان المغرب العربي من ليبيا وحتى موريتانيا. وكان العالم قد تابع بترقب كبير الصدامات الدامية التي وقعت في مناطق الشمال التونسي بين الجيش التونسي ومجموعات تنتمي إلى السلفية الجهادية، حيث تكتمت الحكومة التونسية على الأحداث في بادئ الأمر، ولم تكن لتكشف عن حقيقتها لولا طول أمد المواجهات واتساع نطاقها لتشمل تونس العاصمة وضاحية حمام الأنف وجبل بوقرنين وسليمان وحتى نابل.

    أما الثقل الكبير في المغرب العربي فيقع حصرا في الجزائر التي تؤوي جماعات "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتهديداتها بشن هجمات قوية ضد المصالح الغربية وفي بعض الدول المجاورة. ولقد كان ملفتا للنظر سلسلة الهجمات التي شنتها الجماعة على سبعة مراكز للدرك الجزائري شرقي البلاد مخلفة خسائر فادحة في صفوف القوات الحكومية وتاركة علامات تساؤل محيرة لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أجهزة الأمن الجزائرية كانت تتوقع هذه الهجمات. أما الملفت للانتباه في هذه الهجمات فهي الدقة ومستوى الرصد والأمن والتخطيط الذي ميزها بالإضافة إلى أنها بدت وكأنها عملية تدريب على هجمات متعددة الأهداف أكثر مما هي استهداف لمجرد مراكز شرطة لا يقدم ضربها ولا يؤخر في مصير النظام الجزائري. فأين ستتجه ضرباتها القادمة؟ هل إلى دول المغرب؟ أم إلى دول أوروبية؟

    إذن الوضع في فلسطين ولبنان والمغرب العربي حظي بالاهتمام من قبل الظواهري الذي بدا خطابه تهديديا بصورة لا مواربة فيها.

    أولا: فهو إذ يستعرض الفشل الأمريكي في العراق وأفغانستان يتحدث بلغة الموقن عن هزيمة منتظرة "في القريب العاجل" للأمريكيين ملمحا إلى أن مشكلتهم الآن مع المسلمين ستغدو عويصة بناء على أمرين نحسب أنهما معطيان بالغي الدقة لم ينكرهما حتى الأمريكيين، وهما بلغة الظواهري: " أنكم لا تواجهون أفرادا أو تنظيمات ولكنكم تواجهون الانتفاضة الجهادية للأمة المسلمة الغاضبة المتحفزة ... (و) أن حلفائكم قد ولى عهدهم وبزغ عهد الجهاد والمجاهدين". وفي السياق ذاته يصب الظواهري جام غضبه، على الأقل، على ثلاث فئات يرى أنه آن الأوان كي تستعد لمواجهة مصيرها بعد الهزيمة الأمريكية كونها شاركت أو سهلت أو تحالفت أو تواطأت مع الولايات المتحدة في العدوان على بلاد المسلمين، وهي: فئة (1) "الخونة في العراق وأفغانستان (والذين) عليهم أن يواجهوا مصيرهم الذي لا مفر منه"، وفئة (2) " الدول التي تواطأت مع الصليبين على غزو العراق وأفغانستان (والتي) عليها أن تجني حصادها المر"، وفئة (3) ذوي " اللحى الطويلة والعمائم الضخمة والألقاب الفخمة والأنساب المزعومة (التي) لا تغني من الحق شيئاً" .هذه الفئات الثلاث يصفها الخطاب باعتبار أصحابها "حماة السنة الأمريكية..السنة الصليبية ..السنة الصهيونية".

    ثانيا: أما فيما يتعلق بالتركيز على البلدان الثلاثة إضافة للصومال فنلحظ في الخطاب وكأن الظواهري يصدر تعليمات لا لبس فيها لتيارات السلفية الجهادية بالتحرك الآن. فمثلا في لبنان نراه يشدد على رفض المسلمين للقرار الدولي 1701 القاضي بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية بعمق 30 كيلومترا حتى "وإن وافقت عليه كل القوى السياسية الرسمية المرخص لها من الحكومة اللبنانية (لأن هذه القوى) لها ارتباطاتها الخارجية التي تسيرها وفق هواها ". وغني عن القول أن للدعوة هنا نكهتها المميزة هذه المرة. فالرجل يتحدث عن "الأمة المسلمة وطليعتها المجاهدة في لبنان"، وهي مدعوة "أن تعمل على رفض القرار 1701 قولا وعمل"، وأكثر من ذلك يكرر الظواهري القول لمن لم يسمع أن يحسن الاستماع ويعي ما هو مطلوب منه: "أنا أعلم أن الطريق ... طويل والمهمة شاقة ولكن عليهم أن يبدؤوا العمل من الآن"، هكذا إذن (الآن)، أما لماذا؟ فلأنه " لا يمكن أن نقبل بالقرار".

    والحقيقة أنني لم أستمع لخطاب للظواهري يتحدث بهذه الطريقة منذ شرعت بتحليل خطابات السلفية الجهادية عموما وخطابات القاعدة خصوصا. وكررت الاستماع لهذه العبارات عدة مرات محاولا تبيُّن حقيقتها فلم أجد إلا تفسيرا واحدا وهو أن الرجل ربما يكون بصدد توجيه تعليمات للقاعدة في لبنان بأن تباشر تحركها، الأمر الذي يؤشر على أن القاعدة التي فتحت جبهة على مصراعيها في بلاد المغرب يبدو أنها على وشك فتح جبهة حقيقية في لبنان، مما ينبئ بأن للقاعدة في لبنان ثقل ليس بالقليل.

    نكتفي بهذا القدر من التحليل لما نعتقد أنه أبرز ما احتواه الخطاب مع التذكير بسيل من الدعوات والتحيات للمجاهدين في الصومال والعراق ومناطق أخرى. ولكن لا بد من التذكير بأهمية ما يجري على الساحة الأفغانية. فلم يعد خافيا حجم الورطة التي تعاني منها قوات الناتو هناك، ولعل تصريحات قادة طالبان عن الربيع الساخن تثير الفضول الكبير لما تخطط له الحركة، أما أكثر التصريحات المثيرة فكانت تلك التي تحدثت عن أن طالبان استكملت ما نسبته 80% من استعداداتها للشروع ببدء الحرب على القوات الأجنبية لطردها من أفغانستان، ولا ريب أن مثل هذا التصريح يبعث على الحيرة أكثر مما يبعث على التأمل، فإذا كانت طالبان تتحدث عن استعدادات لبدء الحرب، فما الذي كانت تفعله خلال السنوات الماضية؟ لعل الجواب عند قناة الجزيرة، فمن يدري؟
    نعيب الزمان والعيب فينا

    وما للزمان عيب سوانا
يعمل...
X