حماس وعبر فضائية الاقصي وقبل أسبوعين تقريبا وفي ذكري استشهاد يحي عياش
تكذب وتفتري علي الله ثم علي العباد
وتقول ان من جهز أبطال عملية بيت ليد البطولية هو يحي عياش رحمه الله
وان من خطط للعملية هم رجال القسام
وأن من انتقم لشهداء الجهاد الاسلامي علي حد زعمهم هم أبطال القسام
واليوم وفي ذكري العملية المباركة ينشرون كلامهم الحاقد عبر مواقعم ومنتدياتهم
وكذبهم علي الله وعلي فرسان الجهاد الاسلامي
والقوي الاسلامية المجاهدة قسم
انظروا الي الكذب الكثير والذي يسرده الكاذبون علي الله وعلي الشهيد يحي عياش
اليكم أحد مواقعهم الكاذبة وموضوع العملية
http://www.palestine-info.com/arabic...sh/ayash10.htm
وموقع آخر
http://www.fm-m.com/2006/Jan2006/story15.htm
في ضوء الحقائق التي تراءت، وضع أبو البراء مخططات مفترق بيت ليد أو ما يعرف باسم مفترق هشارون إسرائيلياً أمام القيادة العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة وشرح لإخوانه طبيعة هذا المفترق وأهميته لجنود الاحتلال، وتفاصيل العملية المقترحة ودور مجموعات الضفة الغربية في الدعم والإسناد وما يريده من المجموعات العاملة تحت قيادة محمد الضيف وكمال كحيل. وبعد دراسة مستفيضة لمشروع العملية، باركت القيادة العسكرية الخطة وأعطت الضوء الأخضر للتنفيذ بشرط ألا يصدر إعلان مسؤولية أو تبني باسم حركة حماس، حفاظاً على سرية وجود المهندس في قطاع غزة.
يعتبر مفترق بيت ليد من بين المفترقات الأكثر ازدحاماً في فلسطين المحتلة، وطبقاً لتقديرات دائرة المواصلات الإسرائيلية العامة، فإن ما يقرب من ثمانين ألف سيارة وحافلة تعبر هذا المفترق يومياً. وتتوزع من الموقع الاستراتيجي حركة المرور بين مناطق غوش دان والخضيرة وحيفا في شارع رقم (4) وبين مدن ناتانيا وطولكرم ونابلس في شارع رقم (57). وقد جعل الموقع المركزي للمفترق بين مناطق غوش دان (منطقة تل أبيب الكبرى) وشمال فلسطين منه نقطة انطلاق ونقل رئيسة للجنود الإسرائيليين في طريقهم إلى معسكراتهم وثكناتهم الكائنة في الضفة الغربية، ومكاناً يغص بالجنود الذين يسافرون بالحافلات إلى الخضيرة وحيفا وطبريا وكريات شمونة أو باتجاه تل أبيب والقدس. وإلى جانب ذلك، يوجد بمحاذاة المفترق سجن كفاريونا الذي يحتجز فيه مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين(127).
ووفق الوقائع التي نشرت في وسائل الإعلام، واعترافات المجاهد عبد الحليم البلبيسي (29 عاماً) التي انتزعها الشاباك منه بالقوة وعن طريق استخدام أسلوب الهز العنيف بعد اعتقاله في 6 كانون أول (ديسمبر) 1995م، فإننا نستطيع رسم المخطط الذي وضعه المهندس على النحو التالي:
1- تجهيز ثلاثة حقائب، شبيهة بتلك التي يحملها جنود الاحتلال، بنحو عشرة كيلو جرامات من المتفجرات شديدة الانفجار لكل حقيبة.
2- يرشح قادة الكتائب في غزة ثلاثة من المجاهدين الاستشهاديين، ويقوم المهندس بتدريبهم على تشغيل المتفجرات.
3- تقوم مجموعات الإسناد بنقل المجاهدين الثلاثة من قطاع غزة إلى مدينة القدس.
4- تتولى مجموعات الإسناد في القدس استقبال المجاهدين كل على حدة، وتعمل على توفير ملابس عسكرية لهم ثم تقوم بنقلهم إلى منطقة شمال الضفة الغربية.
5- مجموعات الرصد والاستطلاع في منطقة شمال الضفة الغربية مسؤولة عن رصد المفترق والحراسات الإسرائيلية وأي تغيرات تطرأ حولها.
6- تقوم مجموعات الإسناد في الشمال بنقل المجاهدين الثلاثة إلى المفترق في يوم الأحد الموافق 22 كانون الثاني (يناير) ،1995 حيث تصل في أيام الآحاد من كل أسبوع حافلات لنقل أو إنزال الجنود الذين يخرجون في إجازات من الخدمة العسكرية أو يعودون من إجازاتهم للالتحاق بوحداتهم.
7- يقوم المجاهد الأول بتفجير عبواته قرب الاستراحة والكافتيريا التي يرتادها الجنود. وبعد أن يخرج الجنود من المحطة المحمية جيداً هرباً، يتسلل المجاهد الثاني بينهم ويحيط بأكبر عدد ممكن منهم ثم يفجر حقيبته المفخخة. وأما الثالث، فإنه ينتظر قدوم طواقم الإنقاذ ووحدات التعزيز والحراسة ليفجر عبواته الناسفة وسط الحشود الكثيفة.
ترشح للعملية ثلاثة مجاهدين من قطاع غزة، نجح منهم اثنان في الوصول للهدف وتنفيذ الدور المطلوب منه بينما تأخرت مجموعات الإسناد في إيصال المجاهد الثالث إلى المفترق في الوقت المحدد مما جعل أمر تنفيذ ما خرج لأجله صعب التحقيق. وأما المجاهدان اللذان وصلا مفترق بيت ليد في الوقت المحدد فكان أحدهما صلاح عبد الحميد شاكر محمد (27 عاماً) وهو من سكان مخيم يبنا بمدينة رفح، واعتقل خلال الانتفاضة لمدة (18) يوماً وأصيب ست مرات. وكان صلاح قد انضم في بداية دراسته الثانوية إلى حركة الجهاد الإسلامي، إذ أن أخوته الكبار ينتمون إليها، ولكنه ترك الحركة وانضم لحماس التي أفرزته بعد عمليتي العفولة والخضيرة إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام وعمل في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة. والمجاهد الثاني الذي نجح في الوصول للهدف، هو البطل أنور محمد عطية سكر (25 عاماً) الذي يسكن قرب مسجد الشهداء بحي الشجاعية في مدينة غزة. واعتقل أنور مرة واحدة خلال الانتفاضة وقضى أحد عشر شهراً في سجون الاحتلال، وعند قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، اعتقل مرتين خلال الحملات التي نفذتها شرطة الحكم الذاتي ضد المجاهدين(128).
وبعد أن قام المهندس بتدريب المجاهدين الثلاثة وتوجيههم، كلف المجاهد عبد الحليم البلبيسي بالتنسيق مع القائد محمود الخواجة والمجاهدين نضال برعي وأيمن الرزاينة وعلاء الأعرج، وهم من أبطال حركة الجهاد الإسلامي لترتيب عملية مغادرتهم لقطاع غزة. وفي نفس الوقت، أجرى المهندس اتصالاته مع المجموعات التي أقامها في القدس ونابلس وطولكرم ورتب معها كافة التفاصيل المتعلقة بنجاح الهجوم وتعليمات الانسحاب من المكان بعد إيصال المجاهدين. وسارت الأمور كما رتب لها بالنسبة للمجاهدين صلاح وأنور اللذين ارتديا زي الجنود الإسرائيليين ووقفا في صباح يوم الأحد الموافق 22 كانون الثاني (يناير) 1995 في محطة الحافلات العسكرية بانتظار تجمع مئات الجنود. وحسب الخطة المعدة، دخل المجاهد أنور سكر الاستراحة والكافتيريا التي يرتادها الجنود وفجر عبواته الناسفة في نحو الساعة التاسعة وعشرون دقيقة مما أدى إلى تدمير المبنى وسقوط عدد كبير من الجنود بين قتيل وجريح. وعلى الأثر، خرج العشرات من الجنود الذين نجوا من الإصابة وهم في حالة فزع شديد وعدد منهم يبكي من هول الانفجار، وتجمع حول هؤلاء جمهرة من الجنود الذين وصلوا لتوهم إلى المفترق. وبعد دقيقتين إلى ثلاثة دقائق من التفجير الأول، تسلل المجاهد صلاح شاكر بين العشرات من العسكريين الإسرائيليين المذهولين من مشهد أشلاء القتلى والجرحى، وقام بتفجير الحقيبة التي يحملها بينهم مما أدى إلى سقوط عدد أكبر من الإصابات واحتراق حافلة عسكرية بالكامل بالإضافة إلى عدد من السيارات المتوقفة في المكان(129).
شكلت العملية البطولية للشهيدين صلاح وأنور سابقة متقدمة في تاريخ الجهاد على أرض فلسطين، فهي العملية الأولى من نوعها التي تستهدف هذا العدد من جنود الاحتلال وتحقق هذا النجاح على صعيد التخطيط والتنفيذ. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المهندس عرف أين هو مكمن ضعف الكيان الصهيوني، فوجه ضربته بإتقان مخترقاً أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تتمتع بسمعة خرافية. وجعل الآلاف من الإسرائيليين يتجمعون في مدافن الجيش ويبكون بألم أمام جثث الجنود القتلى عبرت عنه صحيفة هيرالدتربيون البريطانية بقولها: «فيضان من الدمع ينهمر عندما دفنت الدولة المضطربة شبابها»(130). ولم تقتصر آثار الهجوم الاستشهادي على سقوط اثنان وعشرون قتيلاً (أربعة ضباط وثمانية عشر جندياً وضابط صف) وخمسة وستون جريحاً من المظليين، فقد بدا المفترق أشبه ببقايا معركة خاطفة حيث تناثرت أشلاء القتلى والجرحى وطارت أجزاء من أجسامهم المحترقة في الهواء وتعلق بعضها فوق الأشجار، وتناثرت الأكياس والحقائب التي كان يحملها الجنود وبعض البزات العسكرية والعديد من البنادق المحطمة والتي تفتت إلى قطع، فيما انتشر الدمار الذي لحق بالمحطة وقطع السيارات وبقع الدماء في دائرة قطرها نحو (200) متر. كما أدى الانفجاران إلى اقتلاع بعض الأشجار القريبة وتطاير زجاج سجن كفاريونا الذي يبعد (30) متراً عن المفترق(131).
اهتزت أركان المجتمع الإسرائيلي برمته جراء الهجوم الاستشهادي، واختل توازن حكومة اسحق رابين التي وجدت نفسها في مأزق حقيقي معقد دفع برئيسها إلى فض الاجتماع الدوري لها والمغادرة في طائرة عسكرية مروحية إلى نتانيا حيث كان المئات من المتظاهرين الغاضبين يرددون هتافات تقول: (رابين خائن) و(الموت للعرب) و(الموت لرابين.. رابين مجرم) و (الدم العربي هو الذي يجب أن يسفك وليس الدم اليهودي) احتجاجاً على سياسة الحكومة الأمنية. وبعد أن تجول بالمكان برفقة قائد الجبهة الداخلية في الجيش ورئيسي الشاباك والاستخبارات العسكرية، عقد اسحق رابين مؤتمراً صحافياً قرب المفترق وسط حراسة مشددة شاركت فيها الطائرات المروحية التي حلقت فوق المنطقة ساهمت في عمليات التفتيش وتوجيه الأطقم الأرضية لإقامة الحواجز العسكرية على طول الشارع الذي يصل بين مدينة طولكرم ومدينة نتانيا. وفيما بدت آثار الإرهاق والإحباط بادية وواضحة على وجهه، لم يستطع اسحق رابين إخفاء حزنه وتأثره، فبدأ خطابه قائلاً: «إنه يوم رهيب وفظيع وأليم بالنسبة لكل شعب إسرائيل.. إن الحل الأمثل والجذري على المدى المتوسط والبعيد هو الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بما لا يتيح للفلسطينيين من مواطني الضفة والقطاع الدخول إلى مناطق السيادة الإسرائيلية. وحتى هذا الفصل قد لا يمنع شخصاً انتحارياً مستعداً للموت من التسلل إلى داخل إسرائيل، إذ لا سلاح رادع في مواجهة انتحاري كهذا»(132). وأضاف رابين الذي كانت عيناه تبحثان طيلة الوقت في السقف عن الكلمات المناسبة مخاطباً المهندس دون أن يذكره بالاسم: «سننتصر عليكم وسنواصل السلام وضربكم ومطاردتكم في آن واحد، وأية حدود لن توقفنا وسنقضي عليكم»(133).
وأما رؤساء الأجهزة الأمنية والقادة العسكريون، فقد أجمعوا على ذكاء المهندس ومقدرته في التخطيط، وبالمقابل فشل أجهزتهم في وضع الإجراءات المناسبة للحيلولة دون نجاح ما يخطط له. فقد وصف الجنرال اساف حيفيتس، المفتش العام للشرطة العملية بقوله: «عملية التفجير تعتبر شديدة الإحكام ودقيقة. ووصول منفذي العملية إلى العمق الإسرائيلي هو فشل أمني يصعب تبريره»(134). وذهب الجنرال يعقوب بيري، رئيس جهاز الشاباك إلى أبعد من ذلك حين أعلن استقالته من منصبه بعد يومين من العملية حيث قبلها رئيس الوزراء بصفته مشرفاً على الجهاز، وعزت وسائل الإعلام الإسرائيلية سبب الاستقالة وموافقة رابين عليها إلى إخفاق الجنرال بيري في العثور على المهندس وإحباط العمليات الاستشهادية التي يجهزها ويشرف على تنفيذها(135).
وضمن السياق نفسه، أبرز المحللون العسكريون جرأة المخططين للعملية بتركيزهم على العسكريين. ومن المفيد في هذا الخصوص، استعراض ما كتبه امير اورن في دافار تحت عنوان (هزيمة الجيش الإسرائيلي في بيت ليد) والذي يرى بأن الهجوم يعد ضربة لجوهر قوة الدولة وأسطورة العزة الإسرائيلية، إذ جاء في التحليل: «هذه الأجواء الشعبية الحزينة، وما يرافقها من تخبطات سياسية، يجب ألا تطمس الحقيقة الخطيرة، وهي أن الجيش الإسرائيلي قد مني بهزيمة ذريعة، مقدارها الكمي انتزاع فصيلتين من حجم الجيش، ومقدارها النوعي خدش آخر لكلام أفضل جيش في العالم. فقد استطاع المتعصبون المسلمون أن يقوموا بعملية حرب عصابات واضحة، ضد جيش كبير مترهل وهش. وهذه ليست مجزرة، لأن الجنود سقطوا وهم موجودون في الحراسة. ولكن من ذا الذي يحرس الجنود؟ لقد أصبح كل جندي هدفاً للهجوم عليه أو اختطافه.. لو أتقنت القيادة والشرطة العسكرية مهمتها، لشعر كل عسكري، من الجندي حتى الميجر جنرال في مفرق بيت ليد، أنه نحشون فاكسمان القادم»(136).
المهندس من جهته التزم بقرار القيادة عدم إصدار بيان باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يتبنى العملية، ولكن بعض القيادات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحركت بدون موافقة المهندس حيث اتصل مجهول بوكالة أنباء أجنبية في القدس وأعلن مسؤولية كتائب الشهيد عز الدين القسام. وفي قطاع غزة، أعلن عدد من نشطاء الحركة مسؤولية حماس عن العملية عبر مكبرات الصوت في مساجد مدينة غزة(137). ويبدو أن هذه التحركات قد تلقت ضوءاً أخضراً حين نشرت القيادة التنظيمية لحركة حماس في قطاع غزة بياناً في الصفحة الأولى من صحيفة الوطن الناطقة باسم الحركة تنعى فيه الشهيدين صلاح شاكر وأنور سكر، ولم يقف الأمر عند ذلك، إذ حيت حركة حماس العملية الاستشهادية وكتب شبابها شعارات على جدران منزل الشهيدين في غزة ورفح عُرف منها: «تحية عطرة من حركة حماس إلى المجاهد الشهيد.. كتائب عز الدين القسام تعاهدك يا شهيد فلسطين على الثأر والانتقام لدمائك الطاهرة التي نزفت من أجل الله... لتتعانق روح الشهيد أنور سكر مع روح الشهيد صالح نزال لتصنع المجد والكرامة». وفي مدينة رفح، ظهر مسلحون ملثمون من كتائب القسام وأطلقوا النار في الهواء مساء يوم العملية تحية للشهيد صلاح شاكر(138).
كانت عملية بيت ليد الاستشهادية بمثابة انعطاف حاد في طبيعة الصراع القائم بين فصائل المقاومة الإسلامية والكيان الصهيوني بشكل عام، وبين المهندس واسحق رابين وأجهزته الأمنية بشكل خاص. إذ أن استمرار المهندس في توجيه الضربات العنيفة جعلت رابين وحزبه يفقدان مبرر وجودهما في السلطة أمام الجمهور الإسرائيلي الذي يريد الأمن باستمرار. ولذلك، انتفض رابين بشدة عندما مرر مرافقه العسكري التقارير الاستخبارية وتحاليل مختبرات خبراء المتفجرات في جهازي الشرطة والشاباك له أثناء تفقده آثار العملية البطولية. ويقول المحلل العسكري الشهير، زئيف شيف في تحليله للعملية الاستشهادية نشرته هآرتس يوم الاثنين الموافق 23/1/1995 ناقلاً بعض ما ورد في تلك التقارير: «يدل طابع العملية وأسلوب تنفيذها أن المهندس الفلسطيني يحيى عياش له ضلع فيها كما هو الحال في العمليات السابقة. وهناك علامة أخرى تدل على أن للمهندس ضلعاً في العملية هي وجود مواد متفجرة معيارية أضيفت إليها كميات كبيرة من المسامير، وبهذا الشكل يزداد عدد الإصابات. ولكن توجد تقديرات أن العملية نفذت بالتعاون بين حماس والجهاد الإسلامي، إذ يوجد مثل هذا التعاون في قطاع غزة منذ فترة من الزمن»(139).
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت أيضاً إلى ذلك حين كتبت: «ويجزم الخبراء العسكريون في حقل المتفجرات بأن ثمة تعاوناً وتنسيقاً بين حركة الجهاد الإسلامي التي تبنت العملية الانتحارية وحركة حماس التي تحمل العبوات المتفجرة بصمات المطلوب رقم واحد في إسرائيل. ويؤكد مراقبون أن إعلان حركة حماس مسؤوليتها -ولو بلسان فرد- عن تنفيذ العملية ثم تراجعها بعد تبني الجهاد الإسلامي، دليلاً على وجود نوع من التعاون الذي يزيد من فاعلية مثل هذه العمليات وتطورها»(140).
يقول مسؤول عسكري إسرائيلي أن رابين الذي اجتمع مع كبار القادة العسكريين والأمنيين بعد وقوع عملية بيت ليد استغرق في التفكير وهو يقلب ملفاً عن المهندس ثم التفت إليهم قائلاً: «إن أمر اعتقال يحيى عياش يجب أن يكون في رأس قائمة أولويات نشاطاتكم اعتباراً من هذه اللحظة»(141). ثم تابع رابين خلال عرضه تقويماً للأوضاع ولمسار الأمور الذي ستسلكه حكومته خلال المرحلة المقبلة بأن «الإرهاب الإسلامي الذي يعبر عن نفسه في العمليات الانتحارية يعتبر تهديداً ذا مغزى استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وعائقاً أمام تقدم مسيرة السلام. لأن ظاهرة الشبان الانتحاريين الفلسطينيين، ظاهرة صعبة وأشد خطورة من كل أنواع الإرهاب التي عرفناها حتى الآن»(142).
وحيال المأزق الذي واجهته الدولة والمجتمع، تحرك الجيش وحرس الحدود وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة في حملة مشتركة واسعة النطاق استهدفت تقويض البنية المدنية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمؤسسات الخيرية والاجتماعية والإنسانية التي تقدم العون والخدمات للمحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني بتهمة أن القائمين عليها يؤيدون الحركة الإسلامية ويعلنون مناصرتهم لها. وإلى جانب هذه المؤسسات، داهمت قوات الاحتلال مقرات رابطة علماء فلسطين والكتل الطلابية الإسلامية ونقابات العمال الإسلاميين ولجان الزكاة، حيث أشار روني شيكد -وهو مقرب من الشاباك- في تقرير خاص أعده لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية أدركت أن المؤسسات المدنية تعمل في خدمة الأجهزة السرية لحركة حماس وتقدم لها الغطاء الاقتصادي والسياسي ومخزوناً من القوى البشرية لنشاطات المهندس وكتائب عز الدين القسام(143).
ولم يكن توسيع حكومة اسحق رابين لجبهة المواجهة بحيث تشمل كافة أطر وأجهزة حركة حماس بالأمر الجديد، فقد اتبعت سلطات الاحتلال أساليب مشابهة بعد عمليات العفولة والخضيرة وتل أبيب. والجديد هذه المرة، هو إشراك مصورين تابعين لدائرة المتحدث العسكري الإسرائيلي خلال عمليات المداهمة، وهذا ما دفع مراسل صحيفة هآرتس العبرية ومعلقها لشؤون المناطق المحتلة، أوري نير إلى الاعتقاد بأن السلطات العسكرية الإسرائيلية أرادت من وراء هذه المواجهة التظاهر أمام الجمهور اليهودي بأنها تقوم باتخاذ إجراءات مضادة ضد «الإرهاب الإسلامي»(144).
ومع هذه الإجراءات، ازدادت المعركة بين المهندس والشاباك وبين المهندس والجيش الإسرائيلي شراسة. ففيما يتعلق بجهاز الشاباك الذي أجرى حملة تغييرات واسعة في صفوف الهيئات القيادية الأولى لمواجهة الأساليب المتطورة للمهندس، طالت خمسة من كبار المسؤولين وعلى رأسهم الجنرال جدعون عيزرا -نائب رئيس الجهاز- الذي كان يتولى قيادة الفريق المكلف بالبحث عن المهندس وتصفيته بالإضافة إلى الجنرال يعقوب بيري الذي قدم استقالته من الخدمة بعد عملية بيت ليد مباشرة، فقد عهد رابين إلى الجنرال كارمي غيون قيادة الجهاز وإثبات كفاءته ومهارته بالإجابة عن السؤال الذي يستهل به عادة اجتماعات القيادة المشتركة للموساد والشاباك وآمان، وهو أين المهندس؟. وجاء تعين الجنرال غيون على رأس الشاباك ليس لبراعته الفائقة في التعامل مع مثيري الاضطرابات من اليهود المتدينين وإنما لقدرته المفترضة على مواجهة التهديد الجديد الذي تشكله كتائب الشهيد عز الدين القسام وعلى رأسها القائد العبقري يحيى عياش. ولم يكن استبدال الجنرال غيون لرؤساء الأقسام الرئيسة والضابط المسؤول عن متابعة شؤون العملاء العرب العاملين لحساب الشاباك بأجيال شابة من الخبراء المحترفين في مجال الاستخبارات يتمتعون بكفاءات عالية مجرد إشارة عابرة على ضخ دماء جديدة في الجهاز، فقد علق أحد ضباط الشاباك على هذه التغييرات بقوله: «علينا أن نغير الاتجاه لأننا نواجه الآن عدواً من نوع مختلف»، في إشارة مؤكدة للمهندس(145). وإلى جانب ذلك، عبر التصريح الذي أدلى به رئيس الشاباك الجديد عن مغزى اختياره لهذا المنصب، إذ نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن الجنرال كارمي غيون قوله: «لا أذكر، منذ سنوات طويلة جهداً مكثفاً ومركزاً يشارك فيه مثل هذا العدد الضخم من الناس من أجل ملاحقة شخص واحد كما هي هذه الحالة. فمنذ بضعة أشهر تبذل قوات الأمن جهوداً حثيثة ومكثفة ليلاً ونهاراً في سبيل اعتقال المهندس الذي توارى عن الأنظار قبل نحو سنتين، ومنذ ذلك الحين اختفى وكأن الأرض انشقت وابتلعته». وأضاف غيون: «إن عياش يبرهن على قدرة عالية جداً في البقاء، وقد تبين أنه ذكي ومتملص وبارع. وعلى ما يبدو فهو يحرص على استبدال مخبئه بوتيرة عالية، وهذا يجعل عملية العثور عليه بالغة الصعوبة. ورغم ذلك، فإن إلقاء القبض عليه هي مسألة وقت فقط. فالرجل يعيش في زمن مستعار»(146).
تكذب وتفتري علي الله ثم علي العباد
وتقول ان من جهز أبطال عملية بيت ليد البطولية هو يحي عياش رحمه الله
وان من خطط للعملية هم رجال القسام
وأن من انتقم لشهداء الجهاد الاسلامي علي حد زعمهم هم أبطال القسام
واليوم وفي ذكري العملية المباركة ينشرون كلامهم الحاقد عبر مواقعم ومنتدياتهم
وكذبهم علي الله وعلي فرسان الجهاد الاسلامي
والقوي الاسلامية المجاهدة قسم
انظروا الي الكذب الكثير والذي يسرده الكاذبون علي الله وعلي الشهيد يحي عياش
اليكم أحد مواقعهم الكاذبة وموضوع العملية
http://www.palestine-info.com/arabic...sh/ayash10.htm
وموقع آخر
http://www.fm-m.com/2006/Jan2006/story15.htm
في ضوء الحقائق التي تراءت، وضع أبو البراء مخططات مفترق بيت ليد أو ما يعرف باسم مفترق هشارون إسرائيلياً أمام القيادة العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة وشرح لإخوانه طبيعة هذا المفترق وأهميته لجنود الاحتلال، وتفاصيل العملية المقترحة ودور مجموعات الضفة الغربية في الدعم والإسناد وما يريده من المجموعات العاملة تحت قيادة محمد الضيف وكمال كحيل. وبعد دراسة مستفيضة لمشروع العملية، باركت القيادة العسكرية الخطة وأعطت الضوء الأخضر للتنفيذ بشرط ألا يصدر إعلان مسؤولية أو تبني باسم حركة حماس، حفاظاً على سرية وجود المهندس في قطاع غزة.
يعتبر مفترق بيت ليد من بين المفترقات الأكثر ازدحاماً في فلسطين المحتلة، وطبقاً لتقديرات دائرة المواصلات الإسرائيلية العامة، فإن ما يقرب من ثمانين ألف سيارة وحافلة تعبر هذا المفترق يومياً. وتتوزع من الموقع الاستراتيجي حركة المرور بين مناطق غوش دان والخضيرة وحيفا في شارع رقم (4) وبين مدن ناتانيا وطولكرم ونابلس في شارع رقم (57). وقد جعل الموقع المركزي للمفترق بين مناطق غوش دان (منطقة تل أبيب الكبرى) وشمال فلسطين منه نقطة انطلاق ونقل رئيسة للجنود الإسرائيليين في طريقهم إلى معسكراتهم وثكناتهم الكائنة في الضفة الغربية، ومكاناً يغص بالجنود الذين يسافرون بالحافلات إلى الخضيرة وحيفا وطبريا وكريات شمونة أو باتجاه تل أبيب والقدس. وإلى جانب ذلك، يوجد بمحاذاة المفترق سجن كفاريونا الذي يحتجز فيه مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين(127).
ووفق الوقائع التي نشرت في وسائل الإعلام، واعترافات المجاهد عبد الحليم البلبيسي (29 عاماً) التي انتزعها الشاباك منه بالقوة وعن طريق استخدام أسلوب الهز العنيف بعد اعتقاله في 6 كانون أول (ديسمبر) 1995م، فإننا نستطيع رسم المخطط الذي وضعه المهندس على النحو التالي:
1- تجهيز ثلاثة حقائب، شبيهة بتلك التي يحملها جنود الاحتلال، بنحو عشرة كيلو جرامات من المتفجرات شديدة الانفجار لكل حقيبة.
2- يرشح قادة الكتائب في غزة ثلاثة من المجاهدين الاستشهاديين، ويقوم المهندس بتدريبهم على تشغيل المتفجرات.
3- تقوم مجموعات الإسناد بنقل المجاهدين الثلاثة من قطاع غزة إلى مدينة القدس.
4- تتولى مجموعات الإسناد في القدس استقبال المجاهدين كل على حدة، وتعمل على توفير ملابس عسكرية لهم ثم تقوم بنقلهم إلى منطقة شمال الضفة الغربية.
5- مجموعات الرصد والاستطلاع في منطقة شمال الضفة الغربية مسؤولة عن رصد المفترق والحراسات الإسرائيلية وأي تغيرات تطرأ حولها.
6- تقوم مجموعات الإسناد في الشمال بنقل المجاهدين الثلاثة إلى المفترق في يوم الأحد الموافق 22 كانون الثاني (يناير) ،1995 حيث تصل في أيام الآحاد من كل أسبوع حافلات لنقل أو إنزال الجنود الذين يخرجون في إجازات من الخدمة العسكرية أو يعودون من إجازاتهم للالتحاق بوحداتهم.
7- يقوم المجاهد الأول بتفجير عبواته قرب الاستراحة والكافتيريا التي يرتادها الجنود. وبعد أن يخرج الجنود من المحطة المحمية جيداً هرباً، يتسلل المجاهد الثاني بينهم ويحيط بأكبر عدد ممكن منهم ثم يفجر حقيبته المفخخة. وأما الثالث، فإنه ينتظر قدوم طواقم الإنقاذ ووحدات التعزيز والحراسة ليفجر عبواته الناسفة وسط الحشود الكثيفة.
ترشح للعملية ثلاثة مجاهدين من قطاع غزة، نجح منهم اثنان في الوصول للهدف وتنفيذ الدور المطلوب منه بينما تأخرت مجموعات الإسناد في إيصال المجاهد الثالث إلى المفترق في الوقت المحدد مما جعل أمر تنفيذ ما خرج لأجله صعب التحقيق. وأما المجاهدان اللذان وصلا مفترق بيت ليد في الوقت المحدد فكان أحدهما صلاح عبد الحميد شاكر محمد (27 عاماً) وهو من سكان مخيم يبنا بمدينة رفح، واعتقل خلال الانتفاضة لمدة (18) يوماً وأصيب ست مرات. وكان صلاح قد انضم في بداية دراسته الثانوية إلى حركة الجهاد الإسلامي، إذ أن أخوته الكبار ينتمون إليها، ولكنه ترك الحركة وانضم لحماس التي أفرزته بعد عمليتي العفولة والخضيرة إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام وعمل في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة. والمجاهد الثاني الذي نجح في الوصول للهدف، هو البطل أنور محمد عطية سكر (25 عاماً) الذي يسكن قرب مسجد الشهداء بحي الشجاعية في مدينة غزة. واعتقل أنور مرة واحدة خلال الانتفاضة وقضى أحد عشر شهراً في سجون الاحتلال، وعند قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، اعتقل مرتين خلال الحملات التي نفذتها شرطة الحكم الذاتي ضد المجاهدين(128).
وبعد أن قام المهندس بتدريب المجاهدين الثلاثة وتوجيههم، كلف المجاهد عبد الحليم البلبيسي بالتنسيق مع القائد محمود الخواجة والمجاهدين نضال برعي وأيمن الرزاينة وعلاء الأعرج، وهم من أبطال حركة الجهاد الإسلامي لترتيب عملية مغادرتهم لقطاع غزة. وفي نفس الوقت، أجرى المهندس اتصالاته مع المجموعات التي أقامها في القدس ونابلس وطولكرم ورتب معها كافة التفاصيل المتعلقة بنجاح الهجوم وتعليمات الانسحاب من المكان بعد إيصال المجاهدين. وسارت الأمور كما رتب لها بالنسبة للمجاهدين صلاح وأنور اللذين ارتديا زي الجنود الإسرائيليين ووقفا في صباح يوم الأحد الموافق 22 كانون الثاني (يناير) 1995 في محطة الحافلات العسكرية بانتظار تجمع مئات الجنود. وحسب الخطة المعدة، دخل المجاهد أنور سكر الاستراحة والكافتيريا التي يرتادها الجنود وفجر عبواته الناسفة في نحو الساعة التاسعة وعشرون دقيقة مما أدى إلى تدمير المبنى وسقوط عدد كبير من الجنود بين قتيل وجريح. وعلى الأثر، خرج العشرات من الجنود الذين نجوا من الإصابة وهم في حالة فزع شديد وعدد منهم يبكي من هول الانفجار، وتجمع حول هؤلاء جمهرة من الجنود الذين وصلوا لتوهم إلى المفترق. وبعد دقيقتين إلى ثلاثة دقائق من التفجير الأول، تسلل المجاهد صلاح شاكر بين العشرات من العسكريين الإسرائيليين المذهولين من مشهد أشلاء القتلى والجرحى، وقام بتفجير الحقيبة التي يحملها بينهم مما أدى إلى سقوط عدد أكبر من الإصابات واحتراق حافلة عسكرية بالكامل بالإضافة إلى عدد من السيارات المتوقفة في المكان(129).
شكلت العملية البطولية للشهيدين صلاح وأنور سابقة متقدمة في تاريخ الجهاد على أرض فلسطين، فهي العملية الأولى من نوعها التي تستهدف هذا العدد من جنود الاحتلال وتحقق هذا النجاح على صعيد التخطيط والتنفيذ. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المهندس عرف أين هو مكمن ضعف الكيان الصهيوني، فوجه ضربته بإتقان مخترقاً أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تتمتع بسمعة خرافية. وجعل الآلاف من الإسرائيليين يتجمعون في مدافن الجيش ويبكون بألم أمام جثث الجنود القتلى عبرت عنه صحيفة هيرالدتربيون البريطانية بقولها: «فيضان من الدمع ينهمر عندما دفنت الدولة المضطربة شبابها»(130). ولم تقتصر آثار الهجوم الاستشهادي على سقوط اثنان وعشرون قتيلاً (أربعة ضباط وثمانية عشر جندياً وضابط صف) وخمسة وستون جريحاً من المظليين، فقد بدا المفترق أشبه ببقايا معركة خاطفة حيث تناثرت أشلاء القتلى والجرحى وطارت أجزاء من أجسامهم المحترقة في الهواء وتعلق بعضها فوق الأشجار، وتناثرت الأكياس والحقائب التي كان يحملها الجنود وبعض البزات العسكرية والعديد من البنادق المحطمة والتي تفتت إلى قطع، فيما انتشر الدمار الذي لحق بالمحطة وقطع السيارات وبقع الدماء في دائرة قطرها نحو (200) متر. كما أدى الانفجاران إلى اقتلاع بعض الأشجار القريبة وتطاير زجاج سجن كفاريونا الذي يبعد (30) متراً عن المفترق(131).
اهتزت أركان المجتمع الإسرائيلي برمته جراء الهجوم الاستشهادي، واختل توازن حكومة اسحق رابين التي وجدت نفسها في مأزق حقيقي معقد دفع برئيسها إلى فض الاجتماع الدوري لها والمغادرة في طائرة عسكرية مروحية إلى نتانيا حيث كان المئات من المتظاهرين الغاضبين يرددون هتافات تقول: (رابين خائن) و(الموت للعرب) و(الموت لرابين.. رابين مجرم) و (الدم العربي هو الذي يجب أن يسفك وليس الدم اليهودي) احتجاجاً على سياسة الحكومة الأمنية. وبعد أن تجول بالمكان برفقة قائد الجبهة الداخلية في الجيش ورئيسي الشاباك والاستخبارات العسكرية، عقد اسحق رابين مؤتمراً صحافياً قرب المفترق وسط حراسة مشددة شاركت فيها الطائرات المروحية التي حلقت فوق المنطقة ساهمت في عمليات التفتيش وتوجيه الأطقم الأرضية لإقامة الحواجز العسكرية على طول الشارع الذي يصل بين مدينة طولكرم ومدينة نتانيا. وفيما بدت آثار الإرهاق والإحباط بادية وواضحة على وجهه، لم يستطع اسحق رابين إخفاء حزنه وتأثره، فبدأ خطابه قائلاً: «إنه يوم رهيب وفظيع وأليم بالنسبة لكل شعب إسرائيل.. إن الحل الأمثل والجذري على المدى المتوسط والبعيد هو الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بما لا يتيح للفلسطينيين من مواطني الضفة والقطاع الدخول إلى مناطق السيادة الإسرائيلية. وحتى هذا الفصل قد لا يمنع شخصاً انتحارياً مستعداً للموت من التسلل إلى داخل إسرائيل، إذ لا سلاح رادع في مواجهة انتحاري كهذا»(132). وأضاف رابين الذي كانت عيناه تبحثان طيلة الوقت في السقف عن الكلمات المناسبة مخاطباً المهندس دون أن يذكره بالاسم: «سننتصر عليكم وسنواصل السلام وضربكم ومطاردتكم في آن واحد، وأية حدود لن توقفنا وسنقضي عليكم»(133).
وأما رؤساء الأجهزة الأمنية والقادة العسكريون، فقد أجمعوا على ذكاء المهندس ومقدرته في التخطيط، وبالمقابل فشل أجهزتهم في وضع الإجراءات المناسبة للحيلولة دون نجاح ما يخطط له. فقد وصف الجنرال اساف حيفيتس، المفتش العام للشرطة العملية بقوله: «عملية التفجير تعتبر شديدة الإحكام ودقيقة. ووصول منفذي العملية إلى العمق الإسرائيلي هو فشل أمني يصعب تبريره»(134). وذهب الجنرال يعقوب بيري، رئيس جهاز الشاباك إلى أبعد من ذلك حين أعلن استقالته من منصبه بعد يومين من العملية حيث قبلها رئيس الوزراء بصفته مشرفاً على الجهاز، وعزت وسائل الإعلام الإسرائيلية سبب الاستقالة وموافقة رابين عليها إلى إخفاق الجنرال بيري في العثور على المهندس وإحباط العمليات الاستشهادية التي يجهزها ويشرف على تنفيذها(135).
وضمن السياق نفسه، أبرز المحللون العسكريون جرأة المخططين للعملية بتركيزهم على العسكريين. ومن المفيد في هذا الخصوص، استعراض ما كتبه امير اورن في دافار تحت عنوان (هزيمة الجيش الإسرائيلي في بيت ليد) والذي يرى بأن الهجوم يعد ضربة لجوهر قوة الدولة وأسطورة العزة الإسرائيلية، إذ جاء في التحليل: «هذه الأجواء الشعبية الحزينة، وما يرافقها من تخبطات سياسية، يجب ألا تطمس الحقيقة الخطيرة، وهي أن الجيش الإسرائيلي قد مني بهزيمة ذريعة، مقدارها الكمي انتزاع فصيلتين من حجم الجيش، ومقدارها النوعي خدش آخر لكلام أفضل جيش في العالم. فقد استطاع المتعصبون المسلمون أن يقوموا بعملية حرب عصابات واضحة، ضد جيش كبير مترهل وهش. وهذه ليست مجزرة، لأن الجنود سقطوا وهم موجودون في الحراسة. ولكن من ذا الذي يحرس الجنود؟ لقد أصبح كل جندي هدفاً للهجوم عليه أو اختطافه.. لو أتقنت القيادة والشرطة العسكرية مهمتها، لشعر كل عسكري، من الجندي حتى الميجر جنرال في مفرق بيت ليد، أنه نحشون فاكسمان القادم»(136).
المهندس من جهته التزم بقرار القيادة عدم إصدار بيان باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يتبنى العملية، ولكن بعض القيادات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحركت بدون موافقة المهندس حيث اتصل مجهول بوكالة أنباء أجنبية في القدس وأعلن مسؤولية كتائب الشهيد عز الدين القسام. وفي قطاع غزة، أعلن عدد من نشطاء الحركة مسؤولية حماس عن العملية عبر مكبرات الصوت في مساجد مدينة غزة(137). ويبدو أن هذه التحركات قد تلقت ضوءاً أخضراً حين نشرت القيادة التنظيمية لحركة حماس في قطاع غزة بياناً في الصفحة الأولى من صحيفة الوطن الناطقة باسم الحركة تنعى فيه الشهيدين صلاح شاكر وأنور سكر، ولم يقف الأمر عند ذلك، إذ حيت حركة حماس العملية الاستشهادية وكتب شبابها شعارات على جدران منزل الشهيدين في غزة ورفح عُرف منها: «تحية عطرة من حركة حماس إلى المجاهد الشهيد.. كتائب عز الدين القسام تعاهدك يا شهيد فلسطين على الثأر والانتقام لدمائك الطاهرة التي نزفت من أجل الله... لتتعانق روح الشهيد أنور سكر مع روح الشهيد صالح نزال لتصنع المجد والكرامة». وفي مدينة رفح، ظهر مسلحون ملثمون من كتائب القسام وأطلقوا النار في الهواء مساء يوم العملية تحية للشهيد صلاح شاكر(138).
كانت عملية بيت ليد الاستشهادية بمثابة انعطاف حاد في طبيعة الصراع القائم بين فصائل المقاومة الإسلامية والكيان الصهيوني بشكل عام، وبين المهندس واسحق رابين وأجهزته الأمنية بشكل خاص. إذ أن استمرار المهندس في توجيه الضربات العنيفة جعلت رابين وحزبه يفقدان مبرر وجودهما في السلطة أمام الجمهور الإسرائيلي الذي يريد الأمن باستمرار. ولذلك، انتفض رابين بشدة عندما مرر مرافقه العسكري التقارير الاستخبارية وتحاليل مختبرات خبراء المتفجرات في جهازي الشرطة والشاباك له أثناء تفقده آثار العملية البطولية. ويقول المحلل العسكري الشهير، زئيف شيف في تحليله للعملية الاستشهادية نشرته هآرتس يوم الاثنين الموافق 23/1/1995 ناقلاً بعض ما ورد في تلك التقارير: «يدل طابع العملية وأسلوب تنفيذها أن المهندس الفلسطيني يحيى عياش له ضلع فيها كما هو الحال في العمليات السابقة. وهناك علامة أخرى تدل على أن للمهندس ضلعاً في العملية هي وجود مواد متفجرة معيارية أضيفت إليها كميات كبيرة من المسامير، وبهذا الشكل يزداد عدد الإصابات. ولكن توجد تقديرات أن العملية نفذت بالتعاون بين حماس والجهاد الإسلامي، إذ يوجد مثل هذا التعاون في قطاع غزة منذ فترة من الزمن»(139).
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت أيضاً إلى ذلك حين كتبت: «ويجزم الخبراء العسكريون في حقل المتفجرات بأن ثمة تعاوناً وتنسيقاً بين حركة الجهاد الإسلامي التي تبنت العملية الانتحارية وحركة حماس التي تحمل العبوات المتفجرة بصمات المطلوب رقم واحد في إسرائيل. ويؤكد مراقبون أن إعلان حركة حماس مسؤوليتها -ولو بلسان فرد- عن تنفيذ العملية ثم تراجعها بعد تبني الجهاد الإسلامي، دليلاً على وجود نوع من التعاون الذي يزيد من فاعلية مثل هذه العمليات وتطورها»(140).
يقول مسؤول عسكري إسرائيلي أن رابين الذي اجتمع مع كبار القادة العسكريين والأمنيين بعد وقوع عملية بيت ليد استغرق في التفكير وهو يقلب ملفاً عن المهندس ثم التفت إليهم قائلاً: «إن أمر اعتقال يحيى عياش يجب أن يكون في رأس قائمة أولويات نشاطاتكم اعتباراً من هذه اللحظة»(141). ثم تابع رابين خلال عرضه تقويماً للأوضاع ولمسار الأمور الذي ستسلكه حكومته خلال المرحلة المقبلة بأن «الإرهاب الإسلامي الذي يعبر عن نفسه في العمليات الانتحارية يعتبر تهديداً ذا مغزى استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وعائقاً أمام تقدم مسيرة السلام. لأن ظاهرة الشبان الانتحاريين الفلسطينيين، ظاهرة صعبة وأشد خطورة من كل أنواع الإرهاب التي عرفناها حتى الآن»(142).
وحيال المأزق الذي واجهته الدولة والمجتمع، تحرك الجيش وحرس الحدود وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة في حملة مشتركة واسعة النطاق استهدفت تقويض البنية المدنية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمؤسسات الخيرية والاجتماعية والإنسانية التي تقدم العون والخدمات للمحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني بتهمة أن القائمين عليها يؤيدون الحركة الإسلامية ويعلنون مناصرتهم لها. وإلى جانب هذه المؤسسات، داهمت قوات الاحتلال مقرات رابطة علماء فلسطين والكتل الطلابية الإسلامية ونقابات العمال الإسلاميين ولجان الزكاة، حيث أشار روني شيكد -وهو مقرب من الشاباك- في تقرير خاص أعده لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية أدركت أن المؤسسات المدنية تعمل في خدمة الأجهزة السرية لحركة حماس وتقدم لها الغطاء الاقتصادي والسياسي ومخزوناً من القوى البشرية لنشاطات المهندس وكتائب عز الدين القسام(143).
ولم يكن توسيع حكومة اسحق رابين لجبهة المواجهة بحيث تشمل كافة أطر وأجهزة حركة حماس بالأمر الجديد، فقد اتبعت سلطات الاحتلال أساليب مشابهة بعد عمليات العفولة والخضيرة وتل أبيب. والجديد هذه المرة، هو إشراك مصورين تابعين لدائرة المتحدث العسكري الإسرائيلي خلال عمليات المداهمة، وهذا ما دفع مراسل صحيفة هآرتس العبرية ومعلقها لشؤون المناطق المحتلة، أوري نير إلى الاعتقاد بأن السلطات العسكرية الإسرائيلية أرادت من وراء هذه المواجهة التظاهر أمام الجمهور اليهودي بأنها تقوم باتخاذ إجراءات مضادة ضد «الإرهاب الإسلامي»(144).
ومع هذه الإجراءات، ازدادت المعركة بين المهندس والشاباك وبين المهندس والجيش الإسرائيلي شراسة. ففيما يتعلق بجهاز الشاباك الذي أجرى حملة تغييرات واسعة في صفوف الهيئات القيادية الأولى لمواجهة الأساليب المتطورة للمهندس، طالت خمسة من كبار المسؤولين وعلى رأسهم الجنرال جدعون عيزرا -نائب رئيس الجهاز- الذي كان يتولى قيادة الفريق المكلف بالبحث عن المهندس وتصفيته بالإضافة إلى الجنرال يعقوب بيري الذي قدم استقالته من الخدمة بعد عملية بيت ليد مباشرة، فقد عهد رابين إلى الجنرال كارمي غيون قيادة الجهاز وإثبات كفاءته ومهارته بالإجابة عن السؤال الذي يستهل به عادة اجتماعات القيادة المشتركة للموساد والشاباك وآمان، وهو أين المهندس؟. وجاء تعين الجنرال غيون على رأس الشاباك ليس لبراعته الفائقة في التعامل مع مثيري الاضطرابات من اليهود المتدينين وإنما لقدرته المفترضة على مواجهة التهديد الجديد الذي تشكله كتائب الشهيد عز الدين القسام وعلى رأسها القائد العبقري يحيى عياش. ولم يكن استبدال الجنرال غيون لرؤساء الأقسام الرئيسة والضابط المسؤول عن متابعة شؤون العملاء العرب العاملين لحساب الشاباك بأجيال شابة من الخبراء المحترفين في مجال الاستخبارات يتمتعون بكفاءات عالية مجرد إشارة عابرة على ضخ دماء جديدة في الجهاز، فقد علق أحد ضباط الشاباك على هذه التغييرات بقوله: «علينا أن نغير الاتجاه لأننا نواجه الآن عدواً من نوع مختلف»، في إشارة مؤكدة للمهندس(145). وإلى جانب ذلك، عبر التصريح الذي أدلى به رئيس الشاباك الجديد عن مغزى اختياره لهذا المنصب، إذ نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن الجنرال كارمي غيون قوله: «لا أذكر، منذ سنوات طويلة جهداً مكثفاً ومركزاً يشارك فيه مثل هذا العدد الضخم من الناس من أجل ملاحقة شخص واحد كما هي هذه الحالة. فمنذ بضعة أشهر تبذل قوات الأمن جهوداً حثيثة ومكثفة ليلاً ونهاراً في سبيل اعتقال المهندس الذي توارى عن الأنظار قبل نحو سنتين، ومنذ ذلك الحين اختفى وكأن الأرض انشقت وابتلعته». وأضاف غيون: «إن عياش يبرهن على قدرة عالية جداً في البقاء، وقد تبين أنه ذكي ومتملص وبارع. وعلى ما يبدو فهو يحرص على استبدال مخبئه بوتيرة عالية، وهذا يجعل عملية العثور عليه بالغة الصعوبة. ورغم ذلك، فإن إلقاء القبض عليه هي مسألة وقت فقط. فالرجل يعيش في زمن مستعار»(146).
تعليق