مدرسة القسام العسكرية
"قتل الجنود اليهود عبادة نتقرب بها إلى الله"
"هل يمكن لرابين أن يمنع شاباً يريد أن يموت"
من أقوال الشهيد القائد عماد عقل
مدرسة القسام العسكرية
أدرك اليهود أن ثمة مساراً جديداً وصعباً بدأ يأخذ مداه في الصراع بينهم وبين الشعب الفلسطيني منذ أن بدأت كتائب الشهيد عز الدين القسام جهادها المبارك ضد قوات العدو وآلته العسكرية المزودة بالوسائل الحربية والتكنولوجية المتطورة. فقد وقف الشهيد القائد عماد عقل بكل قوة وفي شموخ الأبطال ليلقن جيش الاحتلال وأجهزة أمنه أن الحرب لها طعماً آخر يختلف عما تعلمه وتعود عليه القادة العسكريون وضباط العمليات، والخصم هذه المرة يختلف عمن سبقه. ويعلو لواء عز الدين القسام عالياً مرفوعاً في السماء ويسمو القائد عماد عقل مخلداً في الذاكرة الوطنية الفلسطينية تواريخ مجيدة سجلت الوقائع الحية لملاحم جهادية رائعة تحفظها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة وتسير على نهجها وخطاها.
عشرون عاماً أو أكثر تعيد نفسها وإن كانت بإيقاعات مختلفة. ففي ظل الكمائن التي كانت تنصب لجنود الاحتلال والقنابل التي كانت تلقى على دوريات الجيش والسيارات العسكرية من قبل قوات التحرير الشعبية التي بقيت تقاتل في قطاع غزة بعد سقوطه بأيدي القوات الإسرائيلية إلى جانب الخلايا المسلحة التي كان يقودها الشهيد محمد محمود الأسود، واجه الكيان الصهيوني أول حرب استنزاف فلسطينية حقيقية دفعت برئيس هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت الجنرال حاييم بارليف إلى الاعتراف بمخاطر هذه العمليات حين قال "إننا نحتل غزة في النهار، لكن الفدائيين يحررونها في الليل". وبعد حوالي عشرين عاماً بالتحديد، عاد قادة جيش الاحتلال وضباطه إلى البحث عن الأمن ليس للمدنيين اليهود، وإنما للعسكريين المدربين والمدججين بالسلاح في هذا القطاع (اللعين) كما يسميه المستوطنون، أو (وكر الدبابير) و (الثعابين) حسب تعبير الجنود والضباط من (سيئي الحظ) الذين يفرزون للخدمة والنشاط الميداني هناك. ومع فارق الإمكانيات التي توفرت للشهيد عماد عقل وإخوانه في كتائب عز الدين القسام بالمقارنة بما كان لدى قوات التحرير الشعبية وخلايا المنظمات الفدائية في أوائل السبعينات إلى جانب الإجراءات الإرهابية الصهيونية التي فاقت ما اتخذه آربيل شارون في ذلك الوقت، إلا أن محصلة العمل العسكري القسامي ووفق الاعترافات الإسرائيلية من خسائر بشرية أصابت جيش الاحتلال يفوق ما تعرض له هذا الجيش خلال حرب الاستنزاف الفلسطينية الأولى. فغالباً ما تنتهي أعمال الدورية الإسرائيلية في ساعات الليل بإطلاق النار، ومن الصدفة ألا يقتل جندي إسرائيلي على الأقل كل أسبوع أو عشرة أيام في أكثر تقدير. وفي هذا الإطار، إطار التصعيد الجهادي المتميز لكتائب القسام، اعتبر المؤرخ أوري ميسلشتاين المتخصص في التاريخ العسكري أن "حرب العصابات ليست ظاهرة جديدة فقد وقعت الكثير من الهجمات في السبعينات، لكن هذه المرة فإن العمليات تنجح، وأصبح الشبان الفلسطينيون يتغلبون على الإسرائيليين من الناحية التقنية المحضة". كما حقق المجاهد القسامي عماد عقل وإخوانه في الجهاز العسكري لحركة حماس في عامي 1992 و 1993 أضخم الإنجازات العسكرية كماً ونوعاً بالقياس إلى الأعوام السابقة وما حققته المنظمات الفلسطينية الأخرى، فعلى المستوى الكمي نفذت كتائب عز الدين القسام معظم العمليات وإطلاق النار على جيش الاحتلال وحرس الحدود ورجال الشرطة الصهاينة. وأما على المستوى النوعي، فقد حقق الأبطال أيضاً تطوراً كبيراً وملحوظاً في مستوى تخطيط وتنفيذ وتطبيق العمليات العسكرية دفعت بقيادة الجيش الإسرائيلي إلى إرسال المزيد من التعزيزات واستبدال قوات الاحتياط بوحدات مقاتلة عاملة وتخفيف التعليمات المتعلقة بإطلاق النار. وبكل إصرار وثبات على الحق، مضى شهيدنا رحمه الله في عمليات التصعيد الجهادي الشامل الذي أقرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع بداية العام الخامس للانتفاضة الفلسطينية المباركة، منتفضاً على عوامل الهزيمة والذل ليزغرد الرصاص القسامي في مختلف المواقع والمدن التي وطئت أرضها قدماه. ففي غزة هاشم وخليل الرحمن اكتملت خيوط الجهاد وتجمعت السواعد الفلسطينية المقاتلة لتؤكد أن البندقية المقاتلة تزرع الأمل والرصاص القسامي يختصر الطريق إلى الوطن. وإذا كان الشهيد بلسعاته القاتلة لجنود الاحتلال قد عبر عن قدرته التخطيطية وجرأته العقائدية من خلال عشرات الكمائن والهجمات التي فاقت الخمس والأربعين باعتراف الناطق العسكري الإسرائيلي، فإن قوات العدو من جيش وحرس حدود وقفت عاجزة عن دخول حلبة صراع لا تدخل في تفاصيله وظروفه الاعتبارات الكلاسيكية الخاصة من هجوم وتقدم والتفاف وقصف طيران. وطالما نحن بصدد توثيق هذه المرحلة المهمة من تاريخ فلسطين الحديث والتي أضحى عماد عقل وإخوانه في كتائب القسام عنوانها الأبرز، فإن ذلك يقودنا إلى دراسة هذه الظاهرة العسكرية المتميزة في كفاح شعبنا واستشفاف بعض الخصائص الأساسية في عملياته الفدائية الكبيرة، آخذين بعين الاعتبار أن العمليات التي يذكرها العدو أو يعترف بها تكون ضمن أقل حجم يمكن لسلطات الاحتلال أن تصل إليه، ومثال ذلك أن عدداً من الكمائن الناجحة التي نفذها الشهيد القائد ضد دوريات الجيش وأدت إلى إصابات قاتلة. ومع ذلك فإن هذه الكمائن – بإعلان الناطق العسكري- تكون إما أنها أسفرت عن إصابة جندي ودائماً بجروح طفيفة أو أنها لم تحدث أي إصابات أو أضرار مادية. وإذا كان هناك من العمليات التي نفذها عماد عقل ولم يستطع العدو تجاهلها لأسباب مختلفة ومنها أن تكون العملية قد وقعت في منطقة مأهولة بالسكان، أو أن يكون للمصابين عائلات في فلسطين المحتلة لذا من الصعب إخفاء ما حل بهم، وفي هذه الحالة تلجأ سلطات الاحتلال العسكرية إلى الاعتراف بتلك العمليات ولكن تنسب الإصابات التي نتجت عنها إلى حوادث الطرق. ففي الكمين الناجح الذي قاده الشهيد عماد عقل ضد سيارتي جيب كبيرتين بالقرب من مقبرة الشهداء في مخيم جباليا، سقط ثلاثة قتلى من جنود العدو ولكن الناطق العسكري الإسرائيلي اعترف بمقتل جندي واحد فقط ونسب القتيلين الآخرين إلى حادثي طرق أصاب سيارتهما العسكرية في ذلك اليوم بالقرب من إحدى المستوطنات اليهودية؟!
أشهر العمليات التي نفذها عماد عقل واعترفت بها سلطات الاحتلال
الرقم ،، التاريخ ،، الموقع ،، خسائر العدو البشرية (حسب مصادر العدو)
1 ،، 5/4/1992 ،، الشيخ عجلين / غزة ،، تحطيم سيارة مخابرات وإصابة ركابها
2 ،، 21/10/1992 ،، منطقة الحاووز / الخليل ،، أربعة جرحى بينهم ضابطة
3 ،، 25/10/1992 ،، موقع عسكري / الخليل ،، مقتل جندي وجرح آخر
4 ،، 25/11/1992 ،، الشيخ رضوان / غزة ،، مقتل جندي
5 ،، 7/12/1992 ،، طريق الشجاعية بيت لاهيا ،، ثلاثة قتلى بينهم ضابط
6 ،، 12/2/1993 ،، مفترق الشجاعية ،، جريحان
7 ،، 12/3/1993 ،، الطريق الشرقي للشجاعية ،، أربعة جرحى
8 ،، 20/3/1993 ،، مقبرة الشهداء / جباليا ،، ثلاثة قتلى وأربعة جرحى
9 ،، 28/5/1993 ،، غرب الشيخ رضوان ،، سبع إصابات
10 ،، 30/5/1993 ،، حي قرقش (المشاهرة) ،، غير محدد
11 ،، 12/9/1993 ،، حي الزيتون / غزة ،، ثلاثة قتلى
12 ،، 19/10/1993 ،، بيت لاهيا ،، جريحان
نستطيع أن نقول، بعد معرفة ودراسة تفاصيل تلك العمليات البطولية: إن القائد عماد عقل أثبت أنه بفضل الله أقوى من كل مخططات وإجراءات الصهاينة العسكرية والأمنية. كما أنه فاق بعملياته النوعية إنجازات أصحاب النجوم والرتب العسكرية الذين حفل بهم تاريخ الصراع الفلسطيني – الصهيوني، وهذا ما يؤكده الصحفي الإسرائيلي تسفي غيلات الذي يكتب لصحيفة (يديعوت احرنوت) حيث قال "إن ما يقلق إسرائيل من هذه الخلايا هو نوعية الأهداف التي يختارونها وخبرتها وقدرتها تشير إلى قدرة عسكرية تستحق الثناء… فكل العمليات كانت بحاجة إلى رصد، إعداد، ومنطقة داعمة تمكن السمك من الغوص في مياهه، وللحرب في الإسلام شروط هي: إخراج الأطفال والنساء والشيوخ، ومواجهة الجنود. هكذا تفعل حركة حماس الآن، مما يمنحها الاحترام والتقدير في الشارع الفلسطيني". ولأهمية الإحاطة ببعض الخصائص الأساسية لعمليات الشهيد القائد رحمه الله كونها تعطي وستظل تعطي الأجيال القادمة توهجاً وحمية في مقارعة اليهود واستنزاف قواهم البشرية بفعل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيش الاحتلال، يمكن تحديد أهم هذه الخصائص وما أكدته بالنقاط التالية:
<الإيمان وحب الشهادة وروح التضحية العالية: وقيمة هذه الميزة أنها المنبع والمحرك لكل الخصائص الأخرى، كونها ترتبط بقوله تعالى (^من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) . أنها روح الإيمان الجياشة التي تدفع بالمجاهد إلى الحرص على طلب الشهادة طريقاً للوصول إلى وعد الله بتحرير البلاد، حيث نفذ المجاهد عملياته تحت ظروف قاسية، وكان يدرك مسبقاً إمكانيات وقدرات العدو. ومع ذلك فقد كانت استعدادات اقتحام الصعوبات ومواجهة العدو كبيرة مما يدل على الحالة المعنوية المرتفعة التي كان يتمتع بها المجاهد البطل.
السرية وعدم النزوع للعمل الإعلاني والدعائي: ولا يخفى أن قيمة هذه الخاصية تشير إلى أين يجب أن يكون التركيز والعمل، وهذه الخاصية لعمليات عماد من تجنبه أخذ الصور مكشوف الوجه خلال فترة مطاردته وعدم الظهور في استعراضات عامة والعمل بصمت ودون ضجيج أعطته القوة والاستمرارية. وبالمقارنة بين إنجازات الشهيد القائد وما فعله بعض المطاردين من المنظمات الأخرى الذين كانوا يتجولون دون لثام بلباسهم العسكري وأسلحتهم الظاهرة، ندرك أهمية هذه السرية.
الثقة العالية بالنفس والاحتراف القتالي الرفيع المستوى في إتقان الهجوم والانسحاب المنظم دون خسائر وإجادة التمويه رغم أن الشهيد لم يتدرب في كلية عسكرية أو يتعلم من خلال دورة في هذه الدولة أو تلك، الأمر الذي أزعج أوساط جيش الاحتلال الإسرائيلي. فقد اعترف ضباط كبار بدقة إتقان تخطيط هذه العمليات إلى جانب قناعتهم بأن عمليات الشهيد القائد كانت تتحسن من حيث التخطيط والتنفيذ من عملية إلى أخرى.
<الكثافة الكمية والنوعية: فلا يمر أسبوع دون اشتراك الشهيد القائد في عملية عسكرية في الحد الأدنى. وكل هذه العمليات اتسمت بنوعية محددة وهي تكتيك الكمين والهجوم والمواجهة الذي يعتمد على الأسلحة الرشاشة. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أهمية هذا النمط من العمليات، كونه يترك للمجاهد الحرية الكبيرة في التحرك وفي مفاجأة العدو بتوجيه الضربة أولاً. وهذا النمط من العمليات، يحتاج إلى عامل الرصد وبث العيون والمراقبة الدقيقة للموقع، لذلك قد تستغرق عملية الرصد فترة طويلة إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة في تنفيذ العملية. مما دفع المسؤولين العسكريين الصهاينة إلى إطلاق صيحات الخطر والخوف حيث نقلت صحيفة معاريف في أعقاب عملية ليلة القدر بأن "الوسائل التي يعتمدها الجيش لم تعد تكفي فنحن نواجه حرب عصابات فعلية على غرار ما واجه الجيش الإسرائيلي في بيروت".
<الهجوم على دوريات الجيش المتنقلة وجنود الحراسة: معظم عمليات عماد عقل إن لم يكن كلها كانت موجهة لأهداف عسكرية بحته وهذا بحد ذاته يعد قمة التحدي الحماسيّ لدولة بأسرها. فالمقصود من هذه العمليات قتل جنود عسكريين أي تحدٍّ عسكري بحت (جندي أمام جندي) مع أن كتائب القسام تستطيع وهي القادرة وبطريقة أسهل أن تبيد حافلة مستوطنين، ولكنها ترتفع لمستوى التحدي ورابين الذي يشغل وزارة الدفاع إضافة إلى رئاسته لمجلس الوزراء يفهم معنى ذلك جيداً. ومن أهم مميزات توجيه الهجمات نحو الآلة العسكرية الإسرائيلية، أنها تترك العدو في حالة استنفار وطوارئ مستمرة وتصرف جزءاً كبيراً من جهده في مراقبة الحدود والمستوطنات. وأكبر دليل على ذلك، دعوات القيادة الإسرائيلية لمستوطنيها بالتطوع في الحرس المدني والتدرب على السلاح لمواجهة كتائب الشهيد عز الدين القسام .
ويترافق هذا الاستنزاف لآلة الحرب الصهيونية من جراء هذه العمليات، ما يعنيه الهجوم على جيش الاحتلال ودورياته بالنسبة لكبرياء الجيش الإسرائيلي وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي. وفي هذا الإطار، نشير إلى ما كتبه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق (الجنرال شلومو غازيت) في يديعوت احرنوت يوم 12/8/1993 والذي جاء فيه "نواجه في الآونة الأخيرة عمليات تتلخص سياستها في التركيز أكثر فأكثر على الجنود ورجال الأمن، وهذه تغيرات في التوجهات تترتب عليها نتيجتان: الأولى – أنها تسلب منا المبررات الأخلاقية بخصوص الطابع غير الإنساني للعنف الفلسطيني الذي يوجه للمدنيين الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ. وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي لا يرفض أحد انتفاضة شعب يرزخ تحت الاحتلال العسكري منذ 45 عاماً، عندما يخوض هذا الشعب صراعاً ضد جنود الاحتلال. أما النتيجة الثانية فهي نجاح العمليات التي تقوم بها خلايا رجال المنظمات بتوجيه ضربة قاسية لكبرياء الجيش الإسرائيلي ولصورته التي لا تهزم ولقوة ردعه. وإذا استمرت هذه التوجهات فلا ريب في أنها قد تؤدي إلى زيادة جرأة خلايا العنف وتماديها وقد تشجع شبان فلسطينيون آخرون على الانضمام لصفوف هذه الخلايا".
الشجاعة والثبات وتنفيذ أصعب العمليات العسكرية: فقد خاض المجاهد القسامي رغم إمكانياته المحدودة قياساً إلى إمكانيات العدو وما لدى المنظمات الأخرى – العديد من العمليات الصعبة وهذا يدل على قمة الإصرار والتحدي على مواجهة العدو رغم ظروف الإرهاب والبطش وما استيلاء المجاهد عماد عقل على أسلحة الجنود ووثائقهم وما بحوزتهم من ذخيرة إلا شاهد على هذه الشجاعة التي تحلى بها إلى جانب تأكيد المبدأ القائل بأن خير مصدر للأسلحة بالنسبة لحركة حماس هو الغنائم من العدو نفسه.
الدقة في التخطيط وفي التنفيذ وإصابة الهدف: حققت غالبية العمليات التي نفذها الشهيد القائد رحمه الله نتائجها العسكرية المرجوة. وكان اختيار الهدف من النواحي السياسية والعسكرية عاملاً كبيراً في نجاحها، واستطاع المجاهد عماد عقل اختراق كافة الإجراءات والحواجز الأمنية التي اتخذتها قوات الاحتلال للحيلولة دون تنفيذ كتائب القسام لعملياتها العسكرية. ومما يدل على دقة العمليات التي نفذها الشهيد عماد عقل من حيث التخطيط والتنفيذ وإصابة الأهداف، الخسائر البشرية العالية التي أصابت قوات العدو دون وقوع إصابات في صفوف المجاهدين في المقابل.
الجيش الذي لا يقهر يبكي قتلاه
<تطوير التكتيك وأساليب الهجوم: وهنا ظهر الإبداع القسامي في تحديد الدور غير المتوقع والذي أظهر بحق التفوق الإسلامي على أجهزة الأمن الإسرائيلية في حرب الأدمغة. فقد جاءت الهجمات التي شارك عماد عقل في تنفيذها على الشكل التالي:
أ-الهجوم من مكان ثابت ضد هدف متحرك، ومثال ذلك عمليتا مصعب ابن عمير وليلة القدر.
ب-الهجوم من مكان متحرك ضد هدف متحرك، ومثال ذلك عملية مفترق الشجاعية.
جـ-الهجوم من مكان ثابت ضد هدف ثابت، ومثال ذلك عملية الحرم الإبراهيمي.
<الإعلان الفوري عن العمليات عند القيام بها عبر مكبرات الصوت من المساجد أو المنشورات العسكرية التي تلقي في مكان العملية كما حدث في عملية مفترق الشجاعية على سبيل المثال.
أما بالنسبة للحقائق والمعالم التي أفرزتها العمليات الفدائية الجريئة لعماد عقل وإخوانه فإن عودة الوعي إلى المقاومة الفلسطينية بالتأكيد من جديد على أن حل القضية الفلسطينية لن يكون إلا عبر البندقية والحرب الشعبية المنبثقة من داخل الأرض المحتلة بضرب جيش الاحتلال وإرباك جنوده يعتبر أبرز وأهم هذه الحقائق، إلى جانب تعزيز إيمان شعبنا بمقاومة كل الصعاب التي تحيط به بتحطيم حاجز الخوف من الجيش الصهيوني مما ساهم في زيادة الثقة والوعي لدى الجماهير وتأججت فيها مشاعر الثورة والجهاد والفخر، فزادت عمليات الطعن وارتفعت وتيرة الصدامات الجماهيرية بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الضفة والقطاع. ولذلك يصور مثقف فلسطيني من مدينة القدس العمليات التي نفذها المطاردون بالأمل الذي تنام عليه الأسر المكلومة، فيقول لمراسل إحدى وكالات الأنباء "ترى ماذا يتبقى لأم فقدت ابناً، أو زوجة فقدت زوجاً، وماذا يتبقى لأسر المعتقلين والشهداء والمبعدين سوى التلذذ بلحظات الانتصار في المعارك الصغيرة التي يخوضها المطاردون ضد جيش يفوقهم عدداً وعدة؟" .
وتبقى التواريخ المجيدة التي سجلت الوقائع الحية المشرقة للأجيال الفلسطينية المتعاقبة شاهداً على عمليات التضحية والفداء التي واكبت حياة الشهيد القائد عماد عقل الذي ظل يسير تحت لواء عز الدين القسام ويتنقل من مكان إلى آخر محطماً كل القيود وكل الحواجز، فمن عملية قائد الشرطة في الشيخ عجلين إلى عملية مصعب بن عمير في حي الزيتون مروراً بعمليات الرينو العسكرية، والحرم الإبراهيمي، الشجاعية، وليلة القدر .
لم يتوقف قطار العمل الجهادي لعماد عقل الذي أذاق العدو الصهيوني وأذنابه الويلات قبل أن يترجل فارسنا شهيداً لاحقاً بإخوانه الذين سبقوه ملتحماً بقافلة شهداء القسام في جنات الخلد والنعيم.
"قتل الجنود اليهود عبادة نتقرب بها إلى الله"
"هل يمكن لرابين أن يمنع شاباً يريد أن يموت"
من أقوال الشهيد القائد عماد عقل
مدرسة القسام العسكرية
أدرك اليهود أن ثمة مساراً جديداً وصعباً بدأ يأخذ مداه في الصراع بينهم وبين الشعب الفلسطيني منذ أن بدأت كتائب الشهيد عز الدين القسام جهادها المبارك ضد قوات العدو وآلته العسكرية المزودة بالوسائل الحربية والتكنولوجية المتطورة. فقد وقف الشهيد القائد عماد عقل بكل قوة وفي شموخ الأبطال ليلقن جيش الاحتلال وأجهزة أمنه أن الحرب لها طعماً آخر يختلف عما تعلمه وتعود عليه القادة العسكريون وضباط العمليات، والخصم هذه المرة يختلف عمن سبقه. ويعلو لواء عز الدين القسام عالياً مرفوعاً في السماء ويسمو القائد عماد عقل مخلداً في الذاكرة الوطنية الفلسطينية تواريخ مجيدة سجلت الوقائع الحية لملاحم جهادية رائعة تحفظها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة وتسير على نهجها وخطاها.
عشرون عاماً أو أكثر تعيد نفسها وإن كانت بإيقاعات مختلفة. ففي ظل الكمائن التي كانت تنصب لجنود الاحتلال والقنابل التي كانت تلقى على دوريات الجيش والسيارات العسكرية من قبل قوات التحرير الشعبية التي بقيت تقاتل في قطاع غزة بعد سقوطه بأيدي القوات الإسرائيلية إلى جانب الخلايا المسلحة التي كان يقودها الشهيد محمد محمود الأسود، واجه الكيان الصهيوني أول حرب استنزاف فلسطينية حقيقية دفعت برئيس هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت الجنرال حاييم بارليف إلى الاعتراف بمخاطر هذه العمليات حين قال "إننا نحتل غزة في النهار، لكن الفدائيين يحررونها في الليل". وبعد حوالي عشرين عاماً بالتحديد، عاد قادة جيش الاحتلال وضباطه إلى البحث عن الأمن ليس للمدنيين اليهود، وإنما للعسكريين المدربين والمدججين بالسلاح في هذا القطاع (اللعين) كما يسميه المستوطنون، أو (وكر الدبابير) و (الثعابين) حسب تعبير الجنود والضباط من (سيئي الحظ) الذين يفرزون للخدمة والنشاط الميداني هناك. ومع فارق الإمكانيات التي توفرت للشهيد عماد عقل وإخوانه في كتائب عز الدين القسام بالمقارنة بما كان لدى قوات التحرير الشعبية وخلايا المنظمات الفدائية في أوائل السبعينات إلى جانب الإجراءات الإرهابية الصهيونية التي فاقت ما اتخذه آربيل شارون في ذلك الوقت، إلا أن محصلة العمل العسكري القسامي ووفق الاعترافات الإسرائيلية من خسائر بشرية أصابت جيش الاحتلال يفوق ما تعرض له هذا الجيش خلال حرب الاستنزاف الفلسطينية الأولى. فغالباً ما تنتهي أعمال الدورية الإسرائيلية في ساعات الليل بإطلاق النار، ومن الصدفة ألا يقتل جندي إسرائيلي على الأقل كل أسبوع أو عشرة أيام في أكثر تقدير. وفي هذا الإطار، إطار التصعيد الجهادي المتميز لكتائب القسام، اعتبر المؤرخ أوري ميسلشتاين المتخصص في التاريخ العسكري أن "حرب العصابات ليست ظاهرة جديدة فقد وقعت الكثير من الهجمات في السبعينات، لكن هذه المرة فإن العمليات تنجح، وأصبح الشبان الفلسطينيون يتغلبون على الإسرائيليين من الناحية التقنية المحضة". كما حقق المجاهد القسامي عماد عقل وإخوانه في الجهاز العسكري لحركة حماس في عامي 1992 و 1993 أضخم الإنجازات العسكرية كماً ونوعاً بالقياس إلى الأعوام السابقة وما حققته المنظمات الفلسطينية الأخرى، فعلى المستوى الكمي نفذت كتائب عز الدين القسام معظم العمليات وإطلاق النار على جيش الاحتلال وحرس الحدود ورجال الشرطة الصهاينة. وأما على المستوى النوعي، فقد حقق الأبطال أيضاً تطوراً كبيراً وملحوظاً في مستوى تخطيط وتنفيذ وتطبيق العمليات العسكرية دفعت بقيادة الجيش الإسرائيلي إلى إرسال المزيد من التعزيزات واستبدال قوات الاحتياط بوحدات مقاتلة عاملة وتخفيف التعليمات المتعلقة بإطلاق النار. وبكل إصرار وثبات على الحق، مضى شهيدنا رحمه الله في عمليات التصعيد الجهادي الشامل الذي أقرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع بداية العام الخامس للانتفاضة الفلسطينية المباركة، منتفضاً على عوامل الهزيمة والذل ليزغرد الرصاص القسامي في مختلف المواقع والمدن التي وطئت أرضها قدماه. ففي غزة هاشم وخليل الرحمن اكتملت خيوط الجهاد وتجمعت السواعد الفلسطينية المقاتلة لتؤكد أن البندقية المقاتلة تزرع الأمل والرصاص القسامي يختصر الطريق إلى الوطن. وإذا كان الشهيد بلسعاته القاتلة لجنود الاحتلال قد عبر عن قدرته التخطيطية وجرأته العقائدية من خلال عشرات الكمائن والهجمات التي فاقت الخمس والأربعين باعتراف الناطق العسكري الإسرائيلي، فإن قوات العدو من جيش وحرس حدود وقفت عاجزة عن دخول حلبة صراع لا تدخل في تفاصيله وظروفه الاعتبارات الكلاسيكية الخاصة من هجوم وتقدم والتفاف وقصف طيران. وطالما نحن بصدد توثيق هذه المرحلة المهمة من تاريخ فلسطين الحديث والتي أضحى عماد عقل وإخوانه في كتائب القسام عنوانها الأبرز، فإن ذلك يقودنا إلى دراسة هذه الظاهرة العسكرية المتميزة في كفاح شعبنا واستشفاف بعض الخصائص الأساسية في عملياته الفدائية الكبيرة، آخذين بعين الاعتبار أن العمليات التي يذكرها العدو أو يعترف بها تكون ضمن أقل حجم يمكن لسلطات الاحتلال أن تصل إليه، ومثال ذلك أن عدداً من الكمائن الناجحة التي نفذها الشهيد القائد ضد دوريات الجيش وأدت إلى إصابات قاتلة. ومع ذلك فإن هذه الكمائن – بإعلان الناطق العسكري- تكون إما أنها أسفرت عن إصابة جندي ودائماً بجروح طفيفة أو أنها لم تحدث أي إصابات أو أضرار مادية. وإذا كان هناك من العمليات التي نفذها عماد عقل ولم يستطع العدو تجاهلها لأسباب مختلفة ومنها أن تكون العملية قد وقعت في منطقة مأهولة بالسكان، أو أن يكون للمصابين عائلات في فلسطين المحتلة لذا من الصعب إخفاء ما حل بهم، وفي هذه الحالة تلجأ سلطات الاحتلال العسكرية إلى الاعتراف بتلك العمليات ولكن تنسب الإصابات التي نتجت عنها إلى حوادث الطرق. ففي الكمين الناجح الذي قاده الشهيد عماد عقل ضد سيارتي جيب كبيرتين بالقرب من مقبرة الشهداء في مخيم جباليا، سقط ثلاثة قتلى من جنود العدو ولكن الناطق العسكري الإسرائيلي اعترف بمقتل جندي واحد فقط ونسب القتيلين الآخرين إلى حادثي طرق أصاب سيارتهما العسكرية في ذلك اليوم بالقرب من إحدى المستوطنات اليهودية؟!
أشهر العمليات التي نفذها عماد عقل واعترفت بها سلطات الاحتلال
الرقم ،، التاريخ ،، الموقع ،، خسائر العدو البشرية (حسب مصادر العدو)
1 ،، 5/4/1992 ،، الشيخ عجلين / غزة ،، تحطيم سيارة مخابرات وإصابة ركابها
2 ،، 21/10/1992 ،، منطقة الحاووز / الخليل ،، أربعة جرحى بينهم ضابطة
3 ،، 25/10/1992 ،، موقع عسكري / الخليل ،، مقتل جندي وجرح آخر
4 ،، 25/11/1992 ،، الشيخ رضوان / غزة ،، مقتل جندي
5 ،، 7/12/1992 ،، طريق الشجاعية بيت لاهيا ،، ثلاثة قتلى بينهم ضابط
6 ،، 12/2/1993 ،، مفترق الشجاعية ،، جريحان
7 ،، 12/3/1993 ،، الطريق الشرقي للشجاعية ،، أربعة جرحى
8 ،، 20/3/1993 ،، مقبرة الشهداء / جباليا ،، ثلاثة قتلى وأربعة جرحى
9 ،، 28/5/1993 ،، غرب الشيخ رضوان ،، سبع إصابات
10 ،، 30/5/1993 ،، حي قرقش (المشاهرة) ،، غير محدد
11 ،، 12/9/1993 ،، حي الزيتون / غزة ،، ثلاثة قتلى
12 ،، 19/10/1993 ،، بيت لاهيا ،، جريحان
نستطيع أن نقول، بعد معرفة ودراسة تفاصيل تلك العمليات البطولية: إن القائد عماد عقل أثبت أنه بفضل الله أقوى من كل مخططات وإجراءات الصهاينة العسكرية والأمنية. كما أنه فاق بعملياته النوعية إنجازات أصحاب النجوم والرتب العسكرية الذين حفل بهم تاريخ الصراع الفلسطيني – الصهيوني، وهذا ما يؤكده الصحفي الإسرائيلي تسفي غيلات الذي يكتب لصحيفة (يديعوت احرنوت) حيث قال "إن ما يقلق إسرائيل من هذه الخلايا هو نوعية الأهداف التي يختارونها وخبرتها وقدرتها تشير إلى قدرة عسكرية تستحق الثناء… فكل العمليات كانت بحاجة إلى رصد، إعداد، ومنطقة داعمة تمكن السمك من الغوص في مياهه، وللحرب في الإسلام شروط هي: إخراج الأطفال والنساء والشيوخ، ومواجهة الجنود. هكذا تفعل حركة حماس الآن، مما يمنحها الاحترام والتقدير في الشارع الفلسطيني". ولأهمية الإحاطة ببعض الخصائص الأساسية لعمليات الشهيد القائد رحمه الله كونها تعطي وستظل تعطي الأجيال القادمة توهجاً وحمية في مقارعة اليهود واستنزاف قواهم البشرية بفعل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيش الاحتلال، يمكن تحديد أهم هذه الخصائص وما أكدته بالنقاط التالية:
<الإيمان وحب الشهادة وروح التضحية العالية: وقيمة هذه الميزة أنها المنبع والمحرك لكل الخصائص الأخرى، كونها ترتبط بقوله تعالى (^من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) . أنها روح الإيمان الجياشة التي تدفع بالمجاهد إلى الحرص على طلب الشهادة طريقاً للوصول إلى وعد الله بتحرير البلاد، حيث نفذ المجاهد عملياته تحت ظروف قاسية، وكان يدرك مسبقاً إمكانيات وقدرات العدو. ومع ذلك فقد كانت استعدادات اقتحام الصعوبات ومواجهة العدو كبيرة مما يدل على الحالة المعنوية المرتفعة التي كان يتمتع بها المجاهد البطل.
السرية وعدم النزوع للعمل الإعلاني والدعائي: ولا يخفى أن قيمة هذه الخاصية تشير إلى أين يجب أن يكون التركيز والعمل، وهذه الخاصية لعمليات عماد من تجنبه أخذ الصور مكشوف الوجه خلال فترة مطاردته وعدم الظهور في استعراضات عامة والعمل بصمت ودون ضجيج أعطته القوة والاستمرارية. وبالمقارنة بين إنجازات الشهيد القائد وما فعله بعض المطاردين من المنظمات الأخرى الذين كانوا يتجولون دون لثام بلباسهم العسكري وأسلحتهم الظاهرة، ندرك أهمية هذه السرية.
الثقة العالية بالنفس والاحتراف القتالي الرفيع المستوى في إتقان الهجوم والانسحاب المنظم دون خسائر وإجادة التمويه رغم أن الشهيد لم يتدرب في كلية عسكرية أو يتعلم من خلال دورة في هذه الدولة أو تلك، الأمر الذي أزعج أوساط جيش الاحتلال الإسرائيلي. فقد اعترف ضباط كبار بدقة إتقان تخطيط هذه العمليات إلى جانب قناعتهم بأن عمليات الشهيد القائد كانت تتحسن من حيث التخطيط والتنفيذ من عملية إلى أخرى.
<الكثافة الكمية والنوعية: فلا يمر أسبوع دون اشتراك الشهيد القائد في عملية عسكرية في الحد الأدنى. وكل هذه العمليات اتسمت بنوعية محددة وهي تكتيك الكمين والهجوم والمواجهة الذي يعتمد على الأسلحة الرشاشة. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أهمية هذا النمط من العمليات، كونه يترك للمجاهد الحرية الكبيرة في التحرك وفي مفاجأة العدو بتوجيه الضربة أولاً. وهذا النمط من العمليات، يحتاج إلى عامل الرصد وبث العيون والمراقبة الدقيقة للموقع، لذلك قد تستغرق عملية الرصد فترة طويلة إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة في تنفيذ العملية. مما دفع المسؤولين العسكريين الصهاينة إلى إطلاق صيحات الخطر والخوف حيث نقلت صحيفة معاريف في أعقاب عملية ليلة القدر بأن "الوسائل التي يعتمدها الجيش لم تعد تكفي فنحن نواجه حرب عصابات فعلية على غرار ما واجه الجيش الإسرائيلي في بيروت".
<الهجوم على دوريات الجيش المتنقلة وجنود الحراسة: معظم عمليات عماد عقل إن لم يكن كلها كانت موجهة لأهداف عسكرية بحته وهذا بحد ذاته يعد قمة التحدي الحماسيّ لدولة بأسرها. فالمقصود من هذه العمليات قتل جنود عسكريين أي تحدٍّ عسكري بحت (جندي أمام جندي) مع أن كتائب القسام تستطيع وهي القادرة وبطريقة أسهل أن تبيد حافلة مستوطنين، ولكنها ترتفع لمستوى التحدي ورابين الذي يشغل وزارة الدفاع إضافة إلى رئاسته لمجلس الوزراء يفهم معنى ذلك جيداً. ومن أهم مميزات توجيه الهجمات نحو الآلة العسكرية الإسرائيلية، أنها تترك العدو في حالة استنفار وطوارئ مستمرة وتصرف جزءاً كبيراً من جهده في مراقبة الحدود والمستوطنات. وأكبر دليل على ذلك، دعوات القيادة الإسرائيلية لمستوطنيها بالتطوع في الحرس المدني والتدرب على السلاح لمواجهة كتائب الشهيد عز الدين القسام .
ويترافق هذا الاستنزاف لآلة الحرب الصهيونية من جراء هذه العمليات، ما يعنيه الهجوم على جيش الاحتلال ودورياته بالنسبة لكبرياء الجيش الإسرائيلي وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي. وفي هذا الإطار، نشير إلى ما كتبه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق (الجنرال شلومو غازيت) في يديعوت احرنوت يوم 12/8/1993 والذي جاء فيه "نواجه في الآونة الأخيرة عمليات تتلخص سياستها في التركيز أكثر فأكثر على الجنود ورجال الأمن، وهذه تغيرات في التوجهات تترتب عليها نتيجتان: الأولى – أنها تسلب منا المبررات الأخلاقية بخصوص الطابع غير الإنساني للعنف الفلسطيني الذي يوجه للمدنيين الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ. وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي لا يرفض أحد انتفاضة شعب يرزخ تحت الاحتلال العسكري منذ 45 عاماً، عندما يخوض هذا الشعب صراعاً ضد جنود الاحتلال. أما النتيجة الثانية فهي نجاح العمليات التي تقوم بها خلايا رجال المنظمات بتوجيه ضربة قاسية لكبرياء الجيش الإسرائيلي ولصورته التي لا تهزم ولقوة ردعه. وإذا استمرت هذه التوجهات فلا ريب في أنها قد تؤدي إلى زيادة جرأة خلايا العنف وتماديها وقد تشجع شبان فلسطينيون آخرون على الانضمام لصفوف هذه الخلايا".
الشجاعة والثبات وتنفيذ أصعب العمليات العسكرية: فقد خاض المجاهد القسامي رغم إمكانياته المحدودة قياساً إلى إمكانيات العدو وما لدى المنظمات الأخرى – العديد من العمليات الصعبة وهذا يدل على قمة الإصرار والتحدي على مواجهة العدو رغم ظروف الإرهاب والبطش وما استيلاء المجاهد عماد عقل على أسلحة الجنود ووثائقهم وما بحوزتهم من ذخيرة إلا شاهد على هذه الشجاعة التي تحلى بها إلى جانب تأكيد المبدأ القائل بأن خير مصدر للأسلحة بالنسبة لحركة حماس هو الغنائم من العدو نفسه.
الدقة في التخطيط وفي التنفيذ وإصابة الهدف: حققت غالبية العمليات التي نفذها الشهيد القائد رحمه الله نتائجها العسكرية المرجوة. وكان اختيار الهدف من النواحي السياسية والعسكرية عاملاً كبيراً في نجاحها، واستطاع المجاهد عماد عقل اختراق كافة الإجراءات والحواجز الأمنية التي اتخذتها قوات الاحتلال للحيلولة دون تنفيذ كتائب القسام لعملياتها العسكرية. ومما يدل على دقة العمليات التي نفذها الشهيد عماد عقل من حيث التخطيط والتنفيذ وإصابة الأهداف، الخسائر البشرية العالية التي أصابت قوات العدو دون وقوع إصابات في صفوف المجاهدين في المقابل.
الجيش الذي لا يقهر يبكي قتلاه
<تطوير التكتيك وأساليب الهجوم: وهنا ظهر الإبداع القسامي في تحديد الدور غير المتوقع والذي أظهر بحق التفوق الإسلامي على أجهزة الأمن الإسرائيلية في حرب الأدمغة. فقد جاءت الهجمات التي شارك عماد عقل في تنفيذها على الشكل التالي:
أ-الهجوم من مكان ثابت ضد هدف متحرك، ومثال ذلك عمليتا مصعب ابن عمير وليلة القدر.
ب-الهجوم من مكان متحرك ضد هدف متحرك، ومثال ذلك عملية مفترق الشجاعية.
جـ-الهجوم من مكان ثابت ضد هدف ثابت، ومثال ذلك عملية الحرم الإبراهيمي.
<الإعلان الفوري عن العمليات عند القيام بها عبر مكبرات الصوت من المساجد أو المنشورات العسكرية التي تلقي في مكان العملية كما حدث في عملية مفترق الشجاعية على سبيل المثال.
أما بالنسبة للحقائق والمعالم التي أفرزتها العمليات الفدائية الجريئة لعماد عقل وإخوانه فإن عودة الوعي إلى المقاومة الفلسطينية بالتأكيد من جديد على أن حل القضية الفلسطينية لن يكون إلا عبر البندقية والحرب الشعبية المنبثقة من داخل الأرض المحتلة بضرب جيش الاحتلال وإرباك جنوده يعتبر أبرز وأهم هذه الحقائق، إلى جانب تعزيز إيمان شعبنا بمقاومة كل الصعاب التي تحيط به بتحطيم حاجز الخوف من الجيش الصهيوني مما ساهم في زيادة الثقة والوعي لدى الجماهير وتأججت فيها مشاعر الثورة والجهاد والفخر، فزادت عمليات الطعن وارتفعت وتيرة الصدامات الجماهيرية بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الضفة والقطاع. ولذلك يصور مثقف فلسطيني من مدينة القدس العمليات التي نفذها المطاردون بالأمل الذي تنام عليه الأسر المكلومة، فيقول لمراسل إحدى وكالات الأنباء "ترى ماذا يتبقى لأم فقدت ابناً، أو زوجة فقدت زوجاً، وماذا يتبقى لأسر المعتقلين والشهداء والمبعدين سوى التلذذ بلحظات الانتصار في المعارك الصغيرة التي يخوضها المطاردون ضد جيش يفوقهم عدداً وعدة؟" .
وتبقى التواريخ المجيدة التي سجلت الوقائع الحية المشرقة للأجيال الفلسطينية المتعاقبة شاهداً على عمليات التضحية والفداء التي واكبت حياة الشهيد القائد عماد عقل الذي ظل يسير تحت لواء عز الدين القسام ويتنقل من مكان إلى آخر محطماً كل القيود وكل الحواجز، فمن عملية قائد الشرطة في الشيخ عجلين إلى عملية مصعب بن عمير في حي الزيتون مروراً بعمليات الرينو العسكرية، والحرم الإبراهيمي، الشجاعية، وليلة القدر .
لم يتوقف قطار العمل الجهادي لعماد عقل الذي أذاق العدو الصهيوني وأذنابه الويلات قبل أن يترجل فارسنا شهيداً لاحقاً بإخوانه الذين سبقوه ملتحماً بقافلة شهداء القسام في جنات الخلد والنعيم.
تعليق